حكم وفرائد روحية

 الحكيم برمهنسا يوغانندا

ترجمة: محمود عباس مسعود

completed and colored 12/13/22


يجب أن يكون المرء سيد نفسه ويتصرف على هذا النحو، غير مدفوع بالروتين والأهواء بل بالإرادة الحرة والحكمة.


 من حق الإنسان وباستطاعته خلق جنته بذاته والتنعم بها لأنه يمتلك كل الوسائل لتحقيق ذلك، فالله منحه القدرة على توجيه عقله إليه والتعرف عليه.


أعظم شيء في الحياة هو أن تعيش في معقل ضميرك الصافي والمرتاح.


بتركيز الذهن على الله وبالدعاء النابع من القلب يمكن ملامسة حضوره المبارك.

* * *

توكيد:

إن نور الله يغمرني ويشع من خلالي فيقضي على كل مرض ويمنحني الصحة والعافية. نوره الإلهي يسطع في كل خلية من خلاياي ولذلك فجسمي معافى وأنا بخير.

* * *

في ذلك اليوم الذي ستتذكر به نفسك منشأها السماوي سيحيا وعيك من جديد في بيت الروح الإلهي العظيم.

 

يبدو أن عقل الإنسان وإرادته مطموران تحت تربة الجهل. وما لم يتم استخراج تبر الحكمة [من منجم النفس] وصهره وتشكيله على هيئة أدوات سيكولوجية حادة فمن المتعذر قطع واستئصال نبات الشر النامي في بستان الوعي البشري.

 

الجبال المهيبة الرائعة، وآلية الجسم البشري العجيبة، والورود والزهور الغضة الناضرة، وبساط الحشائش الخضراء، وعظمة النفوس الكبيرة، وسمو الأفكار الراقية

وعمق المحبة، كل هذه تذكرنا بالله الذي هو مصدر كل نبل وعظمة وجمال.

* * *


تركيز الذهن هو السبيل إلى إيقاظ وتفعيل القوة الكامنة داخل الإنسان. التركيز معناه تجميع الفكر في نقطة واحدة. السبب الرئيسي للكثير من الإخفاقات يعود إلى النقص في التركيز. الإنتباه يمكن تشبيهه بالمصباح الكشاف الذي عندما ينتشر شعاعه على مساحة واسعة تضعف قوة تركيزه. لكن ذلك الشعاع يصبح قوياً وواضحاً عند تركيزه على نقطة محددة. ذوو العقول الجبارة هم أصحاب تركيز، إذ يمتلكون القدرة على حصر كل قواهم العقلية في شيء واحد  في وقت واحد.

* * *

الحب الحقيقي.. حب القلب والروح هو حب إلهي. وهذا الحب الإلهي يحاول إظهار ذاته من خلال قلوب ونفوس البشر.


هناك أمواج بعيدة جداً على سطح المحيط فلا تتكسر على الشاطئ. وهناك أفكار في محراب الصمت أعظم من أن ينطقها القلب. 


الفهم هو التوازن بين العقل الهادئ والضمير النقي.


إن فن العمل الصحيح يكمن في القدرة على العمل ببطء أو بسرعة دون فقدان سلامك الداخلي.


لا يمكننا أن نتعلم شيئاً نجهله ما لم نملك شيئاً آخر يمكننا مقارنته به. وهكذا فإن الله يعلّم بني البشر الحب الإلهي من خلال وسيط الحب البشري المثالي.


قم دوماً بتوجيه إبرة بوصلة اهتمامك نحو الشمال المغناطيسي للفرح الروحي، وعندها لن يتمكن أحد من إرباك توازنك.


عزز ثقتك بالله وثق بأن الذي خلقك سيعيلك ويحفظك. 


من يسلك باستقامة يحب الله ويحبه الله، ولا يهمه إن كان يعمل في الأدغال الطبيعية أو في أدغال المدنية العصرية، لأن المشاكل والصعوبات والتجارب والامتحانات موجودة في تلك الأدغال وهذه. الأولى فيها نمور كاسرة والثانية مخاوف لا تقل ضراوة عن الأولى، تتمثل في صراع عنيف مع الشهوات الجامحة والرغبات العاتية، وفقط عندما يُخضع الإنسان أهواءه لإرادته يتذوق طعم السعادة الحقيقية.


أحياناً قد تشعر أن صديقاً ما سيزورك بالرغم من عدم وجود ما يشير إلى زيارته. فهو لم يخبرك بقدومه ومع ذلك يتولد لديك شعور قوي بأنك ستراه، ومع حلول المساء يقرع بابك! أو أحياناً تشعر طوال اليوم أن شيئاً حسناً أو غير حسن وشيك الحدوث، وعند حدوثه تدهش لأن حدسك كان صادقاً. هذه بعض الأمثلة عن البصيرة [الحس الداخلي] وكيفية عملها بمعزل عن الأدلة والقرائن.


لقد وهبنا الله نفساً وعقلاً وجسداً، وعلينا أن ننمي هذه الهبات بكيفية متناغمة ومتوازنة. يجب ألا يسمح الإنسان لنفسه بأن يصبح عبداً للبيئة أو أسيراً للعادات. بإمكان الآباء والأمهات المتطورين روحياً مساعدة العالم بإنجابهم أبناء ذوي طبائع روحية وبانتهاجهم أسلوب حياة معتدل يسوده التأمل والتهذيب الذاتي.


كل فكرة نبيلة تعتمل في فكرك تقرّبك من الله. تلك الأفكار تشبه النهر المنطلق إلى بحر الروح الإلهي.


