إلى زهرة أحفورية

للشاعر جونز فيري

ترجمة محمود عباس مسعود

To the Fossil Flower

By Jones Very

Translated by Mahmoud Abbas Masoud

يا أيتها الزهرة الداكنة المتحجرة

أرى(بعين الخيال) بتلاتك متفتحة

وعليها عروق جمالك واضحة الخطوط، ناضرة، ومفعمة بالحياة

تماماً مثلما بدتْ عندما غمرتها إشراقة الصبح الأول

حينما استدرتِ لاستقبال تلك الابتسامة الترحيبية الدافئة

وإذ ألمح بين الفينة والأخرى ألوان قوس قزح في وهج الجمر اللاهب

أحلم للحظة عابرة، يا زهرة الماضي السحيق

بأنني أبصر ألوان إطلالتك الغضة

تغلف من جديد شكلك البديع بألق غريب

الآن، إذ أرنو إليكِ

تقع خطوات الحياة صامتة على مسمعي

فيتلاشى الزمن الحاضر

وتغمر روحي أمواج من أفكار موغلة في القِدَم

تأتيني بأعداد لا تحصى

متدحرجة بصمت وبانسياب غير منقطع

كموج البحر العاتي

قد تكونين نبتتِ وحيدة

دون أن تغرسك يدٌ

عندما سمعتْ الأرض في البدء صوت باريها

فابتسمت الزهور وترنحت فوق المروج

النابتة على جروف الجبال شديدة الإنحدار

وتمايلت برؤوسها في النسيم عند كل تلة

وقد تكون أوراقك تفتحت دون أن يراها أحد سوى النجوم

التي استقبلت بالترانيم ولادتك الزاهرة

وأتت عند المساء لتتأملك وأنت تطوين بتلاتك

إيذاناً بخلودك للراحة

ربما لم يلحظك أحد في بيتك المتأرّج

غير رياح هامسة هبّت رقيقة ولعبت حول مقرّك

وقد تكون تنهّدتْ وهي تجتازك مدفوعة بسرعة مجنّحة.

وقد تكونين عشتِ تحت ضوء يوم آخر

عندما تسلق الإنسان الأصقاع دون عائق

كالرياح الشاردة التي لا مأوى يؤويها ولا وطن

أو عندما جابت أقدامه المرتفعات الملتحفة بغطاء من الحشائش سميك

أو جاز وسط السهول المنبسطة

وقطع سكينة الطبيعة البكر

بصوت بدا منسجم الوقع والإيقاع

مع موسيقى العناصر المختلطة

عندما ثارت إزاء جسمه القاصر

دون أن تتمكن يده الضعيفة من ردّها أو ردعها

وعندما اقترنت العواصف الصاخبة والأمواج الهادرة

بالرعد القاصف وقذفت بحمم غضبها حوله

كأرواح شريرة على أهبة القتال.

ربما ظفرتِ بقلبه وقتذاك

بنظرة رقيقة منكِ

وأيقظتِ في داخله أول دعاء حار من الشكر والامتنان

وقد تكونين أول وأبسط تقدمة وضعها على مذبحه

يا أيتها الزهرة الداكنة

لن تستطيع الشمس المتوهجة أن تعيد إليك

الألوان التي وهبتها لكِ من قبل

ولن يستطيع الصباح أن يسترجع

أنفاسك العاطرة بقبلة رقيقة

مع ذلك، لعل لمسة الفكر السحرية

تحيي بك النضرة والشذا من جديد

لأن الذي وهب للزنابق بهاءً

يفوق كل أمجاد الملوك والسلاطين

لم يلوّن عبثاً تلك الأوراق المتألقة

كإطلالة الفجر الندية الوردية

ولم يعطر أنفاسك كي تبدديها

في الفضاء القاحل العقيم

بالرغم من انتصابك وحيدة

في بيت الطبيعة وسط الأدغال

فمظهرك أيقظ الحب الأول

الذي ارتعشت له النجوم

وتنهدت له الرياح

وقد حرّك الجماد

فاحتفظ بشكلك كوديعة وأمانة

ليوقظ في قلوب البشر

أفكار الحب العذبة

بعد أن غلف الماضي القاتم ذاكرتك

بركام كثيف عبر الأحقاب و الدهور