قبسات من المعرفة الروحية

للمعلم برمهنسا يوغانندا

PARAMAHANSA YOGANANDA

ترجمة محمود عباس مسعود


قال المعلم لمريد التمس إرشاده على الطريق الروحي:

لا تتشوق لاعتراف الناس بك وبإنجازاتك الروحية بل أطلب الله وحدة.

عندما تدرك أنه السلام في داخلك ستدرك أنه السلام والإنسجام في كل شيء طيب في الخليقة

وستراه في جمال الطبيعة وتحس بقربه في الصداقة الصادقة وتلمس بركاته في الطموحات النبيلة والمقاصد الشريفة المنزهة عن الغايات الأنانية.. وستشعر بحضوره خلف حُجب لسكون

وفي كل الأشياء الرائعة.

إقرع بهمة الباب وسيرتفع الحجاب وتبصر الوجه الأبهى بكامل مجده وروعة بهائه.

إن أحببت الله ستشعر بحبه ولن يقدر شيء آخر على مخادعتك. التجارب المادية تستهويك

لأنك لم تتذوق طعم السعادة الروحية. ومتى تذوقتها ستعرف الفرق.

كن حراً في اختيارك. لا تدع أي شيء يقيّدك ولا تسمح لأحد بالسيطرة عليك أو التدخل في سعادتك.

إن نفسك هي جزء منفصل عن الكل الكوني ويجب أن تعثر على ذلك الكل الكامل حتى تختبر وعي الغبطة وتتذوق ملذات الحب الإلهي.

ابتعاث المحبة من سراديب الحقد والكراهية

نسألك يا رب أن تشع بأنوارك على نفوسنا

وتغمر محبيك والراجين عونك ببركاتك العميمة

وأن تبعد عنا أشباح الحروب والعنف والموت

وأن تلهمنا كي نجعل السلام مطلبنا

والمحبة زادنا

والتحرر من القيود المكبّلة هدفنا.

* * *

إن لم يسعَ الإنسان سوى لجمع المال وتحقيق رغبات الجسد

فالمكاسب التي يحرزها ضئيلة وهزيلة

لأنه سيأتي اليوم الذي به يخلّف كل المكتسبات الدنيوية وراءه.

ولكنه إن اغتنى بالله

يكون أغنى من كل ملوك وأثرياء الأرض.

تلك الكنوز المباركة هي في حوزة محبي الله

الذين لا يرضون عن غنى الروح بديلاً.

فإذ يعملون على تنمية ميولهم الروحية

وتغذية أشواقهم لمصدر حياتهم

وابتعاث المحبة من سراديب الحقد والكراهية

فإنهم يرتقون بوعيهم من الإعتبارات الدنيوية الضيقة

إلى آفاق الحرية والسلام والنور والفرح

ويدركون اتساعهم غير المحدود

ويختبرون مدركات ومعارف متجددة.

وإذ يغرسون بذور الأفكار والأفعال الطيبة

في مساحات وعيهم

تتفتح بصائرهم

وتنشط قوى إدراكهم

فيلامسون جوهرهم الحقيقي

ويعثرون على مملكة الله في داخلهم.

نسأله تعالى أن يأخذ بيدنا كي نجدد أنفسنا

ونخرج كياننا الروحي من دياميس الظلام

إلى فضاءات الحرية والطمأنينة وأنوار المعرفة.

الفواكه والخضروات الطازجة مغذيات حيوية

من محاضرة للمعلم برمهنسا يوغانندا عن التغذية

ألقاها في إنسينيتاس، كاليفورنيا - حزيران/يونيو 1940

إن بروتين اللحم ليس المصدر الحيوي الوحيد للطاقة.

بعض الأملاح المعدنية الموجودة في الخضروات والفواكه غير المطبوخة هي أيضاً مصادر هامة.

صحيح أن حصة كبيرة من اللحم تمنح كمية وافرة من الطاقة لكن إن طغت اللحوم على الغذاء لفترة طويلة ستكف عن منح القوة، كما أن الكمية الزائدة من البروتين تتسبب في تسمم البروتين وهو مصدر للتعب وللمرض أيضاً. فالبروتين الزائد هو ضار تماماً كنقص البروتين.

إن أردت أن تتخلص من الإعياء فأحد العلاجات يكمن في التغذية الصحيحة. اللحم قد يعطي قوة مؤقتة، لكنه يتسبب بسموم كثيرة في الجسم. وتناولك كميات أكبر من الأطعمة النيئة غير المطبوخة سيقلل من الإحساس بالإرهاق وبالتالي ستشعر بفيض من الطاقة.

العصائر تمنح قدراً كبيراً من الطاقة، لكن الفواكه والخضروات الكاملة هي ذات قيمة غذائية أكبر من العصائر. ومع ذلك فإن بعض الناس لا يريدون أن يصرفوا الوقت الكافي لاستهلاكها على هذا النحو.

الجهاز الهضمي يستخلص المواد الكيماوية ويوزعها على أنواع مناسبة من الخلايا في كافة أجزاء الجسم.

الجسم يتكون من عناصر كيماوية متعددة، ويجب أن يقوم الغذاء بسد النقص في تلك العناصر على أساس يومي.

يجب أن يشتمل الغذاء اليومي على مقادير كافية من البروتين والفيتامينات والمعادن وبعض الدهون والزيوت، وقدر مناسب من الكاربوهيدرات الطبيعية، مع مراعاة التقليل قدر الإمكان من النشويات المكررة والسكر المكرر.

إن مصدراً رائعاً من الطاقة هو مزيج من عصير البرتقال واللوز المطحون فاللوز يُهضم بكيفية أفضل عند مزجه مع عصير البرتقال.

كما أنه من المهم أيضاً شرب مقدار وافر من السوائل. وفي حال عدم توفر الماء الجيد، ففي عصير الفاكهة الطازج وماء جوز الهند والبطيخ تكملة ممتازة وبديل جزئي عن الماء النقي.

في المستقبل سيتناول الناس عصير الفاكهة وعصارة الخضروات بوتيرة أكبر نظراً للفوائد الصحية التي تمنحها تلك العصائر.

عقدتا النقص والإستعلاء كلتاهما سيئتان

عقدة النقص سيئة مثلها مثل عقدة الإستعلاء لأن من يشعر بالنقص لن يتمكن من إظهار السمو الذي في داخله.

والإنسان كونه ذا طبيعة روحية فإنه موهوب بشرارة مقدسة ومن الخطأ والخطل التفكير بأنه وضيع أو أن يظن بأنه فوق الجميع ويتصرف تصرف من لا كرامة ولا أصل له.

عندما يظهر الشخص كبرياءه فإن ظل الكبرياء الكثيف يحجب نور الله داخل النفس.

لذلك يجب تحاشي العقدتين معاً لأن كلتيهما عائق في طريق التقدم الروحي.

فلنشعر أن الله معنا.. يلهمنا ويوجهنا وأنه الحب الأعظم في حياتنا.

العارفون بالله يشعرون أنهم خدام الجميع ولا يفكرون أنهم أفضل من سواهم.

عقدة النقص تلازم ذوي الأفكار الواهنة واللاشعور الضعيف وعقدة الإستعلاء هي وليدة الكبرياء المقيت والنفخة الكاذبة.

كلا العقدتين مدمرتان للنمو الروحي وتقومان على الوهم وتجاهل الحقيقة وليس على الفهم السليم والحكم الصائب.

يجب تنمية الثقة بالنفس من خلال قهر الضعف البشري الموروث. ويجب على الراغب أن يحاول تذوق حلاوة الثقة بالنفس من خلال إنجازات فعلية في حياته وبذلك سيتحرر من عقدتيّ النقص والإستعلاء بعونه تعالى.

سر الحيوية ومصدرها

الجسم يلزمه عدة ساعات لتحويل الطعام إلى طاقة. لكن كل ما ينبّه الإرادة وينشطها يولـّد طاقة فورية.

الإرادة تستخلص الحيوية من خلايا الجسم ومن مستودع الطاقة في الدماغ حيث يتم تخزين الطاقة المستخلصة من الطعام.

كما أن الإرادة تسحب أيضاً نشاطاً جديداُ من المصدر الكوني إلى الجسم عن طريق النخاع.

ولذلك فإن سر الحيوية يكمن في حفظ الطاقة التي لدى الشخص وجلب طاقة جديدة إلى الجسم بقوة الإرادة.

كيف يتم ذلك؟

أولاً يجب العمل برغبة وطواعية. فإن كان هناك ما يستحق العمل فينبغي عمله طوعاً واختياراً.

عندما تعمل عن طيب خاطر تمتلك مقداراً أكبر من الطاقة لأنك لا تسحب طاقة من الأعصاب في الدماغ وحسب بل تستقطب فيضاً غزيراً من الطاقة الكونية إلى الجسم.

المرأة التي تقوم بتحضير وجبة طعام شهية لحبيبها تكون مغمورة بالسعادة ومليئة بالحيوية

لكن إن تم إرغامها على الطبخ ضد إرادتها تشعر بالتعب منذ البداية.

ولذلك فإن الإرادة تجلب الطاقة.

قصة قصيرة:

ذات مرة كنت أتحدث مع أحد أصحابي عن القديسين... وكان صاحبي سمساراً فلم يشاركني حماسي، بل قال: "إن كل ما تدعوهم قديسين هم بالأحرى دجالون، ولا يعرفون الله." لم أجادله، بل غيرت الموضوع ورحنا نتحدث عن مهنة السمسرة. وبعد أن أخبرني الكثير عنها قلت بلطف: "هل تعلم أنه لا يوجد سمسار واحد جدير بالثقة... وأنهم كلهم كذابون؟" فاستشاط غضباً وأجاب بسخط: "وماذا تعرف عن السماسرة؟" فأجبته: "وهذا ما عنيته بالضبط. وأنت ماذا تعرف عن القديسين؟" فأفحم. وتابعت القول بهدوء ومودة: "أنا لا أعرف شيئاً عن السمسرة وأنت لا تعرف شيئاً عن القديسين."

