من الذي قضى في عزّان



يا أصحابي الأوفياء!

أعرف أن جثماني الممّدد تعلوه الصفرة والبياض

وأنه بارد كالثلج.

تقولون "قضى عبد الله!"

وتنتحبون عند الرأس والقدمين،

أستطيع رؤية دموعكم المنهمرة

وأسمع تنهداتكم ودعواتكم؛

مع ذلك أبتسم، وأهمس لكم:

"لستُ ذلك الشيء الذي تقبّلون

فكفكفوا دموعكم، ودعوه يرقد

فهو كان لي، ولم يكن أنا."

يا أصدقائي الطيبين!

ذاك الذي تعطره وتجهزه النسوة

لتوسيده الثرى

ليس سوى كوخ أغادره

وثوبٍ ضاق عليّ فلا يمكنني ارتداؤه بعد الآن.

إنه مجرد قفص

أفلت منه طائر روحي.

فأحبوا ساكن الحجرة، لا الحجرة

ولابس الثوب، لا ثوب

وريش الشاهين، لا قضبان القفص

التي أبقت الطائر بعيداً عن تلك النجوم المشعشعة.

يا خلاني المحبين!

جففوا كل عين بللها الدمع

فالذي ترفعونه على الأكتاف

خرجت منها اللؤلؤة.

لقد تحطمت الصدفة

وهي الآن ملقاة في مكانها دون حراك.

أما النفس فهي اللؤلؤة، وهي هنا

لقد أودع الله في وعاء من خزف عقلاً يحبه

وسدّ على ذلك الجوهر بغطاء.

فدعوا الحطام إلى الأرض يعود

ما دام الذهب يتوهج في خزائن الرحمن.

مع ذلك تنتحبون يا أصدقائي

في حين أن من تقولون أنه ميّت

يغمره نعيم يعصى على الوصف

وما زال حياً يُرزق ويحبكم.

صحيح أنه فـُقد ولم يعد باستطاعتكم

رؤيته بالنور الذي تبصرون به

لكن في النور الذي لا يمكنكم معاينته

في دنيا المباهج التي لم تتذوقوها بعد

في الفردوس العريض

يحيا حياة لا تنقضي بالموت أبدا.

أستودعكم الله ولا أودّعكم يا أصدقائي

فحيث أنا موجود سيكون مقرّكم أيضاً.

لقد غاب شخصي عنكم

لفترة وجيزة

وعندما تأتون إلى حيث ولجت

ستتعجبون من بكائكم

لأن هنا كل شيء، وهناك لا شيء.

ابكوا قليلاً إن كان لكم في البكاء عزاء

لكن تذكروا أن شعاع الشمس يعقب المطر.

لقد بت أدرك الآن

أن الموت هو النسمة الأولى

التي تستنشقها أرواحنا

عندما تدخل الحياة الأبدية

التي هي محور كل حياة.

وتأكدوا أن الوجود بأسره يبدو مغموراً بالحب

لدى معاينته من عرش الله في أعلى عليين.

فلتكن قلوبكم قوية

(ولتستعدوا) للقدوم بجرأة إلى داركم، دار البقاء

لا إله إلا الله!

هذه رسالة الذي قضى في عزّان

إلى صحبه ومحبيه

لتطييب الخواطر وتبديد الأحزان

Edwin Arnold

الترجمة: محمود عباس مسعود