كل يوم يجب أن يكون يوم شكر وامتنان على نِعم الحياة.. من أشعة الشمس، والماء، والخضروات والفواكه الطيبة التي هي هِبات غير مباشرة من الوهاب الأعظم.


الحب النقي، الحب الإلهي، يزيل الحواجز بين الإنسان وخالقه.


تتلف الصداقة وينتهي الحب بين الناس بسبب العناصر المسمومة لحب التملك، والأنانية، والعلاقات الأسرية الآلية، والهوس الجنسي، والتعلقات المادية، والانفعالات العاطفية، والمقايضات النفعية، لأن الارتباطات السريعة تعقبها كراهية مفاجئة مما يؤدي إلى موت الحب البشري. لكن في قلب كل إنسان يكمن حب إلهي خالد قد يبقى هاجعاً لفترة من الزمن غير أنه لا يموت أبداً.


في تربة قلبك تنمو بذور المحبة. اعتنِ بتلك البذور واسقها بماء التعاطف والمحبة الشاملة. 


الله محبة، والمحبة توحّدنا مع الله. إن أردنا محبة الله فيجب ألا نعزل حبنا ونقيده، بل نقرنه بالحب الإلهي.


كل قوة وكل شيء في الكون هما من نتاج العقل الإلهي، تماماً كالأشياء التي تراها في الحلم هي من صنع عقلك.


الطريقة الوحيدة لتلافي الأفعال الخاطئة هي بتنمية الحكمة السديدة لتمييز الخطأ والتصميم على عدم فعله.

إن خطأ يحارب خطأ آخر لا ينتج صوابا. الجهل هو عدو الإنسان الفعلي وينبغي إبعاده عن هذا العالم.

لدينا كل ما نحتاجه في هذا العالم كي نأتي بعصر الرخاء والسعادة والعدالة المثالية. العقبة الوحيدة هي أنانية الإنسان التي تجعل ذلك مستحيلا. إن آلاماً فظيعة لا مبرر لها تسببها أثرة الإنسان وحبه لمنافعه الذاتية دون أي اعتبار للآخرين. فالمال الذي يمكن استخدامه في إطعام المحتاجين وكسوتهم يُستخدم بدلا من ذلك في التدمير والهلاك.

إن علة وأصل المشاكل العالمية هي هذه الأنانية وليدة الجهل. كل واحد يفكر أنه يفعل الصواب، ولكنه عندما يسعى لتحقيق مآربه الشخصية فقط فإنه يحرّك ويدفع عجلة القانون الكارمي للسبب والنتيجة الذي سيقضي حتما على سعادته وسعادة الآخرين.

كلما شاهدتُ المزيد من مآسي العالم الناجمة عن جهل الإنسان، كلما أدركتُ أن السعادة لن تكون دائمة حتى ولو صُبّت الشوارع ذهبا. السعادة تكمن في إسعاد الآخرين. فلو فعل كل واحد ذلك لأصبح الجميع سعداء ولحصل كل واحد على نصيبه من خيرات الأرض.


الوعي الإلهي بأفراحه السماوية ومباهجه اللامتناهية يشبه الصولجان السحري الذي يحوّل على الفور المعدن الرخيص للحياة المادية العادية إلى ذهب مشع من السعادة الروحية الدائمة.


الصداقة هي الجاذبية الروحية الكونية التي توحّد النفوس بوثاق الحب الإلهي.


* * *


مظلة الروح أو طمأنينة النفس

عندما تفقد الهموم الحارقة حرارتها

تبزغ الطمأنينة برداً وسلاماً.

إنها الصارية البيضاء لقارب الحياة

يملؤها نسيم السعادة الدائمة، الخالية من الإثارة

فتدفع القارب دفعاً رفيقاً على صفحة بحيرة الرضى.

الطمأنينة هي نهر القناعة

المنساب رقراقاً في اتجاه بحر السكينة

بمعزل عن أمواج الهموم.

إنها مظلة الروح

المنتشرة فوق عقل الإنسان وقلبه

لتقي أفراح حياته، صغيرها وكبيرها

من أمطار الخوف والقلق.

إنها النغمة السماوية

المنبثقة من قيثارة الحياة.

وهي الملح المقدس

على مائدة العمر

والرذاذ المتطاير من شلالات الإنجاز

وهي المزاج الرائع الرائق

الذي به تساس مملكة النفس

بوئام وانسجام.

الطمأنينة ليست حكراً على الخلوات المنعزلة

ولا هروباً من الجلبة والضوضاء.

بل تأتي إلى حيث ترحب بها القلوب

وتمكث حيث تأنس بها النفوس

بغض النظر عن الزمان والمكان.

إنها زهرة رقيقة حساسة

لا تتحمل اللمسات الخشنة

بل تحيا وتزهر وتزدهر

إن هي سقيت بمياه الطيبة المنعشة.

الطمأنينة هي بحيرة الشعور الساجية

الخالية من تغضنات الأحزان

التي تذرف دموع الخوف

لأقل هبّة من هبّات الجزع والكدر.

عندما تغطي صفحة النفس المطمئنة

طبقة من الثلج الأبيض الناصع النقي:

ثلج الهدوء وراحة الضمير

فلن تقوى عواصف المخاوف وأعاصير الهموم

على تعكير الصفاء والسكينة

تحت هذه الطبقة الصلدة اللامعة

لهذا التلألؤ المبارك الوضاء.

* * *


قلعة الحب الإلهي

عندما تتساقط حولك قذائف الكراهية

اعتصم بقلعة المحبة.

وإن تواصلت تفجيرات سوء الفهم

ابقَ متحصناً في كهوف المحبة

تحت حجرات الشفقة والتعاطف.

