من حصاد الأيام ٤


أقوال ومأثورات وقصص

إعداد ووضع وترجمة

محمود عباس مسعود

 

بين الإسكندر وأناس معمّرين

---------------------------------

قيل أنه لما (غادر الإسكندر الصين) سار حتى وقع على أمة صالحة يهدون بالحق وبه يعدلون؛ يقسمون بالسوية ويحكمون بالعدل ويتراحمون. حالهم واحدة وكلمتهم واحدة وأخلاقهم مستقيمة وطريقتهم مستوية وقبورهم على أبواب بيوتهم، وليس لبيوتهم أقفال، وليس عليهم أمراء ولا بينهم قضاة ولا منهم أغنياء ولا فقراء، ولا أشراف ولا ملوك. لا يختلفون ولا يتفاضلون ولا يتنازعون ولا يتسابّون ولا يقتلون ولا يضحكون ولا يحزنون ولا تصيبهم الآفات التي تصيب الناس. وهم أطول الناس أعماراً وليس فيهم فظ غليظ.

فلما رأى ذلك ذو القرنين عجب من أمرهم وقال:

أخبروني أيها القوم خبركم.

قالوا: سل عما تريد.

قال: ما بال قبوركم على أبواب بيوتكم؟

قالوا: عمداً فعلنا ذلك لئلا ننسى الموت ولئلا يخرج ذكره من قلوبنا.

قال: فما بال بيوتكم ليس عليها أقفال؟

قالوا: ليس فينا متهم وليس منا إلاّ أمين.

قال: فما بالكم ليس عليكم أمراء؟

قالوا: لا حاجة لنا بذلك.

قال: فما بالكم ليس عليكم حكام؟

قالوا: لأننا لا نختصم.

قال: فما بالكم ليس فيكم أغنياء؟

قالوا: لأننا لا نتكاثر بالأموال.

قال: فما بالكم ليس فيكم ملوك؟

قالوا: لأننا لا نرغب في ملك الدنيا.

قال: فما بالكم ليس فيكم أشراف؟

قالوا: لأننا لا نتفاخر.

قال: فما بالكم لا تتنازعون ولا تختلفون؟

قالوا: من صلاح ذات بيننا.

قال: فما بالكم لا تقتلون؟

قالوا: لأننا سُسنا أنفسنا بالحكم.

قال: فما بال كلمتكم واحدة وطريقتكم مستقيمة؟

قالوا: لأننا لا نكذب ولا نخادع ولا يغتاب بعضنا بعضاً.

قال: أخبروني من أي شيء تشابهت قلوبكم واعتدلت سرائركم؟

قالوا: صفت نوايانا فنـُزع بذلك الغِل من صدورنا والحسد من قلوبنا.

قال: فما بالكم ليس فيكم مسكين ولا فقير؟

قالوا: لأننا نقتسم بالسوية.

قال: فما بالكم ليس فيكم فظ غليظ؟

قالوا: من التواضع لربنا.

قال: فلأي شيء أنتم أطول الناس أعماراً؟

قالوا: لأننا نتعاطى بالحق ونحكم بالعدل؟

قال: فلأي شيء لا تضحكون؟

قالوا: لأننا وطـّنا أنفسنا على البلاء مذ كنا أطفالاً فأحببناه وحرصنا عليه.

قال: فلأي شيء لا تصيبكم الآفات كما تصيب الناس؟

قالوا: لأننا لا نتوكل على غير الله.

قال: أهكذا كان آباؤكم؟

قالوا: نعم. وجَدْنا آباءنا يرحمون مساكينهم ويواسون فقراءهم ويعفون عمن ظلمهم ويحسنون إلى من أساء إليهم ويحلمون على من جهل عليهم ويصِلون أرحامهم ويؤدون أمانتهم ويحفظون وقت صلواتهم ويوفون بعهودهم ويصدقون في مواعيدهم فأصلح الله بذلك أمرهم وكان حقاً عليه أن يخلفهم بذلك في عقبهم.

فقال ذو القرنين: لو كنت مقيماً عند أحد لأقمت عندكم.

والسلام عليكم

المصدر: دائرة معارف البستاني

 

صامت.. كخطوات الزمن

-------------------------

في المثل "إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب".

معلوم أن الذهب أثمن من الفضة، ولكن ما الذي جعل السكوت أو الصمت أثمن من الكلام؟

لكل شعب تجربته الخاصة في كل مجال من مجالات الحياة.

هناك أمثال تتطابق في لغات عدة لتطابق التجربة البشرية. وهناك أمثال أو أقوال ربما تكون مستوحاة من تفكير عميق أو مستقاة من تأمل فاحص لفكر نفاذ فتبدو جديدة لأول وهلة، ولكن لدى إمعان النظر فيها يتبيّن لنا أنها مألوفة ومنطقية ومطابقة لواقع الحال.

فلنتنقل بمعيتكم بين هذه الشذور التي قيلت في الصمت أو السكوت لعلنا نجد فيها أو في بعضها صدىً لما قد نحس به في أعماقنا ولا نجد أحيانا الكلمات المناسبة للتعبير عنه.

لقد غاص السكون في قلبي كالنغم الرقيق الشجي.

ذلك السكون الذي يشبه الأحلام.

السكون هو البلسم الشافي للنفس من لطمات الضجة ولكمات الضوضاء المؤلمة.

ذلك السكون الذي يشبه الوردة التي تطبق بتلاتها عند اقتراب الليل.

لقد كان صمتها شبيها بصوت الناي المتلاشي في أعماق الفضاء.

صامت كالقدر..صامت كأبي الهول.

الصامتون هم كالمياه الصامتة التي تنطوي على أعماق وعلى أخطار أيضا.

صامت كخطوات الزمن. كنمو الأزهار.. كصمت الأحجار.

صامت كالأشباح.. كتهادي رقع الثلج على الأرض.

صامت كالليل.. كالسماء.. صامت كالقديس.

صامت كمن يفعل شيئا ما ويدرك أنه سيندم عليه فيما بعد.

صامت كالشهاب الهاوي في منتصف الليل. صامت كالمومياء.

صامت كالنوم.. كالضريح.. كحارس الليل.

صامت كتماثيل ساحة الطرف الأغر.

صامت كالبحار الهاجعة.. كالقمر.. كأعماق الليل.

صامت كالشجر.. كالدمعة المنحدرة على خد عذراء.

صامت صمت الظهيرة عندما يطغى الحر على الطيور فتكف عن التغريد.

صامت كالمروج الغناء.. كالزمن الأبدي.. كالسحب العابرة.

صامت كالكرة الأرضية والكواكب المندفعة في مسارها حول الشمس.

صامت كالقنوط.. كصورة معلقة على جدار.

صامت كندى الصباح على الأعشاب الندية.. كالسمك تحت الماء.

صامت كالأفكار المتعاقبة.. كاللون الذي يخضّب العنب الأسود والخوخ إبان النضج.

صامت كدمع الملائكة المنحدر من طبقات الأثير الصافية.

صامت كضوء الشمس.

من لا يحسن الصمت لا يحسن الكلام. الصمت راحة للفكر وللروح. وهو كالنوم للجسم: غذاء وانتعاش. إنه فضيلة عظيمة.. يخفي الحمق.. ويحفظ الأسرار.. ويتحاشى النزاع.. ويحد من الأخطاء.

بعض الناس يغلفون أنفسهم بعباءة من الصمت يصعب اختراقها، إذ لا يقدر اللسان أن يعطينا أية فكرة عما يدور في عقولهم. مثل هذا الصمت هو رائع إن كان صاحبه أحمقا وحماقة إن كان عاقلا. والسبيل الوحيد لمعرفة طبيعة ومعدن ذلك الشخص الصامت هو ملاحظة طريقة تبسّمه.

من بين كل الفضائل اختار زينون الرواقي فضيلة الصمت لأنه رأى فيها عوناً على معرفة عيوب الآخرين والتستر على عيوبه ونقائصه.

إن بدا الشخص صامتا في اللقاء الأول فقد يكون ذلك الصمت دليلا على عمق طبيعته.

وإن فعل كذلك في اللقاء الثاني فقد يكون مؤشراً على تحفظه.

أما إذا احتفظ بصمته في اللقاء الثالث فليس عنده ما يقوله.

الصمت هو فضيلة من يعوزهم الفهم. الكلام عظيم إنما الصمت أعظم.

المقتصد في الكلام كله عيون مبصرة وأذان صاغية.

الصمت هو هيكل أفكارنا النقية، فدعنا نصمت قليلا لعلنا نسمع كلام الملائكة.

والسلام عليكم

المصدر: موسوعة الأفكار

 

عندما تستيقظ صباحاً...

-------------------------

قال أحد الحكماء:

عندما تستيقظ صباحاً، اصطبح باسم الله واستفتح بالنوايا الحسنة.

تناول الطعام باعتدال في مواعيد منتظمة، ولا تفرط في الأكل كي لا تنبشم.

واستقبل الضيوف كما لو كنت وحيداً. وعندما تكون بمفردك تصرف كما لو كنت مع الضيوف.

وإن حدّثتَ فقل ما تعنيه واعنِ وطبّق ما تقوله.

وإن سنحت الفرصة لا تدعها – رعاك الله - تمر مرور الكرام، بل اغتنمها، ولكن فكّر ملياً قبل الفعل.

ولا تندم على الماضي، بل استمتع بالحاضر وتطلع بتفاؤل للمستقبل.

كن بَطلا في جرأتك، وطفلاً في قلبك.

وعندما يحين الرقود والخلود

استمتع بالنوم كما لو كنت سترى وتختبر

مباهج الفردوس وتلتقي أعز الناس إلى قلبك.

وعندما تصحو باكراً قم ببعض الحركات التنشيطية للجسم

قبل مغادرة السرير..

ففي الحركة بركة

وفي النشاط اغتباط

RE-1-22

 

"يا خسارة! ضاعت الإسوارة!"

--------------------------------

بينما كان أحد الحكماء جالساً على ضفة النهر

يتصفح كتاباً بين يديه

أقبل عليه أحد حواريّه المتفاخرين وقال بعد السلام:

"لقد أتيت إليك يا سيدي بهدية متواضعة

لا تليق بمقامك الجليل

إنما أرجو أن تتفضل بقبولها."

وإذ تفوه بهذه الكلمات

وضع أمام معلمه اسوارتين من الذهب الخالص

مرصعتين بأحجار كريمة ثمينة.

تناول المعلم إحداهما وراح يبرمها بسرعة كبيرة

فانطلق من ماسّاتها بريق أخّاذ

وفجأة أفلتت الإسوارة من يده

فتدحرجت على ضفة النهر

ثم غاصت في الماء.

هنا صاح التلميذ المفجوع: "يا خسارة! واحسرتاه!"

وألقى بنفسه على الفور في النهر

وراح يغوص بحثاً عنها.

عاود الحكيم القراءة في كتابه

في حين أخفت المياه غنيمتها الباردة

وواصلت الجريان.

وعند انقضاء النهار

عاد التلميذ إلى معلمه منهكاً ومبللاً

وقال وهو يلهث:

"ما زال يا سيدي بإمكاني العثور عليها

إن قلت لي أين سقطت بالضبط."

هنا تناول الحكيم الإسوارة الثانية

ورماها في الماء، قائلاً:

" لقد سقطت هناك."

RE-10/21

Self-Realization Magazine 

 

الوردة التي تستطيبها حاسة الشم لرائحتها الزكية ويروق للنظر منظرها البهيج.. التي تبعث بتلاتها الندية الرقيقة إحساساً لطيفا في النفس لدى ملامستها، هي معقدة وبسيطة في نفس الوقت ولكن مظهرها البسيط ورائحتها الطيبة هما ما يهم الناس أولاً وأخيرا.

الوردة شديدة التعقيد من حيث تركيبها ابتداءً من البذرة أو الجذر وانتهاء بتلك الزهرة البديعة التي هي من أجمل وأرق مظاهر الحياة.

وعندما ننظر إلى وردة متفتحة وفواحة لا ينشط بنا حس التحليل والتعليل ولا نستنجد بقوانا العقلية كي تشرع في التفكير بكيفية تكوينها ومعرفة أي الفصائل تنتمي إليها وما هي الآفات التي قد تتعرض لها وتفتك بها، أو ما هي أنسب الطرق لزراعتها والمسافة التي ينبغي مراعاتها بين كل نبتة ورد وأخرى، أو كيفية نقل حبوب اللقاح إلى المياسم والتطعيم البرعمي للبادرات، أو كيفية زرع الورود من العُقل، وما إذا كانت التربة الطموية مناسبة للورود الهجينة.. إلى ما هنالك من فلسفة تحليلية في غير محلها.

عندما نرى وردة نتعامل معها ببساطة تامة، فنهشّ ونبشّ لها ونستمتع بجمالها وأريجها، وقد نتذكر مبدعها ونقول:

سبحان الخلاق العظيم!

 

البركة: تعريف متواضع

البركة: هذه الكلمة سمعناها ونسمعها كثيرا. إذ كلنا نسمع ونستعمل عبارات مثل: على بركة الله.. والبركة في البكور أي الإستيقاظ المبكر.. والله يبارك.. ومبروك.. وحلـّت البركة.. وسبع بركات عليك.. و بركات ورس.. وغيرها.

الكلمة موجودة قاموسياً وداخلة في صميم الأدب الشعبي. فما هي تلك البركة؟ ولماذا يدعو الناس لبعضهم بها عندما يريدون الخير؟ أما إذا أرادوا عكس ذلك فقد يدعون على بعضهم ويشحنون دعاءهم بقذائف فكرية موجهة بأشعة الرغبة في إلحاق الأذى.

البركة إذاً هي شيء معنوي أو روحي مرغوب فيه. وهي ذات فعالية وتتضمن نفعاً يؤمن به الكثير من الناس. وبعض هؤلاء المؤمنين بها هم على درجة عالية من الوعي والذكاء والقوة، مثلما يتمتعون بضمائر حية ونفوس أبية وعقول نفاذة لا يمكن القفز فوقها أو الإستهانة بها.

ها قد قررنا شرعية المصطلح ووجود المؤمنين به ولنحاول الآن التعريف بهذا المصطلح المبارك.

البركة هي قوة روحية رحمانية مصدرها الله في الدرجة الأولى. كما يمكن توجيهها في مسارات معينة معروفة جيداً للعارفين بالله أو المتناغمين مع إرادته. فهؤلاء لهم القدرة على نقل تلك القوة (أو البركة) من مصدرها – الذي هم على تواصل معه – إلى من يطلبها بصدق وإيمان وإلا فلن تتم عملية النقل بنجاح مهما كان الناقل ضليعاً في علوم الروح وقوياً في التحكم بالطاقة الكونية.

وهذه البركة هي على درجات والشحنة منها تتوقف على مدى وعي الراغب في الحصول عليها. هناك من يرغب في البركة (أو القوة الروحية) طمعاً في صحة يريدها لنفسه ولمحبيه أو في بحبوحة مستدامة أو في عمل أو صفقة أو أي شأن من شؤون الحياة الأخرى.

وهذه البركة تظهر تحت ظروف مواتية. الفكر هو عامل حاسم في تحصيل هذه القوة. فإن كان إيجابياً، مؤمناً حق الإيمان وذا نزعة خيرية، يحب للآخرين ما يحبه لنفسه ويمنح ما لديه بسخاء ورضاء فيشعر بذلك التيار الخفي يسري في عروقه ويستقطب له تلقائيا موارد بشرية ومادية من حيث يدري ولا يدري.

الثراء المادي ليس دليلاً على البركة. إذ هناك الكثير من الأثرياء الذين لا يعرفون عن هذه القوة شيئا ولا يرغبون بالإعتراف بها لأنفسهم أو للآخرين. فلندعهم وشأنهم ولنركـّز على الصنف الآخر من المؤمنين بهذه الظاهرة التي لا يختلف عليها عاقلان مؤمنان.

يقول أحد الحكماء: إن من يتوجه بأفكاره كل يوم لمصدر الخيرات والبركات فيشكره من القلب على نعمه ويبثه محبة قلبه سيجد أن فيضا من نعم الحياة يتوارد إليه دون انقطاع لأنه بتناغمه ذلك يكون قد ربط ذاته بالمصدر الأعظم الذي هو بحر زاخر من البركات والمدركات العليا.

والله الذي هو مصدر الخير في الكون هو دائم العطاء لا سيما للذين لا يحتفظون بخيراته لأنفسهم فقط. وعلى قدر البذل في وجوه الخير يأتي المدد حتى يكون العطاء متواصلا. وهذه إرادة الله وسنة الحياة.

ولا بد أن أسلافنا القدامى أدركوا بفطنتهم وفطرتهم هذا القانون الذي لا يخطئ فابتكروا تعبيراً وجيزاً وبليغاً هو (الخيِِّّر مرزوق). وهذه حقيقة أكيدة يشهد بها الكثير من أصحاب العقل الرشيد والرأي السديد.

ومع تأكيد الإنسان المتواصل لهويته الروحية سيجد أن خيرات الحياة تنجذب إليه بطريقة لا يمكن تعليلها، وأن كل رغباته الطيبة تتحقق في نهاية المطاف حتى ولو انقطع الأمل في تحقيقها.

الله كريم ويحب الكرماء. ولن يغفل عن الواثقين بكرمه.. العاملين ما بوسعهم للحصول على نعمه. الإيمان الواعي شيء والإتكال العشوائي شيء آخر.

وكي لا نبتعد عن البركة نقول أن الرغبة في الحصول عليها دون توافر شروط محددة لا تكفي. وما عسى أن تكون تلك الشروط؟ إنها بسيطة وفعّالة في نفس الوقت، وقد ذكرنا بعضها أعلاه.

