من حصاد الأيام ٩

أقوال ومأثورات وقصص

إعداد ووضع وترجمة

محمود عباس مسعود

بين ناسك وإيكهارت

ذات مرة ابتدر ناسكٌ المايستر إيكهارت (من القرن الرابع عشر الميلادي) بالقول:

صباح الخير.

فرد إيكهارت: وصباحك كذلك، ولعلمك فإنني لم أختبر صباح نحس في حياتي.

الناسك:- وكيف ذلك يا أخي؟

إيكهارت: لأن كل ما أرسله لي الله قبلته بكل امتنان ومسرة إكراماً له، ولذلك لم تطغَ عليّ الهموم ولم تقهرني الأحزان في حياتي.

الناسك: ومتى عثرت على الله؟

إيكهارت: عندما وضعت ثقتي به بدلاً من مخلوقاته.

الناسك: وأين يسكن الله الذي عثرت عليه يا أخي؟

إيكهارت: في قلبي الصافي وضميري النقي.

الناسك: من أنت يا أخي؟

إيكهارت: أنا مَلك.

الناسك: ملكٌ على من؟

إيكهارت: على جسدي: فما تريده روحي من الله يتقبله جسدي طواعية.

الناسك: ولكن للملوك ممالك، فأين هي مملكتك؟

إيكهارت: في ذاتي.

الناسك: وكيف ذلك؟

إيكهارت: عندما أقفل أبواب حواسي الخمس، وأشتهي الله بشوق عظيم أجده في روحي مثلما هو موجود في الأبدية واللانهاية، فيغمرني فرح لا يوصف.

الناسك: وكيف توصلت إلى هذه الحالة الروحية يا أخي:

إيكهارت: بالتأمل والتفكير السامي والإحساس القوي بالحضور الإلهي، إذ لا يرضيني شيء في الحياة ما لم أشعر بقربي من الله. لقد عثرت عليه وإنني سعيد إلى أقصى حد وراضٍ به كل الرضى، وهذا أعظم من كل ممالك الأرض.

Meister Echhart

Self-Realization Magazine

-----

أنعش حياتي بأنسامك المؤرّجة

ودعني أراك في مظاهرك اللامتناهية.

ابتعث كياني من بين أكداس الظلام ورماد الأوهام

وانعش حياتي بأنفاس حبك المُحْيية.

ألهمني السير على دروب الصدق المضيئة المستقيمة

واجعلني وسيلة متواضعة لنشر الخير والسلام في أرضك.

حياتي وقدراتي هي هبة ثمينة من يدك الكريمة

فلأكرسها لخدمتك في الآخرين.

دعني أدرك أن الدوافع النظيفة تستقطب النقاء

وأن الإرادة الناشطة في عمل الخير تتصل بمصدره

وأن الأفكار المشرقة هي ومضات من نور العقل الكلي.

Meditations-Inner Culture

-----

لا أقدم حوافز للقراء

كي يهربوا من أنفسهم

بل كي يعثروا عليها.

وللعثور على ذاتي الجوهرية

في أعمق أعماقي

فقد صاحبت كل من بحث عن ذاته

حياً كان أو ميتاً.

لا تقلقني الحدود الفاصلة

بين الشعوب والأمم

ولا تفصلني مئات السنين

عما سبقني من رواد.

إذ بالنسبة للنفوس المجردة

لا يوجد شرق ولا غرب

بل عالم واحد هو للجميع.

Romain Rolland

-----

ما أكرم الرب وما أعظم هباته!

فهو يمنحني عينين لأبصر بهما

الجمال الذي خلقه من أجلنا..

ويمنحني أذنين كي أصغي

للأنغام المنبعثة من كوكبه الأرضي

ولألحان أخرى أكثر عذوبة

تبدو بعيدة لكنها أكثر قرباً..

ويهبني رئتين وشفتين ولسانا

كي أسبّح بحمده وأشيد بروائعه.

* * *

السماء تكاد لا تحتويني

ولا الأرض تتسع لي

إذ أتجول مترنماً ببهجة المغبوط

حيث لا دروب ولا شعاب

فالدروب مسارات مطروقة

مرّت من فوقها أقدام البشر مرّات كثيرة.

لا حاجة لنا لأن نبتعد عن قلوبنا

كي نعثر على الله

فهو هنا وهناك

ونعيمه في كل مكان

والمتحررون هم من عرفوا أنفسهم.

مالكوم شلوس

-----

سأعبّئك بهمس الأعماق والخيال الخلاق

سأحيلك خزاناً يطفح بماء الأنس

ويطفئ في بيداء الوحشة حرقة الظمأ

سأعزفك نغماً يملأ حجرات القلب

سأصوغك ومضة تبدد هواجس اليأس

أو سُلماً يفضي إلى مشارف الدهشة

سأرسمك افترارة لا يطمسها عبوس

وأجسّدك شوقاً بألف جناح

يخترق أثير الروح

ليعانق الفجر الصبوح.

-----

عندما يكتنفني الظلام

امنحني إيماناً لأرى نورك

وعندما تغلفني الهموم

هب لي القدرة على استشعار حضورك

ودعني أثق بحكمتك وألمس يدك الرحيمة

عندما تستخدم سكة محراث التجارب

لتشق بها أثلام قلبي

وتنثر فيها بذور الفهم السديد والوعي الرشيد.

Lucia Dunbar

3-22

-----

أنت الواحد الأوحد

وأنت روح الأرواح

أنت ساكن الأعماق

أنت الأول الذي لا بداية له

وأنت الأقدم والأعرق

والأبهى والأسطع.

أنت النقاء والاغتباط

وجوهر الكمال المطلق

أنت الخلود المقيم

وأنت ديمومة النعيم.

لا كينونة إلا بك

ولا وجود إلا لك

أنت المصدر والمقصد

وملهم الكلام الصادق والمسلك النبيل.

أنت الحق بالذات

والملجأ الآمن

للباحث عن الأمان

وكل من يترسم طريق الحق والفضيلة

يصل إليك ويبصر أنوارك الإلهية.

Srimad Bhagavatam

-----

عندما جلست للتأمل

في بستان الحبيب

وصوبت بوصلة وجدي ووجداني نحوه

اخترق سهم عشقه قلبي

فتدفق منه رحيق الشوق

ودوّت في أرجائه أهازيج الفرح

وأنارت حجراته مشاعل اليقين

فحلت السكينة على روحي

وشربت حتى الارتواء

من ينبوع الوصال

وأدركت أن الحبيب معي

وأنني مع الحبيب.

Devotions

-----

هل هناك شيء حيوي وجوهري تم إنجازه دون جهد ومثابرة؟

المزارعون يحرثون ويزرعون، ويواصلون الحرث والغرس.

وعمال المناجم يحفرون ويواصلون الحفر منقبين أعمق فأعمق.

والموسيقيون يمارسون العزف ولا يكفون عن الممارسة.

والعلماء يدرسون ويواصلون الدراسة والبحث.

وإن أردنا أن نعرف قوة وفاعلية الدعاء وقدرته على تنقية الحياة الداخلية وتحصينها وإثرائها فلا بد أيضاً من المثابرة والاستمرار.

C.R. Brown

-----

الرؤية الصحيحة للأمور قد لا تسر الخاطر دوماً، بل قد تعكر المزاج إلى حين، ولكن سواء أبهجت الخاطر أم عكرت المزاج، لا غنى ولا بديل عن امتلاك الرؤية الصحيحة.

غالباً ما نميل إلى التفكير بأننا نرى ما نريد رؤيته، في حين قد لا يكون ما نريده هو ذلك الشيء الذي نراه.

وقد يكون ما نريده على مقربة منا وفي متناولنا، لكننا لا نملك القدرة على تمييزه.

ولذلك تمس الحاجة إلى الرؤية الصحيحة

Anonymous

-----

المعدة تشبه العبد الذي يُرغم على قبول كل ما يُعطى له، لكنها تنتقم لسوء المعاملة انتقام العبد من المسيئين إليه.

Émile Souvestr

-----

التأمل على أشعة القمر

امزج عقلك بأشعة القمر في الليل، اغسل أحزانك بحباله الفضِّيَّة.

اشعر بالنور الغامض منتشراً بسكون فوق جسمك، فوق الأشجار والأصقاع المترامية.

قف في الهواء الطلق واشخص بعينين هادئتين إلى ما وراء حدود المناظر المرئية في ضوء القمر.. إلى الأفق اللامتناهي الموشّى بالنيّرات.

وبضربات أجنحة التأمُّل، دع عقلك يحلِّق بعيداً.. إلى ما وراء المرئيات.. إلى ما وراء الأفق البعيد.

دع تأمُّلك يقطع حدود العالم المنظور إلى دنيا الخيال.

أطلق عقلك من الأشياء المغمورة بنور القمر.. إلى النجوم الضئيلة المتوغِّلة في أقاصي الفضاء، النابضة كلها بالحياة.

ارقب أشعة القمر تنتشر لا على جانب واحد من الأرض وحسب، بل في كل مكان، في الأقطار اللامتناهية لعقلك الرحب الفسيح.

تأمَّل حتى يندفع فكرك بسرعة فائقة على أشعة سكينتك، إلى الأقطار العليا وتبصر - عن يقين - الكون نوراً ساطعاً.

Meditatiing on the Moonbeams

للحكيم برمهنسا يوغانندا

-----

يا من خلقت الموجودات

وأوجدت المخلوقات

ورفعت خيمة السماء

وألبستَ النهار عباءة الليل

ووهبتنا نعمة النوم

التي تجدد قوانا وتنعش حواسنا

لاستقبال يوم جديد

بهمة ونشاط واستبشار

أرح قلوبنا وبدد همومنا

وانشر نورك علينا ومن حولنا

بحيث عندما تشتد العتمة

لا نتوجس خيفة ولا نتعثر

لأن كل ظلام يتلاشى

من أمام نور وجهك الوضاء.

ألا استيقظي أيتها الإرادة الطيبة

وتنبه أيها العقل وابدع جمالاً

ونامي نومة أبدية يا نوايا السوء

وحطمي أيتها النفس أصفاد الجهل

واحلم أيها القلب باللقاء الموعود.

Aurelius Ambrosius

-----

ينظر البعض إلى العلاقات البشرية على أنها قيود يتعين التخلص منها لبلوغ الحرية، في حين قد تكون درجات على سلم السعادة.

هذا يتوقف على تغيير نظرتنا إلى تلك العلاقات وموقفنا منها، وهذا التغيير هو داخلي في المقام الأول.

ما لم يتعرف الإنسان على طبيعته الحقيقة فلن يبزغ في داخله الدافع لمعرفة ذاته، ونتيجة لذلك يبدو كل شيء في الخارج مبعث قلق ومصدر إزعاج بالنسبة له.

الذين لا قدرة لهم على التحكم بأنفسهم لن يتمكنوا من التحكم بعلاقاتهم في العالم من حولهم. فهم متعلقون بفئة معينة من الناس وعلى غير وفاق مع مجموعة أو مجموعات أخرى، ولا يعرفون كيف يتأقلمون مع الظروف.

إنهم يلومون العالم على مشاكلهم دون التوجه إلى الداخل في محاولة للوقوف على الأسباب الحقيقية.

من يعثر على ركيزة ثابتة في داخله فلن يكون من الصعب عليه الاحتفاظ بعلاقات طيبة مع الآخرين.

ما يقلقنا بالدرجة الأولى ليست العلاقات الخارجية بل أفكارنا ونظرتنا.

من يؤسس مبدأ راسخاً في كيانه ويحاول مناغمة أفكاره وأحاسيسه مع ذلك المبدأ ستتحول علاقاته مع الآخرين إلى ينبوع من الراحة والبهجة.

L.R. Shukla

-----

الطريق يبدأ من القلب

لذلك من الأهمية بمكان

إزالة الغبار الذي حط وتراكم على مرآة القلب

بفعل زوابع الأنانية الجائرة والأهواء العاتية

التي تحجب الصفاء وتشوه النقاء.

ولسوف يتطاير ذلك الغبار الكثيف

عندما تهب نسائم الحب الإلهي

على صفحة القلب فتطهره وتخفف أعباءه

لينطلق كالفراشة نحو الشمعة السماوية

التي تضيء حجرات النفس

وتلتهم كل الشوائب والأوهام.

The Divine Candle

-----

بعيدٌ ولكنك لا تغيب

وألمحكَ في فضاء الخيال

وصوتكَ يشبهُ همسَ الوجيب

ولقياكَ باتَ قريبَ المنال

-----

ليتحول قلبي إلى بحر نقي من الشوق الإلهي

ولتتجمع أمطار حبك وتهطل كالغيث المدرار

على أرض روحي المتعطشة لأمطار نعمتك.

لتسطع شمس حضورك على حقول حياتي

فتدفئ تربتها وتستحث نمو البذور المتناومة تحت لحافها

ولتهبّ نسائم حبك على واحات سلامي

في صحاري الحياة الأرضية القاحلة.

ولتتفجر ينابيع الإلهام

من تربة حياتي المروية بمياهك المباركة

علها تتشبع بحضورك الأسنى

فتنبت أشهى ثمار الروح وأندى زهورها.

لتكن الكوكب الهادي في سماء حياتي

وعندها لن أضل سبيلي ما دمت أنت دليلي.

Invocations of the Heart

-----

قبل البداية ومن دون انتهاء

كرسوخ اليقين وسرمدية الفضاء

توجد قوة ربانية تصنع الخير وتعمل على نشره

ولا ديمومة إلا لنواميسها.

رسومها منقوشة على السُحب الرائعة

وزمردها مطبوع على ريش الطاووس

ومحطاتها الكواكب والنجوم

وخدامها البرق والريح والمطر.

موسيقى الأفلاك صوتها

والقبة الزرقاء سرادقها

وفي باطن الأرض

تخبئ ذهبها وياقوتها ولازوردها.

هذه المرئيات هي بعض أعمالها

وما خفي أروع وأبدع!

قانونها الكوني يقوم على الصلاح

وعلى الاستقامة والإنصاف

وفي نهاية المطاف

ليس لأحد القدرة على كسر إرادتها

أو تغيير أو تحوير قانونها.

قلب تلك القوة هو الحب

وغايتها الوئام والأمن والسلام.

السلام عليكم

From the Light of Asia

By Edwin Arnold

-----

بعض أقطاب اليوغا ينصحون بالنظر إلى المعدة كما لو كانت مقسّمة إلى أربعة أجزاء.

يمكن ملء جزئين بالطعام الصلب مثل الأرز أو الحبوب والخضروات، ويمكن ملء جزء بالسوائل مثل حساء (شوربة) العدس أو الحليب.

أما الجزء الرابع فيجب إبقاؤه دائماً فارغاً لمرور العصارات الهاضمة دون عائق ولتوفير مجال للانتقال الحر للهواء الحيوي في حال ممارسة تمارين التنفس مباشرة بعد تناول الطعام.

وبعبارة أخرى يجب مغادرة المائدة والمعدة غير مكتظة بالطعام،

ومن المستحسن تناول الطعام عند أوقات منتظمة وفي حالة نفسية رضية.

تقول بعض المراجع أن تناول الطعام بكميات قليلة في عدة وجبات أفضل من تناول كمية كبيرة من الطعام دفعة واحدة، لأن مقادير الطعام الصغيرة لا ترهق الجهاز الهضمي ولا تسحب كمية كبيرة من طاقة الدماغ للمساعدة في عملية الهضم، وربما هذا يفسر المثل المعروف (البطنة تذهب الفطنة).

Proper Eating

-----

"إن استطعت أن أضع لمسة من غروب وردي في حياة أي رجل أو امرأة، سأشعر بأنني قد عملت مع الله."

في هذه الكلمات يعرب الشاعر عن أمنية طيبة تتمثل في ملامسة خفيفة لطيفة لحياة شخص آخر.

يبدو أن الشاعر كان يعشق منظر الغروب ويتفاعل معه بكل جوارحه، وربما أحس بإشعاعات شافية تأتي إلى نفسه من تلك اللوحة الربانية الرائعة التي لو تأملها وتملاها الناس فلربما كانوا أكثر حباً لمبدعها واحتفاءً بالحياة وتقبلاً لبعضهم البعض.

الشاعر أدرك أن روعة الغروب التي تلهم أسمى المشاعر هي تحفة من الفن السماوي ترسمها ريشة مبدع إلهي، وهي هبة ثمينة لمحبي الجمال والباحثين عنه في الطبيعة وفي أفكار وأعمال البشر.

وهكذا تمنى أن يُدخل إلى حياة الناس ولو مجرد لمسة مما تركه ذلك المنظر الوردي في نفسه لعله بذلك يعمل مع الله.

Gilbert K. Chesterton

-----

باركني بفرحك وفرّحني ببركاتك.

واطلق طيور السلام لتحلق في سماء حياتي

وابعث نسائم حبك لتبرّد هجير أيامي.

الحياة قصيرة

وأبواب المجهول مشرّعة

فاغرس اليقين في كياني

وافتح عين روحي لأحس بقربك

وأواصل السير على دروبك.

ساعدني كي أقتطع

حجارة الشوق من مقلع قلبي

لأبني بها مزاراً متواضعاً

للتأمل عليك والتفكر بك.

Inner Certainty

-----

مع أن الجسم البشري وقتيٌّ زائل، غير أنه قادر على خدمة الهدف الأسمى للحياة، إذ بعد سلسلة طويلة من الارتقاء من الصور والأشكال الأقل تطوراً، تحصل الذات على تجسد في جسم بشري.

وقبل أن يسقط الجسم ضحية للموت، يجب أن يسعى ذوو الحصافة والذكاء إلى توظيفه على النحو الأمثل للاستفادة منه والحصول على الخير الأسمى عن طريقه.

هناك كائنات كثيرة مقيدة بالغرائز والحواس، أما الإنسان فيمتلك مدارك وملكات أسمى من الغرائز وأهدى من الحواس.

Bhagavata

-----

نسألك يا رب

أن تلهم النفوس حب الخير والنوايا الطيبة

وأن تغذي العقول بمغذيات الإلهام والسلام

وأن تبدد ظلمة الكراهية بمصابيح التفاهم والوئام

وأن تريح القلوب من الأعباء والأرزاء

وتغمرها ببرك وبركاتك

إنك سميع الدعاء مجيب

-----

هذا شاعر وجداني لا نعرف اسمه يتحفنا برائعته الخالدة (عندما أطلت.. أو ذات الوردة البيضاء) التي أترجمها هنا للقراء الأعزاء. ويا لها من مشاعر عميقة نابعة من نفس مؤمنة بالسماء ومتفائلة بمواصلة الحياة لمسيرتها الملحمية في محطات جديدة وسعيدة:

***

عندما أطلتْ من مخدعها السماوي

كانت عيناها أعمق من أعماق المياه الساجية

وكانت تحمل في يدها ثلاث زنابق

وفي ضفائرها سبع نجوم.

أما رداؤها فقد كان بسيطاً فضفاضاً

لا تزينه سوى وردة بيضاء كوسام استحقاق

لخدماتها المتواضعة. وقد كان شعرها الأصفر الطويل

مسدولاً على ظهرها يحاكي لون سنابل القمح الناضجة في موسم الحصاد.

وقفتْ على شرفة بيتها السماوي

وكانت عالية..عالية بحيث لو أنها نظرتْ إلى أسفل لما استطاعت رؤية الشمس.

البيت الذي أطلت منه يقبع في ركن قصي من أركان الفردوس

وراء الأثير الحي الذي يفصل الأرض عن السماء

فلا تقدر أفكار واهتزازات العالم الخشنة الكثيفة على النفاذ منه أو الوصول إليه.

وحولها اجتمع رفاق جدد تعرّفت عليهم في عالمها الجديد

فراحوا يتبادلون عبارات ودية صامتة تفهمها الأرواح الطيبة المحبة المتحابة،

وقد رقصت القلوب بفرح اللقاء الذي لا فراق بعده.

وكانت النفوس التي تحررت من الأرض وقيود الجسد

تتراءى أمام بصرها كاللهب الرقيق.

مع ذلك فقد أطلت من تلك الدائرة السحرية

وراحت تنظر بلهفة حيث لا نهاية لامتداد البصر

فرأت الزمن ينبض بقوة في شرايين العالم.

أمعنت تحديقاً في الفراغ المترامي

وتفوهت بكلمات تحاكي أنغام الكواكب وهمس النجوم في مساراتها وأفلاكها.

لقد توارت الشمس ومعها القمر خلف الأفق البعيد

لكنها واصلت حديثها الشبيه بأغاني الطيور

وراحت تقول:

يا ليته يأتي إلى هنا ليكون معي، ملء عيني ومسمعي.

لا بد أنه كان سيأتي لو لم أبتهل للسماء كي تبقيه حيث هو الآن.

وما عليّ سوى الإنتظار حتى يحين موعد اللقاء

عندئذ سأمسك بيده وآخذه إلى حيث أنهار المحبة

وشلالات السعادة دائمة الإنسياب والإنسكاب

فنتأمل عجائب الله ويعترينا الذهول لمرأى روائعه.

وسنقف معاً أمام ذلك الهيكل المقدس الذي لم تطأ تربته قدم،

حيث مصابيحه دائمة التألق فنرفع صلواتنا لله

ونبصر دعواتنا القديمة وقد تحققت ثم ذابت

كما تذوب حبات الغمام ويتلاشى الضباب من أمام وهج الشمس.

وسنجلس هناك تحت الشجرة السرية

التي تعشش في أغصانها طيور المحبة

وتهمس أوراقها الغضة أناشيد الحب السماوي.

وسأعلمه بنفسي الأغاني التي أشدو بها هنا في عالمي هذا،

فيرددها ويتوقف عند بعض مقاطعها ليتأمل كلماتها

ويبتهج فرحاً إذ يدرك معاني جديدة في عالمه الجديد.

وسنبحث معاً عن رياض الأبرار

حيث النفوس الطيبة تحيا مغتبطة بما أفاء الله عليها من نعيم.

أما إن أوجس خيفة وعقدت الدهشة لسانه،

فسأروي له حكايات حبنا الخالد الذي لم يقوَ الموت على ملاشاته

بل ما زال نابضاً في قلبينا، يغذي أرواحنا ويلهمنا أسمى المشاعر

التي هي الزاد الذي تقتات به نفوس المحبين

سواء على الأرض أم في فراديس الخلود.

-----

احذروا النشالين!

في بعض البلدان، عندما نذهب إلى محطة قطارات أو مركز تسوق كبير قد نشاهد أحياناً ملصقات ولافتات على الجدران عليها عبارة "احذروا النشالين "

وإن صادف وكنا نحمل بعض أشياء ثمينة نجد أننا نتلمس جيوبنا بين الحين والآخر لنتأكد من أن أشياءنا ما زالت بحوزتنا.

أما إن أغفلنا النصيحة ولم نلتزم الحيطة والحذر نجازف بفقدان ما نحمله قبل إتمام رحلتنا فنعود صفر اليدين، خاليي الوفاض.

عندما نسير في بعض شوارع مزدحمة ونحمل نقوداً أو متعلقات ثمينة ندرك أن هناك حاجة لتوخي الحذر.

هذا نفعله أثناء تنقلاتنا في هذا العالم المادي، لكن يبدو أننا ننسى أن هناك حاجة لمراعاة اليقظة والانتباه عندما نسير على دروب السلام الداخلي.

إننا مسافرون إلى غاية منشودة ووجهة مقصودة، ويتعين علينا أن نحرس ما لدينا من كنوز بذلنا الغالي والنفيس في تحصيلها.

يجب أن نكون على دراية واعية بممتلكاتنا المعنوية وأن نشعر بأننا نحمل في جيب القلب ساعة الوعي الثمينة المرصعة بجواهر الفهم والحكمة، وأنه يتوجب علينا حماية تلك الساعة من الأيدي الخفيفة العابثة.

وبين الفينة والأخرى يجب أن نضع أيدينا على قلوبنا لنطمئن بأن كنوزها ما زالت بخير، وبأن نشالي طمأنينة النفس وسارقي الروح الإيجابية ومعكري الأجواء الصافية ومثبطي المعنويات العالية لم يفلحوا في الوصول إلى تلك الخزانة المباركة ونهب محتوياتها التي لا تعوض.

Brabhas C. Ghosh

-----

قصة غابة الظل

عاش في كوخ متواضع تظلله شجرة سنديان كبيرة على مشارف القرية التي لم يكن فيها سوى بضع أشجار متناثرة في حقولها المترامية.

كان قليل الكلام يعشق الصمت ولا يفصح كثيراً حتى عن اسمه، فأطلق عليه سكان القرية لقب (الظل).

في كل خريف كان يجمع ما تيسر له من حَب البلوط الذي تجود به شجرته الأثيرة، فيأخذ منه ملء جيبه، يتجول في السهول الخالية من الأشجار، يغرس بلوطة هنا وأخرى هناك ولا يعود إلى كوخه إلا بعد أن يكون قد أودع غلة جيبه تحت الثرى، ثم يكرر نشاطه عوداً على بدء.

بعض سكان القرية كانوا يرونه ينقب هنا وهناك في التربة لكنهم لم يعرفوا ما كان يفعله.

على مدى سنين لم تفتر همته ولم تخبُ عزيمته، فواصل نشاطه لتحقيق فكرة كانت تعتمل في ذهنه.

أخيراً بدأت حبات البلوط تطل برؤوسها الغضة لتصافح النور وتنعم بقبلات أمها الشمس.

صديقنا (الظل) كان قد غرس الآلاف من تلك الحبات المباركة التي تحولت مع الأيام إلى أشجار كثيرة كوّنت غابة سنديان رائعة استقطبت إليها الطيور والرياح وأمطار الخير.

أدرك أهل القرية فيما بعد ما كان يفعله (الظل) الذي كان قد ارتحل بعد أن جسّد الغابة الخضراء التي سكنت أفكاره وقلبه قبل أن تظهر للعيان، والتي أطلق عليها سكان القرية فيما بعد اسم غابة الظل.


-----

بعض أقوال في الاسم والسمعة والصيت:

السمعة هي ما يعتقده الناس بنا وما يعرفه الله عنا.

والاسم هو أثمن جوهرة يمكن أن يمتلكها المرء وينبغي أن يعرف قيمتها ولا يفرط بها.

الحكماء هم أكثر رغبة في استحقاق الإسم النظيف بدلاً من امتلاكه، وبذلك يعيشون حياة طبيعية كريمة بحيث لا يخشون حتى من الموت.

السمعة الطيبة يمكن تشبيهها بنبتة غضة إنما بطيئة النمو. فهي لن تنمو بليلة واحدة مثل يقطينة النبي يونس، لكنها كاليقطينة يمكن أن تتلف بيوم واحد.

ما دامت السمعة قائمة على الأخلاق الفاضلة فلا خوف عليها من الضياع حتى ولو عمد البعض إلى تلطيخها وتشويهها ستحتفظ مع ذلك بمقوماتها الجوهرية الأصيلة.

الصيت دون مبادئ هو نحاس يطن وصنج يرن. فالإنسان قد يكون أفضل من صيته لكن ليس أفضل من مبادئه.

الصيت قد يكون أرحب من الفضاء في حين الخُلق هو الأساس ونقطة الإرتكاز. RE 4-22

موسوعة الإفكار

-----

سر النجاح

يحكى أن ملكاً أراد في يوم من الأيام أن ينعم على حاشيته وخدمه وحشمه، فأمر بافتتاح معرض كبير وطلب بأن توضع أشياء ثمينة من كل صنف ونوع في أرجائه.. نفائس تبهر وتبهج الأنظار وترقص لها القلوب.

ثم طلب من الحضور أن يضع كل واحد يده على الشيء الذي يريده وسيحصل عليه كهبة ملكية خاصة.

راح الناس يتنقلون بين المعروضات الفخمة والفاخرة ويختارون ما طاب لهم من تحف القصر النادرة.

في تلك الآونة جلس الملك في ركن من أركان المعرض وراح يراقب ما يحدث.

وبعد أن صرف الحاضرون بعض الوقت في المعاينة والاختيار، حصل كل منهم على ما قام بانتقائه حسبما وعد الملك.

من بين الحضور كانت هناك امرأة بدت مغفلة، تنقلت من ركن إلى آخر داخل المعرض، تحدق في الأشياء القيمة والغالية لكنها لم تختر أياً منها لنفسها.

وعندما وصلت إلى الركن الآخر من المعرض سألها الملك: "ما الذي اخترته؟"

فوضعت يدها على رأس الملك نفسه وأجابت: "لقد اخترتك أنت يا مولاي! والآن ألستَ لي بحسب وعدك؟"

دُهش الملك لتلك المفاجأة التي لم يضعها في الحسبان، وكان في نفس الوقت راضياً كل الرضى، فأجابها: "نعم – أنا لكِ. والآن ماذا تريدين؟"

فأجابت المرأة التي كانت قد ظهرت في البداية بمظهر الغباء:

"من كان الملك له، فكل ما يملكه الملك هو له أيضاً."

إنه سر النجاح الدائم!

فالنجاح سيتبع دوماً كل من يختار ملك الملوك، ولن يتحتم عليه أن يهرول وراء النجاح بل النجاح نفسه سيجري خلفه أينما ذهب وحيثما توجه.

Sri Bhola Nath


July, 2016

----

التعامل مع خيبات الأمل

إن خيبات الأمل غير الناجمة عن تصرفاتنا الخرقاء هي بمثابة تجارب واختبارات وإجراءات تصحيحية من لدن السماء.

التذمر من تلك الخيبات لا يصلح من الأمر شيئاً، بل هو في الواقع تذمر من خالقنا.

أما إن أبصرنا يد الله تعمل من خلال تلك الاختبارات والتجارب مع تسليم ضمني لإرادته، سنتمكن عندئذ من تحويل الخل إلى عسل واستقطاب قدر أكبر من الرحمة والحب الإلهي."

William Penn

-----

آثار على الرمال Footprints in the Sand

لم يتم التحقق من هوية صاحب هذه القصيدة بالرغم من أن عشرات الأشخاص ادعوا أنهم مؤلفوها:

.

رأى حلماً أنه يمشي مع الربِ على ضوء القمرْ

بمحاذاة الشط الذي يشهدُ مداً وجزرْ

وبصفحةِ الأفق ِ البعيدِ قد جالَ النظرْ

فرأى...

سِفرَ ماضيهِ وقد بانت بتفصيل الصورْ

جُلَّ ما استرعى انتباههْ من رؤىً كان أثرْ:

وقعُ أقدام ٍ لهُ ولمنْ سوّى البشرْ

فسَرَتْ في قلبهِ النشوة ُ وانزاحَ الكدرْ

وعلـَتْ وجههُ بسمة ْ وحلا ذاكَ السهرْ

وللحظة...

رأى شيئاً فتعجبْ

كادَ قلبُهْ ينفطرْ

قال رباهُ أفدني: أنت تعرف ما استترْ

أبصرُ حِقبة َ من عمري مليئة ْ بالوعرْ

لا أرى غير آثار ٍ لواحد.. ما الأمرْ؟

يا ترى هل كنتُ وحدي حينما دمعي انهمرْ؟

أين كنتَ عندما الحسراتُ كانت كالجمرْ؟

فأجابَ اللهُ: لا تجزعْ بل استسق ِ الخبر!

لم تكنْ وحدك قطعاً في عذابٍ أو سمرْ

إنما الآثارُ آثاري بساعات الخطرْ

فإلى صدري ضممتكْ وحملتكْ

لأوقيكَ البلايا

فاعتبرْ!

ترجمة محمود عباس مسعود

-----

ذات مرة ذهب شاب سليم النية، طيب القلب، ومحب للخير الى أحد رجال الله الصالحين وطلب منه كي يعلمه بعض أدعية تجد استحساناً وقبولًا عند الله.

فتأمله الولي ملياً ثم قال له:

"يا بني، يبدو لي أنك إنسان طيب وصادق. حافظ على نهجك النبيل واعلم ان الانسان الطيب هو بحد ذاته دعاء يسمعه الله ويستجيب له."

-----

أمنية الصباح

أتمنى...

حفنة من أصدقاء، يفهمونني

ويظلوا مع ذلك أصدقائي.

عملاً نافعاً أؤديه

يفتقر العالم إليه.

دخلاً متواضعاً من ذلك العمل

لا يرهق كاهل من يدفعه لي.

عقلاً لا يتهيّب السفر والترحال

حتى وإن كانت الدروب غير ممهدة.

قلباً متفهماً.

بصراً يعاين التلال الأبدية

والبحر المتموّج

وأشياء جميلة صنعتها يد الإنسان.

روحاً مرحة

وقدرة على الابتسام.

استراحة قصيرة

لا أقوم خلالها بأي عمل.

لحظاتٍ من السكينة

والتأمل الصامت

وإحساساً بحضور الله.

صبراً لأنتظر تحقيق هذه الأماني

وحكمة لأتعرف عليها

عندما تأتي إليّ.

W. R. Hunt

-----

وتمضي قافلة العالم

بأحمالها الباهظة

ومطباتها الحرجة

ومساراتها المتعرجة

وسط مخاطر مربكة

ورمال متحركة

وفجاج تتلاشى فيها الأصداء والحداء.

مسار القافلة ليس الوحيد

فهناك شعاب ومسالك

لا تفضي إلى مهالك..

وهناك واحات متوارية

فيها أمن وأمان

وروح وراحة

يقصدها ذوو التمييز

ممن يطيب لهم المضي قدماً

على دروب الوعي

حتى الشوط الأخير.

-----

"منعشٌ كجرعة من ينبوع بشفافية الكريستال لشخص محتضر" – المؤلف مجهول

لا بد أن صاحب هذا القول اختبر حالة نفسية وصفها بهذا التشبيه الرائع.

فالشخص المحتضر – طالت أعماركم – يشتهي جرعة ماء يبرّد بها عطشه كما لو أنها سترد إليه الروح.

الجرعة في هذا التشبيه قد لا تنحصر بالضرورة في شربة الماء.

والينبوع قد يكون كناية عن مصدر آخر للارتواء.

والاحتضار قد يرمز إلى شوق دفين وحرمان من حنين.

هناك نفوس تتحرق عطشاً لكلمة طيبة

وتشتهي نظرة مواساة صادقة

وتتوق لهزة يد تنقل حرارتها فيضاً من مودة عميقة

وعبارات تنم عن احترام وتقدير

وبسمة تشجيع توحي بأن الدنيا ما زالت بخير..

وكلها من منعشات الروح

كنهلة الظمآن في الصحراء

وضوع رياحين السماء.

-----

من أجلك وحدك

هدأ القلق

وارتحلتْ المخاوف

فلم تعد تقض مضجعي

لأنك معي!

