حقيقة مشهود بصحتها

المعلم برمهنسا يوغانندا

الترجمة: محمود عباس مسعود

لا تنظروا إلى أقوالي نظرة الاستغراب قبل أن تجرّبوا الطريقة بأنفسكم. قد تكونوا سئمتم من سماع النظريات العديدة التي لا صلة لها بحياتكم. إن ما أقوله ليس نظرية بل حقيقة مشهود بصحتها، وسأحاول إعطاءكم فكرة عن الذي يمكن اختباره فعلا.

لقد أسعفني الحظ وتعلمت هذه الحقيقة العلمية على أحد حكماء الهند العظام منذ سنين عديدة. وقد تتساءلون عن السبب من تشجيعي لكم ولفت انتباهكم إلى هذه الحقائق. هل لديّ دوافع أنانية من وراء ذلك؟ وجوابي هو قطعاً بالنفي. كل ما أريده هو تقديم هذه الحقائق لكم على أمل الحصول في المقابل على فرح نقي لمساعدتي لكم في العثور على سعادتكم في ممارستها وتذوّق غبطتها.

والآن ينبغي لي الاستعانة بجانب من علم وظائف الأعضاء (الفزيولوجيا) لنتمكن من فهم الطريقة فهماً عاماً على الأقل. وسأشير إلى عمل المراكز أو المحاور الرئيسية وإلى التيار الكهربائي الذي ينساب من الدماغ – مروراً بهذه المراكز – إلى أعضاء الحس الخارجية والداخلية ويبقيها منتعشة بالحياة والحيوية.

هناك ستة مراكز رئيسية عن طريقها ينتقل التيار الحيوي أو كهرباء الحياة إلى كافة الجهاز العصبي. وهذه المراكز هي:

1. المركز النخاعي Medulla Center

2. المركز العنقي Cervical Center

3. المركز الظهري Dorsal Center

4. المركز الصلبي Lumbar Center

5. المركز العجزي Sacral Center

6. المركز العصعصي Coccygeal Center

الدماغ هو الموزع الكهربائي الأسمى (المركز الأعلى) وجميع المراكز متصلٌ أحدها بالآخر وتعمل تحت تأثير المركز الأسمى (خلايا الدماغ)، وخلايا الدماغ ترسل التيار الحيوي (أو الكهرباء) عبر هذه المراكز أو المحاور الفقرية والتي بدورها تفرغ شحنتها الكهربائية في الأعصاب الواردة والناقلة التي تتولى أداء وظائف الدوافع الحسية وإحساسات اللمس والبصر...إلخ.

وهذا التيار الكهربائي الصادر عن الدماغ هو حياة الآلة الجسدية (بما فيها من أعضاء داخلية وخارجية). وعن طريق هذا الوسيط الكهربائي تنتقل التقارير الحسية إلى الدماغ وتـُُحدث تفاعلات الأفكار.

وإن رغبتْ النفس في وقف سيل التقارير المزعجة للإحساسات الجسدية (التي تساعد على ظهور حلقات الأفكار المتصلة) ينبغي لها التحكم بالتيار الكهربائي وعكس انسيابه من الجملة العصبية برمّتها إلى المراكز الرئيسية السبعة (بما فيها الدماغ)، بحيث يمكنها بهذه الطريقة إعطاء الأعضاء الخارجية والداخلية الراحة التامة.

أثناء النوم تتوقف الكهرباء الموصلة بين الدماغ والأعضاء الحسية توقـّفّاً جزئيا بحيث لا تقدر الإحساسات العادية من سمع ولمس وغيرها من الوصول إلى الدماغ. وبما أن هذا التوقف هو غير كامل فإن أي منبه خارجي على درجة كافية من الفعالية يمكنه إعادة هذا الوصل الكهربائي (ما بين الدماغ وأعضاء الحس)، بحيث ينتقل (ذلك المنبّه) إلى الدماغ ويوقظ الإنسان. ومع ذلك يوجد أثناء النوم تيار كهربائي متواصل ينساب إلى الأعضاء الداخلية – القلب والرئتين وأعضاء أخرى – ويبقيها نابضة بالحياة وشغـّالة.

ولأن التحكم بكهرباء الحياة أثناء النوم هو غير تام فإن الإحساسات الجسدية من مضايقات ومرض ومنبهات خارجية قوية تزعج النائم. ولكن باستخدام وسيلة ضبط علمية يمكننا التحكم في آن واحد وبصورة تامة بأعضاء الجسد الداخلية والخارجية معاً، وهذه هي ذروة الممارسة. ولكن ذلك التحكم التام قد يلزمه سنوات طويلة من الممارسة الجادة.

