منثورات روحية

للمعلم الحكيم برمهنسا يوغانندا

PARAMAHANSA YOGANANDA

ترجمة محمود عباس مسعود


الله هو خزان الحكمة الإلهية الذي لا حد لاتساعه ولا نضوب لمحتواه، والنفوس البشرية هي قنوات من خلالها تنساب تلك الحكمة.


هناك قنوات واسعة وسالكة وقنوات ضيقة وصدئة. وكلما كانت القناة أكبر كلما كان انسكاب الفيض الرباني أكثر وأغزر.


* * *


في الألم دروس مفيدة للأذكياء والراغبين في التعلم، لكن الألم يتحول إلى عاتٍ مستبد للمتذمرين المستائين.


الألم يمكن أن يعلمنا كل شيء تقريباً. فدروسه تستحثنا لتنمية التمييز وضبط النفس وعدم التعلق والأخلاق والوعي الفائق.


على سبيل المثال، يخبرنا وجع المعدة كي لا نفرط في الأكل وأن نراعي الدقة في ما نتاوله.


والألم الذي يسببه فقدان الممتلكات أو الأحبة يذكرنا بالطبيعة المؤقتة لكل الأشياء في دنيا الأوهام هذه.


وتبعات التصرفات الخاطئة تحفزنا كي نميز بين الخطأ والصواب.


ولكن لماذا لا يتعلم الناس من الحكمة؟ عندها لن يعرّضوا أنفسهم لتأديب مؤلم وغير ضروري من الطاغية الألم!


* * *



أيا محبوبي الإلهي


إنك لموجودٌ في كل ركن من أركان الكون.


تحتجب في قلب الزهور والورود..


ترنو إليّ من نافذة القمر


ومن خلف ستارة الطبيعة


وحجب الأوهام ترقبني


ولا تغفل عني رمشة عين.


* * *


يظن الناس أن الزهد هو حرمان النفس، لكن هذا غير صحيح نسبياً. لقد تخليت عن رغبات صغيرة من أجل أعظم كنز في الوجود.



* * *



في بحثه الدائم عن السعادة – من خلال الطرق الذميمة أو السليمة – فإن الإنسان في الواقع يبحث عن الفرح الروحي.


هناك نوعان من الفرح: فرح مزيف وفرح أصيل.


الفرح المزيف يعقبه الحزن والألم في حين أن نهاية الفرح الأصيل هي دوماً سعيدة حتى ولو كانت بداياته محزنة أو غير مشجعة.


الله هو الفرح الدائم الباقي، وعندما يعثر المريد عليه سيعثر على ذلك الشيء الآخر الذي بحث ويبحث عنه دون توقف، حتى بعد تحقيق تلك الرغبات التي ظن أنها ستجلب له السعادة.


في هذا الفرح دائم التجدد سيعثر المريد على كل سعادة طلبها في كل الأشياء الأخرى.


* * *


الغد يحدده اليوم الحاضر، لذلك سأحلل حياتي وأعرف ماهيتها ثم أبتكر وسائل لجعلها ما ينبغي لها أن تكونه.


اليوم سأنمّي روح المبادرة فصاحب المبادرة هو كالشهاب الثاقب يبتكر شيئاً من لا شيء

ويجعل المستحيل يبدو ممكناً من خلال قوة الروح الخلاقة العظمى.


* * *


قوة الله موجودة في كل ذرة من كياني وفي كل خلية حية وكل عصب وفي الدماغ والأنسجة

فأنا بخير لأن تلك القوة المباركة تتخلل كل أجزاء جسمي.


* * *


من يقدر على الإحتفاظ بسلامه وإنجاز واجباته بهدوء يكون قد ربط ذاته بالروح الكوني الذي يملأ سلامه الوجود.


مهما كانت أحداث الحياة قاسية ، ومهما بدت التجارب صعبة يجب أن تعكس الحالة النفسية الهدوء ويحتفظ العقل باتزانه.


لا الإخفاق المريع يجب أن يهز جذور النفس ولا النجاح الرائع أن يستخفها طرباً.


من يظهر الهدوء والإتزان – فعلاً لا تصنعاً – فقد بلغ شواطئ السكينة الحقيقة والطمأنينة التي لا تقوى على تعكيرها المؤثرات الخارجية.


من يرغب في التغيير نحو الأفضل عليه أن ينمي إرادة قوية، صامتة، هادئة وألا يتخلى عن المقررات الجيدة.


رائع التفكير بالله أثناء النشاط وجعل هذه الممارسة جزءاً من الحياة اليومية.


* * *


بعض الراغبين يسيرون على الدرب لمسافة قصيرة ثم يفقدون حماسهم ويغيرون اتجاههم وينسون مقرراتهم.


آخرون يعملون أفضل ما بوسعهم لمواصلة المشوار بالرغم من جنوحهم بين الحين والآخر نحو عادات قديمة، لكنهم مع ذلك يواصلون السير وبذل المجهود فتتروحن ميولهم ويصبحون أقوياء ومفعمين بالصحة والحيوية مع مرور الأيام.


* * *


التفكير الإيجابي يقود إلى رؤية القوة الإلهية غير المنظورة والتي بمقدورها توسيع المنافذ الفكرية الصغيرة والمدركات الحسية المحدودة ومعاينة ومضات من الخير الأعظم.. وفتح نافذة عظمى لا حد لاتساعها يمكن من خلالها رؤية الحضور الإلهي الحالّ بكامل روعته وفيضه الرباني في كل مكان.


الهدوء هو ما يحتاجه العالم بأسره، لا سيما السائرون على طريق التأمل والراغبون في بلوغ آفاق روحية سامية.


الجهود الروحية التي تـُبذل بهدوء وسكينة عادة ما تكون فعّالة ومثمرة، لأنه عندما تتوقف الحركات الجسدية تنشط الأفكار وتتيقظ الطاقات الروحية الهاجعة.


* * *


يجب أن لا نشعر بالإحباط والتثبيط بسبب أخطائنا، بل يجب أن ننظر دوماً إلى الجانب المشرق من تجاربنا، وأن نتعلم من أخطائنا. ومهما حدث، يجب أن نتوجه إلى الله طلباً للعون والهداية.



* * *


تلميذ جديد ظن أن بمقدوره استيعاب التعاليم الروحية عن طريق الدراسة النظرية وحسب، وعلاوة على ذلك كان أيضاً متحمساً لتعليم الآخرين، فقال له المعلم برمهنسا:


" الإدراك الروحي ليس تطعيماً خارجياً (كالنبات) بل نمو وتطور من الداخل."



* * *


الرسالة التالية وجهها المعلم برمهنسا يوغانندا إلى تلاميذه في كانون ثاني/يناير 1944 أثناء تدوينه لكتابه مذكرات يوغي: السيرة الذاتية أو (فلسفة الهند في سيرة يوجي Autobiography of a Yogi) الذي ترجم إلى 35 لغة ولا زالت طبعاته تتوالى والإقبال عليه متزايداً منذ صدوره قبل حوالي 70 عاماً.


أعزائي:


تتكون حرية الاختيار في الغالب من كل أنواع الأماني والرغبات والتصميم والإرادة. لكن يجب التمييز بين حرية الإختيار الفعلية ومظاهرها الأدنى مرتبة.


إن مجهودنا وقوانا وكل أعمالنا المادية والمعنوية والروحية تبدأ وتعمل على نحو متواصل بقوة الإرادة.


وتتألف قوة الإرادة من حلقات متصلة من التصميم الدائم الذي لا يعرف التثبيط ونشاطات تتمحور حول رغبة ما، إلى أن تبلغ درجة كافية من القوة لتحقيق النتيجة المرجوة.


لقد تعلمت درساً كبيراً من الكتاب الذي أنا في صدد تأليفه، إذ كنت أكتب دون مراجعة ما أكتبه، لكن تحتم عليّ مراجعة كل فقرة من سيرتي الذاتية... واستمتعت بالرجوع إلى تلك الإختبارات الرائعة أثناء تصفحي للكتاب ثانية.


لقد قمت بمغامرات كثيرة في هذه الحياة.. إذ حاضرت وأشدت المباني ورسمت، وكان سر نجاحي دوماً قوة الإرادة.


كل ما حاولت القيام به بقوة الإرادة قد تحقق، وأبشركم بأنكم إذا ما عقدتم العزم على القيام بعمل ما فسيتحقق.. بعونه تعالى.



يجب أن نشارك الآخرين في السرور الإلهي. لا يوجد ما هو أروع من الحديث القلبي عن الله.


إن تمكنتَ من إقناع شخص ما أن طريق الخطيئة يقود إلى وادي الموت وأن طريق التأمل والتوافق مع النواميس الإلهية يفضي إلى الحياة الأبدية تكون قد أثريت حياته أكثر مما لو أعطيته مليون دولار.


المال يفنى لكن معرفة الله تظل معنا وترافقنا إلى العالم الآخر. لذلك فإنني أحس بسرور عظيم كلما رأيت واحداً يجتهد ويعمل ما بوسعه للتعرف على الله.


ومع أنني أخطط وأقوم بأشياء كثيرة في العالم، لكنني أفعل ذلك مرضاة لله. وحتى في خضم العمل وزحمة المتطلبات أهمس قائلاً "أين أنت يا رب؟" فيتغير العالم بأسره وأرى نوراً عظيماً.


إنني فقاعة صغيرة من ذلك المحيط النوراني، ويا له من فرح عظيم!


* * *


يجب أن لا نبقي أفكارنا محصورة بالأمور الحزينة والمريعة في هذه الحياة، فالحكمة تقتضينا التوجه بأفكارنا ومشاعرنا إلى القوة الإلهية الخالدة التي لا تتغير ولا تتبدل.


لا تعتبر نفسك ضعيفاً واهناً، فدماغك يختزن كميات هائلة من الطاقة تكفي لتشغيل مدينة كبرى ليومين كاملين، وتقول مع ذلك أنك مرهق؟!


عندما تبذل مجهوداً لتحقيق النجاح، استفد من كل الفرص المتاحة دون مزاحمة الآخرين.


ذات مرة كنت أسير في أحد الشوارع في مدينة بوسطن وكان جانب الشارع المخصص للمشاة الذي كنت أسير فيه مكتظاً بالمارة وكلهم تقريباً كانوا أمامي، بحيث كان من الصعب تجاوز أحد، ومع ذلك فقد قررت بيني وبين نفسي بأنني سأكون في مقدمة الحشد دون أن أدفع أحداً.


رحت أتحين الفرص وأبحث هنا وهناك عن ثغرات بين المشاة استخدمتها حتى حققت ما أريد وأصبحت الأول بين الحشود دون أن أزاحم أي شخص.


بعدها قلت: "لا بأس، بإمكانهم الآن أن يتقدموني بعد أن حققت ما نويته".


* * *


الله هو ينبوع الصحة والرخاء والحكمة والفرح الأبدي.

عندما نتواصل معه تصبح حياتنا مكتملة، وبدونه تبقى الحياة ناقصة.

فلنمنح اهتمامنا لتلك القوة الإلهية القادرة على كل شيء والتي تمنحنا الحياة والمقدرة والحكمة.


ولنبتهل كي تنساب تلك الحقيقة العظمى إلى حياتنا..

وكي تسري تلك القوة الخالدة في أجسامنا..

وكي يأتي ذلك الفرح غير المنقطع إلى قلوبنا.


