لا مستحيل مع الشغف بالمعرفة.. حتى الضوء ينحني حين نفهمه
منذ أن دخلت الطائرات المسيّرة ميدان الصراع، فرضت نفسها كأداة منخفضة الكلفة عالية الفعالية، قادرة على تنفيذ مهام الاستطلاع والهجوم وحتى التشويش، ما وضع الجيوش أمام تحدٍّ متنامٍ. وكما وُلدت المدافع المضادة للدبابات بعد ظهور الدبابات، والمدافع المضادة للطائرات بعد بروز سلاح الطيران، جاءت الحاجة إلى تدابير مضادة للطائرات المسيّرة، من بينها الرشاشات، المدافع، أنظمة التشويش.. والليزر، الذي يُعدّ السلاح الأكثر إثارة وغرابة في هذا المجال.
لماذا الليزر؟
ما يميز الليزر عن غيره من الوسائل التقليدية أنه سريع ودقيق ورخيص نسبيًا. بينما يكلف إطلاق صاروخ مضاد عشرات أو مئات الآلاف من الدولارات، فإن تشغيل شعاع ليزري يتطلب فقط مصدر طاقة ووقودًا لتشغيل المولد، بتكلفة لا تتجاوز عشرات الدولارات لكل طلقة. كما أن الليزر يوفر قدرة شبه غير محدودة على الاشتباك طالما استمر تدفق الطاقة، دون الحاجة لإعادة التذخير.
مشاريع الليزر الميدانية
تمت تجربة عدة نماذج وأنظمة ليزرية مضادة للطائرات المسيّرة، أبرزها:
منصات الليزر المتنقلة
جرى تطوير شاحنات اختبار تحمل ليزرًا بقوة 10 كيلوواط، قادرة على إسقاط طائرات مسيّرة صغيرة خلال ثوانٍ. وقد أثبتت هذه المنصات قدرتها في التجارب الميدانية على إصابة أهداف من الفئة الثانية (يتراوح وزنها بين 10 و25 كغ تقريبًا)، مع خطط لزيادة القدرة التدميرية إلى 100 كيلوواط مستقبلًا.
أنظمة الليزر المدمجة
تم تطوير أنظمة ليزر أصغر حجمًا (2–30 كيلوواط)، يمكن تركيبها على حوامل ثلاثية أو على مركبات تكتيكية، ويصل مداها إلى بضعة كيلومترات. هذه الأنظمة تمكنت من إسقاط طائرات مسيّرة من الفئة الأولى (وزن أقل من 10 كغ) خلال فترة استهداف لا تتجاوز عشر ثوانٍ.
ليزر الحالة الصلبة
يُستخدم لاختبار فعالية الليزر ضد طيف واسع من الأهداف: من الطائرات المسيّرة وقذائف الهاون إلى الصواريخ القصيرة المدى. الفكرة ليست فقط في تدمير الهدف، بل أيضًا في تحديد نقاط الضعف الحرجة: هل يجب استهداف الجناح؟ المحرك؟ أم أجهزة الاستشعار؟
مبادرات تحسين الكفاءة
يجري العمل على تصميمات ليزرية أكثر كفاءة وقابلة للنقل، بقدرات تصل إلى 50 كيلوواط وما فوق، باستخدام تقنيات تجارية جاهزة للتصنيع بدلًا من الأجهزة الضخمة الباهظة، مما يجعلها عملية وقابلة للانتشار على نطاق واسع.
كيف يعمل السلاح الليزري ضد الطائرات المسيّرة؟
يطلق النظام شعاعًا مركزًا من الضوء عالي الطاقة.
عند ملامسته لهدف صغير مثل طائرة مسيّرة، يُحدث الشعاع إما ثقبًا في هيكلها، أو يُعطّل محركها، أو يُعمي أجهزة الاستشعار المركبة عليها.
مدة "البقاء على الهدف" (time on target) تعتمد على قوة الليزر والمسافة. فمضاعفة الطاقة تُقلّص المدة المطلوبة للنصف تقريبًا.
نقاط القوة والضعف
المزايا:
تكلفة تشغيل منخفضة جدًا مقارنة بالذخائر التقليدية.
قدرة شبه غير محدودة على إطلاق النار طالما وُجد مصدر للطاقة.
سرعة ضوء تعني إصابة فورية للهدف بلا تأخير.
التحديات:
فعالية محدودة ضد الطائرات الكبيرة أو المدرعة.
تأثر الأداء بالظروف الجوية كالضباب والغبار والمطر.
الحاجة إلى أنظمة تتبع دقيقة لإبقاء الشعاع مركزًا على الهدف.
الأبعاد المستقبلية
اللافت أن هذه الأنظمة لم تُصمم أصلاً خصيصًا ضد الطائرات المسيّرة فقط، بل أيضًا ضد القذائف المدفعية والهاون والصواريخ قصيرة المدى. غير أن الطائرات المسيّرة تبقى الهدف الأسهل نظرًا لهشاشتها وبطئها النسبي.
الخلاصة
يُمثل الليزر نقلة نوعية في حرب الطائرات المسيّرة، إذ يجمع بين الكلفة المنخفضة والدقة العالية والقدرة المستمرة على الاشتباك. ومع تزايد تطور الطائرات المسيّرة وتنوع استخداماتها، فإن أسلحة الطاقة الموجهة ليست خيارًا تكميليًا فقط، بل باتت ركيزة أساسية في الدفاعات الحديثة.
ففي معركة المستقبل، قد يكون الفرق بين طائرة مسيّرة ناجحة وأخرى محطّمة.. مجرد شعاع من الضوء.