ومثلما تنتعش الأعضاء الخارجية بعد النوم الذي هو راحة للجسم، هكذا تنتعش جداً الأعضاء الداخلية نتيجة لممارسة هذه الطريقة العلمية وتزداد قواها مما يساعد على إطالة العمر.

وكما أننا لا نخشى النوم خوفاً من أن تبقى الأعضاء الحسية خاملة وقاصرة عن العمل، هكذا ينبغي لنا أن لا نتهيّب ممارسة الموت الواعي أي إراحة الأعضاء الداخلية. عندئذ سيصبح الموت تحت سيطرتنا بحيث عندما نجد أن هذا البيت الجسدي قد أصبح متداعياً وغير صالح للسكن نتمكن من مفارقته بإرادتنا وبكامل وعينا. "آخر عدو يبطـُُل هو الموت"

ويمكننا توضيح هذه الطريقة بالمثال التالي:

إذا كان مكتب الهاتف الرئيسي في المدينة متصلاً سلكيا بأقسام مختلفة من المدينة فبإمكان المتصلين من تلك الأقسام الاتصال بصورة متواصلة مع المكتب المركزي عن طريق التيار الكهربائي المنساب عبر الأسلاك الموصلة، رغما عن إدارة وإرادة المكتب. أما إن رغب مركز الهاتف الرئيسي بوقف الاتصال مع المقاسم المختلفة فيمكنه قـَفل المفتاح الكهربائي الرئيسي بحيث يتوقف انسياب التيار إلى أحياء المدينة المختلفة.

وبالمثل، فإن الطريقة العلمية تمنحنا العملية اللازمة التي تمكننا من سحب التيار الحيوي – الموزَّع في كافة أجزاء جسمنا – إلى أقسامنا المركزية المتمثلة في العمود الفقري والدماغ. الطريقة تعمل على مغنطة العمود الفقري والدماغ اللذين يحتويان على المراكز السبعة الرئيسية. ونتيجة لذلك يتم سحب كهرباء الحياة الموزّعة في أقسام مختلفة من الجسم وإرسالها عن طريق العمود الفقري إلى الدماغ. ولدى بلوغها الدماغ نحس بها ونختبرها على هيئة نور. في هذه الحالة تتمكن النفس الروحية من تحرير ذاتها من التشويشات الجسدية والعقلية.

الذات الروحية تشعر بالانزعاج بسبب التقارير الهاتفية الواردة – ضد إرادتها – من طبقتين "من الناس": طبقة رفيعة (الأفكار)، وطبقة وضيعة (الأحاسيس الجسدية). ولكي تقطع العلاقة مع هاتين الطبقتين عليها أن تسحب الكهرباء المنسابة عبر الأسلاك الهاتفية إلى البطارية المركزية بإقفال المفتاح الكهربائي (أي بممارسة الطريقة التأملية) كي تتمكن من الاستمتاع بالراحة والحرية.

الانتباه هو الموجّه والموزّع الرئيسي للطاقة، وهو الذي يتولى نقل تيار الكهرباء الحيوي من الدماغ إلى الأعصاب الحسية والحركية. مثال على ذلك عندما نـُبعد عنا ذبابة مزعجة، فإننا نستخدم قوة الانتباه في إرسال تيار كهربائي إلى الأعصاب الحركية فينجم عن ذلك حركة اليد المرغوبة. هذا أذكره لكي أعطي فكرة عن قوة الانتباه تلك التي بواسطتها يمكن التحكم بالتيار الكهربائي داخل الجسم وسحبه إلى المراكز المذكورة.

وهنا أود إعطاء وصف عن الحالات التي تعقب التحكم التام بتيار الكهرباء الحيوي. في البداية يشعر الشخص بحاسة جذ ّابة جداً بفعل مغنطة العمود الفقري. لكن الممارسة المستمرة والطويلة ستجلب حالة من الغبطة الواعية التي تبطل مفعول حالة الإثارة في الوعي الجسدي.

هذه الحالة المغبوطة وصفناها بأنها غايتنا القصوى وضرورتنا العالمية، لأننا نكون معها على دراية حقيقية بالله أو الغبطة ونشعر بتوسّع في وعينا. وكلما اختبرنا تلك الحالة كلما تقلصت وتفتتت شخصيتنا (ذاتنا الصغيرة أو الأنا) وكلما اقتربنا بسرعة من الوعي الكوني وأصبحنا على اتصال وثيق ومباشر مع الله.

الدين بالحقيقة هو ليس غير فناء شخصيتنا في وعينا الكوني. لذلك في هذه الحالة السعيدة نرتقي سلـّم الدين تاركين أجواء الحواس الخانقة والأفكار المضطربة، وندخل آفاق النعيم.