* * *


خلف ظلمة العيون المغمضة تكمن قوى الكون العجيبة وكل الأرواح الطيبة المباركة والوجود السرمدي الذي لا حد له ولا انتهاء.


بالتأمل ندرك الحق المطلق ونعاين أعماله الخفية في حياتنا وفي كل روائع الخليقة.


إن وجدَ المريد أنه لا يحرز تقدماً مثلما يرغب فعليه أن يقف مع ذاته ويفحص أفكاره ويعرف ماهية العوائق التي تقف حاجزاً في طريقه.


غالباً ما يكون السبب عدم بذل المجهود الأكيد وتشتت الذهن. وفي كثير من الأحيان تكون الموانع ناجمة عن عادات متأصلة ويتعين اقتلاعها من حديقة الحياة كي تتمكن جذور السعادة من النمو والتمدد في تربة النفس.


لا تستعجل القيام بأشياء كبيرة رغبة منك في تنمية إرادتك.


لكي تنجح يجب أن تجرّب إرادتك أولاً في بعض الأشياء الصغيرة التي كنت تظن أنك لا تستطيع القيام بها. إن بذلت المجهود سيكون النجاح من نصيبك.


لا زلت أذكر كل الأهداف التي قال لي أصدقائي وغيرهم أنني لن أتمكن من تحقيقها أبداً، ومع ذلك فقد حققتها.


هؤلاء الأشخاص أصحاب "النوايا الحسنة" يمكن أن تسبب آراؤهم أضراراً كبيرة؛ وقـّانا الله منهم ومن مشورتهم.


الصحبة لها أكبر الأثر على الإرادة. الذهاب إلى الحفلات الصاخبة ... بدلاً من التأمل في محراب السكون يلوث الفكر بغبار الاهتزازات الدنيوية الكثيفة بحيث يصعب التخلص منها.


إرادة المرء تتقوى حتماً أو تضعف بتأثير أصحابه.


إن تنمية الإرادة بالمجهود الذاتي وحسب هو أمر صعب للغاية. إنك تحتاج إلى مثال حسن تتشبه به. إن أردت أن تصبح رسّاما فعش وسط الرسوم الجيدة وعاشر الرسامين. وإن شئت أن تصبح إنساناً روحياً فصاحب الروحيين ذوي الطبائع السامية.


* * *


الإنسان المتفوق الذي عرف كيف يمدد وعيه ويحوّله إلى المطلق اللانهائي يمكنه إدراك الخليقة كحلم كوني مثلما يمكنه القول بمعرفة أكيدة أن لا وجود للمادة.


فمن خلال مراحل طويلة من التهذيب النفسي وباتباع طريق التأمل أو طرق أخرى للإدراك الروحي مثل المحبة أو الخدمة أو الإيثار والإبتعاد عن الأنانية، يذيب الباحث الجاد عن الله الثنائيات ويدرك وحدة الوجود السرمدية.


* * *


المحبة ليست مجرد عاطفة.. إنها جوهر حقيقي للغاية. وعندما يتم توجيهها بكيفية واعية تجد طريقها – دون خطأ – إلى هدفها.


كما أن المحبة قوة كبرى. قد يحاول الراغب طرقاً عديدة للعثور على الله، لكنه لن يعثر عليه ما لم يبثه حنينه الأكبر وشوقه الأعظم.



* * *


الإنسان يصبح ما يـُقنِع به عقله. إن كانت إرادتك قوية فستكتب لك الغلبة في معركة الحياة.

كلما حصر العقل اهتمامه بالأمور الفانية كلما وهنت قواه وكلما أكد طبيعة النفس الروحية كلما تروحنَ وتجددت قواه.


* * *


العالم سيواصل صعوده وهبوطه وتقلباته فإلى أين سنتوجه طلباً للتوجيه والإرشاد؟ ليس إلى مفاهيمنا المتحيزة والمتحاملة بل إلى صوت الحق والهداية في أعماقنا.


* * *


إن المادة والعقل، والكون بنجومه وكواكبه، والأمواج السطحية الكثيفة، والتيارات التحتية الشفافة اللطيفة للخليقة المادية، والقوى البشرية للشعور والإرادة والوعي، والحياة والموت، والنهار والليل، والصحة والمرض والنجاح والفشل، هي حقائق طبقاً لقانون النسبية الذي يحكم هذا الحلم الكوني.


إن كل الثنائيات التي يتم إدراكها بواسطة قانون النسبية هي حقيقية بالنسبة للحالم البشري الذي يلعب دوره الصغير في الحلم الكوني العظيم.


ولكي يفلت الإنسان من قبضة الأوهام – قانون النسبية – عليه أن يصحو من الحلم إلى اليقظة الأبدية.


لا يمكن أن نغيّر الحلم بالخيال أو بنكران وجوده، أو بتقبل "الحياة" لكن برفض "الموت"، أو بالاعتراف بالصحة ولكن بتجاهل المرض.


إن كل حالة هي جزء لا يتجزأ من نقيضتها تماماً كجانبي النسيج الواحد.


الثنائيات هي وجهان لعملة واحدة، والباحث عن الحقيقة لا يحاول فصلها في عقله، بل الترفع عنها بالحكمة والمعرفة اليقينية.


* * *


إن حب الله يرفعنا ويوسع مداركنا. لا يمكنني أن أفكر بنفسي محصوراً في هذا الجسد حصراً، إذ أشعر بأنني موجود في كل الأجسام.


ومثلما أحس بوعيي الخاص في كل جزء من جسمي هكذا أشعر أنكم كلكم جزء مني، وأشعر بأن كل الكائنات الحية داخل جسمي الكوني، وأختبر إحساسات الجميع.


هذا ليس تصوراً أو خيالاً بل معرفة ذاتية. وهذا الوعي هو أكثر من تخاطر أفكار؛ إنه دراية واعية بأحاسيس الجميع، وتلك الحالة تدعى الوعي الكوني.


عندما يبزغ ذلك الوعي في داخلكم يتلاشى وعي "الأنا" وتشعرون أن كل الموجودات تتخللها حياة إلهية واحدة.


* * *


هذه الدنيا غريبة، إذ كل شيء فيها خاضع للتغيّر والتبدّل، ولهذا يجب ألا يرسي الإنسان قارب سعادته على شواطئ هذه الدنيا.


سواء كنت تعاني في هذه الحياة أو تتنعم بالرخاء والقوة، يجب أن يبقى وعيك عديم التغير. إن استطعت تحقيق التوازن العقلي فلن يقوى شيء على إيذائك.


إن حياة جميع العظماء تظهر بأنهم بلغوا تلك الحالة المباركة. من يعقد الأمل على تحقيق سعادة دنيوية فهناك مشاكل كثيرة في انتظاره، لأن الكوابيس تأتي أيضاً مع الأحلام الجميلة.


إن اعتبرتَ الحلم حلماً ليس أكثر، سواء كان ممتعاً أو مرعباً ستشعر بالسلام، وعندما تدرك أن هذه الحياة هي أيضاً حلم ستتحرر من كوابيسها.


* * *


يجب أن يبتهج الإنسان لأن بمقدوره الترفع عن ترهات الحياة وسلبياتها، ولأنه يستطيع – بالأفكار الإيجابية - خلق الظروف المناسبة التي تستقطب له عناصر النجاح.


المزاج الحاد والمتقلب هو كالسرطان الذي ينهش سلام النفس نهشاً، والذين يعانون من المزاج النكد لا يتمكنون من التخلص من مشاكلهم.


لكن بالإمكان التغلب على الطباع السيئة والمشاكل بالتفكير الهادئ الرزين. عندما يظهر صاحب الطباع المؤذية طباعه فإنه يعترف بالفشل.



* * *


يا رب.. لقد قارنت الإغراءات الدنيوية بحبك الإلهي فوجدت حبك أقوى من كل إغراء وإغواء.


* * *


مثلما يزيد الزيتُ النارَ اشتعالاً، هكذا يغذي الغضبُ الغضبَ ويزيده احتداماً، وتشجع المعاملةُ الفظة الآخرين على مواصلة سلوكهم الخشن وتزيدهم عناداً وتصلباً.


الشخص الهادئ الطباع يقهر الغضب بالسكينة، ويهدّئ عاصفة الخصام باعتصامه بالصمت، ويبدد التنافر والخلاف بالكلام العذب الرقيق ومراعاة مشاعر الآخرين.


* * *


قال المعلم برمهنسا عن الحقيقة:


"إنها موجودة حتى وإن لم يؤمن بها أحد، في حين تحتاج النظريات إلى دعم بالأفكار والكلام."



* * *

الحب يجب أن يكون سيد العالم.


* * *


إليكَ آتي بأناشيد فرحي..

ولكَ جلبتُ كنوزاً من خزانة روحي..

وفي قفير قلبي أستجمع لك رحيق الشوق الإلهي.

لقد ظمئتُ ظمئاً شديداً في صحراء الآمال الزائفة

أما الآن فقد روّت رغائبي غليلها للأبد

إذ هي تستقي من ينابيعك الثرة.

نفحات من عطرك المقدس تنساب نحوي

وشمعة سعادتي تتألق بنور غبطتك.

لقد كدت أحتضر وسط سراب الواحات الأرضية

والآن تغمرني أمواج روحك العارمة.

ألا ليتني أغرق في محيطك الإلهي وأحيا للأبد.


* * *


الآفاق العقلية المشمسة تحتوي على الأشعة فوق البنفسجية التي تقضي على كل البكتيريا النفسية. فلا تحجبوا تلك الأشعة بفاصل زجاجي من النظرات الضيقة والمحدودة.


* * *


لا ينبغي أن توجد انقسامات في بيت الله.


* * *


إن محبتنا للآخرين مستطاعة بفضل حصولنا من يدك الكريمة على قوة الإحساس بالحب يا رب.


ألهمنا إذاً كي نقدّم لك حبنا الفائق وشوقنا المتقد!


لقد وهبتنا أباءً وأمهات، إخوةً وأخوات، أبناءَ وبنات أعمام وأخوال، شريكَ أو شريكة حياة،

أطفالاً وأصدقاء، علنا نتعلم كيف نحبك بتعبيرات مختلفة وفروق طبيعية دقيقة لكل أنواع العلاقات البشرية.


أيها الودود الأزلي، أيها القريب الأسمى! علمني كي أضفر باقة من كل زهور المحبة البشرية وأضعها تقدمة في هيكلك المبارك.


أما إذا لم أستطع، بسبب كثرة الولاءات، تقديم الباقة بكاملها إليك، فسأقطف زهرة واحدة، من أفخر وأنضر الزهور وأضعها على قدميك، عسى أن تتقبلها مني!


* * *


المظهر الجسدي، لا سيما العينان، يُظهر على وجه التقريب كيف كان الإنسان من قبل. فالكائن الداخلي يؤثر تأثيراً قوياً على الشكل الخارجي.


عينا الإنسان هما أهم سماته الجسدية، ويجب أن يعمل على جعل عينيه جميلتين. وكيف ذلك؟


عيوننا تظهر بجلاء طبيعتنا الداخلية، وهناك طريقة واحدة لتجميل مظهر وتعابير العينيين وهي بتنمية الأفكار والمشاعر الداخلية الجميلة.


بعض العيون قاسية للغاية، وبعضها يعكس اللؤم أو الأنانية.


ومهما بدت كلمات الشخص حلوة وتصرفاته رائعة يمكن أن تعرف بالضبط ماهيته الحقة من خلال تعابير العينين، إذ لا يمكنه أن يختبئ خلف تينك النافذتين المفتوحتين.


