لا مستحيل مع الشغف بالمعرفة.. حتى الضوء ينحني حين نفهمه
يشيع في الخطابات الفلسفية والدينية وحتى في الحياة اليومية تصورٌ مبسّط للعالم يقوم على فكرة "الثنائيات": الخير والشر، الصواب والخطأ، النور والظلام، الأبيض والأسود. وكأن العالم مقسوم إلى قطبين لا ثالث لهما. غير أن هذه النظرة، على الرغم من بساطتها ووضوحها الظاهري، لا تعكس حقيقة الحياة بكل تعقيداتها.
فالحياة لا تُختزل في ضدين متقابلين، بل هي أشبه بطيف واسع من الألوان والتدرجات، تُمثّل الحالات المتنوعة بين كل طرفين متقابلين. بين الأبيض والأسود، هناك آلاف الظلال الرمادية، بل ودرجات من الألوان التي لا تنتمي لأي من الطرفين. وبين الخير والشر، هناك أفعال ونوايا ومواقف يصعب تصنيفها بسهولة، لأنها مشوبة بالمصالح، والخوف، والتأويل، والجهل، وحتى النية الطيبة التي تفضي أحيانًا إلى نتائج سيئة. بل هناك نسب في الشر من الخير ونسب أيضا من الشر في الخير وبدرجات متفاوته ، بل إن تعدد زوايا الرؤية للفعل الواحد يمنحه عدة درجات تبعا للرائي وتحيزاته وتطلعاته.
هذه التدرجات ليست دليلًا على الفوضى، بل على التعقيد الإنساني العميق. فحتى في العلم، لم يعد مقبولًا الحديث عن حالات "مطلقة"، بل نتحرك في فضاء من الاحتمالات والتقريبات والنسب. وكذلك في الأخلاق، بات من الضروري فهم السياق، والدوافع، والنتائج، بدلًا من الاقتصار على التصنيفات القاطعة.
فالعالم لا يسير بثنائية صارمة، بل بتداخلات وتشابكات معقدة، تتطلب منا بصيرة تتجاوز الأحكام الجاهزة، وتمنحنا قدرة على التفهم لا على الإدانة. وهذا ما يخلق في الفرد الواعي تقبل التعايش مع كل الإختلافات سواء في الثقافة أو المعتقد أو غيرها فالحياة واسعة وغنية جدا بالتنوع في طبيعتها ومن يرد الحكم عليها بصرامة الثنائية سيفشل حتما.