لا مستحيل مع الشغف بالمعرفة.. حتى الضوء ينحني حين نفهمه
لطالما كان الإنسان كائنًا متسائلًا؛ منذ لحظة رفع عينيه إلى السماء في ليلٍ مقمر، شعر برغبة عارمة في معرفة ما يحيط به. تراه في مختبره، يختبر ويفحص، أو في محرابه، يتضرع ويتأمل، أو في صومعته الفكرية يغوص في أسئلة الوجود؛ والهدف واحد رغم اختلاف المسارات: البحث عن الحقيقة.
“إنه لشيء مدهش أن الكون قابل للفهم!”
– ألبرت أينشتاين.
ِِِ
رحلة البحث عن الحقيقة – العلم، الفلسفة، الروحانية
أولًا: العلم التجريبي
العلم هو المحاولة الأكثر وضوحًا لفهم العالم المادي. إنه يبحث عن الإجابات الدقيقة باستخدام أدوات قابلة للقياس والتحقق، مثل المعادلات والتجارب. عبر العلم، اكتشف الإنسان قوانين الحركة، تركيب الذرة، تركيب الخلية، وحتى نشأة الكون. لكنه يجيب فقط عن الكيفية: كيف يعمل الشيء؟ ما القوانين التي تحكمه؟
“العلم هو أداة لفهم الواقع بشكل منهجي، لكنه لا يجيب عن كل أسئلة المعنى.”
– نيل ديغراس تايسون.
ثانيًا: الفلسفة العقلية
على الضفة الأخرى، تقف الفلسفة لتسأل عن السببية والمعنى: لماذا؟ وهل هناك غاية؟ وهل يمكن للعقل البشري أن يحيط بكل شيء؟
الفلسفة تمدد أفق التفكير وتتجاوز حدود المحسوس، وتعيد مساءلة الإنسان عن مبادئه ومسلّماته، وتفتح باب التساؤل حول الحرية، الأخلاق، والعلاقة بين الوعي والعالم. وهكذا، تمنح الفلسفة للعلم سياقًا أوسع وللروح غذاءً للتفكر.
مثال: تساءل الفيلسوف كانط عن حدود المعرفة البشرية، وهل يمكن للعقل أن يعرف “الشيء في ذاته”، أي الحقيقة المطلقة، أم يكتفي بظواهرها فقط؟
ثالثًا: العبادة الروحية
أما الروحانية فهي رحلة القلب نحو ما وراء المادي؛ محاولة الإنسان للوصول إلى السكينة والمعنى الأسمى. هي لا تُعنى فقط بتفسير ما نراه، بل بمخاطبة ما نشعر به من رهبة ودهشة وحب أمام هذا الكون وخالقه.
ورغم اختلاف هذه الطرق الثلاث، فإنها كلها تتقاطع عند سؤال واحد:
ما هي الحقيقة الكبرى التي تفسر وجودنا؟
نشأة الكون ومفهوم المادة والطاقة المظلمة
نشأة الكون – من “ومضة” إلى كون مترامي الأطراف
وفق نظرية الانفجار العظيم (Big Bang Theory)، يُقدَّر أن الكون نشأ قبل نحو 13.8 مليار سنة من لحظة توسع هائل. في أقل من جزء من الثانية، تمدد الكون من نقطة أصغر من الذرة إلى فضاء واسع بسرعة مذهلة. ثم بدأت درجات الحرارة في الانخفاض، فتكوّنت الذرات الأولى، ثم النجوم والمجرات.
يُقدَّر قطر الكون القابل للرصد بنحو 93 مليار سنة ضوئية.
ما نعرفه.. وما نجهله
رغم تطور العلم المذهل، نعرف علميًا حوالي 5% فقط من مكونات الكون. أما المادة المظلمة (Dark Matter) والطاقة المظلمة (Dark Energy) فتشكلان 95% المتبقية، لكننا لا نعرف طبيعتهما بعد.
المادة المظلمة: ضرورية لتماسك المجرات؛ بدونها لتطايرت النجوم في الفضاء.
الطاقة المظلمة: ترتبط بتسارع توسع الكون، لكنها تبقى أكثر غموضًا.
كلمة “مظلمة” هنا لا تعني السواد أو الشر، بل فقط أننا لا نرصدها مباشرة لأنها لا تتفاعل مع الضوء.
الدماغ البشري.. خاتمة ودعوة للتأمل
أداة توحّد كل طرق البحث
من مختبر العلماء إلى تأملات الفلاسفة وصلوات المتعبدين، كانت الأداة الوحيدة التي تجمع هذه الطرق هي دماغ الإنسان. هذا العضو المذهل – رغم وزنه الضئيل – هو المعجزة التي سمحت لنا جميعًا أن نفكر ونتساءل ونبحث.
“نحن طريقة الكون للتأمل في نفسه.”
– كارل ساجان.
الحقيقة في نهاية الطريق
رغم صغر حجمنا أمام هذا الكون الهائل، استطاع الإنسان أن يطرح الأسئلة الكبرى ويقترب شيئًا فشيئًا من معرفة الحقيقة.
والأكيد أن جميع هذه الطرق – العلم، الفلسفة، والروحانية – تصب في هدف واحد: الفهم الأعمق لأنفسنا وللكون.
دعوة للتأمل
في النهاية، ربما الأجمل من الوصول إلى الحقيقة هو سعينا إليها؛ هذا السعي الذي يعلّمنا التواضع أمام عظمة الكون وبالتالي عظمة خالقه، ويُشعرنا بجمال رحلة العقل والروح فيه ونحوه.
ِ