ملائكة من الطاقة

لقد خلقنا الله ملائكة من الطاقة

ووضعنا في أجسام مادية

فركّزنا كل اهتمامنا على الأجسام الهشة

ونسينا النفس الروحية المشحونة بطاقة الحياة الكونية

والآن يتعين علينا بذل مجهود حقيقي من التركيز

للإحساس بالوعي الكلي من جديد.

إن أصل النجاح يكمن في البصيرة الروحية النامية

التي من خلالها ندرك طبيعتنا غير المادية

وأن صورة الله تكمن بنا.

الزهرة الأولى في بستان الروحيات هي زهرة الإيمان والرجاء

أما الثمرة فهي المعرفة الفعلية من خلال الإختبار الذاتي.

تفاءلوا واعلموا أن خيرات وبركات الحياة في انتظاركم

ما دمتم تعملون بإخلاص وهمة

لاستعادة الإرث الإلهي المفقود.

الإنسان الروحاني الصادق هو ذلك الإنسان المتزن

الذي يشعر بالرضاء ويتمتع بصحة جيدة وبصيرة نامية

ويمتلك غنى النفس وكنوز الحكمة

ويثق بأن العون الإلهي قادم

مهما بدت الحياة قاسية والظروف معاكسة.

إن وجه الله يتراءى لنا في جمال الطبيعة

وصوته يتحدث إلينا من الأنغام الرقيقة الراقية

ومن أصوات المحبين اللطيفة العذبة

ومن خلال صوت الواجب المدوّي.

إن الحافز الذي يستحثنا نحو الخير والسلام

والسعادة والمعرفة هو صوت الله

الذي يدعونا للعودة إلى البيت المبارك

بيت الطمأنينة وراحة القلب

والتمتع بحضوره العذب

وجماله الفائق الذي لا نظير له.

الدنيا مخادعة للغاية ويجب أن نتعامل معها من هذا المنطلق. وإن لم نتغلب على خداعها وأوهامها أولاً فلن نتمكن من مساعدة أي شخص آخر.

يجب أن نتذكر بأنه في خلوة العقل المركـّز يكمن مصنع كل الإنجازات العظيمة. وفي هذا المصنع العجيب يجب أن ننسج أنماط إرادتنا باستمرار من أجل التغلب على كل الظروف المعاكسة أو التعامل معها على نحو مُجدٍ وفعال.

يجب تدريب الإرادة وتمرينها على الدوام.

أمام الإنسان الكثير من الفرص للعمل في هذا المصنع الأرضي ما دام لا يضيّع وقته ويهدر طاقاته سدىً.

إنني أنسحب في الليل من مطالب الدنيا لأكون مع نفسي

بعيداً كل البعد عن العالم

وحيداً مع إرادتي في خلوتي الروحية

حيث أسيّر أفكاري في الاتجاه الذي أرغبه

وأتخذ القرار في قرارة نفسي.

عندما أستحث إرادتي للقيام بالنشاطات السليمة النافعة تخلق لي النجاح. وبهذه الكيفية استخدمت إرادتي استخداماً فعّالاً مرات عديدة. ولكن ذلك لا يتحقق ما لم يكن استخدام الإرادة متواصلا.

أي شعور رائع ستحس به عندما تتمكن من القول ومن التأكيد "إن إرادتي المشحونة بالإرادة الإلهية ستحقق لي ما أبتغيه!"

إذا تهاون المرء وأوكل كل شيء للإرادة الإلهية دون استخدام إرادته الموهوبة له من الله فلن يحصل على النتيجة التي يتوخاها.

القوة الإلهية تريد أن تساعدك من تلقاء ذاتها.

يجب أن نطرد من أذهاننا التفكير بأن الله بجبروته وقدراته الخارقة بعيد عنا ومحتجب في أقاصي السماء، وألا ننسى بأن الإرادة الإلهية تكمن خلف إرادتنا البشرية، ولكن تلك القوة الجبارة الشبيهة بالمحيط الزاخر في مدها ومددها لن تأتي ما لم يكن العقل متفتحاً والقلب متقبّلاً.

مناجاة

أيتها الأم الكونية

لتكوني الشعلة الوحيدة في قلوبنا

ولتبددي ظلام نفوسنا.

وفي دموع محبتنا لكِ

اغسلني حبنا للدنيويات.

وفي غبطة توافقنا معكِ

بددي مرة وإلى الأبد كآبتنا وأحزاننا.

اجعلي من قلوبنا الصغيرة قلباً كبيراً

يتسع لحضورك الكلي.

وفي مرآة طبيعتك الإلهية

فلنبصر أنفسنا كاملة نقية.

لتصعد شعلات محبتنا لكِ

إلى ما فوق لهيب الشهوات الأرضية.

ملايين المغريات تتنكر بصورتك

وتخدعنا على الدوام.

* * *

تعالَ أيها الفرح الإلهي الكامل النقي!

أدخل معابد أشواقنا إليك.

لتكن الكوكب الهادي

في سرواتنا بليالي الجهل المظلمة

ولتأخذ بيدنا وترجعنا سالمين

إلى مرفأك الآمن الأمين!

همسات من الأزل Whispers from Eternity

الرباعية الأولى من رباعيات الخيام

ترجمة إدوارد فيتزجيرالد وشرح المعلم برمهنسا

تقوم شهرة عمر الخيام في الغرب على ترجمة فيتزجيرالد لرباعياته في منتصف القرن التاسع عشر، والتي تعتبر الترجمة الأفضل على الإطلاق إلى اللغة الإنكليزية.

وقد اعتبر المعلم برمهنسا عمر الخيام واحداً من كبار المتصوفة وعلى درجة عالية من معرفة الذات، وأنه استخدم الرمز للتعبير عن تجربته الروحية الذوقية، وأنه أسيء فهمه على نحو خشن، ولم يتعمق الباحثون بما فيه الكفاية لمعرفة فلسفته الروحية التي أودعها الرباعيات.

Awake! for Morning in the Bowl of Night

Has flung the Stone that puts the Stars to Flight

And lo! the Hunter of the East has caught

The Sultan's Turret in a Noose of Light

الترجمة العربية:

استيقظوا فها قد قذف الصبحُ وعاءَ الليل بحجر

مبدداً شمل النجوم تبديدا

وها صائد الشرق

قد أمسك ببرج السلطان

بأنشوطة من نور.

شرح وتفسير للمعلم برمهنسا يوغانندا:

شرح المعاني:

الصبح: هو فجر الإستيقاظ من الوجود الأرضي الواهم.

وعاء الليل: ظلمة الجهل التي تسجن الروح الخالدة في الوعي البشري الضيّق المحدود.

الحجر: التهذيب الروحي.

النجوم: الوميض الجذاب للرغبات المادية.

صائد الشرق: الحكمة الشرقية الجبارة التي تقضي على فلول الأوهام.

أنشوطة من نور: إشراقة الحكمة المباركة، التي تدمر الظلام المغتصِب الذي يأسر النفس ويكبلها.

التفسير:

السكون الباطني يهمس:

"استيقظوا! واهجروا سبات الجهل، لأن فجر الحكمة قد بزغ، واقذفوا وعاء المجهول المظلم بحجر التهذيب الروحي ليحطمه ويبدد شمل النجوم الخافتة البريق للرغبات المادية الباهتة.

"أنظروا نور الحكمة الشرقية، صائد الأوهام ومدمرها، فقد أمسك ببرج الروح الشامخ بأنشوطة من نور، وبدد ظلامها المادي المقيد، تبديدا.

"أيا ساكني مدينة الأوهام، اهجروا النوم! فإن شعاع شمس الرسالة الروحية ذات الحكمة الباطنية قد ظهر.

تعلموا كيفية استخدام حجر التهذيب الروحي الصلب لكسر وعاء الجهل المظلم، وطرد الرغبة في المتع المادية المؤقتة منه.

"خذوا العبرة من صائد الحكمة الدائم البحث عن النفوس المتعشطة للنور والباحثة عن الحقيقة ليطوقها بهالة من الألق لمجيد.. ألق الحرية الأبدية."

عودة الإبن الشاطر

ذات مرة، منذ سنين طويلة، رأيت أن احد تلامذتي يسير في خط معاكس.

وإذ أدركت بالبصيرة النتائج الحتمية التي ستترتب على تصرفه. حاولت إقناعه بشتى الوسائل المنطقية للعدول عن مواصلة السير في ذلك الاتجاه، ولكني وجدت أنني لن أستطيع مساعدته

لأنه كان قد اعتزم المضي قدماً في طريق الشر.

أخيراً قلت بيني وبين نفسي:

"ما دام يريد ذلك فلأتركه وشأنه."

ولكن محبتي له واهتمامي به عاوداني بسرعة فجلست تحت شجرة تين ورحت أتصوره.

وبهمة وحماس متقد بعثت له بشكل متواصل الرسالة الفكرية التالية:

"لقد طللب مني الله كي أطلب منك العدول عما تنتويه."

عند المساء استحثني شعور بديهي قوي أحسست به في جسمي وعقلي بأنه راجع فعلاً.

وفجأة ظهر "الابن الشاطر" وقد عاد إلى البيت. فحيّا بانحناءة وقال:

"طوال النهار، حيثما ذهبت ومهما فعلت أبصرت وجهك. فما معنى ذلك؟"

أجبته: "لقد كان الله يناديك من خلالي. ذلك كان نداءه لا ندائي أنا.

لم يكن من دافع أناني في رغبتي، ولكنني صممت على عدم مغادرة

هذا المكان إلا بعد عودتك."

هذا النوع من التصميم يمكن أن يحدث تغييرات كبيرة. إنه بالفعل قوة عجيبة مدهشة!