لذلك يجب على الإنسان أن يفكر أفكاراً جميلة وخلاقة. ولأنه مخلوق على صورة الله فلا حق له بتشويه حياته الباطنية.


يجب تنمية عيون جميلة تعكس السلام والهدوء والمحبة الصادقة من خلال تنمية الهدوء والمحبة والسلام.


وفقط من خلال هذه الطريقة يمكن تنمية مغناطيسية روحية أقوى من كل قيود ومحدوديات المظهر الجسدي.


* * *


عندما نتخذ قراراً ثابتاً، بعد دراسة تمحيصية لمسألةٍ ما وتحديد الإيجابيات والسلبيات المتعلقة بتلك المسألة، وعندما نفعّل إرادتنا، يمكننا أن نحدث تغييرات عديدة في حياتنا قد تبدو عصية على التغيير.


حرية الإرادة موجودة ، ولو لم تكن كذلك لما تمكن أحد من الإفلات من مؤثرات البيئة الداخلية والخارجية، ولأصبح النمو مقيداً، ولضاق نطاق الأنشطة الخلاقة، ولتعذر تطور الإنسان وارتقاؤه إلى ما فوق المستوى البدائي.


إن مفهوم النظم الإجتماعية الجديدة والأفكار التقدمية ذات الصلة بالعمل المؤسساتي المستقل، والأساليب المستخدمة في الإكتشافات العلمية المتطورة، ومجالات البحوث والدراسات المتنوعة، والأنشطة الأدبية الإبداعية، كلها تؤكد قدرة الإنسان على تمرين حرية الإختيار في كل مجال .. بعونه تعالى وبقوة الإرادة.



* * *


الكلام المنضبط والتحرر من الغضب والحقد يجعلان الشخص مالكاً لزمام نفسه ومعززاً مكرّماً في بيته. التعامل بحكمة وتعقل في العواصف العائلية أو تهدئة ثائرة الآخرين بالكلام الطيب

هي علامة من علامات النصر بل والبطولة أيضاً حتى باعتراف المناوئين أنفسهم.


* * *


الفهم هو أثمن كنوز الحياة. إنه رؤية باطنية، وهو إدراكٌ حدسي يمكننا بواسطته معرفة حقيقة أنفسنا والآخرين وكيفية التعامل مع كل الظروف التي تعترض سبيلنا، مثلما يساعدنا على تعديل مواقفنا وأفعالنا حسب الإقتضاء.


في هذا العالم، غالباً ما يكون فهمنا قاصراً، وعندما تكون رؤيتنا العقلية ضبابية يصبح من المستحيل استشراف الأمور ومعرفة ما يترتب عليها من تبعات.


وإذ نعجز عن استبصار النتائج المحتملة لأعمالنا، فغالباً ما نتخذ قرارات غير صائبة.


ولكي نعيش بسلام في هذا العالم يجب أن نكون على دراية تامة بيئتنا ومحيطنا، وأن نعرف في أي اتجاه نحن سائرون.


يجب أن نمتلك ذلك الإحساس الباطني الذي يخبرنا كيف ستكون حياتنا المستقبلية بناء على تصرفاتنا الحالية.


* * *


يجب حرث العقل بمحراث الإدراك الصحيح لأن أرضه جافة وقاسية وترطيب تربته بالتفاؤل والإنفتاح وزرع بذور الإيمان فيها وريّ البذور بمياه الإرادة الطيبة المتناغمة مع الإرادة الإلهية.


* * *


سأل أحد المريدين المعلم برمهنسا عن دعاء يجلب المحبوب الإلهي إليه بسرعة فائقة، فقال المعلم:


"الله يريد فقط جواهر الدعاء المخبوءة في أعماق منجم قلبك."


* * *


من الذي منحنا القدرة كي نحب؟ الله.

إذاً من يستحق حبنا أكثر من أي شيء آخر؟ الله.

لا يوجد حب حقيقي بدون الله لأن الله هو الحب.


* * *


يجب أن لا ننسى أن الله هو معيلنا وأن الرخاء الحقيقي لا يقاس بما نمتلكه بل بما نستطيع تحقيقه بالإرادة.

السعادة تقتضي بذل المجهود لاختزال الرغبات وتنمية المقدرة على تحقيق الاحتياجات الضرورية، والتفاؤل بأن الأوضاع ستتحسن بعون الله رغماً عن كل العوائق والعقبات، مهما بدت عصية كأداء.



* * *


صوت الحكمة يتحدث إلى كل القلوب الطيبة والمتناغمة مع الذبذبات الروحية العالية، ويجوب الأثير بحثاً عن الأفكار التوافقية التي تنشد السلام والمحبة والمعارف السامية.


* * *


قلوبنا هي الحبات، والحب هو خيط المسبحة الإلهية الذي ينتظم قلوبنا.


* * *

لا تدع ممتلكاتك تمتلكك.



* * *



لا زلت أذكر التلاميذ العديدين الذين أتوا إلى معلمي ثم غادروه فيما بعد لأنهم لم يمتلكوا الفهم الصحيح.


وقد قلت لنفسي: " كثيرون قد يأتون وكثيرون قد يغادرون لكنني سأبقى ثابتاً حتى النهاية."


كان معلمي مؤدباً صارماً، وكثيرون لم يتحملوا وهج حكمته الساطعة فغادروا المنسك، لكنني قلت له ذات يوم:


"هناك شخص لن يتركك أبداً، وذلك الشخص هو أنا."


ويسعدني أنني احتفظت بوعدي لأن توجيهه الروحي فتح بصيرتي وأنار عقلي بنور الله.



* * *


تذكـّر إن رضى الله هو أعظم شيء على الإطلاق. إن كان العالم كله راضياً عنك ولم تحظ برضى الله تكون كالقابض على الريح والنافخ في رماد. ولكن إن غضب العالم كله منك أو عليك ومع ذلك امتلكت رضى الله تكون سيد الموقف والمالك السعيد لكل شيء.


* * *


إن حياتنا تعتمد اعتماداً مطلقاً على الله، وإن توجهنا إليه ووثقنا بعونه سيرينا الطريق ويرشدنا إلى الطريقة الصحيحة للتعامل مع مشاكلنا والتخلص من مصاعبنا.



* * *



النحّات الإلهي

لتكن كل نبضة من نبضات قلبي

كلمة جديدة في قصيدة حبي الخالد لك.


ولينقل كل صوت تتلفظ به شفتاي

اهتزازاتٍ مباركة من صوتك المقدّس.


ليتشـبع كل خاطر من خواطري بغبطة وجودك.


ولتـُشحن إرادتي بحيويتك الإلهية.


زيّن بنعمتك كلَّ أفكاري وتعبيراتي وطموحاتي.


أيها النحّات الإلهي الأقدس

صُغ حياتي بالكيفية التي تراها

طبقاً لتصميمك الفريد .


* * *


يستجيب الله لنا عندما نبذل المجهود، وسندرك عندئذ بأنه حقاً موجود.. يسمع دعاءنا ويحقق أمانينا. الذين يواظبون على التفكير به والتأمل عليه سيشعرون بحضوره الأقدس ويبصرون نوره المبارك.


من يمتلك الرغبة الصادقة والتصميم الأكيد لا بد أن يصل إلى هدفه بغض النظر عن أخطاء الماضي، لكن الإستمرار في تلك الأخطاء هو خطيئة كبرى ضد النفس، لأن من يفعل الخطأ يحرم نفسه من السعادة الحقيقية.


الإنسان يمتلك القوة لأن يضر نفسه أو ينفعها، والخيار خياره في إبعاد نمل الجهل عنه كي لا يقرصه ويسبب له المضايقة.


إن لم يرغب الإنسان في أن يصبح سعيداً لا يمكن لأحد أن يسعده، ويجب أن لا يلوم الله على تعاسته.


لو لم يمنحنا الله الحرية لاستخدام إرادتنا لكان مسؤولاً عن شقائنا، لكنه وهبنا تلك الحرية، ونحن الذين نصوغ حياتنا على النحو الذي نختاره.


* * *



المعنى العميق للسكون:


عندما تطارد المريدَ وحوش المخاوف والمرض والمنغصات الأخرى فإنه يلتمس محراب السكون في داخله.


الشخص المتيقظ روحياً يحيا ليل نهار في حصن السكون الذي يستعصي على الهموم والغموم ولا تقوى أهوال العالم على اقتحامه.


الذين يدخلون محراب السكون يمكنهم التواصل مع أرواح أخرى مُحبة لله، مثلما يمكنهم فهم لغة الورود وكل الكائنات الحية.


كلما تعمّق سكون المريد كلما ازدادت سعادته.


إن الفرح الكامن خلف نوافذ الفكر، والذي يحتاج إلى التنقيب والكشف عنه في أعماق السكون، هو فرح عظيم يعصى على الوصف.


* * *


إنني أنظر إلى الحضارة كبستان به أبصر كل أنواع المزايا البشرية النابتة والمزهرة.


وكالنحلة، يقصد عقلي زهور المزايا الطيبة.


النحلة تقصد فقط الزهور التي يمكن أن تجني منها أفضل أنواع العسل.


وبالمثل، يجب أن نتشبه بالنحلة التي لا ترتشف سوى الرحيق الشهي. وهذا معناه يجب أن نحاول امتصاص الخصائص الطيبة والصفات الحسنة التي نعاينها في الآخرين.


الله هو العسل المبارك الذي ينساب إلى النفوس المتقبلة ويملؤها طيبة وعذوبة.


* * *


من يرغب في توسيع مداركه عليه أن يترفع عن وعي الطائفة واللون والعرق والتعصب الأعمى، وأن يمارس ضبط النفس ويكون طيباً ودوداً، معتدلاً في المأكل والمشرب وباقي المتع الأخرى.


وأن يفعل الأشياء التي يقرها ضميره وتجلب له الراحة النفسية، وأن يتكلم الصدق ولا يسرق ولا يخدع الآخرين ولا ينغمس بالملذات التي تضر بالصحة وتستنزف الحيوية، وأن يبتعد عن الخوف والغضب والجشع والحسد والهواجس المقلقة.


وأن يدرّب نفسه على تحمّل الحر والبرد وباقي الثنانيات دون انفعال.. وأن يعزز ثقته بالله الملاذ الأعظم من كل المخاوف والشرور.

* * *


لقد كانت علاقة مثالية ورائعة تلك التي قامت بين معلمي وبيني. فالعلاقة بين المرشد الروحي والتلميذ هي محبة في أسمى معانيها.


ذات مرة تركت المنسك محتسباً أنه سيكون بمقدوري البحث عن الله بنجاح أكبر في الهملايا، لكنني لم أكن مصيباً وقد شعرت بذلك فور مغادرتي.


وعندما عدت بعد بضعة أيام عاملني معلمي كما لو أنني لم أغادره أبداً. وبدلاً من أن يزجرني، حيّاني كالعادة وقال بهدوء، "دعنا نرى ما يمكننا أن نعدّه لفطورنا هذا الصباح."


فقلت له: "ولكن ألستَ حانقاً مني يا سيدى بسبب مغادرتي؟"


فأجاب: "بالطبع لا، فأنا لا أتوقع شيئاً من الآخرين، ولذلك لا يمكن لرغباتهم أن تتعارض مع أمنياتي. لن أستغلك لغايات شخصية، ولا شيء يسعدني مثل سعادتك."


