لا مستحيل مع الشغف بالمعرفة.. حتى الضوء ينحني حين نفهمه
شهد التعليم العالي في العقود الأخيرة تحولات جوهرية، تجاوزت المفهوم التقليدي للجامعة كمؤسسة تعليمية إلى كونها ركيزة أساسية في التنمية الاقتصادية والاجتماعية. وفي هذا السياق، ظهرت مفاهيم "جامعات الجيل الثالث" و"جامعات الجيل الرابع" التي تمثل مراحل متقدمة من تطور دور الجامعة، بما يواكب متطلبات اقتصاد المعرفة والذكاء الاصطناعي. يتناول هذا المقال ملامح هذه التحولات، ويستعرض واقع الجامعات اليمنية في هذا الإطار، كما يُسلّط الضوء على نماذج عربية بارزة نجحت في الانتقال إلى الجيل الرابع.
يمكن تصنيف تطور الجامعات عبر أربعة أجيال رئيسية، لكل منها خصائص ومهام متميزة:
الجيل الأول: يركّز على التعليم ونقل المعرفة، وهو النموذج التقليدي الذي سيطر على الجامعات منذ نشأتها.
الجيل الثاني: يدمج بين التعليم والبحث العلمي، ليضيف بعدًا جديدًا في إنتاج المعرفة.
الجيل الثالث: يتّسع دوره ليشمل التعليم والبحث والابتكار وريادة الأعمال، ويرتبط ارتباطًا وثيقًا بسوق العمل والصناعة.
الجيل الرابع: يمثل مرحلة متقدمة تشمل ما سبق، إضافة إلى التحول الرقمي، الذكاء الاصطناعي، المسؤولية الاجتماعية، واستشراف المستقبل.
وقد أصبحت هذه الأجيال أطرًا مرجعية لتقويم الجامعات عالميًا، وتحديد مدى فاعليتها في مواجهة تحديات العصر.
تواجه الجامعات اليمنية تحديات جسيمة تحول دون انتقالها إلى أجيال متقدمة من التعليم العالي. فلا توجد حاليًا جامعة يمنية يمكن تصنيفها ضمن الجيل الثالث وفق المعايير الدولية. ويرجع ذلك إلى عوامل عديدة، منها:
ضعف التمويل والموارد التقنية.
غياب البنية التحتية الداعمة للبحث والابتكار.
عدم ارتباط التعليم بسوق العمل وريادة الأعمال.
الظروف السياسية والاقتصادية المعقدة في البلاد.
ومع ذلك، تبرز بعض المحاولات المحدودة في بعض الجامعات اليمنية، مثل:
جامعة العلوم والتكنولوجيا: أسّست مراكز بحثية وحاضنات مشاريع طلابية، واهتمت بريادة الأعمال.
جامعة حضرموت: أطلقت برامج تقنية حديثة في مجالات الذكاء الاصطناعي.
جامعة صنعاء: تضم مراكز بحثية نشطة، لكنها لا تزال بعيدة عن استيفاء متطلبات الجيل الثالث.
لكن تظل هذه الجهود فردية ومحدودة الأثر، وتحتاج إلى دعم مؤسسي شامل وسياسات تعليمية واضحة المعالم.
بالمقابل، حققت بعض الدول العربية، لاسيما في منطقة الخليج، تقدماً ملحوظاً نحو إنشاء جامعات تنتمي إلى الجيل الرابع. نذكر من أبرز هذه النماذج:
جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية (KAUST): تُعد من أكثر الجامعات ابتكارًا في المنطقة، وتتميّز بشراكات عالمية في مجالات الطاقة والذكاء الاصطناعي، وبيئة بحثية ريادية.
جامعة الملك سعود: تسعى إلى التحول الرقمي الكامل، وتضم حاضنات أعمال ومراكز بحث مرتبطة بالصناعة.
جامعة خليفة: نموذج رائد في التكامل بين التعليم والهندسة المتقدمة والبحث التطبيقي.
جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي: أول جامعة متخصصة عالميًا في الذكاء الاصطناعي، وتمثل رؤية واضحة نحو جامعات المستقبل.
جامعة حمد بن خليفة: تدمج بين السياسات العامة والتكنولوجيا والابتكار، وتشجع التفكير المستقبلي.
الجامعة الأمريكية بالقاهرة (AUC): تُعد مركزًا رائدًا في دعم ريادة الأعمال والاستدامة.
جامعة زويل للعلوم والتكنولوجيا: تسعى لبناء نموذج أكاديمي متكامل يربط البحث العلمي بالتطبيقات المجتمعية.
يُظهر التحليل أن الجامعات اليمنية لا تزال في مراحلها الأولى ضمن تصنيف الأجيال الحديثة للجامعات، وهو ما يتطلب تدخلًا مؤسسيًا عاجلًا لإعادة بناء منظومة التعليم العالي على أسس حديثة. وفي المقابل، تمكّنت عدة جامعات عربية من الانتقال إلى الجيل الرابع، مما يجعلها نماذج يُحتذى بها، ويؤكد أهمية الاستثمار في التعليم العالي بوصفه محرّكًا للنمو والتحول المجتمعي.