عندما تحدد اتجاهك وتعقد العزم على مواصلة السير يجب أن تفعّل إرادتك وتبذل مجهوداً عملياً، وستجد عندها أن كل عناصر النجاح ستأتي إليك من حيث تدري ولا تدري.

في إرادتك المشحونة بالتيار الإلهي تكمن الاستجابة لصلواتك.

عندما تستخدم تلك الإرادة فإنك تفتح النافذة التي من خلالها تحصل على الاستجابة لصلواتك.

تلك هي تجربتي الذاتية. في الماضي حاولت القيام ببعض الأشياء لمجرد اختبار إرادتي، ولكنني الآن لا أفعل ذلك لأنني أعرف النتيجة مسبقاً: كل ما أريده يتحقق بفضله تعالى.

من كتاب "غاية الإنسان القصوى" للمعلم برمهنسا يوغانندا

لنجعل الله راعي نفوسنا

والنور الرباني الكشاف

على دروب الحياة المعتمة.

هو بدر الهداية في ليالي الحيرة

وشمس اليقين في ساعات اليقظة

ونجم الإسترشاد في بحر ظلمات الوجود الأرضي.

لنطلب عونه ولنلتمس إلهامه

لأن العالم سيستمر في صعوده وهبوطه

وأحداثه المتلاطمة كالأمواج العاتية.

من أين سنحصل على الهداية؟

ليس من عاداتنا المتقلبة المتحيزة

ولا من بيئتنا الخاضعة للمؤثرات

ولا من بلداننا أو عالمنا

بل من صوت الحق الهادي

الصادر من أعماق الروح.

في كل لحظة أفكر بالله وحده.

لقد سلمته روحي

ووضعت قلبي في عهدته

ووجهت إليه حبي وأشواقي.

يجب أن لا نثق بشيء أكثر من ثقتنا بالله

وأن نثق من بعده بأولئك الذي يظهرون نوره.

ذلك النور هو مرشدي

وهو حكمتي ومحبتي

والقوة التي لا تـُقهر

والحق الذي لا يُعلى عليه

الآن وطوال الأبد.

هناك أناس متطرفون في تفكيرهم بحيث يعتقدون أنهم لكي ينجحوا في الحياة يتعين عليهم أن يعملوا كالآلة دون توقف.

وعلى النقيض الآخر هناك أناس لا يقلون تطرفاً عنهم إذ ما أن يصبحوا مهتمين في الأمور الروحية حتى يفقدوا الرغبة في كل شيء آخر، وذلك موقف خاطئ.

هم يعتبرون، على سبيل المثال، أن لا حاجة للقيام بأي شيء يتطلب تركيزا ًدقيقاً واهتماماً مادياً، وينصحون بالزهد والتخلي عن كل شيء مادي. لكن ذلك الموقف يخفي خمولاً عقلياً

تحت عباءة من الروحانية الزائفة.

ولقد وجدت أن عظماء المعلمين مهتمون جداً بالعالم لكن دون أي ارتباط به. فعندما كان معلمي يُعطى شيئاً جميلاً كان يعتني به ويحافظ عليه، ولكن إن حدث وانكسر ذلك الشيء أو أصابه العطب، كان يضحك ويقول: "انتهى اهتمامي به إذ أخذ الكثير من انتباهي."لقد كان زاهداً لأنه كان عديم التعلق.

وأنا أيضاً أشعر بنفس الكيفية. إنني أقدّر ما يمنحه الله لي ولكنني لا أفتقده إن خسرته.

ذات مرة أهداني أحدهم معطفاً جميلاً مع قبعة، وكان طقماً مكلفاً، فرحت أهتم به وأحافظ عليه من التمزق والإتساخ إلى أن ضقت ذرعاً بذلك فقلت: "يا إلهي، إنني في غنى عن هذه المضايقة!"

ذات يوم، توجهت إلى إحدى القاعات في مدينة لوس أنجلوس لإلقاء محاضرة، وما أن وصلت ورحت أنزع المعطف حتى سمعت الصوت الإلهي يقول: "خذ معك كل الأشياء التي في جيوب المعطف." ففعلت.

عدت بعد انتهاء المحاضرة إلى غرفة حفظ المعاطف وإذ بالمعطف - حفظكم الله - قد اختفى.

زعلت كثيراً لذلك فقال أحدهم: "لا تزعل سنشتري لك معطفاً آخر." فقلت: "لست زعلاناً لأنني فقدت المعطف، ولكن لأن الذي أخذ المعطف لم يأخذ أيضاً القبعة التي تنسجم تماماً مع المعطف."

يجب أن لا نسمح لمشاعرنا بالسيطرة علينا. كيف يمكن للشخص أن يكون سعيداً إن كان لا يهتم سوى بثيابه وبمقتنيات أخرى؟

هذا لا يعني عدم ارتداء الثياب النظيفة والمرتبة أو تنظيف البيت وترتيبه ولكن المقصود هو عدم التقيد الزائد والهوس بهذه الأمور.

في إحدى المرات دعيت إلى حفل عشاء وكان كل شيء في غاية الأناقة والترتيب. استمتعت كثيراً بالعشاء لكن مضيفينا كانوا على درجة عالية من التوتر خوفاً وتحسباً من عدم سير كل شيء على ما يرام، ونتيجة لذلك أفسدوا الجو بتوترهم.

الذين يمتلكون الحساسية يشعرون بقلق الآخرين وعدم ارتياحهم. لمَ الخوف والتوجس؟ يجب أن نعمل أفضل ما لدينا ثم نستريح ونريح. يجب أن ندع الأمور تأخذ مجراها الطبيعي دون أن نعمد إلى تغييرها بالقوة، وعندئذ سيرتاح الذين من حولنا أيضاً.

قطوف برمهنسية

خلف الإرادة البشرية تكمن الإرادة الإلهية والهدف من الإنسياب غير المحدود للطاقة الكونية

هو إظهار كل ما هو صالح ونافع في الحياة.

لهذا السبب فإن من يثبت ويظل متوافقاً مع الإرادة العليا سيكتب له النجاح بعونه تعالى.

الإرادة هي طاقة ورغبة موجّهتان نحو إنجاز هدف محدد.

لا يمكن القيام بأي شيء دون الإرادة، بل لا يمكن استحداث ولو حركة بسيطة في الحياة اليومية دون استخدام الإرادة.

معظم الناس يقومون بأشياء غير جوهرية ولا يركّزون جهودهم بطريقة بنّاءة.

الأمنية تختلف عن الإرادة مع أن الأمنية يمكن أن تعمل كمحفز للإرادة.

في تنمية قوة الإرادة يجب أولاً وقبل كل شيء امتلاك التصميم واستخدام الإدراك والتمييز والحكمة.

يلي ذلك تدريب واستخدام الإرادة على نحو واعٍ لبلوغ الهدف المنشود.

ويتعين مواصلة السير وبذل المجهود حتى تحقيق المبتغى.

عندما يعقد المرء العزم على بلوغ غاية نبيلة يصبح من غير اللائق أن يكف عن المحاولة

أو أن يستسلم للظروف المعاكسة.

عندما يكون الوعي متوافقاً مع الإرادة العليا ويتم تركيز الفكر والإرادة على فكرة معينة دون توقف ستتشبع قوة الإرادة بالنشاط الكوني الذي لا حد له ولا نضوب لمعينه.

الإرادة البشرية المحكومة بالجهل والشهوات تجلب على صاحبها الآلام والمتاعب.

ولتذوق طعم السعادة الحقيقية يجب أن تتغلب الرغبات الصالحة على الطالحة وأن يتم توجيه الإرادة في المسار الصحيح نحو ينبوع الحق ومصدر كل خير في الوجود.

لماذا يتعين على الإنسان الإمتناع عن شهادة الزور؟ لأن الزور ينمّي الرياء والنفاق.

الغدر هو من أكبر الكبائر في نظر الله. فالتقوّل زوراً وبهتاناً على أحدهم لمكسب شخصي أو رغبة في الإنتقام هو نوع من الحلف الكاذب. ولو اتبع كل واحد هذا الأسلوب لعمّت الفوضى ولساد الهرج والمرج بين الناس.

كما أن الإصغاء لشهادة زور ضد شخص آخر هو تأييد لشاهد الزور ومشاركة له في سلوكه المشين، ولا بد أن يتحول ذلك الإصغاء والتأييد إلى صراع عاطفي داخلي يمزق سلام النفس ويعكر صفو العيش.

وحتى لو تم تبرير ذلك مؤقتاً لكن الفعل سيرتد بقوة في نهاية المطاف ويخلق كرباً وألماً نفسياً يقلق الوعي ويصفع الضمير.

كما أن للحسد مضاراً وعواقب وخيمة، إذ يجلب للحاسد معاناة ذاتية لأن ما يطلقه المرء من أفكار ومشاعر سيرتد إليه ثانية.

من يمنح المحبة والإيثار سيحصل في المقابل على مودة ومعاملة إيثارية أما من يبعث بأفكار الجشع والأنانية والحسد فسيجلب هذه الأشياء لنفسه بنفس المقدار.

ولماذا يتعين على الإنسان أن لا يسرق؟

كيف سيكون العالم لو أن كل واحد عاش على التشليح والسلب والإبتزاز؟ والحالة هذه ستـُقترف أفظع وأبشع الجرائم. سيكون هناك اقتتال ضارٍ لحماية ممتلكات واستعادة مسروقات.

السرقة هي تصرف منافٍ للأعراف الإجتماعية وتسلب الآخرين حقوقهم ولذلك فهي ضد نواميس الوجود ولا تمتلك المجتمعات المرافق المناسبة والطرق الناجعة للتعامل مع الجناة.

