لا مستحيل مع الشغف بالمعرفة.. حتى الضوء ينحني حين نفهمه
تجربة الشقين (Double-Slit Experiment) واحدة من أكثر التجارب إدهاشًا وتأثيرًا في تاريخ العلم، والتي يعود الفضل في تصميمها إلى العالم البريطاني توماس يونغ عام 1801. جاءت هذه التجربة البسيطة ظاهريًا لتقلب فهمنا للعالم رأسًا على عقب، وتؤسس لما نعرفه اليوم بفيزياء الكم.
كان الجدل العلمي حول طبيعة الضوء في مطلع القرن التاسع عشر مُحتدمًا بين فريقين رئيسيين: فريق يقوده إسحاق نيوتن يرى أن الضوء مكوّن من جسيمات دقيقة، وآخر يقوده كريستيان هيغنز يؤكد أن الضوء يتصرف كموجات. هنا جاء دور يونغ بتجربة عملية عبقرية لحسم هذا الخلاف.
ابتكر يونغ تجربة بسيطة لكنها بارعة: قام بتسليط شعاع من الضوء نحو لوح مثقوب بشقين متجاورين صغيرين جدًا، وخلفه شاشة تستقبل الضوء المنبعث من الشقين. كانت النتيجة مُذهلة: بدلًا من أن يظهر على الشاشة نقطتان من الضوء فقط (كما توقّع أنصار نظرية نيوتن)، تشكّل نمط من الخطوط المضيئة والمعتمة المتناوبة، أو ما يُعرف بـ "نمط التداخل". هذا النمط هو سمة واضحة جدًا للسلوك الموجي؛ حيث تحدث المناطق المضيئة عندما تلتقي قمة موجة من أحد الشقين مع قمة موجة من الشق الآخر، بينما تحدث المناطق المعتمة حين تلتقي قمة موجة مع قاع موجة، فتلغي إحداهما الأخرى.
هكذا، استطاع يونغ بحركة واحدة ذكية أن يحسم النزاع ويُثبت للعالم بشكل قاطع أن الضوء يتصرّف كموجة.
لكن تجربة الشقين لم تنته عند هذا الحد، بل دخلت في مراحل جديدة ومدهشة مع بداية القرن العشرين. عندما اقترح لويس دي بروي أن الجسيمات مثل الإلكترونات أيضًا يمكن أن تتصرف كموجات، أُعيدت تجربة يونغ ولكن هذه المرة باستخدام إلكترونات بدلًا من الضوء. النتائج كانت صادمة:
عند إطلاق الإلكترونات واحدًا تلو الآخر، يظهر على الشاشة نمط تداخل مشابه لما حصل مع الضوء، كأن الإلكترون الواحد يمر عبر الشقين معًا في نفس الوقت ويتداخل مع نفسه.
الأكثر غرابة أن وضع جهاز مراقبة لتحديد من أي شق يمر الإلكترون، يُلغي نمط التداخل فورًا، ويتحول سلوك الإلكترون ليشبه سلوك جسيم كلاسيكي.
هذا أثار أسئلة فلسفية عميقة حول طبيعة الواقع والوعي، وأدى إلى ظهور نظريات عديدة مثل تفسير كوبنهاغن وتفسير العوالم المتعددة، وأبرز مصطلحات مثل "انهيار الدالة الموجية".
تجربة يونغ البسيطة التي بدأت بمحاولة فهم الضوء، فتحت الباب على مصراعيه لعالم من الغرابة الكمومية، ولا تزال أسئلتها وتداعياتها تثير الدهشة وتُشكّل تحديًا للعلم والفلسفة معا.