بطولات

مشى1400 كم فوق الجليد وأصابع قدميه كلها مبتورة!

و بين الإسكندر واليوغي


إرادة لا تلين: قصة اكتشاف القطب المتجمد الشمالي

من كان ذلك الإنسان الأول الذي اكتحلت عيناه (وربما دمعتا أيضا من شدة الفرح والبرد) لمرأى القطب المتجمد الشمالي لأول مرة في التاريخ؟

كيف حدث ذلك ومتى؟ هذا ما سنحاول التعرف عليه في هذا السطور.

لقد حاول الناس على مدى قرون عديدة الوصول إلى تلك المنطقة الباردة من الكرة الأرضية، ولم يعرف التاريخ مغامرة أكثر جرأة من تلك المحاولات التي غالبا ما كان أصحابها يدفعون حياتهم ثمنا لها. وتفاصيل تقدّمهم نحو الشمال تحكي مآثر بطولية وتزخر أيضا بالمآسي.

منذ مئات وربما آلاف السنين اعتقد سكان المناطق المجاورة للبحر الأبيض المتوسط بأن العالم شبيه بقرص أملس ومحاط بنهر عظيم كانوا يسمونه أوقيانوس.

لم يعرفوا الكثير عن المناطق البعيدة عنهم لكنهم استعذبوا الأحلام والتفكير بتلك الأماكن البعيدة كتلك التي تقبع ما وراء جبال الألب والبلقان.

فمن تلك المناطق تم استخراج القصدير لصنع البرونز وكذلك الكهرمان لصناعة قطع الحلي والزينة. لكن لم تتوفر معلومات موثوقة عن الشمال فتطوع الشعراء لحبك حكايات مشوقة من نسج الخيال لما يكمن وراء الجبال.

وهذا شاعرنا الأسطوري الخالد هوميروس يخبرنا عن شعب السيميريان في الشمال الذي يكتنفه الضباب وعن العمالقة الذين يسكنون هناك حيث النهار قصير لدرجة أن راعي الأغنام أثناء عودته عند المساء كان يلتقي براعٍ آخر ذاهب للرعي عند الصباح. وهناك حكايا أخرى توحي بأن الناس عرفوا شيئا ما عن القطب الشمالي لكن معظم أفكارهم عن القطب كانت غير دقيقة بل مغلوطة في أكثر الأحيان.

مع الأيام حاول الناس الوصول إلى القطب، وفي سنة 500 قبل الميلاد قام رجل يدعى همليكو من قرطاجة برحلة كبرى إلى الشمال فوصل إلى إرلندا ودوّن أحداث رحلته. تلك كانت القصة الأولى الحقيقية التي يمكن الأخذ بها. ثم توالت المحاولات وأبحر الإسكندنافيون في البحار الجليدية واكتشفوا أيسلندة. ومن ذلك المكان راحوا يبحثون عن المزيد من اليابسة وعن الكنوز.

وهناك العشرات ممن حاولوا وأخفقوا سنضرب صفحاً عن تفاصيل محاولاتهم وننتقل إلى أول مكتشف للقطب الشمالي.

ولد روبرت أدوين بيري في بنسلفانيا عام 1856 ودرس الهندسة ثم التحق بالبحرية الأمريكية. وقد شعر برغبة ملحة للاكتشافات القطبية. لقد كان يدرك كل المخاطر والنكبات التي واجهت المكتشفين قبله لكنه مع ذلك عقد العزم على المضي قدما وعرف في قرارة نفسه أنه لن يتراجع عن تصميمه.

حاول مكتشفنا بيري معرفة كل ما يمكن معرفته عن القطب الشمالي وظروفه والتفاصيل المحيطة به.

في العام 1886 ذهب برحلة إلى شمال غرينلاند وبعد ذلك بخمس سنوات قام برحلة ثانية حيث درس طبيعة الناس واجتاز المرتفعات الجليدية وبرهن على أن لغرينلاند ساحلا شماليا ولذلك فهي أكبر جزيرة في العالم. بعد ذلك بسنتين عاد ثانية إلى غرينلاند. وفي عام 1898 قام برحلة استغرقت أربع سنوات.