لم يعد العالم باضطرابه ونشازه يستهويني

مذ قنعت بك حبيباً

يا من أنت حياتي وروحي.

لا يمكنني الابتعاد عنك

لأنني جزءٌ وأنت الكل!

لقد لجمتُ أهوائي الجامحة

وحجّمتُ إملاءات الأنا الصغيرة

وها أنا يا بهجة عمري

أسلّم لك أمري

وكلي شوق للذوبان بك

مرة وإلى الأبد.

Adelaide Brown

-----

الصداقة – صداقتنا – تشبه ظلال المساء الجميلة، التي تمتد وتنمو (تزداد طولاً) إلى أن يمضي العمر ويخبو نوره.

هذا التعريف هو للشاعر الهنغاري ميهالي فيتكوفيكز (1778-1829)

قد تكون هذه العبارة ضمن رسالة أرسلها إلى صديق دخل قلبه وترك في نفسه أثراً عميقاً وعذباً لا تمحوه الأيام.

ظلال المساء هي كناية عن خريف العمر، والأصدقاء الصادقون هم الذين يحافظون على الصداقة ويعززونها بمشاعر الصدق والوفاء، فتنمو شجرتها وتظل مزهرة مثمرة حتى نهاية العمر.

كنت قد ضمّنت كتابي (من وحي المهجر) موضوعاً بعنوان (ملحمة الصداقة) أقتطف منه هذه الفقرات:

بينما كان أحد الشيوخ مستلقياً على الحشائش الخضراء أمام بيته المطل على نهر الغانج، وكانت شمس حياته قد آذنت بالغروب، سأله أحد الشباب:

"يا شيخ، لو أعيدتْ عقارب الساعة إلى الوراء وأعطيتَ فسحة جديدة ومديدة من العمر فماذا كنت ستفعل؟"

أجاب الشيخ بشفتيه المرتعشتين:

"يا بني، لو حدث ذلك لكنت أود أن أصرف نصف عمري مع أصدقائي القدامى والنصف الآخر في بناء صداقات جديدة."

تلك هي عذوبة الصداقة التي تمد جذورها في تربة النفس وتبعث العزاء في القلب والروح حتى الرمق الأخير.

تنمو الصداقة في تربة المودة والفهم والتعاطف. ففي اللحظة التي تحس بها بنبض المودة النقية المتحررة من شوائب وعيوب الأنانية يحصل تفاهم متبادل بينك وبين صديقك على الفور فيصبح صديقك جزءاً لا يتجزأ من ذاتك وركناً من أركان حياتك. ويحصل تعاطف صادق ما بينكما فتتضاعف أفراحكما في حين تتضاءل الأحزان والمصائب لأنها تتجزأ بفعل تعاطف الأصدقاء، فيخف زخمها وتضعف حدتها.

-----

قال عاشق كمال الحق:

أيها الحق البهي الأبلج

يا من تحفظ الوجود بمن فيه

إن كمالك لمحتجب

خلف مظاهرك القدسية

وأسألك – أنا العاشق لكمالك الأسنى

أن ترفع الحجاب ما بيننا

علني أستنير بنورك

ويكتمل فرحي بك.

وتساءل عاشق النور الكوني واللحن السماوي:

أيها النور الكوني الذي لا حد لسطوعه!

كيف لنا أن نبصرك إن نحن أغمضنا أعيننا وأحجمنا عن النظر إليك.

أيها اللحن الإلهي الخالد!

هيهات أن نسمع أنغامك المذيبة وفي مسامعنا وقرٌ من الأصوات المادية الخشنة.

أيها النقاء الأصفى من زرقة السماء!

ساعدنا كي ننقي دوافعنا ونصفي نوايانا علنا نشعر بحضورك ونبصر إشعاعات نورك.

أيا ذا اليقظة الدائمة، يقـّظ نفوسنا النائمة!

ويا ذا المحبة اللامتناهية والقلب الكبير.. الكبير الذي لا يحتويه الوجود بكل أبعاده. إنك قريبٌ.. قريب من مريديك وشوقك لهم لا يقل عن شوقهم إليك ولهفتهم للتعرف عليك.

The Upanishads and Soul Whispers

-----

العناد بين القوة والضعف

تـُعرّف المراجع "العناد" بأنه المكابرة أو مخالفة الحق لإشباع نزوات أو ميول شخصية. وهناك تعريفات أخرى من بينها "اضطراب وظيفيّ عقليّ يتميّز بانحصاره في موضوعٍ واحد."

والعناد في تقديري هو أحد مظاهر التصميم أو تفعيل لقوة الإرادة في أحد اتجاهين:

إن كان العناد يقوم على منطق سديد، ويستند إلى أسباب أدبية ومبررات خلقية لا يختلف عليها ذوو العقول الراجحة والضمائر الحية فهو عزيمة مباركة مدعومة من قوة عظمى.. وهو إصرار على عمل الصواب يبعث على التقدير والإعجاب.

أما إن كان العناد مدفوعاً بأهواء جامحة وغرائز غير منضبطة واعتبارات أنانية فلا بد أن يفضي إلى نتائج غير سليمة وربما مدمرة على الصعيدين الشخصي والاجتماعي، وهو بالتالي ضرب من الضعف مهما نـُعت بخلاف ذلك وحظي بالتمجيد والزغاريد.

-----

قوة الكلمة

للكلمة المنطوقة أو المكتوبة قدرة عجيبة على التشجيع والإلهام والتواصل الطيب وتهدئة الخواطر وطمأنة القلوب، مثلما لها تأثير سلبي بالغ يتمثل في تأجيج المشاعر وتأليب النفوس وتمزيق الأواصر وإثارة الصراعات وإيقاظ نيران الحقد والكراهية التي تأتي على الأخضر واليابس.

نسأله تعالى أن يلهمنا الخواطر الطيبة وأن يساعدنا على إظهارها نطقاً وكتابة لعلنا بذلك نبث طاقات مضيئة حتى لا تبقى السلبيات المظلمة تصول وتجول دون ردع في ساحات الأفكار والقلوب.

الكلام الطيب ماء نقي

وثمر شهي

وعطاء سخي

وتآلف وجداني.

-----

نورك المجيد يسري

في مكونات هذا العالم

كما في طيات الأثير

وعوالم الروح.

فمن هذا النور المبارك

اقترضت النيّرات ضياءها

وتألقت كالجواهر في قبة السماء.

ولأن توارى نورك

خلف الحجب المنظورة والمستورة

لكنه دائم الإشعاع والسطوع

يبصره ذوو البصائر

من وراء ستارة المادة الكثيفة.

فتحية إلى النور السماوي

الذي تجتمع في قلبه المشع

كل أقباس الحب

والقوة

والحكمة

والأمل

والغبطة

والسلام.

Thy Glorious Light

-----

وطفقتُ أستجليك

في السدم البعيدةِ

في الموجِ

وفي الزهر الخضيلْ.

وسألتُ عنك الشهبَ

والأسرارَ

والصمتَ الطويل.

ورمقتُ طيفك

في انبثاق الفجر

والألق الجليل

ولمحتُ وجهك خلسة ً

متوامضاً عند الأصيل

وكأنهُ بدرُ الدياجي

لا يحيق بهِ أفول.

-----

أيها القلب الرباني الكبير!

لقد وهبتنا نعمة العقل والإرادة والضمير.

فلنستثمر تلك الهبات في عمل كل ما ينفعنا ويخدم غيرنا ويرضيك.

ولنعمل بهمة ونشاط لإنجاز أدوارنا التي أوكلتها إلينا في مسرحية الحياة.

لستَ بعيداً عنا، إذ لولا حضورك فينا لاستحال وجودنا ولانعدمت أمكانياتنا.

ما من شيء في الوجود إلا وله مكانه في كونك اللامتناهي، من أدق مكونات الذرة إلى أكبر الأجرام السماوية.

إن عينك ساهرة أبدا، تسمع الدعاء وتسارع لنجدة المتكلين على عونك الدائم الحضور

يا مصدر الحياة والنور

لقد كوّنتَ نفوسنا من جوهرك الفريد

ووضعت فيها عنصراً دائم الإشعاع

يزداد تألقاً كلما لاح له نورُ حضورك

في سماء القلب وأعماق الوجدان.

Ever Near

-----

قصة وفاء

كنت قد سمعت هذه القصة للمرة الأولى في إحدى المحاضرات عن (الوفاء) ثم قرأتها بصيغة مختلفة قليلاً، وها أنا ألخصها من الذاكرة.

.

إبان الحرب العالمية الأولى، وفي إحدى المعارك، كان الرصاص ينهمر كزخات المطر على المتقاتلين من الطرفين.

في تلك الأثناء صدر أمر لإحدى الفرق بالانسحاب ولم يتمكن الضباط والجنود من نقل رفاقهم من قتلى ومصابين بعيداً عن ساحة المعركة، وكان لأحد الجنود صديق حميم من بين المصابين.

عندما خيم الظلام وهدأ دوي المدافع وأزيز الرصاص طلب الجندي من الضابط المسؤول أن يسمح له بالعودة إلى أرض المعركة ليتفقد صديقه وربما يجلبه معه.

في البداية رفض الضابط طلب الجندي لأن ذلك من شأنه تعريض حياته للخطر فضلاً عن عدم احتمالية بقاء الجندي المصاب على قيد الحياة.

كرر الجندي طلبه وألحف في سؤاله مؤكداً للضابط بأن قلبه يخبره بأن صديقه لا يزال حياً.

أخيراً استجاب الضابط لطلبه فتوجه الجندي إلى مسرح العمليات وراح يبحث عن رفيقه إلى أن عثر عليه وهو لا يزال على قيد الحياة فحمله على ظهره وعاد به إلى فرقته ووضعه بجانبه في خندق صغير.

في الصباح توجه الضابط إلى خندق الجندي ورأى صديقه الذي كان قد فارق الحياة، فقال للجندي: "ألم أنصحك بعدم المجازفة بحياتك؟ فصديقك لم يكن حياً حسبما أخبرك حدسك."

فأجاب الجندي: "سيدي الضابط، لقد كان صديقي حياً عندما عثرت عليه، وعندما رآني قال لي: لم يراودني أدنى شك بأنك ستعود إلي.. ثم فارق الحياة بعد ذلك بقليل."

إنه الوفاء!

-----

مَنحَ اللهُ هباتٍ للعبادْ

تستحقُ الشكرَ من عمق الفؤادْ

فالحواسُ الخمسُ نورٌ إن هيَ

كُرّستْ للخير ِ ليسَ للفسادْ

وإذا ما استـُخدِمتْ في الابتزاز

والأذى والظلمِ أو للاضطهاد

تصبحُ ناراً وحمضاً حارقاً

وتقضّ المضجعَ يومَ المعادْ

-----

"تركت لي أيها الحبيب إرثين اثنين:

إرث الحب... [و] تخوم من الألم

باتساع البحر."

هذه الكلمات هي للشاعرة إيميلي ديكنسون (1830-1886) وقد حمّلتها من المعاني الكثير.

يبدو أنها كانت تناجي حبيباً مر في حياتها مرور الطيف وترك في نفسها أثراً عميقاً عبّرت عنه بإرث من الحب الذي هو أعز ما تطمح إليه النفوس الحساسة والمتشوقة أبداً لجرعات من العاطفة الصادقة الممزوجة بحنان مستدام هو روح الحياة وإكسيرها.

وبالإضافة إلى تركة الحب، أورثها حبيبها أيضاً قدراً غير يسير من الألم شبهته باتساع البحر.

لم تفصح الشاعرة عن سبب ألمها لأنها كانت تضن بالبوح الصريح بكل ما كان يعتمل في أعماقها ويستوطن قلبها، ولجأت بدلاً من ذلك إلى الرمز والتلميح للإعراب عن لواعجها الدفينة.

قد يعود ذلك الألم إلى فراق طويل أو دائم..

أو إلى مفاجآت لم تكن في الحسبان..

أو إلى استحالة تحقيق حلم ناغى لهفة العمر في شرخ الصبا

ثم تلاشى كضباب الصباح أو أصداء الوديان.

ووجدانيات إيميلي تذكرنا بهذا البيت الجميل من موشح "يا من يحن إليكِ فؤادي" غناء الرائعة فيروز :

كانت لنا في الغرام عهودٌ .. صارت حديث الرُبى و الشوادي

-----

عندما تشحن الأشواق كياني

ستشتد أجنحتي الروحية

وتنطلق إلى آفاق الحب الكوني الرحيبة.

في تلك الآفاق العالية

لن تحجب غيوم الكراهية شمس محبتي

ولن تقدر أمواج العالم الكثيفة

على بلوغ المستويات الشفافة العليا

حيث الخواطر النبيلة

والأفكار المتناغمة

والمدركات السامية.

ولن تقوى أعاصير الشهوات

ورياح التجارب العنيفة العاتية

على بلوغ ذلك الفلك الأثيري الأثير

الذي ينادي النفوس المشتاقة

للوصول إلى منابع الجمال

والابتراد في بحيرات المحبة السلام.

Ethereal Region

-----

إن بقيتْ في القاع

تنهشُ كالسباع

تبلبل الأفكار

تعتم الأنوار

تنحو إلى الضياع.

إن رُفعت لأعلى

والرفعُ لها أولى

تنتعش الأعصاب

وينجاب الحجاب

ويغدو العيشُ أحلى.

بها سمُ الأصلال

ورَبْقة الأغلال

وبلسم الترياق

والوصل والفراق

والقحط والغلال.

من وجّهَ مسارها

لن يكتوي بنارها

بل يحظى بانشراح

في الغدو والرواح

ويجلب التيار

ويجتني الثمار.

-----

لكل واحد قصة

بينما كان شاب في الرابعة والعشرين من عمره يجلس في القطار بجانب والده وينظر من النافذة، صاح بأعلى صوته:

"أنظر يا بابا، فالأشجار أصبحت خلفنا!"

ابتسم الأب لابنه، وكان يجلس بالقرب منهما رجل وزوجته ينظران إلى الشاب بإشفاق وقد فاجأهما تصرفه الصبياني.

ثم صاح الشاب ثانية:

"أنظر يا بابا فالغيوم تجري معنا!"

لم يتمكن الزوج وزوجته من الاحتفاظ بصمتهما فقالا للأب:

"لماذا لا تعرض ابنك على طبيب؟"

فابتسم الأب وأجابهما:

"لقد فعلت ذلك وإننا للتو عائدان من المستشفى. فابني كان ضريراً منذ ولادته ولم يسترد بصره إلاً اليوم."

كل واحد في هذا العالم له قصة ويجب ألا نحكم على الآخرين قبل معرفتهم، إذ قد تدهشنا الحقيقة.

”تأنَّ ولا تعجلْ بلومكَ صاحباً ... لعل له عذراً وأنت تلومُ"

Everyone Has a Story

-----

يا من تعرف خفايا الوجود

وأسرار الحياة والموت!

يا من تكمن في ذات الأكوان

وأعماق الإنسان.

لقد انبثقتْ عنك الخليقة

انبثاق الشعاع عن مصدر الإشعاع

فلا وجود لها إلا بك

ولا غاية لها إلا الرجوع إليك.

منذ الانطلاقة الأولى

دمغتَ نفوسنا بعلامتك المميزة

ووهبتا ملكة التمييز وحرية الاختيار.

فمهما بعُدنا عنك أو تباعدنا

يبقى روحك الأمين يسكن فينا

يلهمنا، يعزينا

يستنهض قوانا، وينخينا

كي نفعّل الطاقات اللانهائية

التي أودعتها كياننا

ونقف وقفة جادة مع الذات

نستشرف آفاقها

نغوص في أعماقها

علنا نكتشف الكنوز الدفينة

التي أودعتها فينا.

Hidden Treasures

-----

حكاية الجدة والحفيد والدرس المفيد

نشرتها مجلة القبس الكويتية بعنوان (عندما تغيب التربية منذ الصغر)

في قرية ريفية صغيرة عاش صبي يتيم مع جدته. كان والداه قد توفيا وهو ما زال طفلا صغيراً فاحتضنته وتولت رعايته جدته الثرية التي أحبته حباً عظيماً ولذلك كانت متساهلة معه إلى أقصى الحدود. لكن للأسف حبها لحفيدها جعلها تتغاضى عن تصرفاته غير السليمة. وسواء كان على خطأ أم على صواب كانت دوماً تبذل قصارى جهدها لترضيته وتحقيق مطالبه وطمأنته بأن الدنيا بألف خير، لأنها كانت تنظر إليه على أنه ملاك منزّه عن الأخطاء.

عندما بلغ الصبي سن السادسة أرسلته جدته إلى مدرسة القرية. كان بلا أدب، أما تصرفه فكان سيئاً للغاية بحيث أن المدرسة بكاملها ضجت بشيطنات هذا الدلـّوع المنزوع. وقد أرسل المدرّسون عدة رسائل إلى جدته وأعربوا لها عن قلقهم من السلوك غير المقبول لحفيدها. لكن الجدة الحنونة لم تلق بالاً ولم تعر انتباهاً لتلك الشكاوى بل أنها ذهبت إلى المدرسة ذات مرة وعنفت المدرسين لاختلاقهم الذنوب وإلصاقهم العيوب بحفيدها المحبوب.

وهكذا حظي الحفيد بحماية جدته ورضاها عن كل شيء كان يفعله فازداد سوءاً إلى أن تحول أخيراً من لعب المقالب إلى عمل أشياء أكثر خطورة. غني عن القول أنه تعلم الكلام البذيء- أعزكم الله - وراح أيضاً يمد يده إلى أغراض زملائه فيأخذ ما يحلو له منها. وذات يوم سرق قلم حبر ثميناً من أحد زملائه وغادر المدرسة على الفور قاصداً ذراعي جدته المُحبة التي كانت ملاذه الوحيد من كل هموم الدنيا.

وما أن وصل البيت حتى تلقفته وتلقته الجدة بالأحضان وراحت تغدق عليه الضمات والقبلات بلا حساب. وقد وجد الولد صعوبة في استرعاء انتباه جدته لأن حنانها كان بالفعل بلا حدود.

أخيراً وعندما صحَت الجدة من سكرة العطف والحنان قال لها حفيدها: "يا ستي، لقد حاولت أن أخبرك ولكنك لم تسمحي لي. بصراحة يا ستي كان على بالي أن أحصل على قلم حبر، فرأيت قلماً جميلاً في جيب أحد زملائي فغافلته وبخفة ومهارة "لطشت" القلم منه." وكالعادة ضمت الجدة المُحِبة حفيدها إلى صدرها الدافئ وقالت له: "يا روح ستك! بسيطة، ولا يهمك. فأنت تبقى قرة عيني وحبيب قلبي مهما فعلت."

دُهش الولد لحصوله من جدته على التطمين والكلام اللطيف بدل التأديب والتعنيف. وإذ تشجع بموقفها تجاهه راح يسرق كتباً وأقلاماً وأشياء أخرى ثمينة من زملائه.

أخيراً طفح الكيل ولم يعد تصرفه محمولاً فعقد المدرسون جلسة خاصة بسلوك الولد. وبعد مداولات مطولة ومناقشات حادة قرر حتى أكثر المدرّسين تساهلا التخلص من الولد المدلل الفاسد، فتم طرده من المدرسة.

نوايا الجدة ربما كانت سليمة لكن أسلوبها كان مغلوطاً من الأساس. ومع توالي السنين أصبح حفيدها لصاً محترفاً. وما أن بلغ طور الشباب حتى انتسب إلى عصابة لصوص وصار يخطط وينفذ العديد من الجرائم مع رفاقه الحرامية.

وبين يوم وآخر كان أحد سكان القرية يعلن عن فقدانه لعنزته أو بقرته أو نعجته. آخرون لاحظوا أيضاً أنهم يفقدون ممتلكات ثمينة من بيوتهم. فحصل هرج ومرج وتطوع العديد من القرويين لإلقاء القبض على السارق المارق.

أما الحفيد الذي تمرّس في السرقة وأعمال الشر فقد ازداد جرأة واكتسب درجة عالية من الدهاء والذكاء بحيث كان لا يترك أثراً يشي به وبأعماله الإجرامية.

ولكن بما أنه من المستحيل على أي شخص أن يخفي جرائمه إلى ما لا انتهاء، ومن المستحيل أيضاً أن يتمكن دوماً من تضليل كل الناس والضحك على ذقونهم، فقد وقع المجرم في مصيدة نصبها له القرويون وانتهى به المطاف إلى ساحة القضاء.

عُقدت جلسة عاجلة للنظر في أمره، وقد حاولت جدته الثرية كل ما بوسعها لإطلاق سراحه لكن دون جدوى، فصدر الحكم على حفيدها الشرير بالسجن لعشر سنوات مع الأعمال الشاقة بعد أن اعترف بضلوعه في أكثر من أربعين سرقة.

وعندما قيدت يداه واقتيد إلى السجن التمس طلباً أخيرا وكان عبارة عن رغبته في أن يهمس بعض كلمات في أذن جدته. تم استدعاء الجدة على الفور فحضرت بلهفة كبيرة ودموع الحزن تنهمر بغزارة من عينيها، وقرّبت أذنها من فم حفيدها لتسمع ما عساه أنه يهمس لها.

وما أن فعلت ذلك حتى انقلب حفيدها إلى كلب شرس، فانقضّ على أذنها بأسنانه وأمسك بها جيداً وراح ينهشها نهشا والجدة تصرخ وتلعن وتدعي على حفيدها بالويل والثبور وعظائم الأمور.

وبعد لطمات وركلات قوية من رجال الشرطة تم الفصل بين الحفيد وجدته فانفصلت أيضاً قطعة لا بأس بها من أذن الجدة.

أخيراً أخذ الحفيد ثأره من جدته. وبينما كانت سته الحنونة لا تزال تصيح وتشتم قال لها حفيدها بارتياح ورضى كبيرين:

"اسمعيني يا ستي! لو أنكِ عنفتني وأدبتني عندما سرقت أول قلم حبر في حياتي لما كنت اليوم في طريقي إلى السجن كي أمضي فيه عشر سنوات مع الأعمال الشاقة. وما قمتُ به الآن هو بعض ما تستحقينه على تربيتك الفاسدة لي التي أوصلتني إلى ما أنا عليه اليوم."

المغزى من هذه القصة هو الآتي: القيام بالأعمال الشريرة لا ينحصر وحسب بمقترف تلك الأعمال، لكن غض الطرف عن التصرفات الشريرة لأحد الأعزاء والقبول الضمني بتلك التصرفات هو أمر خطير للغاية. الأعمال الشريرة تجلب تبعات شريرة. فتغاضي الجدة عن شرور حفيدها تسبب في فقدان محبة حفيدها لها لأنها لعبت دوراً في تدمير حياته.

والسلام عليكم

قصص ذات مغزى روحي

للحكيم برمهنسا يوغانندا

-----

"انكمشَ وتضاءلَ كالشمعة أمام ضوء الشمس."

هذا القول هو للشاعر والرسام توماس بيوكانن ريد وينطوي على أكثر من تأويل.

يبدو أن العنصر الذي شبهه الشاعر بالشمعة ينشط ويتألق في الظلام وينكمش عند بزوغ الشمس لأنها تكشفه وتكسفه إذ يطغى نورها الساطع على بصيصه الشاحب.

ولو أردنا تطبيق هذا القول على البشر لوجدنا أن الشوائب المغايرة للطبيعة البشرية السوية تنشط وتتعزز قواها في النفوس الخاضعة لسلطان الظلام.

وعندما تستنير النفوس وتشرق عليها أنوار الحق لا تقدر تلك الشوائب أو القوى السلبية على الصمود أمامها مهما بدت جبارة عاتية في عين نفسها، فتتقهقر وتتوارى لأن الظلام والنور لا يمكن أن يجتمعا في نفس المكان في نفس الوقت.

-----

كان أحد الرجال الصالحين يعمل محاسباً في إحدى المؤسسات الحكومية. وكان يبدأ كل صفحة من صفحات دفتر حسابه بعبارة روحية. إحدى تلك العبارات كانت على النحو التالي:

"إنني أحتفظ بسجل دقيق لكل إيرادات ومصروفات الشركة حتى آخر فلس. وبالمثل ساعدني يا رب كي أحاسب نفسي على كل صغيرة وكبيرة وكي أفكر بك أثناء عملي اليومي وتعاملي مع الآخرين."

قال مُحب الله:

"أنا فلاح أسير وراء سكة المحراث. أحرُث وأحْدِثُ أثلاماً مستقيمة في التربة. ألا ليتني يا رب أبصر وقع أقدامك المباركة فوق التربة الطرية والأعشاب الندية."

وقالت مُحبة الله:

"أنا امرأة يا رب، أهتم بأشياء كثيرة.. أعتني ببيتي وزوجي وأولادي. أحضّر لهم الطعام وأغسل لهم الثياب وأوفر لهم الراحة. الكل يناديني فأستجيب. ولكن ساعدني يا رب كي لا أنام في الليل قبل أن أسمع همساتك المقدسة."

وقال الموسيقار:

"أنا عازف ألحان بهيجة وشجية. فمن قلبي وعقلي تنساب معزوفات ومقطوعات لا حصر لها. تتوارد عليّ فأصغي لها، ثم تتوارى ليحل غيرها محلها. هذه الأنغام تشبه عقد اللؤلؤ المشدود بخيط ذهبي من الموسيقى المقدسة بحيث أسمع صوتك السماوي يا رب يصدح دون انقطاع في مسمعي. فأنت العازف الكوني على أوتار القلوب البشرية التي هي قيثارتك التي تترجم معزوفاتك التي تعصى على التقليد."

إن أقدامنا لا تجد صعوبة في تلمس مواقعها عبر دروب الحياة ومتاهاتها الكثيرة والكثيفة. فنسألك يا من تجعل الدروب الملتوية مستقيمة، ويا من تضيء ليل الروح بشمسك الساطعة أن توجّه خطواتنا نحوك كي لا نضل السبيل إليك.

.

Self-Talk

-----

طاغوريات جديدة: نبضات وومضات

قالت النجمة:

" سأوقد مصباحي سواء بدد الظلمة أو لم يبددها"

*

أود أن ينتشر حبي من حولك كنور الشمس.

*

ألامس الله بأنشودتي مثلما تلامس الهضاب البحرَ بشلالها.

*

بمحبتي لك أسدد ديونك غير المحدودة المترتبة عليّ.

*

تخف أعبائي عندما أسخر من نفسي.

*

من يصنع الخير يصل إلى باب المعبد، ومن يحب يدخله.

*

نحصل على الحرية عندما ندفع ثمن الحق في العيش كاملاً غير منقوص.

*

الله يرضى عني عندما أعمل، ويحبني عندما أغني.

*

يبقى الجبل ثابتاً حتى ولو ظن الضباب أنه هزمه.

*

يظل الحب سراً حتى عند البوح به، لأن المُحب وحده يعرف أن هناك من يحبه.

*

من شدة الطمع بالثمر لا يرى البعض الزهور.

*

دع حبك يراني حتى من خلال الحواجز القريبة.

*

الطائفي يعتقد أنه غرف البحرَ كله وصبّه في مستنقعه.

*

لا تسمح لكلمات شكري بأن تجرد صمتي من روعة الإجلال والتعظيم لك.

*

الثمرة الوحيدة التي جنيتـُها في حياتي هي تلك الثمرة التي قبلتها مني.

*

عندما تحين ساعة الرحيل ويهمس الموت في أذني: "لقد انتهت أيامك."

دعني أجبه: "لقد عشت حياة ملؤها الحب ولم أهدر وقتي سدىً."

وإن سألني: "هل ستتواصل أناشيدك؟"

سأقول: "لا أعرف، إنما ما أعرفه هو أنني ما غنيت مرة إلا وعثرت على أبديتي وشعرت بخلود روحي."

رابندرانات طاغور

ترجمة بتصرف: محمود عباس مسعود

-----

الفشل في التحضير تحضيرٌ للفشل

{لاقت هذه القصة رواجاً بين القراء ونشرتها عدة مواقع ومجلات من بينها (موقع النيلين) وموقع (فلك) ومجلة (سودارس) وغيرها.}

يزدرد كمية غير كافية من طعام الفطور وينطلق بسرعة إلى مقر عمله فيجلس إلى مكتبه حيث الأوراق المكدسة التى تزعق بصمت "أعمال غير منجزة."

يلتقط رسالة أو اثنتين وينظر إليهما، لكنه وقبل أن يحضّر الجواب في فكره تقع عينه على دفتر المواعيد فيدرك أن عليه التحضير للمقابلة المهمة التي سيجريها بعد ساعتين مع صاحب الشركة الفلانية والتي قد تفضي إلى صفقة محترمة.

يحاول التركيز على هذه المسألة بالذات، لكن فكره يعود المرة تلو الأخرى إلى الرسالتين اللتين وضعهما جانباً، فيقرر التحول إلى موضوع الرسالتين بدلا من التفكير بالمقابلة المزمعة.

في نفس الوقت تقوم سكرتيرته بطباعة بعض الردود على الرسائل (على الآلة الكاتبة قبل عهد الكمبيوتر) لكن القرقعة التي تحدثها مفاتيح الآلة تزعجه وتنرفزه فيصيح بالسكرتيرة كي تتوقف عن الطباعة.

بعد لحظة يدرك أنها كانت تطبع رسالة مستعجلة وهامة طلب منها طباعتها، فيصيح بها كي تواصل الطباعة.

وبما أن صاحبنا خـُلقه طالع يحاول تصفية دماغه وترويق باله بتدخين سيكار كوبي. يشعل السيكار فتبزغ مشكلة أخرى في عقله، إذ كان قد صمم على الإقلاع عن التدخين، فيعنف نفسه ويؤكد لذاته بأنه يجب أن يكون حازماً في مقرراته، فيدفع السيكار في المنفضة دفعاً ويطفئه غير آسف.

في تلك اللحظة غير المواتية تـُحضر له سكرتيرته كومة من الرسائل التي ينبغي توقيعها. وإذ ينزعج الأستاذ وتنقبض أساريره لهذا التطفل يصرفها بغضب إلى مكتبها.

يحاول التفكير بالمسألة من جديد، لكن لا يستطيع الإمساك بالخيوط المُفضية إلى الحل فيحتار في أمره.

هذه المحاولات غير المجدية تثقل جفنيه بالنعاس فيستلقي على الكنبة بتقزز واشمئزاز لعجزه عن التوصل إلى حل صحيح.

تلك كانت اللحظة الأكثر راحة بالنسبة له، فيوغل في لجج النوم ويغط في سبات عميق.

بعد قليل تعود سكرتيرته لتعيده من دنيا الأحلام والآمال إلى عالم المال والأعمال، لمقابلة صاحب الشركة الفلانية الذي حضر للتو إلى مكتبه.

يحاول صاحبنا الاستعداد بسرعة والتأهب للمقابلة، لكن بما أنه لم يحضّر لها تحضيراً جيداً يروح يلف ويدور حول الموضوع، يتحدث [شروي غروي] في عموميات لا تمت لجوهر المقابلة بصلة فيعطي انطباعاً بأنه مخادع غشاش يتلاعب بالألفاظ وليس في جعبته شيء يستحق الإعتبار فتفلت من يده الصفقة التي كان يأمل بها وتذهب آماله أدراج الرياح.

أسعد الله أوقاتكم وحقق آمالكم

قصص ذات مغزى روحي

-----

نحلة عقلي تطير إلى روضة قلبي

المهفهفة بنسائم حبي

والمزدانة بلآلئ ندى عذوبتك.

لقد استنبتُّ لك زنابقَ رائعة من التمييز الروحي

ونرجساً أصفر لاستيعاب دموع أشواقي

وبنفسجات غضة حالمة بالتواضع

وأقاحيَ متفتحة لمدركات الروح.

بأكفٍ متواضعة من الغصون الندية

تقدّم لك أشجار أفكاري فواكه شهية

من المناجاة العاطرة.

في روضة قلبي

تحوم نحلة أفكاري

منتشية وسط التقدمات الرحيقية لك.

In My Heart's Patch of Flowers

Whispers from Eternity

-----

سحر الهوى وسطوة الوهم الكوني

سمعت هذه القصة المجازية للمرة الأولى في محاضرة لأحد أساتذة معرفة الذات، ثم قرأتها منذ أيام في مجلة "ثقافة باطنية "وها أنا أترجمها مع بعض الإيجاز والتصرف نظراً لما تنطوي عليه من عناصر فلسفية وإيحاءات ماورائية، آمل أن تنال إعجابكم.

يحكى أن أحد العارفين بالله كان له مريد نابه بلغ مراحل متقدمة من المعرفة الروحية بفضل الله وصحبة مرشده المستنير.

وذات مرة سأل المرشدُ المريدَ عما إذا كان يرغب بمعرفة أشياء محددة، فأجاب المريد:

"لقد سمعت يا مولاي عن سحر الهوى وسطوة الوهم الكوني وأريد أن أعرف منك ماهية ذلك السحر وذاك الوهم."

فقال المرشد: "حسناً، هيا بنا نتمشى خارج الصومعة."

كان الجو قائظاً والشمس تصب دفقات حارة على الأرض. واصلا السير إلى أن ابتعدا عن الصومعة وشعرا بالعطش فطلب المرشد من المريد كي يذهب إلى قرية بانت لهما أسطح منازلها من بعيد ويجلب ماءً يطفئا به عطشهما.

أجاب المريد بحماس: "سمعاً وطاعة يا مولاي" وانطلق كالسهم قاصداً القرية.

وعندما بلغ مشارفها قرر أن يطرق باب أول بيت يصله وقد فعل ذلك.

فـُتح الباب وإذ بصبية بارعة الحسن لم يذكر أنه رأى في حياته أجمل منها. وما أن صوبت نظرتها إليه وابتسمت له حتى شعر بتيار مغناطيسي كاسح يسري من عينيها إلى كيانه ويغمره بفيض طاغٍ من جاذبية لم يعهدها من قبل ولم يستطع مقاومتها.. وتلك كانت البداية.

رحبت به الصبية وطلبت منه الدخول إلى المنزل لتعرّفه على أهلها.

في تلك الأثناء كان صديقنا المريد قد نسي مرشده والماء ولم يعد يتذكر السبب من حضوره إلى ذلك المنزل.

كان الترحيب به ودياً وحاراً من أهل الصبية فشعر أنه واحد من أهل البيت وراح يساعد والد الصبية في الأعمال الزراعية وواجبات أخرى. ومع الأيام تمكن حب الفتاة من قلبه فحدثته نفسه بالزواج وكان جوابه بما معناه "توكلي على الله توكلي" فطلب يد الفتاة من والدها الذي وافق على الطلب وكان التمام على خير.