ولأول مرة شعرت أن هناك من يحبني محبة حقيقية!"


فلو كنت أقوم بتصريف أعمال والدي وتركت العمل، لكان والدي قد غضب مني كثيراً نتيجة لذلك. على سبيل المثال، عندما رفضت قبول وظيفة مربحة عُرضت عليّ (في شركة كان والدي أحد مدرائها التنفيذيين)، لم يتكلم معي لسبعة أيام.


لقد أحبني والدي محبة أبوية صادقة، لكنها مع ذلك كانت محبة عمياء، إذ ظن أن المال سيسعدني، لكن المال كان سيقضي على سعادتي.


وبعد مضي فترة من الزمن، عندما أسست مدرستي للتعليم المتكامل غيّر والدي رأيه وقال: "إنني سعيد لأنك لم تقبل تلك الوظيفة."


وفي المقابل، كان موقف معلمي مختلفاً تماماً، إذ بالرغم من تركي للمنسك لم تتغير محبته لي، بحيث أنه لم يعاتبني.


* * *


لقد طال مكوثي في سرير الماضي والحاضر والمستقبل لخليقتك يارب، وشعرتُ – أنا طفل الخلود – بالقلق..


جاهدت المرة تلو الأخرى لكن دون جدوى، غير أنني أفلحت أخيرا بقفزة من السرير المحاط بحواجز من النسبية الخادعة، فأخذتني بين يديك وهدهدت لي على أنغام السلام الأبدي.


أنا طفل الأبدية – أبديتك يا رب

أسند رأسي على صدر وجودك الكلي.


* * *


أنا عصفور الجنة: طائر الفردوس الذي صاغته أياديك المباركة.

لقد جمّلتني بالظـُرف والألوان البديعة: بزغب الرقة وريش التفتح الروحي المذهّب.

حلـّقتُ عاليا في أجواء الحياة العابسة المكفهرة بحثا عن جنة الغبطة، فتلطخ ريشي الزاهي ببقع اليأس القاتمة.


تعالَ يا إلهي واغسل طائر فردوسك بأشعة الحكمة ومياه السلام العذبة النقية.


* * *


يوجد نوع من البكتريا التي تولد وتتكاثر وتموت في غضون ساعتين فقط.


هذا النوع يختبر في نصف نهار بل أقل من ذلك ما يحتاجه الإنسان لاختباره في فترة زمنية طويلة قد تمتد إلى ثمانين عاماً.


إن السبعين أو الثمانين عاماً التي نحياها هي مجرد ومضة في الأبدية. ومن وجهة نظر نسبية فإن كل ما يحدث لنا يتم بنفس السرعة التي تحدث للبكتريا المذكورة أعلاه.. ففي كل ومضة من ومضات الأبدية تنقضي أعوام عديدة بحسابات البشر. لذلك الوقت أثمن من إضاعته دون فائدة.


* * *


يجب ألا يفعل الإنسان ما لا يقرّه ضميره، وأن يكون سيد نفسه. ومتى أدرك أنه سيد أفكاره ومشاعره وأفعاله فلن يتمكن شيء من التحكم به أو التأثير عليه.



* * *



مع أن تأثير العقل على الجسد كبير، لكن ليس من الحكمة إهمال الجسد.

يجب أن يتناول الشخص الطعام الصحي المناسب مفضلا إياه على الطعام غير السليم.


إن اقتضت ظروفك العيش مع أناس يجعلونك عصبياً فمن المستحسن أن تغيّر الجو بين الحين والآخر. ولكن أفضل من كل هذا وذاك هو تغيير بيئتك النفسية بحيث لا تنزعج بسبب أفعال الآخرين. غيّر ذاتك وستستطيع عندها العيش بسلام وسعادة في أي مكان.



* * *


العالم ككل يشبه مصحاً نفسانياً.. بعض الناس يعانون من الغيرة والحسد، آخرون من الغضب والكراهية والشهوات. إنهم ضحايا عاداتهم وعواطفهم. لكن يمكنك خلق السلام في بيئتك.


* * *


للمشاعر انعكاسات أكيدة في العقل والجسم. فالحسد والخوف يجعلان الوجه يبدو ممتقعاً في حين يجعله الحب متألقاً.



* * *



عندما تستطيع أن تكون هادئاً ستكون سعيداً على الدوام.


وعندما تعقد العزم على التغيير نحو الأفضل فتذكر أن الصحبة الطيبة والمؤثرات النبيلة هي أمور في غاية الأهمية ولا غنى عنها لتحقيق مرادك.


إن تأثير البيئة – الطيبة أو الرديئة – أقوى من الإرادة، فضع ذلك في الحسبان في تعاملك وتفاعلك مع الآخرين.


تحليل الذات ضروري أيضاً لتحسين الذات.


إن استطعت تحليل ذاتك بجرأة وعدم خوف ستتمكن من الصمود أمام تحليل الآخرين لك ولن تؤثر بك انتقاداتهم.


* * *


قد يقول أحدهم: "لا أهتم باللذة أو السعادة، فأنا أحيا من أجل إنجاز شيء ما.. من أجل تحقيق النجاح على سبيل المثال."


وقد يقول آخر: "أريد أن أفعل الخير في هذا العالم، حتى ولو كنت في خضم الألم والمعاناة."


ولكن لدى النظر إلى أفكار كليهما نجد أن الإثنين يعملان من أجل بلوغ السعادة. فهل يريد الأول نجاحاً يخلو تحصيله من السعادة؟ وهل يريد الآخر الخير للعالم دون أن تصيبه سعادة نتيجة لذلك. قطعاً لا.


قد لا يباليان بالآلام الجسدية والمعاناة النفسية التي يسببها لهما الآخرون أو قد تنجم عن ظروف ملازمة لتحقيق النجاح أو تقديم العون للآخرين، لأن الأول يجد فرحاً كبيراً في النجاح ويتمتع الآخر إلى أقصى حد بمساعدة الآخرين بالرغم من كل الظروف المعاكسة.


وحتى معظم الدوافع غير الأنانية والنزعات الإنسانية الصادقة قد صدرت عن حافز شخصي للإقتراب من السعادة.


لكن تلك السعادة لا نصيب فيها للوصوليين وضيقي الأفق، بل هي سعادة الشهم المعطاء ذي الصدر الرحب والنفس الكريمة والكبيرة.


لذلك لا يسمح الغيريّ للأنانية بأن تملي عليه لأنه يستحيل العثور على تلك السعادة النقية ما لم يكن الشخص واسع الصدر، طيب القلب، بحيث ينشد السعادة ويتمناها للآخرين كما لنفسه.


ذلك مبدأ كوني لا يتغير ولا يتبدل.



* * *


ليس مطلوباً أن تعرف كل البشر معرفة شخصية وأن تحبهم محبة حميمية كي تبدي اهتماماً بهم وتسدي خدمة لهم.


ما تمس الحاجة له هو أن تكون على استعداد دائم لتقديم الخدمة الودية لكل من يعبر طريقك ويكون بحاجة فعلية لتلك الخدمة.


هذا يحتاج إلى مجهود نفسي واستعداد صادق للقيام بذلك دون تذمر.. وبعبارة أخرى يحتاج إلى تضحية.


الشمس تشرق بنفس المقدار على قطة الماس وقطعة الفحم، لكن الماسة طوّرت ونمّت خصائص معينة مكنتها من أن تستقبل ضوء الشمس وتعكسه بوهج وبريق، في حين تعجز الفحمة عن إظهار نفس النور.


يجب أن نتشبه بالماسة في تعاملنا مع الناس وأن نعكس نور الحب الإلهي ببهاء وصفاء.


* * *


في حديث للمريدين، قال المعلم برمهنسا:


لا يمكنني أن أعبّر لكم بالكلام عن عمق تقديري لكلماتكم التي أعربتم بها عن مشاعركم نحوي.

إنني ممتن جزيل الإمتنان لإخلاصكم ولقوّتكم بالروح وللعبارات النابعة من قلوبكم.

وإنني أعتز بوجودي بينكم، ومن دواعي سروري أن أتذكر دوماً واجبي الكبير نحو إخوتي وأخواتي في هذا العالم.


* * *


الرجل الذي كان يضرب رؤساء العمل


عند الرغبة بترسيخ عادة جديدة والقضاء على عادة سيئة، يجب حصر الذهن، براحة ودون إجهاد، في مركز الإرادة والوعي الروحي في الجبهة ما بين الحاجبين، والتأكيد بعمق على العادة الحسنة المراد ترسيخها. وعند الرغبة في التخلص من عادة سيئة يجب التركيز على تلك النقطة والتأكيد بقوة أن جميع أخاديد الدماغ التي تتمركز فيها العادة السيئة قد مُسحت.


سأروي لكم قصة واقعية عن رجل كان بارعاً في صفع رؤسائه في العمل عندما كان يفقد أعصابه، ونتيجة لذلك كان أيضاً يفقد الوظيفة تلو الأخرى لأنه كان يفقد السيطرة على نفسه بالمرة عندما كانت تنتابه نوبة الغضب، وكان يضرب كل من يعارضه بأي شيء تقع عليه يده.


أتى إليّ طلباً للمساعدة فقلت له: "في المرة القادمة تشعر بالغضب عِد من واحد إلى مئة قبل أن يبدر عنك أي تصرف."


حاول الطريقة لكنه عاد إليّ وقال: "يزداد غضبي عندما أفعل ذلك، ويعميني الحنق أثناء العد نظراً لانتظاري لتلك الفترة الطويلة." وقد بدت حالته ميؤوساً منها.


ثم طلبت منه أن يتأمل ويشعر بأن نور الله يجتاح دماغه ويهدّئ ثائرته ويبرد أعصابه ويلطف مشاعره ويزيل كل آثار الغضب من نفسه وأنه نتيجة لذلك سيتخلص ذات يوم من نوبات الغضب.


لم تمضِ مدة طويلة حتى عاد إليّ ثانية، وفي هذه المرة قال لي: "لقد تحررت من عادة الغضب، وإنني ممتن لذلك."


قررت أن أختبره، فطلبت من بعض الفتيان أن يحاولوا إغاظته واحتجبت في مكان بحيث يمكنني أن أراه ولا يراني. حاول الصبية مراراً وتكراراً أن يستفزوه لكنه حافظ على هدوئه ولم يرد عليهم.


* * *


ليملأ وعد الخلود قلوبنا وعقولنا.


ولتذكّرنا فصول الحياة وأحداثها أن ظل الموت لا يخيف أبناء النور الذين هم على دراية بديمومة النفس وصلتها الوثيقة بخالقها.


ولندرك أن الحياة والموت هما موجتان في بحر الله، وأن النفس التي هي قطرة من المحيط الكوني تستقل هاتين الموجتين دون أن تتغير طبيعتها الجوهرية ودون أن تنفصل عن مصدرها السرمدي.


ولنعمل على ابتعاث طبيعتنا الحقة من سراديب الجهل إلى قمم النور والمعرفة.


عندما نحرر وعينا من قيود الجسد والأفكار السلبية والمؤثرات غير الصحية سنلامس طبيعتنا الروحية وندرك أننا أشعة خالدة من الشمس الإلهية التي لا تغيب.