البركة حقيقة مؤكدة ومعينها لا ينضب لأن مصدرها لا نهائي. العطشان في الصحراء يطلب الماء كأعز شيء في الحياة بدافع حب البقاء. فإن قابل أحد المسافرين وكان لديه ماء سينهل بعض الجرعات وقد يروي ظمأه ما دام ذلك المسافر كريما لا يحتفظ بالماء لنفسه فقط. إما إن قصد صاحبنا الظمآن الواحة فعندئذ سيشرب حتى الإرتواء وسيتزود بما أمكنه منه لكي لا يظمأ ثانية وليسعف الظامئين في حال صادفهم على الطريق الطويل وكانوا بحاجة إلى ماء الحياة.

والله يوفقكم ويوفقنا ويديم عليكم وعلينا نعمه وبركاته.

~ RE 2-22


 

الشعراء...مشاعر وتجارب ذوقية

------------

هم قريبون كل القرب من قلب الحياة

يسمعون نبضه

ويتماهون مع إيقاعه

ويستشفون أسراره

ويحاولون نقل تجربتهم

لكل من يمتلك الحس الرهيف

والذوق الشفيف.

هؤلاء المترجمون لأرق وأرقى الإنطباعات

يعيشون في عالمهم الفريد

الذي له طاقاته

وألوانه

وتياراته

ومحاسنه

وهو عالم يفتح أبوابه

لكل من يسعى إليه بشوق

ويحلم بروائعه

التي غالباً ما تعصى على الوصف.

فتحية للشعراء ولمحبي نتاجهم الرائع والمميز. 

RE 2-22


 

الحافز: تجربة الخندق

ذات مرة، كان أحد الأشخاص عائداً إلى بيته في ساعة متأخرة من الليل، عبر مكان مهجور فيه خندق بعمق مترين أو أكثر قليلاً.

لم يكن صاحبنا على دراية بوجود الخندق فسقط فيه.

حاول جاهداً الخروج منه فلم يستطع.

أخيراً قرر البقاء في الخندق حتى الصباح حيث يمكنه عندئذ النداء بصوتٍ عالٍ طلباً للمساعدة، فانتحى زاوية وحاول الخلود للنوم.

بعد حوالي العشر دقائق من سقوطه، فوجئ بشخص آخر يقع أيضاً في نفس الخندق.

حاول هذا الأخير جاهداً الخروج من الخندق دون جدوى ودون أن يعرف أن فيه شخصاً آخر حدث له نفس الشيء.

أخيراً قرر الشخص الأول أن "يعمل مقلباً" مع زميله في تجربة الخندق فقال له بصوت أجشّ غليظ:

"لقد حانت ساعتك يا مسكين، ولن تخرج من هنا سالماً"

في تلك اللحظة شعر الشخص الثاني بحافز قوي للخروج من المأزق الذي وجد نفسه فيه، فوثب وثبة أولومبية أخرجته من الخندق بسرعة البرق.

RE 5-22



 

August, 2012

-------------------

 

المال معبود الملايين

اخترت هذا العنوان لما للمال من سطوة وجبروت على الكثير من البشر إن لم نقل على معظمهم. وقد جسّد شاعرنا العربي القديم هذه الحقيقة بقوله:

رأيتُ الناسَ قد مالوا

إلى من عندهُ مالُ

ومن المدهش أن الناس على اختلاف مشاربهم ومعتقداتهم التي يعتبرونها ذات أولوية في حياتهم يدينون مع ذلك بالولاء التام لهذا السلطان ذي السطوة الطاغية على العقول والنفوس.

وهذه السلعة العالمية تحظى بإقبال منقطع النظير في أي مكان وزمان. وهناك تعبير عامي لا أدري إن كان ما زال مستعملا حتى اليوم وهو (يا مالي) إشارة إلى أن معزّة ذلك الشخص المنعوت بعبارة يا ما لي تعادل أهمية المال في نفس قائلها!

ما من شك أن للمال دوراً حيوياً يلعبه في حياة الإنسان والمجتمعات ككل، وأن من العسير تأمين أبسط متطلبات العيش بدونه. ولكن يجب إعطاؤه مكانه الصحيح في الحياة وأن لا يتم تقديمه على ما هو أهم من المال وبذلك أعني المبادئ التي وُجدت قبل المال ولا سطوة للمال على أصحابها المؤمنين بقدسيتها والعاملين بها.

صحيح أن الحياة بدون مال صعبة، لكن الأصعب هو تضحية ما هو أغلى من المال في سبيل تحصيل المال. وقد يكون تعليل ذلك بسيطاً جدا. فالمال يأتي إلى اليد ويفارقها ثم يعود إليها ويفارقها إلى ما لا انتهاء. أما المبادئ التي هي بمثابة مقدسات لمن يعرف قيمتها ويتفانى في المحافظة عليها فإن تم بذلها في سبيل المال فلن يعوض عنها شيئ وهيهات أن تعود. RE 2-22

وقد أثبتت التجارب أن المتمسكين بتلك المبادئ لن يُحرموا المال ما داموا يبذلون مجهوداً معقولاً ولديهم الرغبة الصادقة في تحصيله بالطرق المشروعة. وكأن في الحياة قانوناً غير مكتوب يقضي بأن من يحترم القيم العليا ويطبقها عمليا في حياته تتحول إلى ما يشبه المغناطيس الذي يجلب إلى صاحبه الخير من حيث يدري ولا يدري.

والآن لنقرأ ما يقوله الفلاسفة والأدباء والحكماء والمفكرون عن المال:

الحكيم هو من يضع المال في عقله لا في قلبه.

إن جعلَ الإنسانُ المالَ إلهاً فسينقلب عليه شيطاناً.

الحب يعمي، لا سيما حب المال!

المال كالسماد، تكمن قيمته أكثر ما تكمن في بسطه وتوزيعه على مساحات أوسع.

عندما يصرف الشخص ماله في منفعة الآخرين يضع بصمة الله عليه فيتحول إلى تأشيرة دخول إلى السماء.

اجمعْ ما استطعت وادخرْ ما استطعت ووزعْ ما استطعت من المال وستكون أنت الرابح.

المال الذي يصرفه الشخص على نفسه دون مشاركة الآخرين به يتحول إلى حجر رحى ثقيل في عنقه. أما المال الذي يصرفه على الآخرين فيمنحه أجنحة شبيهة بأجنحة الملائكة.

الفلسفة التي تنصح الناس باحتقار المال لا تترك أثراً كبيراً في نفوسهم.

أعوز الناس إلى المال من يتظاهر باحتقار المال.

ما دام الإنسان يمتلك المال فبإمكانه صرفه وتصريفه في الأوجه الصحيحة. أما إن امتلك المالُ الإنسانَ (أي إن أصبح الإنسان مهووساً بالمال) فيتحول المال عندئذ إلى شيطان رجيم يقض مضجع صاحبه ويسلبه لذة العيش.

هناك فرق كبير في نظرتنا للرجل العصامي الذي صنع نفسه بنفسه وللشخص الذي حوله ماله إلى رجل، لأنه شتان ما بين هذا وذاك.

أكثر الناس احتقاراً للمال أكثرهم تهافتاً على الأشياء التي لا يمكن تحصيلها بدون المال.

المال هو أكبر تجار العبيد في العالم.

إن أردت أن تعرف قيمة المال فحاول اقتراضه وستجد أن اقتراض المال يفضي إلى الإذلال.

المال يفعل كل شيء: يعطي بيد ويأخذ بالأخرى. يجعل من الناس شرفاء وأوغاداً، فلاسفة حكماء ومتهورين طائشين ، والقائمة تطول.

المال ستارة الأحمق التي تخفي عيوبه ونقائصه عن عيون الناس.

مواردنا المالية هي كالأحذية التي ننتعلها. إن كانت ضيقة قرصتنا وضايقتنا. وإن كانت واسعة وكبيرة تتسبب في تعثرنا ووقوعنا.

يقال إن الإسكندر المقدوني عندما سئل عن السبب من وراء عدم جمعه وتكديسه للمال أجاب: "لم أفعل ذلك خوفاً من أن يصيبني المال بعدوى الفساد." 

والسلام عليكم

المصدر: موسوعة الأفكار والأقوال

 


نجوم الليل

-----------

تلك النيرات التي خلدها فريد الأطرش بإحدى أغانيه أو خلدته بسهرها المتواصل ووميضها الدائم وصمتها الأبدي في الأمسيات الهادئة والليالي الصافية.

وبالرجوع عشرات السنين إلى الوراء.. والعودة بالفكر والقلب إلى الجبل الأشم تبزغ من جديد أطياف تلك التجربة الذاتية الفريدة مع تلك النجوم الساحرة البعيدة.

لم تكن القرية آنذاك متصلة بشبكة الكهرباء التي ساعد غيابها في الليل على إبراز تلك الجواهر العلوية التي كنا نعتبرها جزءاً من حياتنا وثقافتنا الطبيعية ونبصر فيها أحياناً كنوزاً سماوية مشعشعة ومتحدثة بصمت عجيب ومحبب إلى القلب والنفس.

في ليالي الصيف الدافئة كنا ننام إما على المصطبة أو على سطح البيت. وكانت تلك المشاهدات الليلية من أبلغ وأعمق تجارب الحياة. إذ كانت النفس تتوحد بصورة عفوية مع النجوم فنرنو إليها بذهول ونتنقل من نجمة إلى أخرى أو من مجموعة نجمية إلى سواها، ونمعن تحديقاً في الثريا ذات السبع نجوم والوميض الخافت، وكذلك في ما كان نعرفه آنذاك بالميازين وبنات نعش، وهي نجوم متعامدة ومتقاطعة وغيرها من الأشكال أو التشكيلات البديعة المعروفة فلكياً برأس الغول والنسر الطائر والنسر الواقع ومنكب الجوزاء والكف الخضيب والشعرى اليمانية وفم الحوت والرجل الجبار.. وغيرها.

أما مجرة درب التبانة التي كنا ندعوها آنذاك (التبانية) فكانت مشهداً لا نظير له في السماء والأرض. إذ كنا نبصر الآلاف المؤلفة من النجوم البعيدة التي لا يحصرها العد، ويا لها من ظاهرة عجيبة تتحدى عقل الإنسان وتوسع حدوده إلى أقطار الأبدية. وما كان يزيد في روعة المنظر سكون الليل الشامل. ويا له من منظر ارتسم في الذاكرة وأصبح غير قابل للمحو.

وهذه المشاهد السماوية كانت تتكرر أثناء النوم في الكروم وعند السروات الباكرة، إذ كنا نتسامر أثناء السير قبل طلوع الفجر ونجوم الليل تتوامض، تتراقص، وأحياناً كانت الشهب والنيازك تهوي بسرعة فائقة فتشد أبصارنا إليها فنستمتع للحظات بمرآها البديع.

فسبحان الخالق الأعظم الذي أطلق من عقله الكلي هذه الظواهر التي لا قدرة للعقل البشري إلا على تأملها وإبداء الدهشة حيالها. وهذه النجوم الخالدة هي صلة الوصل بين الماضي السحيق والحاضر. فجميع عظماء البشرية من أنبياء ورسل وحكماء وعلماء وقادة وأبطال ومشاهير على مر العصور.. وكل من عاش على هذا الكوكب الأرضي شاهدوا نفس تلك النجوم التي ربما امّحى بعضها من صفحة الوجود منذ ملايين السنين وما نراه هو نورها الذي ما زال منطلقاً بسرعة الضوء في أجواز الفضاء.

تلك النجوم كانت توحي بالمحبة والدفء والطمأنينة، وكأنها كانت تبعد النفس عن الدنيا ومشاغلها وهمومها وتطهرها بألق سديمي من كل منغصات الحياة.

كما كانت توحي بوجود حقائق حية في عوالم بعيدة يمكن للإنسان أن يرتادها بخياله المجنح. وكانت أيضاً بمثابة مهرجان كوني ذي مشاهد لا تحصى يستمتع بها العقل إلى حين يدب النعاس في الجفون ويستولي الكرى على العيون فتنطلق النفس من هذا العالم ربما إلى عالم آخر أكثر نجوما وأقل هموما!

ولا ننسى أن الظلام يمكن أن يكون مباركاً عندما يوفر تلك الخلفية الضرورية لإبراز الفن الإلهي في السماء المرصعة بالنجوم الألماسية التي لا تكف عن الوميض، وكأنها تتحدث صمتاً لكل من يهواها ويسره مرآها وتغمزه الغمزة تلو الأخرى من عيونها البراقة.

أما هدوء الليل فيوحي بالقدرة الكلية. فمن أعماق الفضاء اللانهائي تبزغ تلك المشاهد من مجالي الأبدية، وما من صوت يـُسمع سوى صوت السكون ويا له من صوت تسمعه الأذن الباطنية بجلاء ودون عناء.

فما أعذب ساعة السكينة التي تبعد أشباح الهموم وتدني النفس المتأملة من عالمها الروحاني حيث السلام والأمن والفرح والعزاء والرجاء والإيمان بحكمة الله ومحبته وبأن الأمور تحدث طبقاً لخطة إلهية مدبرة، وأن لا عشوائية في الكون بل أن النظام الإلهي هو الغالب في نهاية المطاف ولا بد للإنسان أن يتعاون معه لأنه منبثق عن إرادة كونية حكيمة وعليمة بمصير الكون ومصائر البشر.

فتحية لنجوم الليل التي ربما هي انعكاس لما في وعي الإنسان من شموس وأقمار ومجرات ومسرات في انتظار من يكتشفها ويغتبط بروعتها ومحاسنها.

 

حوار مع قنوع!

----------------

حلمتُ أنني في طريقي إلى قمة جبل قائم خلف بيتي الريفي عند سفح الهضاب، للتمتع بمنظر شروق الشمس وللإصغاء لنداء طائر السُمّن.

واصلت السير إلى أن استرعى انتباهي رجلٌ صغير كان يجلس تحت شجرة جوز بري.

لاحظت أن الشيب قد وخط شعره فأضفى عليه مشحات فضية تشي بأنه قطع شوطاً من العمر لا بأس به. أما وجهه فكانت عليه مسحة من براءة الأطفال.

ابتدرته بالتحية، قائلا: "صباح الخير".

فأجابني مبتسماً: " كل صباح هو صباح خير."

قلت: "من المؤسف أن النهار يعقبه ليل."

فردّ ذلك الرجل الصغير الغريب: " الليل جميل كالصباح، ورائع كالظهيرة."

عرّفته بنفسي فقال:

"إسمك يخصك ولا يمكن أن تحصل على إسم أفضل منه."

قلت: "وهل لي أن أعرف إسمك؟"

أجاب: " لديّ أسماء كثيرة، ولا إسم لي. نوديت بالعديد من الأسماء، لكن ما من واحد منها يصفني على حقيقتي أويفصح عن هويتي."

سألته مستعلماً: "وكم مضى على وجودك في هذا المكان؟"

أجاب: "من قبل أن يفكر الناس بالزمان والمكان."

قلت: "وكم تتوقع أن تبقى هنا؟"

أجاب: " إلى أن يكف الناس عن العيش في الزمان والمكان."

قلت: "ألا تشتهي زيارة أماكن أخرى؟"

قال: "فقط عندما يتمكن أحدهم من إقناعي أن هناك أفضل من هنا، وأن الآتي أفضل من الآني."

دعوته قائلاً: "هلاّ رافقتني إلى المدينة؟ فالناس بحاجة إلى حكمتك!"

أجابني ببساطة: "وماذا سأقول أو أفعل لهم؟"

قلت: "باستطاعتك تقويمهم."

أجاب: "أظن أن لديهم ما يكفي من مقوّمين، كما أنني لا أعتقد أنهم بحاجة إلى تقويم، لأن الله سبحانه خلقهم بداية في أحسن تقويم، وبما أن الكمال لا يخضع للنقصان، فلا حاجة لهم للتقويم."

قلت معترفاً: "ربما كنتَ مُحقـّاً فيما تقول، لكن معظم هؤلاء أموات، وهم بحاجة إلى من يوقظهم ويعرّفهم بأنهم في أحسن تقويم."

أجاب: "إن كانوا أمواتاً فمن القسوة إيقاظهم، لأن الموتى لا يشعرون بالألم."

توددت إليه قائلاً: "حتى وإن لم تكن لديك من رسالة لأهل مدينتي، تعال معي على أية حال وستكون زيارتك مُجدية ومجزية، ففي المدينة كنوز لم تحلم بها ولم تخطر لك على بال، حتى وإن كنت تظن أنك سيد الأحلام. تعال يا رجل وستجد حُباً وجمالاً وموسيقى ودراما وكتباً رائعة، وما لا يقع تحت حصر من معجزات العلم."

وما أن انتهيت من مخاطبته حتى سقطت ورقة من الشجرة، فتهاوت في الفضاء ثم حطت في حضنه. أمسك بها للحظات ثم قال:

"هل تعتقد أن كل علوم الإنسان قادرة على تعليل دقائق الأسرار المتصلة بهذه الورقة؟"

فتح يده فسقطت الورقة بصمت على الأرض. ثم ابتسم وأسبل عينيه.

المصدر: East-West Magazine

 

التحرر من الخوف

-------------------

للخوف مصدر وله مضاعفات خطيرة إنما لحسن الحظ هناك طرق للتعامل معه وأساليب ناجعة لعلاجه. ولعلنا لا نبالغ إن قلنا أن فقدان المحبة هو علة كل الشرور وسبب كل المخاوف.

هناك شيئان يمكننا القيام بهما للتعامل مع هروبنا من الواقع وصراعنا مع عقد أو مركبات النقص التي نحس بها في داخلنا.

أولاً نحتاج لأن نكون مخلصين كل الإخلاص مع أنفسنا بخصوص نقاط ضعفنا والمشاعر التي تنتابنا.

ثانياً تلزمنا الجرأة في تعاملنا سواء مع النجاح أو الفشل، فكلاهما وجهان لعملة واحدة ولا يمكن فصل أحدهما عن الآخر فصلاً تاماً.

