التحدي الأساسي

التحديات دائمة الحضور على ساحة الحياة وساحة الوعي معاً، وبالكاد يخلو يوم واحد منها. فهي بالمعية حيثما وكيفما توجه المرء.

التحديات موجودة على كل صعيد وفي كل مكان. فهي تبدأ في داخل الإنسان حيث القوى المتصارعة والمشاعر المتضاربة. وغالباً ما ينعكس الصراع الذاتي على الناس والأحداث من حولنا.

ونظراً للتفاعل المتواصل مع الآخرين تختلط الطاقات وتتشابك المصالح وتصطدم الرغبات وتحدث معارك وعركات مرئية ومخفية.. كل يريد الأفضل لنفسه ومقتنع حتى النخاع بأن أفكاره هي الأصوب والأصلح للبقاء أو للأخذ في الإعتبار على الأقل.

الإنسان يمتلك رغبات تضغط عليه لتحقيقها. فالرغبة قوة لا تهدأ إلى أن تتحقق، ومتى تحققت تبزغ رغبة أخرى مكانها. فالفقس "الرغبوي" متواصل ما نبض القلب أو حتى ينضب الإشتهاء من تلقاء ذاته .

تحقيق الرغبات نادراً ما يتم على المستوى المعنوي أي داخل الإنسان، لأن معظم الرغبات تتصل بأشياء مادية ولذلك لا بد من تحقيقها من عناصر مادية سهل تحصيلها في بعض الأحيان وصعب في أكثرها.

والتحدي الأساسي يكمن في تحصيل كل ما من شأنه أن يحقق تلك الرغبات. الأمثلة كثيرة وواضحة بحيث لا تحتاج إلى سرد.

عندما تتحقق الرغبة يصاحبها شعور بالرضاء والإرتياح ويعتبر تحقيقها إنجازاً بحد ذاته. أما إن حصل ما يعيق ذلك التحقيق فهنا يبدأ التحدي.

البخار إن لم يجد منفذاً يتسرب منه يُحدث انفجاراً. وهذا ينطبق أيضاً على الرغبة التي تمتلك قوة وفعل البخار داخل الإنسان. فإن لم يتم التعامل معها بحكمة ومنطق استحالت إلى عنصر حارق يلطع ويلسع دون هوادة.

هذا لا يعني عدم شرعية امتلاك الرغبات أو السعي لتحقيقها. فالرغبة جزء متمم لحياة الإنسان وبالكاد يوجد كائن بشري واحد يخلو منها. لكن التحدي الأكبر للإنسان يكمن في التحكم بتلك الرغبات بدلا من الإنصياع لأوامرها والخضوع لمشيئتها.

ولعل عدم الإكتراث الزائد بتلك الرغبات يساعد على التعامل معها بكيفية منطقية. الأشياء التي نريدها بلهفة وشوق كبيرين غالباً ما تكون الأعصى على التحقيق نظراً لاستهدافها أولاً قبل دراسة الطرق والأساليب الكفيلة ببلوغها وامتلاكها، وقبل غربلتها لمعرفة ما إذا كان امتلاكها ضرورياً وذا فائدة.

هذه ليست دعوة للزهد بالدنيا ورغبات الحياة بقدر ما هي تحليل لتلك الرغبات ومعرفة أنسب الطرق لمعالجتها. ولا بد أن الشاعر القديم – أو العصري لست متأكداً – قد عانى من صعوبة تحقيق الوطر عندما قال "لا تلقَ دهرَكَ إلا غير مكترثٍ" إذ استنتج أن عدم التعلق بالمرغوب هو أجدى من التعلق وأكثر راحة للنفس.

فهو ينصح الإنسان – بطريقته الخاصة – بأن يكون أكبر من الحدث لعلمه أن القيمة الذاتية للإنسان هي أكبر وأهم من الدنيا وبضاعتها. ومع ذلك فبالإمكان الجمع بين الإثنين: أي إدراك القيمة الذاتية وتحصيل ما يريده من الحياة ما دام ما يرغب به مشروعاً ونافعاً له ولغيره.

ولم تغب هذه الحقيقة عن المتنبي عندما قال:

ويكبرُ في عين الصغير صغيرها

وتصغر في عين العظيم العظائمُ

ويزيدنا الإمام جعفر الصادق حكمة بقوله:

لا اليسرُ يطربنا يوماً فيبطرنا

ولا لأزمة دهر ٍ نظهر الجزعا

إن سرّنا الدهرُ لم نبهجْ لصحتهِ

أو ساءنا الدهرُ لم نظهر له الهلعا

والسلام عليكم

محمود عباس مسعود