* * *


من يبلغ حالة الصمادهي أو النشوة الكونية يجد أن المواد الصلبة تتحول إلى سوائل

والسوائل إلى غازات والغازات إلى طاقة والطاقة إلى وعي كوني ويشعر بغبطة عارمة تجل عن الوصف ويختبر حالات منوعة من الوعي.. من فرح متجدد أو حكمة لا متناهية أو سلام فائق أو شعور بالحضور الكلي أو ذوبان للنفس في خضم الروح الكوني.



* * *



انتعاش الأعصاب

في التأمل الهادئ العميق تنساب قوة الحياة من الدماغ إلى كل الأعضاء فتنبثق شرارات النور من الأنسجة وينساب التيار الحيوي عبر العمود الفقري ويتوزع ليغمر كل خلايا الجسم فتتشبع بسيال الطاقة الشافية وتنتعش الأعصاب نتيجة لذلك.


* * *

أنواع المغانط:


من المغناطيس العادي يمكننا أن نعرف أن قوة جذب المغناطيس تتوقف على نوعية المغناطيس نفسه.


فالمغناطيس الصغير يجذب الأشياء الصغيرة.. والمغناطيس القوي يجذب أشياء أكبر.


وهكذا فإن المغناطيس البشري يجذب على قدر قوته الجاذبة.


كما أن هناك أنواعاً متعددة من المغناطيسيات البشرية؛ بعضها يجذب أشياء مادية وبعضها قوى نفسية، والبعض يجذب مزايا روحية.. تلك المزايا التي غالباً ما تكون كامنة أو منسية.


نقّب عن الجواهر الثمينة في مناجم الروح وستكون أنت الرابح. اسعَ وراء الهدف المنشود وتأكد أن المغناطيسية المقدسة ستجذب إليك الله .. مصدر كل قوة وخير، وأعظم مكسب في الحياة.


تأكيد: سأستخدم المغناطيسة الروحية المباركة كي أجذب لنفسي كل الأشياء الطيبة وإشعاعات كل المعارف.


* * *


الله هو حياتي.. وهو حبي .. وهو المعبد الذي يدعو قلبي للتعبد فيه.


الله هو غايتي، إذ لا يمكنني القيام بواجباتي بدون عونه.


لهذا السبب بحثت عنه قلباً وروحاً حتى عثرت عليه.


إذ بدون الحب الإلهي اللاهب والتصميم المطلق من الصعب العثور على المحبوب الكوني.



* * *


سيأتي يوم يغادر فيه الإنسان هذا العالم. البعض سيذكره بالخير ويبكي عليه، وهناك من سيذكرونه بالسوء، لكن سترافقه كل أفكاره السيئة والطيبة.


لذلك من واجب الإنسان أن يراقب أفكاره ويمحّص أفعاله ويصحح أخطاءه ويقوّم نفسه ويعمل أفضل ما لديه.


لا تلقِ بالاً لما يقوله الناس عنك ما دمت تحاول أن تفعل الصواب.


إنني أبذل قصارى جهدي كي لا أستعدي أحداً، وفي قرارة نفسي أعلم جيداً بأنني بذلت ما بوسعي كي أكون طيباً ومخلصاً مع الجميع.


لكنني لا أهتم لرأي الناس بي، سواء مدحاً أو استنكاراً، لأن الله معي وأنا معه، وهذا هو الأهم.



* * *


عندما تنشأ صداقة بين شخصين أو بين مجموعة من الأشخاص على أسس روحية مجردة عن الأغراض والغايات الشخصية، فإن تلك الصداقة النقية تصفي نفس كل واحد من أولئك الأصدقاء.


والقلب الذي يتطهر بالصداقة يصبح باباً مفتوحاً للوحدة والتقارب.


ومن خلال ذلك القلب يصبح بالإمكان استقطاب المزيد من النفوس الطيبة كي تدخل هيكل المحبة الأخوية وتنعم بالطمأنينة والسلام.


* * *


إنني أهتم بشؤون الآخرين أكثر من اهتمامي بأموري الخاصة، لأنني أقوم بكل ما أقوم به إكراماُ لله، وأفعل ذلك برغبة وحماس أكثر مما لو كانت تلك الأعمال أعمالي.


إن أتت النتائج معاكسة أو غير مرضية لا أهتم ولا أتكدر لأنني أشعر بأنني أديت واجبي نحو الله الذي هو مقصدي ومن وراء القصد، ولأنني بذلت ما بوسعي وسأكرر المحاولة بفرح وتصميم كبيرين ولكن دون تعلق بالمجهود أو المردود.


لو كنت أعمل من أجل نفسي لا غير لكنت دوماً فريسة للهم والقلق، لكن ما دام هدفي مرضاة الله فالنتائج هي له وليس لي، وهذا هو نهجي في الحياة وفيه أجد راحتي وحريتي.



درجات على سلّم النجاح:


- العمل الدؤوب

- القدرة الإبداعية

- الحكم الصائب

- التوفير وعدم التبذير

- بذل المجهود والمحاولة من جديد بعد الفشل

- الانضباط والتهذيب الذاتي

- تفعيل الطاقات الخلاقة

- مساعدة الآخرين

- وعلاوة على هذا وذاك التأمل على الله منبع كل خير ومصدر كل نجاح وبركة.



* * *


لكَ أنشد أغنيةً ما ترددت من قبل على لسان، وإليك أهدي لحني الأصيل الذي يعزفه قلبي في أعماقه وعلى أوتاره.


لقد ابتكرتُ نشيدي البكر هذا وها أنا أرفعه إليك تقدمة خالصة.


لن أقدّم لك ألحاناً عقلية ناشفة أو أنغاماً منمّقة من تأليف الغير.


ولن أهديك سوى ألحان قلبي البسيطة الساذجة.


لن أضع أمامك ورودا مستنبتة في بيوت زجاجية ومشبعة بالعواطف والإنفعالات، بل أقدم لك زهوراً بريّة نابتة للتو في حقول أشواقي ومروج حياتي.



* * *


من السهل أن يحلل الإنسان الآخرين ويصنفهم وفقاً لخصائص محددة.


لكن من الصعب أن يسلّط النور الكشاف على نفسه بصدق وأمانة. إنما هذا ما ينبغي أن يفعله كي يعرف ما يحتاجه من تحسينات وتغييرات ضرورية.


الهدف من معرفة الخصائص الذاتية هو معرفة الكيفية التي نؤثر بها على الآخرين.


الناس تتولد لديهم انطباعات عن طبيعة الشخص بصورة واعية أو لاشعورية، وتفاعلهم مع الإهتزازات التي تنبثق عنه هي إشارة خفية لمن يهمه الأمر، واللبيب من الإشارة يفهم.



* * *



عوائق النمو النفسي هي:


حب الذات (الأنانية) والغرور والطمع والغضب والحقد والحسد، وغيرها من الصفات المظلمة التي تقود الإنسان أو تدفعه إلى جهل أعمق مما هو عليه.


ما تمس الحاجة إليه هو اتباع الطريق الذي يقود إلى الحرية لأن رغبات الإنسان مسيّرة بعادات تتجدد دوماً ولا تكاد تنتهي أو تقف عند حد.


هذه العادات تأسر النفس وتبقيها رهينة بحيث يتعذر على صاحبها السير على درب التحرر والإنعتاق.


* * *


طريق الحياة هو كالآتي:

على أحد جانبيه يوجد وادي الجهل المظلم وعلى الجانب الآخر يوجد نور الحكمة الساطع.

عندما نعمل بوحي الحكمة نخطو بأمان على طريق التحرر ونحصل على ما نحتاج إليه.


* * *


الكون بأسره من صنع الإرادة الإلهية، وعندما نتوافق مع تلك الإرادة المباركة يأتينا ما نحتاج إليه دون عناء.



* * *


عندما يحاول الناس التعامل مع أجهزة المشاعر البشرية المعقدة، دون تدريب مسبق، فغالباً ما تكون النتيجة مؤلمة.


قلائل هم الذين يدركون أن السعادة تكمن في فهم قانون السلوك البشري.


لهذا السبب غالباً ما يتشاجر بعض الناس مع أصدقائهم وأفراد أسرهم، فهم لا يفهمون الآخرين ولا يرون عيوبهم الشخصية.


من المهم عدم التعاون مع التصرفات الخاطئة لأعزائنا، بل ينبغي المقاومة الصامتة لتلك التصرفات بأفعال روحية بنّاءة.


ومن المهم أيضاً أن لا نلجأ للأساليب الخشنة في التعامل مع سلوك أحبائنا غير السوي.



* * *


خلسة خدعنا الصياد المخاتل.. إننا نعوم في المياه الضحلة لطمأنينة زائفة في حين تطبق علينا شبكة مميتة من الجهل.


وفي الرمي اليومي لشِباك الصيد، كثيرون يعلقون ولا ينجو سوى القليل.


أيتها الرحمة اللامتناهية، نجِنا من الشِباك المهلكة للشهوات والمطامح الجامحة والتعلقات الدنيوية الخانقة!


ألا فلنغص إلى أعماق بحر النفس الهادئة حيث الوصال الإلهي، ولنفلت من قيود الأسر وأغلال العبودية!


* * *


قال المعلم برمهنسا مشجعاً أحد المريدين:


إن تمكنت من خلال صدقك مع الله وإخلاصك وحبك له من إيصال دعائك إليه، فلا يهم إن كانت أغلاطك أعمق من المحيط وأعلى من الهملايا.


سيقوم الله بإزاحة تلك العقبات من طريقك وسيحررك من أعباء الماضي الثقيلة وستتلاشى رغبتك في تكرار الأخطاء السابقة.


قد تجد نفسك أحياناً تحت طبقة كثيفة من الظلام، ولكنك تبقى مع ذلك شرارة من الشعلة الأبدية.


يمكنك إخفاء الشرارة لكن لا يمكنك القضاء عليها.



* * *


إن إسعاد الآخرين من خلال الكلمة الطيبة المدفوعة بحسن النية ومن خلال المشورة الصادقة هو أمر رائع وعلامة من علامات النبل التي تميز النفوس الكبيرة.



أما إلحاق الأذى بنفس أخرى من خلال الكلام القارص الجارح والنظرات التهكمية أو الإقتراحات الكاوية الحامضة فهي من الأساليب المهينة المزعجة التي لا يلجأ إليها ذوو القلوب الطيبة.



السخرية تساعد على إظهار روح العصيان والغضب في الخاطئ في حين تخلق فيه الكلمات الودية الندامة التي تعني تعرّف الشخص على أخطائه وعدم تكرارها ثانية.



* * *


قال أحد التلاميذ: "يا معلم لم أتمكن قط من الإعتقاد بوجود الجنة. فهل ذلك المكان موجود فعلا؟"


فأجاب المعلم برمهنسا:


"نعم. فالذين يحبون الله ويثقون به يذهبون إلى ذلك الفردوس عندما توافيهم المنية. في ذلك العالم الأثيري يمتلك الشخص القدرة على تجسيد أي شيء يريده على الفور، بقوة الفكر.


الجسم الأثيري مركّب من النور المشع. وفي تلك الأقطار الرائعة توجد أصوات وأنوار غير معروفة لسكان الأرض.



* * *


يجب البحث عن السعادة أكثر فأكثر داخل النفس، وأقل فأقل في الأشياء المادية.


كن سعيداً في فكرك بحيث تعجز الأمور الخارجية عن تعكير صفوك وإفقادك توازنك.


السعادة الباطنية هي المطمح الأوحد الذي يستحق عناء البحث في هذه الحياة، والمواظبة والإصرار كفيلان بتحصيلها.