ولتحقيق ذلك يلزمنا الجلوس بهدوء لساعة أو اثنتين وتدوين قائمتين، واحدة بإيجابياتنا والأخرى بسلبياتنا. كما ينبغي أن نعترف بسلبياتنا مثلما نعترف بإيجابياتنا.

بعد ذلك لنراجع قائمة السلبيات واحدة فواحدة، فنصرف ساعة في اليوم لأسبوع أو اثنين محاولين تحليلها وردها إلى مصدرها، سامحين للفكر بالرجوع إلى الوراء حتى يتمكن من استعادة الذكرى تلو الذكرى من ذكريات أو أحداث الطفولة غير العادية التي ساهمت في ترسيخ تلك الحادثة في العقل وبلورتها إلى طباع أو عادات ذهنية تسبب للفكر الكآبة أو الإرهاق.

إن تذكر حادثة واحدة من أحداث الطفولة يساعد أحياناً على فهم السبب من تواصل المشاعر المؤلمة والمزعجة على مدى سنين طويلة.

هناك شخص على سبيل المثال كان يشعر بالتوتر الشديد كلما اضطر للحديث أمام الناس. وبالرجوع إلى أحداث الماضي وجد أن تلك المشاعر كانت تنتابه عندما كان طفلاً وكان المدرس يطلب منه إلقاء قصيدة أو قطعة أدبية عن ظهر قلب. وبالرغم من حفظه لها، فقد كان لا يتذكر ولو كلمة واحدة منها بفعل الإنفعال الشديد. كان التلاميذ يضحكون منه إذ ذاك فيعود إلى مقعده محبطاً محرجاً والخجل يكاد يخنقه.

وكان الصدى البعيد لذلك الخوف ما زال مجلجلاً في وعيه حتى في مرحلة الرجولة بحيث كان يتوجس خيفة من الظهور والحديث أمام الجمهور.

وهناك شخص آخر كان يستبد به الغضب كلما وقف عائق أمام تحقيق رغباته. ولدى التدقيق في هذه الظاهرة تبين أنه في مرحلة الطفولة كان يلجأ إلى الإبتزاز فيقيم الدنيا ولا يقعدها حتى يحصل على ما يريده. ونوبات الغضب التي كان يختبرها كانت امتداداً لتلك الحالات التي كان يلجأ إليها أو يحس بها أثناء الطفولة. وما أن أدرك سبب غضبه حتى تمكن من التعامل معه بإيجابية عن طريق الهدوء وضبط النفس.

الحياة مغامرة روحية ولا يمكن لأحد فهم معناها الحقيقي باستثناء بعض الطامحين الجادين الذين هم دوماً على أهبة الإستعداد لوضع مصالحهم الذاتية جانباً مرضاة لله وخدمة للآخرين.

كل تجربة بشرية يمكن النظر إليها على أنها إما خطر وشيك الوقوع أو فرصة للتطور والنمو الذاتي..

كما يمكن اعتبارها إما تحدياً ينبغي تفاديه أو مغامرة يجدر القيام بها بهمة ونشاط.

عندما ننظر إلى الحياة ليس بمنظار الأنا المحدود الرؤية بل بمنظار الله الذي لا حد لرؤيته..

وعندما ندرك أن شخصية الإنسان هي وسيلة للإعراب عن طاقات ليس بشرية وحسب بل إلهية أيضا..

نصبح عندئذ مستعدين لتجاوز مشاعرنا الضيقة والإنطلاق نحو آفاق أرحب لخدمة الحق والإنسانية ككل.

وإذ نستغل قوانا ونكرس طاقاتنا لتلك الغاية نعثر على الراحة الذاتية والسلام والطمأنينة.

وبالنتيجة نجد أن مخاوفنا البشرية ومركبات النقص ناجمة عن محاولاتنا الحثيثة والدائمة لحماية أنفسنا من المخاطر والمعاناة والإذلال.

لكن الفوز في معركة الحياة لا يكمن في تجنب تلك المخاطر بل في مواجهتها والتغلب عليها الواحدة بعد الأخرى.

[وكل شجاعة في المرء تـُغـْني

ولا مثل الشجاعةِ في الحكيم ِ]


المصدر: تعاليم الحكيم برمهنسا يوغانندا

July, 2012

 

الإيمان هو الإلهام

لكل ما هو نبيل ورفيع

والقوة المعززة للمقام الإنساني

وهو مغناطيس المحبة

وزخم النمو

وإقدام النفوس

والجسر الموصل بين

ضفتي المادة والروح

والإحساس بالحقائق العليا

والبرهان على وجود الخالق

ونواميسه الراسخة

التي لا تتغير ولا تتبدل

مهما تقلبت ظروف البشر

وتبدلت أحوالهم.

هو نور مشع وسط العتمة

وضرورة لا يمكن تجاوزها

أو الإستغناء عنها

وهو ثبات المبادئ

وتجذر الأهداف

وبساطة الدوافع

وروعة الغايات

وسمو التطلعات

وجبروت الطاقة المباركة

المُبددة لكل أنانية ووصولية

من القلوب الطيبة

والنفوس الكريمة

والوجدانات النقية

والعقول الكبيرة والمستنيرة.

 

أحيانــــــــــاً...

أحياناً أسير على الدروب

وأتفرس في عيون من أقابلهم..

فأرى وجوهاً تبدو خالية من أي هَم

وأرى بعض وجوه حفرت أعباءُ الحياة

على صفحتها خطوطاً يصعب محوها.

قد لا أتمكن من معرفة قصص أحزانها..

وقد يكون طائر الحب هجر روضتها

بعد أن كان يرفرف

فوق رياحينها والورود..

أرى معرضاً لا ينتهي من الوجوه

بشتى النظرات والتعبيرات..

كلها تمرّ أمامي

في مراجعة سريعة خاطفة.

أجل.. فمشاهد الحياة

بفصولها وأطيافها وأسرارها

دائمة العرض على شاشة الوعي

يعاينها المبصرون

ويسمعها من يحسن الإصغاء.

Inner Culture Magazine

RE 2-22


 

تجربتي مع الصخور

 

قد يبدو هذا العنوان طريفاً بالنسبة للذين يعيشون قرب الصخور أو ربما يشْكون من كثرتها في أرضهم، ولكن ليس بالنسبة لكاتب هذه السطور.

أذكر أنني قرأت منذ سنوات موضوعاً لأمين الريحاني عن الصخور وكذلك موضوعاً للأستاذ ميخائيل نعيمة ربما كان تقليداً للريحاني تماماً كما فعل في (كتاب مرداد) عندما حاول تقليد (كتاب خالد) للريحاني.

لن أحاول هنا تقليد الأديبين الكبيرين بالرغم من مقاربة نفس الموضوع الذي اختارا الكتابة فيه.

الحجارة على اختلافها والصخور كانت شيئاً مألوفاً بالنسبة لي أثناء إقامتي في قرية الرحى. فلم يكن من نقص في تلك الجلاميد التي كنا نراها أينما اتجهنا وحيثما جلسنا في الطبيعة، بل وكنا نصرف اليوم بطوله في تعزيل قطعة من الأرض فنجمع حجارتها على هيئة كومة نسميها الرُجمة. وتلك الرجوم كانت متوافرة بكثرة آنذاك لا سيما في مكان قريب من القرية اسمه الوعر.

إذاً فقد نشأتُ على مشاهدة ومعايشة الصخور والحجارة على أنها أمر طبيعي موجود في كل مكان من أرض الله الواسعة. ولكن لدى سفري إلى كندا لاحظت أن الحجارة آنذاك كانت شبه مفقودة من مدينة وندزر، باستثناء حجر أو اثنين هنا وهناك أمام بيت من البيوت أو في حديقة من الحدائق.

ولدى انتقالي إلى ولاية ميشيغان الأمريكية لم يختلف الأمر من حيث طبيعة الأرض التي تكاد تكون خالية من الحجارة الطبيعية. وبالحجارة الطبيعية أعني الموجودة بين البيوت وأمامها دون أن تكون مجلوبة من مكان آخر.

وقد اتضح لي فيما بعد أن الحجارة والصخور متوفرة لمن يريد شراءها. وهي تباع بالباوند أي نصف الكيلوغرام تقريباً. فهناك شركات متخصصة في جلبها بشاحنات كبيرة من شمال ميشيغان أو من إحدى ولايات الغرب الأمريكي الأوسط. وقد ابتعت بعضاً منها، إنما ظل قلبي يحن لامتلاك الكثير من تلك الصخور وكم تمنيت لو وجدتها في الطبيعة وجلبتها بنفسي إلى حديقة المنزل. وكم حلمت بأنني أتمشى وسط الحجارة ألمسها وأقلبها بيدي فأشعر بنشوة تغمرني حتى في الحلم.

منذ أكثر من عشر سنوات ذهبت إلى بحيرة ميشيغان التي تبعد بضعة مئات من الكيلومترات عن المدينة التي أعيش فيها فوجدت شاطئ البحيرة يزخر بأجمل ما شاهدته في حياتي من الصخور والحجارة المتاحة لمن يريد أن يتزود بها. وبالفعل كانت بالنسبة لي ساعة الرحمن. فكنت أمضي ساعات طويلة متمشيا بين تلك الصخور ذات الألوان والأشكال والأحجام البديعة. وكنت – دون مبالغة – كمن عثر على منجم من الجواهر.

لدى عودتي كنت أحمّل السيارة بتلك الجواهر الحجرية. وذات مرة كان الحمل زائداً لدرجة أن السيارة عجزت عن الإنطلاق بسهولة بحملها الثقيل مما اضطرني إلى التخلي عن بعض الحجارة على مضض. وقد كررت زياراتي إلى تلك البحيرة وتواصل جلب الحجارة إلى أن أصبحت حديقة المنزل شبيهة بمتحف حجري يضم الكثير من الحجارة الفريدة. إذ لكل حجر لونه وشكله بل وشخصيته المميزة.

جدير بالذكر أن بعض تلك الحجارة كنت أحمله على كتفي لمسافة كيلومترين أو أكثر بالرغم من وزنه الثقيل المرهق!

الصخور بالنسبة لي تعني الثبات والرسوخ وعدم التغير على مر السنين والعصور وربما الدهور. فعندما عرضت حجراً من تلك الحجارة على العالم الجيولوجي الدكتور ريتشارد وسألته أن يقيّم عمره قال لي بعد أن تفحصه جيداً: لا يقل عن أربعة ملايين سنة. وهذا بالنسبة لي هو تاريخ طبيعي. فذلك الحجر وغيره الكثير – سواء هنا في هذه البلاد أو في أي بلد آخر – قد عاصر مراحل عديدة من تاريخ الطبيعة والإنسانية ومع ذلك بقي محتفظاً بشكله وتماسك جزيئاته. وربما ظل لمئات أو آلاف السنين مغموراً بماء البحيرات أو الأنهار دون أن يخترقه الماء لشدة صلابته وتماسكه العجيب.

أجل الحجارة أو الصخور بالنسبة لي هي من أجمل مظاهر الطبيعة وأكثرها ثباتاً. بل ولعلها الشيء الوحيد الذي ما زال على حاله منذ العصور السحيقة. ولو كانت سطوحها قد سجلت كل الأحداث التي حصلت قربها في الأيام الخوالي وتمكن العلم يوماً من نبش تلك الصور لرأينا الأعاجيب. ولو استطعنا استنطاقها لمعرفة أسرارها وخفايا الدهور لكانت لها حكايات لا تنتهي طوال عمر الإنسان.

الصخور والحجارة التي في حديقة المنزل يغطيها الثلج في فصل الشتاء وما أن يأخذ في الذوبان في فصل الربيع حتى تطل من جديد فيفرح قلبي بمرآها وربما التحدث إليها بلغتها الصامتة صمت الحجارة! وعندما أسقي الورود والرياحين في فصل الصيف أرش الحجارة أيضا بالماء فتزهو ألوانها وتصبح بهجة للنظر.

تلك هي قصتي مع الصخور التي ابتدأت مع محبتي لصخور الجبل.. تلك المحبة التي ترسخت في تربة الوعي وما زالت وستبقى ما دام في القلب نبض وفي العروق دم يجري.

(من وحي المهجر)

 

وقفة مع الطبيعة

-----------------

أود أن تكون محطتنا التالية الطبيعة لنقرأ ما خطته يد القدير على صفحتها ونستبين ما فيها من رموز وكنوز.. فتفضلوا..

ما من شك أن الطبيعة لم تخلق ذاتها بل أنها نتاج عقل الله الكلي الذي تصورها أولا ثم أطلقها بكل ما فيها من عظائم مدهشة تسبي العقول وتذهل الألباب. ولعل قربنا منها وكثرة وطول ألفتنا لها جعلانا نضرب صفحاً عن التأمل في روائعها ومحاولة معرفة أسرارها.

هذه الطبيعة التي لا نظير لها لأننا لا نعرف طبيعة غيرها لنقارنها بها هي دليل دقيق إلى ماهية العقل الذي أبدعها.. عقل الله. وهي محراب للنفوس التي يطيب لها التأمل المزدوج.. تأمل العين وتأمل العقل معاً.

فإذ يرفع الإنسان عقله وقلبه ونفسه إلى السماء يعاين مجد الله ظاهراً في الإتساع الذي لا حدود له وفي تلك المظاهر التي تبدو أبدية.. الشمس والنجوم والقمر التي عاينها قبلنا الأنبياء وأناس حتى ما قبل التاريخ..

وهذه الظاهرة الكونية العجيبة تسيّرها قوى لا متناهية تدفع بسهولة مطلقة المجرات والشموس الأكبر من شمسنا بملايين المرات، وفي نفس الوقت تحرّك النسمات الرقيقة وتفتـّح زهور الأعشاب النحيلة وتسري طاقة وحيوية في عروق البشر وكل المخلوقات الحية.

هذه الطبيعة الخالدة تضم في قلبها أسراراً كثيرة في انتظار من ينقب عنها ويكتشف روعتها.

العلماء اكتشفوا وما زالوا يكتشفون الكثير من أسرارها العلمية، لكن أسرار قلبها لا تعطى إلا لمحبيها والمقتربين من محرابها القدسي بدهشة واحترام.

ماذا عسانا أن نجد في قلبها لو تمكنا من الوصول إلى ذلك القلب الزاخر بالكنوز؟

أول ما قد نبصره هو تلك الأفكار الإلهية التي هي البذور الأولية التي نثرها الزارع الكوني وما زالت تجدد ذاتها بديمومة سرمدية ودقة متناهية لا محل إطلاقاً فيها للخلل أو الخطل.

ثم نرى المظاهر الكونية معكوسة في ذلك القلب الكبير ومعها الرعاية الشاملة لكل ما أبدعه عقل الله.

وإن أصخنا السمع لترانيم ذلك القلب الأقدس فقد نسمع أنغاماً من غير هذا العالم توحي باتصال الحياة على كافة المستويات.

وما من شك أيضا أن الطبيعة هي أبرع وأدق مترجم لعظمة الله ومجده. فمن يتفكر بأشجار السنديان ذات الإرادات الجبارة وكرمات العنب والمروج المزدانة بالزهور الناضرة والحقول المتماوجة بسنابل القمح المباركة يشعر أنه يتوحد معها وينطبع حسنها على صفحات قلبه.

لا حد لجمال الطبيعة الذي متى انتقل إلى النفوس المتناغمة يمنحها ليس الجمال وحسب بل الفرح والمحبة أيضاً وكذلك التفاؤل باستمرارية الحياة وتجددها المتواصل.

والنفوس التي تلامسها الإشعاعات الخفية المنبثقة من قلب الطبيعة تتوحد معها وتتغنى بأمجادها الكامنة أيضا في أعماق النفس.

ومن يسعفه الحظ ويتنقل بين الحقول الزاهرة والجداول المترنمة والأشجار الباسقة وتلامس وجنته النسائم العبقة المشبعة بشذى الزهر يحس بقربه من النبض الكوني الذي جسد هذه الروائع ووضع في كيان الإنسان ذائقة جمالية تتفاعل مع محاسن الطبيعة ويثملها سحر الإبداع وخصوبة العقل الإلهي.

وقد لا يقف البعض عند هذا الجمال الآسر بل تستحثهم هممهم وتنخيهم مروءتهم للتعمق في التفكير بذلك المشغل الكوني العجيب الذي يخلق منتجات تامة الإتقان وغير خاضعة للنقد أو التقييم. فالتقييم والنقد مصدرهما العقل البشري أما تلك الروائع المدهشة فمصدرها العقل الكوني الذي لا قدرة للعقل البشري على معرفة خفاياه إلا بالاتصال به والتوحد معه، والذين يحققون ذلك هم قلائل وقد لا يفصحون عن تجربتهم التي لا قدرة للغة البشر على استيعاب معانيها واحتواء أبعادها.

الطبيعة دائمة التجدد لأنها انبثقت عن فكر أبدي السكون ودائم الحركة في آن.. لا انقطاع لسكينته ولا توقف لحركته. وعندما يقف العقل على الحد الفاصل بين الظلمة والنور واليقظة والنوم والمادة والروح والمد والجزر والحرارة والضوء فقد يدرك أسرار الطبيعة ويا لها من أسرار يلفها الغموض وتغلفها الخفايا، إنما غير مستعصية على محبي الطبيعة وعشاقها.

 

مع الخالدين: أبو القاسم الشابي

"خلقنا لنبلغَ شأوَ الكمال..."

-----------------------------------

هذه الكلمات هي للشاعر الخالد (أبو القاسم الشابي) وردت على لسان (الفيلسوف) في قصيدته (حديث المقبرة) التي نظمها في هذا الشهر منذ أكثر من ثلاثة أرباع القرن وعمره آنذاك ثلاثة وعشرون عاماً، "متسائلاً عن جدوى الحياة والموت، عبر حوار بينه وبين روح فيلسوف، هائم النظرات في المرامي البعيدة للوجود.."