عندما يودَع اللصوص السجون فقد تصبح عاداتهم أشد رسوخاً وقد يكتسبوا أيضاً عادات جديدة سيئة أثناء مخالطتهم جناة آخرين. وإن حصل ذلك فإنهم سيكونون عند خروجهم من السجن أسوأ بكثير مما كانوا عليه قبل دخوله.

نسألك يا رب أن تباركنا كي لا نسمع شراً ولا نبصر شراً ولا ننطق شراً ولا نستنشق شراً

ولا نلمس شراً ولا نحس شراً ولا نفكر شراً ولا نحلم شراً

إن القوى التي نستخدمها كل يوم:

- مدركاتنا الحسية

- ومشاعرنا

- وذكاؤنا

كلها مقترضة من الله ولا يمكننا العيش ثانية واحدة بدونه.

مع ذلك، وفي الوقت الذي نستخدم فيه هباته لا نفكر به كما ينبغي ولا نوليه الإهتمام اللائق به

بل نتعقب المتع الحسية والطموحات الدنيوية بتحقق تام مع العالم المادي وارتباط كامل به..

وهذا هو السبب الجذري لكل آلامنا ومعاناتنا.

لقد خلقنا الله على صورته ولذلك لا يمكننا أن نعرف طعم السعادة الحقيقية ما لم نكتشف حضوره في داخلنا ونتذوق رحيق غبطته في نفوسنا.

ولا يمكننا أيضاً امتلاك القوة المباركة اللازمة للحصول، بالإرادة، على ما نحتاجه يومياً

ما لم ندرك بأن الله هو مصدر تلك القوة الذي يتعين علينا الإعتماد عليه والتوجه إليه

بقلوب شاكرة على كل النعم التي يمطرنا بها بسيل متواصل.

{لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ}

عندما تطفح قلوبنا بالشكر للواهب الأكرم تصبح هياكل مقدسة لحضوره المجيد وذلك هو أعظم إنجاز يمكن أن يحققه المرء لأن غاية الحياة هي توافق الإنسان مع خالقه والتقرب منه والتعرف عليه.

{اطلبوا أولا ملكوت الله وبره وهذه كلها تـُزاد لكم}

فبتذكرنا الدائم لله وتفكيرنا الودي به سندرك أنه حبيبنا وأننا خاصته وبأن لنا نصيباً في لكوته..

ملكوت الغبطة والمحبة والنور والخير.

عندما نتأمل بركات الله العميمة ومن أعظمها إمكانية توظيف حرية الإختيار في اتباع المسار الصحيح المفضي إلى التوافق مع المقاصد العليا وبلوغ السعادة الروحية يصبح كل يوم مفعماً بفرح باطني متجدد ونشعر بانسياب تيار مبارك إلى حياتنا فيغمر الشكر قلوبنا ويصبح للحياة طعم ومعنى.

إن الإنسان الذي يستطيع من خلال التفكير التأملي رؤية القانون الإلهي الذي يعمل بكيفية غامضة لا يكف عن التسبيح شكراً وتواضعاً للذي يليق به كل حب وتسبيح وامتنان.

فلنتذكر الله مصدر كل خير في الوجود ولنمزج تذكـّرنا بحب صادق نابع من أعماق القلب

لله الذي منه تفيض الحياة وتشع المحبة وتنسكب البركات دون انقطاع.

ولنتذكر بمودة كل من أضاء شمعة للإنسانية أو نثر بذوراً صالحة في تربة العالم أو نشر أفكاراً مضيئة أو شجّع على عمل طيب وسلوك نبيل.

لنفتح قلوبنا للمحبة ولنجعل عقولنا متقبلة للإلهامات النيرة ولنسأل الله العون والهداية

فيما نفكر به ونقدم عليه من أعمال.

الخوف يسمم القلب

العقل البشري هو مستودع هائل من الطاقة أو النشاط الحيوي.

هذا النشاط يتم استخدامه على الدوام في الحركات العضلية وعمل القلب والرئتين والحجاب الحاجز والاستقلاب الخلوي وتفاعل الدم الكيماوي، وفي عمل أجهزة الحس الآلية (الأعصاب).

بالإضافة إلى ذلك فإن كمية كبيرة من النشاط الحيوي يتم صرفها في التفكير والعاطفة والإرادة.

الخوف يوهن النشاط الحيوي وهو من ألد أعداء الإرادة الفاعلة.

الخوف يعتصر ويعيق نشاط الحياة الذي ينساب عادة بانتظام نحو الأعصاب فتبدو وكأنها قد أصبحت مشلولة، فيهمد الجسم وتتناقص حيويته بشكل محسوس وملحوظ (الخوف قطاع العصب!).

الخوف لا يساعد على التخلص من سبب الخوف. إنه يوهن الإرادة ويستحث الدماغ كي يبعث بإشارة تعويقية إلى أعضاء الجسد. والخوف يسمم القلب ويعيق عملية الهضم ويسبب العديد من الاضطرابات البدنية.

عندما يظل الوعي مركـّزا ً على الله فلن تخشى شيئا ً وستتمكن من قهر كل عائق وعقبة

بالشجاعة والإيمان. الـ "أمنية" هي رغبة تعوزها الطاقة أما "النية" فهي اعتزام القيام بشيء ما: تحقيق أمنية أو رغبة. لكن "الإرادة" يمكن التعبير عنها بالقول: "إنني أعمل دون توقـّف حتى أحقق ما أريد."

عند تدريب الإرادة، يمكنك إطلاق قوى من النشاط الحيوي وتوجيهها وليس عند تمني الحصول على شيء ما دون القيام بما يلزم لتحصيل ذلك الشيء.

يجب أن لا نفقد الأمل بل ندرك أن الله يتيح لنا الفرصة تلو الأخرى لتحسين أحوالنا وترقية أفكارنا وابتكار أشياء جديدة ونافعة لنا ولغيرنا في الحياة.

إن كان أسلوب حياتنا لا يعجبنا فيجب أن نستكشف طرقاً وأساليبَ جديدة تمنحنا قدراً من الرضاء والراحة النفسية..

وينبغي لنا أن نفكر بعمل ما من شأنه تحسين أحوالنا وجعل حياتنا ذات جدوى ومعنى وأن نطبق ذلك على أرض الواقع.

ما تمس الحاجة إليه هو تغيير الوعي أو تعديل مساره.

يجب أن نصمم على أننا لن نسمح للمشاكل بأن تؤثر بنا وتفقدنا توازننا وبأننا لن ندع الأشياء المقلقة تنغص حياتنا وتحتل مشاعرنا وتفسد أجواءنا.

وبأننا لن نكون ضحايا العادات الضارة والطباع المؤذية وبأننا سنكون أحراراً طلقاء كالطيور في الأجواء.

لا حاجة لأن يبقى الناس كأحلاس الجمود دون حركة أو تجديد. يجب نزع أغلفة الوهم عن جوهر الروح حتى يشع بنقائه وقوته ويظهر روعة النفس الشريفة التي وهبها الله للإنسان.

إن الله ليبارك الجهود الطيبة والطموحات المشروعة والتصميم على النجاح.

خلف حياتنا تكمن قوة الروح الأعظم وخلف إرادتنا يقبع المحيط الكوني للإرادة الإلهية.

إننا جزء لا يتجزأ من ذلك الأوقيانوس الذي لا ساحل له. وعندما نصل إليه ونعوم به، يتمدد وعينا فنشعر باتساعنا.

التفكير به يقربنا منه والتأمل عليه يوصلنا إليه.

والجهد الموصول للتناغم معه يمدنا بالمعرفة والعزيمة والنشاط..

والتحضير اليومي للوعي يجعل الحب الإلهي والبركات السماوية

تنساب إلينا دون انقطاع ويكتب لنا نصيباً وافراً في كنوز المحيط.

يوجد وعي إلهي كامن في كل إنسان.. وعيٌ ينتظر الفرصة للإعراب عن ذاته

والخروج من سرداب الأنا (الأيغو) الضيق والمقيّد.

وكما يستيقظ الإنسان من كابوس مزعج ليدرك أن ما رآه لم يكن سوى مجرد حلم هكذا يستحث الوعي الإلهي الإنسانَ كي يستيقظ من كابوس الغفوة والتيه إلى وعي جديد وفهم سديد لمعنى وغاية الحياة.

إن أردنا اختبار فجر اليقظة الروحية ومعاينة أنوار اليقين فيجب أن نصغي للصوت الداخلي

ونستجيب لإيحائه. ويجب أن نزيح عن الدرب حجارة الوهم وصخور الجهل التي تعيق مسيرة الروح وتعرقل حركتها..

وأن نقرع بيد الشوق باب اليقظة من سبات اللامبالاة علنا نتنسم نفحات الغبطة ونجلب الكهرباء السماوية إلى كل فكرة من أفكارنا وكل شعور من مشاعرنا

وكل عمل من أعمالنا.

نسأله تعالى أن يفتح في وعينا نوافذ الإدراك ويغمرنا بنور الحكمة ويحوطنا بمحبته ويشملنا بحنانه الأبدي.

من بين الذين أتوا إليّ كان هناك أشخاص قلت لهم منذ البداية وبصراحة أن دوافعهم لم تكن سليمة وطلبت منهم تغيير تلك الدوافع.

قلة منهم لم يعجبهم قولي لكن آخرين تجاوبوا وتغيروا نحو الأفضل.

المراءاة لا تفضي إلى نتيجة طيبة وأذكى الأذكياء لا يستطيع إخفاء ما تظهره عيناه

فتاريخ المرء بكامله مدوّن في عينيه.

إن رغبت في معرفة طبيعة أحدهم فاسأل الله كي يطلعك على حقيقة ذلك الشخص

لأنك لا تريد أن تنخدع، وستشعر في أعماق قلبك بطبيعته الحقة ولن يخطئ حدسك.

عندما نتحدث إلى جليسنا يجب أن ننظر مباشرة في عينيه وننطق بثقة ويقين وصدق.

