لا مستحيل مع الشغف بالمعرفة.. حتى الضوء ينحني حين نفهمه
الغلاف الجوي يحرق الشهب لكنه لا يحرق مركبات ناسا بسبب عدة عوامل رئيسية تتعلق بالسرعة، المواد المستخدمة، والتقنيات الهندسية في تصميم المركبات الفضائية. إليك التفسير:
1. السرعة والاحتكاك مع الهواء
عندما تدخل الشهب الغلاف الجوي، فإنها تسير بسرعات هائلة تتراوح بين 11 إلى 72 كم/ثانية. هذه السرعة العالية تتسبب في ضغط شديد للهواء أمامها، مما يؤدي إلى ارتفاع درجة الحرارة إلى آلاف الدرجات المئوية، فتشتعل الشهب وتتبخر بالكامل قبل وصولها إلى سطح الأرض.
أما مركبات ناسا، فإن سرعتها أثناء إعادة الدخول إلى الغلاف الجوي تكون أقل بكثير من سرعة الشهب، وعادةً ما تكون حوالي 7.8 كم/ثانية (سرعة المركبات المدارية)، مما يقلل من الحرارة الناتجة.
2. درع الحماية الحراري للمركبات الفضائية
المركبات الفضائية مثل أبولو، سبيس إكس دراغون، والمكوك الفضائي مزودة بدرع حراري مصمم لتحمل درجات الحرارة العالية.
هذه الدروع مصنوعة من مواد تمتص الحرارة ثم تتبخر بطريقة منظمة، مثل ألياف الكربون، السيراميك، والألمنيوم المطلي بمواد مقاومة للحرارة.
المواد المستخدمة في الدرع الحراري مثل أفلام البوليمر، السيراميك العازل، ومواد مبردة خاصة تساعد في تبديد الحرارة ببطء بدلاً من الاشتعال الفوري كما يحدث مع الشهب.
3. تصميم دخول المركبة للغلاف الجوي
المركبات الفضائية لا تدخل الغلاف الجوي مباشرة كما تفعل الشهب، بل تدخل بزاوية مدروسة بعناية لتقليل الاحتكاك المفاجئ والحرارة المفرطة
تتراوح بين 5° إلى 7° لمعظم المركبات الفضائية.
دخول المركبة يكون بتقنية تسمى الاحتكاك التدريجي (Skip Reentry) مما يسمح لها بتبديد الطاقة الحرارية على مراحل، على عكس الشهب التي تخترق الغلاف الجوي بسرعة كبيرة وتحترق فورًا.
4. وجود أنظمة تبريد وتحكم
المركبات الفضائية مزودة بأنظمة تبريد وتحكم حراري، مثل السوائل المبردة والعوازل الحرارية، التي تساعد على تخفيف الحرارة ومنع المركبة من الاحتراق.
النتيجة
الشهب تحترق لأنها تدخل الغلاف الجوي بسرعة كبيرة جدًا دون حماية حرارية، بينما مركبات ناسا مصممة بمواد وتقنيات خاصة تساعدها على تحمل درجات الحرارة العالية دون الاحتراق.
بعض التقنيات المتقدمة المستخدمة:
ناسا والشركات الفضائية الأخرى تستخدم تقنيات متقدمة لحماية المركبات الفضائية من الاحتراق عند دخول الغلاف الجوي. هذه التقنيات تشمل:
1. الدروع الحرارية (Heat Shields)
وهي الطبقات الواقية التي تحمي المركبة من الحرارة الشديدة أثناء إعادة الدخول، وتنقسم إلى نوعين رئيسيين:
أ. الدروع المتآكلة (Ablative Heat Shields)
تُصنع من مواد تتبخر أو تتقشر عند تعرضها للحرارة العالية، مما يساعد على امتصاص الطاقة الحرارية وتشتيتها بعيدًا عن المركبة.
تُستخدم في كبسولات العودة مثل:
أبولو (Apollo)
كبسولة دراغون من سبيس إكس (SpaceX Dragon)
أوريون (Orion) التابعة لناسا
المواد المستخدمة:
أفراجلاس (Avcoat): خليط من الألياف الزجاجية والراتنج.
بيكا-X (PICA-X): مادة خفيفة الوزن تتحمل درجات حرارة عالية (تُستخدم في دراغون).
سيليكا (Silica) والسيراميك: خفيفة وذات مقاومة حرارية عالية.
ب. الدروع المقاومة للحرارة (Reusable Heat Shields)
بدلاً من التآكل، هذه الدروع مصممة لعكس الحرارة بعيدًا عن المركبة.
أشهر مثال: المكوك الفضائي (Space Shuttle) الذي استخدم بلاطًا حراريًا خاصًا يسمى (HRSI - High-Temperature Reusable Surface Insulation) مصنوع من السيليكا.
البلاط كان يُعاد استخدامه، لكنه كان هشًا ويحتاج إلى صيانة مكثفة.
2. تقنيات الدخول التدريجي (Controlled Reentry)
المركبات لا تدخل الغلاف الجوي بشكل عمودي كما تفعل الشهب، بل تتبع مسارًا مائلًا لتقليل التسخين المفاجئ.
بعض المركبات تستخدم تقنية الارتداد (Skip Reentry)، حيث ترتد جزئيًا عن الغلاف الجوي قبل الهبوط النهائي، مما يخفف الحرارة.
3. التبريد السلبي والنشط (Passive & Active Cooling)
أ. التبريد السلبي
يعتمد على مواد ذات توصيل حراري منخفض لتقليل انتقال الحرارة إلى داخل المركبة.
مثل: البلاط الخزفي في المكوك الفضائي أو طبقات الكربون في كبسولات العودة.
ب. التبريد النشط
بعض الأنظمة تستخدم سوائل تبريد أو غازات لتبريد أجزاء المركبة عند تعرضها لدرجات حرارة عالية.
مثال: تقنية "التبريد بالنزف" (Transpiration Cooling)، حيث يتم ضخ الغاز من خلال ثقوب صغيرة في الدرع الحراري لتشكيل حاجز واقٍ من الحرارة.
4. مواد مقاومة للحرارة العالية (High-Temperature Materials)
تصنع بعض أجزاء المركبة من ألياف كربونية معززة (Carbon-Carbon Composites)، وهي نفس المادة المستخدمة في أنف وأجنحة المكوك الفضائي، حيث تتحمل درجات حرارة تصل إلى 1650°C.
تستخدم معادن مثل التنغستن، والتيتانيوم، والنيكل في بعض الأجزاء الحرجة.
5. أنظمة التحكم بالمناورة الهوائية (Aerodynamic Maneuvering)
المركبات الحديثة مثل ستار شيب (Starship) من سبيس إكس تستخدم زعانف (Fins) لضبط اتجاه المركبة وتوزيع الحرارة بشكل متساوٍ أثناء الهبوط.