أثبت صاحبنا جدارته وأمانته فوثق به والد زوجته الذي كان قد ألمّ به مرض- عافاكم الله - فكتب كل أملاكه باسم صهره. ولما توفي الحمو – طالت أعماركم – تولى الصهر شؤون الأسرة وفي غضون اثنتي عشرة سنة رزق وزوجته بثلاثة أولاد.

وفي إحدى السنين كانت المواسم شحيحة والأجواء مضطربة، وبينما كان مع زوجته وأولاده يعملون في الحقل حدثت عاصفة مطرية هوجاء فاضت على إثرها الأخاديد والوديان وحدث ما يشبه الطوفان.

ووسط المياه الهادرة، وضع صاحبنا ابنه الصغير على كتفيه وأمسك زوجته بيده اليسرى ووضع الولدين الآخرين تحت ذراعه اليمنى على أمل أن تنحسر المياه وينجوا بسلام.

ارتفع منسوب المياه تدريجياً وتعاظم التيار فقذف بالأبن الأصغر من على كتفي والده إلى المياه الصاخبة. حاول الأب الإمساك به فأفلت الولدان من تحت ذراعه. حاول الإمساك بهما لكنها كانت محاولة يائسة تسببت بإفلات زوجته من يده ففقد جميع أفراد أسرته وفقد أيضاً وعيه لهول المصيبة.

عندما استعاد إدراكه وجد نفسه عند جرفٍ صخري مغموراً ومحاطاً بالأوحال من كل جانب.

وفجأة تغير الطقس فظهرت الشمس واشتدت الحرارة وسمع وقع أقدام تقترب منه وإذ بمرشده يناديه قائلاً:

"أين الماء يا بني؟ فأنا ما زلت بانتظارك "

استولى الذهول على صاحبنا وقد استرد ذاكرته، فنظر إلى مرشده واستفسر منه عن التجربة التي مر بها، فأجاب المرشد:

"أردتَ أن تعرف سحر الهوى وسطوة الوهم الكوني فكان لك ما أردت."

Self-Realization Magazine

-----

عندما استيقظت بك يا رب

وجدت ان جسمي الحلمي قد ذاب

وان شكلي الصغير قد تحول إلى اتساع شامل.

وجدت عينيّ في كل مكان

ويديّ تعملان بأشكال مختلفة من النشاط

وإن الفضاء بأسره

قد أصبح بَشرة حساسة لجسمي الفسيح.

شعرت بالكائنات تتحرك فوق كياني المترامي

وسمعت موسيقى الأفلاك تصدح

ورأيت ما في الكون

واختبرت إحساسات الحياة

من خلال أسلاك الحب التي هي أعصابي.

كنت أحلم بأنني جسم صغير

وعندما أيقظتني

أدركت إنني واحد مع وجودك اللامحدود.

My Littleness Changed

للحكيم برمهنسا يوغانندا

-----

ألوان من المناجاة..

أليست مراحمك تفوق العد يا رب؟

متى كانت أحوالي بخير بدونك؟ ومتى ساءت أموري وأنت معي؟

إنني أحبذ الفقر معك على الغنى بدونك.

وأفضّل الهيام في أصقاع الأرض بصحبتك على الفردوس الأعلى من دونك.

الجنة ونعيمها بوجودك، والموت والجحيم بعدم الإحساس بحضورك.

أنت منيتي ومطمحي، وإنني أسعى إليك بكل همة وأطلبك بكل إخلاص.

ليس هناك من أضع ثقتي التامة به سواك، وما من أحد غيرك يمكنه أن يسعفني في أوقات التجارب والمحن.

أنت رجائي وثقتي.. وأنت عزائي ومحقق أمانيَ.

الكل يبحث عن مصالحه، أما أنت فتهتم بشؤوني وتريد لي الخير.. كل الخير.

أنت ملجأي يا رب وعليك ألقي بكل همومي وأعبائي ومصائبي وأحزاني لأنني أرى كل ما خلاك ضعيفاً لا يركن إليه، متقلباً لا ثبات له.

ما من مكان آمن مهما كان حصيناً محصناً دون عونك وقوتك وإرشادك وحكمتك وحمايتك.. وكل الأشياء المصممة لمنح السلام والسعادة لا يمكنها إسعادنا أو توفير الأمن لنا بدونك.

فأنت منتهى الصلاح، وأسمى غايات الوجود، ومريدوك الواثقون بك يعيشون بأمن وطمأنينة لأنهم معك ولأنك معهم على الدوام.

Meditations

Thomas A’ Kempis

-----

"امتزجا في كيان واحد، كساقيتين تحولتا لدى امتزاجهما إلى جدول سحري رقراق، حلو الخرير عذب النغم."

هذا القول هو للشاعر توماس هود (1799-1845) وهو تشبيه بليغ ربما لحبيبين أو صديقين كانا على تناغم ودي ووفاق تام مع بعضهما فأنتج ذلك التآلف الوجداني اتحاداً روحياً في منتهى العذوبة والصفاء وكأنه سيمفونية رخيمة تلهم الفكر، تبهج القلب، تجبر الخاطر، وتضمد المشاعر.

إنه ترياق الحب النقي..

إنه ثمرة الصداقة النزيهة.

-----

استعادة الفردوس

مهداة إلى محبي الأرض والتربة والأشجار

تلهمنا الأشجار لأنها مثال ملموس عن قوىً في منتهى التنسيق والتنظيم، ولأنها أكثر ثباتاً وديمومة من المحاصيل الموسمية.

إن حب الريف والكروم والبساتين هو التذكار الوحيد الذي يلازمنا لفردوس يكاد أن يصبح نسياً منسيا.

ما أجمل منظر الكروم بكرماتها (ديّاراتها) والبساتين بأشجارها المتفتحة وهي ترسل جذورها عميقاً في قلب التربة، وتشرب من النور السماوي، وتبتسم بملايين الزهور التي تتحول إلى فواكه ناضجة زكية الرائحة طيبة المذاق، حيث تمتزج بكيفية رائعة كنوزُ الأرض الدفينة بقوى الشمس المُحيية!

لا بد للإنسان في نهاية المطاف أن يلتصق بالأرض، وسيدرك أن الأرض تمنحه أفضل تغذية، وأنه – كالجبار أنتيوس - سيحتاج دوماً إلى ملامسة التربة والإحساس بها تحت قدميه كي يتمكن من استعادة حيويته وتجديد قواه.

الخطوات الأولى التي خطتها الحضارة كانت الاستعاضة عن الحياة المترحلة غير المستقرة بتركيز الجهود على زراعة الأرض وغرس الأشجار.

تحية للأرض الطيبة والأشجار المباركة

Regaining Paradise

Inner Culture

-----

"ممتد كالمحيط"

هذا القول هو للشاعر إدوارد لوفيبوند وينطوي على نظرة واسعة إلى الحياة، كما يذكرنا بقول أحد الحكماء:

"تعودوا التفكير بالأشياء الكبيرة والعظيمة مثل الأبدية واللانهاية."

المحيط يوحي بالاتساع، والهيبة، والقوة عن استحقاق، والثقة بالنفس، والوفرة، والأسرار العميقة.

الحياة مليئة بالدروس التي يمكن للإنسان أن يتعلمها ويستفيد منها، ومن المحيط يمكننا أن نتعلم أشياء كثيرة.

فاتساع المحيط يوحي برحابة الصدر وتمدد الوعي

وعمقه يغري باستكشاف أعماق النفس

ووفرته دعوة إلى التفاؤل بالبحبوحة والرخاء.

وديمومته ترمز إلى التجدد والأمل بديمومة الخير.

دامت حياتكم طافحة بالأمل عامرة بالخيرات

-----

إضمامة من حدائق الروح

.

إن حلمتُ تبقى يقظاً

وإن تعثرتُ فأنت واثق الخطى

وإن غادرت شطآن هذا العالم فأنت حياتي.

***

أيا أمي الكونية

إن نحلة أفكاري ترتشف رحيق حبك الرؤوم.

***

أسعدني يا رب بإنجازاتي المتواضعة

ولتكن أعظم إنجازاتي القرب منك والتنعم برضاك.

***

لقد حلمتُ أحلاماً كثيرة وتنهدتُ في نومي

غير أن اللمسة الحانية لأنامل الأم الكونية

أيقظتني من غفوة الأحلام.

***

سألتمس الهدوء في خلوة أفكاري العميقة

وسأروي ظمأي من مياه السلام

المتدفقة من ينبوع الصمت.

***

كل نسمة من نسمات دعواتي

تفتح أمامي نافذة جديدة في معبد الحب الإلهي.

***

يا ذا الوجود التام

عندما أتصورك حضوراً غير محدود

تغمرني نشوة تعصى على الوصف

وأدرك بأنك روح المعرفة الروحية

وجوهر الحكمة الربانية.

.

Meditation Thoughts

للحكيم برمهنسا يوغانندا

-----

في حين ينتظر الله بناء معبده بالمحبة، يجلب الناس الحجارة.

هذا القول هو للشاعر رابندرانات طاغور وينطوي على حقيقة مفادها إن الله محبة وبأنه يحب أماكن العبادة التي تشيع في أجوائها المحبة والأماني الطيبة.

في مثل هذه الأجواء تحس النفوس بطاقةٍ روحية نابضة ومتألقة بنور الحب الإلهي وتشعر بقربها من الله المحب الودود الذي يبارك بفيض من حبه ورحمته وسلامه ذوي النفوس المؤمنة بالسلام والرحمة والمحبة لأن هذه الجوهريات هي دعائم الحياة المتزنة والجميلة والمثمرة.

الحجارة التي يجلبها الناس لبناء المعبد هي كناية عن التركيز على زخرفة الشكل بمعزل عن عظمة الروح.

قال أحد الحكماء "الله هو العسل والمعابد هي الخلايا"

رائع أن تتميز أماكن العبادة بهندستها الدقيقة وتصاميمها البديعة، والأروع أن تكون مصدر أمن ومحبة وتنوير وطمأنينة، حيث تطمئن القلوب بذكر الله وتفرح بالقرب منه.

أنار الله دروبنا جميعاً بأنوار الخير والمحبة.

-----

غفوات صاحية:

في الربى والوهاد

وعزلة الزهاد

وموطن الأسرار

ومبعث الأنوار

ينبثق الخيال

وتنشط الأفكار.

في وقفة الوفاء

وهمسة العزاء

وزخم الشعور

وآهات الصدور

تغتسل القلوب

بدمعة السماء.

في فسحة الآفاق

ونبضة الأشواق

وفوحة الريحان

ونكهة الأشجان

تنبجس العيون

فتطفح الأعماق.

June, 2016

-----

رحلة للجزر البيضاء :إلى كل حبيب مفارق

لقد ذهبتَ متنزهاً في حدائق الأبدية

وتركتنا نحلم بعودتك في ليالي الشتاء وأمسيات الصيف

ونتنسم حضورك في أعراف الورود المتضوعة بالعطر الهامس

سنراكَ في ابتسامات الأطفال وعيونهم الصافية

وفي الليالي القمراء سنعاين طيفك الحبيب.

أما النجوم الصامتة فستروي لنا حكايات مشوقة عنك

والطيور ستشدو ألحاناً رخيمة لروحك الطيبة

وهكذا سنشعر بقربكَ

وسنعرف أنك ما زلتَ معنا كما كنت قبل الرحيل.

ارتحلتَ كتنهدة عميقة في خمائل الورود

وبقيتْ ذكراك العاطرة تعيد إلى أذهاننا ليالي الأنس

التي زرعنا في هدأتها أغانينا وأحاديثنا العذبة

التي ما زالت متماوجة في أرجاء الذاكرة

وماثلة للمخيلة بكل جلاء

لقد تحررت شعلة الحياة من الهيكل المتهدّم

وها هي تومض وترتعش بالأمل المشع

بمنأى عن رماد السنين وحطام الزمن

لقد سافرتَ إلى الجزر البيضاء

حيث الشمس لا تغيب والانطباعات العليا دائمة التجدد.

ومضيت إلى حيث الربيع الدائم

المرصع بأزاهير لا يعتريها ذبول..

وستبزغ مع الأصباح البنفسجية

حيث لا ظلام ولا ظلال

بل يقظة أحلى من الأحلام الذهبية

وأعذب من الكرى في الأجفان.

-----

حكاية شجرة الأماني

في سالف الأزمان عاش ناسك متعبد في إحدى البلدان وأمضى سنيناً طويلة متنقلاً بين الجبال بحثاً عن شجرة نادرة تدعى شجرة الأماني.

الأساطير تقول إن هذه الأشجار العجيبة غرستها حوريات الجنة ولا يعثر عليها إلا المتقشفون مكافأة لهم على ممارساتهم الجادة لرياضات روحية صارمة. ويقال بأن لهذه الأشجار القدرة على تحقيق أماني وأشواق كل من يجلس تحت أغصانها.

هذا الناسك أحس في قرارة نفسه بأنه يستحق العثور على تلك الشجرة بفضل جهوده المتواصلة وتذوقه الإختياري لشظف العيش والالتزام بنهج الإنضباط الدقيق الذي رسمه لنفسه. ولكن مع كل هذه النشاطات والرياضات كانت هناك دروس لم يتعلمها بعد. صحيح أنه كان يرغب في الحصول على الإستنارة لكنه كان يمتلك أيضاً رغبات أخرى أقل شأناً.

من بين تلك الرغبات كانت رغبة العثور على شجرة أمانٍ. فالمسالك الجبلية الوعرة أكلتْ (شقفة أو شقفات) من قدميه الحافيتين في بحثه المتواصل الحثيث عن مُنية القلب ورغبة الرغائب. وكان إحساسه الباطني يؤكد له دوماً أن تحقيق الوطر أمر حاصل وأن الشجرة في الإنتظار كثمرة طبيعية لجهوده الروحية التي تفوق طاقة واحتمال الشخص العادي.

كان صاحبنا مصيباً في حدسه. ففي إحدى الوديان في مرتفعات الجبال عثر على شجرة ذات أوراق عريضة عرف للفور ببصيرته أنها الكنز الذي طالما بحث عنه وتشوق للعثور عليه.

بلهفة وعلى الفور اقترب من أغصان الشجرة المرحّبة وجلس تحتها. ولكي يختبر القوى الخارقة لهذه الشجرة الفريدة أغمض عينيه وقال في نفسه: "إن كانت هذه بالفعل شجرة أمانٍ، فلتجسّد لي قلعة حصينة!"

وما أن مرّ الخاطر في ذهنه حتى بزغ بجانب الشجرة صرح فخم تحيط به حدائق غناء فيها ما فيها من الورود الناضرة والرياحين العابقة والأشجار الباسقة.

ابتهج لهذه المعجزة وغمرته نشوة الظفر بأعز أمنياته، إذ عثر أخيراً على الشجرة التي طالما بحث عنها. ولم ينتظر طويلا قبل أن يعرب عن أمنيته التالية، فقال: "أريد أن أرى من حولي جوقة من الصبايا يقدمن لي أفخر وأشهى المأكولات على أطباق من ذهب ويسقينني شراباً ولا أطيب من أباريق فضية في كؤوس مشعشعة كالإبريز المتوهج."

ومثل لمح البصر تحققت أمنيته إذ وجد أمامه مائدة عامرة عليها من كل ما لذ وطاب في صحون ذهبية وحوريات بارعات الجمال يقدمن له ألواناً من الطعام والشراب تليق بالملوك والأمراء.

وبعد أن استمتع بالمأدبة المترفة الباذخة راح يتفقد صرحه الجديد. فصعد الدَرَج الرخامي الصقيل وتمشى في الحجرات المرصعة بالجواهر ذات البريق الأخاذ.

أخيراً تعب ناسكنا المحظوظ من المشي فالتمس السكينة والراحة في إحدى غرف الطابق الأرضي. وكانت النوافذ المنخفضة لتلك الغرفة تظللها أغصان مديدة لشجرة الأماني المجيدة.

وإذ استلقى على سرير قريب من النافذة لاحظ أن الأغصان الكثيفة لشجرة الأماني قد حجبت النور عن النافذة فشعر بالوحدة وتسرّب الخوف إلى قلبه. ولم يقطع حبل السكون سوى بعض أصوات راح يتساءل عما إذا كانت آتية من الحديقة أو صادرة عن حيوانات الغابة الكاسرة التي تسرح وتمرح وتصول وتجول خلف جدران الصرح.

وإذ تعاظم قلقه اجتاحت عقله فكرة قوية فقال بينه وبين نفسه: "ماذا لو تمكن نمر من نمور الغابة من الدخول من النافذة؟ والحالة هذه سيفترسني وستكون النهاية بالنسبة لي."

وما أن راودته فكرة الخوف تلك حتى انقضّ نمر كاسر من النافذة فحمل الناسك المرعوب وانطلق (ليتعشى به).

للأسف لم يكن حضرة الناسك يدرك أن شجرة الأماني لا تميّز بين الأفكار الصالحة والطالحة. فغايتها هي تحقيق الأفكار التي تعتمل في نفوس أصحابها. وبالفعل فقد جسّدت شجرة الأماني التصوّر الذهني القوي للناسك وتلك كانت أمنيته الأخيرة.

كل إنسان يعيش تحت شجرة أمانيه السحرية التي تحقق له كل رغباته. تلك الشجرة هي الإرادة.

فمن لم يحسن بعد التحكم بأمانيه ورغباته وأفكاره فليحمد ربه لأن أفكاره غير المنضبطة لا تتحقق على الفور، وإلا لتسببت تلك الرغبات الجامحة بتجسيد تلقائي لنمور نحْس تنقضّ على صاحبها وعلى الآخرين.

مغزى القصة هو أهمية حصر الفكر بالأشياء الإيجابية الطيبة أثناء الجلوس تحت أغصان شجرة الأماني التي هي ليست سوى إرادة الإنسان وفكره الجبار.

أما تركيز الفكر على الخوف والفشل والمرض والجهل فقد يتسبب في بزوغ غيلان من عالم الفكر غير المنظور، تخلق له مشاكلَ لا تنتهي وتفاجئه بما لا يشتهي.

والسلام عليكم

قصص ذات مغزى روحي

للحكيم برمهنسا يوغانندا

Paramahansa Yogananda

-----

هل تسمعين؟!

ما يميز الشعراء الإبداعين شطحاتهم الفضائية وخيالهم الجامح المجنح.

بين يديّ قصيدة قصيرة لشاعر قديم غير معروف الإسم، وردت في العدد 6 من المجلد 22 من مجلة معرفة الذات

تذهب أبيات القصيدة على هذا النحو:

أرهقيني أيتها السماء

ضعي أعباءً باهظة على ظهري

ضعي العالم كله على عاتقي

لأنك إن فعلتِ ستضاعفين قوتي.

هل تسمعين؟

العبءُ سيتفتح وروداً

وعشب الأرض الخضيل على ظهري

سينثر عليه قوسُ قزح

رذاذاً من الندى البليل.

لذلك، أتعبيني ما شئتِ!

فلن تفزعني الأعباء

ما دمت في طريقي

إلى بوابة الجمال الكلي.

Give Burdens

-----

حلمت أن الاكتئاب يتسرب إليك

ويدفعك نحو هوة الإحباط

بيد أن قتامة الحزن

مغايرة لطبيعة النفس الجميلة

الشبيهة بشمس الإشراق

ومياه الأعماق.

بدد يا صاح ظلال الكآبة الربداء

برشفة منعشة من ساقية التفاؤل

واقضِ على شبح الخوف المتربص

برشقة من سهام الثقة بالعلي القدير.

لا تدع ذراع القلق تلوي زند عزيمتك

وإن تكاثف صقيع الهموم

أذبه بحرارة القلب ودفء الإيمان.

وليس آخراً..

لنتذكر نصيحة صديقنا فريد:

"خليها على الله"

-----

مظلة الروح أو طمأنينة النفس

.

عندما تفقد الهموم الحارقة حرارتها

تبزغ الطمأنينة برداً وسلاماً.

إنها الصارية البيضاء لقارب الحياة

يملؤها نسيم السعادة الدائمة، الخالية من الإثارة

فتدفع القارب دفعاً رفيقاً على صفحة بحيرة الرضى.

الطمأنينة هي نهر القناعة

المنساب رقراقاً في اتجاه بحر السكينة

بمعزل عن أمواج الهموم.

إنها مظلة الروح

المنتشرة فوق عقل الإنسان وقلبه

لتقي أفراح حياته، صغيرها وكبيرها

من أمطار الخوف والقلق.

إنها النغمة السماوية

المنبثقة من قيثارة الحياة.

وهي الملح المقدس

على مائدة العمر

والرذاذ المتطاير من شلالات الإنجاز

وهي المزاج الرائع الرائق

الذي به تساس مملكة النفس

بوئام وانسجام.

الطمأنينة ليست حكراً على الخلوات المنعزلة

ولا هروباً من الجلبة والضوضاء.

بل تأتي إلى حيث ترحب بها القلوب

وتمكث حيث تأنس بها النفوس

بغض النظر عن الزمان والمكان.

إنها زهرة رقيقة حساسة

لا تتحمل اللمسات الخشنة

بل تحيا وتزهر وتزدهر

إن هي سقيت بمياه الطيبة المنعشة.

الطمأنينة هي بحيرة الشعور الساجية

الخالية من تغضنات الأحزان

التي تذرف دموع الخوف

لأقل هبّة من هبّات الجزع والكدر.

عندما تغطي صفحة النفس المطمئنة

طبقة من الثلج الأبيض الناصع النقي:

ثلج الهدوء وراحة الضمير

فلن تقوى عواصف المخاوف وأعاصير الهموم

على تعكير الصفاء والسكينة

تحت هذه الطبقة الصلدة اللامعة

لهذا التلألؤ المبارك الوضاء.

Whence Comes Peace

للحكيم برمهنسا يوغانندا

-----

الإيسلنديون أسعد الشعوب

في استطلاع للرأي شمل ثمانية عشر بلداً، اكتشفت منظمة غالوب أن الإيسلنديين هم أسعد الشعوب الحية، إذ أن 82% من السكان راضون عن حياتهم الشخصية.

فما السبب من كون إيسلندا أسعد البلدان؟

يعتقد أحد علماء الاجتماع الإيسلنديين أن السر لا يكمن في وسائل الرفاهية والراحة المتوفرة في بلده، ولكن يعود إلى المشقات والمضايقات التي تحمّلها الإيسلنديون على مدى أجيال.

فالظروف الصعبة علّمت الإيسلنديين أن يستمتعوا بما لديهم.

إنهم معزولون في شمال المحيط الأطلسي حيث البرد القارس والأمواج العاتية المعادية، ومحكومٌ عليهم بعشرين ساعة من الظلام في كل يوم من أيام الشتاء. وعلى مدى قرون تعوّد السكان على العيش على ما تيسر لهم من الأسماك التي يصطادونها.

ويضيف عالم الإجتماع:

"إن ثقافتنا مصبوغة بشظف العيش وقسوة الطبيعة، ولهذا السبب فقد وطّن الإيسلنديون أنفسهم على التعامل بأريحية مع مشاكل الحياة، وهم لا يتوقعون نفس الإستقرار الذي غالباً ما تتوقعه البلدان الأخرى."

ريتشارد موريس

Self-Realization Magazine

-----

مَيستر إكهَرت والفكر الهادئ

.

إن الدعاء الحق هو دعاء تعززه قوة الإيمان وهو ثمرة الفكر الهادئ.

كلما كان الفكر أكثر هدوءاً

كلما كان أكثر قوة وعمقاً واستحقاقاً

وكلما كان الدعاء أكثر نجاعة وفعالية.

ولكن ما هو الفكر الهادئ؟

هو فكر لا يبهظه عبءٌ ولا يخيفه شيءٌ

وهو متحرر من الأكاذيب ومن الوصولية

وهو وثيق الصلة بالإرادة الإلهية

وكل ما يفعله هذا الفكر فيه مسحة من القدرة الربانية.

فلنبتهل بعمق بحيث تكون كل جوارحنا.. عيوننا وأذاننا وقلوبنا وأفواهنا وكل حواسنا متجهة في ذلك الاتجاه، وألا نتوقف حتى نجد أنفسنا على مقربة من الذي به نفكر وإليه نبتهل: الله.

Meister Eckhart

-----

قلعة الحب الإلهي

.

عندما تتساقط حولك قذائف الكراهية

اعتصم بقلعة المحبة.

وإن تواصلت تفجيرات سوء الفهم

ابقَ متحصناً في كهوف المحبة

تحت حجرات الشفقة والتعاطف.

وإن حاولتْ أبخرة الخداع السامة

أن تخنق حياة حكمتك

ضع قناعاً من الحب النقي حول نفسك.

إن قلعة الحب الإلهي ملاذٌ آمن

من هجمات جيوش الوساوس والإغواء.

احتفر خندقاً من الإخلاص والثبات

واملؤه بمياه المحبة

بحيث يتعذر على الأنانية أن تجتازه سباحة

كي تقضي على حكمة روحك.

.

The Castle of Divine Love

للحكيم برمهنسا يوغانند

-----

مناجاة فجر الروح:

أيا صانع النور وسيد الوجود

أيا حياة النفوس ومعنى الحياة

إنكَ قريبٌ.. قريب من المتشوقين لقربك

وبعيدٌ.. بعيد عن اللا مبالين بك

وغير الراغبين في التعرف عليك.

ألا ما أطيب التواصل معك وملامسة حضورك!

وما أعذب التفكير بك والتأمل عليك!

ما لأحدٍ القدرة على الاستغناء عنك

إذ لولاك لما نبضت القلوب

ولما سرت الدماء في الشرايين والعروق.

إنك دائم الإيحاء لعقل الإنسان

للانطلاق إلى مستويات سامقة

تستحق الاجتهاد والارتياد.

وإنك لدائم التحدث إلى روحه

من أريج الورد

ودفء الشمس

وجلال الليل

وروعة السماء

في عتمة الدياجير.

كل ما في الوجود يتحدث عنك بفصاحة

لا يخطؤها الذين بالإشارة يفهمون

وإلى تسنم الذرى يطمحون.

Soulful Invocations

-----

قصة مؤثرة عن الصداقة:

قرأت قبل قليل هذه القصة عن الصداقة فرغبت في نقلها إليكم أصدقائي.

يحكى أن سفينة ضربتها عاصفة هوجاء قبالة إحدى الجزر النائية فدمرتها ولم ينجُ منها سوى رجلين اثنين تمكنا من السباحة إلى أن وصلا إلى الجزيرة شبه الصحراوية.

الرجلان كانا – أو أصبحا – صديقين، وإذ لم يكن هناك ما يفعلانه أدركا أن السبيل الوحيد أمامها هو التوجه إلى الله بالصلاة والدعاء، وأرادا أيضاً معرفة من منهما صلاته أكثر فعالية وقدرة على تحقيق الاستجابة الالهية، كما اتفقا على تقسيم الجزيرة إلى منطقتين وأن يظل كل منهما في منطقته أثناء الدعاء.

كان الابتهال الأول للحصول على الطعام، وفي صبيحة اليوم التالي وجد الرجل الأول شجرة مثمرة في أرضه فأكل من ثمرها، أما قطعة أرض الرجل الثاني فقد ظلت مقفرة.

بعد مضي أسبوع شعر الرجل الأول بالوحدة والوحشة فقرر أن يسأل الله بأن يرسل له زوجة، وفي اليوم التالي تحطمت سفينة أخرى ولم يكن من الناجين سوى امرأة تمكنت من السباحة إلى ذلك القسم من الجزيرة الذي يعيش فيه، أما القسم الآخر فبقي على حاله.

بعد ذلك ابتهل الرجل الأول بأن ينعم الله عليه ببيت وبثياب وبمزيد من الطعام، وفي اليوم التالي استجيب دعاؤه وحصل على مبتغاه، أما الرجل الثاني فلم يحصل على شيء.

أخيراً ابتهل الرجل الأول كي يرسل الله له سفينة بحيث يمكنه أن يغادر الجزيرة مع زوجته، وفي الصباح – صبحكم الله بالخير – وجد سفينة راسية بالقرب من المكان الذي يقطنه في الجزيرة فاستقل السفينة مع زوجته وقرر ترك الرجل الآخر لوحده معتبراً أنه غير جدير بالنعم الإلهية لأن الله لم يستجب لأي من دعواته.

وعندما كانت السفينة على وشك الإقلاع سمع الرجل الأول صوتاً مدوياً من السماء يقول:

"لماذا ستترك رفيقك لوحده في الجزيرة؟"

فأجاب الرجل الأول: "إن النِعم التي حصلت عليها هي لي وحدي لأنني أنا الذي صليت من أجلها، وبما أن صلواته لم تـُستجب فهو لا يستحق شيئاً."

فزجره الصوت قائلاً: "أنت على خطأ! فهو لم يتوجه إليَّ سوى بدعاء واحد استجبتُ له ولولا ذلك الدعاء لما كنتَ قد حصلتَ على أي من النعم التي أرسلتها إليك."

فسأل الرجل الأول الصوتَ: "قل لي ما الذي ابتهل من أجله حتى أكون مداناً له بأي شيء؟"

فأجاب الصوت:

"كان دعاؤه الوحيد أن أستجيب لكل دعواتك."

-----

"الحب الصادق هو كالعين التي لا تحتمل القذى."

هذا القول هو للشاعر والفيلسوف السويسري يوهان لافاتر (1741-1801).

تشبيه بليغ لاثنين من أعز ما في الوجود بالنسبة للإنسان: الحب والعين.

فبالعين يبصر ما يقع ضمن مجال رؤيته وبالحب ينفتح قلبه على حقيقة رائعة تحرك المشاعر النبيلة وتلهم الأشعار الرقيقة والبطولات الفذة والتضحيات الكبيرة.

لا أظن أن الفيلسوف يتحدث عن حب عابر تحركه الأهواء ويحاصره حب التملك وتقيده العواطف الضحلة وتشوبه المصالح الضيقة، بل عن حب قوي كنبض الحياة، شامخ كأعالي الذرى، نقي كقلوب الأطفال ودوافع النبلاء، راسخ كأساسات الأرض.

مثل هذا الحب يشبه العين بنقائه وصفائه. ومثلما لا تطيق العين الأجسام الغريبة داخلها، هكذا لا يحتمل الحب الحقيقي إيواء ما هو مغاير لجوهره ولا يمكنه التعايش مع شوائب وترهات لا تنسجم مع طبيعته الفطرية، وهذا يذكرنا بقول الشاعر:

أنتَ عيني وليس من حق عيني .. غض أجفانها على الأقذاءِ

-----

حكاية الصياد والكاهن

.

في الهند القديمة، وفي قرية هادئة على ضفاف نهر الغانج، عاش رجل رقيق الحال لكن غني النفس، وكان يتكسب من صيد السمك وبيعه للقرويين.

من بين زبائنه كان كاهن القرية. ذلك الكاهن كان معروفاً بأساليبه الزلقة المراوغة الشبيهة بصيد السمك في البحر! وباختصار كان مكـّاراً لا يؤتمن مطلقاً. ومع ذلك فكان يحب السمك ويشتري يومياً بالدَين ما طاب له من الأسماك الطازجة من صاحبنا الصياد الأمين ويقول له "قيّد على الحساب".

ولكن عندما كان الصياد يبحث عن الكاهن لأخذ حقه منه يجد أن حضرته قد اختفى بقدرة قادر أو بحذق ماكر!

تضاعفت الديون الكهنوتية إلى أن أصبحت أخيراً مبلغاً لا يستهان به. وبعد البحث الدقيق عن الكاهن عثر عليه الصياد كصيد ثمين وبادره بهذه الكلمات:

"يا مولانا الكاهن، لماذا تتجنبني هكذا؟ يا ليتك تعلمني طريقة للمشي على الماء بحيث أتمكن من الوصول بحرية إلى الأماكن العميقة التي تعج بالأسماك الكبيرة حيث يسهل اصطيادها بالشباك. وأعاهدك بأن أقدم لك كل يوم سمكة كبيرة تليق بمقامك هدية مجانية لحضرتك. وعلاوة على ذلك سأشطب كل الديون المترتبة عليك."

كانت تلك ساعة الرحمن بالنسبة للكاهن الذي كاد يطير فرحاً لتلك الكلمات الساذجة من الصياد الذي اعتبره قد فقد عقله. وكان همه الأوحد هو صرف الصياد عنه بما أمكن من السرعة. فهمس في أذن الصياد المؤمن الأمين الكلمات التالية:

"يا بني، كل ما تحتاج لفعله هو أن تسمّي بالله أولا ثم تكتب إسمه المبارك ثلاث مرات بإصبعك على كف يدك، وعندئذ ستتمكن من السير على صفحة الغانج إلى أية بقعة تريدها وتصطاد ما شاء الله من الأسماك."

مرت أيام لم يرَ الصيادُ الكاهنَ خلالها لأنه كان ما زال يتحاشاه. أخيراً أفلح الصياد في لقائه وقدّم له سمكة من الحجم الكبير والوزن الثقيل قائلا: "يا مولاي منذ مدة وأنا أحاول مقابلتك كي أمنحك بعض ما أفاض الله عليّ من نعمه بفضل أسلوبك الناجع الذي لقنته لي، ولكي أشطب أيضاً الديون القديمة المستحقة عليك. وبالفعل طريقتك كانت ناجحة وحدث ما أكدّته لي بالضبط."

دُهش حضرة الكاهن المتشكك عندما نظر إلى السمكة الكبيرة التي كان يحملها الصياد وقال: "كيف تمكنت من صيد سمكة كبيرة كهذه؟"

أجاب الصياد: "أطال الله بعمرك يا مولاي، فقد فعلت تماماً كما طلبت مني. وكل يوم أصطاد عدداً كبيراً من السمك. أجل يا سيدي، لقد نجحت أخيراً في مسعاي بفضل بركاتك وطريقتك الموثوقة."

لم يصدق الكاهن أذنيه ولم يقو على تكذيب ما رآه أمام عينيه، فقال للصياد: "أريد أن أرى بنفسي كيف تسير على صفحة الماء."

وعلى الفور استعان الصياد باسم الله القدير وكتبه على كفه ثلاث مرات، وبكل بساطة، إنما بإيمان مطلق راح يمشي على صفحة النهر . بل وأمسك بيد الكاهن وأخذه معه فوق الماء. وكم كانت دهشة الكاهن كبيرة عندما وجد نفسه يسير فعلا فوق الماء.