في هذه القصيدة يبدأ الشاعر بابتسامات الجفون التي تفنى، وتوهّج الخدود الذي لا يلبث أن يخبو، ثم ينتقل إلى ورود الشفاه التي تذوى وتهوي إلى التراب. ويقف متأملاً القوام الرشيق الذي ينهدّ بدوره ويتحلل مع الصدر والجيد وغيرهما من الأعضاء.

أما الوجوه الصبيحة والجمال الفريد الفتان فيقف عندها متأملاً ذلك التحول العجيب الرهيب الذي يطرأ عليها فتمسي ربداء بعد تألق.. غبراء كجنح الظلام، إذ تحولت مع الغدائر الأنيقة الجعداء إلى هباء، وقد انزاح فجأة سحر الغرام القوي وذهبت سكرة الشباب السعيد لتحل محلها حقيقة أخرى أكثر تحفيزاً على التفكير وأبلغ أثراً في النفس المتأملة.

ثم يتحول شاعرنا الملهم ببصره إلى الوجود المرئي نفسه وينطلق بفكره بسرعة تفوق سرعة الضوء ليرى بعين الخيال أو الحدس حقيقة أخرى بعيدة كل البعد عن الواقع المحسوس الملموس في عالم النسبية ذي الحدود والأبعاد، فيلحّ عليه التساؤل:

أيَجوز أن تـُطوى سماوات الوجود ويضمحل الفضاء البعيد المترامي؟

أيُعقل أن تفنى النجوم القديمة ويصاب الزمن نفسُه بالشيخوخة والهرم؟

أيصحُ أن يقضي صباح الحياة المشرق ومعه ليل الوجود العتيد؟

وبصحبتهما الشمس التي توشّي رداء الغمام والبدر المضيء وأيضاً الغيوم؟

أيتلاشى البحر الفسيح العميق وتهجع الريح التي تمر مرور الملائكة أو تقصف قصف الرعود؟

أتخمدُ العواصف ذات الزئير المدوي في حنايا الجبال، وذات الجبروت الذي تهوي أمامه الصخور وتتفتت؟

أتصمت الطيور المغردة بين الغصون، الهاتفة للفجر بين الورود، صمتاً أبدياً؟

أيذبلُ الزهر العابق بنفح الشباب وأريج الغرام، المرتشف جرعاته النورانية من كل ضوء جديد؟

أصحيح أن ليل الفناء سيسطو على كل شيء ليوفر بذلك ملهاة للموت الذي يطيب له أن ينثر أشكال الحياة وصورها في الفراغ المخيف "كما تنثر الوردَ ريحٌ شرودْ"؟

وإن فعل ذلك فلا بد أن بحر الحياة سينضب مثلما سيتبدد روح الربيع الدائم التجدد.

وإذا ما حدث ذلك لن يلثم بعدها النورُ سِحرَ الخدود.. ولن تنبت الأرض الورود الغضة الندية..

يستصعب شاعرنا هذا الفناء ويستثقل ظل الهمود الكثيف الكئيب.. ويتساءل معاتباً القدَر:

وهل من ضير لو استمرأ الناس طعم الخلود دون أن يحيق بهم الخراب وأن يُفجَعوا بأحبتهم؟

أما من سبيل آخر للخلود غير طريق الردى وظلمة اللحد؟

وكم رائعاً لو دام الشباب وعاش الربيعُ مؤبّداً واحتفظت الورود بلطفها ورقتها!

ويتمنى لو عاش الناس في أمن وسلام عيشة مريحة رضية رغيدة..

لكنه يستفيق بعد برهة ليستنتج أن القدَرَ عاتٍ مستبد.. يستطيب نواح البشر كالأناشيد المطربة..

وهنا تنهض روحُ فيلسوفٍ قديم من بين القبور فتشفق على الشاعر وتتعاطف مع آلامه وحيرته وتخاطبه معاتبة مواسية:

أهكذا تملّ العيش وتخشى الفناء، مع أنكَ لو دمتَ حياً لسئمت الخلود؟!

أجلْ، لو بقيتَ حياً في هذه الأرض لتحولتَ إلى جبل وحيد رهيب..

غير قادر على تذوّق رضاب العيش ورحيق الحياة..

ولن تتمكن من معرفة شيء عن سحر الكائنات ونشوة الحب عند المحبين،

"وصرخة القلب عند الصدود"..

ولما فكـّرت بالغد الذي تكتنفه الأسرار

أو عقدتَ العزم على بلوغ الغاية البعيدة..

ثم ينصحه قائلاً:

هيا تأمل فنظام الحياة دقيق وبديع

لا شيء يحبب للإنسان العيش الدائم على هذه الأرض إلا الفناء ورهبة اللحد..

ولولا ما في الحياة من شقاء لما أدرك الناس نكهة السعادة.

فمن لم يرَ وجه الظلام العبوس لن يفرح ببسمة الصباح الجديد.

فيجيب الشاعرُ متسائلاً:

إن كان لا بد لساكني الأرض من مواجهة القدر المحتوم

فما قيمة الحياة بما فيها من عراك وصراع؟

وما جدوى الجمال والأغاني والظلام والضياء والنجوم والتراب؟

ولماذا نعبر وادي الزمان على عجل دون أن نعود إليه؟

نعيش للحظات متسارعة.. نشرب من ينابيع الحياة شراباً مختلفاً طعمه وطبيعته..

"فمنه الرفيعُ، ومنهُ الزهيدُ، ومنه اللذيذُ، ومنهُ الكريهْ..."

وبين هذا وذاك نحمل عبئاً من ذكرياتٍ وعهودٍ لا تعود..

ونبصر وجوهاً شقية، سعيدة، بديعة، شنيعة، عنيدة، وديعة..

حقاً أن هذا الوجود لغريب.. نأتي إليه فـُرادى من عالم غير منظور..

"فما شأنُ هذا العداء العنيف.....وما شأنُ هذا الإخاء الودودْ؟"

فيجيب روح الفيلسوف:

(خلقنا لنبلغَ شأوَ الكمالِ

ونصبحَ أهلاً لمجدِ الخلودْ

وتطـْهرَ أرواحُنا في الحياةِ

بنار الأسى وبيأس الوعودْ

ونكسبُ من عثراتِ الطريق ِ

قوىً لا تـُهَدُّ بدأبِ الصعودْ

ومجداً يكونُ لنا في الخلودِ

أكاليلَ من رائعاتِ الورودْ!)

 

----------


إننا نعيش ونتحرك ونعوم في بحر الروح

كالأسماك في الماء والطيور في الهواء.

ألا فلنجتذب لأنفسنا القوة والصحة والسعادة

من بحر الحياة الذي لا ساحل له

ولا نضوب لمعينه.

لكل مشكلة حل

وفي داخلنا الحلول لما يعترض سبيلنا

من مشاكل ومعضلات.

الفهم السديد والإيمان الوطيد

كفيلان بفتح الأبواب الموصدة

مهما بدت عصية على الفتح.

إن كل عقبة نتخطاها وصعوبة نجتازها

هي اختبار ومعيار

لمدى تقدمنا على دروب الحياة.

القوة والحكمة في داخلنا

وما علينا إلا اكتشافهما والإستفادة منهما

لمساعدة أنفسنا والآخرين.

وبدلاً من الشعور بالإحباط

عندما تواجهنا ما نعتبرها مشاكل

فلنبتهل لله العلي القدير

كي يفتح أبصارنا ويجلو بصائرنا

ويدلنا على أنسب الطرق

للتعامل مع الظروف المعاكسة.

الشدائد تأتي للأقوياء والفهماء

ويُمنحون أيضاً القوة لمواجهة الأزمات والملّمات.

كل تجربة هي نداء لنا

كي نطلق ما نختزنه في داخلنا من طاقات

وكلما أطلقنا مزيداً من الطاقة الحيوية ورفضنا الهزيمة

كلما ازددنا إصراراً وعزماً وعزيمة..

حقاً أن الفوز من نصيب المثابرين

حتى الشوط الأخير.

في كل لحظة نمتلك كل ما نحتاجه

من إقدام وقوة وفهم لقهر الصعاب.

فلنتوجه نحو الداخل لاستجماع أفكارنا

واستقطاب قوانا

ولنطلب من الله الكريم الرحيم

كي يشع علينا بنوره

ويوجّه عقولنا في المسارات الصحيحة

ويشحن إراداتنا بقوى الخير

ويحررنا من الأفكار المثبطة

ويبعدنا عن السلبيات

التي تسلبنا راحة النفس وبهجة العمر.

حررنا الله وإياكم من الهموم

وغمرنا بفيوض نعمته

 ---------


هكذا شبّهوا الإبتسامة

ذات الألوان ِ والمعاني

فتفضلوا إلى معرض الإبتسامات!

------------------------------------

ابتسمتْ كما لو كانت تسمع محدّثاً يتكلم إليها من داخلها.

ومضتْ بسمتها وميض نجمة في أحلك الليالي.

ابتسمت ابتسامة ورود الصيف.

ابتسمت ابتسامة الملائكة وحوريات الفردوس.

ابتسم ابتسامة نصّابٍ أصابَ بدهائه مغنماً.

ابتسم ابتسامة الرضيع لمعاينته ومضة نور.

ابتسم ابتسامة صفراوية لا روح فيها ولا رونق.

ابتسم ابتسامة الصغار في الحقول، وسط الأعشاب وبين الزهور.

ابتسم كزهرة حديثة التفتح.

ابتسم ابتسامة النعيم والرضا.

ابتسمت ابتسامة الحب السامي.

ابتسمت ابتسامة الشمس على البراعم الندية.

ابتسمت ابتسامة الربيع... ابتسامة الصيف بعد الثلوج.

ابتسم كما لو كان العالم بأسره ملك يديه.

ابتسم ابتسامة فجر الأمل في النفوس اليائسة.

ابتسمت ابتسامة حسناء استيقظت للتو من حلم جميل.

البسمة هي ضحكة هامسة.

للمرأة بسمتان تحسدها عليهما الملائكة:

بسمة القبول بالحبيب قبل نطق الكلام

والبسمة التي تشرق على وجه الوليد الجديد

لتغرس في نفسه الطمأنينة بأنه في رعاية قلب عطوف.

البسمة هي اللون المميز للحب والبشاشة والفرح.

إنها النور في نافذة الوجه التي من خلالها يرحّب القلب

بالقادمين ويحتفي بهم.

البسمات تتقلب تقلـّب الحرباء:

هناك بسمات جوفاء

وبسمات باردة...

بسمات حقد وعداء

وبسمات تهكم واستهزاء...

بسمات تصنع وادعاء

وبسمات رقطاء...

وفوق كل هذا وذاك...

هناك بسمة الحب.

البسمة الجميلة على وجه المرأة تشبه إطلالة الشمس على منظر طبيعي رائع...

تمنح حسناً وتضفي رقة ورونقاً.

بالإمكان التعرف على شخصية المرء بملاحظة طريقة ابتسامه.

بعض الناس لا يبتسمون أبداً، إنهم فقط يكشرّون.

التجهّم أجمل من بسمات التملق والرياء.

هناك أصناف عديدة من الإبتسامات:

بعضها يوحي بالطيبة والعذوبة

وبعضها يشي بالسخرية والمرارة والإعتداد بالنفس.

بعضها يليّن قسمات الوجه بالرقة

وبعضها يشعّ على الوجه ضياءً لا تخطئه العين.

الضحكات المجلجلة لا تدوم طويلاً، وغالباً ما يعقبها الوجوم.

الضحكة نهارٌ والجدّ ليلٌ،

أما البسمة فهي كغسق الفجر وشفق الغروب

اللذين يتراوحان ما بين الإثنين ويفوقانهما سحراً وروعة.

البسمة الممقوتة تعبث بخطوط الجمال في الوجه، وأفضل منها العبوس.

الوجه الذي لا يبتسم كالبرعم الذي لا قدرة له على التفتح،

يذوى على الغصن ويعتريه الذبول.

ويسدني لنا أحمد أمين نصيحة، إذ يقول:

انثر الإبتسامات يميناً وشمالاً على طول الطريق، فإنك لن تعودَ للسير فيه ثانية.

 

المصدر: موسوعة الأفكار

 

إلى عروس السماء.. ماريلين

____________________

لقد غلبتْ عليكِ إغفاءة الفجر

فرحتِ في سبات ذهبي عميق

تحلمين بمجالس السمر مع أصدقائكِ ومحبيكِ

تجوبين حقول السلام وواحات السكون

حيث الهديل والترتيل

وأريج الخزامى والصنوبر.

أجل، ارتحلتِ كتنهدة عميقة في خمائل الورود..

و اندمجتْ نفسك الحبيبة في أعماقك القصية

وودعتِ عالم المحسوسات لتتذوقين

رحيق الانعتاق من قيود المادة

وتتنفسين عبير الفضاء اللامتناهي

الذي يزخر بعبق المسرات الفائقة

التي تتعطش إليها نفوس المتعبين

من كوابيس العيش وهموم الحياة.

ما أجملك تسرين مع أمواج الأثير

وتطلعين مع إطلالة الفجر

وتتفتحين مع رياحين البراري

وتنظرين من عيون الزنابق وأهداب الأقحوان.

لقد أطبقتِ جفنيك عن مرائي هذه الدنيا

بيد أنكِ تبصرين الجانب الرقيق من الوجود

وتعاينين الرؤى التي احتجبت عن أبصار الناس..

لقد تحررتْ شعلة الحياة من الهيكل المتهدّم

وها هي تومض وترتعش بالأمل المشع

بمنأى عن رماد السنين وحطام الزمن...

وما أحلاكِ وأبهاكِ تبزغين مع الأصباح البنفسجية

تغوصين في محيط اللهب البرتقالي

وبحيرات الأوبال!

حيث لا ظلام ولا ظلال..

بل يقظة أعذب من الكرى في الجفون

وأحلى من الأحلام الذهبية.

 

توكيد

في هذا اليوم...

سأحاول العيش

ببساطة

وصدق

واتزان.

سأطرد أفكار

التذمر

والقلق

والإحباط

والوصولية

وسأنمّي في حديقة حياتي

أغراس البِشر

ورحابة الصدر

والإرادة الطيبة

والتفكير الإيجابي الخلاق.

سأكون مقتصداً

في الإنفاق

سخياً في العطاء

متحفظاً في القول

محتفظاً بوعدي

مبادراً للخدمة

ومعززاً إيماني بالله

الذي لا يخيّب رجاء

الواثقين به

والراجين عونه الكريم.

RE 4-22

-----------

 

لا يمكنه العيش معها ولا بدونها

هذه الأسطورة الهندية القديمة عن الكيفية التي خـُلقت بها المرأة تم ترجمتها من اللغات الأصلية وتحليلها وتفسيرها مرات عديدة، وقد ظهرت في مجلة

Critic and Guide في عام 1903 بهذه الصيغة تقريباً.

وقد عمدت إلى حذف أو إعادة صياغة بعض فقرات تقديراً للمرأة التي أعتبرها يداً مباركة وقلباً محباً لا يمكن لأي مجتمع سوي أي يقوم بدونهما.

الغرض من ترجمة هذه المقطوعة هو التعريف بثقافات أخرى وتقريب وجهات النظر أو معرفة وجهة نظر الآخر على الأقل.

عندما بزغ فجر الزمان قام تواشتري إله البركان بخلق العالم. ولكن عندما أراد أن يخلق المرأة وجد لدهشته أنه استخدم كل المواد الصلبة المتوفرة لديه في خلق الرجل، ولم يبق لديه من عنصر مادي واحد يمكنه استخدامه في خلق المرأة.

فوقع صاحبنا تواشتري في حيص بيص واعتراه ارتباك لا يحسد عليه فغاص في تأمل عميق لمعرفة ما ينبغي أن يفعله. وما أن استيقظ من سياحته التأملية حتى شرع بالعمل على النحو التالي:

أخذ ضياء البدر وجماله

ورشاقة الطير وخفته،

و تمايل الأغصان والملمس الناعم لأوراق الورد،

وخفة النسيم ورقته ونظرة الظبي

وبهجة أشعة الشمس ودموع الندى

وتقلبات الريح وخشية الأرنب

وزهو الطاووس ونعومة الريش من صدر السنونو،

وصلابة الألماس وحلاوة العسل

ونكهة الأفاويه (التوابل) الطيبة،

ودفء النار في الشتاء،

ورعشة الثلج وتغريد الهزار وهديل الحمام!

فمزج كل هذه العناصر اللامادية وصنع منها المرأة وقدمها هدية بل تحفة لا نظير لها للرجل. فكاد الرجل يفقد عقله من شدة فرحه بها، لكنه بعد أسبوع عاد إلى تواشتري وقال له:

"يا سيدي هذه المخلوقة التي أعطيتها لي غريبة عجيبة، فقد غيرت حياتي بكيفية لم أكن أتوقعها إطلاقاً. فهي تتكلم دون توقف، فتستهلك بذلك كل وقتي، وتئن وتعن وتتأوه مع أنها ما شاء الله في أتم الصحة والعافية. فبالله عليك أن تستردها لأنني لا أستطيع بعد الآن العيش معها."

أخذها تواشتري منه، لكن بعد أسبوع عاد الرجل مهرولا إلى تواشتري وراح يستعطفه قائلا:

"يا سيدي، منذ أعدتُ المرأة إليك وأنا أشعر بالوحشة والوحدة. إذ لا زلت أذكر كيف كانت ترقص وتغني لي وتدللني وتسحرني بنظراتها التي كانت تصوبها نحوي من عينيها الكحيلتين، وكيف كانت تناغيني وتناديني بنغمة في منتهى العذوبة. فأرجو أن تتكرم بإعادتها إليّ على الفور!"

أعاد تواشتري المرأة إليه. ولكن بعد مضي ثلاثة أيام رجع حضرة جنابه مرة أخرى إلى تواشتري قائلا:

"يا مولاي، بصراحة لا أعرف ما الذي يحصل بالضبط، وبت مقتنعاً بأن المرأة تسبب لي من الإزعاج أكثر ما تمنحني من الراحة. فأرجوك أن تعفيني منها."

