لا مستحيل مع الشغف بالمعرفة.. حتى الضوء ينحني حين نفهمه
منذ آلاف السنين، سعى الإنسان لفهم الكون ومكانه فيه. بدأ هذا الفهم بالأساطير والخرافات، ثم تطور عبر الفلسفة والعلم، حتى وصل إلى النظريات الكونية الحديثة التي تعتمد على الفيزياء الفلكية والرياضيات المتقدمة. نستعرض هنا هذا التطور عبر العصور.
١. النظرة القديمة للكون: الأساطير والفلسفة
١.١ تصورات الحضارات القديمة
في العصور السحيقة، فسرت الحضارات الكون بناءً على الأساطير والرموز الدينية. فالمصريون القدماء اعتقدوا أن السماء عبارة عن جسد الإلهة "نوت"، وأن الشمس إله يبحر عبر السماء في قارب نهاري ثم يعود عبر العالم السفلي ليلًا. أما البابليون فتصوروا الكون كقرص مسطح تحيط به قبة من النجوم.
اليونانيون قدموا أولى المحاولات الفلسفية لفهم الكون، حيث قال فيثاغورس (570-495 ق.م) إن الأجرام السماوية تتحرك وفق نظام رياضي متناغم، بينما اقترح أرسطو (384-322 ق.م) أن الأرض مركز الكون، محاطة بكرات سماوية تحمل الكواكب والنجوم.
١.٢ نموذج بطليموس الجيومتري (الكون المركزي الأرضي)
في القرن الثاني الميلادي، قدم الفلكي الإغريقي بطليموس نموذجًا رياضيًا أكثر تعقيدًا، حيث وضع الأرض في مركز الكون، تدور حولها الشمس والكواكب في مدارات دائرية متداخلة. ظل هذا النموذج مقبولًا لأكثر من ١٤٠٠ عام، مدعومًا من الفلسفة الأرسطية والرؤية الدينية السائدة في أوروبا والشرق الأوسط.
٢. الثورة العلمية: من مركزية الأرض إلى مركزية الشمس
٢.١ نموذج كوبرنيكوس (الشمس في المركز)
في القرن السادس عشر، اقترح نيكولاس كوبرنيكوس (1473-1543) نموذجًا جديدًا للكون، حيث الشمس في المركز وتدور حولها الكواكب، بما فيها الأرض. كان هذا النموذج ثوريًا، لكنه لم يُقبل بسهولة، إذ تعارض مع التعاليم الفلسفية والدينية في أوروبا.
٢.٢ مساهمات كبلر وغاليليو
في القرن السابع عشر، أثبت يوهانس كبلر (1571-1630) أن الكواكب تتحرك في مدارات إهليلجية (وليس دائرية كما كان يُعتقد)، مما دعم نموذج كوبرنيكوس. ثم جاء غاليليو غاليلي (1564-1642) ليستخدم التلسكوب ويرى أقمارًا تدور حول المشتري، ما أثبت أن ليس كل شيء يدور حول الأرض، مما أحدث صدمة علمية.
٢.٣ نيوتن والجاذبية الكونية
في أواخر القرن السابع عشر، وضع إسحاق نيوتن (1643-1727) قوانين الحركة والجاذبية، موضحًا أن الكواكب تتحرك بفعل قوة الجاذبية التي تحكم حركة كل الأجسام في الكون، مما جعل النظام الشمسي مفهومًا وفق معادلات رياضية دقيقة.
٣. الفيزياء الحديثة وتوسع الكون
٣.١ أينشتاين والنسبية
في عام 1915، نشر ألبرت أينشتاين نظريته النسبية العامة، التي غيرت فهمنا للجاذبية والزمان والمكان. تنبأت هذه النظرية بأن الفضاء نفسه ليس ثابتًا بل يمكن أن يتمدد أو ينكمش.
٣.٢ هابل واكتشاف التوسع الكوني
في عشرينيات القرن العشرين، لاحظ إدوين هابل أن المجرات تبتعد عن بعضها، ما يعني أن الكون يتمدد. هذا الاكتشاف أدى إلى نظرية الانفجار العظيم، التي تفترض أن الكون بدأ من نقطة متناهية الكثافة والحرارة منذ حوالي 13.8 مليار سنة.
٣.٣ الميكانيكا الكمومية والثقوب السوداء
في العقود الأخيرة، قدمت ميكانيكا الكم ونظرية الثقوب السوداء، كما طورها ستيفن هوكينغ، فهمًا جديدًا للكون على المستوى الدقيق. تشير هذه النظريات إلى أن الكون مليء بغموض المادة المظلمة والطاقة المظلمة، التي تشكل أكثر من ٩٥٪ من محتوى الكون، ولا تزال قيد البحث والدراسة.
٤. نظرتنا الحديثة للكون
اليوم نعرف أن الكون واسع بشكل لا يُصدق، مكون من مئات المليارات من المجرات، كل منها يحوي مئات المليارات من النجوم. توسع الكون مستمر، ويبدو أن نهايته قد تكون إما بانكماش كبير أو تبريد تدريجي يؤدي إلى موت حراري.
لكن رغم التقدم العلمي، تبقى هناك أسئلة كبرى غير مجابة:
ما هي طبيعة المادة والطاقة المظلمة؟
هل هناك أكوان أخرى؟
كيف نشأ الكون وما كان قبله؟
إبراهيم الهجري
ملاحظة : المنشور لم يورد النظرة الدينية ونحن متفقون على الخالق وإبداعه وهذا المقال يناقش الجهود البشرية في استكشاف الكون من الماضي حتى اليوم