بعد قليل راحت المخاوف والشكوك تراود صديقنا الكاهن وخاف أن تتبلل أطراف ردائه الثمين بالماء. وما أن غاصت أفكار الإرتياب في نفسه حتى بدأ يغرق تدريجيا، وراح يصيح: "يا صياد النجدة.. النجدة!"

فقال له الصياد: "يا مولانا لا يمكنك أن تمشي على الماء وبنفس الوقت تخاف من الغرق أو تخشى من أن يصيب ثيابك البلل. أنظر إليّ كيف أمشي على سطح الماء بكل ثقة وإيمان."

وما أن قال ذلك حتى أعاد الصيادُ الكاهنَ المرتعد إلى ضفة النهر وتركه هناك ليتأمل على ضعفه وقلة إيمانه بالله.

قصص ذات مغزى روحي

للحكيم برمهنسا يوغانندا

PARAMAHANSA YOGANANDA

ملاحظة: الصياد في هذه القصة هو النفس الواثقة بالله، والماء هو كناية عن مصاعب الحياة، والسمك يرمز إلى السلام الروحي، والشبكة إلى التأمل، والكتابة على الكف إلى الإيمان القوي، والكاهن إلى الفكر المتشكك الذي لا قدرة له على العوم فوق صفحة مياه الحياة المضطربة.

-----

بين المحيط والموجة:

محيط الروح الأعظم وموجة النفس المنبثقة عنه

.

المحيط:

تعالي أيا موجتي

هيا اهجعي في مهجتي

عودي إلى قلب المحيط

واغفي على صدر الحنان

فإنه مَهدٌ لكِ

وأمنـُكِ فيهِ مُصان.

الموجة:

أخشى من النوم العميق

أن أغفو ثم لا أفيق

فالرقصُ لي هواية ٌ

وإن بقيتُ نائمة ْ

سأفقدُ تمايلي

فوقَ المياه العارمة ْ.

المحيط:

لكنّ يا صغيرتي

هناءكِ في جيرتي

فقلبيَّ هو المقر

وملجأ ٌ وقت الخطر

وإن سكنتِ في الصميم

سترفلين بالنعيم

الآن وإلى الأبد

يا موجتي هذا وعد!

The Wavelet-SRF

-----

كان المهاتما غاندي يردد يومياً هذه الكلمات

للشاعر نارسنه ميهتا من القرن الخامس عشر:

إنه مقرب من الله

ذاك الذي يشعر بشعور الآخرين

ويخفف عنهم آلامهم

ولا مكان للصلف والتجبر في قلبه.

يحترم الناس ولا يتحامل عليهم

صادق في كلامه

مخلص في عمله

نقي في دوافعه

ألا فلتحل بركات الله على والديه.

أفكاره غير متحيزة

لا تسيره الأهواء

يحترم النساء مثلما يحترم أمه

لا يتفوه بالكذب

ولا يحسد الآخرين على ما لديهم.

لا يتملكه حب التملك

ولا تستوطن عقله الأوهام

ولا يتهافت على بضاعة العالم.

قلبه ينبض بحب الله

ويجد كل أماكن العبادة في داخله.

لا نصيب للطمع والغرور في نفسه

لا يستبد به الغضب

ولا يسمح للميول المنحرفة بأن تقوده أو تسوقه.

هو مصدر خير في هذا العالم

وبأمثاله تنهض الشعوب وترتقي.

.

Narsinh Mehta

-----

أنشودة المشتاق:

وسّع يا رب نطاق وعيي

واشرق عليّ بنور حكمتك

وامنح قلبي القدرة على محبتك

وصغ هيكل حياتي وفقاً لتصميمك.

سدد سهام أفكاري نحو الهدف الأسمى

وامنحني مفتاح التركيز العقلي لأفتح باب خزينتك الكونية

واعزف على أوتار قيثارتي موسيقى الأفلاك

وانفخ بأنفاس الروح على جمر حنيني كي يتوهج بحضورك.

احمِ شمعة إيماني من رياح الشكوك

وانثر بذور علمك في تربة عقلي

حتى أسقيها بندى حبي

إلى أن تنمو وتثمر خدمات نافعة.

احتفظ بي قريباً منك بحيث لا أبتعد عنك لحظة واحدة

واملأ روحي بإلهاماتك القدسية

وأضئ دروبي بنورك

كي لا أتعثر في ظلمة عدم اليقين.

ليكن إسمك الأقدس خبزاً لنفسي الجائعة

ولتنبجس أنهار الشوق ثرة من أعماق قلبي

ولتكن حاجتي إليك أعظم من حاجتي لأي مخلوق

ولأبترد في مياه سلامك المباركة.

املأ عقلي بالأفكار البنّاءة

واحفظ قدميّ على دروب الخير

ولأشعر دوماً بأنك معي

الآن وفي كل أوان.

Divine Longing

-----

قصة غزال المسك:

المسك مادة ثمينة وذات عطر نفاذ، توجد في سرة غزال المسك الذي يقطن أعالي جبال الهملايا.

حالما يبلغ الغزال سناً معينة يبدأ المسك الفتان بالتسرب سِرةً من سُرّته، فيهتاج الغزال لذلك العطر الجذاب ويأخذ بالتراقص والتفتيش عن مبعث تلك الرائحة الطيبة.

ينتقل من مكان إلى آخر، يتشمم ما بين الصخور وتحت الأشجار ويبحث في كل مكان عن مصدر ذلك العبير المثير.

أخيراً يتملكه الحنق ويصبح أكثر إثارة وقلقاً عندما تعييه الحيلة ويعجز عن العثور على ما يبحث عنه بشوق وشغف.

وفي محاولة أخيرة للوصول إلى مصدر المسك، يقفز من المنحدرات الصخرية الشاهقة إلى الوادي السحيق ليواجه مصيره ويلقى حتفه، فيتمكن إذا ذاك الصيادون من الإمساك به ويستلون منه كيس أو غدة المسك.

وفي هذا الصدد، أنشد أحد القصاد المستنيرين ما معناه:

غزالَ المسكِ يا أحمق

لماذا تشقى أو تأرقْ؟

فهذا المسكُ موجودٌ

بكيسِ البطنِ يا أخرق!

ولو لامستَ بالخيشوم ِ

منكَ السرّةْ إذ تعبقْ

لكنتَ فزتَ بالمأمولِ

وعشتَ دونَ أن تنفقْ

ألا تظنون يا أصدقاء أن معظم الناس يتصرفون كغزال المسك؟ فهم يبحثون عن السعادة في كل مكان خارج أنفسهم.

أجل.. يبحثون عن السعادة في اللعب، والإنهماك حتى الإنهاك في الشهوات والمشتهيات.. ويتسلقون دروب الثراء الزلقة إلى أن يقفزوا في نهاية المطاف من جروف الآمال العالية إلى صخور الإحباط والإخفاق عندما يعجزون عن العثور على السعادة الحقيقية المختزنة في أعمق أعماق نفوسهم.

فلو توجهنا بأفكارنا نحو الداخل، وتأملنا بعمق لعثرنا في سكينة الروح على مصدر السعادة الحقيقية والدائمة التي ننشدها.

يجب ألاّ نكون كغزال المسك كي لا نفنى بحثاً عن السعادة في الأماكن الخطأ، بل يتعين علينا أن نتيقظ ونحاول العثور على السعادة في ذاتنا وليس خارجها.

عطر الله حياتكم بمسك السعادة

والسلام عليكم

.

حكايات ذات مغزى روحي

للحكيم برمهنسا يوغانندا

PARAMAHANSA YOGANANDA

-----

يا ينبوع الحكمة الذهبية

ومصدر الإلهامات السماوية

المنسكبة في النفوس المتقبلة..

أيها العطر السماوي

المتصاعد من مباخر القلوب الطيبة..

أيا خفقة المودة وروعة الوفاء

في وجدانات الأصدقاء..

من بساتين الحنين

أقطفُ فاكهة المحبة وزهور الشوق

وأضمخها بندى الإخلاص

لتكون تقدمة خالصة لك

يا من تنبض القلوب بحبك

وتهمس الأرواح باسمك.

..Throbs

-----

نور الله النقي موجود في الإنسان، لكن الإنسان وضع حُجباً سميكة حول ذلك المصباح الداخلي فحجب ضياءه أو حدّ من قوة إشعاعه.

من هذه الحجب: الوهم والجشع والأنانية والحسد والخوف والكراهية. ومع تراكم وتكاثف الحجب أصبح من الصعب رؤية النور الداخلي وصار الإنسان لا يرى سوى التطاحن والتنافر والنشاز في هذا العالم، وراح ينظر إلى هذه الأمور على أنها حقائق مطلقة وأنه لا وجود لسواها في الحياة.

هذه السلبيات التي تظهر على هيئة أمراض وعقد نفسية وحقد وتعصب وشقاق وتوجس من الآخر، غالباً ما يتم ترسيخها في وعي الصغار منذ مراحل الطفولة المبكرة، ونتيجة لذلك فقد اختلطت شوائب كثيرة بالقيم والمفاهيم الصحيحة على مر الأجيال.

وبما أن النور الباطني مغلف بتلك الحجب التي هي من صنع الإنسان، فلا بد للراغبين بمعاينة ذلك النور من نزع تلك الأغلفة واستبدالها بعناصر شفافة تسمح بنفاذ النور من خلالها، مثل الحكمة والنوايا الطيبة والرغبة في مساعدة الآخرين والتفاؤل والثقة بعون الله وبقوة الخير وديمومته.

دمتم بخير أصدقائي

The Inner Light

-----

أسرار الجبال

في كل البلدان يحتفي الناس بجبالهم، يشيدون بها، وينظمون فيها القصائد والأشعار التي تترجم اعتزازهم بتلك الشواهق التي يرفعون بها رؤوسهم وأحياناً يرفعون أعناقهم عالياً لاستشرافها والتملي من منظرها الذي يوحي بالروعة والهيبة والتسامي.

هناك أهازيج حماسية وجوفيات جبلية تجسّد زخماً من العواطف الجياشة نحو تلك الرواسي الشامخات التي تحيط بها هالة من القدسية والإنتماء الطبيعي لتلك الظاهرة السامية السامقة.

الأنبياء والأولياء كانوا من محبي الجبال، إذ قصدوها للتعبد والاعتكاف والتأمل على الله الواحد الأحد.

الموروث الشعبي يزخر بالحكايا والملاحم التي نـُسجت حول الأطواد، وحتى إنسان ما قبل التاريخ أدرك بفطرته البدائية عظمة الجبال.

هناك أطلال لمعابد فخمة وآثار لهياكل في بلدان عديدة فوق الهضاب والتلال تؤيد هذه الأقوال، كما أن العديد من أساطير الأبطال تقترن بالجبال أكثر من اقترانها بالسهول.

تلك الجبال التي استهوت شاعرنا المحبوب أبا القاسم الشابي فاستوحاها بقوله:

"ومن لا يحب صعود الجبال .. يعش أبد الدهر بين الحفر"

يقال إن أسمى المعارف وأكثر الأناشيد إلهاماً وأعذب الأصوات وأزهى الألوان جميعها اكتسبت خاصياتها من التضاريس العالية.

في المرتفعات تنشرح النفس ويتمدد الوعي، وحتى العين تبدو وكأنها ترى مشاكل الحياة وترى حلولها أيضاً عندما لا يكون الشخص محاطاً بالمباني ومحصوراً بين الجدران.

على قمم الجبال نكون أقرب إلى الشمس وأكثر تواصلاً مع الأشعة الكونية ومع القوى الروحية التي تمغنط طاقة الجسم وترفع رتبة اهتزازه. كما أنها تشحن جسم الإنسان وعقله بتيارات حيوية منعشة.

هناك إشعاعات من نوع آخر منبعثة من جوهر الجبل ومن نقاط استقبال في أعالي الذرى تستقطب قوىً وطاقات من المصدر الكوني، ترفع معنويات الشخص وتوسع رؤيته وتعمق مداركه.

وحتى فيروز احتفت بالجبل عندما غنت "يا جبل اللي بعيد..."

دمتم شامخين كالجبال

The Himalaya Mountains

L. P. Downs – Inner Culture

-----

روائح طيبة

ليس المقصود من هذه الروائح الطيبة العطور التقليدية مع أنني من محبيها وأحتفظ ببعض زجاجات صغيرة من المسك والياسمين والورد والعنبر أتنشقها بين الحين والآخر فتذكرني بأشخاص تركوا في نفسي أثراً طيباً، أو تعيد للذاكرة أحداثاً سارة بالرغم من مضي عشرات السنين عليها.

ما أقصده هو مزايا معنوية رفيعة تعرب عن ذاتها، أو يتم الإعراب عنها، بكلمات مريحة كأنها نفحات عبقة محمولة على جنح النسيم.

أو أنماط سلوك عاطرة تبعث على الإعجاب وتمنح شعوراً بالثقة والارتياح.

أو ومضات وجدانية منعشة، تنطوي على ذكاء دقيق وإحساس عميق.

أو معاملات غير مريبة قائمة على الوضوح وخالية من أية حسابات شخصية واعتبارات خفية.

وغيرها من الروائح الطيبة

-----

الظروف والأوضاع قد لا تتغير على النحو الذي نرغبه لكن بإمكاننا تغيير نظرتنا إلى الأوضاع والظروف وتعديل طريقة تعاملنا معها مما قد يخفف من وطأتها ويجعلها تبدو أصغر حجماً وأقل شأناً مما هي عليه، وربما هذا ما ذهب إليه المتنبي بقوله:

لا تَلْقَ دَهْرَكَ إلاّ غَيرَ مُكتَرِثٍ .. ما دامَ يَصْحَبُ فيهِ رُوحَكَ البَدنُ

إننا نصبو إلى السعادة ونتشوق لاختبارات جديدة ممتعة ونمني أنفسنا بكل ما يبهج القلب ويملأ النفس بالطمأنينة والرضا.. ربما لأننا نملك في داخلنا كل ما نتمنى الوصول إليه والحصول عليه.

لكن كثيراً ما تقوم أمامنا عقبات تحول دون تحقيق مبتغانا فتولد فينا شعوراً بالإحباط والقهر النفسي، غير مدركين أن ما نطمح إليه لا قدرة للعالم على تحقيقه لنا نظراً لطبيعته الزئبقية المتقلبة، ومن هنا المثل "الدهر قلاب غلاب."

أما الوعي المستنير بنور الفهم فهو أقل تقلباً وأكثر عوناً على مناجزة أوهام الحياة وأشباحها.

وكلما تصفى جوهر الوعي من شوائب الدنيا وأوضارها كلما أصبح أكثر قدرة على تحقيق أماني النفس .. بل وتحقيق أحلامها الذهبية أيضاً.

-----

لولا قدرتك التي تشحن كياني بالحياة والحيوية

لما تمكنت من التفكير أو التعبير أو التدبير

أو البحث عنك في متاهات الحياة.

لقد وهبتني العقل

لا لأحتفظ به محنطاً في سراديب الجمود

بل لأحفظه دائم النشاط بتمرينه واستنهاضه

لإطلاق طاقاته الحبيسة في خلايا الدماغ وتلافيفه.

ومنحتني روح الطموح الوثابة لأنطلق على جنح الأمل

نحو مرتفعات الشوق التي تنادي الراغبين

لارتياد قمم المعرفة والوصول إلى منابع الإلهام.

وأعطيتني الإرادة والتمييز

لاختيار كل ما هو طيب ونافع

والابتعاد عن المطبات الوخيمة والمناقع الضارة

مهما بدت ممتعة وسارّة.

ولأنك أظهرت حبك لي واهتمامك بي

فيطيب لي التفكير بك والبحث عنك

حتى يقربني مغناطيس الحب من مجالك

فألتقيك يا ذا الجمال

في منتهى التطواف والتجوال.

.

Soulful Outpourings

-----

من علامات التميز:

التحرر من التكبر والغيرة والحسد.

عدم الانصياع لإملاءات الأهواء والتحيزات.

البعد عن الفخفخة والقناعة بالأشياء البسيطة.

التخلص من الغرور والمخاتلة والرياء.

فهم قانون السبب والنتيجة وتحمل مسؤولية التصرف الشخصي.

التعامل بصدق ونظافة والترفع عن الغش والاحتيال.

احترام المواعيد والوفاء بالالتزامات.

تقدير الصداقة حق قدرها وعدم استغلال الاصدقاء أو مغاضبتهم.

عدم مزاحمة الآخرين ومساعدتهم على تحقيق النجاح.

العمل وفق القناعات الذاتية وعدم مجاراة الحشود فكراً وفعلاً.

-----

الزهور الباسمة

والسماء الصافية نهاراً

المكوكبة ليلاً

وطيور السلام المتهادية

في فضاءات النفوس الطيبة

كلها موحيات إلهامية

تشير إلى مصدر فوقي فائق.

أتفاعل معها

ابتهج بها

أتأمل روائعها

وأتذكر مبدعها

فأنتشي بجماله

وأنتعش بنسائم حبه.

.

Flowers and Skies

-----

أحدهم...

لم تكن غايته امتلاك القوة البدنية ولم يعمل على تطويرها بالرغم من أنها كانت تعوزه، لكنه بتركيز أفكاره المشتتة، واستعادة الذكريات السعيدة التي مرت بحياته، والتوجه الإيجابي، والثقة بأن الله قادر على مساعدته، أحس بفيض من النشاط ينبض في خلايا جسمه، بل وشعر أنه يمتلك فائضاً من النشاط لم يعهده من قبل. أما أصدقاؤه الذين كانوا سابقاً يتعاطفون مع وضعه الصحي فقد راحوا يتعجبون من خفة حركته ولياقته البدنية وعافيته الفوارة.. وتورد خديه أيضاً!

----

وآخر..

في لحظة تأملية سمع بأذنه الباطنية نغمات في منتهى العذوبة كأنها صادرة عن جوقة ملائكية فابتهج خاطره وانتعشت أحاسيسه وشعر أنه تواصل مع بعد أثيري عزز يقينه بوجود مستويات من الوعي ألطف بما لا يقاس من المستوى الأرضي الكثيف. كما شعر بسلام عميق وفرح لم يختبره من قبل جعله غافلاً لبعض الوقت عن نفسه والأشياء من حوله، وقال إنه شعر وكأنه يحلق في الفضاء، وأحس بحضور مبارك في حجرته فانهمرت من عينيه دموع سالت على وجنتيه.

---

وقالت إحداهن:

أجد في التفكير الإيجابي والموارد الروحية إلهاماً.. فكل فكرة تلامس حقيقة رائعة، وكل كلمة هي بمثابة دليل على دروب الحياة.. ومع التعمق في القراءة والتفكير أشعر بأنني أصعد درجة على سلم المعرفة. وإن كانت التغذية الصحيحة ضرورية للجسد فغذاء الفكر والروح لا يقل أهمية وحيوية عن الطعام المادي.

---

وقالت غيرها:

كانت الحياة صعبة آنذاك وتنطوي على كثير من الإحباطات والمنغصات. لكنني بتغيير بوصلة تفكيري وتركيزي على الأمور الجميلة والنافعة تحسنت أوضاعي وبت أشعر أن يداً غير منظورة تأخذ بيدي، تعضدني، وتواكبني على الدوام. ونتيجة لذلك فقد اغتنت حياتي وبت أكثر قدرة على التعامل مع الظروف والمستجدات على اختلافها.

Meaningful Experiences

-----

عندما لا تتلوث الشفاه بالألفاظ الخشنة

ولا تبتهج العين بالمشاهد الهابطة

ولا تتلذذ الأذن بالكلام الفج الممجوج

ولا تتعاون الأيدي والأقدام مع النوايا الزائغة

يستيقظ في النفس إحساس بالجمال

وتتوارد على الفكر إيحاءات سامية

ويرتفع منسوب الرقي في الوعي

فتنهمر مدركات حية

من سحائب الخواطر النيرة

لتسقي ورود الروح

وتفتـّح بتلاتها الغضة

فيفوح منها أريج الفهم والمحبة

متضوعاً من حديقة القلب

إلى كل القلوب الطيبة.

.-----

الحب الكوني يحيا فينا مثلما نحيا فيه

ومشاعر المحبة التي نحسها نحو الآخرين

هي ترجمة وجدانية لذلك الحب الإلهي

الذي هو منبع كل إحساس نبيل وحب نقي.

لو لم يودع الله ذلك الجوهر اللطيف في قلوبنا

لما استطعنا أن نحس بالحب أو نتذوق طعمه.

وكون الله محبة فهذا برهان ملموس

على وجوده في ذات الإنسان.

وكون الحب أجمل الأحاسيس التي يختلج بها القلب

فهذا دليل على أنه المظهر الإلهي الأقرب والأحب إلى الإنسان.

فيا من صنعت القلوب ووضعت فيها إكسيرك المقدس المُحيي

دعنا نحبك ونفكر بك على قدر محبتنا وتفكيرنا بأعز الناس علينا وأحبهم إلينا.

ولتكن الأشواق الروحية طائرتنا الكوكبية

التي تقلـّنا وتنقلنا إلى حيث مقامك الأعلى وعرشك الأبهى

كي نبتهج بالوصول ونفرح بالوصال.

.

A Soul Call

-----

من هم أهل المقامات والأحوال؟

ببساطة هم شعراء روحيون يتوصلون إلى الله عن طريق العشق الإلهي.

ولمعرفة فلسفتهم وإدراك غاياتهم ومغازيهم لا بد من استحضار طائفة من الرموز في الذهن.

ومما لا شك فيه أنه نظراً لاستعاراتهم الرمزية وصورهم المجازية، فقد أسيءَ فهم العديد من كبار الصوفية من أمثال عمر الخيام وابن الفارض.

فعندما يلمّحون إلى القبلات والعناق فهم يعنون بذلك الذوبان في الواحد المعبود.

وعندما يذكرون الخمرة فهم يشيرون إلى اليقظة الروحية المنعشة.

والحانة هي كناية عن الجسد أو الخلوة التي بها يشرق الوعي الإلهي.

أما عينا المحبوب فهما سر حبه الفائق.

والعاطفة الأقوى في حياة أهل المقامات والأحوال هي الحب، وأسمى حب هو حب الله.

وهناك خيط ينتظم أناشيدهم ومواجيدهم هو خيط البحث عن الذات الإلهية والسعي للامتزاج ببحر النور الرباني.

أحياناً يشعرون أن المحبوب مر من أمامهم وهم عنه غافلون وبالمسرات الدنيوية متلهون، وأحياناً يغلب عليهم الشوق فيسكرون بغبطة الوجد الأعظم.

وفي كل تجاربهم الحياتية تبقى قلوبهم تلهج بالمحبوب الذي لا يطيقون البعد عنه.

صاحب الأشواق الصوفية يحس أنه جزيء ذري لا تكتمل حياته إلا بالتوحد مع أصله الإلهي..أصل الحياة والنور وعنصر الوجود الأزلي.

-----------

{زدني بفرطِ الحبِّ فيكَ تحيُّراً .. وارحمْ حشى ً بلظي هواكَ تسعَّراً

وإذا سألتكَ أنْ أراكَ حقيقةً .. فاسمَحْ، ولا تجعلْ جوابي: لن تَرَى}

- ابن الفارض

----------

Who Are The Mystics

Omar Garrison

-----

أينما كنت في أرضك الواسعة

وحيثما انطلقت في أجوائك الرحيبة

أبقى قريباً منك

لأن رباط الروح يشدني دوماً إليك.

وحتى عندما تفارق الحياة الجسد

لن أفقد وعيي بك ولن أكون بعيدا عنك..

ولأن مصيري هو الإقتراب الحثيث منك

فكيف أطيق الإغتراب عنك؟!

وحتى في تلك الآفاق الكوكبية

المرصعة بدراري الأثير سأفتش عنكَ

وأبصرك في البوارق ذات السطوع.

وإذ ألمح طيفك سابحاً بين النيّرات العلوية

سأناديك بصوت الروح

وأنطلق انطلاقة النشاط الإشعاعي

للوصول إليك

وملامسة يديك

والتحديق في عينيك.

إذ ذاك..ستفتح خزانات النور

وتطلب من المشاعل الكونية

ملاشاة الظلام وتبديد أكداس الأوهام

فيشفى القلب وتفرح النفس

باستعادة مدركاتها المنسية

وتنتشي بوعي التوحّد المغبوط.

.

In Those Astral Regions

-----

العاصفة قد تزمجر في الخارج ولكن لا يمكنها أن تؤثر علينا إن كان السلام يسكن نفوسنا.

ومثلما نشعر بالأمن قرب المدفأة مهما كانت العواصف عاتية، هكذا القلب الذي تملؤه معرفة الحق يعيش بسلام وطمأنينة حتى ولو كان العالم من حوله يعج ويموج بالصراع والتشويش.

إن خصومات ومضايقات البشر واضطرابات العالم لا يمكنها أن تجعلنا نشعر بالألم والمرارة ما لم نسمح لها بالتسرب إلينا والتغلغل في نفوسنا.

وفي الحقيقة إن كنا نمتلك السلام في قلوبنا فإن الاضطرابات الخارجية ستساهم في تعميق فهمنا وترسيخ سلامنا وترقيق قلوبنا وتنوير عقولنا.

ألا فليبارك الله الذين لا يحملون ضغينة في نفوسهم ولا يسمحون للكراهية بأن تحتل قلوبهم.

James Allen

-----

لستُ وحيداً ما دامت ذاكرتك الكونية تحتويني

ولن أخشى هجمات المصائب وزمجرة التجارب

ما دامت أنفاسك المباركة تنفحني وتشحنني بالقوة والرجاء.

ومهما تواريتُ عن الظهور في أرجاء الكون اللامتناهية

سأبقى تحت أنظارك الرحيمة أنعم بالأمن والأمان

بعيداً عن المتاهات المربكة والمنعطفات الحادة الخطيرة.

وعندما تسكب في روحي شلالات معرفتك

ستشرق عليّ شموس اليقين

وتغمرني بالعلم والأنوار

فعجّل بذلك اليوم، عجّل

لأنني مشتاق وفي الإنتظار!

أيها المحيط الكوني الذي لا ساحل له

لقد ارتفعتْ مياه أنهارنا منك ولا يمكنها البقاء بعيداً عنك

فهي دائمة الجريان نحوك للامتزاج بخضمك اللامتناهي

والوصول إلى قلبك الأعظم.

لا يمكننا البقاء بعيداً عنك

لأن مصيرنا هو التوحد بك.

فاهمس لنا نداءاتك المباركة

علنا نسمعها ونعود إلى المقر السعيد

فنبتهج بلقائك ونتنعم بسلامك العتيد.

The Cosmic Ocean

-----

لقاء في قلب السديم

.

في زمنٍ ما

في مكانٍ ما

حَلمَ أن لقاءً حدث بينهما..

التقيا كومضتين عابرتين

في قلب السديم الكوني..

كفقاعتين صديقتين

في بحرٍ فسيح

في المياه الزرقاء الباردة

للمدّ الأوقيانوسي..

كسمكتيّ شوق ٍ، طيّارتين

تتسابقان على صفحة المياه المالحة..

كطيريّ ودادٍ باسطيّ أجنحتهما،

محلقين فوق أمواج النسيم..

كزهرتيّ حنينٍ متعانقتين

على سوق نبتة واحدة..

كحجريّ إخلاصٍ كريمين

بقلبين حمراوين بلون العقيق

مختبئين معاً في أعماق الأرض..

كالشمس والقمر

كفهمٍ وحنوّ

كعينين ساهمتين

من عيون الكون اللامتناهي..

كحبٍ وفرح

كنبضتيّ لهفةٍ في قلب الحقيقة..

كذرتيّ هيدروجين

وذرة أوكسجين

مكثفتين إلى قطرة ندىً وليدة الحب

لإرواء ظمأ الأعشاب الصادية..

كبروتون وإلكترون في قلب الذرة..

كجناحيّ طير سلام، يرفرفان

فوق واحة الأمل..

كشعلتين منبثقتين نحو السماء

من نافورة النور..

ككرتين شفافتين، بألوان قوس قزح

كنهرين من أنهار الحياة

في انطلاقهما الحثيث

للإمتزاج ببحر الحب الأعظم.

من خواطر المعلم برمهنسا يوغانندا

-----

اشحن يا رب جسمي بطاقتك الكونية

واملأ عقلي بأفكار الخير

وشع على قلبي بأنوار المحبة والمعرفة

وباركني بحضورك الإلهي

كي أبتهج بالروح وتطمئن نفسي.

ومع أن غيوم الحرب تتلبد في سماء العالم

لكنني أمتلك إيماناً كلياً بإشعاعات أنوارك الذهبية

التي تخترق غيوم الشر مهما تراكمت واربدّت.

ساعدنا يا رب كي نتغلب على أبالسة الأنانية

التي تحول دون لقاء القلوب على حبك

ودعنا ندرك بأن كل خير وفضل يأتي منك

وأن المحبة هي الشعلة المقدسة

التي تلتهم أعشاب الأنانية المتطفلة

وتهدم جدران الاستئثار البغيض

وأنها البوابة المفضية إلى السماء

وترنيمة الملائكة والأرواح الطيبة.

Soul Whispers

-----

وكتب إليه مشجعاً:

لا تدع الخوف يتطرق إلى قلبك

يا من أنت شرارة من البرق السماوي

بل واصل السير برباطة جأش وخطوات ثابتة.

شق طريقك بعزيمة وإصرار

وسط ملايين العوائق والصعوبات.

واعلم أن التجارب المريرة لا تدوم

لكن شموع اليقين

التي توقدها في هيكل القلب

ستضيئ لك الطريق

هنا في هذه الدار

وهناك في دار البقاء.

عزز ثقتك بالله

وستجد أن يده القديرة

تظللك في الشدائد

وتحميك من كل مكروه.

.Child of Eternal Lightning

-----

دعاء: أرغفة الحكمة

.

إملأ يا إلهي الحبيب

سلة حياتي الفارغة بأرغفة حكمتك

ودعني أحس أن عقلك الكلي

يكمن خلف أفكاري

وأن حبك الإلهي

مستتر خلف مشاعري

وأن حياتك الكونية

تسند وتعيل وتنعش خلايا جسمي.

وحّد حياتي الزائلة

بكينونتك السرمدية

وامزج سعادتي المتقلبة

بغبطتك الدائمة المتجددة

وامنحني ثبات القلب

لأدرك بأنني أستيقظ وأحلم بك

وبأن قدرتك تحميني

وحكمتك ترشدني

وحبك يحوطني على الدوام.

.

Thought Seeds

-----

أيها الطموح النبيل القوي كالحب

أيها النشاط البنّاء الذي يحاكي يقظة الضحى

أيها السلوك الذي يرهقه اللف وتنعشه الاستقامة

أيها النزوع إلى التسامي الذي يضاهي لهفة الغريق للنجاة

أيها الإيثار الذي هو توأم التعفف

أيها الحسن المنبثق عن جمال المُثل العليا

أيها الإيمان الذي لا حياة له دون محبة شاملة

أيها الفكر الذي ينظر بعين الشمس

أيها التفتح الذي يغتذي على ندى اليقظة

أيها الإقدام المندفع بقوة الخير

أيها القصد السوي الشبيه بالمرآة الصقيلة الصافية

سلاماً ومحبة

-----

من الأرشيف: قوة الصبر

كل شيء سوف يأتي للمنتظر، فمن يمتلك الصبر يمكنه الحصول على ما يريد.

ليس من الضروري لكل الناس أن يكونوا ذوي أفعال عظيمة، يكفي أن يمتلكوا قوة الصبر التي هي أسمى إنجاز يمكن تحقيقه.

من يعرف كيف ينتظر يمتلك أعظم أسرار النجاح.

الصبر لا يعني اللامبالاة. يمكننا أن نعمل ونثق وننتظر، ولكن يجب أن لا نركن للتهاون أو الإهمال أثناء انتظارنا.

صعبة هي شروط الحياة بحيث يتعين أحياناً وضع كل موهبة عزيزة وثمينة.. وكل فضيلة.. ومعها الحب والأمل والفرح والفطنة والنشاط والنزعة إلى الخير في بوتقة الحياة لاستقطار إكسير الصبر.

الصبر ليس ميزة سلبية بل إيجابية. إنه قوة مركّزة.

هناك شكل من أشكال الأمل لا يخلو من الحكمة ولا يتضاءل بازدياد المعرفة. أما إسم ذلك الشكل فهو الصبر.

حتى أحكم الحكماء يعترفون بأن الصبر والتسليم هما دعائم رجل السلام على هذه الأرض.

دعوا شجرة الصبر المباركة تنمو وتترسخ جذورها لتثمر أشهى وأنفع الثمر.

الحكيم يمتلك قوتين لا يمتلكهما غيره: الصبر والتحمل.

لا يوجد إنجاز واحد إلا وهو نتيجة للصبر والعمل والإنتظار.

الصبر والزمن أفعل من القوة والأهواء الجامحة.

لا تظنوا أبداً أن تأخر استجابة الله تعني الحرمان. اصبروا وثابروا واعلموا أن الصابرين عباقرة.

ما أروع الصبر وما أنبله! فمن بين كل الفضائل هو الأقرب إلى السماء، ويضفي على أصحابه مسحة ملائكية.

الصبر مرّ إنما ثماره حلوة.

هناك فارق كبير بين الصبر الحقيقي والتحمل المتجهم، كالفرق بين ابتسامة الحب وصرير الأسنان الكيدي الحقود.

هناك وقت لا يطلب فيه الله من عباده سوى الصبر والإيمان والتسليم لحكمة لا يعلمها إلا هو.

الصبر هو شجاعة الظافر وقوة الإنسان وثباته إزاء لطمات القدر.

المصدر: موسوعة الأفكار

عمالقة

.

الإنسانية فيها عمالقة كثر من نساء ورجال..

فهناك عمالقة أدب راقٍ

وعمالقة فن ملهم

وعمالقة علم نافع

وعمالقة شعر رقيق

وعمالة زجل باهر مستملح

وعمالقة إبداع متجدد

وعمالقة نور وتنوير

وهناك عمالقة صدق مشع

وعمالقة بساطة فطرية

وعمالقة وفاء راسخ

وعمالقة إلهام وحب مستدام

وعمالقة جمال نفسي أخاذ

وعمالقة ضمائر حية

وعمالقة شجاعة أدبية ونفوس أبية

وعمالقة إيمان تعضده الأمانة

وعمالقة تواضع شامخ

وعمالقة صداقة لا تشيخ

والقائمة تطول

-----

تأشيرة الإيمان والثقة بالرحمن

.

الإنسان مسافر دائم الترحال على دروب الحياة.. ينتقل من اختبار إلى اختبار.. يتعقب آمالاً كبار طوال رحلة العمر.

