التجربة الموحدة

انطلاقة مشتركة وتجربة موحدة

إنها في متناول الجميع بالرغم من الفوارق العديدة في أنماط التفكير ونوعية الأفكار وطريقة السلوك وأساليب التعامل مع الناس والحياة. فالغاية واحدة لا تختلف مهما تنوعت وسائل التحقيق وتعددت الطرق الموصلة إليها.

إنه لمن المدهش حقاً ومن المشجع والممتع أيضاً أن تكون هناك انطلاقة مشتركة لغاية واحدة. فلو حللنا مشاعرنا المتصلة بفعالياتنا المتنوعة ونشاطاتنا التي نضطلع بها طوال عمرنا لتوصلنا إلى الإستنتاج التالي:

إن كل ما يفعله الناس مدفوع بالرغبة في التمتع بالسعادة والتحرر من الحزن والألم.

ولو تعمقنا في موضوعنا لتمكنا من الوقوف على العناصر المختلفة التي تؤلف تلك السعادة التي نطلبها ولعرفنا أيضاً مكونات المآسي والأحزان التي نسعى بكل ما أوتينا من قوة لتلافيها والإبتعاد عنها.

لكل شخص ميول خاصة وتحبيذات شخصية. لكن بالرغم من التباينات في تلك الميول من شخص إلى آخر، فإننا جميعاً نصبو إلى بلوغ نفس الهدف. ولو أردنا إلقاء المزيد من الضوء على هذه الناحية لاستطعنا ذلك من خلال توجيه السؤالين التاليين إلى أنفسنا:

ما الذي نبحث عنه؟ وما الذي نعمل جاهدين على تجنبه؟

الجواب معروف سلفاً وهو واحد بالنسبة للجميع ولا تمس الحاجة إلى أن نتعلمه من الآخرين أو من الكتب المدرسية أو غيرها وهو:

"نبحث عن السعادة ونسعى للتخلص من الشقاء."

وبالرغم من اختلاف المفاهيم والآراء حول الوسائل الموصلة إلى السعادة والمساعدة على تلافي التعاسة، لكن الغاية تبقى واحدة دائماً وأبداً.

الفوارق بين الناس لا تبزغ من الغاية نفسها بل من الوسائل التي يستعملها الناس لبلوغ تلك الغاية. ولو تمكنا من الامتثال لروح الحق والحقيقة بداخلنا ومن حولنا لما قامت العوائق ولما تكرست الفوارق بين البشر.

ولو أدركنا أننا جميعنا على هذه الأرض طلاب حقيقة أولا وقبل كل شيء لتغيرت المفاهيم ولانقلبت الموازين ولتمكنا من تقديم أسمى الخدمات وأعمها نفعاً لأنفسنا وللآخرين، ولحظونا بمعاينة نور المعرفة والعقل والحكمة والتأمل الباطني في أعمق المشاعر وأدق الأفكار.

ذلك النور الذي كان بداية الخلق الإلهي. إنه النور الأبدي الذي عنه انبثقت وبه تكونت الخلائق الروحية والعقلية والمادية.

نسمع أن الإنسان مخلوق على صورة الله. ولكن عندما ننظر حولنا نبصر مخلوقات بشرية ذات مظاهر جسمانية متباينة مع تمايز واضح في القدرات العقلية والإستعدادات الفطرية. أجل، نلمس اختلافات عميقة بين الناس.

وقد يتبادر السؤال إلى الذهن ما إذا كان الله قد خلق الإنسان الأول على صورته وخلق باقي البشر بخلاف ذلك. ولكن المنطق يوحي بأن الإنسانية بأسرها مخلوقة على صورة الإلوهية.

وإذا ما استعملنا بعض التحليل النفسي وحاولنا فهم الذات الباطنية أو الروح التي في داخلنا لوجدنا أن من السهل علينا فهم مشاعرنا، دون الحاجة إلى أية مساعدة خارجية لكي نعرف بأننا موجودون ولدينا رغبات.