وعندما نصافح إنساناً يجب أن ننقل إليه مغناطيسية محبتنا وإخلاصنا وأن نحاول مساعدته على قدر استطاعتنا.

يجب أن يكون الراغب في المعرفة إيجابياً وأن يعمل على تنمية مغناطيسيته الروحية، عندئذ سيهبه الله القوة على مساعدة الآخرين ونقل اهتزازات مباركة إليهم.

قد أرتحل إلى ما وراء أقصى الكواكب والنجوم ولكني سأكون لك على الدوام. مريدوك قد يأتوا وقد يمضوا في سبيلهم ولكني سأصحبك وأكون لك على الدوام. قد تتقاذفني أمواج التجسدات العديدة وأحس بالوحشة والوحدة ومع ذلك سأكون لك على الدوام.

العالم المتلهي بألعابك قد يسلاك ولكني سأذكرك على الدوام. قد يخبو صوتي ويخذلني

ولكن بعبارات روحي سأهمس: "سأكون لك على الدوام".

المحن والأمراض والمنية قد تمزقني وتنخل جسدي ولكن ما دام في ذاكرتي بقية من بصيص

انظر في عينيّ المحتضرتين.. إذ من خلالهما سأقول لك: "سأحبك طوال الأبد وسأبقى وفياً لك على الدوام!"

أقول لكم صدقاً أنني حصلت على الإجابات لكل أسئلتي ليس من البشر بل من الله نبع الجود

ومصدر كل معرفة في الكون.

فهو ملهمي الأوحد في الحياة وعندما أتحدث أطلب منه كي يشحن كلماتي بقوته وحقه وحبه ونوره فأحس بأمواج من الغبطة تغمرني لأن حبه الأعظم ينسكب في النفس كهبات النسيم العليل أيام الحر ويتواصل انسكابه بقوة ليل نهار.. أسبوعاً بعد أسبوع وعاماً بعد عام فلا تعرف أين النهاية.

الإنسان يفكر أنه بحاجة للحب والثراء من مصادر بشرية لكن خلف كل حب ووراء كل ثراء

الحب الإلهي الذي لا يتغير والغنى الروحي الذي لا يقاس به ثراء أرضي ومن يدرك بأن الله هو مصدر كل حب ونعيم ونعمة سيعثر عليه ويسعد به أيما سعادة.

}فاللهُ يعطي من لهُ يرجو ومنْ

ينظرْ إليهِ لا إلى المخلوق ِ

يخفـّفُ عنهُ البلايا والمِحنْ

ويبعدُ الشرَّ عن الطريق ِ

في قلبـهِ نحيا حياة ً هانئة ْ

وتشعرُ بهِ النفوسُ الهادئة ْ

وعندما نحتاجهُ يُسعفنا

بلمسةٍ فيها العزاءُ والهنا

والخيرُ يأتينا كغيثٍ منهمرْ

لا ينقطعْ مددهُ طولَ العمرْ

تباركَ الرحمنُ ما أعظمَهُ

هو لنا دوماً كما نحنُ لهُ{

إلهامات عليا

للمعلم برمهنسا يوغانندا

PARAMAHANSA YOGANANDA

ترجمة محمود عباس مسعود

أيها المبدع الإلهي

يا سيد الكون

ويا مدبّر ومسيّر الكواكب والنجوم والمجرّات.

إن حكمك العادل يقضي بمنح الإرادة الحرة وحرية الإختيار لعيالك المواطنين، بما يساعدهم على التطور الذاتي والتقرّب من مبادئك ومثـُلك المقدسة.

لقد وهبتنا الحرية الأبدية وغرست بنا بذور الوعي الكوني. لكننا وللأسف قيّدنا وعينا الشمولي خلف قضبان الأنانية والكراهية وضيق الأفق والتعصب الأعمى.

ساعدنا يا رب كي نذيب - بمحبتنا الدافئة وفهمنا الأخوي – كل الحواجز والموانع الجليدية المصطنعة بيننا وبين الآخرين.

ساعدنا كي نستعمل يقظة الضمير والتمييز الحصيف في ضبط النفس والسير باستقامة على دروب الحياة.

وباركنا كي نضاعف ثراءنا الروحي وتعاطفنا الوجداني بتوسيع دائرة محبتنا الوطنية لتشمل كافة سكان الأرض، بصرف النظر عن اللون والطبقة والجنس والمعتقد.

يا سيد الكون، دعنا نحترم ونراعي استقلالية كل البشر المولودين أحرارا.

وباركنا كي نبني عالماً متحداً وننتخبك رئيسا روحيا علينا مدى الحياة.

من أعماق الروح

يا رب، لتتوهج جمرات أشواقي

بحضورك القدسي على الدوام.

لقد بنيتُ هيكلاً لأشواقي

في كل فكرة من أفكاري

فهلاّ افتقدتني بزيارة

وجلست على عرش حبي لك؟!

ألا فلتتبع أفكاري إرشاداتك الحكيمة

ولتكن الفرح الأعظم في حياتي.

من بوابة التفكير بالله والتأمل عليه

سأدخل إلى معبد السلام المستدام.

اليوم سأشعل حزمة أعواد الهموم والمخاوف

لأضيء معبد الله في روحي.

سأبحث عن الله في خلوة نفسي

وسأبتهل بحرارة إلى أن ينبض قلبي بحبه

وأشعر باستجابته لصلواتي.

ألا ليت شرارة حياتي تمتزج بشمس الله

وتومض في كل العيون المُحبة للخير.

سأرش العالم الممزق بالحروب

بأفكار سلامي ومحبتي.

سأدخل الصرح الرباني

وألامس الوعي الكوني

من خلال غبطة التأمل والحب الإلهي.

الحماية الإلهية تغمرني دائماً وأبداً

ونور الله يلازمني ويبدد الظلام من حولي..

وما دمت أمشي بنوره الهادي فلن أعثر

ولن أبتعد عن الطريق القويم.

وجدانيات حية

يا روح الوجود وسيد الأكوان

إنك خلف بصري الذي به أرى جمالك البادي.

وخلف مسمعي الذي به أصغي لخليط الأصوات الأرضية.

إنك خلف ملمسي الذي به أتحسس الأشياء في عالمك الأرضي.

وما وراء حجاب الطبيعة الذي يواري وجهك البهي.

أراك في نظرات الزهور المواسية

وأتذوقك في نكهة الطعام المغذي

وأستشعر جوهرك الإلهي وعذوبتك الأبدية

في كل ما في الوجود من خيرات وروائع.

أبتهل لك يا رب وأنت خلف صوتي المتهدج

وخلف عقلي الذي به أبتهل.

إنك ما وراء أبلغ مشاعري..

ما وراء أفكاري وطموحاتي القدسية وحنيني إليك.

إنك ما وراء تأملاتي.. وما وراء حبي الرقيق!

ألا ليتك تبزغ من خلف ستائر المشاعر البشرية

والمرائي الطبيعية الخلابة.

افتح عيني الروحية كي أراك تماما كما أنت!

الحياة بدون الله ناقصة

عندما نتصل بالله سيلهمنا الإدراك الحدسي ويوجّهنا في كل ما نفعله.

يجب أن نمتلك تلك القوة المباركة بصورة واعية. تلك القوة موجودة في داخلنا ولن نحتاج سوى للكشف عنها.

ستجدون أن تلك القوة تعمل في كل شيء لتحسين أحوالكم وتسهيل أموركم. وعندما تلامسون تلك القوة ستنبض عافيتكم بالطاقة الكونية وستصبح أفكاركم أكثر رهافة وتركيزاً وحدّة ونفاذاً.. وستدركون أن نفوسكم هي وعاء لحقيقة الله الحية وحكمته التي لا تعرف النضوب أو النفاد.

الله هو ينبوع الصحة والرخاء والحكمة والفرح الأبدي. وعندما نتواصل معه تصبح حياتنا كاملة متكاملة.

الحياة بدون الله ناقصة يجب أن نفكر بتلك القوة العظمى التي تمنحنا الحياة والهمة والحكمة.

ويجب أن نبتهل كي ينساب ذلك الحق إلى عقولنا وتنساب تلك القوة إلى أجسامنا وينساب ذلك الفرح غير المنقطع إلى أرواحنا.

خلف ظلمة العيون المغمضة توجد قوى الكون العجيبة وكل النفوس الطيبة والأرواح الراقية

والإمتداد اللامتناهي لأفلاك الروح.

إن تأملتم ستدركون الحق المطلق وسترون عمله العجيب في حياتكم وفي كل ما هو رائع ومجيد في الخليقة.

على دروب الأشواق

إن الله يناديني

من خلال النفوس المتفتحة

والقلوب الطيبة.. النابضة بالمحبة

والعامرة بالإيمان.

كل عمل طيب يقوم به المريد

يقرّب وعيه خطوة

من مشارف الوعي الكوني.

دعني أتوجه إلى الداخل يا رب

لأبصر جمالك الإلهي

وأنعم برؤية أنوارك السنية.

إن كانت حياتي موجّهة بحكمتك الربانية

فلا بد أن تتكلل مساعيَ بالنجاح

ولن أضل السبيل.

باركني يا رب كي تصفو بصيرتي

وتتنقى روحي

فأبصر شمس اليقين

وأتلذذ بمعرفة الحق.

اليوم سأنسى مصاعبي السابقة

وسأواجه الحاضر والمستقبل

بجرأة وثقة بعون العلي القدير.

سأشحن جسمي بالطاقة الكونية

وأغسل كياني بنور الوعي الإلهي الشافي.

كالسديم الكوني

يغمر السلام وعيي

وأحس بحضور الله اللامتناهي.

نوّر يا رب بصيرتي

واملأ وعاء عقلي

بالفهم والمعرفة

وليسطع شعاع محبتك

على دروب حياتي.