أحياناً تضع الحياة على دروبه دليلاً يساعده في العثور على أفضل السبل لبلوغ غايته المنشودة.

الطريق في معظم الحالات طويل.. طويل، لكن يجب أن يأخذ في الإعتبار الطريقة الأنسب لقطع المراحل دون كبير عناء.

الشعراء والفلاسفة شبّهوا حياته في هذه الدنيا بإقامة في نزل. ولعل المقارنة واردة. فهو يأتي غريباً إلى هذا العالم.. يتعرف على غيره.. يعيش بينهم.. يقاسمهم تجارب الحياة ثم يرتحل إلى مكان آخر، مودّعاً مَن تركهم خلفه.

الحياة قصيرة والزمن عنصر حيوي في كل ما يقوم به الإنسان وإقامته محدودة.

وما دام السير متواصلاً فلا بد أن يأخذ المسافر في الإعتبار أن يومه يتوقف على أمسه وأن غده يتوقف على يومه.

وما دامت الإقامة قصيرة فلا بد أن يجعلها ممتعة له ولغيره.

الوقت ثمين، والتفاهم مع الذين يتواصل معهم ويتعامل أفضل من أن يُصرف في الشحناء والشجار.

الحبُ والإيثار كفيلان بفتح أبواب السعادة أمامه وأمام الآخرين.

ألا ما أروع أن يغادر الإنسان هذا العالم دون حسرة أو ندامة!

على المسافر أن يكون مستعداً لمغادرة النزل في أية لحظة، إذ قد لا يُعطى مهلة كافية لحزم أمره وأمتعته،

ومن الأفضل أن لا يأتيه الإشعار الأخير وهو موغل في لجج النوم.

لذلك يجب أن يتعلم كيف يحيا كالمسافر بحقائب جيدة الترتيب والتوضيب.

العمر بطوله قد لا يكفيه للتحضير للرحلة القادمة، ولكن إن عاجله النداء لن تثور ثائرته ولن يضطر للاستعداد الجنوني للمغادرة وتزويد نفسه بما يحتاجه للرحيل.

كلما كانت حقائب المسافر خفيفة كلما كان السفر أخف كلفة وأقل تكلفة.. وعلى المسافر أن يحمل معه على الدوام التأشيرة الدائمة التي لا تنتهي مدتها أبدا.. إنها تأشيرة الإيمان والثقة بالرحمن.

أما بطاقة السفر فيجب أن يحفظها في الجيب الأقرب من القلب لأنه سيضطر لإبرازها عندما يطلب منه ذلك.. في دنيا الإغتراب.

إذ ذاك.. سيلقى في كل أرضٍ قد يحلُّ بها "أهلاً بأهلٍ وجيراناً بجيرانِ"

سفرة ممتعة

East-West Magazine - كنوز شرقية

-----

عصر أم العالم

.

هذا المفهوم الرائع ينطوي على الاعتراف ليس فقط بحقوق المرأة المساوية لحقوق الرجل بل بأن الحياة أهلتها لإنجاز مهام جليلة في العالم.

فالمرأة قادرة على إدخال الطيبة والصلاح إلى هذا العالم الذي نمت فيه الأحقاد وتغللت فيه الشرور كما لو أن الناس أصبحوا غير قادرين على التعامل بفهم وتفاهم مع بعضهم البعض.

إن مفهوم القلب غالباً ما تعرض لرضوض بالغة، ولا نبالغ إن قلنا أنه تحول إلى رماد.

ودور المرأة الرئيسي يكمن في إعادة إحياء وإنعاش مفهوم القلب، وسيكون هذا النشاط المشكور البوابة إلى حدائق الجمال.

أم العالم تحتفظ بمسألة سلام العالم في قلبها. وبالرغم من كل العقبات في طريق السلام فإن اتحاداً عالمياً قوياً للنساء لا بد أن يعلن فجر هذا المفهوم المقدس لأنه وثيق الصلة بالكرامة الإنسانية.

فحيا الله المرأة حاملة مشعل الخير والطيبة والسلام والتنوير.

Nicholas Roerich

May, 2016

-----

حياة الإنسان محفوفة بالكثير من المخاطر وأحياناً تشبه بحراً من الارتباك وعدم اليقين، ولكن لا ينبغي أن تمضي الحياة على هذا النحو.

غني عن القول إنه لا توجد متعة دائمة في هذه الحياة.

الكل يبحث عن الرضاء والارتياح والاكتفاء والأمن والفرح والسلام، وهذه موجودة في أعماق الذات الإنسانية ويمكن الحصول عليها بالبحث عنها داخل النفس وليس خارجها.

يقول العارفون إن من يتعمق في ذاته لا بد أن يعثر على ما يبحث عنه.

وبتعبير العارف بالله جلال الدين الرومي:

"إن ما تبحث عنهُ .. يبحثُ بالمثلِ عنكَ"

.

Only One Security

SRF Magazine

-----

صنبور القوة النفسية


يقال أن القِطع القاطعة تجدد ذاتها إن أُعطيت بعض الراحة لأن قوة الحياة موجودة في كل شيء، حتى في الجماد.

وهكذا يجدد الفكر قواه ويستعيد حيويته بإراحته بين الحين والآخر من آلاف الأفكار التي لا هدف منها ولا نفع لها، والتي تبقي الشخص منهمكاً معظم الوقت.

هذا النوع من الأفكار يستنزف النشاط الفكري المختزن في محطة توليد الطاقة العقلية.

إن التحكم بالأفكار من شأنه أن يفتح صنبور القوة النفسية.

فلنعطِ الفكر قسطاً من الراحة دون السماح له بسحبنا معه في انطلاقاته غير الهادفة.

وبالتخلص من كل الأفكار العشوائية العقيمة يصبح بالإمكان استخدام الطاقة المخزونة للتركيز على الأفكار المهمة والمشاكل التي تواجهنا في الحياة، وعلى غاية الحياة نفسها.

وعليكم السلام أصدقائي

Mental Recipe

-----

ومضة أرشيفية:

انطلقتُ أبحثُ عن ذاتي

فلم ألقَ سوى الإخفاق

ورحتُ أطلبُ ربي

فما شعرتُ بالخلاّق

وقلتُ أنهي مشواري

بالاطمئنان عن جاري

وإذ بي أجدُ ذاتي

وأحظى برضا الباري

ترجمة بتصرف

-----

قصة رابعة والسراج المنير المعلق دون سلسلة

.

ذاقت طعم اليتم صغيرة، عندما اختطفت يدُ الموت أبويها، فوقعت في السبي وبيعت بيع العبيد.

ذات مرة، أفاق سيدها من نومه ونظر من نافذة حجرتها فوجدها تضرع لله خاشعة وتقول:

"إلهي، أنت تعرف أن قلبي مشتاق لطاعتك وأن نور عيني هو لك ولأجلك. لو كان الأمر بيدي لما توقفت يا رب ساعة واحدة عن خدمتك، لكنك جعلتني أسيرة لأحد عبادك."

أثناء دعائها رأى سيدها سراجاً منيراً فوق رأسها معلقاً في فضاء الحجرة دون سلسلة، وقد أضاء نوره على كل ركن من أركان البيت. وإذ أبصر ذلك المنظر العجيب أحس بالرهبة تدب في قلبه، فنادى رابعة وطيب خاطرها وأعتقها لوجه الله.

انطلقت إلى الصحراء ولسان حالها يقول: "إني مهاجرة إلى ربي."

بعد فترة من الزمن تركت الصحراء ووجدت لها غاراً شبيهاً بالكهف حيث استغرقت في عبادة تأملية عميقة على حبيبها الإلهي. وبعد أن حصلت على الاستنارة الروحية عاشت في خلوة شبه تامة لكنها لم تنقطع عن خدمة المحتاجين والقيام بأعمال البر والتقوى.

حياة رابعة كانت مليئة بالأحداث المثيرة، إنما ما يهمنا في المقام الأول هو تفتحها الروحي. لقد حصلت على عروض زواج عديدة لكنها اختارت حياة التبتل رغبة في مواصلة مسيرتها الروحية دون عائق.

عندما عرض أحد أمراء البصرة العباسيين عليها الزواج ووعدها بأن يقدّم لها مهراً مقداره مائة ألف دينار، وأخبرها بأن دخله الشهري يعادل عشرة آلاف دينار، وأنه سيهبها كل تلك الدنانير، بعثت إليه تقول:

"لا يطيب لي بأن تصبح عبدي وأن أملك كل ما تملكه. كما لا يطيب لي أن تلهيني لحظة واحدة عن حب الله."

في مناسبة أخرى، وردّاً على حسن البصري الذي عبّر لها عن رغبته في الزواج منها قالت:

"عقد الزواج هو لذوي الكيان المادي. أما بالنسبة لي فقد انتهى ذلك الكيان كوني لم أعد كائنة مذ فارقت ذاتي. وكياني الوحيد هو في الله لأنني له سبحانه بكلـّيتي. إنني رهن إشارته وأعيش في ظله. فيجب أن تطلب يا حسن عقد الزواج منه وليس مني."

كانت حياة رابعة برهاناً حياً على قوة الروح الإلهي في ذات الإنسان. تلك القوة التي تزيل العوائق وترفع الحواجز التي تفصل بين الإنسان وخالقه.

عرفت رابعة الحق كالعديد من أولياء الله الصالحين وعاشت حياة مديدة إذ ارتحلت عن هذه الدنيا وهي على مشارف التسعين. وبالرغم مما أصاب جسدها من وهن ظلت مع ذلك محتفظة بقواها العقلية بحيث كان الباحثون الروحيون يلتمسون عونها فتساعدهم بما أفاض الله عليها من العلم الرباني والإشراق الروحاني.

لم تخشَ رابعة ما يسمى الموت لأنه بالنسبة لها كان ساعة الرحمن وبشير لقاء المحبوب الإلهي الذي لا تعادله فرحة في الوجود.

عندما مرضت مرضها الأخير زارها ثلاثة من أصدقائها الصوفيين هم حسن البصري ومالك بن دينار وشقيق البلخي. وكأصدقاء النبي أيوب عليه السلام (الذين ذهبوا إليه ليعزوه في مصابه فراحوا يعظونه وينصحونه بما ليس هو بحاجة إليه.)

حاول هؤلاء الثلاثة أن يعلموها واجب التسليم للإرادة الإلهية. فقال لها حسن البصري:

" من يدّعي بأنه عبد الله ولا يصبر على تأديبه وبلواه ليس صادقاً في ما يدعيه."

فأجابته رابعة: "أشم رائحة الصلف في كلامك يا حسن."

فاستلم الحديث شقيق البلخي وقال:

"من لا يشكر الله على تأديبه له لا يكون صادقاً في ما يدعيه."

فأجابته رابعة: "نريد أن نسمع أفضل من هذا يا شقيق."

ثم جاء الدور لمالك بن دينار الذي قال:

"من لا يتلذذ بتأديب الله له فهو ليس صادقاً في ما يدعيه."

فأجابت رابعة: "وهذا أيضاً لا يكفي يا مالك."

قالوا: "فماذا أنتِ قائلة؟"

أجابت: "إن من لا ينسيه التفكير بالله تأديب الله له فليس صادقاً فيما يدعيه."

توفيت رابعة العدوية سنة 801 للميلاد ودفنت في البصرة. وقد ذكر كاتب سيرتها تفاصيل وفاتها، قال:

في ساعتها الأخيرة أحاط بها نفر من الصالحين فقالت لهم: "قوموا ودَعوني لوحدي علكم تفسحون المجال لرسول الرحمن كي يأتي إليّ."

فنهضوا جميعا وخرجوا من عندها، وما أن أغلقوا الباب حتى سمعوا صوت رابعة وهي تتشهد ثم سمعوا أيضاً صوتاً آخر يقول:

( يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي.)

لم يسمعوا كلاماً بعد ذلك، فعادوا إليها ووجدوا أن روحها الطاهرة قد فارقت الجسد والتحقت بالرفيق الأعلى.

والسلام عليكم

Inner Culture for Self-Realization

-----

خطأ في تحديد الهوية أو حدس منقوس

كما رواها المعلم برمهنسا يوغانندا

التأمل الروحي وإدراك الحقيقة عن طريق الدراسة المتعمقة يسهلان الطريق للتوصل إلى المصدر الكوني حيث ينبثق كل ذكاء.

بالتأمل والإدراك الروحي تحصل على حقائق أكثر مما تحصل عليه من قراءة الكتب. وللحصول على أفضل النتائج يتعين محاولة التوفيق بين الذكاء والبديهة.

ما لا يمكن إدراكه عن طريق الحواس لا يمكن استدلاله عن طريق العقل. ولكن كيف تعرف أنك موجود؟ من الإدراك البديهي أو الحدسي المباشر، وليس من المدركات الحسية.

يجب معرفة الفرق بين البديهة والثقة بالنفس، والغرور أو الثقة المفرطة كأن يقول الشخص: "ما دام هذا قد حدث مراراً فلا بد أن يحدث دوماً"

هناك عدة حالات سيكولوجية تبدو كأنها "حدس" وتضلل الناس. وعندما تُعتبر هذه الحالات على أنها حدس فالنتيجة ستكون معاناة. الحدس الصادق لا يخطئ أبداً.

ذات مرة كنت في زيارة مزارع ذي بديهة شبه نامية، وكان صاحبنا يزعج الجميع بعرض مواهبه الحدسية، وقد جرّب ذلك معي عدة مرات حتى شعرت أخيراً أن الوقت قد حان لإيقاظه من أوهامه.

في أحد الأيام كنت جالساً في بيت صديقي المزارع والباب مغلق، فسمعنا وقع أقدام وسألت صديقي: هل يمكنك أن تخبرني من الطارق؟

فأجاب على الفور: إنه عمي آتٍ لزيارتي بعد غياب طويل، ولم يكتب لي عن قدومه.

فُتح الباب وإذا بالعم حسبما قال صديقي. ولدى سؤاله تبيّن فعلاً أنه حضر دون إشعار مسبق، فصاح صديقي مبتهجاً ومنتصراً: أما قلت لك أنني أمتلك حدساً نامياً وليس شبه نامٍ كما تقول دوماً؟

وعندما عاتبته قائلاً: "توخَّ الحذر يا صاح! فقد تخطئ خطأ كبيراً يوماً ما. صحيح أنك تمتلك بعض البديهة ولكنك لم تعمل على تنميتها لدرجة يمكنك معها الإعتماد عليها.

فضحك من قولي، ولكن لم يمضِ وقت طويل قبل أن أضحك من بديهته.

وتحققت – طال عمركم – توقعاتي ففي يوم ماطر مكفهر، كنا جالسين معاً في نفس المكان عندما سمعنا ضرباً عنيفاً على الباب، فقلت لصاحبي: الآن استعمل حدسك شبه النامي وقل لي من الطارق!

وفكر للحظة ثم قال: "هو أخي أتى دون توقع، هيا افتح الباب وانظر بنفسك.

وضحكت قائلاً: لا، فتح الباب عليك هذه المرة. فحدسي لا ينصحني بالاقتراب من الباب. وما أن نطقت بهذه الكلمات حتى أسرعت إلى الجانب الآخر من الغرفة.

الخلاصة، ما أن فتح صديقي الباب حتى دخل ثور المزرعة الغاضب الغرفة، فقفز صديقي مرتعباً واستولى عليه الذهول.

هجم الثور نحوي، لكنني كنت محترزاً ، فانتقلت إلى ركن آخر وقلت:

"يا صديقي، هذا هو أخوك الذي تنبأ بقدومه حدسك شبه النامي"

-----

الطريق

في فترة ما من حياتنا

يتعين علينا السير في أحد طريقين متعاكسين

ولا بد أن نقف ونفكر ونقرر في أي الاتجاهين سنمضي:

أحدهما يفضي إلى الظلام والآخر يقود إلى النور.

الدنيا بكل ما فيها من مغريات ستحاول اجتذابنا إليها

لكن يجب ألا ننخدع بوعودها الخلبية

وتأكيدها القاطع بأن دروبها تفضي إلى الحياة والسعادة.

إن صدّقنا وعودها سنفقد الكثير

وسيتوجب علينا دفع الثمن غالياً.

يجب أن نتوجه نحو الداخل

ونبحث عن مصدرنا الذي هو مصدر السعادة الحقيقية.

فإن بحثنا عنه بحب منقطع النظير

بكل قلوبنا وإرادتنا وأشواقنا

ستتكشف لنا حقائق باهرة

وسنتذوق حلاوة الوصل.

أيا بوابة السماء ذات الألق المشعشع

لا بد من العبور من خلالك

إلى مملكة الله الزاخرة بالنعيم الأبدي

والساطعة بالأنوار الخالدة.

The Path

Dr. Lewis – East West Magazine

-----

مغناطيسنا الذاتي:

.

إن اعتقدنا أن حالة أو شيئاً ما لهما سيطرة علينا فلن نتمكن من النهوض إلى ما فوق تلك الحالة أو ذلك الشيء.

لا بد من الصعود وتخليص النفس من كل الاعتقادات التي تعيق النمو وتحد من الطموحات الخيرة.

الله هو الغاية القصوى، ولا حد ولا انتهاء لتلك الغاية المباركة.

ذو الهمة العالية والوعي المتفتح يجعل الأشياء الصغيرة تبدو كبيرة للآخرين، أما الذي يحلو له السير في أزقة الشكك والتشكيك ودروب الأنانية الضيقة فستضعه الحياة تلقائياً في بيئة تناسب وعيه وتفكيره حيث يمكنه تحقيق ما يصبو إليه ويعتمل في نفسه.

قد يهبط الإنسان إلى مستويات بعمق جهله وقد يصعد إلى حيث يرتقي به إيمانه ووعيه.

إن مغناطيسنا الذاتي يجذب إلينا الأمور التي نداوم التفكير بها. وبعبارة أخرى إننا في المكان الأكثر مناسبة لنا، لكن في داخلنا قوة يمكنها تحسين ظروفنا وانتشالنا من مصاعبنا.

الآخرون قد يلهموننا للبحث عن تلك القوة واستخدامها، وذلك منتهى ما يمكن أن يقدموه لنا. أما التوصل إلى تلك القوة للاستفادة من طاقاتها غير المحدودة فذلك ما يتعين علينا فعله إنا كنا راغبين.

Starr Dailey

Inner Culture Magazine

-----

يا مصدر الخير ونبع العطاء

لقد منحتنا عالماً فسيحاً

وأرضاً خصبة تغذينا بلبن تربتها

ومنحتنا هواءً نقياً ونوراً قوياً

ومنحتنا نسمة الحياة

فلك الشكر على هباتك المجانية الفائقة.

ولقد منحتنا حب الوالدين وعاطفة أقربائنا الطيبين

لإسعادنا وإثراء حياتنا وتوسيع أفقنا

فلك الامتنان على هباتك التي لا تنضب أبدا.

يا من تلهم النوابغ لمساعدتنا

على المستويين المادي والعقلي

وتبعث الأنبياء ليبينوا لنا معالم الطريق

نحو البوابة الذهبية المفضية إلى مملكة السلام

ما أكرمك وما أعظم عطاياك!

أشكرك بكل آمالي ورغباتي

وبكل طموحاتي وتطلعاتي

وبعقلي وروحي وكياني أرفع لك آيات الحمد

وبكل تواضع وعرفان بالجميل

أقدم لك حياتي وثمارها

حباً بك وخدمة لعيالك.

Thanksgiving

East-West Magazine

-----

لا بد أن تظهر...

كل ما نراه هو أفكار مجسّدة، أو لنقل الأشياء التي نراها كانت أفكاراً غير منظورة اتخذت أشكالاً مرئية فانتقلت من مجال الاحتجاب إلى حيّز الظهور.

والأفكار مهما بقيت محتجبة لا بد أن تظهر بالإعراب عن ذاتها من خلال أفعال نرى آثارها أو أقوال نسمعها أو كلمات نقرؤها.

هناك أفكار عنيفة تجسد ذاتها عنفاً وصداماً

وأفكار حادة تذكرنا بها الأدوات القاطعة

وأفكار توافقية تثمر ألفة ووئاما

وأفكار أنانية تظهر مخالبها الخفية دون تمويه

وأفكار انتقامية لها آثار تدل عليها

وأفكار خيّرة تومض كالشموع في قلب الظلام

وأفكار تفاؤلية تشع أملاً وتشجيعاً

وأفكار نظيفة هي عرائس الأفكار.

دامت الأفكار مشرقة

-----

غربيون يشهدون لسمو رابعة العدوية

كانت رابعة قديسة عظيمة، حيث نقرأ في سيرة حياتها التي ألفها فريد الدين العطار ما يلي:

" تلك الإنسانة المباركة عاشت في خلوة مقدسة.

الإخلاص الديني كان نقابها.

ونيران الشوق الإلهي كانت تضطرم في قلبها.

لقد طغى عليها الحب الإلهي فتاقت نفسها للفناء في مجد المعبود.

تلك المرأة التي فقدت ذاتها في الله.

والتي يعتبرها الناس السيدة العذراء الثانية، هي رابعة العدوية."

يا له من وصف رائع للقداسة الحقة! فقد عاشت رابعة في الدنيا لكنها لم تكن من أهلها. عاشت حياة الروح وهي في الجسد. لقد كانت ممتلئة بالخير والطيبة والصلاح. أما قلبها فكان متنوراً وطافحاً بالوجد الرباني. ولذلك فقد أصبح اسمها خالداً وما زال يتردد على ألسنة الناس.

إن تعاليم رابعة التي ساهمت في تطور التصوف هي على درجة كبيرة من الأهمية. فهي علمت الآخرين الطريقة التي تعلمتها وأدركتها في أعماقها.

ويستطرد العطار:

"كانت رابعة فريدة، وكانت علاقتها بالله ومعرفتها بالأمور الإلهية منقطعة النظير. وقد حظيت باحترام وتقدير جميع عظماء الصوفية وكانت مرجعاً لا يدحض لمعاصريها."

ولمعرفة مدى وقيمة مساهمة رابعة في تطوير الحركة الصوفية، من الضروري إعطاء لمحة عن المذهب الصوفي. فوجهة نظر الصوفيين كانت ولم تزل الآتي:

إن واجب الإنسان هو التخلص من عنصر اللاكينونة وبلوغ الاتحاد الإلهي.

الاستغراق التام في الله يتم تحقيقه [كلياً] بعد الموت ويتم تحقيق قدر منه خلال الحياة الأرضية. لكن كيف يتسنى للشخص التغلب على عنصر اللاكينونة؟

الجواب هو بقهر "الأنا"

وكيف يمكن قهر "الأنا"

الجواب هو: بالعشق الإلهي.

وبهذا العشق وحده يمكن لظلال وظلمة اللاكينونة أن تتلاشى.

وبالعشق الإلهي وحده يمكن لنفس الإنسان أن ترجع [راضية مرضية] إلى مصدرها الإلهي وتحقق هدفها النهائي الذي هو الاتحاد بالحق."

The Sufi Saint, Rabia

Arthur Massey

-----

من رفوف الأرشيف: للفقير ثروة وللمريض عزاء

منبعها خزائن الحكيم العليم، وهي بمثابة خريطة تحوي أساسيات الملاحة في بحر الحياة ودليل موثوق لتفادي الصخور البحرية وانتهاج أقصر السبل إلى بر الأمان.

إنها الحكمة التي هي بصيرة الروح من لدن البصير الخبير، والتي تسلط ما يكفي من الضوء لتبيّن معالم الطريق إلى واحة السلام والأمن والطمأنينة.

هي ليست رسالة لاهوتية، ولا لوائح وقوانين وخطب ومواعظ، بل منارة الفكر والضرورة التي لا تستقيم بدونها الحياة.

إنها نافذة في سجن العالم الأرضي منها نرنو إلى الأفلاك العليا.

وهي هداية وسط الحيرة، وراحة في قلب الضيق، ودعامة ضد السقوط، وتشجيع لعدم الإستسلام للقنوط.

لا تقوم على أفكار بشرية لأن منبتها سماوي، وهي مرساة وقارب نجاة. فيها شفاء القلوب وراحة الضمائر، وتحرير النفوس.

هي للفقير ثروة وللمريض عزاء وللمحتضر يقين بديمومة الحياة.

تشع وسط الظلام نوراً، وتملأ النفس أنساً، ولمستها السحرية تخفف الآلام.

إن كانت درة واحدة من قاع البحر تساوي كل حصى السيول والوديان فالحكمة كلها جواهر ودرر وامتلاكها لا تعادله ذخائر الدنيا ونفائسها.

-----

تقييم الكلام العقيم

يقول الحكماء إن الكلام العقيم يخلق جواً غير صحي وينطوي على أضرار.

ونظراً لفراغه من أي محتوىً جوهري فإنه كثيراً ما يفضي إلى المبالغة في القول، وإلى التشاحن والخصام، ومناوأة وتسفيه الرأي الآخر، وإلى الهزؤ والهزل، والهبوط بالفكر إلى مستويات غير لائقة.

كما يقود إلى إحراج الآخرين وإيذاء مشاعرهم دون طائل، وإلى النميمة والتضليل وبلبلة الأفكار وبث الشكوك.

فالكلام العقيم هو إشهار إفلاس في مجال الابتكار الخلاق الذي لا ينضب معينه لمرتاديه ولا يضن بكنوزه على الباحثين عن الأرقى والأفضل.

ولذا قيل: Let something good be said

والترجمة الأقرب لهذا القول هي الآية الكريمة:

(وقولوا للناسِ حسنا)

------

كلمة جميلة: حلال

أراها مرتبطة بمرجع نهائي تستمد منه شرعية وبركة

ونقيضها هو الحرام الذي لا بركة فيه ولا شرعية له.

للحلال تفرعات جميعها سليمة بطبعها وطبيعتها

فهناك الرزق الحلال الذي يتم تحصيله بوسائل مشروعة

وهناك المعاملات والتعاملات النظيفة بين الناس

حيث يعرف المعنيون ما لهم وما عليهم

وهناك الصدق الذي لا يكمن وراءه دافع خفي

والأمانة التي يعرف محبوها قدرها

والصداقة النزيهة التي يعتبرها الأصدقاء من أنفس النفائس

والمبادئ النبيلة التي يستمد منها أصحابها روحاً وقوة

واحترام حقوق وحريات الآخرين احتراماً لمصدرها الأعلى

وطبعاً هناك أولاد الحلال الذين بوجودهم ما زالت الدنيا بخير.

-----

مهندسو أقدار

لقد منحنا خالقنا كل الأدوات التي نحتاجها لنتدبر أمورنا ونتخير توجهاتنا ونحدد الدروب والشعاب التي نريد أن نسلكها.

وبالإضافة للحواس الخمس التي هي من أكبر النعم لمن يقدرها ولا يسيء استخدامها، فقد منحنا أيضاً العقل والإرادة وحرية الإختيار والقدرة على التمييز والتبصر في الأمور ومآلاتها.

هذه الأدوات التي وضعها الوهاب في متناولنا وبين أيدينا تساعدنا على تخطيط نهجنا وهندسة حياتنا على النحو الذي نريده وبالمقاسات التي تناسبنا.

صحيح أن هناك أموراً تبدو خارجة عن الإرادة ويستحيل تغييرها أو تطويعها، لكنني من المؤمنين بأن المثابرة الجادة وبذل قصارى الجهد من شأنهما إيقاظ طاقات كامنة لتعزيز الجهود ومواصلة السير نحو الهدف المنشود واستنباط فهم سديد للحياة وعناصرها المتشابكة.

عندما أطلق الشاعر الخالد أبو القاسم الشابي تصريحه الذاتي المدوّي:

"سأعيشُ رغم الداءِ والأعداءِ"

فأظنه عنى بذلك بأنه سيعيش بإرادته الجبارة وبكيانه المعنوي الفذ العصي على الانكسار، متحدياً داء التخاذل، هازئاً بالتردد والنكوص، رافضاً الاستسلام للوهن والإصغاء لإيحاءات التثبيط مهما كان مصدرها.

ارتحل الشابي شاباً إنما بقي حياً بأفكاره الجريئة

وأشعاره الهادرة والرقيقة

وروحه الجميلة الطليقة

"كالنسر فوقَ القمةِ الشماءِ"

فتحية لروح شاعرنا الشابي.. وتحية لكم أصدقائي

-----

ما هي الحياة؟

الحياة هي موجة من الالكترونات والذرات

موجة من البروتوبلازم

موجة من القوة

موجة من الوعي

على محيط الروح الكوني.

الحياة هي حركة ذكية ومنتظمة.

قد تصبح كتلة من التراب

أو قد تذيب ذاتها إلى بخار

أو قد تصبح كائناً بشرياً أو زهرة.

فالحجارة والكائنات الحية والمخلوقات [التي تبدو] ميتة

كلها أمواج على محيط الحياة

إذ لا تتوقف الحركة في أي شيء

لأن الحياة تتخلل كل شيء.

طاب مساؤكم.

What Is Life

Inner Culture Magazine

-----

العبادة..

استعدال وعيٍ

وتركيز فكر

وتوجيه شعور

وانطلاقة شوق

وهمسة قلب

وطرب روح

وتوديع مخاوف

وولادة أمل

وتجديد نشاط

وتحديد صلة

وملامسة حضور

ووفرة حب وبركة

-----

يا من سكنت خاطرَ المشتاقِ

وبقيت طول العمر كالترياقِ

إن لم أرَ وجهاً لك فحضورُك

دوماً معي في مهجة الخفاقِ

وأراك في ومض النجومِ في الدجى

وأحسّك في رعشة الأحداقِ

-----

الطيبون

نماذج سلوك وملهمو أجيال

وثوابت غير قابلة للخلخلة

وعناصر لا يتطرق إليها فساد

وجواهر عالية القيمة في سوق القيم

وهم مؤشرات صدق

ورموز أمانة

وبوادر أمل

وبيادر خير

وباعثو ثقة في النفوس

بأن النور أقوى وأكثر ديمومة من الظلام

وأن في جعبة المستقبل خيرات

أجل.. ملح الأرض هم الطيبون

وخميرة الحياة وبهجتها

-----

إن أرض اللهِ رحبةْ

لا تناموا في السجونْ

واتركوا الفكرَ المعقدْ

علكم تروا الجنان

قللوا الكلام حتى

تسمعوا صوت الودودْ

وازهدوا في الدنيا كيما

تبصروا روحَ الوجودْ

من ديوان شمس تبريز

Divani Shamsi Tabriz

ترجمة بتصرف

-----

الحكماء..

لا يعطون بتقتير

ولا يقدمون خدمات منقوصة

ولا يقيسون عملهم بالساعات.

فأوقاتهم وقلوبهم وأرواحهم وقواهم كلها مكرسة لفائدة البشرية.

وكجبال من النور الساطع من قلب الظلمة والجهل

هكذا ينشرون نورهم لعلنا نبصر دروبنا ونتبين مواقع أقدامنا.

أما محبتهم التي لا حد لها

فهي تشبه البحر في عمقها والفضاء في اتساعها.

يأتون إلى هذا العالم وحب الله يسكن قلوبهم

ورغبتهم الوحيدة هي غرس بذور الحق في قلوب وعقول المتقبلين

وإلى ذلك فهم يعملون بهمة جبارة لصالح وخير الجميع.

المأثور عن بوذا قوله:

"ينتهي الحزن بتقديم أفضل الخدمات

وبأداء الواجب بنفس رضية

وبالكلام الذي يشيع في النفس راحة وطمأنينة

وبالدوافع النقية غير الملطخة بالشوائب

وهذه كلها ثروات لا تنفد

ولا تموت بموت الجسد.

Service of the Masters

-----

غيرُ مُجدٍ

إن الجدل الذي يبدأ بأفكار مسبقة مع إصرار على عدم قبول رأي الآخر سيؤول حتماً إلى نتائج غير مرضية، والنقاشات المثيرة للخلاف تجعل الشخص متحيزاً لوجهة نظره الخاصة مما يهمّش هدف النقاش الذي هو التوصل إلى الحقيقة.

وتدريجياً يبدأ المجادلان [المجالدان] بالتركيز على نقاط الضعف في أحدهما الآخر فيكيل كل منهما الاتهامات لخصمه ويتحول النقاش إلى خلاف شخصي ينتهي بالشتائم المقذعة واستعمال الألفاظ النابية وتشويه السمعة والحط من القدر، رفع الله قدركم.

وهكذا تضيع حاسة التمييز وتسود روح الغضب ويفلت اللسان من عقاله وتتغلغل مشاعر المرارة في صدور "المتحاورين".

لذلك قيل ان نار العداوة تشب وتشتعل بسبب النقاشات المثيرة للخلاف والمفضية إلى الشحناء، وعلى الراغب في معرفة الحق عدم الإنغماس في مهاترات عقيمة والابتعاد قدر الإمكان عن الأمكنة التي تثار فيها مثل تلك النزاعات.

أما إن وجد الشخص نفسه في مواقف كهذه فيتعين عليه عدم إطالة النقاش بمحاولة الإجابة ومواصلة الخوض في الحديث لأن النار تخمد من تلقاء ذاتها عند الكف عن تزويدها بالوقود.

وعليكم السلام أصدقائي

Discrimination

H.R. Poddar – Inner Culture

-----

من أدعية السلام - قلب قلبي

يا ذا الحضور الاقدس

يا من تتخلل كل ذرة من ذرات كياني

أنت عين عيني

وأذن أذني

وقلب قلبي

وعقل عقلي

ونسمة أنفاسي

وروح روحي.

باركنا يا رب

كي نحس بحضورك

في الشرق والغرب

وفي الشمال والجنوب

ونسألك أن يحل السلام

وتنتشر نوايا الخير

بين الأفراد والمجتمعات

وكل الشعوب والأمم

السلام للجميع

Swami Omkar of Peace

-----.

القناعة ومملكة في الميزان

.

القناعة هي سعادة في هذا العالم

وهي غذاء للروح وعيش كريم

خالٍ من المضايقات والمنغصات

وهي طريق لا يغص بالمنافسين

لأن السير عليه عسير بالنسبة لكثيرين

مع أنه سهل لذوي الفهم السليم

والنفوس الطيبة والغنية

الذين لا تكبلهم و"تجرجرهم" سلاسل التهافت على بضاعة الدنيا.

لقد وضعتُ القناعةَ ومملكة بطولها وعرضها في كفتي ميزان فرجحت كفة القناعة.

إن عشاق الثراء اللاهثين المهرولين خلفه في محاولة محمومة للوصول إليه والحصول عليه بشتى الوسائل والطرق هم في قلق دائم وأرق متصل كما لو كانوا بين شدق الموت وبراثن الاحتضار.

