بعض أشعار

أصداءٌ

قريبة - بعيدة

نظم

محمود عباس مسعود

الولايات المتحدة


أطياف الماضي

مرّت سنونٌ على من فارقَ الوطنا

والماضي أمسى خيالاً أو غدا وسنا

إذا تملـّكَ أجفاناً وداعبها

يعيدُ ذكرى ويوحي الشوقَ والشجنا

بالأمس ِ كنا وروضُ الأنس ِ يجمعنا

ونغــــــــمة ُ الودِّ رنانة بمسمعنا..

فنسهرُ الليلَ لا نشعرْ سوى فرح ٍ

تحكي عذوبتهُ إذ ذاكَ بسمتنا

تلك العهودُ تموجُ في مخيلتي

مثل النسيم ِ إذا ما حرّكَ الفننا

أو مثلَ طيفٍ في الأحلام ِ نبصرهُ

فإن صحونا لم يبقَ بحوزتنا

وقد يعودُ على مهلٍ فنلمحهُ

فإن هرعنا إليه يستحيلُ منى

يطيرُ للتو ِ للمجهول ِ يسكنهُ

ويرسلُ الوجدَ من طي الأثير ِ لنا

وإني غنيٌ بقُربِ رفيقي

إليك سلامي وهمسُ الحنين

فأنتَ الصديقُ الصدوقُ الأمينْ

ترسّخَ غَرْسُكَ في المكرماتِ

وشكَّلتَ للنبل ِ أوفى خدينْ

وأحرزتَ في مهجتي موطنًا

سيبقى دواماً بحصن ٍ حصينْ

وذكراكَ كالوردِ في طيبهِ

وطيفـُكَ ضيفٌ عزيزٌ ثمينْ

يُشِيِعُ بنفسيَ نُورَ المُنى

ويضفي البشاشة ْ, وينفي الشجونْ

أحسُ بقربكَ يا صاحبي

كأنكَ تنسابُ عبرَ الوتينْ

عرفتـُكَ صوتاً يرنُ إخاءً

وفي الصفحاتِ لهُ أستبينْ

شريفُ المقاصدِ في نهجِهِ

أ بيٌ جريءٌ غيورٌ حنونْ

وفيٌّ حفيٌّ بأصحابهِ

عريقُ المنابتِ, صلبٌ بلينْ

نبيه ٌ نزيه ٌ بغاياتهِ

فبالصدقِ يحيا وأيضاً يدينْ

وإني غنيٌ بقُربِ رفيقي

لأن الصداقةِ كنزٌ دفينْ

نعيشُ صفا العمر ِ في صدقهِ

ويُدفي النفوسَ بروح اليقينْ

أخي قد أبنتُ لهٌ عن شعور

ٍ وثيق ٍ عميق ٍ بذاتي مكينْ

وصغتُ الشعور لأُهدي له

بطاقة ودٍ من الغائبين.

