لا مستحيل مع الشغف بالمعرفة.. حتى الضوء ينحني حين نفهمه
في عالمٍ ما.. لا نعلم إن كان فوقنا أم فينا.. قيل إن الملعب قد أُعد بعناية. ليس أي ملعب.. بل واحدٌ توافرت فيه القوانين.. ووضِعت حدوده بعناية.. ثم تُرك اللاعبون أحرارًا.. كلٌّ يلعب كما يشاء.
لا صفّارة تُطلق كلما زلّت قدم.. ولا صافرة اعتراض تُدوّي كلما ارتكب أحدهم خطأ. وحده الصمت.. صمت طويل.. لكنه ليس غفلة.
يبدو أن في تصميم هذا العالم قانونًا غير مكتوب: "افعل ما تريد.. النتيجة لا تختلط باللحظة".
الاختيارات تُمنح دون تدخل.. والمصائر تُترك لتتشكل بحرية.. كأنَّ من أعدَّ الساحة يؤمن بأن الضغط يفسد التجربة.. وبأن التدخل الفوري يُعطِّل النضج.
فالعدل.. على ما يبدو.. لا يعني تصحيح كل خطأ في لحظته.. بل احترام الحق في الوقوع أصلًا.. والقيام بعده.
ما دمت قد أعلنت القوانين.. وسمحت بالاختيار.. فليس من العدل أن تُحاسب أحدهم قبل أن تُغلق صافرة النهاية. فلو منعتهم منذ البدء.. لكان الأمر مفهومًا.. أما أن تتركهم يختارون.. ثم تفاجئهم بعقاب لم يُعلن.. فتلك ليست عدالة.. بل فخٌّ متنكر في هيئة حرية.
لكن الغريب هنا.. أن لا فخ. القواعد واضحة.. والحرية أصيلة.. وما من تدخل يعكّر السياق. فقط.. انتظارٌ طويل.
بعضهم قد يظن أن غياب العقاب الفوري دليل على غياب صاحب اللعبة.. أو ربما أنه لم يعد يهتم.. أو أن الأمور خرجت عن سيطرته.
لكن العقلاء يرون الأمر من زاوية مختلفة: الصمت لا يعني الغياب.. بل الثقة.
كأن صاحب الميدان يعلم أن التجربة هي الحكم الحقيقي.. وأن الثمرة تُختبر في وقت الحصاد.. لا في وقت الزرع.
ليست هناك حاجة للتسرّع.. ولا ضرورة لأن تُفصَل القضايا في وقت ارتكابها. هنالك جدول زمني أوسع.. لا نعرفه.. ولا نملكه.. لكنه يعمل بدقة.
كل ما نفعله اليوم.. يُسجّل بهدوء. كل قرار.. كل انحراف.. كل صعود.. كل خيانة أو أمانة.
وفي لحظة لا يعلمها أحد.. تفتح الدفاتر. لا على رؤوس الأشهاد.. ولا بتدخل مفاجئ.. بل في توقيت دقيق.. حيث لا مفرّ من مواجهة المرآة.
✒️ إن من وضع القوانين.. لا يحتاج إلى كبح الأفعال في كل لحظة.. لأنه أقام الملعب ليُختبر فيه الوعي.. لا الطاعة العمياء.. ومنح الحرية ليتجلّى فيها الصدق.. لا الخوف من السياط.