والآن شعر بيري بأنه على أهبة الاستعداد للانطلاق نحو المجهول. فشرع في رحلته المحفوفة بالمخاطر في عام 1902 لكنه قصف عائدا لأسباب وظروف اضطرته لذلك. في عام 1905 كرر المحاولة وهذه المرة وصل خط العرض الشمالي. أخيرا في عام 1908 انطلق على متن الباخرة روزفلت وكانت تلك رحلته الثامنة التي توجت مساعيه بالظفر. نزل مع مرافقيه من الباخرة وأخذوا زحافات تقودها الكلاب وانطلقوا نحو القطب. وبين مسافة وأخرى كان بعض مرافقيه يتخلفون عنه لينصبوا مخيما هنا وهناك يضعون فيه مؤناً سيحتاج إليها في عودته مثلما سيحتاج إلى مساعدتهم.

واصل مسيرته بصحبة خادم زنجي وأربعة من الأسكيمو ومعهم ما يكفي من المؤن لأربعين يوما.

ودّع بيري الذين تركهم وراءه في المحطة الأخيرة وسار نحو القطب فوصل إليه في السادس من نيسان عام 1909، وأخيراً وقف على قمة العالم.

وقبل وصول بيري إلى القطب أرسل الدكتور الأمريكي فردريك كوك برقية من جزر الشتلاند يعلن فيها أنه بلغ القطب الشمالي قبل سنة من ذلك. ولكن عندما دقق العلماء في مزاعم الدكتور كوك وجدوا أنها كانت كاذبة وأنه لم يصل إلى القطب الشمالي. ومع ذلك فقد اعترفوا له ببعض الاكتشافات في هذا المجال.

كان بيري يتمتع بقوة إرادة غير عادية ، إذ دفع نفسه دفعا على السير المتواصل بالرغم من آلام حادة في قدميه نظرا لفقدانه أصابعهما في العام 1898 حيث كان قد أتلفها الصقيع وبـُترت نتيجة لذلك. غير أن هذه الإعاقة لم تمنعه من السير (مع رفيقه الأمين والثمين الزنجي ماثيو هنسون) لمسافة ألف وأربعمائة كيلو متر (مشيا على الأقدام فوق الجليد في ظروف في غاية الصعوبة!) حول الرأس الشمالي لغرينلاند لوضع خريطة تفصيلية لتلك المنطقة. ويا لها من بطولة خارقة!

وما زال بيري يعتبر واحدا من أشجع الرجال وأكثرهم إصراراً على بلوغ الأهداف.

وفي هذا المقام يقول الإمام علي (رض):

"فعليكم بالجدّ والإجتهاد، والتأهب والإستعداد، والتزاود في منزل الزاد."

والسلام عليكم

المصدر: موسوعات وإنترنت

ترجمة: محمود عباس مسعود

بين الإسكندر واليوغي

هناك قصص شائقة دوّنها بعناية مؤرخو الإغريق وغيرهم ممن رافقوا الإسكندر أو تبعوه في حملته إلى الهند. وقد ترجم الدكتور مكرندل أحاديث الرحالة ليسلط الضوء على الهند القديمة. ومن أبرز مظاهر الغزو الفاشل لاسكندر اهتمامه العميق بالفلسفة الهندية وبجماعة اليوغيين والرجال الأتقياء الذين التقى بهم بين الحين والآخر ورغب صادقاً بمصاحبتهم. وفور وصول المحارب الإغريقي إلى تاكسيلا في شمال الهند أوفد أونسكريتوس أحد تلاميذ مدرسة ديوجنيس الإغريقية ليأتيه بالمعلم الهندي المتوحد داندامس الذي كان يعيش آنذاك في تاكسيلا.

وقال أونيسكرتيوس لدندامس بعد أن عثر على مخبئه في قلب الغاب:

"تحية وسلاماً يا معلم البراهمة! إن الإسكندر ابن الإله العظيم زفس وسيد الخلق أجمعين يطلب منك الذهاب إليه. فإن فعلت أجزل لك العطاء، ولكن إن رفضت فسوف يقطع رأسك."

وتلقى اليوغي برباطة جأش هذه الدعوة الإلزامية، وبالكاد رفع رأسه من فراشه المصنوع من أوراق الشجر، وأجابه قائلا:

"وأنا أيضاً ابن الإله زفس إن كان الإسكندر كذلك... إنني لا أطلب شيئا مما عند الإسكندر لأنني قانع بما عندي، في حين أراه ينتقل دون جدوى مع رجاله فوق الماء واليابسة، ولا حد لتجواله أبدا.