الدنيا روضٌ وأنتمُ أزهاري

للصحبِ أهدي زهرة َ الأفكار ِ

فوّاحة ً بالود ِ والإكبار ِ

في كل ِ معنىً قصة ٌ موثوقة ٌ

تحكي حنين َ القلب ِ للأخيار ِ

يا من تقبلتمْ قصائدي بالرضا

ورغبتمُ في معرفة أخباري

أجزي لكمْ شكرَ الفؤادِ وحبيَّ

مع امتناني من ورا الأبحار ِ

وأقولُ يا أهلَ الكرامة ِ أنتمُ

ما يلهمُ الوجدانَ بالأشعار ِ

ويشيعُ في روح المهاجر ِ خاطراً

ويشعُ مثلَ الكوكب ِ السيّار ِ

وإذا ظلامُ البحر ِ زاد ظلمة ً

أتذكـّرُ بأنكمْ أقماري

وأراكمُ كالشمس ِ في عز الضحى

بالرغم ِ من غيم ٍ ومن أمطار ِ

الهجرُ ليلٌ يا رفاقي إنما

تبقون َ دوماً صبحيَّ ونهاري

وإذا حظيتُ بالصداقة ِ منكمُ

زادت كنوزي وأشرقتْ أنواري

فأنا بصحب الخير ِ أسعدُ كائن ٍ

الدنيا روضٌ وأنتمُ أزهاري

والعيشُ يحلو كلما سرنا معاً

فوق دروب الحبِ والإيثار ِ

هذا حنيني الجمُ يسري نحوكمْ

وتشوّقي كهبّة الإعصار ِ

وأظلُ أصبو للرجوع ِ وأضرعُ

كي نلتقي وتنتهي أسفاري

جوابٌ على جواب

جاءَ الجوابُ رخيماً في تهامسهِ

يشدو حنينَ الروح ِ والوجدان ِ

وكأنهُ عطرُ الورودِ بطيبهِ

يروي حكايا الروض ِ والبستان ِ

فوعيتُ فحواهُ وقلتُ مرحباً

للمهجةِ هيّـا بلا استئذان ِ

وشعرتُ خفقاً في الفؤادِ مترجماً

ملاحمَ الإخلاص ِ والتحنان ِ

ولمستُ إبداع َ الشعورِ مجسَّداً

وسمعتُ ما يشبهْ صدى الوديان ِ

ورجعتُ تواً بالخيال ِ لأبتعثْ

عهداً توسّدَ تربة َ الأزمان ِ

لأعيشَ أيامَ الشبابِ مجدداً

في قريتي بصحبة الخلان ِ

ما كنا نحسب للفراق ِ تحسباً

ولا حدَسنا بغتة َ الهجران ِ

وملأنا أحواضَ الليالي بضحكنا

وجرعنا منها جرعة َ الظمآن ِ

وزرعنا أغراسَ الأمانيَ حولنا

وذرعنا دربَ الخاطر المزدان ِ

بأزاهر الشوق النضير الباسم ِ

وبراعم الودِّ على الأفنان ِ

وخلقنا جواً ملؤه صفو الرضا

وفرحنا بالعيش ِ مع الأخدان ِ

والآنَ لم يبقَ سوى الذكرى التي

تترقرقُ بالصمت في الأجفان ِ

وترفُ في القلبِ كطير ٍ عائد ٍ

عند الغروبِ آبَ للأكنان ِ

وتطلُ في الأفق ِ كبدرٍ غافـَلَ

حُجُبَ السحابِ ليبزغ َ لثوان ِ

وتدقُ كالأجراس ِ في غسق الدجى

وتلذُ كالإغفاءة ْ للتعبان ِ

وترطـّبُ كالطلّ أزهار الرُبى

وتحومُ كالسربِ على الغدرانِ

يا ليتنا يا صاحبي لم نفترقْ

يا حبذا لو نلتقي من ثان ِ!

تلك العهودُ

طلبتَ شعراً من أخيكَ الهاجر ِ

يا ربِّ عونَك كي أجسّدَ خاطري

فيجيءُ قوليَ نابعاً من مهجتي

ويكونُ شعري ترجمانَ مشاعري

وتكونُ ألفاظُ القريضِ ناطقة ْ

بالصدق ِ مشحونة ْ بشوق ٍ عاطر ِ

حتى إذا طالعتها أحسستني

ولمستَ بالوجدان ِ عمقَ أواصري!

يا صاحبي ما زلتُ أحفظُ عهدكَ

وأخصُ شخصكَ باحترام ٍ وافر ِ

وأراكَ كالواحه ْ الظليله ْ الوارفة ْ

تتفجرُ دوماً بماءٍ زاخر ِ

كم أشتهي يا صاحبي لو نلتقي

ونعيدُ قسطاً من زمان ٍ غابر ِ

أيامَ كنا نملأ ُ أجواءنا

بالبهجةِ حتى الصباح الباكر ِ

ونسيرُ والبدرُ يطلُ باسماً

يرنو إلينا مثلَ وجهٍ سافرِ

لا أدري كيف قد تفرّق شملنا

والماضي قد أمسى حديثَ الطائر ِ

يرويهِ إذ يشدو على أغصانهِ

والروض يحكيه بزهر ٍ ناضر ِ

تلك العهودُ قد توسّد ذكرها

طيّ الفؤادِ والشعور ِ الغامر ِ

ويظلُ شخصُـكَ ساكناً في خافقي

وأراهُ دوماً ماثلا ً في ناظري.