السعادة هي عرش الله في داخل الإنسان.


* * *


كثيرون من الناس يظنون أنهم مستيقظون، لكنهم ليسوا كذلك.


هم في الغالب فاقدون ليقظة الوعي. لا بد أنكم سمعتم بأشخاص يمشون أثناء النوم ويصيحون "حريق! حريق!" أو يتحدثون ويحاضرون.


معظم الناس هم كذلك. طبعاً لا أقصد بذلك الراغبين الصادقين بإيقاظ الوعي من سبات الغفلة الروحية.


يجب أن نعمل على إيقاظ أولئك الذين طمروا أنفسهم تحت ركام التصرف الخاطئ والعيش المغلوط.


ولكي نتمكن من القيام بذلك علينا أولاً أن نبعث وعينا حياً من سراديب الجهل إلى نور المعرفة الإلهية.



* * *


الصداقة هي محبة الله المشعة من عيون محبينا، وهي نداؤه لنا كي نعود إلى البيت السماوي لتتذوق عذوبة الإتحاد الأبدي بالحب الكوني.


الصداقة هي صوت قدسي يناشد الأنفس كي تتحلل من وعي الأنا والأنانية الذي يفصلنا عن الله والإنسان.


الصداقة الحقيقية هي رباط مبارك بين النفوس الواعية التي تظهر من خلال صداقتها محبة الله النقية ومزايا الروح الكوني المقدسة.


الصداقة الصادقة رحبة وشاملة.


الولع الأناني بشخص معين دون سواه هو عائق كبير أمام الصداقة.


يجب توسيع حدود المحبة بحيث تشمل العائلة والجيران والعالم بأسره.


الصديق العالمي واسع الصدر، محب لخلائق الله، ينثر محبته بسخاء أينما ذهب وحيثما توجه.


هذه المبادئ السامية عاشها جميع العظماء ونادوا بها.


المحبة العائلية هي التدريب الأولي لإرساء دعائم الصداقة الروحية.


إن نفس الدم يجري في عروق كل الناس من جميع الأجناس.


وبالرغم من أننا من جنسيات وقوميات مختلفة، لكن تجمعنا أواصر عالمية نظراً لانتمائنا لنفس المصدر الإلهي.



* * *


النفس لا يمكن سجنها خلف قضبان من صنع الإنسان لأنها عالمية المنشأ، كونية الإنتماء.



* * *


إن كنا سنستمتع بالحياة على الإطلاق فالوقت هو الآن وليس غداً أو في السنة القادمة.


إن أفضل تحضير لحياة أفضل في السنة القادمة هو حياة توافقية متزنة وسعيدة في هذه السنة.


وحياة مستقبلية (في الآخرة) غنية بالمباهج والمسرات تتوقف على أسلوب حياتنا وطريقة تفكيرنا وكيفية عملنا وتعاملنا في هذه الحياة.


فيومنا هذا يجب أن يكون اليوم الأهم والأكثر معنىً في حياتنا.



* * *


التأمل هو المِعول الذي به تزاح الطبقات التي تغطي وتحجب وجه الوعي، وباستخدامه يتفجر ينبوع الفرح الإلهي الدائم الجريان.


التأمل والاسترخاء التام أو سحب الفكر بطريقة واعية من الحواس المشوشة هو الطريقة الفعلية والفعالة للتعرف على الله، ولو استطعنا القيام بكل شيء ما عدا التأمل فلن نعثر على فرح يوازي الفرح الذي يأتي عند سكون الأفكار (فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ) وتناغمها مع السلام الإلهي (سَلاَمًا أَتْرُكُ لَكُمْ).


يمكن تذوّق هذه النشوة الربانية باستخدام أسلوب التركيز والتأمل استخداماً صحيحاً.



* * *


إن بحثت عن الباب في سقف غرفتك فلن تعثر عليه حتى ولو بحثت لسنين طويلة ما لم تستخدم طريقة البحث الصحيحة وتنظر إلى الجدار.


* * *


سيأتي اليوم الذي به أودّع هذا العالم، ولكن طالما بقيت على هذه الأرض فإن فرحي الأعظم يكمن في التحدث عن روائع الله للذين يثقون بي، ورغبتي تكمن في مضاعفة شوقهم لذلك النور الرباني الذي منحني التعزية والحرية والأمان الذي يعصى على الوصف.


* * *


إن تاريخ الكون بكامل تفاصيله وأدقها محفوظ في خزائن الأزل، وذلك بُعدٌ آخر. هنا في هذا العالم المحدود نبصر الطول والعرض والسُمك والإرتفاع، لكن هناك مستوىً آخر لا توجد فيه هذه الأبعاد. كل شيء شفاف في ذلك المستوى الأثيري.. كل شيء وعي وإدراك. حاسة الذوق هي شعور وكذلك حاسة الشم. مشاعرنا وأفكارنا وأجسادنا كلها وعي. ومثلما نستطيع أن نرى ونسمع ونشم ونتذوق ونلمس في الحلم، هكذا يمكننا اختبار كل هذه الإحساسات بالوعي أو الشعور النقي الشفاف في العوالم العليا.


هذا ما أراه الآن بالضبط أثناء تحدثي في هذه اللحظة. فأنا لست في هذا الجسد، بل إنني جزء من كل ما هو كائن. والأشياء التي أراها هي حقيقية بالنسبة لي تماماً مثلما أنتم حقيقيون.

يجب أن يستيقظ الإنسان كي يبصر الله في كل مكان وكي يعلم الفرق بين الحلم والحقيقة.

كثيراً ما أبصر اللانهاية في المكان الذي أنا موجود فيه، وأبصر ذلك المكان في اللانهاية. كل شيء اقترض الحياة من ذلك المصدر الأبدي.


عندما كنت طفلاً جلستُ وصليتُ ليل نهار ولا من جواب أو مجيب.

على أحد الجانبين أبصرت البشرية وعلى الجانب الآخر الأبدية التي لم تتحدث إليّ.

ومع أنني ظننت بأنني كنت وحيداً وقد هجرني الجميع، لكن الله لم يهجرني لأنه كان كل الوقت حاضراً معي في الخفاء.. خلف أفكاري ومشاعري.


وعندما بدأت أبصر النور في داخلي كانت روحي تمتلئ بكيفية غامضة بالعبير الإلهي المبارك.

كنت أرى جذور الأشجار والنسغ ينساب فيها، وشعرت بقربي من الله الذي منحني العزاء وجبر بخاطري.


لقد صليت وناديت المرة تلو المرة ليل نهار، وعندما فقدَتْ الأشياءُ رونقها ومعناها بالنسبة لي، زهدت بالدنيا وما فيها، بما في ذلك السعادة خوفاً من أن تكون سعادة مادية فعثرت على الله الذي هو معي الآن على الدوام.


العالم قد يهجرني لكن الله لن يتخلى عني لحظة واحدة.


الله هو كل شيء. فهذه القاعة والكون من حولها يعومان كصور متحركة على ستارة وعيي.

أنظرُ فلا أرى سوى الروح النقي والنور الشفاف والوعي اللطيف.

صورة جسمي وصور أجسامكم وكل الأشياء في العالم هي إشعاعات منبثقة عن ذلك النور الرباني الأوحد. وإذ أبصر ذلك النور لا أرى شيئاً عداه.


عندما تنظرون إلى الشاشة تبصرون صوراً متحركة، ولكن عندما تنظرون إلى الخلف (في السينما التقليدية) لا تبصرون سوى شعاع من النور يسلط الضوء على الشاشة. ذلك يبدو عديم التصديق لكن تلك هي الحقيقة.


في السابق كنت أتحدث عن هذه الأشياء، لكنني الآن لا أتكلم أمام الذين لا يكترثون لها ولا يهتمون بها. لكن الله سمح لي هذه المرة بالتحدث إليكم. كل شيء إلى زوال. صلوا من أجل الحصول على الذي يبقى ولا يزول.


* * *


بما أننا أتينا إلى هذا العالم من حيث لا ندري، فمن الطبيعي لنا أن نتساءل عن أصل وغاية الحياة.


إننا نسمع عن خالق لهذا العالم ونقرأ عنه والكون بأسره يعلن عن وجود عقله الإلهي.


وكما أن القطع والأجهزة الصغيرة والدقيقة لساعة صغيرة تجعلنا نعجب بالساعاتي..


ومثلما تثير آلات المصنع الكبيرة والمعقدة دهشتنا وإعجابنا بمخترعها، هكذا عندما نرى عجائب الطبيعة ندهش من الذكاء المحتجب خلفها، ونتساءل:


"من أعطى الزهرة شكلا نابضا بالحياة ومتجها نحو الشمس؟


من أين أتى عبيرها وجمالها؟ وكيف تكونت بتلاتها بتلك الدقة المتناهية وخضبت بالألوان الرائعة البهيجة؟"



* * *


أحسّ بك في أعماق فكري، وأشعر بقربك في أبلغ مشاعري، وأراك متفتحاً في حديقة حبي.


املأني بعطر وجودك علني أنتشي بأريجك المبارك.


تعالَ إليّ من خلف السماء والنجوم والأفكار والمشاعر. أرني وجهك الأقدس ودعني أدرك حضورك في روحي ومن حولي وفي كل مكان.


لقد بحثت عنك على مر الدهور والعصور .. على دروب الرغبات والمطامح والآن أدرك أنك تسكن نفسي وتلهم أقدس أحاسيسي.


لا تحتجب بعد الآن عني خلف زهور المشاعر والأفكار ونبض الوجدان.


رصّع روحي بجواهر حكمتك وانفحني بنسمات نعيمك واقصِ عني الظلمة التي حجبتك عن بصري وبصيرتي.


يا من أنت ما وراء النجوم والسماء الزرقاء، وخلف طبقات الجو وكل الكائنات والموجودات.. تقبل همسات عشقي واغمر كياني بحبك ونورك وسلامك.


* * *


لو شعرتم ولو بمقدار ذرة من الحب الإلهي لأحسستم بفرح غامر لا يوصف وعارم لا يُقاوم

بحيث يصعب عليكم احتواؤه.


عندما نتناغم مع الله يصبح إدراكنا غير محدود ويندمج في العمق الأوقيانوسي للوجود الكلي

ونتذوق غبطة عظمى وحباً إلهياً فائقاً.



* * *


بعض الناس مدمنون على قراءة الروايات التراجيدية ويعتبرونها مادة القراءة المفضلة بالنسبة لهم، ويشعرون بأنهم سيتابعون الاستمتاع بها حتى نهاية عمرهم.


لكنهم لو حللوا أنفسهم لوجدوا أنهم غالباً ما يصبحون مكتئبين معكري المزاج من تلك القراءة المستمرة لذلك النوع من الأدب.


وبفعل ذلك الإكتئاب فقد يرغبون في كسر تلك العادة وتشكيل بدلا منها عادة قراءة الكتب والمواد الروحية التي تلهم أفكارهم وتغذي مشاعرهم بالأفكار السليمة السامية.


وإن هم قاموا بذلك التغيير سيجدون أن حياتهم قد اتخذت منحىً جديداً رائعاً بفضل التمييز الواعي والتصميم القوي.


صحيح أن باستطاعتنا تغيير أنفسنا بسرعة كبيرة إن نحن أردنا ذلك، لكن تغيير أنماط ونماذج عادات السنين يلزمه مجهود فعلي وإرادة صلبة.