لكن إله البركان تواشتري صاح به قائلا: "إذهب وتدبر أمرك بنفسك"

فقال الرجل متوسلا: "ولكن يا سيدي لا أستطيع العيش معها!"

فأجاب تواشتري: "ولا يمكنك أيضاً العيش بدونها !"

فمضى الرجل مشتت الفكر يهمهم ويتمتم:

"يا ويلتاه! لا يمكنني العيش معها ولا أستطيع العيش بدونها."

--------

 

كيف نخلص أنفسنا من الحقد؟

"ما أكثر الخير الذي يعود علينا لو أننا بذلنا الجهد الكبير الذي نبذله في التفكير في الشقاء الذي يصيبنا ووجهناه وجهة أخرى، إلى العمل النافع المثمر!" ت. س. إليوت

كتب أونوري دي بلزاك Balzac كاتب فرنسا الشهير (1799-1850) يصور أحاسيسه ومشاعره في إحدى مراحل حياته المبكرة، تلك التي لازمته وانعكست في بعض قصصه ومؤلفاته عندما أمسك بالقلم ليكتب ويصبح واحداً من مشاهير الأدباء في العالم:

"كنت في الحادية عشرة، وكانت أختي التي تصغرني بستة عشر شهراً هي صديقتي الوحيدة. كنا نلعب معاً ونأكل معاً وننام معاً، فلم يكن لي أصدقاء!"

"وكثيراً ما كنت أتساءل: ولكن لماذا لا يكون لي أصدقاء؟ وما هو سر عزوفهم عن دعوتي لمشاركتهم اللعب؟ أليس غريباً أن يلجأوا إليّ عندما يشعرون بعجزهم عن فهم دروس الجبر والحساب، ثم ينسونني عندما يخرجون للهو واللعب؟!"

ذكريات الطفولة

----------------

كانت ليلة من ليالي الشتاء البارد بمدينة تور Tours بفرنسا، عندما جلس الصبي الصغير بلزاك وراء زجاج نافذته يرقب الثلوج المتساقطة وأبناء الحي وهم يلعبون فوق التل القريب، فيتراشقون بالثلج ثم يجمعونه ليصنعوا منه التماثيل. وكانوا يمرحون ويغنـّون.. أما هو فقد كان يبكي لأن أحداً من هؤلاء الأصدقاء لم يهتم بدعوته لمشاركتهم في لهوهم!

وفجأة سمع الصبي الصغير صوت والده. لقد كان يقف على مقربة منه ويرقب الانفعالات التي ظهرت على وجهه، إلى أن سمعه ينتحب، فربت على كتفه في رفق وسأله: "لماذا تحزن يا بني؟"

فأجاب الصبي: "لأنهم لا يريدونني.. ولا يحبونني، ولكنني سأنتقم منهم.. لن يجدوا مني مساعدة بعد اليوم في شرح ما غمض عليهم من دروس!"

وابتعد الصبي عن نافذته، وذهب يبحث عن أخته التي كانت تلهو بعرائسها الصغيرة، فجلس معها يساعدها على إعداد العرائس للنوم!

تصرف صبياني.. ولكن من منا نحن الكبار لم يفكر مثلما فكر بلزاك، ويتصرف مثلما تصرّف، ويفعل ما فعله هذا الصبي الصغير الذي شعر بالحقد على أصدقائه لأنهم لم يشركوه في لعبهم ولهوهم؟


الحقد عند بلزاك

-------------------

إن بلزاك نفسه لم يستطع أن يتخلص من هذه الصور وغيرها من صور أخرى كان يعاني منها في طفولته، إلا بعد أن أمضى سنوات طويلة من البحث في طبيعة النفس البشرية، ومن الغوص في أعماق الإنسان ودراسة أخلاقه ومزاجه.

ولم يكن بلزاك حاقداً على أصدقاء طفولته فحسب، بل لقد حقد على أمه أيضاً، تلك المرأة التي حجبت عن طفليها الحب والعطف والرعاية التي يبحث عنها كل طفل، لأنها هي بدورها كانت حاقدة على نفسها وعلى والديها وعلى نصيبها من الحياة التي جمعتها برجل يكبرها بأكثر من ثلاثين عاماً، فأصبح زوجاً ووالداً لطفليها.

قال بلزاك بعد هذا في كتابه "سيكولوجية الزواج":

"إن الحقد عدْوى.. فإذا أصاب هذا المرض أحد أفراد الأسرة.. انتقلت عدواه إلى الأسرة كلها!"


عالم الأحقاد

--------------

ونحن نعيش في عالم مليء بالأحقاد.. فنحن نحقد إذا تخلى عنا الحظ، أو تخلف بنا قطار الحياة.. ونحقد إذا فاتتنا ترقية أو إذا كانت الترقية من نصيب غيرنا، سواء كان يستحقها أو لا يستحقها.. ثم نحقد إذا شعرنا بأن أزواجنا أو أولادنا لا يقدّرون ما نبذله نحوهم من جهد ومن تضحيات.. ونحقد إذا أساء إلينا صديق، أو اغتابنا في غيابنا، ونحقد بعد هذا كله لأي سبب ولأتفه سبب. ونذهب للنوم بعد أن ينتهي النهار، وعندها نشعر بأثر هذا الحقد وما تركه في نفوسنا وأذهاننا. فقد هرب النوم من أعيننا، وعبثاً نحاول أن نطرد من رؤوسنا تلك الأفكار المعتمة التي استبدّت بها وسيطرت عليها.


لا نستطيع أن ننسى

------------------------

كتبت زوجة شابة تشكو، قالت: "إنني مضطرة إلى العيش مع شقيقي وزوجته، فقد توفي والدانا، ولم يعد لي من عائل يرعاني سوى شقيقي الوحيد.. لكن زوجته لا تريدني في بيتها.. إنها تقسو في معاملتها معي، وتغلظ لي القول.. إنني لا أستطيع أن أنسى ذلك اليوم الذي قررتْ فيه زوجة أخي أن تصطحب زوجها للقيام برحلة خارج المدينة عندما علمت أن اليوم هو عيد ميلادي. وذهب شقيقي وزوجته دون أن يتمنيا لي عيداً سعيداً!"

لقد شاء سوء حظ هذه الفتاة أن يموت والداها قبل أن تتزوج، وهكذا اضطرت إلى الاعتماد على شقيقها. ولو كانت تعمل لتغير الحال، فقد كان من الممكن أن تعتمد على نفسها وتستقل بحياتها.. ومن أجل ذلك تحقد هذه الفتاة على شقيقها وعلى زوجته، ويضاعف من حقدها أنها لا تستطيع أن تنسى.


الحقد وحوادث الطلاق

------------------------

يقول علماء النفس أن حمْلنا للضغينة بطريقة شعورية أو لاشعورية، وتذكرنا بصورة دائمة لما سبق أن تعرضنا له من إذلال أو مهانة، وإحساسنا المستمر بالظلم الواقع علينا.. كل هذه العوامل تغذي الشعور بالحقد في نفوسنا، وتدفعنا دفعاً إلى كراهية كل شيء يمت إلى الحياة من حولنا بصلة..

لقد أحصوا حوادث الطلاق في عام واحد، فوجدوا أن أكثر من نصفها يرجع أساساً إلى نشوب خلاف بين زوجين، كان م الممكن ومن السهل إزالة أسبابه ودوافعه، لولا أن الزوجة لا تريد أن تنسى، أو أن الزوج لا يستطيع أن يطرد حوادث هذا الخلاف من رأسه.

لماذا إذاً نضيّع حياتنا في التفكير في أحداث ومشاكل ومسائل كان يمكن أن تطوى، كما تطوى صفحات الكتاب الذي فرغنا من قراءته، وننساها أو نتناساها مع الزمن؟

يقول الفيلسوف أروين أيدمان Erwin Edman "إننا نحترق حقدا.. ولو أننا كرّسنا تلك الطاقة الضخمة التي نبذلها في البكاء على جراح الماضي، في تحسين الظروف والأحوال التي تثير أحزاننا من حولنا، لاستطعنا أن نغيّر من أنفسنا ونغير من مسلك وتصرفات كل هؤلاء الذين تسببوا في إثارة أحقادنا".


حياة جديدة

-------------

روى أحد قضاة الإنكليز قصة رجل قضى في السجن ستة عشر عاماً لإدانته في جريمة قتل لم يرتكبها.. فقد كان القاتل هو عم السجين، وقد رفض أن يعترف بجريمته، وكانت النتيجة أن تحمّل ابن أخيه العقاب الذي استحقه العم.. وخرج البريء المدان من السجن، ولكن لا لينتقم، وإنما ليبدأ حياة جديدة في الأربعين من عمره.. فقد دخل مدرسة ليتعلم فيها الوعظ والإرشاد، لكي يعود بعد هذا بما تعلمه إلى زملائه وراء قضبان السجن يحدثهم ويرشدهم ويوجههم إلى ما فيه خيرهم وخير الإنسانية التي يمثلها هذا الرجل الذي ظلمه المجتمع.

والأطباء ينصحوننا بأن ننسى ونعفو.. فهم يؤكدون أن 80% من حالات الصداع وسوء الهضم وفقر الدم وقرحة المعدة وارتفاع ضغط الدم سببها الأساسي تفكيرنا المستمر في أحزاننا وحقدنا على الناس وسخطنا على الحياة وعلى كل من يعيشها! حتى مرضى القلب، ليسوا هم وحدهم الذين يعملون أكثر من طاقتهم، لكن أيضاً هؤلاء الذين يشعرون بالسخط على عملهم المرهق الكثير.


أسباب الحوادث

----------------

حتى حوادث المرور، لقد ثبت من الإحصاءات التي أجريت كجزء من تلك المحاولات الدائبة للتقليل منها والحد من خطرها، إن 40% من هذه الحوادث يقع نتيجة للحالة النفسية السيئة التي يعاني منها سائق السيارة نفسه أو المشاة الذين تشغلهم مشاكلهم عن رؤية الخطر المحدق بهم وهم يعبرون الشارع.

والمرأة كذلك، تلك التي تعيش بين جدران بيتها، إنها معرّضة للحوادث والأخطار التي قد تنجم عن سوء استعمال موقد الغاز أو التيار الكهربائي، إذا كانت من هذا النوع الناقم دائماً الحاقد على الحياة وعلى نصيبها منها!

وكذا الإنتاج في المصانع والشركات، كثيراً ما يتأثر نتيجة للسخط الذي يشعر به العاملون تجاه رئيسهم أو المسؤول عنهم.

البحث عن الأسباب


---------------------

ماذا نفعل لكي نخلـّص أنفسنا من هذا الشعور؟ إن أول خطوة يتحتم علينا أن نخطوها هي أن نبحث عن مصدر هذا الشعور بالمرارة أو الحقد الذي يملأ نفوسنا، ثم نبذل كل ما في وسعنا بعد ذلك لإزالة مسبباته ودوافعه.. وسوف نكتشف من خلال محاولتنا هذه أن السبب كامن في نفوسنا نحن.. ولكنها الطبيعة البشرية هي التي تجعلنا دائماً نتغاضى عن أخطائنا ومساوئنا، ونحاول أن نلقي دائماً اللوم على الآخرين.

لا بد أن ننسى

------------------

أما الخطوة الثانية التي يجب أن نخطوها في سبيل التخلص من شعورنا بالمرارة أو الحقد، فهي أن نحاول أن ننسى..

روى أحد الكتاب قصة زوجين فقدا ابنهما الوحيد في ميدان القتال. وقال الكاتب يكمل روايته: "لقد كان والداه يحبانه حباً يفوق كل تصور، حتى أنهما رفضا أن يتركا للحزن والمرارة على فقد ابنهما الوحيد، أية فرصة لإفساد تلك الذكرى الجميلة العاطرة التي يحملانها له في قلبيهما."


ترى ماذا فعل هذان الأبوان؟

-----------------------------

قال الكاتب: "لقد جمعا كل ما لديهما من مال وافتتحا به مدرسة أطلقا عليها إسم ابنهما، لتعليم أبناء الشهداء الذين ماتوا معه في الحرب، بالمجان!"

لكن التخلص من الشعور بالحقد والمرارة لا يكفي وحده، فالعقلاء هم الذين يملأون نفوسهم بعد ذلك بآمال جديدة للمستقبل.


الحياة والجمال

----------------

وكما أن الحب يولـّد الحب، كذلك الحقد يولـّد الحقد ويغذيه. ومهما كانت أسباب شعورنا بالحقد، فهي لا تستحق منا كل هذا الإهتمام الذي يستنفد جانباً كبيراً من نشاطنا وحيويتنا وتفكيرنا..

كثير من الصور الجميلة من حولنا تحجبها عنا الجراح المفتوحة التي ما زالت تنزف دماً.

الشمس تشرق ولكننا لا نراها ولا نشعر بدفئها..

والطيور تغرد فلا نسمعها..

والزهور تتفتح وتنفح عبيراً طيباً ونحن غافلون عنها..

الحياة مليئة بالجمال.. فلماذا لا نستمتع بها؟

لماذا لا ننسى أحقادنا

وندفن أحزاننا

لنرى هذا الجمال وننعم به

قبل أن يتوقف بنا قطار الحياة

في نهاية رحلته؟!

والسلام عليكم

مجلة العربي – العدد 137 - أبريل 1970

 

عندما يدرك المرء

أن الحياة سلسلة متصلة الحلقات

ما ظهر منها وما احتجب

وأنه صفحة من سِفرها السحري

الذي يحوي متنه اللامتناهي

كل ما تشتاقه العين ويهفو له القلب

وأن كل حياة هي فصل من الحكاية الكونية

التي تزخر بكل جديد

وأنها سيمفونية أروع ما تكون ألحانها عندما تُعزف

على أوتار القلب والفكر والروح معاً..

وأن دروب الحياة سالكة أبداً

للراغبين في السير عليها

مهما بدت ضيقة

وعرة.. وعسيرة المرتقى...

عندها تبدأ رحلة العمر

نحو غاية جميلة وجليلة.

 --------


مفعول الكحول... حتى النباح مباح

دراسة موثقة

ماذا يحدث للجسم والعقل عندما يسكر صاحبهما؟

السُكـْر هو مصطلح يشير إلى حالة ناجمة عن الاستهلاك الزائد للمواد الكحولية، وتقترن هذه الحالة عادة بفقدان التعقل وبالتسمم الكحولي.

هذا المصطلح ينطبق على الفعل (تعاطي الكحول) أو العادة (إدمان الكحول)

العادة تعني التكرار المتواصل للفعل. الفعل قد يكون حدثاً عارضاً وناجماً عن الاستعمال غير الحذر لمادة أو أكثر من المواد المُسكرة. أما العادة (كما في الإدمان المزمن) فهي إحدى أخس الرذائل لأنها إن لم يتم تداركها ومعالجتها بجدية فقد تؤدي إلى إضعاف الحس الخلقي وبالتالي القضاء عليه في الإنسان بفعل التمادي في تعاطي الخمور وسواها من المواد المدمّرة لصحة الإنسان وعقله.

ما قد يبدو سُـكـْراً قد ينجم أحيانا عن أسباب عديدة أخرى (مثل الصرع وكسر الجمجمة والنزيف داخل الجمجمة والغيبوبة الناجمة عن السُكري أو تبولن الدم). البرْد بحد ذاته له القدرة على خلق تلك المضاعفات، مما يؤكده ما دوّنه القبطان باري في مذكراته، إذ نقرأ ما يلي:

"لا يمكنني إلا أن أعتقد أن العديد من الناس عوقبوا على أساس أنهم كانوا تحت تأثير الكحول، في حين أن حالتهم كانت ناجمة عن خدر الصقيع. فقد رأيت ولأكثر من مرة أشخاصاً في حالة شبيهة تماما بحالة السكارى الفاقدين للوعي. ولولا ملاحظتي الدقيقة لهم ومعرفتي لأسباب حالتهم تلك لكنت عاقبتهم بنفسي. إنما كنا على جزيرة ملفيل ولم يكن بالإمكان الحصول على أي مواد أخرى سوى الماء."

ونفس الشيء يحدث أيضا مع رجال الأمن الذين يوقِفون أشخاصاً يبدوا أنهم تحت تأثير الكحول، لكنهم في الواقع لا يكونوا قد تعاطوا الكحول إنما تعود حالتهم إلى أسباب أخرى. أبناء مدمني الكحول هم أكثر قابلية، من سواهم، على التأثر بالمواد الكحولية، إذ يسكرون من جرعات بسيطة قد لا تكون في الأصل كافية لإحداث النشوة الكحولية في الشخص العادي.

الإنتشاء هو نتيجة لتعاطي كميات كبيرة من المواد الكحولية. أما الفعل الفسيولوجي الذي تحدثه تلك المواد فيمكن وصفه على أنه شلل تراكمي لأجزاء عديدة من الجملة العصبية. لكن هذا التأثير لا يحدث إلا بعد تعاطي جرعات محددة تختلف باختلاف المادة الكحولية نفسها، وباختلاف الأشخاص بل وأعراقهم أيضا. وحتى الشاي له تأثيره؛ فمحبو الشاي الأسود الثقيل يعانون من الخفقان الزائد في القلب وعدم انتظام دقاته، ومن ارتعاش العضلات مما قد يؤدي إلى شللها. وهناك حالات شبيهة تمام الشبه بالسُكـْر ناجمة عن شرب الشاي الثقيل.

وهكذا، فمن الشاي إلى الحشيش، مروراً بالجلجل أو حشيشة الدينار المستعملة في صنع البيرة لإكسابها نكهتها المُرّة، فالكحول، فالتبغ، فالأفيون، كلها ذات درجات مختلفة من السُكـْر والإنتشاء. فهي قد تـُسكر بكميات قليلة وتخدّر بكميات أكبر.