وإن حاولتْ أبخرة الخداع السامة

أن تخنق حياة حكمتك

ضع قناعاً من الحب النقي حول نفسك.

إن قلعة الحب الإلهي ملاذٌ آمن

من هجمات جيوش الوساوس والإغواء.

احتفر خندقاً من الإخلاص والثبات

واملؤه بمياه المحبة

بحيث يتعذر على الأنانية أن تجتازه سباحة

كي تقضي على حكمة روحك.

* * *

المتأملون يشعرون بإحساس رائع من الهدوء الداخلي. ما نتعلمه في التأمل يجب أن نطبقه في أنشطتنا وأحاديثنا اليومية ويجب ألا نسمح لأحد بأن يسلبنا سلامنا أو يعكر علينا هدوءنا.

الفكر غير المتحيز يشبه المرآة الصقيلة الصافية الثابتة وغير المهتزة بالأحكام المتسرعة.

الحب الإلهي هو بستان من الورود والرياحين السماوية ومن أزاهير الأفكار الناضرة المشرقة وهو منبع كل حب نقي تنبض به القلوب الصادقة.


كن بسيطاً بقدر ما تستطيع وستندهش كم ستصبح حياتك سعيدة وخالية من التعقيد.


السعادة العائلية الحقيقية تقوم على أسس التفاهم والكلام الطيب.


مع الغوص التأملي العميق سينبلج فجر يقظة جديدة.. وسينقشع ضباب الصمت والغموض المنسدل فوق كل شيء ويتلاشى أمام نور الصحوة الروحية والشوق المتعاظم لله.

في تعاملنا مع الآخرين، من المهم جداً التعرف على السمات المميزة والشمائل النبيلة التي استقطروها من تجاربهم و صاغوها من كيانهم وتقدير تلك السمات.

إن درسنا الناس بعقول متفتحة سنتمكن من فهمهم والتعامل براحة معهم كما سنستطيع على الفور معرفة طبيعة الشخص الذي نتعامل معه.

لا تحدّث فيلسوفاً عن سباق الخيل ولا تناقش عالِماً في التدبير المنزلي. أعرف ما الذي يهم الشخص ويستقطب انتباهه وحدثه عن ذلك الموضوع وليس بالضرورة عن الأمور التي تهمك أنت.



إن كنا نرغب في فهم الآخرين فيجب أن نتحاشى انتقادهم وإدانتهم ويجب بدلاً من ذلك أن ننظر في مرآة تمييزنا لمعرفة ما ينبغي إصلاحه وتحسينه. تلك المرآة النفسية تختلف كثيراً عن المرآة المألوفة التي ننظر فيها كل صباح. إنني أنظر كل يوم في تلك المرآة الذاتية وإن وجدتُ شيئاً لا يروق لي أعاتب نفسي وأعمل جاهداً على تقويمه. بهذه الطريقة يرى الإنسان صورته معكوسة على حقيقتها في مرآة روحه ويتقدم يوماً بعد يوم على الطريق المؤدية إلى السعادة وراحة النفس.

* * *

يا رب، أنت أقرب إليّ من دقات قلبي وأحس بحضورك على مشارف وعيي.


عندما يحصر الشخص نظرته في أمواج المحيط لفترة طويلة فإنه يغفل التركيز على المحيط نفسه. وبالمثل، عندما يركز الإنسان على موجة حياته الصغيرة ويرتبط بها ارتباطاً تاماً فإنه ينسى محيط الروح الأعظم الذي لا تعدو أن تكون حياته سوى مويجة على صدره الفسيح.

وكما تضاء المصابيح الكهربائية الموضوعة في أماكن مختلفة من مولّد كهربائي واحد، هكذا تضاء مصابيح الكائنات البشرية من مولّد كوني واحد يضخ الذكاء في العقول ويشحن الأجسام بالطاقة الحية.


كل نقطة ماء تساهم في وجود المحيط. ومع أن حياة الفرد تبدو مجرد قطرة صغيرة في بحر الإنسانية، لكن تأثير تلك الحياة قد يكون بالغ الأهمية ولا يستهان به.


أمواج المحيطات الهائجة

ودوّامات المنظومات الشمسية

وتيارات القوى الكونية

والكواكب العائمة في الفضاء

كجبال الجليد وسط البحار

جميعها تتراقص على صدر الحركة الأبدية.

الأم المليئة بمشاعر الرقة والحنان هي رمز للعطف الإلهي.

الله يظهر رقته في الزهور.

أسس في ذاتك معبداً من الجمال والسلام حيث يمكنك العثور على الله في محراب روحك.

في كل علاقاتنا التوافقية، يجب أن نتذكر بأن حب الله يكمن خلف كل القلوب الطيبة النابضة بالمحبة والوئام.

* * *

تهجع الحياة في الأرض الخشنة، وتحلم بالجمال في الزهور، وتستيقظ بقوة في الحيوانات، وفي وعي الإنسان تدرك إمكانياتها غير المحدودة.

ما من ذرة من الشك يمكن أن تراود العقل حول وجود الله وقربه عندما يرى المريد أن الكون بأسره هو مظهر من مظاهر الإبداع الإلهي. كل شيء يبزغ من اللامنظور، فيمكث على هذه الأرض لفترة قصيرة ليعود يعدها إلى الحالة غير المنظورة بانتهاء حياته الأرضية.

في كل ذرة من هذا الكون المدهش يصنع الله على الدوام عجائب ومعجزات.

النصر سيكون دوماً للحق والفضيلة في نهاية المطاف مهما طال الزمن.