في أرخبيل الجـُزر الزرقاء

من شرفتي رنوت ببصري نحو الغرب، فانطلقتُ على أجنحة الخيال ووقفت على شواطئ الأفق البعيد. وقد أبصرت عن يميني وشمالي سلسلتين من الجبال ما لبثتا أن تحولتا إلى لون بنفسجي غامض.

وعندما أعدت النظر إليهما كانت يد خفية قد غلفتهما بغلالة من اللون الأزرق الغامق. وكانت تقبع خلفي مدينة غوادالاهارا المغمورة بشفق الغروب. أما السماء الشرقية فقد باتت موشحة بألوان وردية خفيفة. وإذ تطلعت إلى الأمام أبصرتْ عيناي مدينة سحرية من الجـُزر الزرقاء السابحة في بحيرة من ذهب.

وفي أرخبيل الجـُزر الزرقاء السحرية هذا برزت تلة ضخمة من الكلس الأزرق كانت تحيط بها سحب بركانية بلون أبيض رمادي وهي تقذف فوارات من حمم بلون الذهب الأحمر الوهاج، تتساقط مائلة كقوس قزح نحو البحيرة الساكنة. أما اللهب الذهبي الكثيف فقد أحاط الجزر الزرقاء بهالات ضوئية مشتعلة.

القمة الزرقاء وتاجها اللهبي انعكسا كتوأمين على صفحة تلك البحيرة الذهبية الصامتة. وإلى أقصى اليمين كانت بحيرة هادئة صغيرة مشعشعة وقد توسدت صدر إحدى الجـُزر الزرقاء كالبدر السابح وسط أمواج الغيوم.

لقد تجولتُ طويلا في مدينة الغروب والغيوم السرابية، عائماً على سطح البحيرة ذات الضوء الذهبي الرقيق. ويا لروعة تلك المياه الذهبية المرصعة بعناقيد الجليد الحمراء المنتشرة في كل اتجاه حتى حافة الأبدية.

خِلتُ أن كائنات من نور كانت أرواحاً طيبة على هذه الأرض، وبعد اجتيازها بنجاح كل امتحانات الحياة سُمح لها كي تمرح وتجسد أحلامها حسبما شاءت.

كل يوم عند ساعة الغروب كانت تلك الكائنات تكثف أحلامها السماوية في مدن أثيرية تحيط بها بحور وبحيرات من ذهب.

هناك.. وخلف قبضة الأحزان وما وراء مصائد هذا العالم الأرضي بما فيه من مآس وآلام..

هناك.. ما وراء المنغصات كانت تلك الكائنات تتنفس أضواءً حمراء وتشرب أشعة برتقالية وتنأى وتدنو وتسرح وتسبح في خضم أنوار متعددة الألوان.

هنا كانت تلك الكائنات تحقق أحلامها وتجسد خيالاتها على الفور كما تشاء ، ثم تذيبها وتلاشيها بإرادتها.

هنا كانت تنعم تلك بكنوز القناعة والرضى وتجود بتحقيق أحلام كل من يزورها في عالمها السحري العجيب.

هنا لم يحتم عليها الإنتظار والتمني كالبشر كي تتحقق أحلامها وتدرك أمانيها، بل حلمت كما شاءت وحققت كل تلك الأحلام والأماني بمحض إرادتها.

مدينة الغروب تلك في جزر الأحلام كانت حلماً من أحلامي المتناومة في طيات اللاشعور وقد تحقق اليوم أيما تحقيق!

حقاً لقد أبصرتُ كنوز روحي الدفينة وذخائرها المخبأة فغمرني نورها وبهرني سطوعها!

برمهنسيات: طيوف الوجد الإلهي

التواضع يا رب، هو أضمن طريقة

للحصول على أمطار رحمتك الإلهية.

سأضع ثقتي في عدلك الإلهي وفي مبادئ الحق

مدركاً أنك تستجيب لنداء الحب وأشواق القلب.

بالتعاون الوثيق مع إرادتك الكلية

وبإيماني المطلق بك

سأحصل على عونك وأحس بقربي منك.

اليوم سأؤدي واجبي نحوك

مثلما أفي بالتزاماتي نحو العالم.

أيها المحبوب الأعظم

أنتَ الصدى الأثيري المتردد في محاريب القلوب

وأنت صوت المشاعر الذي لا تلتقطه الآذان.

الحظوة بحبك لأعظم بما لا يقاس

من كل الإعتبارات الدنيوية

وكل الأمجاد الأرضية.

بإيماني المطلق بك

أرى ظلال المرض تتوارى وتذهب دون رجعة.

سأراك يا رب من نوافذ الطبيعة وأبواب السلام.

أفِض علينا ببركاتك

واغمرنا بأمواج طاقتك الكونية

وابعد عنا الأنانية

التي تحول دون تقارب النفوس

والتقائها على حب الخير والنور.

دعني أسقي رياحين ابتهالاتي

بمياه التفكير بك والتأمل عليك يا إلهي

كي تنبت زهوراً جديدة ناضرة

من الإلهام والسلام والسعادة.

الطريقة الوحيدة لتلافي الأفعال الخاطئة هي بتنمية الحكمة السديدة لتمييز الخطأ والتصميم على عدم فعله.

إن خطأ يحارب خطأ آخر لا ينتج صوابا. الجهل هو عدو الإنسان الفعلي وينبغي إبعاده عن هذا العالم. لدينا كل ما نحتاجه في هذا العالم كي نأتي بعصر الرخاء والسعادة والعدالة المثالية.

العقبة الوحيدة هي أنانية الإنسان التي تجعل ذلك مستحيلا. إن آلاماً فظيعة لا مبرر لها تسببها أثرة الإنسان وحبه لمنافعه الذاتية دون أي اعتبار للآخرين.

فالمال الذي يمكن استخدامه في إطعام المحتاجين وكسوتهم يُستخدم بدلا من ذلك في التدمير والهلاك. إن علة وأصل المشاكل العالمية هي هذه الأنانية وليدة الجهل.

كل واحد يفكر أنه يفعل الصواب، ولكنه عندما يسعى لتحقيق مآربه الشخصية فقط فإنه يحرّك ويدفع عجلة القانون الكارمي للسبب والنتيجة الذي سيقضي حتما على سعادته وسعادة الآخرين.

كلما شاهدتُ المزيد من مآسي العالم الناجمة عن جهل الإنسان، كلما أدركتُ أن السعادة لن تكون دائمة حتى ولو صُبّت الشوارع ذهبا.

السعادة تكمن في إسعاد الآخري، ولو فعل كل واحد ذلك لأصبح الجميع سعداء

ولحصل كل واحد على نصيبه من خيرات الأرض.

بما أننا أتينا إلى هذا العالم من حيث لا ندري، فمن الطبيعي لنا أن نتساءل عن أصل وغاية الحياة.

إننا نسمع عن خالق لهذا العالم ونقرأ عنه ولكننا لا نعرف طريقة للتوصل إليه. كل ما نعرفه هو أن الكون بأسره يعلن عن وجود عقله الإلهي.

وكما أن القطع والأجهزة الصغيرة والدقيقة لساعة صغيرة تجعلنا نعجب بالساعاتي؛ ومثلما تثير آلات المصنع الكبيرة والمعقدة دهشتنا وإعجابنا بمخترعها، هكذا عندما نرى عجائب الطبيعة ندهش من الذكاء المحتجب خلفها، ونتساءل: "من أعطى الزهرة شكلا نابضا بالحياة ومتجها نحو الشمس؟ من أين أتى عبيرها وجمالها؟ وكيف تكونت بتلاتها بتلك الدقة المتناهية وخضبت بالألوان الرائعة البهيجة؟"

في الليل تحفزنا النجوم والقمر الناشر ضياءً فضيا من حولنا كي نتأمل على الوعي الذي يسيّر هذه الأجرام السماوية في الفضاء السحيق. ضياء القمر الناعم لا يكفي للنشاط اليومي، وهكذا فإن عقلا حكيماً حليماً يوحي لنا بالراحة في الليل. ثم تشرق الشمس فيجعلنا نورها الساطع نرى العالم من حولنا بوضوح وصفاء، ونأخذ على عاتقنا تحقيق ما يعرض لنا من احتياجات.

هناك طريقتان لتحقيق احتياجاتنا: الطريقة المادية والطريقة الروحية. عندما تسوء صحتنا، على سبيل المثال، يمكننا الذهاب إلى الطبيب قصد العلاج. ولكن يأتي وقت لا يمكن لطبيب أو غيره تقديم المساعدة فنتحول إلى الطريقة الثانية؛ إلى القوة الروحية التي صنعت جسمنا وعقلنا وروحنا.

القوة المادية محدودة، وعندما نفشل نتوجه إلى القوة الإلهية غير المحدودة. وهذا ينطبق أيضا على حاجياتنا المالية. فعندما نبذل ما بوسعنا دون الحصول على ما يكفي، نتوجه إلى تلك القوة.

كل واحد يظن أن مشاكله هي الأسوأ. بعض الناس يشعرون بالضغوط أكثر من سواهم لأن مقاومتهم ضعيفة. ونظرا للفوارق في قوى البشر النفسية فإنهم يبذلون مقادير مختلفة من الطاقة. إذا واجهت الشخص صعوبة كبيرة جدا، وكان عقله ضعيفا، فلن يتمكن من التغلب على المشكلة. ذوو العقول الجبارة يستطيعون التغلب على صعوباتهم بهدم حواجزها وزعزعة أسسها. ومع ذلك فقد واجه أقوى البشر الفشل أحيانا. عندما تواجهنا متاعب ومصاعب مادية وفكرية وروحية قاهرة ندرك كم هي محدودة قوى الحياة في هذا العالم المادي.

يجب ألا تكون جهودنا مكرسة لتحصيل الصحة الجيدة والضمان المادي وحسب، بل للبحث عن معنى الحياة أيضا.