المهابهاراتا Mahabharata

-----

تأملات في خلائق الله

النيرات والكواكب التي تفصل بينها مسافات شاسعة

وتحكمها دقة رياضية متناهية

والمجموعات النجمية المترامية

والشهب المندفعة في السماء

والغيوم البيضاء المتهادية في الأجواء

كلها تشهد للقوة الإلهية.

والفجر الذهبي.. وغروب الشمس

والبحار ذات الزبد والمد والجزر

وقوس قزح ذو الألوان البديعة

وأشعة الشمس المتلألئة فوق قطرات الندى

كلها تتحدث عن الجمال الإلهي.

والنسر المحلق طليقاً في الفضاء

وقبرة الحقل ذات الصفير

والبقر يجوب السهول ويخور

والأغنام الراكضة باتجاه حضائرها

تحت زخات المطر المنهمر

كلها تشير إلى العناية الإلهية.

والحمائم الهادلة مع الفجر

والغزالة ترضع خشفها الوليد

والعصافير تزق صغارها في الأعشاش

والطفل تغمره أمه بالحب والحنان

كلها مظاهر وتعابير للحب الإلهي اللامتناهي.

والجبال المكللة بالثلوج التي تعكس شمس الأصيل

وشجر الأرز الشامخ فوق سفوح المنحدرات

وقطعان الحيوانات البرية تجوب السهوب

والأنهار الفضية المنعرجة بين المروج

كلها تتحدث عن العمل الإلهي.

وأحباب الله

وطلاب الحقيقة

والباحثون عن غذاء الروح

والأطفال الصغار

ذوو البسمات البريئة والطبائع الرضية

كلهم يشهدون بحقيقة وروعة الوعي الإلهي.

Mignon Splane

Inner Culture Magazine

-----

كبير والإمبراطور

ذات مرة أستدعي الشاعر الصوفي والعارف بالله كبير (1448-1398 م) ليمثل أمام الإمبراطور اسكندر لودي على خلفية شكوى تتعلق بنشره أضاليل تبعد الناس عن الطريق القويم.

ذهب كبير الى القصر ووقف أمام الإمبراطور، فطلب منه رئيس تشريفات البلاط أن يقدم واجب الطاعة لعظمة الإمبراطور، فرد كبير قائلاً بأنه غير معتاد على بروتوكولات البلاط وبالتالي لا يعرف طريقة تقديم الولاء، ثم أردف قائلاً ان لا شأن له مع الإمبراطور لا من بعيد ولا ومن قريب، وانه لا يعرف سوى إسم الله الواحد الأحد الذي هو سنده الأوحد ولا يعترف لسواه بالسيادة.

امتعض الإمبراطور واستشاط غضبا من كلامه، لكنه تركه يغادر القصر بسلام.

ومن أقوال كبير الذي كان يعمل حائكاً ويكسب لقمة عيشه بتعب يمينه وعرق جبينه:

"حيثما يبسط ربيع الروح سلطانه

تصدح من تلقاء ذاتها

الألحان التي لم تعزفها أيادٍ بشرية

وتفيض أنهار النور في كل اتجاه

فلا يستطيع العبور الى الشاطئ الآخر

سوى رهط من الناس

هناك يتجلى الرب بكامل مجده وبهائه

وتتضوع أطيب العطور وأذكاها."

طيب الله جمعتكم وكل أيامكم أصدقائي

المصدر: معرفة الذات والإنترنت

-----

غوص في المحيط الباطني

لقد انغمرت غوّاصة عقلي

تحت أمواج المطامح الأرضية الصاخبة

وبقوى التأمل غاصت إلى أغوار المحيط الباطني.

بحثتْ عنك غوّاصتي

المزوّدة بوقود الإيمان

وسط الوديان البحرية الضيقة العميقة

والمضايق المظلمة.

فتشتُ عنك في أصقاع السكون..

في الوهاد السحيقة لمحيط الوعي.

وفجأة ظهرتَ لي أيها الوجودُ الكلي

فأبصرتُ نورَك الأزلي

في قلب الظلام القديم قدم الدهر.

بعد البحث المتوالي عنك

والتجوال المتواصل

في مجاهل أسرارك العجيبة

بلغت أخيراً مشارف اللانهاية.

لم يكن مسمعي متناغماً

مع صوتك المبدع الخلاق

وبشوق وترقـّب انتظرتُ سماع صوتك

فتسلل إليّ سحرُ سكينتك

وبهمسات بديهية علمتني لغة الملائكة.

الآن، وفي معبد سلامي الباطني

أستمتع بقربك في قلب السكون

ونتحادث بكلمات صامتة

لا يُسبر غورها.

أيا إله الخفايا التي لا ُتستقصى

سنتحدث للأبد

بكل ما في القلب

من بلاغة وفصاحة!

همسات من الأزل

للمعلم برمهنسا يوغانندا

-----

عندما تأمرني بالغناء

يكاد قلبي يتفجّر من شدة الفخر

وإذ أنظر إلى وجهك

تترقرق الدموع في عينيّ

وكل ما في حياتي من خشونة ونشاز

يذوب في لحن عذب واحد

فيبسط ُ هيامي جناحيه كطائر تملؤه البهجة

لانطلاقه عبر البحر الفسيح.

إنني أعلمُ بأنك ترتاح لغنائي.

وأعلمُ بأنني لا أقف في حضرتك

إلا بصفتي منشداً.

وإذ أنتشي بفرح الغناء

أنسى نفسي فأدعوك صديقي

يا من أنت سيدي!

رابندرانات طاغور

-----

أيتها الومضة العجيبة

التي تزيح الحجب

وتبدد ضباب الهموم

وتستقطب عشاق الأثير

إنك تهدين للفكر سكينة

وللروح راحة

وللقلب طمأنينة وأنساً.

ما أروعك تتسنمين الذرى

وتخترقين طبقات الظلام!

أنت مرفأ سلامٍ

ومغناطيس خير

وبوابة ذهبية

تشع بأنوار الهدى..

إن مداكِ بعيدٌ.. عميقٌ.. غير محدود

ومصنع إبداعك لا يكرر نتاجه

وبسمتك تضيء العتمة

وإشراقتك بهجة ونعمة

فتحية لك أيتها الرائعة

-----

يا من علـّمَتني الحياةُ ان أعبدك

ولا تحتاج إلى تذكيري لك

كي تذكرني وتشملني برحمتك.

لا أستطيع أن أتصورك قابضاً يدك

بانتظار استعطافي لك كي تمنحني ما أنا بحاجة إليه

فأنت ينبوع العطاء وأصل وروح السخاء

ويداك القويتان تعضدانني على الدوام.

بك يا رب أحيا وأتحرك وأشعر بكينونتي

ومع كل نفس من أنفاسي أستمد حيويتك

وأحس دوماً بقوتك تسندني وتساندني.

بنورك أبصر ما يمكن رؤيته

وبصوتك أسمع ما يمكن سماعه

وبقدرتك أعمل ما يمكنني عمله.

يا من تـُبقي قلبي نابضا بالحياة من لحظة لأخرى

وتحتفظ بالدم سارياً بانتظام في عروقي..

يا من تحفظ الأرض مندفعة في مدارها

وكوكبة الجبار مشعشعة وسط الأبراج

ويا من فرشتَ درب التبانة بملايين العوالم

دعني أبدأ يومي بلحظات تأملية عليك

وأرفع قلبي حبا وامتناناً إليك.

The Majesty of God

-----

من أدعية الهنود الحمر

أيها الروح الأعظم،

يا من أسمع صوتك في دمدمة الرياح..

ويا من تبعث أنفاسُك الحياة في كل العوالم..

استمع إلى ندائي!

فأنا الصغير الضعيف في أمسّ الحاجة إلى قوّتك وحكمتك.

دعني أسير على دروب الجمال.

بارك عينيّ كي تبصرا السحاب الأحمر والغروب الأرجواني.

لتحترم يدايَ كل ما خلقته، وليصبح سمعي مرهفاً كي ألتقط نغمات صوتك.

هب لي الحكمة حتى أفهم الأشياء التي علمتها لآبائي وأجدادي.

دعني أتعلم الدروس التي أودعتها في كل صخرة وكل نبتة وورقة.

أسألك القوة لا لأستقوي على أخي، بل لأقهر عدوي اللدود: نفسي.

دعني أفكر الأفكار النظيفة وأعمل بنية طيبة.

ساعدني كي أقف بجانب الآخرين وأمد لهم يد العون.

والهمني كي أكون دوماً على أهبة الإستعداد لمقابلتك

بيدين نظيفتين وعينين غير منكسرتين..

بحيث عندما تخبو جذوة العمر

مثلما يتلاشى الشفق

تنطلق روحي إليك بكل ثقة

وبلا حسرة أو ندامة.

Self-Realization Magazine

-----

النساك الثلاثة

ورد في فصل (قانون المعجزات) من كتاب مذكرات يوغي: السيرة الذاتية المعروف بعنوان (فلسفة الهند في سيرة يوغي) لمؤلفه برمهنسا يوغانندا ما يلي:

كتب الروائي الكبير تولستوي قصة ممتعة بعنوان (النسّاك الثلاثة)، وقد قام صديقه نيقولاس رورتش بتلخيصها كما يلي:

"في إحدى الجزر عاش ثلاثة من النساك المتقدمين في السن وكانوا على درجة كبيرة من البساطة بحيث أن دعاءهم الوحيد كان على هذا النحو: "نحن ثلاثة وأنت ثالوث: اغمرنا برحمتك! " لكن معجزات كبرى تمت بفعل هذا الدعاء الساذج.

وحينما سمع أسقف تلك المنطقة قصة أولئك النساك وصلاتهم غير المقبولة، صمم على زيارتهم لتلقينهم الإبتهال الصحيح بحسب الأصول الكنسية. ولدى وصوله الجزيرة أخبر النساك أن ضراعتهم المرفوعة إلى السماء غير لائقة، وقام بتلقينهم بدلا منها العديد من الصلوات التقليدية. ولكن ما أن غادر الجزيرة حتى رأى نوراً وهاجاً يعدو في إثر سفينته. وعلى الفور أبصر وسط الضوء النساكَ الثلاثة وهم يمسكون بأيدي بعضهم ويركضون فوق الأمواج محاولين اللحاق بالسفينة وهم يصيحون:

"لقد نسينا الابتهالات التي لقنتها لنا، ونرجو أن تكررها لنا حتى نحفظها."

"لكن الأسقف الذي صعقته الدهشة هز رأسه وأجابهم في تواضع: "أيها الأعزاء، واصلوا صلاتكم القديمة!"

-----

أنشودة العاشق

لا أعرف يا رب أسماءك القدسية

ولست متمرساً بطقوس عبادتك

وأفتقر لمعرفة كيفية تمجيدك

وتعوزني طريقة التأمل عليك

لاجتذاب حضورك الإلهي

ولكن ما أعرفه يا رب

هو أنك نزيل قلبي

وملازم لفكري

وأن حبي لك وثقتي بك بلا حدود.

Stotra – by Shankara

-----

أقوال بمناسبة أول نيسان/أبريل:

عندما يتعود اللسان على الكذب يفلت من يد صاحبه ويصبح من الصعب بل من المستحيل استرداده والتحكم به. وهذا ما يفسر أن بعض الناس يكذبون – بالرغم من طيبتهم – لأن الكذب أصبح عادة مستحكمة في طبعهم. وهناك من يكذبون لا كرهاً للصدق بل محبة بالكذب!

الكذاب ينسى ذاكرته، ومن يعتبر ذاكرته غير دقيقة ينبغي ألا يمتهن الكذب.

الكذب ينمو في كل تربة ويثمر في كل مناخ، وما من رباط قوي يربطنا ببعضنا البعض ككلامنا. ولو عرفنا تداعيات الكذب وعواقبه الوخيمة لحاربناه أكثر من أية جريمة أخرى.

يجب عدم تعقب الكذب في محاولة للإمساك به بل ينبغي تركه وشأنه، وعاجلاً أم آجلا سيصل إلى طريق مسدود فتنفد قواه ويفقد ما بجعبته من أضاليل.

الكذب (الذي يعتبره البعض ملح الرجال) هو صناعة مفبركة رديئة النوعية وموضوعة على الرفوف بانتظار الإعلان والتزويق والتسويق.

إن كذبة واحدة يلزمها كذبات كثيرة للتستر عليها. وهي تشبه البناء المشيد على أساس مقلقل، يحتاج دوما إلى دعامات ومساند خوفاً عليه من التهاوي والسقوط. وبالتالي تكون تكاليف صيانته وإسناده أكبر بكثير مما لو تم تشييده أصلا على أساس صحيح وسليم.

الكذبة المتعمدة هي كسيحة لا تقوى على النهوض والوقوف بمفردها بل تحتاج إلى كذبات أخرى كي تتوكأ عليها. ولذلك من السهل أن يكذب الإنسان إنما من الصعب أن يكذب كذبة واحدة فقط لا غير.

لا يوجد في العالم أندر من كذبة منعزلة، لأن الكذب يتناسل كالضفادع. وما أن يتم إطلاق كذبة واحدة حتى تعود ووراءها شلة كبيرة من الكذب والحبل على الجرار.

الكذبة الكبيرة تشبه سمكة كبيرة على اليابسة، فقد تنتفض وتنط وتتحرك بسرعة في محاولة منها لترويع من حولها، لكن إن لزمتَ الهدوء فستكف السمكة المحتضرة تدريجيا عن الحركة وبالتالي ستصبح جثة هامدة.

قال أحد الحكماء لتلميذه: يا بني ليكن الكذب غريبا على شفتيك ولا تسمح له أن يحجب شفافيتك. ولا تدع لسانك يرضى عن الصدق بديلا لأن الكذب يدنس اللسان ويخزي الإنسان.

أعزكم الله أصدقائي

وتحية صادقة لكم

المصدر: موسوعة الأفكار

-----

تهادت أفكارها كالسحاب الأبيض في سماء حياتها

Her thoughts soared like fleecy clouds in the sky of her life

تحمّل مشقات الحياة اليومية بعزيمة ثابتة وإيمان راسخ

He bore life’s daily difficulties with an unshakable faith and firm resolve

أصدقاؤنا الصادقون يشعرون بشعورنا ويدركون ما نحتاج إليه

Our true friends feel for us and understand our needs

لم تبدُ على وجوههم القاسية علامات التعاطف والمواساة

No signs of compassion and sympathy were visible on their hard faces

أضاء دربه بشعلة الأمل الحية

He lit his path with the living flame of hope

لم يستسغ ذوقها الرفيع مرارة الكراهية

Her refined taste never relished the bitterness of hate

لم يخبُ حماسه ولم تفتر همته

His enthusiasm never dimmed nor his zeal ever waned

غاصت في لجج الأفكار العميقة

She plunged into the depths of profound thou

لم يسمح للقيود بتكبيل إرادته

He didn’t allow limitations to fetter his will

استوحت أشعارها الراقية من رؤى الجمال النادرة

Her sublime poetry was inspired by rare visions of beauty

كانت بلاغته مضرب الأمثال

His eloquence was proverbial

شجرة الصبر مرة لكن فاكهتها حلوة

The tree of patience is bitter but its fruit is sweet

نحتَ من صخور الفكر تحفاً أدبية فائقة الجمال

He hewed from mental rocks exceedingly beautiful literary masterpieces

ارتقت بأفكارها إلى مستويات رفيعة من الفهم الودود

She raised her thoughts to high levels of loving understanding

لطالما حلم بالخلود وتشوق للإفلات من جاذبية الأرض

Often he dreamt of immortality and wished to defy the earth’s gravity

الحبُ ضيفٌ والفؤادُ مضيفُ

Love is a guest and the heart is the host

April, 2016

-----

وقفة مع الإرادة:

الإرادة هي من أقدس الهبات التي امتن الله بها على الإنسان. وهو سبحانه يريدنا أن نستخدمها في كل ما نقوم به. ولم يمنحنا الإرادة وحسب، لأنه لو فعل ذلك لجاءت إرادة عمياء لا تحسن التمييز بين الحق والباطل والخطأ والصواب. بل رحمة منه وهبنا أيضاً نعمة العقل وكذلك ملكة التمييز بين النافع والضار والمعقول واللامعقول.

ولا يضيرنا القول أن إرادة الإنسان مهما كانت جبارة لا يمكنها التعامل دوماً بنجاح مع كل مسائل ومشاكل الحياة. وفي ذلك حكمة لأولي الألباب.

وبما أن إرادة الإنسان غير قادرة على التغلب بمفردها على ما يعترضها من عوائق وتحديات فلا بد أن يستعين الإنسان بمصدره ملتمساً العون والإسناد في معركة الحياة. ما عدا ذلك لن يحرز نجاحاً فعلياً ولن يتمكن من مقارعة الأحداث بمفرده. بل وقد تأتيه مفاجآت غير متوقعة تجعله يعيد الحساب ويسعى لانتهاج مسالك الصواب.

فالله هو الذي يمنح للوعي نوراً وللإرادة عزيمة وللبصيرة هداية وللقلب طمأنينة وللضمير صوتاً، ومن يتوجه إليه بثقة ورجاء لا بد أن يحصل على مبتغاه لأنه سبحانه أكرم من أن يحرم سائليه أو يخذل المتكلين عليه. وصدق من قال:

من يسأل الناسَ يحرموه .. وسائل الله لا يخيبُ!

-----

عاش تلك التجربة ليس بعقله فقط

ولكن بقلبه وروحه أيضاً وبكل ذرة من كيانه.

أما الإشراقة الفائقة والفرح الباذخ اللذان اختبرهما

لدى اكتشافه ذلك فقد كانا من الاتساع

بحيث أدرك أن قروناً وآلاف السنين

ودهوراً تفوق الحصر من الألم والمعاناة

أصبحت كاللاشيء أو أقل من اللاشيء

مقارنة بتلك الغبطة التي تجل عن الوصف.

فالخطيئة والحزن والموت تحولت إلى كلمات

ابتلعها الفرح الأعظم كما تبتلع البحار السبعة صغار الأسماك.

وشعر كما لو أن خلايا دماغه قد أعيد تشكيلها من جديد

أو منطقة جديدة من الخلايا فـُتحت في دماغه

بفعل مثقب غير منظور يشق قنوات خلوية ومسارات فكرية جديدة.

وتلك الظاهرة هي برهان قوي على نظرية ريتشارد بَك Bucke

التي تؤكد بأن الوعي الكوني Cosmic Consciousness

هو ملكة طبيعية للإنسان وأن خلايا الدماغ المتصلة بتلك الملكة

هي موجودة فعلاً في الإنسان مع أنها هاجعة أو غير مفعّلة

في معظم الناس في الحقبة الراهنة.

Lauri Pratt

East West Magazine

-----

نحن لها

نحن = أنتم وأنا

نحن لتمهيد الدروب وتنحية العوائق وبث روح التفاؤل والتشجيع

ونحن لاستكشاف طاقات الخير ونشر ثقافة التجديد المفيد

ونحن لفتح أبواب التفاهم ومد جسور التواصل المثمر والبنّاء

ونحن للارتقاء بالوعي إلى ما فوق الروتين المألوف

ونحن لتفعيل حرية الإختيار وتوظيفها في تحقيق إنجازات تدوم

ونحن للغوص في بحر الفكر واقتناص درر المعاني البكر

ونحن لتعزيز المفاهيم الصحيحة وترسيخ القيم السليمة

ونحن للإيمان بالله و بأن الحق فوق القوة مهما بدت الصورة مغايرة

ونحن للتعامل مع الظروف والأحداث بمهارة وتؤدة وحنكة

ونحن لعمل ما يرتضيه العقل ويقره الضمير.

-----

اليوم هو عيد القيامة

فماذا تعني القيامة بالنسبة لي؟

إنها قيامة الوعي من دياميس الغفلة

ونهوض الإرادة الطيبة من تحت ركام التزمت والإقصاء

وانبعاث السلام من هوة العداوة والبغضاء

وبزوغ نور الفهم من ظلمة التقوقع وضيق الأفق

وانبثاق ينابيع الخير من تحت أكداس الأنانية والجحود

وصحوة المعرفة من غفوة الجهل

وإشراق المحبة في فضاءات القلوب والنفوس.

-----

تلك اللحظات

التي تمر

مرور الطيف

ثم تهجع

في ذاكرة القلب

تبقى حية جلية

قوية الحضور

تنبض لهفة ونشوة

تتماوج صدىً

في وهاد الحنين الأكبر

وتمنح تأكيداً قاطعاً

بأن الحب خالد

لأنه روح الحياة

ولأنه أقوى من الموت.

-----

"عندما تتقبل النور أيها الحبيب

وعندما ترى المحتجب دون حجاب

ستنتقل كالنجم السيار فوق أديم السماء."

هذه النفحات هي من ديوان المثنوي لقطب العشق الرباني جلال الدين الرومي.

والقراءة المتمعنة لهذه الكلمات تشي بأن الصوفي العظيم عاش تلك التجربة فاخترق ببصيرته المدفوعة بوقود الشوق حجابَ الوهم الكوني وأبصر النور الذي تحدث عنه تصريحاً أو تلميحاً أصحاب الأحوال وذوو المشاهدات.

ونستنتج أنه كان اختباراً فائقاً حرر ملكاته من جاذبية الأرض فشعر وكأنه قد تحول إلى كائن أثيري ينطلق ويحلّق دون عناء بين الأرض والسماء .. وتلك هي منية وغاية ذوي الأذواق والإشراق.

-----

لم تمنح الحياة الإنسان كأساً فارغة ليروي ظمأه، بل منحته كأساً نظيفة فيها شراب منعش ومغذٍ، يطفئ العطش ويجدد النشاط.

إنها كأس البساطة الفطرية والإيمان بالحياة والنوايا الحسنة والطموح المشروع والنفس الغنية والإيقان بأن الكون قائم على أسس الخير بالرغم من كل القوى المغايرة التي تحاول العبث بالتصاميم الأصلية وإفساد الخطة الكونية التي لا أمل بالسعادة والارتواء إلا بالتماشي معها ومراعاة نواميسها.. لئلا يقال:

"ظمآن والكأس في يديه".

-----

أصباغ النفس

"كل نفس مصبوغة بلون أفكارها"

هذا القول هو للإمبراطور المفكر ماركوس أوريليوس ونستشف منه أن الامبراطور الذي لم يلهه منصبه الرفيع وشواغله الخارجية الجمة عن الغوص في أغوار النفس واستكناه ما تنطوي عليه من خصائص يضفي عليها الفكر لوناً أو ألواناً متعددة الأطياف والدرجات.

فما عسى أن تكون ألوان تلك الأصباغ التي ألمح إليها الإمبراطور؟

قد يكون رأى لون الصدق الذهبي

أو لون الصلف الأغبر

أو لون الغرور الفاقع

أو لون التواضع البنفسجي المريح

أو لون الكذب الزئبقي الرجراج

أو لون الوفاء المشع

أو لون الإيثار الزاهي

أو لون الأنانية الباهت

أو لون الطمع الأكدر

أو لون المحبة الكريستالي النابض بالجمال...

-----

استراحة سلام

يقول الرحالة عمر غاريسون:

أتينا اليوم إلى مقر السلام حيث استـُقبلنا بالتكريم والترحاب.

شاعر الهند العظيم ومنشدها المحبوب طاغور لن يتمكن من مقابلتنا شخصياً لعدة ساعات، لذلك قمنا بجولة في جامعته الدولية حيث الأشجار البديعة الأشكال والمباني النظيفة التي تضفي على المكان مظهر الترتيب والنظام والصفاء.

هناك مبانٍ مخصصة للفتيات وأخرى مخصصة للفتيان، ومكتبة ضخمة زاخرة بالكتب في كل لغات العالم الرئيسية وتضم عدداً كبيراً من المخطوطات السنسكريتية والأردية والبنغالية والتيبتية.

إنه عالم من الفكر والمعرفة العميقة والغزيرة... ومع أن غرف الدراسة جيدة التجهيز لكن معظم الحصص يتم تدريسها في الهواء الطلق تحت الأشجار الظليلة والكثيفة الأوراق كما هي الحال في الهند على مدى قرون.

هناك، في سكينة الطبيعة وهدوئها الشامل تأخذ الفلسفة معنىً جديداً وتترجم ذاتها إلى حقيقة وكيان لا يتوفران في المدارس التقليدية.

التأكيد هنا هو على الطبيعة الفانية لهذا العالم. ومع أن للعلم أهمية خاصة في المنهج الدراسي، لكن نظراً لطبيعة المكان لا تغيب عن ذهن التلميذ الحقيقة العظمى خلف كل أنشطة الحياة.

والمعلم طاغور دائم الحضور مع تلاميذ مدرسته الذين يتحلقون حوله يومياً ليستمعوا إلى أحاديثه الدافئة الشيقة. أما هو فينظر إليهم نظرة الأب الحنون إلى أطفاله الأعزاء.

وفي لقائي معه قال:

"لا يمكن لمبادئ الفلسفة أو العقيدة أن تنحصر في الجماعة التي تنتمي إليها. إن أية مسألة قد تنشأ في حياتنا، سواء كانت دينية أو سياسية أو اجتماعية، هي مسألة تهم العالم بأسره، لأننا إن أردنا أن نرتقي على سلم الوعي علينا أولاً أن نتخلص من القيود الضيقة التي تفصل الشعوب عن بعضها، ويجب أن نتشوق لعالم يعمه السلام والإخاء الإنساني والازدهار، ليس عن طريق التعاطف السلبي أو التواصل السطحي، بل من خلال المحبة الفعلية.

East-West Magazine

-----

السعادة والألف شمعة

إن العمل على إسعاد الآخر يلهم ذلك الآخر كي يعمل بدوره على إسعاد غيره وهكذا دواليك.. فتستيقظ السعادة وتتسع دائرتها وتزداد غلتها.

بالإمكان إشعال ألف شمعة من شمعة واحدة دون أن يتسبب ذلك بتقصير عمر تلك الشمعة.

وبالمثل، لا تنقص السعادة أبداً بمقاسمتها الآخرين.

-----

قال المتنور بوذا لمريديه:

كونوا كالأرض الرحبة الفسيحة، فبالتشبه بالأرض المترامية الأطراف يتحرر الفكر من المخاوف المتولدة من الأحاسيس الناجمة عن الأمور الممتعة السائغة أو تلك البغيضة المزعجة.

الناس يرمون إلى الأرض أشياء نظيفة وأحياناً يلقون قاذورات من كل الأنواع والأصناف، فلا تجزع الأرض ولا تشمئز ولا يضيق صدرها، وهكذا عندما يتشبه الفكر بالأرض سيتسع أفقه وتزداد قدرته على الاستيعاب ويصبح متحرراً من الهواجس المقلقة.

-----

ردة الفعل والغبار

عندما يعبّر الشخص عملياً عن الأفكار التي تعتمل في عقله فلا بد أن يتبع ذلك ردة فعل.

إن أساء أحد إلينا تبزغ على الفور الرغبة في المعاملة بالمثل، أو يتولد حب الإنتقام في النفس.

يجب الإحتراس من ردة الفعل الطبيعية تلك لأنها تشبه كنس الغبار بعكس اتجاه الريح، فلا يذهب الغبار مع الريح وتكون النتيجة تلويث الوجه - أكرمكم الله - وإثارة المزيد من الغبار.

وليس آخراً فإن سوء الطالع يلازم دوماً محبي الإنتقام.

-----

كلام الحكماء عن الكلام

بعض الكلام يُدخل السلام والطمأنينة إلى النفس، وبعض الكلام وحشيٌ يسبب الهيجان والاضطراب.

بعض الكلام نافع وفعّال، وبعضه مؤذٍ وله آثار ضارة.

بعض الكلام يحمل في تضاعيفه مودة وتفهماً، وبعضه مشبع بالحقد المَقيت.

الكلام الذي نتلفظ به [أو ندونه] يجب اختياره بعناية لأن الناس سيسمعونه [أو يقرؤونه] ويترك في نفوسهم تأثيراً طيباً أو سيئاً.

إن كانت أفكارنا تزخر بالحكمة والفهم والتعاطف الوجداني ستتمكن من مقاومة الكلام الشرير الذي نسمعه وتحييد آثاره، وفي نفس الوقت يجب ألا نسمح للكلام غير المنضبط بأن ينطلق من أفواهنا كالمقذوفات لئلا يوقظ الضغائن ويبث مشاعر الغضب والكراهية.

Inner Culture

-----

مِن الذي قضى في عزّان: تعزية إلى صحبه ومحبيه

يا أصحابي الأوفياء!

أعرف أن جثماني الممّدد تعلوه الصفرة والبياض وأنه بارد كالثلج.

تقولون "قضى عبد الله!" وتنتحبون عند الرأس والقدمين. أستطيع رؤية دموعكم المنهمرة وأسمع تنهداتكم ودعواتكم، مع ذلك أبتسم، وأهمس لكم:

"لستُ ذلك الشيء الذي تقبّلون فكفكفوا دموعكم، ودعوه يرقد فهو كان لي، ولم يكن أنا."

يا أصدقائي الطيبين! ذاك الذي تعطره وتجهزه النسوة لتوسيده الثرى ليس سوى كوخ أغادره وثوبٍ ضاق عليّ فلا يمكنني ارتداؤه بعد الآن.

إنه مجرد قفص أفلت منه طائر روحي. فأحبوا ساكن الحجرة لا الحجرة، ولابس الثوب لا الثوب، وريش الشاهين لا قضبان القفص التي أبقت الطائر بعيداً عن تلك النجوم المشعشعة.

يا خلاني المحبين! جففوا كل عين بللها الدمع فالذي ترفعونه على الأكتاف خرجت منه اللؤلؤة.

لقد تحطمت الصدفة وهي الآن ملقاة في مكانها دون حراك. أما النفس فهي اللؤلؤة، وهي هنا.

لقد أودع الله في وعاء من خزف عقلاً يحبه وسدّ على ذلك الجوهر بغطاء. فدعوا الحطام إلى الأرض يعود ما دام الذهب يتوهج في خزائن الرحمن.

تنتحبون يا أصدقائي في حين أن من تقولون أنه ميّت يغمره نعيم يعصى على الوصف وما زال حياً يُرزق ويحبكم.

صحيح أنه فـُقد ولم يعد باستطاعتكم رؤيته بالنور الذي تبصرون به، لكن في النور الذي لا يمكنكم معاينته.. في دنيا المباهج التي لم تتذوقوها بعد.. في الفردوس العريض يحيا حياة لا تنقضي بالموت أبدا.

أستودعكم الله ولا أودّعكم يا أصدقائي، فحيث أنا موجود سيكون مقرّكم أيضاً.

لقد غاب شخصي عنكم لفترة وجيزة وعندما تأتون إلى حيث ولجت ستتعجبون من بكائكم لأن هنا كل شيء، وهناك لا شيء.

ابكوا قليلاً إن كان لكم في البكاء عزاء لكن تذكروا أن شعاع الشمس يعقب المطر. لقد بت أدرك الآن أن الموت هو النسمة الأولى التي تستنشقها أرواحنا عندما تدخل الحياة الأبدية التي هي محور كل حياة.

وتأكدوا أن الوجود بأسره يبدو مغموراً بالحب لدى معاينته من عرش الله في أعلى عليين.

فلتكن قلوبكم قوية (ولتستعدوا) للقدوم بجرأة إلى داركم، دار البقاء.

لا إله إلا الله!

هذه رسالة الذي قضى في عزّان إلى صحبه ومحبيه لتطييب الخواطر وتبديد الأحزان.

He who died at Azan

Edwin Arnold

-----

لكم تمر في بالي، فأجد نفسي متأملاً جبينك الوضاء وقد التمعت فيه أقباس النبل وشعّت منه كهرباء الإخلاص.

لقد عهدتك أصيلاً.. شريف المبدأ..شعلة حية من مشاعر دافئة وعرفتك نفساً كبيرة أبية .. ملء العين والقلب فهنأت نفسي لعثوري على أحد أنبل أبناء الحياة.

وتمر الأيام فأبحث عنك بين سفوح الذكريات ووهاد الحنين لأعانقك بالروح مستعيداً شعوراً لا يوصف لدخولك عمقاً في كياني.

ولكم سمعت نبرات صوتك تعيد تشكيل ذاتها لتتحول إلى إيقاع عذب ولحن أثير ومؤثـّر تلذ لي نغماته الصامتة السارية في حجرات القلب.

إن محراب الصداقة الذي يخيم عليه جناح الصمت قد احتفظت به نظيفاً مرتباً وأضفيت عليه حلة من وهج الأشواق وهو بانتظار ذلك الطيف اللطيف وكأنني به يهمس:

"في طيّب القلب قد وجدتُ سماتي"

-----

سُئل أحد الحكماء عن تعريفه للأنانية فأجاب:

لا يُدعى الإنسان أنانياً لأنه يعمل من أجل صالحه بل لأنه يَعمد إلى تحقيق مصالحه وتنفيذ مآربه على حساب الغير، وبتصرفه هذا يزيح تربة التكافل الإجتماعي من تحت قدميه كما لو أنه يحفر قبره بيديه وعاجلاً أم آجلاً

تتضافر قوى الكون وقوانينه العادلة فتدفعه دفعاً إلى لَحده وتطمّه بركام الألم والحسرة والمعاناة التي سببها لغيره.

فمن ينتهج الأنانية سبيلاً ويتهافت على الإمساك بكل ما تصل إليه يده دون حسيب أو رقيب سيفقد في النهاية كل شيء ويُلفظ من هذه الدنيا التي غالى بها وتكالب على حطامها عارياً إلاّ من ثوب العار، مهجوراً من القريب والغريب، محروماً من الأحدوثة الطيبة والثناء الحسن.

-----

توحّــــــــــــــــــد

أنت المحيط

وأنا الموجة

أنت اللهب

وأنا الشرارة

أنت الزهرة

وأنا الأريج

أنت الحبيب

وأنا المحب

أنت الأغنية

وأنا النغمة

أنت البحر

وأنا القطرة

أنت الضحكة

وأنا الابتسامة

أنت الضوء

وأنا الذرة

أنت الوعي

وأنا الفكرة

أنت القوة

وأنا العزيمة

أنت السلام..

أنت السعادة..

أنت الحب..

وأنا واحد معك

في الحب

والسعادة

والسلام.