"اذهب وقل لاسكندر أن الله وحده هو السيد الذي يستحق كل عبادة وتبجيل. إنه الملك الأعظم الذي لا يأمر أبدا بالشر الفظيع لأنه خالق النور والسلام والحياة والماء، وخالق جسم الإنسان وأرواح البشر. وإليه يعود كل الناس عندما يحررهم الموت فلا يبقون بعد ذلك عرضة لشرور المرض.

وواصل الحكيم حديثه بسخرية هادئة:

"إن اسكندر ليس إلهاً لأنه بالتأكيد سيذوق الموت. وكيف يكون واحد مثله سيد الوجود وهو لم يتربع بعد على عرش الكون الباطني ولم يدخل حياً إلى الهاوية، ولا يعلم مسار الشمس فوق أقطار الأرض الشاسعة، وفوق ذلك لم تسمع الأمم المتاخمة باسمه؟!"

وبعد هذا التعنيف الذي يُعد أقسى ما وقع من هجوم على أذني (سيد العالم) أضاف القديس متهكماً: "إذا كانت مستعمرات الإسكندر الحالية غير كافية لإشباع جشعه فليعبر نهر الغانج وسيجد قطراً فسيحاً يتسع لجميع رجاله.

"إن ما يعرضه عليّ الإسكندر وما يعدني به من هبات هي أمور لا قيمة لها بالنسبة لي. فالأشياء التي أقدّرها وأعتبرها ذات فائدة أو قيمة فعلية هي هذه الأشجار التي أصنع منها مسكني، وتلك النباتات المزهرة التي تمدني بالغذاء اليومي، والماء الذي يروي عطشي. وما عدا ذلك من المقتنيات التي يتم جمعها باهتمام كبير فهي وبال على مقتنيها، ولا تترك في نفوس أصحابها سوى الغم والحسرة اللذين هما من نصيب غير المستنيرين من البشر. أما أنا فأرقد بسلام فوق أوراق وأعشاب الغابة، وإذ ليس عندي ما يستدعي السهر فإنني أنام ملء جفوني مستمتعاً بسبات عذب وهادئ. ولو كان عندي ما يتطلب الحراسة والسهر لأقضّ عليّ مضجعي وحرمني لذة النوم. فالأرض تزودني بكل شيء مما أحتاجه كما تزوّد الأم رضيعها باللبن. إنني أتجول حيثما رغبت وليس لديّ من هموم تؤرقني أو تنغص عيشي.

وإن قطع الإسكندر رأسي فلن يقوى أيضاً على تدمير روحي. ورأسي الذي سيصمت بعد الموت، وجسدي الذي سيصبح كرداء ممزق سيبقيان على الأرض التي صنعا منها.

أما أنا كروح فسأصعد عندئذ إلى الله الذي غلفنا بالأجساد ووضعنا على هذه الأرض لكي نثبت له – أثناء وجودنا عليها – إن كنا سنمتثل لإرادته ونحيا في طاعته. وعندما نقف أمامه سيطلب منا حساباً عن أعمالنا، وهو القاضي العادل الذي يدين كل الشرور والآثام والاعتداءات، حيث تصبح أنات المظلوم عقاباً للظالم.

دع الإسكندر يرهب بهذا الوعيد أولئك الذين يطمعون بالثراء أو يخشون الموت. إن سلاح الإسكندر ضعيف بالنسبة لليوغيين.

فنحن لا نعشق المال ولا نخاف الموت. اذهب وقل له إن دندامس ليس بحاجة إلى شيء مما عندك، وبالتالي فإنه يرفض المجيء إليك. أما إذا كنت أنت بحاجة إلى دندامس فتعالَ أنت بذاتك إليه." وتلقى الإسكندر بانتباه عميق جواب اليوغي على لسان أونيسكريتوس، وشعر برغبة متزايدة لرؤية دندامس الذي – بالرغم من عريه وتقدمه في السن – وجد فيه قاهر الأمصار ومدوّخ البلدان أكثر من ند له.

مذكرات يوغي: السيرة الذاتية Autobiography of a Yogi

بقلم برمهنسا يوغانندا