من هذا المنطلق ندرك أن طبيعة الأشياء موجودة فينا ولا نحتاج لمعونة أحد كي ندرك ما يجيش في صدورنا ويعتمل في نفوسنا. وحتى أقرب الناس إلينا يحتاجون لنا كي نخبرهم عما نحس به وما نعانيه أو نرغب فيه. ولعل عبارة "كيف حالك" التي نسمعها يومياً تشهد بصحة ذلك. كل ما نحتاج إليه بالفعل موجود في داخلنا، وعلى هذا الأساس فإن مملكة الله تكمن فعلا في داخل الإنسان.

وهذه الفكرة ليست من العمق والشفافية بحيث أنها فوق مستوى فهم الإنسان العادي. إذ باستطاعة كل إنسان أن يحس بمكوناته الذاتية ويعرف الخاصيات التي تميزه عن سواه.

جميع الأسئلة يمكن الإجابة عليها من الداخل. ولكن ما هي الطريقة؟

الطريقة ببساطة هي أن نبدأ بالسؤال التالي: "ما الذي تشتهيه يا قلب؟"

الجواب على هذا السؤال هو: حب البقاء أو ديمومة العيش. فتلك الرغبة متأصلة في كل نفس. طبعاً هناك بعض الظروف الإستثنائية بالنسبة للذين يرغبون في وضع حد لحياتهم عن طريق الإنتحار. لكنهم يفعلون ذلك رغبة في التخلص من أحاسيس مؤلمة لعل وعسى يدركون بذلك الراحة المنشودة.

إن حب البقاء متأصل في الإنسان ويلازمه حتى الرمق الأخير. فحتى المصابون بالأمراض المستعصية يحبون مع ذلك الحياة. وحتى لو حضر الطبيب وقال عن أحدهم:

"حالته خطيرة لكنه سيحيا مع ذلك، إنما سيكون ضعيفاً غير قادر على الإبصار أو السمع أو هضم الطعام، بل ولن يتمكن من القيام بأي شيء، لكنه مع ذلك سيعيش."

عندئذ سيقول الجميع بمن فيهم أهله وأقاربه وأصدقاؤه ومحبوه:

"لا يهم كيف ستكون حالته الجسدية والعقلية، فالرجاء يا دكتور أن تعمل ما بوسعك لإبقائه على قيد الحياة."

وحتى لو سألنا المريض الذي في تلك الحالة المزرية لأعرب عن رغبته في الحياة بدافع الاستجابة لغريزة حب البقاء.

وحتى عندما يبلغ المرء من العمر عتيا ويصبح هيكله الجسدي مضعضعاً متداعيا، ويعجز عن القيام بحاجاته الضرورية تبقى مع ذلك الرغبة في الحياة حية نابضة وقوية في أعماقه.

طبعاً هناك اعتبارات أخرى قد يقول على أساسها المريض أو شخص آخر "فلنضع حداً لهذا الألم." لكن الرغبة في الحياة والغريزة البيولوجية لحب البقاء موجودة دائماً وأبداً لأنها غريزة مغروزة بنا طبيعيا.

عندما يقع شخص لا يعرف السباحة في نهر جارف فإنه يحاول تلقائيا مقاومة المياه العاتية بأطرافه مع أن الغرق في انتظاره. هو يقوم بتحريك يديه ورجليه رغبة منه في مقاومة كل ما يسبب له الموت لأنه يحب الحياة ولا يريد التفريط بها.

فما أقدس الحياة وما أثمنها، وما أجمل أن نستمتع بتلك النسمة المباركة التي وهبها لنا الله ويريدنا أن تنشرح صدورنا إذ نستمتع بها مهما اربدت الغيوم وتعاورتنا الهموم.

فالحياة جبارة واسعة الحيلة وتستحق أن نبتهج بها لأنها هبه لا نظير لها ولا استغناء عنها، ولهذا يقول الصينيون:

تمتع بالحياة ما دمت حياً!

كل عام وأنتم بخير والسلام عليكم

كنوز شرقية

ترجمة محمود عباس مسعود

www.swaidayoga.com