لا تسمح للمعاناة والخسارات بأن توهن قواك وتثبط عزيمتك. يوماً ما ستدخل مملكة الروح وستنعم بسعادة تعصى على الوصف وتفوق كل توقع. ومن خلال الآلام يجب أن نتعلم التعاطف مع الآخرين والشعور بشعورهم والعمل قدر المستطاع على مساعدتهم.

كل شيء في العالم المظهري يظهر الحركة والتبدل وعدم الثبات، أما طبيعة الله فهي الهدوء والطمأنينة والسكون.

الإخلاص العميق هو مطلب ضروري على الطريق الروحي، ففي نقاء القلب وصفاء النية يولد فجر الروح.

في بساتين الحياة أتنقل بحبور من شجرة إلى أخرى وسأحطّ يا رب في نهاية المطاف على يدك الممدودة لاستقبالي.

* * *

تطوير الذات:

يجب أن ينظم الإنسان حياته وأن يطالع أفضل الكتب التي أنتجتها العقول البشرية بدلاً من إضاعة وقته في قراءات عشوائية لا جدوى منها، وأن يعثر على العمل الذي يناسبه في الحياة ويسعى لأن ينجز عمله بكفاءة وفعالية.

كثيرون يبذلون جهوداً كبيرة في مجالات عديدة دون نجاح يذكر. لا يستطيع الراغب في تطوير ذاته استيعاب كل شيء حول أشياء عديدة، لكن بإمكانه أن يعرف قليلاً عن كل شيء، وأن يعرف كل شيء عن شيء واحد.

المعرفة بحر واسع والحكمة الروحية لا حد لها. ومع أن الأرض هي نقطة صغيرة في الكون فهي هائلة الحجم بالنسبة لنا.

وبالرغم من ذلك، ومن خلال التقدم البشري فإن عالمنا آخذ في الصغر نظراً لوسائل النقل و[الاتصالات] العصرية، وعما قريب سنشرع في التفكير بالسفر إلى كواكب أخرى!

يجب أن يحتفظ المرء بتوازنه. من يتجاهل الحياة المادية بالتركيز فقط على الجانب الروحي يعاقب بفقدان توازنه العقلي.

الواجبات المادية هي على جانب كبير من الأهمية، وهي ذات صلة بالواجبات الإجتماعية والوطنية والدولية. الواجب العقلي أسمى من الواجب المادي، ويجب إعطاء الأولوية للواجبين الروحي والخلقي. يجب ابتعاث العقل من العادات الصغيرة التي تجعل الإنسان مهتماً بالشؤون المادية أكثر مما ينبغي،

فجّر منابع عبقريتك وقواك الكامنة وابتسم ابتسامة الرضا الداخلي التي لا يمكن لأحد أن يسلبها منك.

هذا العالم مدفوع بقوتين اثنتين: قوة الخير وقوة الشر. من يتخذ الخير هاديا ومرشداً تطيب أيامه ويسعد بحياته، ومن يسمح للشر بتوجيه مساره والتحكم بنوازعه ستكون المعاناة والشقاء من نصيبه.

الكلمة المفتاحية بالنسبة لمعظم الناس هي "أنا"، أما ذوو الميول الروحية فيفكرون في الآخرين مثلما يفكرون بأنفسهم.

الذين لا يفكرون سوى بأنفسهم يجلبون لأنفسهم عداوة الآخرين وخصومتهم، أما الذين يفكرون بغيرهم ويشعرون بشعورهم فيجدون أن الآخرين أيضاً يميلون للتفكير بهم والتعاطف معهم.

إنها إهانة للنفس بأن يولد الإنسان ويعيش ويموت دون أن يعرف السبب من الإتيان به إلى هذا العالم كإنسان في المقام الأول.

إن نسيان الإنسان لخالقه يعني عدم إدراكه لغاية الوجود، في حين أن التفكير به والرغبة الصادقة في الإحساس بحضوره يجلبان مع مرور الأيام مكاسب روحية وبركات كثيرة.

إن الحصول على الممتلكات المادية والثراء ليس ضمانة ضد الكآبة والأحزان. سيأتي يوم يشعر فيه الإنسان بأنه عاجز لا حول له ولا قوة وبأنه ألعوبة في يد القدر، عندها سيدرك أن الله وحده هو سنده وحمايته وملاذه الآمن.


في كل مرة تحس بالدهشة لرؤية منظر رائع أو مخلوق عجيب، أغمض عينيك، توجّه إلى داخلك، وتأمل على مصدره الرباني.


الإنسان يبصر فقط المنتجات الكثيفة الخارجة من المصنع الإلهي المحتجب خلف الخليقة، ولو تسنى له الدخول إلى المصنع ذاته لرأى بأية كيفية مدهشة يبرز إلى الوجود كل شيء في هذا العالم.

* * *

تقدمتي لكَ

كل صباح أقدّم جسمي وعقلي وكل مقدرة أمتلكها لتستخدمها أيها المبدع اللانهائي بالكيفية التي تختارها، كي تعرب عن ذاتك من خلالي.

ترانيمي الصامتة لحنيني لك ستشدو على إيقاع خفقات قلبي.

إنني أدرك أنَّ كل الأعمال أعمالك وأنه ما من عمل شاق أو وضيع مادام يُقدَّم إليك بخدمة ودِّية.

بعبارات روحي اطلب التعرف على وجودك. إنك أصل وجوهر الكائنات. دعني أبصرك في كل ذرَّة من كياني وأحس بك في كل خلجة من أفكاري.

وجّه يا رب سواقي أفراحنا بحيث لا تفقد ذاتها في رمال اللذائذ الحسية القصيرة الأجل.

