لا مستحيل مع الشغف بالمعرفة.. حتى الضوء ينحني حين نفهمه
ليس كل من في الغربة يكتب،
لكن الذين حملوا بذور الكتابة في دواخلهم منذ زمن — خفيةً أو جهرًا —
حين يُغادرون أوطانهم.. شيء فيهم يتفتّح.
في الغربة، تسقط الأقنعة اليومية.
لا مقايل ولا مجاملات، لا مناسبات تُقحم فيها، ولا سعي دائم خلف اللقمة.
تعمل ما يكفي لتعيش، ويبقى لك الوقت، أثمن ما يُمنح لإنسان.
وقت تقرأ فيه، تتأمل، تسترجع، وتكتب.
والحقيقة أن الغربة لا تمنحك فقط الوقت، بل تمنحك المسافة..
تلك التي ترى بها الوطن بشكل أوضح، كما لو كنت تنظر إليه من قمة جبل بعد نزول طويل.
ما كان يبدو "عاديًا" وأنت فيه، يتكشّف لك كأنه قصة تنتظر أن تُروى.
وفي المهجر، لا تخشى على رزقك إن كتبت،
ولا على حريتك إن صدحت برأيك،
الرقابة الاجتماعية والسياسية تخف،
والقيود التي كبّلتك طويلًا، تبدأ تتساقط واحدة تلو الأخرى —
فتكتشف أن كثيرًا منها لم تكن حقيقية أصلًا،
كانت "افتراضية"، ناتجة عن الخوف أو التكرار أو الوهم الجماعي.
ثم يأتي عامل العمر..
حين تبدأ سنواتك بالتراكم، وتبدأ تشرق الحكمة في قلبك بعد أن مرّ بالخوف والقلق والترقب، والفقد، والتجربة وحيدا دون أي دعم لك.
تشعر بحاجة لأن تكتب لا لمجرد الإبداع،
بل لتدوّن رحلتك.
تُخلّد المعاني التي نضجت داخلك عبر الطريق الطويل،
تروي ما مررت به ليس باعتباره حكاية شخصية فقط،
بل كأنك توثّق قطعة من الوعي البشري،
قصة لم تُكتب بعد.
وأخيرًا.. لأنك في الغربة، تكون في عالم لا يُشبهك كثيرًا.
لا أحد يضحك لنكتتك القديمة،
ولا من يستمع لقصص طفولتك بلُغتك.
فإذا بالكتابة تصير وطنًا،
والقلم يصير أقرب من أي جواز سفر.