بالنسبة للكحول، يشعر متعاطيه أول ما يشعر بانبساط في المزاج، ثم يحسّ بابتهاج متزايد وبتجدد في القوى البدنية والفكرية، (فتنحل عقدة لسانه) ويتضاعف حماسه ويصبح حديثه ممتعاً بل وباهراً أحياناً.

وتدريجياً تصبح الحواس خاملة ، ويَسمع عند التوقف المفاجئ عن الحديث طنيناً في أذنيه، يُحدث تغييراً (بالنسبة له) في نغمة صوت المتحدث، ثم يصبح بصره مغلـّفاً بغشاوة تحول دون رؤية الأشياء بوضوحها الطبيعي المألوف. كما يصبح الرأس أخف من المعتاد ويتقلقل التوازن. ومع ازدياد مفعول الكحول تبدو الأشياء مزدوجة أو متراقصة أمام البصر.

الحكم المنطقي على الأشياء يصبح في خبر كان، وتصبح التحفظات في مهب الريح، فيأخذ السكران راحته في الحديث وينثر أسراره ذات اليمين وذات الشمال دون إحراج. وعندما تذهب الفكرة وتحل السـَكرة ينتشي السكران فيضحك ضحك السعادين ويقهقه قهقهة الضباع دون حرج، ويتصرف بكل (عفوية) على السجية،إذ بالنسبة له كل شيء مباح حتى النباح! وكل شيء ما حوله من بيوت وأشجار حتى الأرض نفسها تبدو سكرانة وغير مستقرة، بل ويشعر أن كل شيء في الدنيا سكران، وهو وحده الصاحي! إلى أن يصل في النهاية إلى أرذل حالات السـُكر فيسقط على الأرض في غيبوبة كحولية فاقد الحس. وبعد نوم طويل يفيق تدريجياً محموماً، منهك القوى، معكر المزاج مع دويّ في الأذنين وبدقات قلب متسارعة ووجع حاد في الرأس.

يُستنتج مما تقدّم أن سم الكحول يفعل فعله في الفصوص المخيّة وأجزاء أخرى من النظام المخي الشوكي. الأجزاء الوحيدة التي لا يصلها هذا الشلل التخديري هي المراكز الحيوية الأوتوماتيكية في النخاع المستطيل التي تحافظ على عمل الدورة الدموية والتنفس. ولكن حتى هذه المراكز ليست بمنجى من التأثر على درجات متفاوتة. وعندما يصبح التأثر تاما تحدث غيبوبة السـُكر التي قد تؤدي إلى الوفاة. وإن استعاد الشخص وعيه فهناك مضاعفات لا بد أن يعاني منها كآلام المعدة مما قد يؤثر على التغذية الصحيحة وتناول الطعام بصورة سوية ويؤثر أيضا على عملية الهضم، فينعكس ذلك سلباً على صحة الشخص ومزاجه.

الدواء الأنفع والأنجع لهذا الداء الخبيث هو الإمتناع عن المشروب صيانة للجسم وأجهزته وحفاظاً على العقل وملكاته.

مع التمنيات بالصحة والصحوة الدائمتين للجميع

والسلام عليكم

المصدر: دائرة المعارف البريطانية – الطبعة الحادية عشرة

 

وقفة مع الفلسفة والفلاسفة

أود أن أسعد بصحبتكم في هذه الوقفة القصيرة مع الفلسفة لنستبين معالمها ونتعرف على أقطابها الأوائل الذين وضعوا عِلماً ذا أصول منطقية وقواعد منهجية، مضى على تأسيسه أكثر من ألفيّ وخمسمائة عام، ولا زال يحتل مكانه ومكانته في أعلى المؤسسات التعليمية حتى يوم الناس هذا.

فتفضلوا...

الفلسفة تعني محبة الحكمة، وقد أطلق عليها أحدهم إسم (أم كل العلوم). كان البعض يرغب بتسميتها (سوفوي sophoi أي الحكماء) لكن الحكيم الإغريقي فيثاغورس اعترض على تلك التسمية لأنها توحي بالخيلاء، فأضاف بتواضع المقطع (فيلوس philos أي صديق أو محب). من هنا نستنتج أن كلمة الفلسفة philosophy المركبة تعني صديق أو محب الحكمة.

الفلسفة – بحسب المفهوم اليوناني القديم - كانت تعني الثقافة العامة، وقد شملت كل فروع المعرفة. لكن ذلك حدث قبل أن تتسع دائرة البحوث العلمية وقبل أن يصبح التخصص في شتى المجالات ضرورة حتمية.

الكثير من المعارف التي كانت تنضوي تحت لواء الفلسفة أصبحت الآن جزءاً من العلوم التخصصية مثل الفيزياء وعلم النفس والميتافيزيقيا وعلم الأخلاق والمنطق إلخ. لذلك من الصعب الآن تحديد نقطتي البداية والنهاية للفلسفة.

مع ذلك يمكننا القول أن الفلسفة هي كل تلك العلوم مجتمعة، على اعتبار أن فروع المعرفة غير مستقلة بذاتها أو منفصلة عن بعضها، بل متصل أحدها بالآخر بطريقة أو بأخرى.

لقد عرّف هربرت سبنسر Herbert Spencer الفلسفة على أنها منظومة متكاملة من المعارف.

الفلسفة الإغريقية

أول فيلسوف معروف تاريخياً كان طاليس الإغريقي Greek Thalesالذي أسس المدرسة الآيونية Ionic حوالي سنة 600 ق.م. وبحسب ما نعرفه قام بالمحاولة الأولى للنأي بالفلسفة عن التفسيرات الميثولوجية أو الأسطورية للكون.

الفلاسفة الأوائل لم يكترثوا للإنسان في بحوثهم الفلسفية، بل كان جل اهتمامهم منصباً على الظواهر الطبيعية والطبيعة الفعلية للمادة. وقد قاموا بتطوير مجموعة من المناهج المتعلقة بالفلسفة الطبيعية التي انتقدها وسخر منها السفسطائيون Sophists الذين تكاثروا وانتشروا قبيل العصر السقراطي.

وبحسب ما يخبرنا شيشرون Cicero فقد كان الفضل لسقراط Socrates "بإنزال الفلسفة من السماء إلى الأرض."

كان سقراط فيلسوفاً أخلاقياً، بما معناه أن هدفه كان تعليم الناس كي يعيشوا حياة أفضل. وقد كان تأثيره كبيراً مما ساعد على تأسيس العديد من مدارس الفكر الإغريقية. من بين تلك المدارسة المدرس الكلبية Cynic التي كان المنتمون إليها يحتقرون ملذات الدنيا ولا يهتمون برفاه العيش. تلك المدرسة مهدّت للفلسفتين الرواقية Stoic والأبيقورية Epicurean.

ثم ظهر أفلاطون على الساحة وقام بتطوير الجانب العملي من تعاليم سقراط فأوجد الأكاديمية، ثم تبعه أرسطو بتأسيس المدرسة المشائية Peripatetic لتطوير الجانب المثالي idealistic من تلك الفلسفة.

المرحلة الهامة التالية تمثلت بظهور مدرسة الشكية Skepticism وهي فلسفة قريبة الشبة بفلسفة السفسطائيين الذين تقدم ذكرهم، من حيث النزوع إلى الشك.

الفلسفة الرومانية

لم يطوّر الرومان أية فلسفة أصلية، بل أخذوا فلسفتهم عن الإغريق. كانت تتميز بالإنتقائية Eclectic التي كان يمثلها مشرّعهم شيشرون، وكانت عبارة عن شتيت من المذاهب مثل الرواقية والأرسطوطالية وبعض مناهج يونانية.

هناك فلسفة أخرى ظهرت في الإسكندرية وانتقلت إلى روما واليونان هي الأفلاطونية المُحدثة Neo-Platonism، وهي مزيج من المسيحية والفلسفتين اليونانية والشرقية.

فلسفة العصور الوسطى

أنجبت العصور الوسطى المنهج الفلسفي المعروف بالسكولاستي Scholastic المتمثل بتطبيق منهج أرسطو على المذاهب المسيحية. من أشهر أقطاب المدرسة السكولاستية: آنسلِم Anslem وأبيلارد Abelard والقديس توما الأكويني Thomas Aquinas ودَنس سكوتس Duns Scotus

بداية الفلسفة الحديثة

يعتبر كل من بيكون Bacon وديكارت Descartes مؤسسيّ الفلسفة العصرية. فقد اتبع بيكون طريقاً كان أرسطو قد حدد معالمه جزئياً، فأسس منهجاً ترك أثراً واضحاً على البحث العلمي، يتمثل في تحليل عقلي انطلاقاً من المعلوم ووصولاً إلى المجهول. وقد ابتدأ بتمحيص حقائق معلومة وإخضاعها للتجربة على أمل الوصول إلى الحقيقة. في المقابل كان ديكارت يعتقد بجدوى التأمل في المجهول وصولاً إلى المعلوم. وبعبارة أخرى، الإنطلاق من القوانين المعروفة، وصولاً إلى الفكر وبالتالي إلى الحقيقة.

الفلسفة العصرية

ما قام به المفكرون العصريون هو تعديل للمناهج الفلسفية القديمة وشرحها، مشددين على الجانب التطبيقي منها، مما ساعد على التقدم العلمي. من بين أبرز الفلاسفة العصريين نذكر فلاسفة الألمان: هيغل Hegel وكانت Kant وهربرت Herbert ولوتز Lotze ونيتشه Nitzche وشوبنهور Schopenhauer، وفلاسفة الإنكليز: هربرت سبنسر Herbert Spencer وداروين Darwin وجون ستوارت مِل John Stewart Mill و لوك Locke وهيوم Hume. أما الفلاسفة الفرنسيون فنذكر منهم كوزين Cousin وفولتير Voltair وبرغسون Bergson.

الفلسفة البارزة في الولايات المتحدة كانت فلسفة التسامي Transcendentalismالتي ظهرت في نيو إنغلند في منتصف القرن التاسع عشر، وكان من أبرز أعلامها أمرسون Emerson وثورو

Thoreauوألكوت Alcott ومارغريت فولر Margaret Fuller وغيرهم.

ومن أشهر الفلاسفة الأمريكيين الأكثر معاصرة عالم النفس وليام جيمس William James

وليس آخراً فإن أغفل واضعو بعض الموسوعات الغربية ذِكر علماء وفلاسفة عرب ومسلمين، علينا أن نذكرهم اعترافاً بمساهماتهم الجليلة في بناء صرح الحضارة الإنسانية، ومنهم على سبيل المثال لا الحصر:

جابر ابن حيان والخوارزمي والكندي وثابت بن قرة، والطبري والفرغاني وابن سينا والفارابي والرازي والمسعودي وابن رشد وابن الهيثم والماوردي والبيروني وابن البيطار وابن خلدون وابن النفيس وابن زهر وغيرهم الكثير.

والسلام عليكم

المصدر: موسوعات

 

قصيدتان للشاعر الروسي بوشكين

 

أيتها الأحلام

أين حلاوتك

يا أيتها الأحلام؟

وأين بهجة الليل؟

لقد تلاشت أحلامي

والآن ها أنا ذا مستيقظ لوحدي

وسط العتمة العميقة

والليل الساكن يطوّق سريري.

على حين غرة

تتسلل الرعشة إلى أحلام حبي

فتفرّ مني

وتختفي بين الحشود.

مع ذلك

تبقى نفسي تعج برغبات الأحلام

ويتملكها شوق عارم

للإمساك بالذكريات.

أيها الحب

أصغِ لصراخي أيها الحب

وارسل رؤاك ثانية إليّ

وعندما ينبلج الصبح

لا توقظني

بل دعني أرقد رقدتي الأبدية.

----

صوتي الذي يضفي عليه الحب

رقة وشوقاً

يزعج سكينة الليل الحالم...

في حين تحترق شمعة ناحلة شاحبة

قرب سريري فتذيب نفسها...

من قلبي تنطلق أشعارٌ متسارعة

على هيئة جداول من الحب

تترنم

تنشد

ثم تتمازج.

تنطلق، مليئة بكِ

زاخرة بشوق متعاظم.

يخيل إليّ أنني أبصر عينيكِ

تشعّان في الظلمة

وتلتقيا عينيّ

أرى ابتسامتكِ

وأراكِ تتحدثين إليّ وحدي، هامسة:

أي صديقي!

يا أعز أصدقائي

أحبــ...كَ

أنا لكَ...

خاصتكَ.

 

اللانهاية.. أو منتهى المشوار

 

عندما وفد أحد المعلمين الشرقيين إلى الغرب في نهاية القرن التاسع عشر طـُلب منه أن يلقي محاضرة فاختار الصفر (0) عنواناً لمحاضرته لأنه اعتبره رمزاً للانهاية.

لكننا لن نتحدث هنا عن الصفر الذي قد لا يسعفنا في الإقلاع بطائرة الفكر إلى الأجواء القريبة البعيدة.

وبدلاً من أن نبدأ من الصفر ماذا لو حاولنا الإبتداء من دائرة الوعي الكوني التي لا حد لقطرها ولا قياس لمحيطها؟

فنحن ككائنات معنوية انبثقنا من محور دائرة الوعي الكوني الذي هو وعي الله الأوحد في الخليقة. ولأن هذا الوعي بلا بداية فهو أيضاً بلا نهاية.

وكون النفوس صدرت عنه فخاصياته اللانهائية كامنة بها. أما الغاية فهي التفتح التدريجي والامتداد في اللانهاية إلى أن تدرك النفوس من جديد اتساعها الشامل الذي كانت على دراية به عند انطلاقتها الأولى ثم راحت تفقده على مراحل حتى أصبح بالنسبة لها حلماً أقرب إلى الخيال من الواقع بفعل بُعدها الموهوم عنه وعدم اختبارها له بوتيرة متكررة.

اللانهاية وحدها تحتوي أشواق النفس وحنينها إلى ذلك الشيء المجهول الذي تفتش عنه وتأمل في العثور عليه كمن يبحث عن وجه صديق عزيز بين آلاف الوجوه الغريبة.

اللانهاية هي الأفق المفقود اللامحدود الذي يحن طائر الفردوس للتحليق فيه دون عائق يعيق في فضائه السحيق. وهي سماء النفس التي تومض فيها نجوم المدركات الروحية الفائقة.

هي مملكة الوعي التي لا وجود بها للمحدوديات والثنائيات ولا تواجد فيها للمعاناة والمنغصات. إنها اتساع شمولي وحرية مطلقة من أسر الجسد وقيود الفكر وما أكثرها من قيود!

في تلك الآفاق اللامتناهية تسبح مجرات الأفكار الأولية التي تتألق بشموس الإلهام وأقمار المدركات الجديدة والمتجددة أبدا.

وفيها أيضاً الحضور الرباني الذي يشع بالنور والفرح والسلام والخير والبركة والقوة والمجد.

فلتتوجه الأفكار إلى قلب الدائرة الكبرى لتمتزج بعناصرها اللانهائية وتكتسب خاصياتها وتتمغنط بالاقتراب من مجالها ومجاليها.

اللانهاية هي الوعي الكوني الذي لا يحتويه فضاء لأن الفضاء وما به من عجائب الكون كائن وكامن في قلب الوعي الكوني حيث مشاعل الإبداع دائمة التألق وشلالات الغبطة لا تكف عن الهدير.

اللانهاية هي الذاكرة الكونية حيث لا تفقد فكرة واحدة ولا تضيع ذرة من ذرات الخليقة. فهي مستودع العقل الكلي الذي يحفظ فيه الأفكار السببية ليجسدها صوراً وأشكالاً منظورة وغير منظورة في الطبيعة وفي عقول البشر.

اللانهاية هي مهبط الوحي ومصدر الإلهام. هي الجزئيات والكليات، وهي الجاذبية الكونية التي لا عِلمَ لأحد من أين أتت ولا قدرة للعقل البشري على قياس قواها التي لا يعرف مقدارها إلا الذي أطلقها من ذاته الكلية.

من اللانهاية تسطع المواهب الخلاقة وتفيض الإبداعات المتألقة، وفي اللانهاية يتقافز الفكر بوثبات جبارة وتشد النفس الرحال إلى المرامي البعيدة حيث ينصهر الحب البشري في بوتقة الحب الكوني وتتحقق الآمال العِذاب.

في اللانهاية تدرك النفس غايتها وتتعرف على ذاتها فتتأمل أطوار مسيرتها الطويلة وتصبح اختباراتها وتجاربها أحلاماً سعيدة بعد يقظتها الأبدية ورؤيتها لأنوار الحقيقة.

اللانهاية هي فضاء الروح الذي يزخر بالخواطر السامية وسماء النفس التي تتلامح فيها النيرات المشرقة بالبهاء.

اللانهاية تجسّد رعشات الحنين وتمنح ألفاظاً بليغة للأفكار الصامتة.

اللانهاية هي اليقظة الأبدية من هجعة الدهور، وهي زهور المعرفة المتفتحة في حدائق الأزل.

هناك في اللانهاية.. حيث الأبدية تضم في تضاعيفها الزمان والمكان..

وحيث أفكار الله الزاخرة بالمفاجآت التي ما خطرت على قلب بشر..

وحيث يلتقي الماضي بالحاضر وبالمستقبل في وحدة واحدة..

هناك حيث الله في الانتظار..

تكون نهاية المطاف ومنتهى المشوار..

في قلب اللانهاية.

 

العربون الأمثل

كثيرون هم الذين احتفوا بالورد

وغنّوا له بشتى اللغات

لكن الأغنية الأخيرة

في اليوم الأخير

ستثبت أن أغنية الورد

لم تكتمل بعد ولم تنتهِ.

فآخر مُحبّ على هذه الأرض

لن يجد عربوناً يترجم حبه لحبيبته

أفضل من وردة يهديها إليها، قائلاً لها:

"إنها هديتي لكِ... لكِ... يا قلبي!"