بواسطة هذه الطريقة ندرك الحقائق الكونية، وعندما تصبح هذه الحالة المغبوطة حقيقية – بالممارسة المتصلة – نجد أنفسنا على الدوام في حضرة الرب المغبوط في باطننا، وننجز واجباتنا بكيفية أفضل دون النظر إلى ثمار الأعمال، فنهتم بالواجبات أكثر من اهتمامنا بذاتيتنا (الأنا) وبإحساسات اللذة والألم التي تفرزها تلك الأنا.

في تعاليم كل الأديان، سواء المسيحية أو الإسلام أو الهندوسية توجد حقيقة مؤكـّدة وهي أنه ما لم يدرك الإنسان بأنه روح – ينبوع الغبطة – فسيظل مقيّداً بالأفكار المحدودة وخاضعاً لقوانين الطبيعة التي لا تلين ولا ترحم. فمعرفته لجوهره الحقيقي تجلب له الحرية الأبدية. لا يمكننا معرفة الله إلا بمعرفة أنفسنا، لأن جوهر طبيعتنا شبيه بجوهره. لقد خُلق الإنسان على صورة الله. وبممارسة التأمل العلمي الصحيح بهمة ورغبة صادقة ستعرف نفسك، أي ستدرك أنك روح مغبوط وستتعرف على الله.

طرق التأمل الروحية تشتمل على كل الوسائل الضرورية لمعرفة الله. إنها لا تركـّز على الفوارق في الأديان والمعتقدات لأن بعضها يخلق تشويشاً في أفكار الناس.

إن سمو طريقة التأمل العلمي على سواها من الطرق يكمن بصلتها الوثيقة وعملها المباشر مع ذات الشيء الذي يقيّدنا بشخصيتنا الصغيرة، أي طاقة الحياة. فبدلا من عكس اتجاه تلك الطاقة، أي توجيهها نحو الداخل ودمجها في قوى الروح ذات التمدد والاتساع، فإنها تتجه نحو الخارج وتـُُبقي الجسد والعقل في حركة دائبة دائمة، مما يسبب المضايقات للنفس الروحية بصورة إحساسات جسدية وأفكار عابرة.

ولأن طاقة الحياة تتجه نحو الخارج فإن الإحساسات والأفكار تشوّه صورة النفس أو الروح الصافية الهادئة. هذه الطريقة تعلـّّمنا كيف نقوم بتوجيه طاقة الحياة نحو الداخلٍ. لذلك فإنها طريقة مباشرة وفورية، فهي تأخذنا تواً إلى وعي الروح: إلى وعي الله المغبوط، دون الحاجة إلى وسيط آخر.

هذه الطريقة هي لضبط وتوجيه مجرى طاقة الحياة عن طريق ضبط وتنظيم أحد المظاهر المعروفة وذات الصلة المباشرة مع طاقة الحياة ذاتها.

تجدر الملاحظة أن كل الطرق الدينية في العالم توصي باستخدام طريقة مباشرة أو غير مباشرة، تلميحاً وتصريحاً، للتحكم بمجرى طاقة الحياة وعكس اتجاهه بحيث نتخطى الجسد والعقل ونتعرف على النفس بمعرفة جوهر طبيعتها وطبيعة جوهرها.

إن وجود الحياة في الإنسان هو البقاء وانعدامها هو الفناء. لذلك فإن الطريقة التي ترشد إلى التحكم بالحياة مباشرة هي أفضل الطرق.

لقد أوصى حكماء الأجيال والبلدان المختلفة بطرق تناسب عقول وأحوال البشر الذين عاشوا بينهم. البعض شدد على الصلاة، والبعض على الشعور، البعض على الأعمال، والبعض على المحبة، وآخر على العقل أو الفكر وعلى التأمل. ولكن بواعثهم كانت واحدة.

كلهم قالوا بضرورة الترفع عن الوعي الجسدي عن طريق عكس مجرى طاقة الحياة بحيث ينساب نحو الداخل، وقالوا أيضاً بوجوب معرفة النفس وظهورها من خلف الحجب تماما كما تظهر صورة الشمس واضحة جلية في الماء الساكن الساجي. ولقد أكدّوا جميعاً صحة وفعالية الطريقة التأملية، دون الحاجة إلى أي وسيط آخر.

وتجدر الملاحظة أيضاً أن ممارسة هذه الطريقة لا تعيق تنمية القوى العقلية أو الجسدية، مثلما لا تقف حاجزاً أمام النشاطات الاجتماعية النافعة والموجّهة بأرق وأرقى المشاعر وأنبل الدوافع المكرّسة لخدمة الإنسان والإنسانية.