ليت الجداول الصغيرة لتعاطفنا لا تجف في صحاري الأنانية الموحشة.

ألا فلتمازج قنوات عواطفنا الوحيدة المنعزلة بحيرة حبك غير المحدودة.

ليت الأنهار الضيقة لحياتنا تتوسع بأمطار بركاتك الغزيرة فتعبر السهول الواسعة الفسيحة للتواضع وبذل الذات ومراعاة مشاعر الآخرين كي تدخل أخيرا بكل نقاء بحرك الأعظم.

الوعي الإلهي، بغبطته السماوية، هو الكيمياء السحرية التي تحوّل على الفور الرصاص الكثيف للحياة الدنيوية غير الممتعة إلى ذهب مشع من سعادة متجددة على الدوام.

عندما يبدأ طين الأفكار المضطربة بالاستقرار تبدأ قوة الله بالإنعكاس في مياه الوعي الصافية النقية.

* * *

خاطبني الصوت الأزلي بنغمة ناعمة خفيضة، قائلا:

"لقد همست في مسمعك طوال سبات الدهور: أن استيقظ! والآن ها قد هجرت نومك فأقول لك: يقــّظ إخوتك. اعمل معي علّ الجميع يسمع كلمتي."

فوعدت قائلا:

"سأبذل قصارى جهدي لبث دعوتك ونشر رسالتك، وعندما أغادر شكلي الأرضي سأقترض صوتك الكلي الحضور كي أهمس للقلوب المتناغمة:

اصغوا لأناشيده الإلهية ذات العزاء الروحي، فهو دائم النداء لكم.

سأنتظر كل إخوتي الذين لا حصر لهم؛ وإذ يسيرون ببطء في موكب مديدٍ مديد نحو الغاية المباركة لمعرفة الذات، ومن خلال (همسات من الأزل) سأهمس لهم:

تيقظوا يا إخوتي، ولنتبع صوته الذي ينادينا دون انقطاع، ولنعد معاً إلى البيت السماوي."

يجب أن نهمس إسم الله في قلوبنا على سبحة الشوق والحب الإلهي، وتلك هي العبادة الفعلية التي تلامس قلب الله.

التلفظ باسم الله بشعور بارد وفكر شارد هو تجديف على المقدسات واستهتار بها. عندما يصلي المرء يجب أن يمتلئ قلبه وعقله بحب الله.

* * *

الإعراض عن بهرج العالم ونبذ الأطماع الدنيوية ليست حالة سلبية بل إيجابية. فهي ليست تخلياً إلا عن التعاسة، ولا تنازلا إلا عن الشقاء.

يجب عدم التفكير بأن الزهد هو طريق تضحية. بل على العكس من ذلك هو استثمار مبارك بحيث أن الفلوس الزهيدة لتهذيبنا الذاتي ستدرّ علينا ملايين الدولارات الروحية. أليس من الحكمة أن نصرف النقود الذهبية لأيامنا العابرة كي نبتاع بها مملكة النعيم الأبدي؟!

يجب أن نغمر نفوسنا بذلك الشعور النقي العميق الذي يتحرك ويعتمل في داخلنا عندما ننظر إلى روائع خلق الله. وتلك هي الطريقة لمعرفة الله بمظهر الجمال.

إن الذي يعمل الأعمال الطيبة ولو من قبيل التقليد يحظى بفرصة استنشاق عبير الطيبة المنعش الجذاب مما يحفزه على عمل المزيد، أما الذي يعمد إلى اقتراف الأفعال الشريرة في محاكاة منه للآخرين فلا بد أن تعلق به روائح الشر الكريهة والمنفرة.

* * *

لا يوجد أحد له نفس شخصيتك. ولا يوجد أحد له نفس وجهك. ولا يوجد أحد له نفس روحك. فالله خلقك خلقاً فريداً ولا يشبهك أحد.

يجب أن يستخلص الشخص اللباب من المواد التي يقرؤها وأن يجني فائدة عملية من تلك المواد.

بالإمكان تصنيع منتج السلام في مصانع التجارب الحياتية لاستخدامه في الحياة اليومية.

السلام هو الترياق الشافي لكل الأسقام النفسية. والذين يتمتعون بضبط النفس، سواء في تناول الطعام أو السلوك أو العلاقات الزوجية، وبالصدق والأمانة والاقتصاد هم الذين ينعمون بالسلام الحقيقي.

يمكن العثور على السلام في التناغم مع قوانين الله ونواميس الكون. المحبون الذين يستمتعون بالهدوء ويبتهجون بعمل الخير وبالتفكير بالله والتأمل عليه هم أصحاب السلام.

إن الأم المليئة بالمشاعر النسائية الرقيقة هي رمز للرحمة الإلهية.

إن تفتح ورود السلام الإلهي والإنجازات الروحية الباطنية هي ثمرة طبيعية للتأمل اليومي وهي سعادة أعمق وأعم من كنوز الدنيا ونفائسها.

ما من شيء أعذب وألذ من الحضور الإلهي. وعندما تدرك هذه الحقيقة ستصبح أسعد السعداء وأثرى الأثرياء. الثروة المادية يمكن استعمالها هنا على هذه الأرض فقط، ولا يمكن الاستفادة منها في العالم الآخر. ولكن ذهب النعيم الإلهي المستخرج من مناجم التأمل هو معدن مبارك ودائم التجدد، وهو صالح للدارين ولا يفنى أبد الدهر.

* * *

في يقظة الروح تصبح الألوان أكثر إشراقاً والصوت أعذب وقعاً والإحساس أكثر رهافة وتشعر النفس بامتدادها في الفضاء ويصبح الفكر على دراية بالاهتزازات الصادرة عن الآخرين وتزداد القدرة على التمتع بالحياة.