وسيفتّح الورد على الضريح الكئيب

لآخر رجل على هذه الأرض

كيما يرحّب به ترحيباً مجيداً.. رقيقاً

في ذرى الفردوس الأعلى.

لن يزداد الورد رونقاً

مثلما تكتسب الأشياء الأخرى حسناً وملاحة

فهو الوحيد، من بين كل الأشياء التي عرفها الإنسان

الذي لا يعتري تكوينه عيب

ولا تشوبه شائبة.

بتلاته الملونة، ذات الإنحناءات البديعة

هي أجمل وأدق ما في الحياة تناسقاً وانسجاماً.

وهي تفوق بسمات الأطفال عذوبة

وأسرار الكون عمقاً وغموضاً.

نموّه يوحي بالنشوة

وموته تنهيدة عاطرة..

وحتى عندما يفنى العالم

ويتلاشى من سِفر الوجود

ستظل الأرواح الخالدة

تذكر الورد بالخير

وتشيد بمحاسنه.

Marion Couthouy Smith

 

وقفة مع الحُب

----------------

كتبنا في أمور شتى وتطرقنا إلى أفكار قديمة وجديدة وتأملنا أقوالاً لفلاسفة ومفكرين وشعراء وذوي تجارب، وقد آن الأوان لوقفة مع الحب ولكن...

الحب الذي سأكتب عنه أو أترجم الأقوال التي قيلت فيه ليس ذلك الحب العاطفي الذي نرى الواقعين فيه يعبّرون عن غرامهم وآهاتهم وتنهداتهم وتأوهاتهم في الأفلام السينمائية والفيديو كليبات والقصص الرخيصة والأغاني المذقة التي تبعث أحيانا على الغثيان. فما ذكرته قد يكون حبا بالنسبة للذين يعيشونه ويطبلون ويزمرون له ويريدون أن تصل أخبار حبهم إلى أربعة أركان المعمورة، لكنه ليس كذلك بالنسبة لي.

الحب واقع أكيد لا يمكن نكرانه والحب ليس من صنع الإنسان فهو عنصر معنوي قائم بذاته له خواصه وقوانينه، مثلما له أغراضه وغاياته. هناك أنواع عديدة ودرجات متفاوتة من الحب، مثل حب الآباء والأمهات لأبنائهم وحب أبنائهم لهم، وحب الأصدقاء لبعضهم، وحب الوطن وحب الهوايات والقائمة تطول. لكنني سأتطرق هنا إلى الحب بين الرجل والمرأة، إذ لهذا الحب غاية نبيلة وهي تقريب نفسين من بعضهما وخلق ذلك التجاذب بينهما لغاية واحدة هي الزواج، لأن الحياة يجب أن تستمر والزواج هو تلك الوسيلة لاستمرارية الحياة ومواصلة النسل.

تبدأ إرهاصات هذا الحب أول ما تبدأ في سن الشباب وهي المرحلة التي تقوم الطبيعة فيها بالإعداد والتحضير لمرحلة قادمة عندما يقوى التجاذب بين الشاب والفتاة ويتعمق الحب بحيث يصبح الإتحاد بينهما قاب قوسين أو أدنى. ولحسن الحظ هناك ضوابط اجتماعية في البلدان المحافظة تتحكم بسير هذه المراحل مما يجنب الإثنين عواقب ومحاذير كثيرا ما تكون آثارها السلبية مدمرة على المستويين الشخصي والاجتماعي.

إذاً الحياة أو الطبيعة أو القوة الإلهية تغرس ذلك الشعور القوي الجامح الذي يصعب مقاومته في قلب الشاب والفتاة تحضيرا لعلاقة مشروعة ستثمر ثماراً بشرية وتلك هي غاية الحياة من العلاقة بين الرجل والمرأة.

فمن هذه الناحية الحب جميل ومشروع ورائع ونقي ونظيف ويكون استجابة تلقائية لنداء الحياة وله لذة يعرفها المحبون أو الأحباب إن شئتم. وهذا الحب الذي يكون على أشده في المراحل الأولى قد لا يستمر بنفس القوة والزخم، لكن هناك طرقاً ووسائل تساعد على المحافظة عليه وتنميته بين الزوج والزوجة ونقله فيما بعد إلى الأولاد. فالزواج المبني على المحبة والإحترام لا بد أن تكون ثمرته أبناء أصحاء نفسيا وجسديا فيلعبون دورا فاعلا في المجتمع وبذلك يؤدون رسالة نبيلة في الحياة.

ها قد وضعنا المقدمة للحب التلقائي النقي، النظيف الشريف العفيف، ولننتقل الآن إلى الأقوال في هذا الحب الذي أرجو أن يـُنظر إليه على أساس ما تقدم:

يأتي وقت يذوب فيه الرجال والنساء حبا وشوقا لتلك الوجدانيات التي هي جزء لا يتجزأ من كيانهم وكينونتهم.

الحب الحقيقي مؤسس على الإحترام المتبادل بين الرجل والمرأة.

إن أحببت حبيبك أو حبيبتك محبة صافية نقية فستحب الجميع بذلك الحب. فالقلب في هذا النعيم هو كالشمس في أجواز الفضاء لا تترك شيئا إلا وتغمره بالدفء والضياء.

الحب يعطي ذاته فلا يباع ولا يشرى.

لم يكن الحب بالنسبة لروحه الوالهة مجرد جزء من كيانه وحسب بل كان كيانه بأسره وأنفاسه ونبضات قلبه.

لست من ناكري الحب من أول نظرة، ولكني أحب أن أعيد النظر.

قد تكون العاطفة عمياء، لكن الحب مبصر فلا يضل السبيل.

الحب الحقيقي هو أن نقنع أنفسنا بأن ما من أحد شعر بالحب الذي نحس به في قلوبنا ولن يشعر أحد بنفس ذلك الحب من بعدنا.

الحب لا يـُفقد أبداً. فإن لم يـُبادل بمثله يعود إلى القلب فينقيه ويرققه.

إن تمكن أبسط الرجال من إقناع المرأة بأنه يحبها فعلا من أعماقه يكون قد تفوق بذلك على رجل غني عجز عن مثل ذلك الإقناع. فالمرأة بحاجة كي تطمئن بأن الرجل الذي ستعيش معه سيبقى بجانبها دوما وسيكون الصدر الحنون لهمومها واليد الأمينة التي تعمل على إسعادها.

الحب بالنسبة للرجل جزء من حياته، أما بالنسبة للمرأة فحياتها كلها.

الحب الذي هو فصل من فصول التاريخ بالنسبة للرجل هو التاريخ بأسره بالنسبة للمرأة.

روح المرأة تعيش في الحب.

ليكن الحب غير مشروط بين المحبين وليكن الصخرة التي تتكسر عليها مصائب وهموم الحياة، وليكن بدون غايات شخصية وإلا عاجلا أو آجلا سيذهب مع الريح ولن يبقى ملازما للروح.

الحب هو صورة الله وليس تمثالا لا حياة فيه. إنه الجوهر الحي للطبيعة المقدسة التي تشرق بالطيبة والصلاح.

شعار الشهامة والشرف هو كشعار الحكمة: تخدم وتحترم الجميع ولكن تحتفظ بقلبك لشخص واحد.

الرجل الذي تحبه امرأة عفيفة وشريفة يحمل تميمة مباركة في أعماقه توقيه شرور العالم وعثرات الحياة.

لقد استمتعتُ بمباهج الحياة، لأنني عشتُ وأحببتُ.

ما من شيء أعظم من الحب الصادق الصافي بين قلبين.

الحب المتبادل هو تتويج لكل أفراح الحياة.

من الأفضل أن يحب الإنسان ويخسر ذلك الحب من أن لا يحب على الإطلاق.

يا لها من خيوط حب رقيقة ودقيقة تلك التي تقرّب القلوب من بعضها.

الكنوز المخبأة بالنسبة للرجل ليست أثمن من الحب الأكيد الذي يحمله له قلب المرأة التي يحبها.

الحب لا يعرف الحساب بل يعطي بدون حساب كالمسرف الذي لا يخشى عواقب التبذير، ويظل مع ذلك غير مقتنع بأنه أعطى بما فيه الكفاية.

لم أتمكن يوما من تعليل السبب لحبي.

الحب العظيم هو الذي يحافظ على زخمه وولائه حتى النفس الأخير.

الأيام تـَقـْصـُر والليالي تطول، وشواهد القبور تتكاثر من حولنا والحياة تكتنفها الأحزان، لكن الحب يزداد قوة في قلوب الذين يبقون معا يدا بيد، قلبا وقالبا حتى نهاية العمر.

الحب هو كالزهرة التي قد لا ألمسها لكنها تعطر جو الحديقة وتزيده بهجة.

الحب ينظر من خلال التلسكوب والغيرة من خلال الميكروسكوب. (إي الحب ينظر نظرات بعيدة واسعة والغيرة تدقق و’تبحبش‘ في الصغائر).

الحب هو فضيلة المرأة.

الحب جميل عندما يسعى الإنسان في طلبه، ولكنه أجمل عندما يـُعطى دون طلب.

أعظم سعادة في الحياة هي قناعتنا بأننا محبوبون بالرغم من كل شوائبنا واستحقاقاتنا.

ما من كبل أو حبل – مهما كان متينا – له القدرة على تقريب القلوب من بعضها كما يفعل خيط الحب الرفيع!

موسوعة الأفكار

 

الشعور في سطور

(تحليل المشاعر ومعرفة طبيعتها)

----------------------

إننا نعرف ونحسّ ونريد. أو بعبارة أخرى نحن نفكر ونستمتع ونتألم ونعمل. كل النشاطات العقلية (أو النفسية) تشتمل على المعرفة والإحساس والإرادة. الشعور ملازم لكل النشاطات الفكرية ويشكل العنصر الشخصي في تلك النشاطات. لا يمكننا معرفة الشعور إلا عن طريق التجريب أو الاختبار. وما لم يشعر الإنسان باللذة أو الألم، بالفرح أو الحزن، فكل ما تم تدوينه عن هذه الحالات لا يمكن أن يجعل الإنسان يعرف شيئا عنها.

وبما أن للشعور خصوصية قوية من حيث اقترابه واقترانه بالنشاط العقلي فمن الصعب تعريفه. وكلمة الشعور أو الإحساس تستعمل في الأدب للدلالة على حالات ربما تكون متقاربة لكن إحداها بحد ذاته لا يعطي التعريف الصحيح أو المعنى الدقيق والحصري للشعور.

نقول أننا نشعر بالجوع أو العطش أو الإرهاق. أو قد نقول أننا نشعر بتوعك في صحتنا أو بالنعاس. ففي كل هذه الحالات تـُستعمل كلمة الشعور للتعبير عن حالة شاملة لمجموعة من الإحساسات العضوية المعقدة. وجميع هذه الإحساسات العضوية غالبا ما يرافقها اللذة أو الألم، ولذلك فإن الاستعمال الشائع لهذا المصطلح هو صحيح على وجه الإجمال. وقد يمكننا تعريف الشعور على أنه الجانب الذاتي لحالات الوعي كونه يدخل في كل نشاط من نشاطات العقل.

وإضافة إلى الشعور الموصوف أعلاه والذي يرافق حالات فيزيقية عامة، فهناك مشاعر تستحثها وتستحدثها أعضاء بعض الحواس. مثال على ذلك المتعة التي نحس بها عند مشاهدة منظر طبيعي بديع، أو مشهد رائع لغروب الشمس، أو صورة جميلة ، أو عند سماع ألحان شجية تحرك أوتار الشعور. وليس آخرا هناك مشاعر نختبرها بأفكارنا وتعرف بالمشاعر أو الأحاسيس العقلية أو المثالية. هذه المشاعر العليا تعرف بالعواطف.

المشاعر تكون إما ممتعة أو أليمة. وهاتان الخاصيتان هما وثيقتا الصلة بحالة الجهاز العصبي. فاللذة تنتج جراء الإحساس بفيض من القوة العصبية والطاقة. ولهذا السبب يستمتع الأطفال بالركض وبتمارين عضلية أخرى. وهذا يصح أيضا على الحيوانات (التي تحب النطنطة والبرطعة). فالحيوان يشعر بالمتعة عندما يتمكن من القيام بنشاط معين يتوق إليه غريزيا. فكل واحد يعرف كيف تستمتع القطط الصغيرة باللعب بالكرات المتدحرجة. فغريزة الهرة تدفعها إلى تعقب فريستها والإمساك بها بنطة فجائية. والكرة المتدحرجة تقوم تلقائيا بتشغيل تلك الآلية الغريزية أو الغريزة الآلية.

المشاعر إذاً تقترن باللذة أو الألم. إضافة إلى ذلك فإن المشاعر والعواطف أيضا تتسم بالقوة والإيقاع والحدة. الحدة هنا تستعمل للدلالة على قوة الشعور أما الإيقاع فيستعمل لقياس طول وعمق الشعور. فالشعور بالغضب مثلا يصعد ثم يهجع تدريجيا (إلا في بعض الحالات المزاجية ذات الحدة)، وهنا يشبه الشعور بزوغ الموجة على سطح البحر ثم هبوطها التدريجي وبالتالي تلاشيها.

ومما قيل في المشاعر:

المشاعر القوية لا تعنى خـُلقا قويا، إذ قوة الإنسان تكمن في المشاعر التي يمكنه السيطرة عليها لا في المشاعر التي تسيطر عليه.

يجب أن نتعلم مراعاة مشاعر الآخرين إن كنا لا نريد أن تتأذى مشاعرنا.

الكلمة أو النظرة التي قد لا تترك انطباعا يذكر في بعض الأحيان، لها القدرة على جرح القلب وتمزيقه.

المشاعر تأتي وتذهب، لكن المبادئ تبقى ثابتة لا تتغير.

الفكر أعمق من كل الكلام. والشعور أعمق من كل الأفكار. أما القلب المخلص فهو كإبرة البوصلة من حيث توجهه الدائم نحو مجال الصدق والوفاء. 4.23

 

المصدر: موسوعات

 

طمأنينة النفس

_____________

عندما تفقد الهموم الحارقة حرارتها

تبزغ الطمأنينة برداً وسلاماًً.

إنها الصارية البيضاء لقارب الحياة

يملؤها نسيم السعادة الدائمة، الخالية من الإثارة

فتدفع القارب دفعاً رفيقاً على صفحة بحيرة الرضى.

الطمأنينة هي نهر القناعة

المنساب رقراقاً في اتجاه بحر السكينة

بمعزل عن أمواج الهموم.

إنها مظلة الروح

المنتشرة فوق عقل الإنسان وقلبه

لتقي أفراح حياته، صغيرها وكبيرها

من أمطار الخوف والقلق.

إنها النغمة السماوية

المنبثقة من قيثارة الحياة.

وهي الملح المقدس

على مائدة العمر،

والرذاذ المتطاير من شلالات الإنجاز

وهي المزاج الرائع الرائق

الذي به تساس مملكة النفس

بوئام وانسجام.

الطمأنينة ليست حكراً على الخلوات المنعزلة

ولا هروباً من الجلبة والضوضاء.

بل تأتي إلى حيث ترحب بها القلوب

وتمكث حيث تأنس بها النفوس

بغض النظر عن الزمان والمكان.

إنها زهرة رقيقة حساسة

لا تتحمل اللمسات الخشنة

بل تحيا وتزهر وتزدهر

إن هي سقيت بمياه الطيبة المنعشة.

الطمأنينة هي بحيرة الشعور الساجية

الخالية من تغضنات الأحزان

التي تذرف دموع الخوف

لأقل هبّة من هبّات الجزع والكدر.

عندما تغطي صفحة النفس المطمأنة

طبقة من الثلج الأبيض الناصع النقي:

ثلج الهدوء وراحة الضمير

فلن تقوى عواصف المخاوف وأعاصير الهموم

على تعكير الصفاء والسكينة

تحت هذه الطبقة الصلدة اللامعة

لهذا التلألؤ المبارك الوضاء.

برمهنسا يوغانندا

 

ذات الوردة البيضاء

-------------------

عندما أطلتْ من مخدعها السماوي

كانت عيناها أعمق من أعماق المياه الساجية

وكانت تحمل في يدها ثلاث زنابق

وفي ضفائرها سبع نجوم.

أما رداؤها فكان بسيطاً فضفاضاً

لا تزينه سوى وردة بيضاء كوسام استحقاق

لخدماتها المتواضعة. وكان شعرها الأصفر الطويل

المسدول على ظهرها يحاكي لون سنابل القمح الناضجة في موسم الحصاد.

وقفتْ على شرفة بيتها السماوي

وكانت عالية..عالية، بحيث لو أنها نظرتْ إلى أسفل لما استطاعت رؤية الشمس.

البيت الذي أطلت منه يقبع في ركن قصي من أركان الفردوس

وراء الأثير الحي الذي يفصل الأرض عن السماء

فلا تقدر أفكار واهتزازات العالم الخشنة الكثيفة على النفاذ منه أو الوصول إليه.

وحولها اجتمع رفاق جدد تعرّفت عليهم في عالمها الجديد

فراحوا يتبادلون عبارات ودية صامتة تفهمها الأرواح الطيبة المُحبة المتحابة،

وقد رقصت القلوب بفرح اللقاء الذي لا فراق بعده.

وكانت النفوس التي تحررت من الأرض وقيود الجسد

تتراءى أمام بصرها كاللهب الرقيق.

ومع ذلك فقد أطلت من تلك الدائرة السحرية

وراحت تنظر بلهفة حيث لا نهاية لامتداد البصر

فرأت الزمن ينبض بقوة في شرايين الكون.

أمعنت تحديقاً في الفراغ المترامي

وتفوهت بكلمات تحاكي أنغام الكواكب

وهمس النجوم في مساراتها وأفلاكها.

لقد توارت الشمس ومعها القمر خلف الأفق البعيد

لكنها واصلت حديثها الشبيه بأغاني الطيور

وراحت تقول:

يا ليته يأتي إلى هنا ليكون معي، ملء عيني ومسمعي.

