لا مستحيل مع الشغف بالمعرفة.. حتى الضوء ينحني حين نفهمه
في لحظة خاطفة من عدسة المصوّرة Sha Lu، تُسجَّل صورةٌ تهزّ المشاعر وتحفر في الذهن تأمّلات فلسفية عميقة. يظهر طائر جارح وقد قبض على فأر بين مخالبه القوية، بينما يحدّق الفأر مباشرة نحو الكاميرا، بعينين مشحونتين بالذعر والرجاء.. كأنه يستغيث، كأنّه يناشد الكون.. لكن لا أحد يسمعه. ولا شيء يستجيب.
الحياة: مسرح بلا تعاطف
ما تلتقطه الكاميرا هنا ليس مجرد صراع طبيعي بين مفترس وفريسة، بل هو مشهد رمزي يُجسِّد طبيعة الحياة ذاتها. فالحياة، في جوهرها، لا تُدار بالمجاملات ولا بالعواطف. الحياة تحكمها سنن، قوانين صلبة لا تقبل التفاوض: من امتلك القوة (لها أشكال مختلفة)، فرض إرادته. ومن افتقدها، صار طعامًا أو ضحية أو شيئًا يُنسى في سجل الكائنات.
قوانين الحياة لا تسمع التوسل
في هذا المشهد، دعاء الفأر لن يُغيّر شيئًا. ولا حتى فخر الطائر بانتصاره يضيف له قيمة في ميزان الطبيعة. لا يوجد "ظلم" ولا "عدالة" كما نتصورها أخلاقيًا، بل يوجد نظام يعمل بدقة لا عاطفة فيها: الأقوى ينجو، الأضعف عليه أن يطوّر أدوات للبقاء. من لا يملك مخالب، عليه أن يجد نفقًا، أو خندقًا، أو ذكاءً ينقذه. لا خيارات أخرى.
من لا يملك القوة.. عليه أن يصنعها
الرسالة الخفية في هذه الصورة ليست يأسًا، بل تحريضًا على فهم الواقع كما هو. فالضعيف لا يُطالَب بالبكاء على حاله، بل بالتحوّل إلى شيء آخر: تطوير آليات هروب، تمويه، دفاع، أو حتى بناء قوته الخاصة عبر نفس السُبل التي صعد بها القوي ففي حالة الإنسان الطريق هو العلم والاقتصاد وغيرها من العوامل التي نعرفها وعبرها صعد الأقوياء (باستثناء فترات النبوة والتدخل المباشر فيها من الخالق). لا يمكن لأحد أن يعيد صياغة قوانين الطبيعة لترضى عنه. إنما عليه أن يعيد تشكيل نفسه ليتوافق معها، أو يُمحى من سجلها مع الزمن.
لا تحيّزات في دفتر الكون
الحياة لا تجامل الفريسة لأنها "مظلومة"، ولا تحتفي بالمفترس لأنه "منتصر". كلاهما خاضع للمعادلة ذاتها: قانون البقاء للأصلح. هذا لا يعني بالضرورة أن الأصلح هو الأقوى عضليًا، بل قد يكون الأذكى، الأسرع، الأكثر قدرة على التكيّف. العالم لا يعبأ بنوايانا الطيبة، بل بنتائج أفعالنا وأخذنا بالأسباب المبثوثة في قوانين الكون. وكل كائن عليه أن يثبت جدارته بالاستمرار، أو يُسلِّم الراية لمن يستطيع.
خاتمة:
الصورة قد تُثير الشفقة لأول وهلة، لكنها في العمق درسٌ صارخ عن الحياة كما هي، لا كما نريدها أن تكون. وإذا أردنا النجاة، أو حتى الكرامة في البقاء، علينا أن نتعلّم من الطائر والفأر معًا: أن نعرف ما نملكه، وما نفتقر إليه، وأن نعيد صياغة أنفسنا نحن.. لأن القوانين لا تُعاد صياغتها.