* * *

الناس يتذمرون من فكرة التخلي عن أمور معينة في الحياة مع أنهم في الواقع يتخلون عن أشياء كثيرة ذات قيمة ليس أقلها طمأنينة النفس، بل ويضحّون أحياناً بأنفسهم من أجل المال الذي هو عرضة للتلف والزوال. الثروة قد تؤخذ من الإنسان أو يؤخذ منها بمفارقة العالم ولا يستطيع أن يأخذها معه. القيمة الوحيدة للمال تكمن في صرفه في الأعمال النافعة وفي إسعاد النفس والآخرين بما يرضي الله والضمير.

العالم يضج ويعج بالعواصف الطبيعية والبشرية، والله هو الدرع الحصين والملاذ الآمن من عواصف هذا العالم وأعاصيره وشروره.

فحيثما وُجد الله لا وجود للخوف أو الأحزان. والمؤمن الحق يقف راسخاً وشامخاً في معركة الحياة ومصطرع الأحداث، موقناً بأن الله معه يرد عنه الأذى ولا يتخلى عنه لحظة واحدة، فينعدم الخوف من قلبه ويحل اليقين بحماية لا تُقحم.

* * *

إن أردت استجابته:

سواء استجاب أو لم يستجب.

تابع نداءاتك له ..

تابع نداءاتك في محراب الابتهالات المتَّصلة.

سواء أتى أو لم يأتِ،

ثِقْ أنَّه يقترب منك أكثر فأكثر

مع كلِّ لهفة من حنين قلبك.

سواء لبَّى طلبك أو لم يفعل،

تابع تودُّدك إليه

حتَّى وإنْ لم يستجب

بالكيفيَّة التي تتوقعها،

ثِقْ أنَّه سيستجيب بصورة خفية.

وفي ظلمة أعمق ابتهالاتك

وفي خضمِّ رقصة الحياة والموت والألم.

إذا تابعت نداءاتك له

دون أنْ يحزنك صمته ..

سوف تحصل على استجابته.

* * *

فلنعمل من أجل بناء عالم مُتَّحد، فيه تكون كلُّ أمة عضواً نافعاً، يوجِّهها الله من خلال ضمير الإنسان اليقظ.

في قلوبنا كلنا نستطيع أن نتدرب على التَّحرُّر من الأثرة والبغضاء.

فلنضرع التماساً للتآلف بين كل الدول علَّها تسير يداً بيد عبر أبواب حضارة جديدة سامية.

الكلمات الصادقة المخلصة العذبة هي رحيق سلسبيل للأنفس الظامئة. هذه الكلمات مطلوبة ومرغوبة في كل مكان وزمان.

أما الكلمات أو الألفاظ النابية القاسية والفظة الجارحة فهي قتّالة لنفوس الغير ومدمّرة لسلامهم الباطني. إنها مِعول هدّام في بناء الصداقة وهي نيران مُحرقة للبيوت الآمنة المطمئنة.

يجب أن يُبعد الإنسان الكلام الخشن عن شفتيه للأبد وأن يجعل منزل حياته آمناً من المتاعب والفراق المباغت.

الكلام الطيّب يخلق السعادة في قلوب الأصدقاء والأعداء والمجتمعات وأماكن العبادة والمكاتب وأماكن العمل وفي كل مكان ومجال. الناس يشعرون بفرح داخلي عندما يغادرهم شخص معقّد عبوس ويبتهجون لرؤية صديق مخلص عذب اللسان طيب القلب ودمث الطباع.

عندما تبذل المجهود لتحصيل ما تحتاجه وتقنع بما ييسره الله لك تكون أغنى نفساً وأكثر رضاءً من المتهالكين على الدنيا.. الطامعين في حطامها.

إن الله يعمل على تطوير فن العيش الصحيح بإظهار حقيقته عبر مزيج من الحضارات والعقليات والقوميات المختلفة.

ما من أمة كاملة بذاتها، وإن مزيجاً من أفضل ما تتميز به كل القوميات سيزودنا بأفضل المعلومات عن فن العيش المتزن والحياة الناجحة. ومن الجدير بالملاحظة أن جميع العظماء بلغوا ذروة الإنجاز الحضاري وجسّدوا أعلى المثل والمبادئ الإنسانية في حياتهم.

إن معبد الله موجود داخل النفس. أدخل إلى سكينة ذلك المعبد واجلس متأملاً حيث يتألق نور البصيرة على مذبح الروح. ادخل ذلك المعبد الذي لم تـُشده يد إنسان والذي لا يوجد فيه قلق أو خوف.

تعالَ إلى سلام الخلوة الروحية وستسمع صوت الله متحدثاً إليك بلغة السكون وستدرك أن غير المنظور أصبح منظوراً وأن الذي يبدو غير حقيقي قد أصبح حقيقياً.

الإتزان جميل ويجب أن يكون الأساس لمشاعرنا وأفكارنا وأفعالنا، والمرتكز الذي يدور عليه محور حياتنا.

كبار النفوس يحافظون على هدوئهم وسلامهم مما يساعدهم على اجتياز محن وامتحانات الحياة دون أن يفقدوا صوابهم أو توازنهم.

الله حاضر في كل مكان، يدير العوالم ويسيّر المجرات في الأفلاك اللامتناهية. والإنسان المخلوق على صورته يمتلك أيضاً القدرة على تسيير حياته وتنسيق فعالياته دون قلق أو اضطراب.

يجب أن نبعث دوماً للآخرين بأفكار المحبة ونوايا الخير والسلام.