لاستئصال عادة قديمة وعميقة الجذور يجب تفعيل كل قوى التصميم في اتجاه معاكس إلى أن تبطل مفعول العادة السيئة وتشل قوتها.


معظم الناس لا يمتلكون الصبر والأناة اللازمين لذلك. ولكن يجب أن يدرك الشخص أن ما خلقه أو فعله يمكن محوه أو إبطال مفعوله.



* * *


دعونا نهجر حدود الأنا ونتجول في مروج التقدم الروحي الواسعة المترامية.


وكقافلة الزمن المسافرة دوماً على دروب الحياة، هكذا ينبغي لقافلة النفس السير على دروب التمدد الأعظم نحو مشارف الروح الإلهي.


إن روح المبادرة للقيام بأهم واجبات الحياة غالباً ما تظل مدفونة تحت ركام وحطام العادات البشرية.


يجب أن يحرر الإنسان نفسه من التأثير المحْبط لتلك العادات وأن يشرع بنثر بذور النجاح الذي يتوق إليه في تربة حياته.


تكتسب الحياة قيمة وأهمية عندما نقوم بإنجاز أكثر الأعمال إلحاحاً وجوهرية: العثور على المعنى والقيم الحقيقية لوجودنا.


يجب أن يدرك الإنسان أن هذه الصور الكونية المتحركة للحياة لا تـُعرض بدون سبب.



كل يوم نرى مناظر جديدة، وكل يوم يحمل دروساً جديدة ينبغي أن نتعلمها بالتركيز على الغرض السامي لوجود الإنسان: التعرف على الكائن الأسمى المحتجب خلف ستارة الحياة.



* * *


في الله ستجد حب كل القلوب واكتمال الشوق وتحقيق المرام. كل ما يمنحه لك العالم ثم يأخذه منك ليتركك في حسرة أو ألم أو إحباط تجده في الله بمقدار أكبر بكثير ودون تبعات من الخيبة والأسى.


* * *


بعض الناس يقولون أنه يتوجب علينا الإعتماد على العقل فقط. آخرون يعتقدون أنه ينبغي لنا إشباع الحواس. كلتا الحالتين متطرفتان.


طبقاً لإحدى النظريات يستحسن الحصول على فحص طبي بانتظام للتأكد من صحة وسلامة الجسم، تماماً كفحص السيارة من حين إلى آخر. هذا أمر منطقي. لكن الإنسان ليس آلة. فإن كانت حالتك النفسية الصحيحة تتوقف على حالة الجسد فعاجلاً أم آجلاً سيصبح العقل رهينة لمتطلبات الجسد بحيث لا تنفع أنواع وكميات الأدوية ووسائل العلاج الجسدي الأخرى. هذا يفسر إصابتنا بالأمراض المستعصية. لقد أصبح الوهن الجسدي مستحكماً لأن العقل رفض أن يكون سيد الجسد.



من الأفضل التزام الإعتدال في البداية. فإن أصبتَ بجرح طفيف ضع قليلاً من اليود عليه ولكن لا تعتمد اعتماداً كلياً على الدواء. اتخذ الإحتياطات المعقولة المناسبة إلى أن تستطيع الإعتماد تدريجياً أكثر فأكثر على العقل.


المعلمون العظام أنفسهم استخدموا الأدوية المصنوعة أصلاً من أعشاب ومواد كيماوية خلقها الله.


الأدوية والعقاقير ليست ضرورية للمعلم الروحي، لكن لكي يبرهن أن قوة الله تعمل في طرق لا تحصى فقد يختار أحياناً استخدام بعض المستحضرات الطبية.


وعلى أية حال فإن الظـَفر يكمن في قوة العقل. فعندما تتوصل إلى القناعة التامة بأنه يمكنك الإستغناء عن كل الأدوية دون أي تأثير سيء تنتصر وتكتب لك السيادة على الجسد.


* * *


يجب أن تكون الصداقة التي نمنحها للآخرين نابعة من القلب، وينبغي عدم إظهار المودة والتعاون على السطح في حين ينطوي الداخل على خلاف ذلك.

القانون الروحي في منتهى الدقة والقوة، ويجب عدم معاكسة المبادئ الروحية.

لذلك من الضروري عدم مخادعة الأصدقاء أو الغدر بهم وعدم تجاوز حدود الصداقة.

كما ينبغي للصديق أن يعرف متى يتعين عليه التعاون مع صديقه ومتى يجب أن يستخدم إرادته ويمتنع عن التعاون معه.



* * *


إن سطح الجلد لا يشعر بإحساسات اللمس، فتلك الإحساسات يتم اختبارها أصلا في الدماغ، ولا يستطيع الشخص أن يتذوق أو يلمس أو يشم أو يسمع أو يرى إلا بواسطة العقل.


يبدو لنا أننا نختبر الطـَعم على سطح اللسان، لكن في الحقيقة الدماغ هو الذي يسجّل ذلك الطعم. وبالمثل، عندما يصاب أحد أعضاء الجسم بأذى يكون الألم أساساً في العقل وليس في العضو المتضرر.


لدينا آلتان للإحساس بالألم: العصب ومادة الدماغ النخاعية، والإحساس يحدث عندما يسمح العقل بالإتصال بين العصب والنخاع. وما لم يعترف العقل بالألم فالألم غير موجود.


عندما يكون الشخص تحت تأثير الكلوروفورم أو المخدر (البنج) لا يحس بالألم لإن الإحساسات لا تصل إلى الدماغ. وفي أطراف الأعصاب توجد شعيرات دقيقة من خلالها تنتقل إحساسات الألم إلى الدماغ. المخدر يحول دون انتقال إشارات الألم تلك.


الدماغ هو الجهاز الحساس للعقل، وكل إحساسات الجسد تـُنقل إلى العقل عن طريق الأعصاب والدماغ. وكون العقل مقترناً بالدماغ فإنه يستقبل تلك الإحساسات ويفسّرها.


العقل القوي بفعل التفكير الإيجابي هو قليل التأثر بإحساسات اللذة والألم. إنه على دراية بتلك الإحساسات لكنه ليس مقيداً بها.


* * *


أرشيفيات - من الهوة إلى الذروة:


قصة نجاح كما رواها الحكيم برمهنسا يوغانندا


(هذه قصة واقعية مترجمة عن شخص كان دائم الفشل، لكنه بممارسة التفكير الخلاق والتأكيد الإيجابي استطاع في النهاية التغلب على أسباب فشله وتمكن من تسخير النجاح لإرادته.)


مثلما يوجد أناس ناجحون بالفطرة، هناك أيضاً فاشلون بحكم العادة.


كان صديقي وتلميذي (س) شخصاً فاشلاً منذ الولادة. صحيح أنه كان فتىً ذكياً، مواظباً ومتشوقاً لكسب المال، لكنه ما أن كان يفكر بعمل أو وظيفة ما حتى تحيط به عوامل الفشل منذ البداية.


وذات يوم أتى إليّ صفر اليدين، مطارَداً من الدائنين، مهجوراً من الأصحاب، يطلب مني النصيحة.


سألته عن سبب متاعبه فقال:


"يا سيدي إنني إنسان فاشل، ولسبب لا أعرفه ما أن أشرع في عمل ما حتى أفقد ذلك العمل ويتضرر المكان الذي أعمل به أيضاً، فيخسر رب العمل عمله بعد فترة وجيزة من تشغيلي عنده. ولذلك أصبحت أرهب البحث عن العمل خوفاً من تعطيل مصالح أرباب العمل الذين سيشغلونني عندهم، بفعل اهتزازاتي الفاشلة. وإنني متيقن بأنني سأخسر عملي لا محالة لأن الشركة التي ستوظفني ستعلن إفلاسها وتقفل أبوابها، وتصرفني جرّاء ذلك. ولهذا ليس لي الحق في التسبب بتدمير أعمال الآخرين لمجرد صلتي بهم. "


تمكنت من إيجاد عمل له في إحدى الشركات الصغيرة وطلبت منه أن يردد لنفسه كل مساء، قبل النوم وكذلك عند الإستيقاظ التأكيد التالي:


"يوماً بعد يوم.. وفي كل يوم.. أنجح أكثر فأكثر في مجال عملي.."


مضى شهر فقال لي (س) محذراً: "سيدي، الشركة التي شغـّلتني بها آخذة في التضعضع وحالتها لا تبشر بالخير، فبالله عليك أن تخلصني منها قبل أن تنهار بالمرة، لأنني سأخسر عملي على أي حال عندما تفشل الشركة. لكن استقالتي الآن ربما تعمل على تجنيب الشركة المصير المحتوم والمشؤوم بسبب اهتزازاتي التعيسة الحظ."


ضحكتُ دون أن ألقي بالاً لما قاله (س)، بل طلبت منه مواصلة التأكيد والإحتفاظ بعمله. وبعد أسابيع جاء إليّ في إحدى الأمسيات وقال متنهداً:


"لقد حصل ما كنت أخشاه بالضبط."


سألته: "وما الذي حصل؟"


قال: "انهارت الشركة مثلما أخبرتك وكما تنبأت."


قلتُ له محتجاً: "أليس صحيحاً أنه عندما كنت تؤكد لنفسك "يوماً بعد يوم.. وفي كل يوم.. أنجح أكثر فأكثر في مجال عملي.." كنت بالحقيقة تردد تلك الكلمات كالببغاء؟ وأن أخطبوطاً من الشك ظل ممسكاً بتلافيف دماغك بحيث كنت تقول بينك وبين نفسك: "يا معتوه، إن أحوالكَ تزداد سوءاً مهما حاولت أن تقنع نفسك بالنجاح"؟!


أجاب: "إي والله.. هذا ما يحدث بالفعل."


نصحت (س) بالتخلص من الإهتزازات والأفكار السلبية الثقيلة حال بزوغها في عقله، لا سيما أثناء تكرار التأكيد الإيجابي، لأن العقل الواعي ذا القناعة الراسخة يمكنه التأثير على الوعي الباطن أو اللاشعور، والذي بدوره ومن خلال قانون التجاوب المغناطيسي يؤثر على العقل الواعي بفعل قوة العادة.


وأردفتُ قائلاً: "إن التأكيد المتواتر للأفكار والعادات الإيجابية حتى تسري وتتجذر في العقل الباطن كفيل بإزالة الحواجز الفكرية الباطنية الموروثة أو المكتسبة. ولا سبيل للنجاح ما دامت أفكار ومشاعر التثبيط والإحباط متمترسة في العقل الواعي أو الباطن. وأن من شروط النجاح امتلاك القدرة الخلاقة والظروف المواتية والميول الفطرية. فإن تمكنتَ من ملامسة الوعي السامي ذي القدرات غير المحدودة يمكنك عندئذ خلق فرص جديدة لذلك النجاح الذي ما زال هارباً منك وتعجز عن الإمساك به."


ووُفقت ثانية إلى مساعدة (س) في الحصول على عمل آخر، أكبر من الأول. لكن بعد ستة شهور (وتلك كانت أطول مدة أمضاها صاحبنا في العمل) قال لي في أصيل أحد الأيام: "إن حالة الشركة آخذة في التدهور المتسارع، فالرجاء أن تخلصني بسرعة."


لم أعر انتباهاً لهواجسه، بل طلبت منه الإستمرار في عمله. وبعد أسابيع قليلة قال لي (س) مبتسماً: "الوظيفة الثانية التي دبّرتها لي ذهبت يا سيدي مع الريح!"


