لا مستحيل مع الشغف بالمعرفة.. حتى الضوء ينحني حين نفهمه
تمثل السياسات التربوية في الصفوف الثلاثة الأولى من التعليم الأساسي نقطة ارتكاز فارقة في مسار تشكيل وعي الطفل وبناء شخصيته التعليمية والمعرفية. ومن هذا المنطلق، فإن تأخير تعليم اللغة الأجنبية حتى الصف الرابع يُعد خطوة تربوية سليمة من حيث المبدأ العلمي، شرط أن يُنظر إليه كجزء من استراتيجية شاملة لا كإجراء معزول عن بقية التحديات البنيوية التي يعاني منها التعليم في اليمن.
أولًا: اللغة الأم أساس التعلم السليم
تؤكد الدراسات التربوية واللغوية أن الطفل الذي يتعلم بلغته الأم في المراحل الأولى يمتلك قاعدة معرفية متينة تؤهله لاحقًا لتعلم اللغات الأجنبية بشكل أسرع وأكثر فاعلية. فاللغة ليست مجرد أداة تواصل، بل هي وعاء للفكر، وبنية للعقل، ووسيلة لفهم الذات والعالم. وتُعد اللغة الأم حجر الزاوية في بناء الهوية والانتماء الثقافي.
ثانيًا: ضرورة إدخال اللغة الإنجليزية تدريجيًا من الصف الرابع
مع التسليم بأهمية اللغة الأم، تظل اللغة الإنجليزية مفتاحًا أساسيًا للتواصل مع العالم في عصرنا الحالي، بل في بعض الدول يدرس الطالب عدة لغات أجنبية أخرى، فاللغات مفتاح الوصول إلى مصادر المعرفة، والمشاركة في الاقتصاد الرقمي العالمي. لذا فإن إدخال اللغة الإنجليزية في الصف الرابع في المدارس الحكومية، بعد تأسيس الطفل لغويًا وفكريًا، يمثل خيارًا تربويًا متوازنًا يحقق الكفاءة دون إرباك مبكر للطفل.
لكن هذا الإدخال يجب أن يكون مدروسًا ومواكبًا لاحتياجات الطالب، لا مجرد ترجمة لنصوص جاهزة أو حشو منهجي. يجب إعداد معلمي اللغة الأجنبية إعدادًا جيدًا، وتطوير الوسائل التعليمية، وتكييف المناهج لتراعي السياق الثقافي واللغوي المحلي.
ثالثًا: مشكلة التعليم أعمق من لغة التدريس
إن التركيز المفرط على موضوع اللغة، مع تجاهل أسباب تدني التعليم على المستوى البنيوي، يُعد انحرافًا عن جوهر المشكلة. فالمشكلة الحقيقية لا تكمن فقط في توقيت تعليم اللغة الأجنبية، بل في:
ضعف البنية التحتية للمؤسسات التعليمية.
غياب التدريب المستمر للمعلمين.
عدم مواءمة المناهج لاحتياجات المجتمع وسوق العمل.
انعدام الحوافز للكوادر التربوية والمستحقات الأساسية.
غياب المساءلة، والتخطيط القائم على الأدلة، والتمويل المستقر.
رابعًا: ضرورة تشكيل لجنة علمية مستقلة لإصلاح التعليم
أية محاولة لإصلاح التعليم ينبغي أن تبدأ بـتشكيل لجنة علمية وبحثية تربوية عالية الكفاءة، ومستقلة من الناحية الإدارية والفكرية، تُمنح كامل الحرية والصلاحية لبحث جذور الإشكاليات التعليمية. وينبغي أن:
تتبع اللجنة منهجيات علمية دقيقة في التشخيص والتقييم.
تُعطى كامل الحرية للوصول إلى الميدان وجمع البيانات من مصادرها.
تُصاغ توصياتها وفق معايير الأولويات، والتأثير، والإمكانات الواقعية.
تُلزم الجهات التنفيذية بتطبيق التوصيات، مع رقابة شعبية ومؤسسية على التنفيذ.
خامسًا: التعليم بوصفه حجر الأساس للتحرر الوطني
إن بقاء التعليم في حالة تراجع يعني إبقاء الأمة في حالة عوز دائم، وارتهان مستمر للخارج في أبسط احتياجاتها. فلا نهضة ممكنة دون تعليم متين، ولا استقلال حقيقي دون عقول متحررة. إن أول خطوات التحرر من الهيمنة الخارجية تبدأ من تحرير العقل اليمني عبر تعليم جاد، حر، نقدي، ومبدع.
خلاصة تربوية:
إن إصلاح التعليم ليس خيارًا بل ضرورة وطنية.
وتأخير اللغة الأجنبية لا يعني تأخير النهضة، بل تأسيسها على قاعدة صلبة.
وما لم يُرافق هذه القرارات إصلاح جذري في المنظومة التربوية، فستبقى السياسات جزئية وعرضة للفشل.
هذه رؤية متواضعة لا أهدف من تقديمها سوى منفعة بلادنا وطلابنا الأعزاء جيل المستقبل والله من وراء القصد،،
ابراهيم الهجري