لا مستحيل مع الشغف بالمعرفة.. حتى الضوء ينحني حين نفهمه
إبراهيم الهجري
في زوايا الاقتصاد والسياسة، خلف عناوين الأخبار وتقارير الأسواق، هناك ما هو أعمق من الأرقام والنسب، هناك قوة خفية لكنها محسوسة، تدفع العالم شيئًا فشيئًا نحو حافة مواجهة قد لا تبقى اقتصادية فقط، بل قد تنفجر عسكريًا أيضًا . فما طبيعة هذه القوة؟ من يحركها؟ ولماذا الآن؟
أولًا: العالم في قبضة التحول
يشهد العالم منذ عقدين على الأقل تحولات كبرى:
- انتقال ثقل الاقتصاد العالمي من الغرب إلى الشرق تدريجيا.
- تصاعد نفوذ الصين باعتبارها قوة صناعية وتكنولوجية تتحدى الهيمنة الأمريكية.
- عودة روسيا إلى المسرح الدولي كقوة عسكرية تتحدى النظام العالمي القديم.
- توسّع تحالفات "الجنوب العالمي" (Global South) خارج عباءة الغرب.
- صعود الحروب الاقتصادية بدل الحروب المباشرة: العقوبات، حظر التصدير، سباق أشباه الموصلات، حرب العملات، وغيرها.
كل ذلك يحدث في ظل نظام عالمي تآكلت شرعيته بعد عقود من الهيمنة الأمريكية المنفردة منذ سقوط الاتحاد السوفييتي.
ثانيًا: من يشد العالم؟ ولماذا؟
الجواب يتوزع بين لاعبين رئيسيين:
الولايات المتحدة:
تشعر واشنطن أن تفوقها الاقتصادي والعسكري والثقافي بات مهددًا، خاصة مع تسارع الصين في مضمار التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي والطاقة. لذلك، تُعيد التموضع:
- تحالفات جديدة (مثل AUKUS وQuad).
- حروب تجارية وتقنية ضد الصين.
- تضييق على روسيا لردع طموحاتها الجيوسياسية.
الصين:
بقيادة شي جين بينغ، تنتهج بكين استراتيجية "النهوض السلمي" لكن مع إعادة تعريف موازين القوى. تسعى لبناء نظام بديل عبر:
- مبادرة الحزام والطريق.
- تعزيز تحالفات BRICS.
- دعم عملة اليوان كبديل للدولار.
روسيا:
منذ حرب أوكرانيا، تبنّت موسكو خطابًا معاديًا للغرب، يسعى لإسقاط "الهيمنة الغربية" وإعادة ترتيب العالم متعدد الأقطاب.
قوى أخرى تصطف أو تناور:
مثل الهند، تركيا، السعودية، البرازيل، وكلها تبحث عن مكان أكثر استقلالًا في النظام العالمي الجديد.
ثالثًا: لماذا الآن؟
لأن العالم يقف على مفترق طرق:
- عصر الطاقة يتغير (التحول من النفط إلى الهيدروجين والبطاريات).
- التكنولوجيا تسبق السياسة (الذكاء الاصطناعي، البيانات، الأقمار الصناعية).
- البيئة تخلق أزمات وجودية قد تُستغل سياسيًا.
- الأزمات المالية العالمية لم تعد محلية التأثير.
كل ذلك يجعل المواجهة أقرب من أي وقت مضى، لأنها لم تعد فقط صراع مصالح، بل صراع على تعريف المستقبل نفسه:
هل ستبقى أمريكا قائدة للعالم؟ أم سنشهد ولادة نظام عالمي جديد؟
رابعًا: إلى أين؟
الوجهة ليست محسومة، لكن السيناريوهات المتوقعة تشمل:
- مزيد من الحرب الاقتصادية بين القوى العظمى، بما في ذلك:
فرض العقوبات.
تقنين تصدير التقنيات المتقدمة.
عسكرة سلاسل الإمداد.
- حروب بالوكالة في مناطق التماس (تايوان، بحر الصين، الشرق الأوسط، القوقاز).
- تفكك تدريجي للنظام الدولي الحالي (مثل ضعف دور الأمم المتحدة، تآكل هيبة الدولار، ضعف الناتو).
- احتمال صدام عسكري مباشر — لا سيما إن فشلت أدوات الردع أو حصل استفزاز كبير.
خاتمة: من يربح؟ ومن يخسر؟
في الصراع بين الكبار، غالبًا ما يدفع الصغار الثمن الأكبر.
العالم العربي، وأفريقيا، ودول الجنوب العالمي تقف أمام خيارين:
إما أن تكون وقودًا في معركة لا تخصها،
أو أن تحوّل هذا التغير إلى فرصة لإعادة التموضع، وتحقيق سيادة تكنولوجية واقتصادية تخرج بها من هامش التاريخ.