ما هي غاية الحياة؟ عندما ترضـّنا الصعوبات رضّاً نلجأ إلى محيطنا أولا، محاولين القيام بكل التعديلات المادية التي نظن أن العون يكمن فيها. ولكن عندما نصل إلى طريق مسدود ونقول: "إن كل محاولاتي باءت بالفشل، فماذا يمكنني أن أفعل أكثر من ذلك؟" نبدأ بالتفكير الجاد حول إيجاد حل ناجع لمشكلتنا. وعندما نبلغ بتفكيرنا عمقاً كافياً نحصل على الجواب من داخلنا. وهذا شكل من أشكال الصلاة المستجابة.

في هدأة روحي

دعني ألتقيك يا رب!

تملَّكني، ودعني أشعر بحضورك الأبدي

في داخلي ومن حولي.

في خلوة أفكاري أحنُّ لسماع صوتك

أبعد عني الأصوات الأرضية الكثيفة

المتوارية في ذاكرتي.

أود الإصغاء لصوتك الهادئ الهادي

والشادي على الدوام في سكينة نفسي.

إلهي، حيثك كلي الوجود

فلا بد وأنْ تكون موجوداً

في أعماق كياني ووجداني.

ساعدني كي أظهر ولو جزءاً يسيراً

من الكنوز المخبوءة في منجم روحي!

أيها النور الوهَّاج

يقظ قلبي

صحِّ نفسي

واملأ هيكل روحي بمجدك.

أيا نجم القطب الأزلي!

حيثما تجولتُ وكيفما تحوّلتُ

تظل إبرة بوصلة عقلي المغناطيسية تشير إليك.

وسواء كنت ملفوحاً برياح سوء الطالع

أو مبللاً بأمطار المحن والبلايا

ارشد مع ذلك عقلي

للتوجّه نحوك على الدوام.

إن طائر محبتي الضارب بجناحيه

وسط غيوم الحيرة

وعواصف التشويش

سيعثر بكل تأكيد على طريقه إليك.

في غابر الأزمان

في قلب الأثير

عندما أتينا إلى الوجود كأرواح

كنا جميعنا نغفو

تحت لحاف الحب الإلهي.

وعندما أيقظنا الله

انطلقنا بعيداً عنه

كما في قصة الإبن الشاطر

فنسينا صلة الرحم الإلهية فيما بيننا

وأصبحنا غرباء عن بعضنا.

وإذ هجرنا بيتنا السماوي

أصبحنا في هذ العالم

رحّالة نجوب أصقاع الأرض

ونسير على دروب القـَدَر.

لقد أوغلنا في السير

وابتعدنا كثيراً عن بيتنا الأصلي.

مع ذلك.. وبين الحين والآخر

توقظ بنا بعض الأماكن والتجارب والوجوه

ذكريات دفينة وأحاسيس باطنية عميقة

تهمس لنا

فنحس بأننا نختبر من جديد

أموراُ عرفناها من قبل

ونلتقي ونتواصل مع أحبة

كنا منهم قريبين

في الماضي السحيق.

يا مبدع الأكوان..

إن نورك يسطع في العظماء

فلتلهم معرفتهم الإلهية فهمنا

ولندرك أنك الهدف الأسمى

الذي نسعى لبلوغه

والطموح الأعظم

الذي نتطلع لتحقيقه.

أنعشنا بنسائم وجودك العاطرة

واملأنا شوقاً لحضورك المجيد

وليختمر كياننا بحكمتك الربانية.

دعنا نشعر أن نورك القدسي

يتخلل كل جوانب حياتنا

ويشحن عزائمنا

ويبدد ظلامنا

ويغمرنا بالسلام

والتفاؤل

والهمة للقيام بالأعمال الخيّرة.

بين الأمير والناسك المستنير

ذات مرة، ذهب أحد الأمراء المتجبرين في رحلة صيد مع خدمه وحشمه، كاملي العدة والعتاد، فتوغلوا في الغابة نافخين الأبواق، قارعين الطبول.

وبعد اصطياد بعض الطيور والغزلان والنمور الشرسة، أدرك الأمير وحاشيته أنهم ضلوا سبيلهم.

كان لديهم الكثير من الطعام لكن ليس الماء. وبالرغم من بحثهم الحثيث عن الماء في الغابة لكنهم لم يعثروا عليه. ولم يكن لديهم ملجأ يقيهم هجمات وحوش الليل الضارية، في حين كان الظلام يدنو متسارعاً.

توارت الشمس عن الأنظار، فأتى الأمير الذي كان يتقدم الركب إلى كوخ عتيق متداعٍ، وبعد أن ترجّل دفع الباب غير المقفل ودخل الكوخ فكان كل شيء داخله معتماً باستثناء بصيص من الضوء في أحد أركانه، ففكر يائساً "حتى أن الكوخ مهجور."

لكن بدافع الأمل صاح قائلاً "سلام. هل من أحد هنا؟"

ولفرط دهشته سمع صوتاً هادئاً يجيبه برزانة قائلاً: "نعم، أنا هنا. هل تبحث عن ماء؟"

حدّق الأمير لبرهة في الظلام إلى أن لمح شبح إنسانٍ، وذهل لمعرفة ذلك الرجل أفكاره حتى قبل أن يقابله أو يتعرف عليه.

وسأل الأمير مضيفه: "من أنت؟" فأجابه "ناسك فقير لله."

أشعل الناسك سراجاً ونادى الأمير حاشيته، فشعروا بفرح عظيم لعثورهم على الماء والفاكهة في تلك الغابة النائية.

وسألَ الأميرُ الناسكَ: "ألا تخشى النمور والأفاعي؟"

فأجاب الشيخ الناسك: "بالطبع لا، فالنمور هي قططي الأليفة، والأفاعي مسالمة بالنسبة لي، فنحن أصدقاء نصطلي دوماً بشمس محبة الله التي تسطع على كل شيء في هذا الوجود."

وإذ دقق الأمير النظر بالناسك تملكه الرعب عندما رأى زوجاً من ثعابين الكوبرا متدليين من عنق الناسك. وعندما دنا أكثر للتأكد مما رآه أصدر الثعبانان فحيحاً وصفيراً ونفشا رأسيهما لأنهما أحسا باهتزازات الخوف الكريهة وحب الإنتقام المختبئ في صدر الأمير.

وأكثر من ذلك، دخل في تلك اللحظة أحد نمور الغابة إلى الكوخ وربض بهدوء عند قدمي الناسك، وبعد أن لاطفه رجل الله وربت على رأسه غادر النمر بهدوء متجهاً إلى قلب الغابة.

وفكر الأمير المغرور في نفسه "لا بد أن هذا الشيخ صالح وطيّب السريرة، إذ حمانا من الحيوانات الكاسرة والعطش المميت، ومكافأة له على صنيعه هذا سأجعله من الأغنياء." ثم خاطب الناسكَ قائلاً:

"يا شيخ، إن وجهك يلتمع بالطيبة والإخلاص، وإنني أقدّر كل ما فعلته معي ومع حاشيتي، لذلك أريد أن أستودعك سراً به تصبح غنياً موسرا. وهذا السر أفصح عنه للمرة الأولى ولك أنت فقط."

وما أن نطق بهذه الكلمات حتى أخرج الأمير حجراً من تحت عباءته، وواصل حديثه قائلاً:

"أريد أن أستأمنك على كنز العائلة هذا. إنه حجر الفلاسفة لعلك تصبح غنياً باستعماله. فهذا الحجر يصنع ذهباً، وقد منحه لوالدي أحد علماء الكيمياء العظام، وله القدرة على تحويل كل شيء يلامسه إلى ذهب خالص. بإمكانك استعمال هذا الحجر لسنة كاملة وتحويل الأحجار إلى ذهب ثم بيعها لتشتري لك قصراً من ذهب، وسأعود إليك بعد عام لأزورك وأسترد حجري الذي أعتبره أثمن من حياتي.

لم يرغب الناسك بقبول تلك المسؤولية، لكن استجابة لإلحاح الأمير المتواصل رضي بالإحتفاظ بحجر الفلاسفة، وقد رأى الأميرُ الناسكَ يضع الحجر دون اكتراث تحت حزام زناره (حيث كان الناس في الماضي يضعون نقودهم خوفاً من النشالين!) ثم مضى الأمير في حال سبيله.

بعد عام عاد الأمير مع حاشيته متوقعاً أن يرى بدل الكوخ المتداعي قصراً منيفاً، لكن خاب ظنه عندما رأى أن الكوخ ما زال قائماً وقد ازدادت حالته سوءاً عن ذي قبل. فترجل عن جواده ودفع الباب منادياً بأعلى صوته: "هل ما زلت على قيد الحياة يا ناسك؟"

فأجابه الناسك بصوت قوي وعميق: "نعم والحمد لله يا أمير. أهلاً بك في بيتي المتواضع."

وعلى الفور وبدون مقدمات صاح الأمير: "ما الذي دهاك وماذا خطْبك يا رجل؟ ما الذي فعلته بحجر الفلاسفة الذي تركته معك؟ لماذا لم تستعمله كي تصبح غنياً؟"

فكر الناسك للحظة ثم أجاب: "ما هذا حجر الفلاسفة الذي تتحدث عنه، وماذا تقصد بقولك كي أصبح غنياً؟ في الحقيقة لا أريد أن أكون أغنى مما أنا عليه."

استولى الهلع على الأمير إذ ظن أن حجره قد أضاعه الناسك العجوز لعدم اكتراثه به، فقال بصوت تشوبه مسحة الإستعطاف: "أقصد حجر الفلاسفة الذي لا يقدر بثمن والذي وضعته تحت زنارك منذ عام؟ [إيدي بزنارك] تخبرني ما فعلت به؟"

فأجاب الناسك: "صحيح.. صحيح.. الآن تذكرت حجرك الثمين، فقد كنت في أحد الأيام مستغرقاً بالتفكير في الله عندما ذهبت للإستحمام في النهر وأعتقد أن الحجر أفلت حينها من ثيابي وابتلعته المياه، والعوض بسلامتك."

