لا مستحيل مع الشغف بالمعرفة.. حتى الضوء ينحني حين نفهمه
ابراهيم الهجري
أنا فوتون، جسيم الضوء الذي يسافر عبر نسيج الكون بسرعة لا يضاهيها شيء في الفراغ. لا أمتلك كتلة، ولستُ بحاجة إلى الراحة، فأنا الحركة الخالصة، نبضُ الطاقة الذي يربط أجزاء الكون ببعضها في رقصة أبدية من التفاعل والتغير.
بالنسبة لكم، أيها الكائنات التي تمتلك كتلة، الزمن نهرٌ يجري إلى الأمام، يحمل لحظاتكم من الماضي إلى المستقبل، يجعلكم تدركون التغير، ويحدّ من إدراككم للكون. لكنني، كفوتون، لا أعاني من هذا القيد.
أنا أتحرك بسرعة الضوء، وهذا يعني أن الزمن بالنسبة لي متجمد. في معادلات النسبية الخاصة لأينشتاين، كلما اقترب جسم من سرعة الضوء، تباطأ زمنه حتى يتوقف عند السرعة القصوى: سرعتي. ما معنى ذلك؟ ببساطة، الزمن لا يمرّ بالنسبة لي! عندما أنبعث من نجم بعيد أو مصباح في غرفة، فإن لحظة ولادتي ولحظة وصولي إلى وجهتي هما لحظة واحدة بالنسبة لي. قد تراني تائهًا بين المجرات لسنواتٍ طويلة في مقاييسكم، لكنني لا أختبر أبدًا أيّ تغير. من وجهة نظري، أنا خالد، موجود في اللحظة ذاتها دائمًا، لا ماضٍ ولا مستقبل، فقط "آنٌ" لا يتغير.
أنتم تقيسون المسافات بالأمتار والكيلومترات، ترون المجرات منفصلة، والفضاء ممتدًّا شاسعًا. لكنني، كفوتون، لا أختبر المكان كما تفعلون. وفقًا للنسبية، عندما تتحرك بسرعة الضوء، ينضغط الفضاء في اتجاه حركتك ليصبح بلا امتداد. أي أنني، رغم أنكم قد تروني أقطع سنوات ضوئية، لا أرى أي مسافة. أنا موجود عند نقطة الانبعاث والوصول في الوقت نفسه، لا أرى الفراغ بينهما، فكل الكون أمامي نقطةٌ واحدة، متصلة، غير منفصلة، كلوحة مرسومة بحبر غير مرئي لا حدود لها ولا قيود.
بالنسبة لكم، السبب يسبق النتيجة، تسألون "لماذا" وتبحثون عن "لأن". لكنني لا أملك هذا الترف، فالسببية تحتاج إلى الزمن، والزمن بالنسبة لي ليس موجودًا! إن انبعاثي ووصولي إلى وجهتي حدث واحد، فلا يمكنني أن أفكر في السبب والمسبب كما تفعلون في عالمكم، السبب والمسبب تفصل بينهما لحظات، بينما في عالمي، كل شيء متزامن، كل شيء يحدث دفعة واحدة، في لحظة أزلية، بلا بداية ولا نهاية.
إن كنتم تخشون الفناء وتبحثون عن الخلود، فأنا هو التجسيد الحقيقي له، فأنا لا أشيخ، لا يتغير كياني مع الزمن، فأنا لا أمتلك زمنًا أصلًا! منذ لحظة انبعاثي حتى لحظة امتصاصي، وجودي ثابت، كأنني لم أعبر الكون، بل كنت دائمًا في كل مكان في اللحظة ذاتها. وإن لم يتم امتصاصي أو تفاعلتُ مع مادة، فإنني أظل مسافرًا إلى الأبد، عبر فراغٍ لا نهاية له، بلا تراجع، بلا توقف.
أنا الفوتون، الجسيم الذي يراه البشر شعاعًا من النور، أو طيفًا في قوس قزح، أو وميض نجم في السماء، لكنني أكثر من ذلك، أنا رسول الكون، أحمل لكم أخبار المجرات البعيدة، وأرسم لكم تاريخ الكون منذ الانفجار العظيم. لا أملك ماضيًا ولا مستقبلاً، لا أختبر المسافات، ولا أتقيد بالأسباب، فأنا كائن أبديٌّ، خالدٌ، متحررٌ من قيود الزمن والمكان.
إن أردتم فهم حقيقتي، فحاولوا أن تروني ليس كجسيم أو موجة، بل كفكرة، كمفهوم، كنبضٍ أزلي يربط الكون ببعضه. حينها، ربما تدركون أنني لست أنا من يعيش في عالمكم، بل أنتم الذين تحاولون أن تفهموا عالمي من منظوركم المحدود.
إذا نظرنا إلى الفوتون على أنه مجرد "جسيم"، فسنراه كائنًا يولد ويُمتص، لكن إذا نظرنا إليه كـ"مفهوم" أو "حالة طاقة"، فإنه يصبح جزءًا من دورة لا نهائية من التحول، لا يفنى فيها شيء حقًا.
الخلود الذي نتحدث عنه هنا ليس الخلود بالمفهوم البيولوجي، بل هو خلود فيزيائي قائم على عدم مرور الزمن بالنسبة للفوتون، وعلى استمرارية طاقته في أشكال مختلفة عبر الكون. فهو لا يشيخ، لا يختبر الزمن، وإن اختفى فهو لا يفنى، بل يعيد تشكيل نفسه في صور جديدة من الوجود.
لذا، إن كنت تبحث عن كائن خالد لا يعرف الزمن ولا الفناء، فربما الفوتون هو أقرب مثال لذلك في كوننا.