لا تسمح للغضب بالسيطرة عليك

هذه العاطفة هي أعمق مما يظهر منها على السطح، إذ قد يتمكن الشخص من التحكم بكيفية معقولة بالمظهر الخارجي للإنفعالات العنيفة ومع ذلك يبقى يحمل في داخله غضباً مكبوتاً وغيضاً متأججاً. هذا الغضب يتخذ عدة مظاهر مثل الشراسة، التململ، عدم الصبر، الإستياء، الحسد، حدة الطبع، التعاسة والمزاجية. وفي الحقيقة كل شخص تقريباً يعاني من الغضب بدرجة تتراوح بين الزيادة والنقصان.

الغضب مهما كان نوعه ينجم عن إحباط في تحقيق الرغبات. وفي غياب الفرح الروحي يتوجه الناس إلى المتعة عن طريق الرغبات الحسية.. تلك الرغبات التي تحمل أصلا في داخلها بذور الإحباط وعدم الرضاء وبالتالي الغضب الذي يدمر الأحاسيس الرقيقة والمدركات السامية.

لذلك فإن الطريقة الأكيدة للقضاء على الغضب هو بالقضاء على مسببه: الرغبة. كلما زادت مشتهيات الإنسان كلما زادت إحباطاته لأنه من المستحيل إشباع كل تلك المشتهيات، لأن الرغبة الحسية لا ترتوي ولا تنتهي. وكلما عملنا على تحقيق الرغبات أو الإختبارات الحسية كلما زاد تعلقنا بها. وكلما كان تعلقنا قوياً كلما زاد تألمنا لحرماننا من تلك الأشياء التي تبدو لنا أنها تحقق رغباتنا.

على سبيل المثال لقد أودعت الطبيعة بنا الإحساس بالجوع بحيث نعرف متى يحتاج الجسم إلى الغذاء. لكن التعلق أو الولع يضخم ذلك الإحساس ويحوله إلى معاناة نفسية. إن كنت تحت الأكل وصمت لثلاثة أيام - سواء لأسباب صحية أو غير ذلك - فأغلب الظن أنك ستشعر بالغضب. من ناحية أخرى يتمكن اليوغي من الإستغناء عن الطعام لعدة أيام دون أن ينزعج لغياب الطعام، لأنه مارس عدم التعلق برغبات الجسد.

عندما ندرك أن الرغبات هي مصدر الغضب نرغب في معرفة الطريقة البناءة للتعامل مع تلك الرغبات. هناك عدة مقاربات لهذا الغرض:

أولا تحقيق تلك الرغبات.

إن كانت تلك الرغبات غير ضارة فلا بأس من تحقيقها وعندها ستنتهي منها. لكن المشكلة تكمن أن تحقيق تلك الرغبات يولد رغبات جديدة أو قد تصبح عادة مستحكمة ومكبلة. فكلما قدمت الغذاء للرغبات كلما ازدادت قوة. ولذلك ينبغي التدقيق والتمييز حتى عند تحقيق الرغبات التي تبدو بريئة.

ثانيا التخلص من تلك الرغبات.

من أكثر الطرق فعالية للتخلص من الرغبات هي أن تزهد بها في فكرك، وهذا يصبح أمراً طبيعياً كلما تيقظنا روحياً. فالمهتمون في الدراسات والممارسات الروحية - على سبيل المثال - يفقدون الرغبة في التدخين. التخلي عن الرغبات يأتي عندما تتيقظ النفس بما فيه الكفاية للسعي إلى تحقيق الرغبة العظمى: الغبطة الدائمة. فعندما نحس بالفرح الروحي في داخلنا تضعف الرغبة في الأمور الحسية وترخي قبضتها عن الإرادة.

بإمكاننا تحويل الرغبات القوية إلى طاقات حيوية وإبداعية عظيمة النفع. في كثير من الأحيان لا تكون الرغبة سيئة بحد ذاتها، بل الخطأ يكمن في الطريقة التي يسعى الناس إلى تحقيقها. لو عرفت كيف تبحث عن السعادة داخل نفسك لوجدت أن كل رغباتك قد تحققت دون الحاجة إلى الركض هنا وهناك.. وتجريب هذا الشيء أو ذاك لتحقيق تلك الرغبات.

يجب أن لا يؤخذ من هذا الكلام أنه ينبغي أن لا نمتلك أية رغبات. فنحن كبشر لا يمكننا إلا أن نمتلك رغبات. وما دمنا على هذا الأرض فإن الطبيعة تستحثنا للعمل. والتحدي يكمن في عدم السماح للغضب بالسيطرة علينا عندما لا تأتي نتائج أعمالنا مطابقة لتوقعاتنا.

التأمل هو الدواء الناجع للغضب أو لأية مشكلة أخرى. لأن التأمل يجعلنا على تناغم تام مع طبيعتنا الحقة المتحررة من السلبيات على اختلافها، بما فيها الغضب. إن غبطة الله وسلامه كامنان في نفوسنا، وعندما نتأمل بالطرق الصحيحة نتوصل إلى تلك الغبطة وذلك السلام فيتبدد الغضب تلقائياً نتيجة لذلك. وكما أن كتلة الرمل لا يمكنها أن تصمد في وجه الأمواج القوية، هكذا يعجز الشخص الذي لا يملك سلاماً راسخاً في ذاته على الصمود أمام العواصف الفكرية العاتية.

لكن قطعة الألماس تحافظ على طبيعتها الجوهرية مهما لطمتها الأمواج من كل جانب.. وبالمثل فإن صاحب النفس الصافية كالبلور النقي يبقى متألقا حتى وإن عصفت حوله المصاعب وهزته رياح التجارب هزاً عنيفاً.

للحديث تتمة والسلام عليكم


تعاليم المعلم برمهنسا يوغانندا

الترجمة: محمود عباس مسعود

ملاحظة: إسم المعلم برمهنسا يوغانندا يكتب أحيانا برمهنسا يوجانندا أو برمهنسا يوجنندا