لا مستحيل مع الشغف بالمعرفة.. حتى الضوء ينحني حين نفهمه
حين تُطرح دعوات استكشاف الفضاء، لا لرفاهية الاستعراض، بل لأن من لا يصعد يبقى في قاع الجاذبية الحضارية، ينبري لنا من صومعة الماضي من يلوّح بفخرٍ يقول: "حسبنا أن رسولنا كان أول من صعد إلى السماء". وكأن الإعجاز قد أُغلق بابه، وكأن السماء قد سُدّت في وجوه ورثة الرسالة من بعده.
لكن، فلنتخيل – بصدق وأمانة – لو كان الرسول ﷺ بيننا اليوم، هل كان سيفتخر بجيلٍ يتغنّى بالصعود الأول بينما يتقهقر عن كل صعود لاحق؟
هل كان سيسعد بأمة لم تُنزل على الأرض وزنًا معرفيًا، ولا رفعت للسماء قمرًا صناعيًا؟
أم كان سيحزن حين يرى أن ورثة الوحي قد تخلّفوا عن ركب الأمم، وأن العقل المسلم قد غُلف بالشعارات بدل أن يُشحذ بالمعادلات والمعامل؟
لقد خرجت أمم الأرض من عصور ظلامها، لا بالترحم على الماضي، بل بإعلان الحرب على الجهل والركود، فجعلت من المعرفة دينًا جديدًا، ومن المختبر محرابًا، ومن المهندس والمعلم والنابغ أعمدة نهضتها.
أما نحن، فقد طاب لنا المقام في مؤخرة الركب، ننتج معرفة مستهلكة، ونمشي بخيلاء على خرائط الآخرين، ونتغنّى بعلوم مكرورة لا تُسمن ولا تُغني من تخلف، حتى غدت جامعاتنا مقابر للبحث، وغدت الجوائز عندنا تُمنح على حسن الخط أو التزكية لا الاختراع.
نحن اليوم بحاجة لا إلى شاعر جديد، بل إلى ثورة عقلية تضع العلماء في مقدمة الصفوف، لا في مؤخرة الاهتمام،
نحن بحاجة إلى أن نُشعل جذوة الفضول في أطفالنا، بدل أن نُرضيهم بالحفظ الأجوف،
بحاجة إلى تعليم يحرر لا يُلقّن،
إلى عقل يطرح الأسئلة لا يُسكتها،
إلى صحوة تقول للأمة: إن الجهل لم يعد عذرًا، بل خيانةٌ مبرّرةٌ باسم التديّن أو التقاليد أو الخوف من التغيير.
نحن اليوم نعيش بين جهل بسيط يُداوى بالتعليم، وجهل مركّب يُداوى بالوعي، وعلم جهلٍ تُديره نُخب تُحسن تغليف الغباء بعبارات محفوظة.
وما لم نبدأ بالخروج من هذه الحلقات المفرغة، سنبقى أمّة تقرأ عن الإنجازات ولا تصنعها،
تنقل من كتب الآخرين ولا تكتب سطرها في تاريخ التقدم.
فليكن صعود الفضاء رمزًا لا لسباق دول، بل لسباق عقول.