لا مستحيل مع الشغف بالمعرفة.. حتى الضوء ينحني حين نفهمه
تخيل قطرة ماء..
تلك القطرة التي تمسك بها الآن، أو تبلل بها شفتيك،
ربما لم تولد هنا، ولا حتى على هذه الأرض.
بل تشكلت قبل مليارات السنين، في قلب نجم بعيد، داخل مجرة سحيقة،
وسط انفجارات نووية كونية، اندمجت ذراتها وتجمّعت، ثم انطلقت في رحلتها عبر الفضاء.
سافرت القطرة..
عبرت العصور، عبرت الفراغ، حتى حطّت يومًا على كوكب أزرق اسمه "الأرض".
ومنذ ذلك الحين، وهي لا تتوقف عن الدوران.
تصعد بخارًا إلى السماء،
تتكثّف، ثم تهطل من جديد.
تسري في الجداول، تدخل في أغصان الأشجار، تسقي الحقول،
وتنهمر فوق وجوهٍ تنتظر الغيث.
ربما شربها ذات يوم جندي عطشان عند ضفاف نهر..
أو ظالم جلس على كرسي الحكم يشربها ببطء..
أو متسول صغير التقطها من ماء آسن كي يبلّ رمقه.
ربما شربتها شجرة عملاقة، أو سمكة في أعماق البحر،
أو حشرة صغيرة على ورقة ندى..
وربما.. فقط ربما، شربها نبي أو وليّ أو شاعر في لحظة وحي.
ثم ها هي اليوم في كأسك.
لكنها لن تبقى..
ستخرج، كما دخلت، وتكمل دورتها..
قد تدخل جسد إنسان آخر، أو ورقة، أو نبع، أو غيمة..
فهي لا تتوقف، لا تموت، لا تنسى الطريق.
هل تأملت هذا من قبل؟
أنك لا تشرب مجرد ماء..
بل تشرب ذاكرة كونية،
تاريخًا حيًّا،
وشهادة على أن الحياة ما هي إلا دورة لا تنتهي.. صعودًا وهبوطًا.. حضورًا ورحيلًا.