في هيكل التأمل، حيث نور البصيرة دائم الإشعاع على مذبح الروح، لا يوجد قلق ولا إجهاد ولا توتر ولا عصبية، بل هدوء وسكينة وثقة بالنفس وسعادة حقيقية.

ساعدنا يا رب كي نقهر شياطين الأنانية التي تخلق القطيعة والشقاق بين الناس وتحول دون التقاء النفوس على حب الخير والوئام.

كل الأعمال الحسنة مقبولة لدى الله ما دمتم تنجزونها بوعي روحي. الأعمال المادية هي الأعمال المدفوعة باعتبارات أنانية بحت. يجب هدم الحاجز الفاصل بين العمل المادي والعمل الروحي. فكل الأعمال المُنجزة بدوافع سليمة هي أعمال نظيفة وتساعد على تنقية النفس من الشوائب والأوضار.

انتق ِ صحبك بحرص وعناية. كن أنيساً مخلصاً معهم ولكن احتفظ دوما ببعض المسافة وليكن الإحترام المتبادل صلة الوصل بينك وبينهم، ولا تتخط حدود اللياقة معهم.

من السهل مصاحبة الآخرين، ولكن إن رغبت في المحافظة على مودتهم واحترامهم لك فعليك العمل بهذه النصيحة.

* * *

عن طريق الصلاة والتأمل والإيمان يحصل الشخص على بعض الهداية الروحية، ولا يمكن لأحد أن يحيا براحة وطمأنينة دون ذلك الإنسجام الداخلي. ولكن للحصول على الهداية مباشرة من الله، بدلاً من التسويغات الصادرة عن الرغبات والنزوات أو العادات، فتلك مسألة يلزمها معرفة حدسية وإدراك عميق.

اعلم أن كل ما تسعى للحصول عليه، وأكثر منه بكثير، ينتظرك في الله.

قال المعلم برمهنسا للتلاميذ في إحدى الأمسيات:

"التملك لا يعني شيئا بالنسبة لي، لكن الصداقة عزيزة جداً. في الإخاء الحقيقي يبصر الإنسان ومضة حقيقية من صديق الأصدقاء: الله"

ثم أضاف: "إياكم أن تخدعوا صديقاً أو تخونوا إنساناً، لأن ذلك من أكبر الخطايا في عرف قانون العدل الإلهي."

* * *

امتلكْ قدراً أكبر من القوة النفسية. قم بتنمية تلك القوة بحيث مهما حدث يمكنك أن تصمد صمود الشجعان في معركة الحياة وأن تواجه كل التحديات.

إن كنت تحب الله فيجب أن تمتلك الإيمان وأن تكون على استعداد للتحمل والاستمرار عندما تأتي البلايا وتحل المصائب والمحن.

لا تجزع ولا ترهب الألم، بل اعمل على الإحتفاط بفكرك إيجابياً وقوياً.

عندما تتذوق جرعة النشوة الروحية الفعلية ستجد أنه ما من اختبار آخر يمكن مقارنته بها.

يجب أن يجتهد الآباء والأمهات دوماً لترسيخ الوعي الروحي في أولادهم بتلقينهم التأمل والتمييز الواعي لئلا يستسلموا لإغراء اللعب بنيران المسرات المخادعة الزائفة.

عندما يحل الفرح المقدس يصبح تنفسي هادئاً وأرتفع بالروح فأشعر بغبطة ألف نوم مرة واحدة، ومع ذلك لا أفقد شعوري العادي. هذه التجربة الكونية هي من نصيب المتعمقين في بلوغ الحالة السامية للوعي.

* * *

عين القلب:

كل إنسان يبرهن بدرجة متفاوتة عن قوة إدراك عين القلب أو البصيرة. إنها تبزغ من أفق السكينة والهدوء وتمنح معرفة دقيقة وموثوقة عن الأشياء والأشخاص دون الحاجة إلى قرائن استدلالية أو براهين حسية، وهذا نعرفه من تجاربنا الذاتية.

البصيرة الحقيقية تأتي كشعور هادئ وصادق، يختلف عن الهواجس العاطفية والظنون المقلقة. هذه البصيرة تأتي كصوت داخلي أو همس وجداني، ومن المهم التمييز بين التوجيه الداخلي أو الأصوات المضللة للعقل الباطن.

البصيرة الصادقة (الحدس) ليست اعتقاداً متزمتاً بل فهم مباشر للحقيقة.. والتفكير الخلاق هو أفضل ترياق للطباع غير السوية.

تتسلط الطباع على الوعي عندما يكون الشخص في حالة نفسية سلبية أو منفعلة. عندما يصبح العقل فارغاً من الأفكار الإيجابية يصبح صاحبه مكتئباً وتتألب عليه الهموم. ومع الاكتئاب والهم يحل الشيطان ضيفاً على أفكار ذلك الشخص ويبسط سيطرته التامة على المضيف!

لذلك اعمل أيها الصديق على تنمية الأفكار الخلاقة. وعندما لا تكون منهمكاً بعمل يدوي افعل شيئاً خلاقاً في فكرك. احتفظ به منشغلا بحيث لا يتبقى متسع من الوقت للانغماس في التوتر والقلق.

الصداقات لا تشبع نفوسنا ما لم تكن راسخة في الحب المشترك لله. إن تشوّقنا للفهم الودي من الآخرين هو بالحقيقة حنين النفس للإتحاد بمصدرها: الله.

وكلما حاولنا إرواء ذلك الحنين عن طريق الأشياء الخارجية كلما قلـّت احتمالية عثورنا على الرفيق الأعلى.