ارتحال وجيه

رحلَ الوجيهُ عن الديارِ فأودع َ

في القلبِ لهفة ْ وفي المحاجرِ أدمعا

وكأنَ بدراً غابَ بعدَ تألق ٍ

وسْط َ الدياجـي المدلهمة ْ وودّعا

ما كنا نحسب أن عمراً حافلا ً

بالمكرَمـاتِ يغدو حبلا ً مقطـّعا

لكنّ للأقدارِ رأيا ً آخرا

وإذا المنايا أقبلتْ لن ترجــعا

يا راحلا ً كنتَ كريماً طيباً

تعطي كثيراً إن سُئلتَ تبرّعا

لكَ في جبل الكرامةِ بيرقٌ

وسخاؤكَ صارَ مثالا ً ساطـعا

كوّنت نفسكَ يا عصاميّ الشرفْ

وكسبتَ تقديــراً كبيراً واسعا

فالكلُ يعرفُ قدرَكَ يا راحلاً

يا من عرفتكَ للشهامـةِ منبعا

ها قد غرستَ في القلوبِ محبة ً

وتركتَ ذكراً عاطـراً متضوعـا

إني أعزّي ذاتيَّْ برحيلكَ

يا من غدوتَ للكرامةِ مرجعا

فليحيَ ذكرُكَ في شمائلكَ التي

أهدتْ إلى الوجدان ِ ومضة ْ لامعة

وليرحمْ المولى لكَ روحاً غدتْ

في عالم الأبرار همسـاً وادعا

إلى الشابي

أبا القاسمَ قد حرّكتَ فينا أعمقَ الحس ِ

لأنكَ صوتُ إلهام ٍ من الأملاك ِ للناس ِ

شربت َ الوحيَ ينبوعاً فصرتَ منبعَ الحدس ِ

وجئتَ من رياض الخلدِ بالترياق ِ في كأس ِ

لتسقي من به ظمأ ٌ لماء الروح ِ والنفس ِ

أبا القاسمَ قد أوقدتَ نيراناً على جبل ِ

لقد جئت َ إلى الدنيا وغادرتَ على عجل ِ

وأمضيت َ سنيَ العمر بالتفكير ِ والعمل ِ

فلم تهدأ ولم تهنأ لعلمكَ هجمة َ الأجل ِ

لأنكَ كنتَ( بلقاسم) على موعدْ مع الرمس ِ

أبا القاسمْ نبوغكَ يحكي روعة َ العظـَمَة ْ

سطعتَ كشهاب الليل ِ إذ يبدد الظلمة ْ

لقد جسّدتَ إحساسكَ يا شاعرنا في الكلمة ْ

ستبقى مثلما كنتَ محبوباً ومحترما

ولن تـُمحى ذكراكَ إذ صرتَ بنا عَلما

وفي أشعاركَ همسٌ وللروح ِ بها أنسٌ

أبا القاسم! أبا القاسم!ِ

الفراســـــــــــــــة

(نشرت في العدد 250 من مجلة العربي)

في نظرة المرء ِ سِفرٌ يروي سيرتهُ

ويُبرزُ الخـُلقَ إن لِيناً وإن وعِرا

والعينُ تنبئُ ما في القلبِ من وطرٍ

سيّان إن بانَ في الأفعال ِ أو سُترا

ما العينُ إلا دليلٌ للنفوس ِ بها

مرآة ُ صدق ٍ لمن في صحنها نظرا

والوجهُ يعربُ عن نياتِ صاحبهِ

ويبدي للناس ِ كشفاً بالذي شعرا

فباطنُ المرء ِ مرسومٌ بسحنته ِ

لا فرقَ إن قالَ حقاً هذا أو نكرا

العام الأربعون

(نشرت في العدد 487 من مجلة العربي)

يا شعلة َ العقل ِ يا إشعاعهُ البادي

يا زادَ معرفة ٍ بوركت ِ من زادِ

معينـُكِ البحرُ لا تنضبْ مواردُهُ

ونبعثكِ الثرُ يروي غلة الصادي

حَوَتْ متونك ِ آفاقاً مرّصعة ً

بأنجم الفكر ِ تعكس نورك ِ الهادي

قطعت ِ شوطاً طويلا ً من مسيرتك ِ

وصرت ِ شمساً تنيرُ عالمَ الضادِ

الأربعونَ من الأعوام ِ قد حفلتْ

بكل ِ علم ٍ وإبداع ٍ وتجديدِ

في كل شهر ٍ تجودينَ بمأدبة ٍ

ودعوة ٍ صادقة للرائح الغادي

عطاؤك ِ السمحُ يستوجبْ تشكرنا

وهذا حقٌ نؤديهِ لجوّادِ

من كانَ يبغي الثقافة ْ من مصادرها

فأنت ِ مصدرُ تثقيف ٍ وإرشادِ

وأنتِ سلوى الغريبِ في مهاجرهِ

متى رآكِ لا يشعرْ بإبعادِ

تحية َ الودِ والعرفان ِ يا عربي

وألفَ شكر ٍ لكتـّابٍ وروّادِ

الراعي الفطين

عندما سئل الراعي الفطين عن الدليل

عن وجود الله أجاب:

أرى الأثرَ على الرمال فأقطعُ بمن أحدثه

من بشر أو سابلة..

وأبصر بصماته حيثما سَرَحتُ وسرّحتُ بصري

فأدرك بجلاء أنه موجود..

أي فطنة أبرزتها يا قاطن البيداء؟!

فأختامه حقاً منقوشة على الرمال والتلال

وتوقيعه بادٍ في كل صور الحياة وأشكالها

بوركتَ يا راعي الأغنام..

يا من غنمتَ من فراستك فهما سديدا

وأحرزتَ بفطرتكَ إيماناً وطيدا!

أيا ترى يليق؟

أيذكـّرك الهلال بدنو الرحيل؟

وهل تفرحين – كذلك الشاعر – كلما هلَّ؟

لقد طالت زيارتك لعالم الحدود

ووفرة القيود

واستقت الأشواكُ من روافد العقيق

واعتلقَ بالخافق العِليق.

أيا ترى يليق

تجديد الإشتهاء

إلى ما لا انتهاء؟

قد قارب الأصيل

فالكائناتُ توحي بالسكون

والوسن يساور العيون

تيقظي فلا يحلو لكِ المبيتْ

إلى بصقع ٍ يجهل الظلام

والحزنَ والآلام

يكون فيه نومك استيقاظ

ويغربُ عن بالكِ

ما كان في الأنقاض.