قلت بهدوء: "ما عليك (ولا يهمك)، سأجد لكَ عملاً آخر."


فأجاب: "حسناً يا سيدي، ما دمت تأخذ على عاتقك انهيار شركة أخرى بفعل مخالطتي لأصحابها فلا مانع لديّ."


وبالسعي المتواصل عثرت على عمل جيد جداً لـ (س) في مؤسسة كبيرة. مرّت سنة ولم يحدث شيء، علماً أن (س) كان يحاول في كل أسبوع ترك الشركة خوفاً من تدميرها كسابقاتها.


أخيراً طلبت منه أن يستثمر أمواله في عمل خاص به، فاعتراه الخوف وحدّق بي ذاهلاً وقال: "هكذا تنصحني؟ ألا تعتقد أنني سأخسر مالي الذي جمعته بجهد جهيد إذا ما استثمرته؟"


فأكدت له بثقة: "لا بد أن تستثمر مالك وطاقاتك في مشروع جيد، كمركز تموين محلي لا يتطلب استثماراً ضخماً، وإنني واثق من نجاحك."


وفي غضون سنين قليلة أصبح (س) صاحباً لممتلكات كثيرة ومخازن كبيرة.


وما أن اقتنع بنجاحه حتى وجد نفسه ناجحاً في كل ما يفعله. وذات يوم قال لي ضاحكاً: "بفضل الله وفضلك تحولت من شخص فاشل إلى رجل ناجح. لقد تغلبت على الفشل وأدركت أن فشلي المتواصل كان بالفعل ناجماً عن نقص في فهمي لواجبي. لكنني لا أعرف كيف تمكنت من النجاح بعد أن هدمت أعمال الآخرين بسبب اهتزازاتي الفاشلة."


فقلت له موضّحاً : "إنك لم تتسبب في هدم المصالح التي كنت تعمل بها. إن قانون التجاذب الذي يحكم الناس، على أساس الإهتزازات المتشابهة، يعمل سلباً أو إيجاباً (فشبه الشيء منجذبٌ إليهِ).


طبيعتك الفاشلة جذبتك إلى شركات كانت أصلاً على وشك الفشل، والعكس بالعكس.. إذاً لقد كنتَ فاشلاً وكانت الشركات أيضاً على شفا الإنهيار. وطبقاً لقانون الجذب المتبادل فقد تدحرجتَ بمعية تلك الشركات من تلة الفشل وارتطمتم بالصخور في نفس الوقت."


العبرة من هذه القصة هي أن النجاح التام يعني خلق ما يحتاجه المرء بالإرادة من خلال إيقاظ قوى الوعي السامي غير المحدودة. تلك القوى يمكن إيقاظها بمعرفة الطريقة الصحيحة للتأمل والتفكير الإيجابي الخلاق من أجل اكتساب الصحة والنجاح والحكمة والسعادة.


* * *


شِباك النور


في الماضي البعيد كان لديّ نور كشاف سرّي وكنت أسير بحذر في صمت الظلمة الداخلية.


وعندما كنت أرسل شعاعاً خفياً في أرجاء العتمة كنت أبصر أسماكاً صغيرة من أفكار إلهامية يكشفها الضياء الخاطف.


استخدمتُ تلك الأسماك كطعم للإمساك بأسماك وعيي الكبرى لكن الكثير منها أ ُفلت وتوارى خلف دائرة النور الصغيرة.


ومن مريديك الأوفياء الصادقين.. الأغنياء بالأناشيد الفضية والأحلام الذهبية ابتعت بعملة المحبة شباكاً نورانية من إحساسات الروح ووصلتها معاً.. وكنستُ محيط حكمتك فأمسكتُ بأسماكٍ صغيرة وأسرابٍ من المشاعر السعيدة ونفائس من ذكريات مقدسة طال فقداني وافتقادي لها وحظيتُ أيضاً بما لا تعادله كنوز الدنيا.


* * *


في هذا العالم نبدو منغمسين في بحر من المصاعب.


الله يمتحننا بشتى الطرق. إنه يُظهر نقاط ضعفنا لعلنا نتعرف عليها ونحوّلها إلى قوة.


يرسل أحياناً لنا تجارب عاتية تبدو أنها فوق طاقة احتمالنا، لكن المريد الفطين يقول:


"أريدك يا رب، ولن يعيق بحثي عنك عائق.. وصلواتي قلبي هي:


"لا تجرّبني بنسيان حضورك والغفلة عن ذكرك."


بعدها يأتي الله ويوقظنا من هذا الحلم المزعج، وكل مريد سيحصل عاجلاً أم آجلاً على ذلك الإختبار الرائع .


* * *


باستطاعة الإنسان أن يوحي لذاته إيحاءات إيجابية من شأنها أن تؤثر تأثيراً إيجابياً على العقل الباطن والذي يؤثر بدوره على العقل الواعي.


أما الإيحاءات السلبية، سواء كانت ذاتية أو من شخصٍ آخر، فتضر بالدماغ وينبغي تلافيها.


هناك أرواح (أشباح) مظلمة تجوب الفضاء بحثاً عن عقول وأجسام يمكنها استخدامها وتحقيق رغائبها ومآربها من خلالها.


لذلك يتوجب الحذر من هيمنة مثل تلك الأرواح وذلك بإبقاء الفكر منهمكاً بالإيجابيات والأفكار الطيبة.


يجب عدم ترك الفكر فارغاً. هذا بالطبع يختلف عن تحضير الفكر لتقبّل الإلهامات والإهتزازات العليا أثناء التأمل.


* * *


عندما يُعتبر المال مقياس السعادة فإنه في الحقيقة يجلب التعاسة، لأنه يخلق الحسد والطمع والفرقة بين أفراد الأسرة الواحدة.


الحياة تكون أفضل للجميع لو أصبحت أكثر بساطة. لهذا يشجع المعلمون على الحياة البسيطة.


وإن كان ممكناً يستحسن الإبتعاد عن المدن الكبيرة، لأن سكان المدن غالباً محاطون بالضوضاء في حين يشعر الشخص بحرية وحيوية أكبر في المجتمعات الأصغر.


ومما يؤسف له أن كثيرين من سكان المدن لا يعملون بجد على تنمية وتغذية الميول الروحية، وبعضهم يصبح ضيق الأفق ويحيا حياة شبه آلية. ومع ذلك هناك من يستطيعون التوفيق بين حياة المدينة والحياة الروحية إن هم أرادوا ذلك.


وما لم يجلب الإنسان الله إلى حياته ويخلق توازناً فعالاً فإن المشاكل ستأتي إليه مهما وكيفما كانت طريقة حياته.

* * *


بإمكان الإنسان امتلاك السعادة في كوخ صغير، وقد يكون فريسة للهم والشقاء حتى في قصر فاخر.


الترف الزائد والتنعم بالكماليات المادية غالباً ما يطرد السعادة من النفس بدلاً من الظفر بها.


من تتوقف سعادته على إرضاء رغباته لا يمكنه تحقيق تلك السعادة، لأن السعادة والحالة هذه تتوقف على شيء ما يتوقع الحصول عليه في المستقبل.


إنه يغازل السعادة ويتودد إليها دون تحصيلها كمن يتعقب سراب الماء في الصحراء.


* * *


إن مقداراً كافياً من النوم يساعد على تزويد الجسم بالطاقة في حين أن الإفراط الزائد في النوم ينهك القوى بحيث لا يرغب الشخص بالعمل طوال اليوم، بل يجد أنه يجر نفسه جراً.


هناك طريقة للتخلص من الإعياء وهي بأكسجنة الجسم أي بتزويده بالأكسجين.


عندما تشعر بالتعب، فبدلاً من التوجه إلى المطبخ لتناول وجبة خفيفة، أخرج إلى الهواء الطلق لعشر أو خمس عشرة دقيقة وتنفس زفيراً وشهيقاً بعمق.


كرر ذلك عدة مرات. لا تتنفس بسرعة أو بقوة بل بكيفية مريحة، ببطء وعمق، وبعد هذه المدة التي تكون قد صرفتها في الهواء الطلق ستشعر بالنشاط وستجد أن التعب قد زال.


* * *


حديقة الحياة


سأستخدم كل القوى الممنوحة لي من الله استخداماً صحيحاً ونافعاً.


الله سيساعدني إذا ما ساعدت نفسي، مبتهلاً إليه كي يكلل مساعيّ بالنجاح.


لقد كفنت ودفنت الفشل في مقبرة الأمس. اليوم سأحرث حديقة حياتي بمجهودي الخلاق الجديد، وسأزرع في تربتها بذور الحكمة والصحة والرخاء والسعادة.


سأسقي البذور بمياه الإيمان بالله والثقة بالنفس، وسأنتظر كي يجود عليّ الكريم بالمحصول الوفير.


أما إن لم أجنِ المحصول فسأظل مع ذلك ممتناً للرضاء الذي حصلت عليه من محاولة أفضل ما لديّ.


سأحمد الله لأنني قادر على المحاولة ثانية المرة تلو الأخرى حتى أنجح بعونه، وسأشكره على تحقيق أعز أمنيات قلبي ورغائبي النبيلة.


* * *


ما لم يتفهم الرجل والمرأة طبيعة أحدهما الآخر فإنهما يعذبان بعضهما بآلام نفسية ممضة.

يجب أن يبذل كل منهما قصارى جهده لخلق توازن بين العقل والعاطفة بحيث يصبح شخصاً مستكملاً.


* * *


لقد مُنح الإنسان الحساسية بغية حماية الجسد. فبدون الشعور قد يصاب الشخص بجرح بالغ أو حرق خطير دون أن يعرف ذلك.


الحيوانات لم تنمِّ هذه المقدرة التي يتمتع بها الإنسان ولذلك فإن إحساسها بالألم أقل، وإلاّ لكانت الفظاعة التي تمارس على الحيوانات باستخدام بعض أساليب القتل والذبح لا تطاق. السرطان البحري يُلقى في الماء الحار، عند درجة الغليان، وهو حيّ!


ولأن الألم واللذة كليهما من خلق العقل، فالألم الجسدي يمكن تخفيفه بممارسة ضبط العقل، عندها يستطيع الشخص أن يختبر إحساساً كمؤشر لوجود حالة غير طبيعية، دون الشعور بالألم.


إن فرط الحساسية سواء للذة أو الألم يقوّي مفعولهما، بينما الحساسية المخففة تجعل الشخص أقل تأثراً بالألم وأقل خضوعاً واستعباداً للملذات الحسية.


لقد درّبتُ جسمي وعقلي كي يصبحا أقل حساسية للمؤثرات فوجدت نفسي متحرراً من المشوشات الحسية. ذلك التدريب هو الطريق للتحرر من قبضة الحواس ومتطلباتها التي لا تنتهي.


أحد الأطباء كان يتمتع بمثل هذه القوة العقلية بحيث تمكن من إجراء عملية جراحية خطيرة على نفسه!


طبعاً هذا غير ممكن بالنسبة للعقل المستعبد للتعلقات الجسدية. لكن بالتدريب يمكن أن يصبح العقل قوياً جباراً. فكلما درّب وهذب الإنسانُ عقله كلما تمكن من التحكم به.


إن الطفل المدلل أو (المدلـّع) يتألم جداً لمجرد أذى طفيف يلمّ به، في حين قلماً ينكمش الطفل المدرّب على التحمل والجلـَد أو ينكص ألماً أمام إصابات خطيرة.


* * *