إن كنت تملك عقلاً قوياً وغرست فيه تصميماً راسخاً تستطيع أن تتحكم بمصيرك. حاول أن تجرّب قوتك النفسية في أمور صغيرة أولاً، واعمل على تعزيزها لتنجز لك أشياء كبيرة وكثيرة. لقد جربت هذا في حياتي وأتكلم عن قناعة.

.

الطريقة الوحيدة لتلافي الأفعال الخاطئةهي بتنمية الحكمة السديدة لتمييز الخطأ والتصميم على عدم فعله.

إن خطأ يحارب خطأ آخر لا ينتج صوابا. الجهل هو عدو الإنسان الفعلي وينبغي إبعاده عن هذا العالم.

لدينا كل ما نحتاجه في هذا العالم كي نأتي بعصر الرخاء والسعادة والعدالة المثالية. العقبة الوحيدة هي أنانية الإنسان التي تجعل ذلك مستحيلا. إن آلاماً فظيعة لا مبرر لها تسببها أثرة الإنسان وحبه لمنافعه الذاتية دون أي اعتبار للآخرين.

* * *

من الأرشيف: غلة الكراهية

"ناسي" و "ذاكر" كانا يكرهان بعضهما، وقد بدأ الشجار بينهما عندما كانا تلميذين صغيرين في المدرسة، وعندما كبرا كبر معهما العداء وأصبحا خصمين متنافسين في مجال بيع الأحذية.

وذات مرة تنافسا على طلب يد فتاة، وإذ كان ناسي أقوى قليلاً من ذاكر فقد أوسعه ضرباً وتركه مغمى عليه. وعندما استعاد ذاكر وعيه كان يتملكه شعور بالعار والأسف والإشمئزاز جراء ما حدث له.

بعد ذلك بسنوات، قرر ذاكر الإنتقال إلى إحدى المدن للعمل والإقامة.

كان ناسي قد نسي ما حدث، لكن ذاكر لم يستطع أن يمسح من ذاكرته ما ألحقه به ناسي من إهانة وإحراج، ومع ذلك فقد كان يردد ويؤكد بينه وبين نفسه "سأسامح ناسي ولن أتذكر إساءته لي."

لكن بعد عدة أشهر أدرك ذاكر أنه خلال تأكيدات الصفح اليومية كان في قرارة نفسه يتمنى الأخذ بثأره، وكان يتحين الفرص لتسديد ضربة مماثلة يشفي بها غليله.

بعد فترة شعر ناسي بقوة جذب غريبة تشده إلى المدينة التي انتقل إليها خصمه القديم ذاكر، ولم تراوده الشكوك أنه كان على موعد مع حدث ما. أما ذاكر فكان قد عرف بوجود ناسي في المدينة فراح يترصد حركاته بدقة متناهية.

في إحدى الأمسيات ذهب ناسي للتنزه و (شم الهوا)، مع أن الطقس كان مكفهراً ممطراً

وبينما كان يسير بمفرده على طريق منعزل، مر من أمام مستودع غير مسقوف، في حين كان ذاكر يتعقبه بخلسة وحذر، وإذ سنحت الفرصة له قرر أن يستوفي الحساب مع فائدة مركّبة.

ولفرط سروره وجد أن قرميدة صلبة كانت قد سقطت من أحد جدران المخزن فأمسك بها وضرب رأس غريمه السابق بقوة فرماه أرضاً وقصف راجعاً من حيث أتى دون أن يعلم ناسي بوجوده.

بعد ساعات، توقف انهمار المطر وانقشعت الغيوم وبان شعاع القمر من خلال فتحة في أعلى الجدار، واستيقظ ناسي ليجد نفسه ملقى على الأرض وقد اعتراه وهن شديد.

حاول أن يعرف ما حدث، وإذ رأى قرميدة بجانبه وفتحة في الجدار أعلاه، استنتج أنه أثناء سيره بمحاذاة المستودع شاء حظه العاثر أن تسقط تلك القرميدة من أعلى الجدار وتهوي على رأسه.

المغزى من هذه القصة هو أن الإنسان يميل إلى نسيان ما ارتكبه بحق الآخرين، مع أن نتائج الأفعال لا تعرف النسيان، وتبعات تلك الأفعال تتعقبه بصمت في ظلام الجهل. ومثلما تستطيع البقرة أن تعثر على عجلها من بين آلاف العجول الأخرى، هكذا لنتائج أعمالنا القدرة على تتبعنا بإصرار وتحديد أماكننا ولو بعد حين.

لو امتلك ناسي الحكمة وحاول تسوية الخلاف بينه وبين غريمه ذاكر والاعتذار منه بعد تلك الحادثة فلربما كان قد خفف من غيظ خصمه ولما كانت الأمور قد مضت إلى أبعد من ذلك.

لكن الأمور ظلت على حالها فنمت وترعرعت بذور التبعات المقيتة في رحم المستقبل المظلم وحدثت فيما بعد الولادة المشؤومة. وتفادياً للمفاجآت غير السارة، يجب حرق بذور النزعات الشريرة الكامنة في تربة العقل، والتبصر قبل الفعل، لأن القانون الكوني يقضي بجني ثمار الأعمال، خيّرة كانت أم شريرة .. حلوة أم مريرة.

ولنتذكر أن كل عمل يترك آثاراً يتم اختزانها على هيئة ميول ونزعات في العقل. وما لم يتم التعامل بحكمة وروية معها فستفضي إلى نتائج ربما كانت خطيرة، لكن عند حرق بذور الأفعال الشريرة بنار الحكمة فلن تقدر على النمو بعد ذلك