وفي الواقع إننا نقول ونوصي بالنمو المتكامل لشخصية الإنسان، لأن هذا النمو يساعد حتماً على ممارسة هذه الطريقة بدلاً من إعاقتها. الشيء الوحيد المطلوب هو فهم الطريقة وممارستها بدقة وستكون كل الأعمال والطموحات في صالح المريد.

النقطة الجوهرية في هذه الطريقة هي الفهم الصحيح لطاقة الحياة التي تعيل جسم الإنسان وتبقيه نابضاً بالنشاط والحيوية.

تأكيدات وجيزة للشفاء

يا رب، إن نورك المبارك ليشعّّ من أنبياء وأولياء وحكماء كل الأديان، ومن خلالي أيضاً. هذا النور المقدس موجود في كل خلايا وأنسجة جسمي، فأنا بفضلك سليمٌ ومعافى.

أيها النشاط الكوني الواعي..

إنك لتنبضُ في كياني!

الأطعمة الصلبة والسائلة والغازية تتحول بقوة الله إلى طاقة حية

لإعالة جسدي.

يا رب.. خلايا جسمي قوامُها النور

وهي من جوهركَ، لأنكَ روحُ الكمالْ

سليمة ٌ هي إذاً، لأنكَ نبعُ الشفاءْ

جوهرُها روحٌ وأنتَ الروحُ في الكون الكبيرْ

وإنها خالدة ٌ لأنكَ أصلُ الوجودْ

لأنكَ معنى الخلود.

أشعرُ بالتجددِ، بالقوة بالنشاط ْ..

نشاطِك الذي يفيضُ بالحياة.

وجسميَّ تسري بهِ

قوة ُ الروح الشافية ْ.

لقد خُلِقتُ نيّرا

من جوهر الله النقي

بالصحة ْ دوماً أشعرُ

لأنه في باطني.

قوّتهُ موجودة ٌ

في كل أجزاء الجسدْ

والمعدة قوية ٌ لأن فيها نورهُ

الشافي من كل العلل!

إنني أعلم علم اليقين بأن الأمراض على اختلافها هي ناجمة

عن عدم مراعاة قوانين الصحة. سأقضي على المرض بالغذاء الصحي

والتمرين الصحيح والتفكير السليم والنوايا الطيبة.

رباه، إن نورَكَ لموجودٌ في كل ذرة من ذرات جسمي.

في كل خلية من خلاياي.

في كل كرة من كريات دمي،

وكل عصب من أعصابي.

في دماغي وأنسجتي.

ولذلك فإنني بصحةٍ وعافية

لأنك تحيا بيَّ، وأنتَ القوة الشافية.

نور الله وعافيته يتخللان الأركان المظلمة لأسقامي الجسدية.

في كل خلاياي يسطع نورُه الشافي

إذاً هي سليمة ٌ.. لأن فيها نورَهُ

كذلكَ كمالهُ.

تأكيد خاص بقوة الفكر

أفكّـرُ وأعلمُ أن نشاطي ينطلقْ

من الدماغ ِ للجسدْ.

رذاذ ُ النورِ يندفعُ

من جذور أنسجتي

ومن دماغي ينسابُ

إلى الخلايا والأعصابْ.

وفي الفقرات ينطلقُ

سيلُ القوةِ الشافي

من العمود الفقري

كرغوة ْ أو كـَرَشّاتٍ

لتستقي خلايا الجسم ِ

سيلَ العافية الصافي!

يا ربُ إني أعبُدكْ

في كل شيءٍ طيّبٍ

وأبصرُ صلاحَكَ

في كلِ فكرِة نيّرة.

قوّتك المطلقة ُ.. الشافية لكلِ داءْ

موجودة ٌ في داخلي فلا أحسّ بالإعياءْ.

ليبزغ ْ نورُكَ الشافي

من ظلمة الجهل الكثيفْ

فحيثما وُجدَ الضياءْ.. كان الكمالُ والنقاءْ

في الشعور والإرادة والفكر.

وجّه إذاً مشاعري.. إرادتي مع الفكر

كي أتبعْ الإرشادْ بالحكمة والرشادْ.

كلَ يوم ٍ سوف أطلبْ فرحَ الروح ِ بذاتي

وليس بالملذاتِ.

إن الله ليرعى أفكاري ويأخذها إلى

عالمِ الأمن وآفاق السلام.

سأنقـّي العقلَ من كل المخاوف

عالماً بأن اللهَ يعضدني ويهديني

ويسهل لي دروبي..

وييسر لي أموري

في كل حالٍ ومجالْ.

ثقتي المطلقة ُْباللهِ دواءُ

وليَّ النفعُ منهُ والشفاءُ

والسلام عليكم