فصاح الأمير بأعلى صوته "يا خسارتي التي لا تعوّض، لقد فقدت كل شيء" وكاد يغمى عليه من شدة الذهول. فرش الناسك على وجهه ماءً بارداً وأعاده إلى الوعي، في حين اقترب أزلام الأمير من الشيخ وعيونهم تقدح شرراً محاولين إيقاع الأذى به، لكن الناسك ضحك وقال: "يا حضرة الأمير ذا الشأن الخطير، لم أكن أعلم بأنك ستقيم الدنيا ولا تقعدها من أجل حجر. تعال معي إلى النهر وسأبحث عن حجرك وأحاول العثور عليه."

فأجاب الأمير: "وهل فقدت عقلك؟ تريد أن تبحث الآن عن حجر سقط منك وأخذه التيار الجارف منذ عام؟"

لكن الناسك لم يأبه لقوله، بل صاح به قائلاً: "أيها الأمير الصغير لا حاجة لكل هذا الهرج والمرج، انتظر إلى أن نفتش عن الحجر في النهر، هيا تعالوا معي جميعاً."

وكما لو وقع الأمير وحاشيته تحت تأثير سحري، استجابوا لمغناطيسية الناسك الشفافة وتبعوه صامتين إلى النهر. وهناك طلب الناسك من الأمير أن يخرج منديله من جيبه وأن يمسكه من أطرافه الأربعة ويغمسه في النهر مبتهلاً على هذا النحو:

"يا أمير الأمراء وملك الملوك وصانع كل أحجار الفلاسفة، أعد لي حجري."

وما أن فعل الأمير ذلك ورفع منديله من الماء حتى استولى عليه الذهول لأن يرى بعينيه غير المصدقتين أكثر من عشرين حجر فلاسفة بنفس مواصفات حجره الأصلي الذي فقده. وإذ اختبر كل واحد من تلك الحجارة وجد أن كلاً منها يحوّل حجارة الشاطئ العادية إلى ذهب. عندها ربط الأمير الحجارة في المنديل ورمى بالصرّة في النهر.

فصاح به الناسك ومعه الحاشية: "لماذا فعلت ذلك؟" لكن الأميرنظر إلى رجل الله وانحنى أمامه احتراماً وقال:

"أريد يا سيدي أن أحصل على ما لديك.. ذاك الذي يعتبر الأحجار التي تصنع ذهباً حصوات لا قيمة لها."

وهكذا هجر الأمير مملكته الأرضية لكي يتعلم من الشيخ الحكيم طريقة الحصول على مملكة الروح التي لا يسعها الفضاء ولا يحيق بها الفناء.

مغزى القصة هو أن الثراء الأرضي، مهما بدا عالي القيمة، لكنه إلى زوال ويتعين تركه في هذه الدنيا الدنية عندما يصبح الجسد جثة هامدة باردة.

وبدلاً من استخدام حجر الفلاسفة الذي يرمز هنا إلى المقدرة على جمع الثروات الزائلة فقط، يجب أن نكون كالناسك الذي كرّس وقته وقدرته في الحصول على الثروة الإلهية التي لا تنضب ولا تفنى.

فمن يتعرف على الله سيمتلك ثروات تفوق الأحلام ، وإن اقتضى الأمر سيتخلى عن الممتلكات المادية كما لو كانت حجارة طمعاً بتحصيل الثراء الروحي والتمتع بالغنى الحقيقي.

في تعاملنا مع الآخرين

من المهم جداً التعرف على - وتقدير

السمات المميزة والشمائل النبيلة

التي استقطروها من تجاربهم

و صاغوها من كيانهم.

إن درسنا الناس بعقول متفتحة

سنتمكن من فهمهم والتعامل براحة معهم

كما سنستطيع على الفور

معرفة طبيعة الشخص الذي نتعامل معه.

لا تحدّث فيلسوفاً عن سباق الخيل

ولا تناقش عالِماً في الترتيب المنزلي

أعرف ما الذي يهم الشخص ويستقطب انتباهه

وحدثه عن ذلك الموضوع

وليس بالضرورة عن الأمور التي تهمك أنت.

إن كنا نرغب في فهم الآخرين

فيجب أن نتحاشى انتقادهم وإدانتهم

ويجب بدلاً من ذلك أن ننظر في مرآة تمييزنا

لمعرفة ما ينبغي إصلاحه وتحسينه؟

تلك المرآة النفسية تختلف كثيراً

عن المرآة المألوفة التي ننظر فيها كل صباح.

إنني أنظر كل يوم في تلك المرآة الذاتية

وإن وجدتُ شيئاً لا يروق لي

أعاتب نفسي وأعمل جاهداً على تقويمه.

بهذه الطريقة يرى الإنسان صورته

معكوسة على حقيقتها في مرآة روحه

ويتقدم يوماً بعد يوم

على الطريق المؤدية إلى السعادة وراحة النفس.

أسعدكم الله والسلام عليكم

شبكة الأشواق

ها أنا أرمي بشبكة أشواقي

في بحر فكري الفسيح.

كثيراً ما أفلتت مني أيها الصيد الإلهي الثمين!

ومع ذلك فإنني أتابع الغوص في أعماق السلام

وبلا توقف أرمي بشباك حبي نحوك .. الواحدة تلو الأخرى

ولا بد أن أصطادك يوماً في شبكة حنيني اللامتناهي لك.

شبكة حبي هذه أرميها في كل مكان..

فوق أمواج الحياة المتلاطمة

وحول النجوم المتوامضة

وفي لجج النفوس الطيبة.

كل ما أعرفه هو أنني صياد

وسأتابع محاولتي الإمساك بك

يا أعز منية وأعظم كنز في الوجود!

أطلب من أن يمزق حجب الجهل ويبدد ظلمة الوهم وأن يكون الطموح الأعظم في حياتك والشوق الأقوى على عرش رغباتك وأن يساعدك على تحويل الخمول والتسويف إلى نشاط روحي نابض بالبهجة والتجدد والهمة.. وأن يسقيك من شراب العشق الإلهي حتى الإنتشاء.. ويفتقدك بزيارة قدسية فيها الإيناس ويغسل قلبك بمياه المحبة والشكران .. ويضيء في كيانك مصابيح اليقين.. وأن يذيب أحلامك في حقيقة بحره المبارك.. وأن تجد فيه القناعة والرضا، فتسكن الطمأنينة روحك وتحل عليك بركات السماء.

السكون معناه تسكين الأفكار

وتهدئة الجسد والتحكم بمتطلباته.

فمن يقدر على ذلك سيختبر هدوءاً منعشاً

وسيحس بموجات وانطباعات سامية من عوالم راقية.

ومن يتعمق بالسكون أكثر فأكثر

سيكتشف مملكة الله في داخله.

ما دام الإنسان سائراً على الطريق

فكل لحظة من وقته ثمينة جداً.

إننا هنا على هذه الأرض (دار الممر) لفترة وجيزة.

كل شيء إلى زوال لكن الإحساس بالله مستدام

ولا يقوى شيء على محوه من القلب والروح.

يجب أن لا نسمح لمغريات الدنيا

بأن تصدنا عن مقصدنا الأعظم وغايتنا الأسمى: الله.

التعرف على الله أمر ممكن.

يجب أن نعثر على سيد الأكوان

الذي من نوره تومض النجوم

وبقوته تنبض القلوب.

يجب أن نبحث عنه في معبد السكون.

عندما ننادي الله بشوق ولهفة

وعندما نفكر به بحنين لاهب

سوف نعثر عليه.

لا أتحدث عن إله مجهول

بل عن رب تعرفت عليه

وهو حقيقي بالنسبة لي

بل أنه أكثر حقيقة من كل الأشياء المادية.

إنه البحر الإلهي الذي يسند ويعيل أمواج حياتنا البشرية.

بإمكاننا الإستغناء عن كل شيء

ما عدا الله.

{فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ}

و (طوبى للأنقياء القلب لأنهم يعاينون الله)

طبيعي أن يشعر الإنسان بالحاجة لأن يَحب ويُحب. لكن حنين القلب هذا هو في الأصل لمصدر ذلك الحب الذي هو الله.

الحب البشري يقوم على توقعات وحسابات واعتبارات ذاتية كثيرة لذلك لا ضمانة لديمومته لأنه مقيد بشروط.

أما الحب الإلهي فهو غير مشروط وهو ثابت ودائم. وإن لامس قلبك ستجده معك على الدوام

في كل الظروف والأحوال وستحس به كحماية وطمأنينة حتى في قلب الشدة والشقاء

وفي خضم المعاناة والتجارب العاتية.

قد يهجرك الجميع لكن ذلك الحب القدسي لن يتركك ولن يخذلك ولن يدعك فريسة للهموم والأوهام لأنه قوة واقية ونور هادٍ من السماء وسط منعرجات الحياة ومطباتها.

عندما يُشحن الحب البشري بالحب الإلهي يصبح نقياً صافياً ولكن إن فصلتَ الساقية التي هي الحب البشريعن النبع الذي هو الحب الإلهي فإنها تكف عن الجريان وتفقد ذاتها في رمال العالم.

وما دام الحب البشري متصلاً بالحب الإلهي فإنه يرطب القلب وينعش الوجدان ويروي بساتين الروح بماء الحياة.

الحب: منشط للإرادة

إن كل ما أفعله أفعله بكل الحب الذي في قلبي.

إن حاولت ذلك ستجد أنك لا تشعر بالإعياء على الإطلاق

لأن الحب هو أعظم منشط للإرادة، والإرادة التي تحت تأثير الحب تمتلك قوة غير عادية لعمل أشياء قد تبدو غير مستطاعة للبعض.