By S. Y

-----

لقد فاضت أنهار الغبطة على ضفاف روحه

وغمرته أمواج من نشوة تعصى على الوصف

وحتى الكلمات التي كانت بالنسبة له مجرد كلمات من قبل

كالنعيم واللانهاية والأبدية والحق والحب الإلهي

أصبحت في ومضة عين

مرتكز كينونته وجوهر حياته

والحقيقة الوحيدة في الوجود.

ولقد أدرك أن فوارات الفرح السرمدي

موجودة في كل قلب

وأن تلك الحياة الخالدة

هي ميراث الإنسانية.

ذلك الحب الشامل الذي لا حدود له

والذي يغلف ويسند ويوجّه

كل ذرة وكل جزيء في الخليفة

اجتاح كيانه بتأكيد قاطع

فطفرت روحه بهجة

وامتلأ قلبه بالشكر والعرفان.

Laurie Pratt

-----

انتصاف للجديد من القديم:

تقول الشاعرة:

على مدى الأيام والأعوام

زخرت قصائد الشعراء

بالاحتفاء بالزمن القديم

والحب القديم

والصداقة القديمة

والخمرة القديمة المعتقة.

لماذا ينبغي أن يحتكر القديم كل هذه الإشادة والتمجيد؟

أما آن الأوان كي يحظى الجديد بنصيب من إطرائي ومدحي؟!

أعطني أصدقاء جدداً أقوياء أوفياء

عندما يخذلني الأصدقاء القدامى ويزهدون بصداقتي

فليس من الحكمة الغرق في قارب مثقوب

أو الاتكاء على قصبة مرضوضة.

أعطني حباً جديداً ينبض عذوبة ورقة

عندما يغادر اللطف واللطافة الحب القديم

فيذبل كالوردة أو يصبح بارداً

كموقد خمدت ناره وخبا دفؤه.

أعطني أوقاتاً جديدة

متألقة بالبهجة

مزدهرة بالأمل

عوضاً عن الأيام القديمة

المترعة بالدموع

المثقلة بالهموم

فإنني أقدّر اللحظة المشمسة

وأعتبرها جديرة بالثناء.

وعندما ينهش الاهتراء

الأفكار والمفاهيم القديمة

فتتآكل وتضيق عن استيعاب النفس المتفتحة

واحتواء أفقها الرحب

أعطني أفكاراً ومفاهيم سليمة

قوية، جميلة، جديدة، ومتجددة

أقبلها وأتقبلها بكل ارتياح.

Old and New

Ella. W. Wilcox

-----

في سالف الأزمان سأل الامبراطور الصيني شون الإمبراطورَ ياو (2184-2223 ق.م):

"يا صاحب الجلالة، كيف تستخدم صلاحياتك وعلى أي نحو تصرف قواك؟"

فأجاب الامبراطور ياو:

"لا أمارس التكبر والغطرسة على الضعفاء والعزّل

ولا أتخلى عن الفقراء والمحتاجين

وأحزن على المفارقين

وأحب أيتامهم وأشملهم برعايتي

وأشفق على أراملهم وأتحنن عليهن."

East-West

-----

إن أردنا أن نكون قضاة عادلين، منصفين في أحكامنا في كل الأمور، فيتعين علينا أن نقنع أنفسنا أولاً بأنه لا يوجد واحد منا دون عيب، وليس هناك من يمكنه تبرئة نفسه [بالمطلق].

ومن يعتبر نفسه بريئاً، يفعل ذلك من منطلق عدم وجود شهود وليس بشهادة ضميره.

Lucius Annaeus Seneca

-----

الإنسان: محور العقل الكلي

لا بد من المراقبة الدقيقة والمدققة لمعرفة إلى أي مدى يسمح الشخص بتقييد ذاته بالرأي العام وبأفكار وهيمنة الآخرين أو بالخوف أو بالتشبث الأعمى والنفور غير المبرر.

ما دام الإنسان هو محور العقل الكلي، فلا بد أن يكون عقله متحرراً وليس مرهَقاً بركام التحيزات المجحفة والتعصبات المتطرفة والأفكار المسبقة.

من واجبنا أن نرى الأشياء كما هي، بتجرد وموضوعية، وليس من زاوية المنفعة الذاتية أو من منظور الرؤية الضيقة.

كما يتعين تنمية الحكم المنصف وغير المتأثر بالتحبيذات والرغبات الشخصية.

ساعدنا يا رب كي نحتفظ بهدوئنا وطمأنينتنا وثباتنا مهما كانت ظروف الحياة اليومية التي يتوجب علينا مواجهتها والتعامل معها.

-----

بحثٌ عن الحبيب والعثور عليه

سأبحثُ عنكَ فوق البحار

لأعثر عليكَ

واغتبط بكَ ليلَ نهار

وفي الغابِ سوفَ أسعى إليكَ

وأهرعُ نحوكَ حباً وشوقاً

وأشعرُ بالأمنِ بينَ يديكَ

سأسري إليكَ

أفتشُ عنكَ بفجٍ عميق

لألمح محياكَ الشديد البريق

كشمس الصحاري عند الشروق

عثرتُ عليكَ

سابقيكَ دوماً

بأعماق ذاتي

ليملأ حسنكَ قلبي وروحي

ويشفي جروحي

ويغمرني بشعورٍ رقيق

لوسيا دنبر

Inner Culture – East-West Magazine

-----

لتتجوهر يداك!

أيها الزارع الحصيف، احرث تربة حياتك وانثر في أثلامها بذور الأفكار والأعمال الصحيحة قبل أن يداهمك الوقت ويفوتك موسم الزرع، لكي تتمكن – عندما يحين موسم الحصاد – من جني غلة وافرة من الخيرات.

ألا فلتكتحل عيناك بنور الفجر، ولتتجوهر يداك بالعمل المثمر، ولتنسج بجهدك المشكور أثواب النجاح لك وللآخرين.

ليس مستطاعاً المساومة مع الحياة؛ فالحياة ستحسب كل فلس يدفعه الإنسان قبل أن تمنحه الجائزة التي يتطلع إليها، وميزانية الحياة في منتهى الدقة وعصية على التلاعب والتزوير.

السعادة الحقيقية هي ثمرة طبيعية لاحترام قوانين الحياة وكسب لقمة العيش بالكد الشريف.

لتهنأ عيشاً يا زارع حقول حياتك ببذور الخير والإرادة الطيبة لأن الحياة ستفتح أمامك أبواب كنوزها وتكلل جبينك بتاج الكرامة.

East-West Magazine

-----

أنشودة نفس مفارقة - ولسوفَ أنعمُ بالسلام...

قرأتُ هذا الفجر قصيدة بعنوان (لا تهينوني) في مجلة ثقافة باطنية ووجدت فيها عزاءً عن فراق أحبةٍ لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، فترجمتها على أمل أن تنقل رسالة تعزية لقلوب تستشعر الحرمان ويسكنها ألم الفراق.

أزَفَ الرحيلْ

لا تهينوني بالعويل

إذ أنطلق

لعالم الحب الجميل

ومنبع النور الذي

ليس ليَّ عنهُ بديل

عما قريب

سألتقي مع الحبيب

كي ارتشف

من ماء حبهِ الذي

ينعشني بعد الظمأ

ويشفي قلبيَّ العليل.

لن أعرفَ الاحزانَ والأسقامَ

في دار الخلود

وإنما سأرتشفْ

من غبطةٍ أبداً تدوم.

إني أدّيتُ الواجبات

ففزت بجائزة الحياة

ولسوف أنعمُ بالسلام

بعد عناءٍ وآلام

وأعومُ في بحر النعيم

وأبقى حياً للأبد

في كنفِ المولى الرحيم.

Inner Culture Magazine

-----

قول مبتكر أعجبني:

ينتشر كالذاكرة

هذا القول هو للشاعر الإيطالي جيوسو كاردوشي وقد اختار هذا التشبيه إما لذاكرة لاقطة كان يتمتع بها، أو لمعاناةٍ سببتها له الذاكرة بإعادتها إلى ذهنه أحداثاً ربما كان يحبذ عدم استذكارها ودفنها في سرداب الماضي.

وحتى عملاق الذاكرة شكسبير لم يغفل ما للذاكرة من تأثير، وأذكر أنني قرأت له قولاً يوحي بأن تذكر الفرد لماضيه يلزمه شجاعة، ربما لأن بعض المشاهد أو المواقف أو التجارب الشخصية السابقة واخزة بما يكفي لتعكير الصفو وقضّ المضاجع.

الذكريات المريرة تبدو خارجة عن إرادة الشخص ولذلك هي في تقديري تحدٍ له ولسيادته الذاتية.

ولأن الذاكرة لا مادية فمن الصعب التحكم بها بصورة واعية، ومن هذه الناحية تشبه السير في يوم قائظ تحت شمس الصحراء اللاهبة حيث يصعب تفادي انسكاب الأشعة الحارة والمنتشرة في كل مكان.

لكن بالإمكان توقي تلك الأشعة باستخدام مظلة توفر بعض الظل وتخفف من حدة الحر.

تلك المظلة هي كناية عن التفكير المُجدي والخلاق الذي وحده له القدرة على التحرر الواعي من ذكريات مقلقة تستثير مشاعر وأفكاراً الاستغناء عنها خير.

للأفكار الخلاقة قوة مناهضة للأفكار السلبية، وعلى قدر تنشيط التفكير الإبداعي يتمدد ويحتل مساحات أوسع من الوعي، فيطرد منه الأفكار غير الصحية ويملأ ساحته بأفكار إيجابية قوية وبناءة.. تطلق إشعاعات تبدد ظلمة الألم وتملأ الذاكرة بصور مضيئة تستحق استعادتها من خزانة محفوظات التجارب ومشاهدتها مرة ثانية بل مراراً وتكراراً، فالذكرى من هذا المنطلق هي للإنسانِ عمرٌ ثانِ.

-----

القلب يروي قصته...

لقد صوّرني خالقي نقياً كشعاع النور، صافياً كسماء الربيع وضحكة الرضيع، وغطى أرجائي بتربة طيبة نثر فيها بذوراً مباركة لا تـُنبت عداوة أو استئثار..

وفجّر من بين شغافي ينبوعاً من الحب الرقيق الرقراق، وغلفني بهالة أثيرية تتكسر عليها حراب القسوة ونبال الشراسة وسكاكين الحقد ولا ينفذ منها غرور أجوف.. وقدمني هبة أنقى من الذهب الخالص لأنفسٍ أطلقها من كيانه المطلق.

احتفظتْ بعض النفوس بي على ما فُطرت عليه فعاشت بأمن وأمان وراحة واطمئنان مبتهجة بخمائلي المتأرجة..متنسمة عبق الحب والسلام..ثملى بترانيم الحياة البسيطة.

لكن كثيرين شاؤوا أن يبدّلوا طبيعتي وطبعي ويضيفوا إلى عناصري الجوهرية مكوّنات.. فنفثوا في فضائي بخاراً من الأفكار كثيف استحال سحباً ربداء دكناء.. وغرسوا في تربتي بذور رغبات أنانية فأنبتت وساوسَ وجزعاً وأوهام..

وحاولوا تنقية مائي القراح فصبوا في ينبوعي مواد غريبة لوثت مياهي الكريستالية فانبجست فوارات هائلة من احتقان آسن واضطغان أثيم.

ثم أرادوا تحسين حالتي وتعزيز هالتي فعالجوها بأدوات حادة من التعجل والعبث ومزقوها شر ممزق.. لذلك فقدتْ قدرتها على الدرء والحماية فحصل في ساحتي هرج ومرج .. واختلط الحابل بالنابل.. وتكاثرت وتعاظمت المشاكل .. كل ذلك بفضل تفنن الإنسان غير المحسوب ولوذعيته التي لا يُحسد عليها.

-----

"إلى أصدقائي"

تناولت منذ يومين مجلة من رفوف مكتبتي يعود تاريخها إلى العام 1933 ويبدو أن غلافها وصفحاتها كانت قد تعرضت لبعض التلف من بلل أصابها وترك بقعاً بنية وصفراء عليها، لكن محتوياتها ما زالت سليمة، فانتقيت من موضوعاتها الغنية بالإنسانيات هذا الموضوع بعنوان (إلى أصدقائي) آمل أن تجدوا فيه متعة وفائدة مثلما استمتعت به واستفدت منه، مع خالص الود.

إلى أصدقائي في كل البلدان، وفي كل العوالم، تحياتي وتمنياتي الطيبة لكم أينما كنتم، من أي لون أو عرق أو معتقد.

أبعث لكم بمحبتي وأعاهدكم على الوفاء، أنتم يا من كافحتم لآلاف السنين أو ليوم واحد فقط من أجل العدالة والحق والحرية.. تقبلوا امتناني وإخلاصي العميق.

أنتم يا من تسكنون الصروح الفخمة أو الأكواخ المتواضعة، في المدن أو الأدغال، في البيوت أو الأقبية، إن كنتم تشعرون في قلوبكم بحافز قوي نحو حياة أرقى وأفضل ومُثل أعلى وأنبل، فصدقوني عندما أقول أنا صديقكم وأعتبركم أصدقائي الخلّص.

لقد عرفت العديد منكم في الماضي، والبعض منكم لم أره من قبل، لكنني أؤمن بأننا سنلتقي يوماً ما وجهاً لوجه في وقتٍ علمه عند الله وسأبرهن لكم آنذاك عن محبتي الوجدانية.

مع ذلك ليس من الضروري أن نكون معاً الآن، ولا يهم إن فرق ما بينا الزمان والمكان بمسافات شاسعة. الشيء الوحيد الذي يهم هو أننا أصدقاء نعمل معاً من أجل هدف مشترك، هو هدف الصلاح والاستقامة والإنصاف، وتوسيع مدارك الوعي البشري.

ومع أنني لا أراكم، لكنني غالباً ما أحس بقربكم، وتغمرني بهجة عارمة لملامسة أفكاركم النبيلة التي تطلقونها لتلاقي أفكاراً متناغمة مع أفكاركم.

ومع أنكم قد لا تقرؤون الكلمات التي أدونها الآن، لكنني أؤكد لكم بأنكم ستحسّون باهتزازات الرقة والحنان التي تنبثق مني لكم جميعاً.

إن أعمالنا، ومحبتنا، وأهدافنا هي واحدة. فلنواصل مسيرتنا يا أصدقائي الأعزاء نحو أهداف أكثر سمواً وسموقاً وإشراقاً!

استمروا في أحلامكم بأيام سعيدة وخدمات اجتماعية تمس لها الحاجة.

احموا شعلة الإيمان من رياح الشكوك ولا تدعوا العواصف تقلقكم وتعبث بسلامكم.

الوداع يا أصدقائي الأعزاء إلى أن نلتقي.

جيمس وورنك

East-West Inner Culture Magzine

-----

ابنة النور..

لمحت طيفك في حلم اليقظة

يا من أمك الشمس

وبيتك الفضاء البكر

وطعامك قوت القلوب

وشرابك الحب المشعشع..

ويا من دروبك مساحب الضياء

وسمتك الجمال الناطق

وصيرورتك ديمومة الوعي

فتحية الشوق البعيد

وتحية العهد الوطيد.

-----

الأفكار أشياء

إنني من المؤمنين بأن الأفكار أشياء لها أجسام وأجنحة وقادرة على التنفس، وبأننا نرسلها لتملأ العالم إما بالخير أو بالشر.

إن ما ندعوها أفكارنا السرية تنطلق بسرعة إلى أبعد أركان المعمورة وتترك حيث ذهبت إما بركات أو براكين كما لو كانت آثارها التي تخلفها وراءها.

هذه الأفكار لها حياة ولها القدرة على التحليق والطيران وعلى التعمير أو التدمير؛ إذ قد تكون كالنسائم المنعشة أيام الصيف، أو كريح السموم أو الحمى الصفراء التي تنشر الموت والفناء حيثما أطلقت أنفاسها الخبيثة القتـّالة.

وبعد أن نكون قد نسينا بعض أفكار متلاشية أو تخطيناها بمراحل تعود إلى عقولنا لتعشش من جديد كحمائم وديعة أو كواسر جارحة.

فلتكن أفكارنا السرية وردية وودية لأنها تلعب دوراً حيوياً في صياغة العالم وتحديد مصيره. حقاً إن النظام الإلهي غاية في الدقة والتعقيد!

دمتم ودامت الأفكار نيّرة والنوايا خيّرة أصدقائي

E.W. Wilcox

-----

أكاد أجزم بأن الله سبحانه وتعالى عندما خلق الناس ووضعهم على هذه البسيطة أرادهم أن يعيشوا كأسرة واحدة متحابة، متعاضدة ومتعاونة على البر والتقوى، حيث يعمل الكل من أجل الفرد ويعمل الواحد في سبيل الجميع .

تصوروا مجتمعات تعيش بهذا المبدأ التعاوني حيث لا استغلال من أحد ولا إغفال لأحد.. حيث تسود ثقافة المحبة والعمل المثمر والعطاء والأخذ على قدر الطاقة والحاجة.. وحيث تفرح النفوس بالعطاء فرحها بالأخذ.. عندئذ سيعم الرخاء والرضاء وسيعيش الناس بسلام وسيعاينون مملكة الله على الأرض.

من خلق شيئاً فهو له، وكل ما خلقه الله هو لله، والإنسان يستخدم ما يُسمح له باستخدامه إبان إقامته الموقوتة على هذه الأرض، وحرية الإرادة هي المحك.

لا توجد فوضى في النظام الكوني القائم أصلاً على الدقة والتوازن والإنسجام..

والإنسان يقدّم أجلّ خدمة لنفسه ولغيره إن هو تناغم مع القانون الكوني الذي ينتظم كل ظواهر ومظاهر الحياة من أدق مكوناتها وحتى المجرات العملاقة المزمجرة في أدغال الفضاء اللامتناهي.

لقد أدرك الحكماء هذه الحقائق وأهابوا بالإنسان كي لا يحاول اختراق قوانين كلية القدرة لأنها منبثقة عن العلي القدير، ومن يحاول التصدي لها كناطح صخرة يوماً ليوهنها! وهذا يذكرنا بالقول - الموعظة:

" لا تعاند من إذا قالَ فعل."

هذا لا يعني الخوف غير المبرر من كائن مجهول يتربص بالإنسان الدوائر، بل إنها لنعمة كبرى أن يتوافق الإنسان مع قوى الحق والخير والنور والعدل لأنها عناصر ذات ديمومة أبدية وستعمل دوماً لصالحه.

ومن يتناغم معها أو لنقل يصادقها سيشعر بحماية ذاتية أينما كان..وبحرية لا تُسلب..وبسلام عميق ومنعش..وبغنىً دائم .. وطمأنينة تفوق كل ما ابتكره وما قد يبتكره الإنسان من أساليب وضعية محدودة القدرات وغير مكتملة المكونات مهما بدت فذة لا تضاهى.

-----

مرايا الوجوه


خطر ببالي اليوم أن أكتب عن الوجوه.. تلك الصحائف البادية للعيان، التي تنطوي صفحاتها على ما تنطوي عليه من أسرار وانطباعات وأفكار وانفعالات وقصص وحكايات وفصول وآيات لا تكاد تعرف بداية أو نهاية.


فهي دائمة الظهور والتعاقب على تلك المرآة البشرية السحرية التي تلتقط وتبرز ما تعجز عن التقاطه وإبرازه أدق آلات وأجهزة التصوير، حتى الديجيتال منها!


هناك وجوه تقرأ فيها معاني النبل والسمو والشهامة، ووجوه تنبئ عما يتحلى به أصحابها من مخاتلة ولؤم وخداع.


هناك وجوه لا تشبع من النظر إليها ووجوه لا تطيق رؤيتها ثانية.


هناك وجوه تؤكد لك صدق أصحابها ووجوه تقول بفصاحة أن حظ أصحابها من المصداقية قليل وهزيل.


هناك وجوه تحمل على جباهها عبارة (موضع ثقة) ووجوه يقول محياها لم يحسن القراءة (خذ حذرك ولا تقترب!)


هناك وجوه هي بذاتها تسبيحة ودعاء وبركة من السماء ، ووجوه تطلق تقاطيعها الشتائم والسباب في كل موقع وموقف.


هناك وجوه تراها لأول مرة فتشعر بانعطاف قوي نحوها وتود لو تديم النظر فيها، ووجوه كذلك تراها لأول مرة فتنقبض أساريرك لانبعاث كهرباء خفية منها غير مرئية لكنها محسوسة وملموسة دون أدنى شك.


هناك وجوه حلوة كالفاكهة الناضجة، ووجوه فجة كالحصرم أو أشد حموضة.


هناك وجوه كالشمس عند إشراقها أو قبيل غروبها ووجوه كالحة كالدخان الكثيف أو أكثر قتامة.


هناك وجوه تحتفي بك وتهش للقياك، ووجوه أنشف من رمل الصحاري في أيام الصيف القائظ.


هناك وجوه تقرأ قلوب أصحابها من خلال النظر إليها، ووجوه مستترة ومغلفة بألف حجاب.


هناك وجوه كالورد الجوري حسناً وعطرا ورواءً ووجوه كالأشواك الحادة أو الأعشاب المتطفلة.


هناك وجوه كالكتاب المفتوح ووجوه كالطلاسم الغامضة.


هناك وجوه كالربيع الزاهر ووجوه كالشتاء الكئيب.


هناك وجوه كالبدر عند اكتماله ووجوه كالقمر عند خسوفه.


هناك وجوه كغيث الخير ووجوه كالبَرَد المدمر.


هناك وجوه تقول تقاطيعها (إبشر، قريباً دعوتَ) ووجوه لا تكف عن التفكير في ما يمكنها تحصيله منك بأية وسيلة.


هناك وجوه رؤيتها كالبلسم الشافي ووجوه مرآها يستدعي الاستعاذة بالله.


وليس آخرا، هناك وجوه كالمجرّة في اتساع أفقها وعمقها وأسرارها، ووجوه كزوبعة ولكن في فنجان.


March, 2016

-----


قطوف من بساتين العالم:

الدنيا نولٌ والخداعُ نسيجُها. - ليندزي

الجشع أعتى من تيار جارف، وأسنان الكراهية أقطع من أسنان سمك القرش. - دهامابادا

أفرحُ إنما لا يستخفني الطرب لأن الفرح يتلاشى، وأحزن دون أن يغرقني الأسى لأن الحزن لا يدوم. - سوينبرن

الفكر كالطير الذي يحلّق في سماء [الأوهام] الدنيوية إلى أن ينقضّ عليه صقر المعرفة. - كبير

الخلاص الأعظم هو خلاصنا من أنانيتنا. – ويتيَر

[وسنتسلق] مرتفعات جديدة في حيوات أخرى بعونه تعالى. - براوننغ

من يقهر الغير هو قوي، أما من يقهر نفسه فهو جبار. – لاوتسو

القدرة على البناء، والقدرة فقــــط على التدمير هما سمتان لنوعين من الرجال. – أوسبنسكي

ما من أحد يرمي شجرة غير مثمرة بحجر. – سعدي

East-West Magazin

-----

الحكماء والحمقى: تبادل أدوار!

"بعدم التفكير يصبح الحكماء حمقى، وبالتفكير يصبح الحمقى حكماء."

The wise, through not thinking, become foolish, and the foolish, by thinking become wise

قرأت اليوم هذا القول المقتبس من كتاب تقول المراجع بأنه يحتوي على أقوال وحكم الفيلسوف الصيني كونفوشيوس.

القول قريب جداً من قول السيد المسيح:

(مَنْ لَهُ سَيُعْطَى وَيُزَادُ، وَأَمَّا مَنْ لَيْسَ لَهُ فَالَّذِي عِنْدَهُ سَيُؤْخَذُ مِنْهُ)

ويذكرنا أيضاً بالآية الكريمة (وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا).

ما يمكن استخلاصه من القول هو أهمية التفكير، لأن جوهر العقل الذي وهبه الخالق للإنسان فيه كنوز غير قابلة للنفاد.

وللاستفادة من تلك الكنوز لا بد من استخراجها من مكامنها بالغوص التمعني في بحر الأفكار واقتناص الدرر الكامنة في باطن الأعماق. (... لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)

قال أحد العارفين "ما دمت حياً فإنني أتعلم"

وأعتقد أن ما قصده كونفوشيوس من التفكير هو التفكير الهادف والنافع الذي يثري الحياة على مستوى الفرد والجماعة بل والعالم أيضاً.

-----

ثلاثة أقوال لثلاثة أصدقاء أعجبتني:

"كثيرون من الفاشلين في الحياة هم أشخاص لم يدركوا كم كانوا قريبين من النجاح عندما توقفوا عن بذل المجهود."

- توماس أديسون

"لا تفتش عن العيوب بل ابحث عن العلاج."

- هنري فورد

"من أصعب دروس الحياة التي يتعين علينا أن نتعلمها، والتي لا يتعلمها الكثيرون منا هي أن نرى الإلهي والسماوي والنقي في الأشياء العادية التي في متناولنا، وأن ندرك بأن الجنة تحيط بنا حيث نحن، هنا في هذا العالم."

- جون بوروز

-----

كلمة

يا من تضمين في كنهك

يقظة اليوم

وهجعة الأمس

وحلم الغد

ويا من يتألق وهجك

في التخيلات النيّرة

وترصع أكاليل غارك

جباه الأوفياء

وتملئين نفوس الطيبين

من منابع الخير

وتشنفين بألحان سلامك

مسامع محبي السلام

وتهمسين الأنس والتشجيع

لتبديد التوجس وتهدئة الروع

وتنبضين شهامة في القلوب الكبيرة

تحية حب يدوم

-----

تكبير حبات الكرز وتعليب المشاكل:

"لقد أخبرتك عن ذلك الرجل الذي كان يلبس دوماً نظاراته كلما رغب بأكل حبات الكرز كي تبدو له الفاكهة أكبر من حجمها الطبيعي وأكثر تشويقاً.

وأنا كذلك أستمتع إلى أقصى حد بمباهجي. مع ذلك لا أبتعد ببصري عن مشاكلي، بل أجمع تلك المشاكل وأضعها في علبة صغيرة أحتفظ بها لنفسي دون أن أسمح لها أبداً بمضايقة الآخرين."

Robert Southey

-----

غروب وشروق

بعد يوم حافل بالعمل والتواصل ونشاطات أخرى مركّزة، رغبت في معاينة وجه سيدة النهار وإذ به قد توارى خلف خط الأفق وحل محله شفقٌ ورديٌّ امتزج فيه الصمت بالجمال امتزاج اللهفة والشوق في الجفن الحزين، فالتقطت صورة للمنظر البديع وانتظرت الشروق لتصافح عيناي البزوغ الذهبي بما يحمله من أمل وابتسام وتفاؤل وعزيمة،

-----

النباتية ووصية برناردشو الغريبة

يتحول البعض إلى نباتيين لأسباب مبدئية، وآخرون لأسباب صحية.

ومهما يكن الدافع فهناك نتيجة مؤكدة وهي الإبقاء على حياة أعداد لا تحصى من الحيوانات فيما لو طُبقت هذه الممارسة لعدة سنين.

على سبيل المثال، لقد امتنع جورج برناردشو عن القضاء على مئات الطيور والحيوانات طوال عمره النباتي المديد.

ووفقاً لناشر أعماله، قال برناردشو:

"إن وصيتي تتضمن تعليمات تتعلق بجنازتي، إذ لن تسير خلف نعشي عربات حِدادٍ بل قطعان من الثيران والغنم والخنازير وأسراب من الدواجن وأسماك حية داخل أحواض متنقلة، وكلها متلفعة بأوشحة بيضاء تكريماً للرجل الذي قضى دون أن يأكل زملاءه المخلوقات."

Notes From The News

East-West 1946

-----

القاعدة الذهبية للسلوك تعني التسامح المتبادل.

يجب أن ندرك بأننا لن نفكر تفكيراً متماثلاً وأننا سنرى الحقيقة دوماً مجزأة ومن زوايا رؤية مختلفة، كما أن الضمير ليس واحداً بالنسبة للجميع.

من حق الإنسان أن يفرض سلوكاً معيناً على نفسه إن هو رغب بذلك، ولكن ليس من حقه أن يفتش ضمائر الآخرين أو يسلبهم حريتهم.

المهاتما غاندي

-----

ولا بد أن يحدث أحد أمرين...

يجب بذل قصارى الجهد لإتمام العمل على أكمل وجه ممكن، ورائع أن يكون لدينا الكثير من العمل كي ننجزه.

إن كنا غير راضين عن عملنا الحالي فلن يغيّر الضجر ونفاد الصبر والأداء المنقوص من الأمر شيئاً.

يجب الاستفادة قدر الإمكان من الأوضاع مهما كانت والتعامل معها بروية ورزانة. إن فعلنا ذلك فلا بد أن يحدث أحد أمرين:

إما سنكتشف أننا كنا متجاهلين لفرصة رائعة، أو فجأة سيُفتح باب جديد نعبر من خلاله إلى وضع أكثر ملاءمة لاحتياجاتنا وأمانينا.

ولنتذكر أن الحياة هي عملية من العطاء والأخذ، وينبغي ألا نتوقع دوماً الأخذ دون عطاء.

S. R. Magazine

-----

أخيراً عثرت الشاعرة على أعز أصدقائها!

عندما نظرتُ للوهلة الأولى إلى وجه الألم

انكمشتُ وشعرت بالنفور

مثلما تنقبض النفس لدى رؤية عدو

يقف متأهباً وبيده خنجر ينوي غرسه.

كنت حينها أبحث عن المكاسب والمتع

فأشحت بوجهي عنه

مفسحة له المجال كي يجتازني، إنما دون جدوى..

إذ صوّب نظرته إلى عينيّ ولم يشأ أن يمضي في حال سبيله

بل قال:

"هيا نتصافح فطريقنا واحد

وواضح أنه يتعين علينا أن نكون رفيقيّ درب."

شعرت بيده تمسك بقوة بيدي

وقد ضخّت وهجاً حيوياً ومقوياً في عروقي.

وعلى الفور شبكتُ ذراعي بذراعه

فقادني إلى أفراح شبيهة بالمسرات السماوية

وشعرت في نهاية المشوار

أنني محاطة بحقائق ربانية مجيدة

والآن أعتبره أعز أصدقائي.

My Friend

E. W. Wilcox

-----

التمتع بالحياة لا يتوقف على مخترعات ومبتكرات الإنسان ويجب عدم الإعتماد عليها لتحصيل السعادة.

عندما يقيد الإنسان نفسه بمتع زائفة ونشاطات غير هادفة يصبح عصبي المزاج ويحرم نفسه من الراحة والطمأنينة.

صدق من قال "ليس ما يدمرنا هو العمل بل الطريقة التي نصرف بها أوقات فراغنا!"

سيعيش الإنسان لفترة أطول – بعونه تعالى - وسيستمتع بالحياة أكثر إن لم يوتر أعصابه ويبدد طاقاته سدىً.

لا بد من استكشاف المباهج الحقيقية التي تكمن في الأشياء الصغيرة.

S.R.Magazine

-----

عندما نستيقظ في الصباح، يتعين عدم القفز فجأة من الفراش والإنخراط مباشرة في النشاط، إذ من المستحسن القيام أولاً بشد وإرخاء العضلات عدة مرات لايقاظ الطاقة الحيوية وتوزيعها بالتساوي في كافة أجزاء الجسم.

وقبل الشروع بالروتين اليومي، يجب صرف بعض الوقت في تركيز الذهن، والتأكيد بأن هذا اليوم سيكون يوماً موفقاً بعونه تعالى.

S.R.Magazine

-----

إن حظيَ اليوم بانتباهك واهتمامك

وإن تشبّع بالكلام الإيجابي

والأفعال الطيبة

والأفكار الهادفة

والصور الذهنية المشرقة

فاليوم هو صديقك وفرصتك

وهو جواز سفرك إلى غدٍ ناجح.

S.R.Magazine

-----

العقول الهادئة المطمئنة

لا يمكن إرباكها أو تشويشها أو ترويعها

بل تواصل عملها في السراء والضراء

وبالوتيرة التي تناسبها

تماماً كالساعة وسط عاصفة رعدية.

الشاعر والروائي الأسكتلندي روبرت لويس ستيفنسون

-----

بعد 50,000 سنة أفرخت البذور!

قرأت هذا الصباح نبأ يحتفي باستمرارية الحياة وأردت أن أشارككم به.

في الشرق تعتبر زهرة اللوتس رمزاً للتفتح والنمو الروحي، وفي عام 1951 فرّخت نبتتان من اللوتس من بذور يقدر عمرها بخمسين ألف سنة، وكان عالم آثار ياباني قد عثر على هذه البذور في منشوريا.

البذور تم استنباتها في قطن رطب في شهر مارس 1951، ثم تم نقلها إلى دفيئة ووضعت داخل حاوية لغاية شهر يوليو، بعد ذلك وُضعت في حوض مائي في حدائق كنيلوورث في واشنطن دي. سي.

النبتتان لهما أوراق عريضة تطفو فوق الماء ويبلغ قطر بعضها 20 سنتيمتراً، ويعتقد بأنهما من اللوتس الهندي، وإن تأكد ذلك فستكون أزهارهما ذات لون زهري.

وإن كان قد تم حساب عمرهما بدقة فإنهما أقدم الأشياء الحية في العالم.

Self-Realization Magazine – September 1951

-----

من يطلب الجنة لذاته فقط

ويعمل على خلاص نفسه لا غير

فقد يسير على الدرب ولا يحيد عنه

لكنه لن يبلغ الهدف.

اما الذي يسير في المحبة

فقد يوغل في السير

ويبتعد عن الطريق

لكن الله سيأتي به

ليكون بصحبة المنعم عليهم

في مستقر الابرار.

هنري فاندايك

-----

في المثل "كل واحد يقلع شوكه بيده"

هذا قد يكون مقبولاً إن كان الهدف منه بعث الثقة في النفس و تشجيع الآخر على تفعيل قدراته الكامنة الكفيلة - لدى إيقاظها - باقتلاع شوكه وشوك الآخرين أيضاً.

أما إن كان المقصود من المثل التنصل من المسؤولية تجاه الآخر فهو مردود وموؤود لأنه ينطوي على أنانية وقانا الله وإياكم منها ومن شرورها.

لا يوجد من لم تخزه شوكة ولا يوجد من يستطيع اقتلاع كل شوكه بيده، والحياة فيها الكثير من الأشواك، لا سيما غير المنظور منها..

