لا مستحيل مع الشغف بالمعرفة.. حتى الضوء ينحني حين نفهمه
في أحد مؤتمرات التقنية الأخيرة، انحنى الحضور للأمام بترقّب حين تطرّق إيلون ماسك إلى موضوع مثير للجدل: الدخل الأساسي الشامل. لكنه، كعادته، تجاوز المألوف وأطلق فكرة أكثر جموحًا:
"لا أتوقع دخلًا أساسيًا فحسب.. بل دخلًا عاليًا شاملًا."
الإنتاجية الخارقة قادمة
حين تحدّث ماسك عن الاقتصاد، قدّمه في أبسط صوره:
الإنتاجية للفرد × عدد السكان.
لكن ماذا لو أضفنا إلى هذه المعادلة متغيرًا جديدًا: روبوتات شبيهة بالبشر، تعمل 24 ساعة، دون رواتب، ولا راحة، ولا إضراب؟
في هذه الحالة، لن يتضاعف الناتج المحلي الإجمالي، بل قد يتضاعف عشر مرات أو أكثر. من اقتصاد عالمي يُقدَّر بنحو 85 تريليون دولار، إلى اقتصاد يفوق 850 تريليون دولار.
إنه ليس حلمًا، بل مسار يبدو أن التقنيات الحديثة قد بدأت السير فيه بالفعل.
الروبوتات.. عمال بلا حدود
في مايو 2025، عرض ماسك نسخة جديدة من روبوت تسلا "أوبتيموس"، يؤدي حركات راقصة بدقة بشرية، ليؤكّد أن هذه التقنية لم تعد خيالًا علميًا.
بتكلفة تتراوح بين 20,000 و25,000 دولار فقط، سيصبح من الممكن لأي مصنع، مشفى، أو حتى منزل، أن يمتلك عاملاً دائمًا. وبحلول عام 2040، يتوقّع ماسك أن يوجد 10 مليارات روبوت، أكثر من عدد البشر على الكوكب.
عندما يصبح الذكاء مجانًا
التحوّل الأعظم لا يكمن فقط في الروبوتات الجسدية، بل في الذكاء ذاته.
الذكاء الاصطناعي اليوم قادر على اجتياز اختبارات الطب، الهندسة، وحتى التأليف والإبداع. وعندما تصبح هذه القدرات متاحة لكل شخص، مجانًا أو بسعر رمزي، تختفي فجوة الوصول إلى المعرفة، وتنهار التكاليف التي كبّلت البشرية لقرون.
الأغنياء والفقراء في عصر الوفرة
لكن من سيربح في هذا العالم الجديد؟ ومن سيتخلّف؟
لنقسّم السيناريوهات إلى نوعين من المجتمعات:
1. المجتمعات القادرة على التبنّي التقني
مثل الولايات المتحدة، الصين، كوريا الجنوبية، دول شمال أوروبا، وحتى الإمارات والسعودية.
تمتلك هذه الدول:
بنية تحتية رقمية متقدمة
مؤسسات قادرة على تنظيم توزيع التكنولوجيا
شعوب مدرَّبة أو قابلة للتأهيل السريع
هذه الدول ستنتقل سريعًا من اقتصاد الإنتاج إلى اقتصاد المعنى: حيث القيمة تُشتق من الهوية، القصة، والثقة، وليس من القدرة على التصنيع فحسب.
2. المجتمعات المتأخرة رقميًا
خصوصًا في إفريقيا جنوب الصحراء، وبعض دول آسيا وأمريكا اللاتينية، والدول التي تعاني من صراعات طويلة مثل اليمن وسوريا.
ما لم تحصل هذه المجتمعات على دعم تكنولوجي مباشر، وبيئة سياسية مستقرة، ومؤسسات تعليمية قابلة للتحول... فإنها ستُستبعَد من سباق الوفرة.
التفاوت الجديد لن يكون بين من يملك المال ومن لا يملكه، بل بين من يملك القدرة على استخدام الذكاء المجاني، ومن لا يفهم كيف يستفيد منه.
ما الذي يبقى ذا قيمة؟
في عالم يستطيع فيه الذكاء الاصطناعي القيام بكل شيء، يبقى شيء واحد نادرًا:
الخبرة الإنسانية الحقيقية.
القصص. وجهات النظر الأصيلة. الثقة.
عندما تصبح السلع والخدمات مجانية أو زهيدة التكلفة، لن تُقاس القيمة بعدد ساعات العمل، بل بعدد القلوب التي تثق بك، والأذهان التي تتذكرك.
الشركات ستُستبدل بأشخاص.
والعلامات التجارية الكبرى سينافسها أفراد يروون قصصهم للعالم.
كيف نستعد لهذا العالم؟
فكّر كمنشئ محتوى وليس كعامل فقط.
المستقبل لمن يُعبّر، لا لمن يُنفّذ.
استثمر في فهم الذكاء الاصطناعي، لا مجرد استخدامه.
من يفهم الآلة يُحسن توجيهها.ِ
ادّخر في العلامة الشخصية.
ابنِ ثقة، لا منتجًا فقط.
انظر إلى التعليم والتدريب من زاوية المعنى، لا المهارة.
لأن المهارات ستصبح مكررة، لكن من أنت... فريد.
الختام
المستقبل الذي يرسمه ماسك وغيره ليس خيالًا علميًا، بل تحول اقتصادي حقيقي، بدأ بالفعل.
لكن في عالم الإنتاجية غير المحدودة، من يمتلك المعنى هو من سيملك الثروة.
ربما آن الأوان لنسأل:ِ
ِِِِ
بقلم: ابراهيم الهجريِ