لا مستحيل مع الشغف بالمعرفة.. حتى الضوء ينحني حين نفهمه
عند اختيار مواقع إطلاق الصواريخ الفضائية، هناك العديد من العوامل التي يجب مراعاتها لضمان نجاح الإطلاق وسلامة العمليات الفضائية. تتطلب هذه العملية دراسة دقيقة لمجموعة من الشروط الفيزيائية والجغرافية والأمنية والتقنية.
1. الاستفادة من سرعة دوران الأرض
يعد استغلال سرعة دوران الأرض حول محورها من أهم العوامل عند تحديد موقع الموانئ الفضائية. تتمتع المناطق القريبة من خط الاستواء بسرعة خطية أعلى مقارنة بالمناطق القريبة من القطبين، حيث تبلغ هذه السرعة حوالي 1650 كيلومترًا في الساعة عند خط الاستواء. يمنح هذا العامل الصاروخ دفعة إضافية مجانية عند الإطلاق، مما يساعده في التغلب على الجاذبية الأرضية وتقليل كمية الوقود المطلوبة للوصول إلى المدار. ولهذا السبب، تسعى الدول إلى بناء منصات الإطلاق في أماكن قريبة من خط الاستواء قدر الإمكان.
2. السلامة العامة وتجنب المناطق المأهولة
يجب أن تكون مواقع الإطلاق بعيدة عن المناطق السكنية تجنبًا لأي مخاطر ناتجة عن فشل الإطلاق. يُفضل أن تكون القواعد الفضائية قريبة من المسطحات المائية الواسعة، خاصةً إلى الشرق، نظرًا لأن معظم عمليات الإطلاق تتجه شرقًا للاستفادة من سرعة دوران الأرض. يضمن هذا العامل سقوط مراحل الصواريخ المستهلكة في البحر بدلاً من سقوطها على مناطق مأهولة، مما يقلل من المخاطر على السكان والمنشآت.
3. تأثير الظروف المناخية على عمليات الإطلاق
تلعب الظروف الجوية دورًا رئيسيًا في اختيار مواقع الإطلاق، حيث يجب أن تكون المناطق المختارة قليلة التعرض للعواصف والأعاصير التي قد تؤثر على عمليات الإطلاق. على الرغم من أن بعض المواقع مثل "فلوريدا" حيث تقع قاعدة "كندي الفضائية" تعاني من ظروف جوية متقلبة، إلا أن مزايا الموقع الجغرافي تفوق العيوب الجوية.
4. درجة الحرارة وتأثيرها على الوقود الصاروخي
يجب أن يكون موقع الإطلاق مناسبًا من حيث درجات الحرارة لتجنب صعوبات اشتعال الوقود الصاروخي. فالمناطق ذات الطقس البارد جدًا، مثل موسكو أو برلين، قد تعيق عمليات الإطلاق بسبب تجمد بعض أنواع الوقود المستخدم في الصواريخ.
5. توفر البنية التحتية والدعم اللوجستي
يتطلب بناء قاعدة فضائية بنية تحتية قوية تشمل أنظمة نقل متطورة، ومرافق صيانة، وإمدادات طاقة مستقرة، بالإضافة إلى الدعم التقني والعلمي. ولذلك، تحرص الدول على اختيار مواقع يسهل الوصول إليها ونقل المعدات إليها بأقل تكلفة ممكنة.
أمثلة على مواقع الإطلاق الفضائي
روسيا: اختارت قاعدة "بايكونور" في كازاخستان بدلاً من موسكو نظرًا لقربها النسبي من خط الاستواء.
الولايات المتحدة: تعتمد على "كايب كانافيرال" و"كندي سبايس سنتر" في فلوريدا رغم التحديات المناخية.
أوروبا: أنشأت "وكالة الفضاء الأوروبية" قاعدتها في "غويانا الفرنسية" على حدود البرازيل بدلاً من أوروبا.
اليابان: تعتمد على "تانغاشيما" على ساحلها الشرقي.
الهند: تستخدم منصة إطلاق على أحد سواحلها الشرقية المطلة على المحيط الهندي.
الصين: تمتلك عدة موانئ فضائية مثل "جيوكوان" و"كسايتشانغ" لكنها لا تقع على الساحل الشرقي، مما قد يشكل خطرًا أمنيًا.
أفضل موقع نظري للإطلاق الفضائي
يرى بعض الباحثين أن أفضل موقع لبناء قاعدة فضائية على الأرض هو على الساحل الجنوبي الشرقي للصومال، حيث يقع على خط الاستواء تمامًا. ومع ذلك، فإن بُعد الصومال عن مراكز التكنولوجيا المتقدمة يجعل استخدامه مكلفًا من الناحية اللوجستية، نظرًا لصعوبة نقل المعدات وتأمينها وصيانتها.
الخلاصة
إن اختيار مواقع إطلاق الصواريخ الفضائية ليس أمرًا عشوائيًا، بل يعتمد على دراسة دقيقة لعدة عوامل، مثل الموقع الجغرافي، والأمان، والظروف المناخية، والبنية التحتية. ولهذا السبب، نجد أن الدول الفضائية الكبرى تستثمر في مواقع توفر أفضل الظروف الممكنة لضمان نجاح عمليات الإطلاق وتقليل المخاطر المحتملة.