لا مستحيل مع الشغف بالمعرفة.. حتى الضوء ينحني حين نفهمه
مع تزايد عدد الجامعات، سواءً الخاصة أو الحكومية، نشهد حالة من التعويم الأكاديمي، حيث أصبح العرض في بعض التخصصات يفوق الطلب في سوق العمل. في ظل غياب سياسة حكومية رشيدة، تتكدس أعداد كبيرة من الخريجين في مجالات لا تلبي احتياجات السوق الفعلية، بينما تظل المهن التقنية والحرفية تعاني نقصًا حادًا في الكوادر المؤهلة.
لو تم التركيز على تطوير المعاهد والكليات التقنية والمهنية، لكانت النتيجة رفد سوق العمل بخبرات عملية قادرة على الإنتاج المباشر، بل وتمكين الأفراد من تأسيس مشاريعهم الخاصة، سواء بشكل فردي أو بالتعاون مع زملائهم. هذا النهج من شأنه أن يسهم في خلق فرص عمل جديدة، وتعزيز الاقتصاد من خلال تحفيز الصناعات المحلية والمهن الحرفية.
إلا أن الواقع الحالي يعكس اتجاهًا مغايرًا، حيث تتسابق الجامعات على تقديم برامج دراسات عليا، خاصة في مجالات أكاديمية غير منتجة وغير صناعية، دون مراعاة للجودة والمعايير العلمية. في كثير من الحالات، تصبح هذه البرامج مجرد وسيلة لجني الرسوم من قبل الجامعات، بينما يسعى بعض الطلاب للحصول على شهادات وألقاب دون اكتساب المهارات الحقيقية المطلوبة في سوق العمل.
هذه الظاهرة أدت إلى تراجع الكفاءة الأكاديمية، حيث تُمنح بعض الشهادات العليا بطرق تفتقر إلى الجدية العلمية، ما يساهم في تضخم أعداد الحاصلين على مؤهلات عليا دون أن يكون لهم مكان حقيقي في سوق العمل، خاصة عند التنافس وفق معايير واختبارات صارمة خارج البلاد.
إن معالجة هذا الخلل تتطلب إعادة النظر في السياسات التعليمية، وربط البرامج الأكاديمية باحتياجات السوق، مع تعزيز التعليم المهني والتقني كخيار أساسي، وليس مجرد بديل ثانوي. عندها فقط، يمكن تحقيق التوازن بين التعليم وسوق العمل، بما يسهم في تحسين الاقتصاد وتقليل معدلات البطالة بين الخريجين.