لا مستحيل مع الشغف بالمعرفة.. حتى الضوء ينحني حين نفهمه
لا توجد معجزة ستنقذنا من الضعف، ولا فارس على صهوة جواد سيهبط من السماء ليقاتل معاركنا نيابة عنا. هذه حقيقة الحياة التي لا تقبل التأويل، لكننا - كعرب - ما زلنا نتجاهلها بعنادٍ مؤلم، متمسكين بأوهام لا تسمن ولا تغني من ضعف.
مشكلتنا الجوهرية أننا لا نتعامل مع المستجدات بجدية، بل نبني قراراتنا على افتراضات خاطئة مستندة إلى أماني أكثر منها إلى معطيات الواقع. نتصور أن هناك دائمًا قوة خفية ستتدخل لصالحنا، أو أن التاريخ سينصفنا، بينما الحقيقة أن العالم لا يعترف إلا بمن يفرض نفسه بالقوة، والعقل، والعلم والعمل الجاد.
لا أدري على أي أساس نعيش بوهم التفوق، بينما كل الأرقام والإحصاءات تشير إلى تأخرنا. نتمسك بصورة مثالية عن أنفسنا، متناسين أننا في ذيل قوائم التنمية، والتعليم، والصناعة، والتكنولوجيا، وكل مقومات القوة الحديثة. وبينما نحن غارقون في أمانينا، يفرض الأقوياء أجنداتهم علينا، ويقررون مصيرنا وفقًا لمصالحهم لا مصالحنا.
إن لم نبنِ قوتنا بأنفسنا، فمن المنطقي أن نظل تابعين، فالعالم لا يحترم إلا من يملك أسباب القوة. تاريخ الأمم يخبرنا أن لا أحد يمنح القوة للضعفاء، بل تُنتزع بالعلم، والتخطيط، والعمل، والتضحيات.
ليس أمامنا إلا طريق واحد: طريق بناء القوة الحقيقية.
هذا لا يتحقق إلا عبر أهم ثلاث ركائز أساسية :
التعليم الحقيقي: لا نعني هنا التعليم الشكلي الذي يخرّج أجيالًا ضعيفة، بل التعليم الذي يصنع العقول الناقدة، والمبدعة، والقادرة على الإنتاج والتطوير.
الحكم الرشيد: حيث تُدار الدول بالكفاءة، وتُحترم فيها القوانين، ويتم استثمار الموارد بعقلانية بعيدًا عن الفساد والفوضى.
الصناعة والاقتصاد المستقل: فلا يمكن أن نكون قوة معتمدة على استيراد كل شيء، بينما العالم يُدار بمن يملك الإنتاج والتكنولوجيا.
هذه الطريق ليست سهلة، لكنها الوحيدة. تحتاج إلى وقت، وصبر، وإرادة حقيقية، أما غير ذلك فمجرد انتحار بطيء داخل أوهام لا تمت للواقع بصلة.
وهناك قوة الوحدة والتكامل بين الشعوب ذات المشتركات والمصالح الواحدة.
عندما يتحدث الأقوياء، نتعامل مع تصريحاتهم باستخفاف، كأننا في موقع من يملك زمام الأمور، بينما أثبتت العقود الماضية أن العالم يسير بعكس تخيلاتنا، وأننا مجرد متفرجين على ما يقرره غيرنا. كم مرة ظننا أن الأمور ستسير لصالحنا، ثم صدمنا بالواقع؟ وكم مرة تجاهلنا الحقائق الصلبة، فتجرعنا مرارة الخيبات؟
حان وقت الاستيقاظ من هذا التيه. إن لم ندرك أن العالم لا يعترف إلا بمن يبني قوته بيديه، فسنظل ندور في دوامة الوهم والانتظار القاتل. القوة لا تُستجدى، بل تُبنى... أو يُداس الأضعف تحت أقدام الأقوياء.
١٠
٤
إرسال