فيها أشواك قلق

وأشواك خوف

وأشواك ألم

وأشواك هموم ضاغطة

وأشواك تحسّبات لمفاجآت غير سارة

وأشواك مرارة وحزن وقنوط

والنفوس الطيبة كنفوسكم الكريمة

تعمل ما بوسعها لاقتلاع تلك الأشواك الواخزة

ولو بكلمة تحمل نغمتها التشجيع

تبعث في النفس الطمأنينة

وتنقل مشاعر المواساة

وتبدد غيوم الهموم

وتوحي بأن الدنيا ما زالت بخير

وأن في الحياة حلاوة أكثر من العلقم

وأن الحزن لا يدوم

وأن رحمة الله لا يقنط منها المؤمنون.

-----

"من يرغب بأكل اللب فعليه أن يكسر الجوزة."

هذا القول هو للكاتب المسرحي الروماني بلوتوس (254-184 ق.م) وفيه حثٌ ضمني على بذل المجهود لجني المردود.

الجوزة هنا قد تكون أيضاً جوزة البندق أو جوزة الهند أو اللوزة أو جوزة الطيب – طيب الله أوقاتكم – أو الجوزة البرازيلية، وغيرها من المكسرات ذات القشرة الصلبة التي تلزمها معالجة راضّة تفلع القشرة وصولاً إلى اللب اللحمي الشهي الذي عرفت حتى بعض فصائل القرود كيف تحصل عليه باستخدام الحجارة لتكسير جوز الأدغال.

قول بلوتوس هذا يذكرنا بقول المتنبي: " وَلا بُدّ دونَ الشّهدِ من إبَرِ النّحلِ."

ومع أن القول يشير إلى المجهود الذاتي لتحصيل ضرورات أو كماليات العيش، غير أنه ينطبق أيضاً على الجماعات والمجتمعات من حيث تضافر الجهود وتوحيد القوى لعمل ما هو مثمر وبنّاء ويصب في صالح الفرد والمجموع على السواء.

فالأفراد ينجحون بالجد والمثابرة، والمجتمعات تزدهر وتنعم بالوفرة عندما يعمل الواحد من أجل الكل والكل من أجل الواحد دون استئثار أو إقصاء.

عندئذ يحصل كل واحد على نصيبه ويعم الخير الجميع.

-----

"أشجار الصداقة الخضراء"..

كانت مغذياته الفعلية بسيطة

وغير قابلة للاختزال

اذ لم يتعدَ فطوره

بعض رشفات إيمانية

من طاسة القلب

واقتصر غداؤه على صنف واحد

من إرادة طيبة ونوايا بيضاء

وكان يتعشى فواكه رحيقية غير منظورة

يقطفها من أشجار نبتت في بساتين محبته

وارتوت من هطول روحه

كان يدعوها "أشجار الصداقة الخضراء"..

ويقال إنه عمّر طويلاً

وكانت هالة من العافية تلازمه..

وكان وهجها مبدداً للظلمة

طارداً لأشباح المرض.

-----

إن أي حب غير مؤسس على الصداقة

يشبه صرحاً مشيّداً على الرمال.

إذ مهما بدت جدرانه قوية ومتينة

ومهما شمخت أبراجه برؤوسها عالياً

ومهما برع الفنانون في تجسيد مهاراتهم

وإتقان تصاميمهم للتحف الفنية

التي تزين أركان الصرح وزواياه..

ومهما تراقصت مياه النوافير

في حدائقه الفيحاء..

وبالرغم من كل هذا وذاك..

عندما تعبس وتكفهر الأجواء

وتهب رياح الأقدار المعاكسة والأنواء

أو تواصل أمطار الحزن

انهمارها يوماً بعد يوم على الجدران

يتهاوى الهيكل البديع

ويتفتت إلى تراب.

ولكي يصمد الحب أمام أحزان وبلايا الحياة

فلا بد له من أسس راسخة تسنده وتعضده..

أسس الصداقة الصلبة والمتماسكة.

Upon the Sand

E. W. Wilcox

-----

في ساعات الليل ذات السكينة والهدوء

عندما تضيء النجوم قبة السماء

كثيراً ما أرنو إلى كل جرم سماوي

وأديم النظر فيه

متمنياً لو كنت بجانبي.

جورج لينلدي

-----

من الأرشيف: الجوهرة

ينعتون بها الأفاضل من الرجال والنساء وقد اعتـُبرت من أنفس مقتنيات الأباطرة والملوك والأمراء والأثرياء على مر العصور. لأجلها شـُنت حروب بل وكانت أحياناً من ضمن شروط السلام.

حيكت حولها الأساطير واقترن لفظها بشيء غاية في الجمال والقيمة والقيم، وحلم بالعثور عليها كثيرون فحفروا أنفاقاً في باطن الأرض بحثاً عنها وكأنها إكسير الحياة.

ولقد فكرتُ في طبيعتها وقرنتُ جوهرها بعناصر غير مادية فتبادر إلى ذهني أن الجوهرة التقليدية بحد ذاتها لا تلبي احتياجات الإنسان الحيوية والمباشرة إذ قد يمتلك جوهرة وتتقطع مع ذلك به السبل حيث لا ماء ولا زاد فتفقد الجوهرة قيمتها ويشتهي بدلاً منها كسرة خبز أو جرعة ماء. وقد يكون لديه العديد منها فلا تصد عنه غائلة المرض ولا تخفف عنه المصائب ولا تجلب له السعادة حتى لو ملأ بها جيوبه والأكياس، وقد تُسرق منه فينفطر عليها قلبه ولا يهنأ له عيش بدونها.

الجوهرة في تقديري هي ذات كيان لا مادي ومن هنا مصطلح "الجوهر" الذي لا يقبل الإختزال ولا يخضع للفساد. وهذا الجوهر هو عميم النفع لمن يمتلكه بحيث أن امتلاك الجواهر المادية التي نحن بصددها لا يقارن بحيازة الجوهر الذي يهب لصاحبه بهجة متجددة ومشاعر لذيذة وحيوية لا تعرف الوهن ورؤية واضحة ونشاطاً فواراً وسلاماً منعشاً؛ وإلى ذلك فإن مكانه مأمون أكثر من الكنز المصون ومن خزائن الدر المكنون ولا يُفقد ما دام صاحبه لا يفرّط به وهو غير خاضع للتلف وعصيٌّ على السلب أو الإستلاب.

-----

لا بد أن تصعد المرأة ثانية إلى جبل جديد

لتوضّح للقريبين منها معالم الدروب الأبدية.

ودون خوف يجب أن تعمل بهمة ونشاط لتحسين الحياة

وأن توقد في كل موقد شعلة تشيع الدفء والطمأنينة

وتحفز الإلهام، وتوقظ روح المبادرة والإبداع في النفوس.

فهي التي يجب أن تنطق أول كلمة للأطفال عن الجمال

وعن تراتبية المعرفة المباركة.

وهي وحدها من يستطيع حماية الصغار من الفواجع والمحن

وغرس مفاهيم البطولة والإنجازات السامية والتهذيب

في نفوسهم الغضة منذ نعومة أظفارهم.

البسالة ستواكبها وهي تردد مع رابندرانات طاغور:

"دعني يا رب لا أبتهل من أجل ملاذ آمن يقيني المخاطر

بل كي أتحلى بالجرأة والإقدام في مواجهتها.

ودعني لا أتوسل لتخفيف آلامي

بل كي يتغلب قلبي على الآلام...

نيكولاس روريش

-----

الفضيلة والعلم هما كالذهب من حيث قيمتهما الجوهرية، ولكن إن لم يتم صقلهما فإنهما بالتأكيد سيفقدان قدراً كبيراً من بريقهما. وحتى النحاس الملمّع يلقى إقبالاً وقبولاً لدى كثيرين، أكثر مما يلقاه الذهب الخشن. – شسترفيلد

-----

ذو الرأي المتصلب دائم الخطأ.

درايدن

-----

"الحب يسود البلاط والمخيم والروضة الغناء

مثلما يسود الناس على الأرض والقديسين في العلاء

لأن الجنة هي الحب والحب هو السماء."

هذه الأبيات هي للشاعر والروائي الأسكتلندي الأشهر السر وولتر سكوت (1771-1832) الذي ما زالت أشعاره ورواياته تعتبر من روائع الأدب العالمي.

وبالرغم من إعاقة جسدية ألمّت به في الصغر، لكنه – كطه حسين - تحدى الإعاقة بإرادته القوية وأثبت وجوده على الساحة العالمية كأديب موسوعي وكاتب مبدع وشاعر فذ.

والمعروف عنه أنه في فترة من حياته وقع تحت وطأة ديون طائله أرهقته وأبهظت كاهله على مدى سنين، فاستقطب كل طاقاته الأدبية وكل جهوده الذاتية للعمل المتواصل حتى تمكن في نهاية المطاف من وفاء آخر فلس في ذمته للناس فانتقل من هذا العالم قرير العين مرتاح الضمير.

-----

العظماء هم الأشخاص الحقيقيون الذين حققت فيهم الطبيعة نجاحها.

هنري فردريك أميل

-----

غطوا الرأس بخوذة الأفكار السليمة

في هذا القول ينصح المتنور غوتاما بوذا بأن الأفكار السليمة -والتي تولّد بدورها النوايا السليمة -هي قوة وحماية لأن مثل تلك الأفكار هي على صلة وثيقة بمصدر كل ما هو سليم ونقي وصحيح وصادق في الوجود.

ولا بد أن يحظى الذين ينتهجون هذا المسار من التفكير بقدرٍ من الحماية والوقاية من لطمات الزمن التي تحتاج إلى خوذة غير منظورة من إيمان عميق وثقة راسخة ونوايا طيبة.

وهذه العناصر الخيّرة لا بد أن تستقطب قوى خفية إنما واعية وقادرة على درء المخاطر وإبعاد الأذى بعون البصير القدير.

-----

من أقوال هنري فورد:

ما من شيء يصعب القيام به إن أنت جزّأته إلى أعمال صغيرة.

الطاعن في السن هو من يتوقف عن التعلم، سواء كان في العشرين أم الثمانين من عمره.

من يواصل التعلم يبقى شاباً.

أعظم ما في الحياة هو إبقاء العقل فتياً.

الأمان الوحيد الذي يمكن أن يحصل عليه الإنسان في هذا العالم هو الاحتفاظ بالمعرفة والتجربة والمقدرة.

أفضل صديق لي هو الذي يساعدني على إظهار أفضل ما عندي.

العقبات هي الأشياء المخيفة التي تراها عندما تحوّل نظرك عن هدفك في الحياة.

يمكنك القيام بكل شيء إن امتلكت الهمة التي هي بمثابة الخميرة التي ترفع الآمال حتى النجوم.

عندما تريد القيام بشيء ما يجب أن تحصي المجازفات وتقيّم مدى قدرتك على التعامل معها ثم تخطط للعمل بكل ثقة.

السوق دائما وأبدا بحاجة إلى منتجات جيدة، ويتشبع بسهولة بالمنتجات الرديئة.

العمل المثمر هو غاية الحياة.

إنني أعرف ما يؤمن به الشخص دون الحاجة إلى سؤاله عن معتقده. ذلك أعرفه بملاحظة تصرفاته والطريقة التي يواجه بها الحياة.

إن كان لديك ما تؤمن به فليس من الصعب أن تعمل بموجبه. فالناس يعيشون حسب ما يؤمنون ولا يمكنهم أن يكونوا غير ذلك.

الناس على تواصل دائم مع كل شيء في الوجود، وأننا نحن بذاتنا كون مصغر، وأن هناك ملايين الأشياء التي تؤلـّف فرديتنا أو ما ندعوه (الأنا). ونحن لا نعمل فقط ونتفاعل على المستويات التي نراها ونحسّها بل أيضا على مستويات أخرى لا نراها.

نحن عوالم صغيرة قائمة بذاتها، ونحاول استعادة قوى ومعارف كنا نمتلكها في يوم من الأيام.

النجاح هو تحقيقٌ لإنجاز يرتاح له الشخص. وعلى هذا الأساس لا بد أن يوجد الكثير من الناجحين الذين لا نسمع بهم. فالعالم مليء بالعظماء الذين لا نسمع بهم...

اللقاء هو بداية، والاستمرار معا هو تقدم، أما العمل معا فهو سر النجاح.

الحياة متواصلة ونحن نواصل مسيرتنا إلى ما لا انتهاء.

من المكتبة الأرشيفية

مقابلة أجراها معه الفيلسوف الروحي

Ralph Waldo Trine

East-West Magazine

-----

عبقرية الفجر:

استيقظت باكراً هذا الصباح وتناولت مطبوعة من مكتبتي الأرشيفية عمرها 71 سنة فطالعتني في صفحة الغلاف الداخلي مقالة للفيلسوف هنري ديفيد ثورو بعنوان مقتبسة من كتابه (وولدن) فوجدت فيها مادة غنية للفكر والروح وترجمت قسماً منها وأعطيتها عنوان (عبقرية الفجر).

الفجر الذي هو أكثر فترات اليوم التصاقاً بالذاكرة هو ساعة اليقظة، إذ لا يكون فينا سوى أقل قدر من النعاس، وعلى مدى ساعة يتيقظ فينا جزءٌ غالباً ما يبقى هاجعاً غافياً طوال الليل والنهار.

ليس لنا أن نتوقع شيئاً يذكر من يوم – إن استحق أن يدعى يوماً – ما لم توقظنا عبقرية الفجر على أنغام وألحان سماوية ونفحات تعطر الأجواء...

بعد توقف جزئي لحياة الإنسان الحسية تستيقظ روحه – أو لنقل أداتها – منتعشة، وتحاول عبقريته خلق حياة نبيلة سامية من جديد.

إن كل الأحداث التي تستحق الذكر تحدث – بحسب كتب الفيدا - في الساعات الباكرة إذ يستقظ الوعي والذكاء في الصباح، وكذلك الشعر والفن وكل منجزات الإنسان الرائعة.

فكل الشعراء والأبطال هم أبناء الفجر الذين يطلقون أهازيجهم وأناشيدهم مع شروق الشمس.

وكل من تواكب أفكاره النشطة الشمسَ يتحول يومه بكامله إلى صباح بغض النظر عن الوقت الذي تشير إليه عقارب الساعة.

فالصباح بالنسبة لي هو عندما أكون متيقظاً وذلك هو فجري.

-----

بتجرد وموضوعية...

لا بد من المراقبة الدقيقة والمدققة لمعرفة إلى أي مدى يسمح الشخص بتقييد ذاته بالرأي العام وبأفكار وهيمنة الآخرين أو بالخوف أو بالتشبث الأعمى والنفورغير المبرر.

ما دام الإنسان هو محور العقل الكلي، فلا بد أن يكون عقله متحرراً وليس مرهَقاً بركام وحطام التحيز والتعصب والأفكار المسبقة.

من واجبنا أن نرى الأشياء كما هي، بتجرد وموضوعية، وليس من زاوية المنفعة الذاتية.

كما يتعين تنمية الحكم المنصف وغير المتأثر بالتحبيذات والرغبات الشخصية.

ساعدنا يا رب كي نحتفظ بهدوئنا وطمأنينتنا وثباتنا مهما كانت ظروف الحياة اليومية التي يتوجب علينا مواجهتها والتعامل معها.

Inner Culture – East-West Magazine

-----

منذ البدء وضعتْ الحياة بك نموذجاً متكاملاً كنموذج الشجرة داخل البذرة.

وإذ تتأمل هذه الصورة التامة وترفض إفرازات الجهل من سلبية وشكوى وتذمر، تتفتح الحياة أمامك بصورة الانسجام والفرح والجمال والنجاح.

فاسعَ دوماً [شكر الله سعيك] كي تكون على دراية بالحضور الرباني في حياتك بحيث لا تبقى من مساحة للتوتر والإجهاد وبحيث تعجز الهموم والمخاوف والتهيج المفرط والنزق والمناكفة عن تكدير صفائك وتعكير سلامك وسلبك سكينتك وراحتك النفسية.

مساكم الله بالخير

S.E.M

Inner Culture – East-West Magazine

-----

إن كنتَ قد بذلتَ ذروة المجهودْ

لكنكَ لم تجنِ من مردود

ولم ترَ ملامحاً للهدف المنشود

فأنتَ لم تخفق وحاول من جديد

بتصميمٍ أكيد

وعزمٍ لا يفله الفولاذ والحديد

كي تبلغ المقصود

سواء كان المطلبُ

قريباً أم بعيد

فالعبرةْ في المثابرةْ

والصبرِ والمصابرة

والرغبة في الصعود

واليقظة من رقود

وعدم الجمود.

February, 2016

-----

التفكير الخلاق هو تفكير واضح ومنسق وغير متذبذب.

إنه لا يتغير بتغير العاطفة ولا تطغى عليه آراء الآخرين.

يجب أن يكون قالب الفكرة جاهزاً وثابتاً كي يصبح بالإمكان صب المادة الخلاقة فيه وبالتالي إبرازها إلى حيّز الظهور.

Inner Culture

-----

القبضة الفكرية المُحكمة الشدّ التي يمسك بها المتزمت آراءه ومشكلاته وتصوراته تجعل من المستحيل لنور الحقيقة بأن ينفذ إليه ويبدد ظلمة عقله.

ثقافة باطنية

-----

الإلهام والجمال والقوة، هذه تنساب من عقل المرء على نحو متزايد كلما أحس بها في داخله وأظهرها في حياته.

لا بد من الجلوس بهدوء كل يوم والتماس الهداية والإلهام، والعمل على إظهار أكبر قدر ممكن من الحياة الراقية والطاقة الكونية من خلال الخدمة الودية والعمل الإبداعي.

إن الحياة الكونية الواحدة اللامحدودة والدائمة التجدد والتدفق هي الحياة في الإنسان، وتلك هي طبيعته الجوهرية، ولذلك فالنجاح من نصيبه وكذلك الصحة والطاقة غير المحدودة.

الإنسان هو نقطة الارتكاز في دائرة العقل الكلي، ولذلك فإن عقله قادر على أن يعمل بقوة وفهم وطاقة إبداعية.

وإذ يدرك ماهيته الحقة وعلاقته بالقوة اللانهائية وبروح الإبداع والإبتكار، فإن لديه القدرة على مواجهة كل ظروف ومشاكل الحياة بثقة وهدوء.

وما دام الإنسان يمتلك الصحة والجمال والسلام والفرح والإنسجام والقوة فما عليه سوى إطلاق الطاقة التي في داخله كي يظهر تلك المزايا من خلاله.

طابت أوقاتكم أصدقائي وألقاكم على خير بعونه تعالى

S.E.M

Inner Culture Magazine

-----

اليوم خطر ببالي أن أكتب عن الدمعة التي لا أظن أن إنساناً واحداً يمكنه القول بأنها لم تترقرق في مآقيه وتسيل على وجنتيه وتفرج له كربة وتغسل من قلبه حسرة أو تخفف من وطئتها على الأقل، فهي صابونة القلوب وليس بالضرورة العتاب.

الدمعة التي أكتب عنها هي تلك الدمعة العفوية التي يصعب أحياناً التحكم بها والتي وصفها الشريف الرضي أبلغ الوصف عندما رثى أمه - رحم الله مفارقيكم - إذ قال:

"كم عبرةٍ موهتها بأناملي .. وسترتها متجملاً بردائي"

وحتى الصنديد أبو الفوارس عنترة ذكرها بتشبيه بليغ عندما قال:

"دُموعٌ في الخُدودِ لَها مَسيلُ"

فتلك الدموع التي حظيت بأحد عناوين كتب المنفلوطي "العبرات" تنطوي على قوة عجيبة، وكأنها تفتح مسامات في النفس يتدفق من خلالها سيال سحري فيه مكونات حيوية من شفاء وعزاء وراحة وتواصل مع الذات الفردية وربما الكلية.

كما وصفها أحد المفكرين بالقول " الدموع تتيح لنا رؤية السماوات أكثر من التلسكوبات"، ولعله عنى بذلك أن العيون التي تغسلها الدموع الصافية الصادقة تنقشع الحجب عنها فتحس النفس بسلام عميق لا يختلف كثيراً عن ذلك السلام الذي يفوق الأفهام.

-----

شاعرة جريئة تفصح...

أنا لا أحتاج العالم لكن العالم يحتاجني

مثلما أحتاج أدق الخلايا الحية على أطراف أصابعي.

يمكنني الإستغناء عن أشياء العالم

لكن أشياء العالم لا يمكنها الإستغناء عني.

فأثمن قيثار ذهبي في العالم يبقى صامتاً

ما لم تداعب أوتاره أناملي.

وشوارع ودروب العالم

ومنتزهاته وبراريه وغاباته وصحاريه

كلها مقفرة قاحلة من غير شدوي

ودون ارتجاع صدى وقع أقدامي

وأغاني وتنهداتي.

الأشياء الجامدة كلها تنتظرني

كي أمنحها الحياة باستخدامي لها.

ولذلك فأنا لم أكن يوماً ولن أكون

مجرد كتلة مجسمة من الخلايا

ذات شكل وإسم معينين

بل الروح في داخلي

تنتقل فوق المياه

وتهمس في أوراق العشب والشجر

وتنوح في العواصف والرياح

وتنطق في كل الإهتزازات

التي تشكل ذاتها في أصواتٍ

عندما أتحرك وأتكلم وأحلم.

وإذ أدرك هذه الأمور

في ذاتي ومن حولي

أقول:

" أنا لا أحتاج العالم

بل العالم هو الذي يحتاجني."

Etta Wallace Miller

East-West Magazine

-----

سر معي في ساعات يقظتي

ورافقني في أحلامي

وصحّني لأرفع قلبي إليك.

كن نوري فوق كل ضياء

وفرحتي التي لا تعلوها بهجة

وخذني بين ذراعيك يا من أنت لي.

كن الحب الأعظم في حياتي

وبدد ضباب الانفعال من سمائي

واسطع من خلال غيوم عقلي.

اغسل قلبي بحكمتك

وعمّدني بجمالك

واسعد عمري ببهائك

وبيّض أفكاري بسلامك.

امنحني الإرادة لأضع كل أيام حياتي

بين يديك وفي عهدتك

واسمح لي أن أستريح في قلبك

ودعني أفقد ذاتي في حضرتك

وانشد لي عند الغسق

حتى أغفو على أنغامك

ويقظني مع إطلالة فجرك.

J. M. Warnack

East-West Magazine

-----

"عندما تنهمر زخات المطر في الليل، تغتسل الأرض وتصبح نظيفة، وتتألق أشعة الشمس على كل ورقة، ويتنقى الهواء -- وتلك هي القداسة."

مفهوم بسيط للنقاء الفطري يرمز إليه هذا التعريف الجميل.

فبسطاء الناس الذين عاشوا وسط الطبيعة وتفاعلوا مع قواها وقوانينها أصبحوا جزءاً منها، ينعمون بخيراتها ويستلهمون حكمتها ويتركون أثراً – كهذا التعريف اللطيف – يروي حكاية حبهم للحياة البسيطة وثقتهم بأمهم الطبيعة.. ويا لها من أم كريمة وعظيمة!

وكأن زخات المطر ترمز إلى الأفكار الملهمة والمشاعر الطيبة التي تنهمر على العقول المتفتحة وتنسكب في القلوب المتقبلة، فتغسل النوايا وتصفيها، فاسحة بذلك المجال لأشعة المودة كي تسطع على كل جانب من جوانب الحياة الإنسانية، فتتنقى الأجواء المعتكرة وتحل الطمأنينة في ساحة النفس.

East-West Magazine

لا تحاول أن تجد في العالم

ما تفتقر إليه في ذاتك

بل اعثر في ذاتك

على ما لا تجده في العالم

وبيديك وخيوط قلبك

وعلى نول ومنوال نفسك

انسج عباءة روحك

ثم تلفع بها

واجعل للغير نصيباً في دفئها.

Self-Realization

-----

فوائد التسامح من منظور علمي:

أفاد الدكتور فردريك لوسكن مدير مشروع التسامح في جامعة ستانفورد إن الباحثين أثبتوا من خلال دراسات عديدة أجروها على مدى عقدين من الزمن أن مسامحة الآخرين تساعد على:

• تقليل الاكتئاب

• خفض التوتر

• تخفيف القلق

• زيادة الثقة بالنفس

• خفض ضغط الدم

• زيادة حيوية الجسم

• تخفيف آلام الظهر

• تقليل التوتر العضلي

• تخفيف الألم المزمن

• تحسين العلاقات

• تعزيز الجهاز المناعي

وفي إحدى الدراسات قام طلاب جامعيون بمناوبة التفكير - بضغينة ثم بتسامح - بنفس الشخص وكانت النتيجة على النحو التالي:

أثناء فترات الغضب ارتفع معدل ضربات القلب وارتفع أيضاً ضغط الدم، وأثناء الفترات التي خصصوها للتسامح، أفاد الطلاب أنهم اختبروا عواطف إيجابية وشعروا بالراحة والاسترخاء.

ولعل أبا العتاهية اختبر تلك الفوائد الصحية منذ قرون عندما قال:

إذا ضاقَ صَدْرُ المرءِ لمْ يصْفُ عَيْشُهُ .. ومَا يستطِيبُ العَيْشَ إلاَّ المُسامِحُ

والشاعر الشعبي بندر الدويش ينصح بالقول:

"ادمح الزلة قدر ما تستطيع"

ومسك الختام ما ورد في الآية الكريمة:

﴿فاصفح الصفح الجميل﴾

التحية والمودة للجميع

المصدر: مجلة معرفة الذات والإنترنت

-----

ومضة شمس: هذا هو الحب

الحب هو أن تطير نحو السماء

وأن تشق في كل لحظة مئة حجاب

وتعتبر هذا العالم غير منظور

وألا ترى ما تراه الأنا.

ألا فلتتنعم أيها القلب

بدخول دائرة الأحباب

ولترنُ إلى أبعد من مجال الرؤية

لعلك تخترق تلافيف الوجدان!

من أين لكِ هذه الأنفاس يا نفسي؟

ومن أين لكَ هذه الخفقات يا قلبي؟

Divani Shamsi Tabriz

من ديوان شمس التبريزي

-----

إنه من خلال العمل الجاد والمجهود المتواصل وعدم هدر طاقاتنا سدىً نصبح مؤهلين للقيام بعمل أكبر.

الإنجاز الأمين لواجبات اليوم هو أفضل تحضير لمواجهة تجارب الغد.

الحياة ليست تضحيات كبيرة وإنجازات رائعة وحسب، بل أشياء صغيرة أيضاً.

إن فشلنا في تحمّل الامتحانات التي تأتينا عبر الأشياء الصغيرة تصاب الطبيعة الأدبية بانتكاسة وتتشكل عادات غير سليمة.. وعندما تأتي الامتحانات الكبيرة نجد أنفسنا عاجزين عن الثبات والصمود في المواقف الأكثر خطورة وصعوبة.

أحياناً نشعر بدوافع قوية في داخلنا تستحثنا للنهوض إلى مستويات رفيعة من الاضطلاع بالمسؤوليات وتحقيق نجاحات باهرة، لكننا نجد الأبواب موصدة جراء تحاشينا الدائم لأداء واجباتنا والخوف من الإغاضة والإنزعاج، وعندها نتعجب من كون بيئتنا غير ملائمة وعملنا غير مثير وجهودنا ليست موضع تقدير.

دمتم بتقدير

Inner Culture – Aptitude

-----

القوة تأتي من خلال العمل. لذلك من الضروري أن نعمل أكثر مما نفكر، وأن نقرن نطقنا بالحق والتعاطف والحكمة والعرفان بالجميل والثناء بأفعالنا أيضاً.

إظهار التعاطف والمحبة يعني السعي لخير الآخرين مثلما نلتمس الخير لأنفسنا.

وإظهار الحكمة والفهم يكمن في رؤية الأشياء والظروف على حقيقتها، والتعامل مع الناس بموضوعية دون تحامل أو إجحاف.

أما التعبير النشط عن العرفان بالجميل نحو الله والإنسان فيمغنظ الشخص ويجذب إليه الخير. وهكذا يتوجب إظهار التقدير والشكر في الأفكار والأقوال والأفعال في كل يوم.

إن بدأت هذا اليوم، حيثما أنت الآن، سترى كم من الجمال والراحة والحب والفهم يستحق منا الشكر والإمتنان.

ولنتذكر أن المرء يصبح كأفكاره أو لنقل يتشرب خصائص تلك الأفكار التي تعتمل في ذهنه.

لذلك من الحكمة أن نفكر أفكاراً راقية ونخلق صوراً رائعة في مخيلاتنا.

Inner Culture – Meditations

-----

إنك لست فرداً واحداً

معزولاً عن بقية الخليقة.

فجوهرك جزء لا يتجزأ

من الجوهر الفرد

ونفس القوة التي تدفع النسغ في الشجر

تتحكم بدقات قلبك..

ونفس الطاقة التي تدفع الأمواج

وتنسكب مع أشعة الشمس

تنساب من خلالك

فتبث بك الحيوية

وتسندك

وتفعمك بالحياة.

S.E.M

------

قوي كالسجن

هذا القول هو للروائي الارلندي تشارلز لفر (1806-1872) وهو تشبيه سديد سبقه إليه شاعرنا أبو العلاء عندما قال:

(أراني في الثلاثة من سجوني .. فلا تسأل عن الخبر النبيثِ)

قد يكون الشخص في منتهى القوة الجسدية، وقد يتوفر على موارد أخرى من قوىً وجبروت، وبالرغم من ذلك يبقى السجن أقوى منه إذ يقيد قدراته ويسلبه حريته ويحول دون ممارسته لقواه على النحو الذي يرتأيه.

والسجن هنا لا يعني الحبس التقليدي وحسب، بل هناك سجون أخرى كثيراً ما يجد البعض أنفسهم بين جدرانها وخلف قضبانها.

فهناك سجن المرض وسجن الفقر وسجن الخوف وسجن الكراهية وسجن الفكر الضيق وسجن القنوط وسجن المفاهيم القاصرة، والقائمة تطول.

كلها سجون قوية ولا شك، إنما ليس مكتوباً على الإنسان أن يعيش داخل سجن أو سجون. فالذي خلقه أراد له الحرية لأنها الحالة الأنسب لتطوره وارتقائه وإتقانه لدروس الحياة التي من أجلها جيء به إلى هذا العالم.

-----

الراكضة في السماء

وكأن الشاعر أراد وصف رابعة أو تريزا

ترى من هي تلك الراكضة في السماء

ذات الشال النجمي الهفهاف

التي تحوم الأرض والشمس كالنحل

حول قلبها الزاهر المزدهر؟

قدماها تمتطيان صهوة الريح

حيث الفضاء عميق

وعلى عينيها غشاء سديمي رقيق

وإلى ذلك..

تسري وتسرع في الليل

لملاقاة الحبيب البعيد.

The Runner in the Skies

James Oppenheim

-----

منذ زمن بعيد

قبل أن تومض النجوم الذهبية في قلب الليل

وقبل أن يرتعش لحن الموسيقى

ويسري عبر الفضاء النجمي..

حلمتْ الحياة في غيهب الظلمة

فسطعت في عقل اللانهاية رؤية وجهك.

قبل أن يهدر المحيط

معلناً ما سيزخر به كيانه

أو يتألق اللؤلؤ الكريستالي

على صدر البحر الأبيض..

وقبل أن تلثم النسائم الرقيقة وجنات الزهور

المتوّجة بحبات الندى اللامع

تحقق حلم الحياة

وصُنع العالم من أجلك.

من سيمفونيات الروح

-----

أيها الشامخ في خضم التحديات

الواقف في وجه موجٍ يلجّ ويتمادى

يا ذا القلب الهادئ

وسط غمرات المعامع

أيها المتشح باتزان النبلاء

في الصحو والشتاء

يا من تتضوع منه نفحات التلال

وعبق تراب الكروم

المغترف بعينيه جمال الوفاء..

أيها المنطلق بقارب اليقين

في بحر الإيمان

أيها المتعمق الراسخ كجذور السنديان

إليك فضاء من الإعجاب!

-----

من الأعماق السحيقة تهتف

وإلى أعلى القمم تنطلق

وفي الأغوار القصية تغوص

وحيثما ذهبتَ وأنـّى توجهت تكون.

في الزهور تتفتح

وتحت الثلوج تهجع.

في النجوم ووهج الأصيل تتلامح

ولها في حر الصحراء وصقيع الدائرة القطبية وجود.

إنها هناك.. عند نهاية اللانهاية

وحدود الزمان والمكان..

هي في الفضاء اللامحدود

حيث الآن جزء من الأبدية

وحيث المكان يطوقه بحر الحب

الذي لا ساحل له.

East-West Magazine

-----

لتشع جواهر الفكر نوراً وسلاماً

ولتستقي أغراس الروح من مياه المحبة

المختزنة في أغوار القلوب

وليتقطر رحيق المودة من ثمار الوئام

ولتتفتح ورود الجمال

في حدائق التقبل والقبول.

-----

قوي كالغريزة

هذا القول هو للروائي ناثانيال هاثورن (1804-1864) وهو في تقديري قول مبتكر ويستند إلى أساس منطقي.

فلو نظرنا إلى عالم الحيوان لوجدنا أن الغريزة تلعب الدور الأساس في تسيير حياته، سواء في الحصول على الطعام أو المأوى أو الدفاع عن النفس أو التناسل وما إلى ذلك.

ومن الملاحظ أن معظم الحيوانات لا تتجاوز النطاقات التي تحددها لها غرائزها ونادراً ما تخالف تلك الغرائز التي هي خريطة الطريق والتوجيهات الإرشادية الذاتية بالنسبة لها.

أما بالنسبة للإنسان فقد مُنح غريزة وأيضاً ما هو أقوى منها للتحكم بها أو لنقل لترشيدها بدلاً من أن يكون مسوقاً بتحريضها، محكوماً بإملاءاتها.

فقد منحه الخالق عقلاً يسترشد به، وإرادة تلجم أهواءه الضارة، وقدرة على التمييز بين الحق والباطل والخطأ والصواب، وكذلك حرية الإختيار لعله بذلك يرتاد فضاءات أرحب من الأدغال ويسود غرائزه التي كثيراً ما تدفعه في مسارات ليست بالضرورة في الاتجاه الصحيح.

-----

أتمثلك تربة خصبة

تستقبل البذور على اختلافها

لتضمها بين الحنايا والشغاف

وتتعهدها بالرعاية والنماء.

ألا فلننثر في أثلام تربتك بذوراً

فيها مغذيات ولو في طور الكُمون..

من أفكار توافقية تنبت سعادة

ومشاعر ودية تبني جسوراً

وإرادة طيبة تلملم الشتات

وإيمان وطيد بأن الخير لن ينضب

وقناعة راسخة بأن للغواص درة تحلم بقدومه

وللمجتهد حصة لن يُحرم منها.

January, 2016

-----