لا بد أنه كان سيأتي لو لم أبتهل للسماء كي تبقيه حيث هو الآن.

وما عليّ سوى الإنتظار حتى يحين موعد اللقاء

عندئذ سأمسك بيده وآخذه إلى حيث أنهار المحبة

وشلالات السعادة دائمة الإنسياب والإنسكاب

فنتأمل عجائب الله ويعترينا الذهول لمرأى روائعه.

وسنقف معاً أمام ذلك الهيكل المقدس الذي لم تطأ تربته قدم،

حيث مصابيحه دائمة التألق فنرفع ابتهالاتنا لله

ونبصر دعواتنا القديمة وقد تحققت ثم ذابت

كما تذوب حبات الغمام ويتلاشى الضباب من أمام وهج الشمس.

وسنجلس هناك تحت الشجرة السرية

التي تعشش في أغصانها طيور المحبة

وتهمس أوراقها الغضة أناشيد الحب السماوي.

وسأعلمه بنفسي الأغاني التي أشدو بها هنا في عالمي هذا،

فيرددها ويتوقف عند بعض مقاطعها ليتأمل كلماتها

ويبتهج فرحاً إذ يدرك معاني جديدة في عالمه الجديد.

وسنبحث معاً عن رياض الأبرار

حيث النفوس الطيبة تحيا مغتبطة بما أفاء الله عليها من نعيم.

أما إن أوجس خيفة وعقدت الدهشة لسانه،

فسأروي له حكايات حبنا الخالد الذي لم يقوَ الموت على ملاشاته

بل ما زال نابضاً في قلبينا، يغذي أرواحنا ويلهمنا أسمى المشاعر

التي هي الزاد الذي تقتات به نفوس المحبين

سواء على الأرض أو في فراديس الخلود.

Anonymous

 

June, 2012

----------------

 

شاعر إنكليزي يحتفي بإبراهيم بن أدهم


من أروع القصائد التي نظمها الناقد والشاعر الإنكليزي جيمس هنري ليه هنت، كانت قصيدته التي بعنوان (ابراهيم ابن أدهم) التي نالت شهرة واسعة وما زال طلاب الأدب الإنكليزي يحفظونها عن ظهر قلب. أما ابراهيم بن أدهم فتعرفه موسوعة ويكيبيديا العربية على النحو التالي:

إبراهيم بن أدهم، أبو إسحاق، زاهد مسلم. من أهل بلْخ كان من أبناء الملوك والمَياسير. خرج متصيداً، فأثار ثعلبا، وإذ جدّ في طلبه، هتف به هاتف: "والله! ما لهذا خلقت!، ولا بهذا أمرت!". فنزل عن دابته، وصادف راعياً لأبيه، فأخذ جبته فلبسها، وأعطاه ثيابه وقماشه وفرسه وترك طريقته في التزين بالدنيا، ورجع إلى طريقة أهل الزهد والورع. وخرج إلى مكة، وصحب بها سفيان الثوري، والُفضيل بن عِياض. ودخل بلاد الشام، فكان يعمل فيها، ويأكل من عمل يده.

 

ابراهيم بن أدهم (كثر الله عشيرته)

أفاق ذات ليلة من حلم جميل، فأحس بسلام عميق يكتنفه.

ووسط شعاع القمر الذي غمر حجرته بفيض بهي

فحوّلها إلى ما يشبه زنبقة متفتحة

أبصر ملاكاً يخط سطوراً في كتاب ذهبي.

السلام الفائق الذي أحسّ به ابن أدهم منحه جرأة،

فخاطب ذلك الحضور الملائكي في الحجرة قائلا:

"ما عساك تخط في كتابك هذا؟"

فرفع الطيف رأسه، وبنظرة في منتهى العذوبة

أجاب: "أدوّن أسماء محبي الله."

فسأل ابن أدهم: "وهل إسمي من بين تلك الأسماء؟"

أجاب الملاك: "لا.. ليس من بينها."

مع ذلك لم يفقد سروره، بل واصل قائلاً:

"أناشدك بالله إذاً أن تدوّن إسمي كمحبٍ لأخيه الإنسان."

كتب الملاك ذلك ثم اختفى.

في الليلة التالية، حضر ثانية وسط نورٌ عظيم وهّاج

وأراه قائمة بأسماء الذين تباركوا بحب الله..

ولدهشة ابن أدهم،

رأى إسمه في رأس القائمة

وتحته باقي الأسماء!


 

على صفحة القلب

عِنَدَمّا يَطْفَح وِعَاءُ الْعَقْل بِالْفَهْم

وَتَزْخَر زُجَاجَة الِعِاطِفِة بِإِكْسِير الرِّقَّة

وَتَمْتَلِئ سَلَّة الْرُّوْح بِثِمَار الْحِكْمَة الْعَاطِرَة

وَتـُهدم جُدْرَان الْأَنَانِيَّة الصَّفِيقَة

وَتُسْكَب أَقْدَاحٌ مِن التَّعَاطُف الْودِّي

فِي حُلُوْق الظامئين لِقَطَرَات الْحُب الْمُنْعِشَة

وَتَنْبَثِق أَشِعَّة فَجَر الْحُب قَوِّيَّة مِن مَسَامَّات الْقَلْب

وَتَغْمُر شَمْس الْجَمَال زَوَايَا الْفِكْر الْمُظْلِمَة

عِنْدَهَا...

تَتَأَلَّق الْحَيَاة بِنُوْر الْبَهْجَة

وَتَمْتَلِئ سَاعَات الْعُمْر

بِمَزِيْج غَنِي وَدَافِئ مِن الْبِشْر وَالإسْتِبَشَار

وَتُسْرِي فِي خَلَايَا الْجِسْم

رَعْشَة الْرِّضَا بِالْيَوْم ونبضة َالْأَمَل بِغَد أَفْضَل

وَتَتَجَلَّى صَفَحَات كِتَاب الْحَيَاة الْذَّهَبِي

مُتَوَهِّجَة بِشُذُور الْمَعْرُفَة

فَنُعَايِن مَا يَبْعَث عَلَى الْدَّهْشَة

وَنَوَد أَن نَكْتُب مَا نَّقْرَؤُه

عَلَى صفحة الْقَلْب.



إن الثمارَ أشكالٌ وألوانُ

لو طلبتَ من شخص عادي كي يعرّف لك الثمر فلربما جاء جوابه على النحو التالي: الثمر هو شيء ينمو على النبات والشجر وهو صالح للأكل، مكتفياً بهذا القدر من التعريف.

لكن ما رأيكم - طال عمركم - أن نكون أكثر إثماراً في تعريفنا؟!

هناك عدد صغير نسبيا من الثمار الصالحة للأكل، في حين يوجد آلاف الأنواع التي لا يرغب الإنسان في تذوقها، وهناك بعض الثمار التي ينبغي عدم تذوقها إطلاقا لأنها سامة وقتـّالة.

يتألف الثمر من جزء واحد أو عدة أجزاء، من زهرة واحدة أو مجموعة من الأزهار. وقد تكون حبة (أو كـُبش) توت أو بطيخة أو حبة حمص أو برتقالة أو قرن فاصوليا أو عنقود عنب أو حبة بنادورة أو ربما حبة فول سوداني.

وقد تتخذ الثمار أشكالا متعددة، إذ قد تكون شائكة كالصبار أو طرية وشهية كالتين وغنية بالبروتين والزيوت كالفول السوداني أو الفستق، وقد تكون ما نعتبره خضروات من اللوبيا واللقطين. أو قد تكون من نوع الشمام والفريز والخوخ والمشمش والتفاح والدراق والبرقوق والكرز والزيتون وغيرها الكثير.

تلعب الثمار دورا كبيرا في النباتات المزهرة حيث توفر مكانا آمنا للبذرة كي تنمو وتنضج. كما تلعب دورا في نثر البذور. وأحيانا تجتذب الثمار الطرية الطيورَ فتأكل منها ما لذ وطاب ثم ترد الجميل بنقل ونثر بزور تلك الثمار في مساحات واسعة بعيدا عن المصدر، فيتجدد النمو ويتواصل العطاء.

أحيانا قد تكون بزور الثمر لزجة فتلتصق في الثياب أو بفرو أو شعر أو وبر الحيوانات وتنتقل إلى أماكن بعيدة. وأحيانا تكون للبزور شعيرات دقيقة كالأهداب تعمل كالمظلة فتطير البزرة مع الريح وبذلك تنتثر وتنتشر.

هناك ما لا يقل عن مائة وخمسين ألف نوع من النباتات المزهرة التي ينتج معظمها ثمرا.

وهناك الكثير من الثمار الشبيهة بالتوت التي تتميز بطعمها الحلو ولونها البراق الذي يساعد على جذب الطيور إليها. ولحسن الحظ فإن للعديد من هذه الأنواع بزوراً صلبة لا تؤثر بها العصارات الهاضمة فتمر بأمعاء الطيور وتحافظ في نفس الوقت على مميزاتها وخواصها بحيث تبقى صالحة للنمو. وعلى هذا النحو تنتقل بزور الثمار التي تأكلها الطيور أو الحيوانات ويتم انتشارها على نطاق أوسع.

كثير من الناس يظنون أن القمح والذرة والأرز هي مجرد حبوب لا غير، لكنها في المفهوم العلمي ثمار جافة. والثمار الجافة تنقسم إلى قسمين: النوع القابل للإنشطار إلى نصفين كالحمص والبازلاء والفول، والنوع غير القابل للإنشطار كالقمح وسواه والمكسرات على أنواعها.

معظم الثمار التي ذكرناها يتم تكوينها من بويضة أو زهرة واحدة ولذلك تدعى ثمار بسيطة، ولكن هناك أنواعاً من الثمر الشديد التعقيد كالكمثرى (النجاص) والتفاح.

بعض الثمار كالأناناس والتين والتوت يشتمل على أكثر من زهرة واحدة. وهذه الزهور تندمج أو تندغم بصورة كاملة كما في حبات الأناناس مع احتفاظ كل واحدة من تلك الزهور بشكلها المميز. أما زهور ثمر التوت مثلا فتكون مجتمعة إنما غير مندمجة بعضها ببعض.

والسلام عليكم

المصدر: موسوعات

 

عندما امتلكت قلبي

لم يبق لي ما يمكنني تقديمه لك

سوى بضع خفقات متسارعة

وأحاسيس متوهجة.

إنني عاشق إبحار لا يخشى الغرق

لأنك أعتى من جبروت العواصف

وعلى دراية وثيقة

بتيارات البحر وأسراره

ولأن ألقك

يبدد غياهبه الظلماء.

لقد أومضتْ أشواقي وتراقصتْ

قبل أن تتحول إلى

همسة في صدرك

ونثرة من ضياء أنسك

وحركة من حركات نفسك

ونبضة في خافقك

وخبر من حكايتك

وزاوية من ذاكرتك

وبسطة من امتداد حبك

وعطر من فيض قصائدك

وعمق في يمّك الفسيح

وقطرة من ذوب حنانك

وافترارة رضى على محياك

ونجوى من موسيقاك

ورؤية من رؤاك العذبة

وحلم من أحلامك السعيدة.

 

دوام الحال من المحال

----------------------

مترجمة عن قصة بعنوان

This too shall pass

لا يحضرني إسم مؤلفها

______________

في سالف الأزمان عاش ملك من ملوك العجم

نـُقشت على خاتمه الملكي عبارة كانت بمثابة

مذكـّر دائم له وتصلح لكل الظروف والأحوال

التي تمر على الإنسان ويمر بها.

تلك العبارة كانت عبارة عن أربع كلمات هي:

(دوام الحال من المحال!)

وكانت قوافل الجمال تأتي له عبر الصحاري الرملية الشاسعة

بالجواهر والدرر من سمرقند

والسفن تمخر عباب البحار لتجلب له اللؤلؤ المكنون

لكنه لم يلق بالاً لتلك المجلوبات الثمينة

بل كان يقول عند النظر إليها:

"ما قيمة الثراء ودوام الحال من المحال؟"

وفي بلاطه المهيب كانت الأفراح تتواصل ليل نهار

وعندما كان زائروه يغدقون عبارات الإعجاب دون حساب

وتلتهب أكفهم من شدة التصفيق

كان يقول لهم وسط صواني الفاكهة وأباريق الخمر:

"يا صحبي الكرام، المباهج تأتي لكنها لا تلازمنا أبدا لأن

دوام الحال من المحال"

وذات يوم بينما كان يحارب الأعداء في معركة حامية الوطيس

اخترق رمحٌ ترسَه وأصابه في خاصرته

فهرع إليه الجنود وحملوه إلى خيمته

وقد علت أصواتهم بالتفجع والنحيب،

وإذ كان يئن ويتألم من الجرح الدامي صاح قائلا:

"ما أصعب تحمّل الألم! ولكن مع الصبر الجميل ستزول الشدة لأن

دوام الحال من المحال."

أما تمثاله المصنوع من الحجر فقد كان يزين الساحة العامة

ويرتفع شامخاً في الفضاء.

وذات يوم تخفـّى الملك ووقف بجانب إسمه المنحوت على الصخر

وقال متأملاً:

"ما قيمة الشهرة وهي ستتلاشى مع الأيام

إذ دوام الحال من المحال؟!"

وعندما بلغ من العمر عتياً أصيب بالشلل وأصبح جسمه مهدوداً متهدما

فراح ينتظر فراقه في أية لحظة. وبينما كان يلفظ أنفاسه الأخيرة قال:

"لقد انتهت الحياة بالنسبة لي، إنما ما هو الموت؟"

وفي تلك اللحظة سقط شعاع الشمس على خاتمه

فظهرت العبارة التي اتخذها شعارا له في الحياة

وأدرك أن الموت أيضا لا دوام له لأن

دوام الحال من المحال!


RE 2-22


محطات هامسة

----------------

لماذا أنت حزين يا أخي؟

الحياة لم تجلب سوى بضعة أيام سعيدة في سلـّتها

التي ستفرغ محتوياتها يوماً بين يديّ الموت الباردتين.

فاستقبلها كل لحظة بوهج قلبك الدافئ

قبل أن يُظلم الليلُ وجْهَها ويغلفه بصمت القبور.

لماذا أنت منزعج يا أخي؟

فيد الله العادلة تجود مجاناً بثروة الهواء والنور

على السعداء والبائسين، بنفس المقدار!

بأي مبلغ يمكن شراء ذهب ساعات الغروب

أو أغاريد الطيور في خميلة الصباح؟

فإن أساء أحدهم فهمنا، ألا يمكننا مسامحته

إكراماً لهدايا الصفح التي نحصل عليها

من الفجر حتى الفجر؟

لماذا أنت خائف يا أخي؟

هلا وزنتَ دموعك وابتساماتك

أو أحزانك ومسرّاتك

في ميزان الحياة؟

أليس وجه النهار أكثر إشراقاً

من حجاب الليل؟

أليست بسمات الأطفال أكثر سحراً

من دموعهم القليلة ومن بكائهم؟

فابتسم يا أخي ما دام النهار ضيفاً على بابك،

لأنه عندما يحل الظلام ويخيم الليل

ستغمض الزهور أعينها

وستغفو الطيور المغردة

على سرير النسيان.

East-West Magazine


إن أردت التحكم بسير حياتك

-----------------------------

واجه الواقع.. فالهروب لا يجدي نفعاً

ولا تجاهل المشكلات يحلـّها.

اعرف مقدار قدرتك ومدى مسؤوليتك.

لا تسمح للهم بالسيطرة عليك

فهو عادة ٌ فكرية سيئة ومضرّة بالصحة.

الهمّ يموّه ذاته.. فيأتي بصورة الواجب

لكن أساسه الخوف

والخوف يسمم العقل والجسم معاً.

تطلع إلى الأمام.. كن متفائلاً

فنجاحك غير مرتبط بأحداث السنة الماضية

ولا بما سيحصل هذا العام..

إسأل نفسك ما ستكون عليه بعد خمس أو عشر سنوات من اليوم.

طبعاً الجواب يتوقف عليك.

واصل العمل.

تجلـّد ولا تفقد عزيمتك

فتسعة أعشار الشجاعة تكمن في قوة الإحتمال.

فكّر أفكاراً إيجابية.

لا يمكننا وقف التفكير

لكن باستطاعتنا تغيير مسار تفكيرنا

والتحكم بسير حياتنا.

***

أحيانــــــــــاً...

--------------

أحياناً أسير على الدروب

وأتفرس في عيون من أقابلهم..

فأرى وجوهاً تبدو خالية من أي هَم

وأرى بعض وجوه حفرت أعباءُ الحياة

على صفحتها خطوطاً يصعب محوها.

قد لا أتمكن من معرفة قصص أحزانها..

قد يكون طائر الحب هجر روضتها

بعد أن كان يرفرف فوق رياحينها والورود..

أرى معرضاً لا ينتهي من الوجوه

بشتى النظرات والتعبيرات..

كلها تمرّ أمامي في مراجعة سريعة خاطفة.

أجل.. فمشاهد الحياة، بفصولها وأطيافها وأسرارها

دائمة العرض على شاشة الوعي

يعاينها المبصرون

ويسمعها من يحسن الإصغاء.

المصدر: 

Inner Culture Magazine

RE 2-22

 

ملغزات عبقري الأجيال دافنشي

تحية طيبة:

بين يديّ كتاب بعنوان (دفاتر لينوردو دافنشي Leonardo Da Vinci's Note Books) طبعة 1923 . يشتمل الكتاب على محطات من حياته، بما فيها من رؤى بعيدة وإرهاصات عديدة وعزيمة ماضية وكفاح جريء وأفكار رائدة. وسأترك لكم أصدقائي تأويل تلك الملغزات، لأن بعض الحلول المقدمة لا تعدو كونها تخمينات. هذه الأحاجي تعود إلى حوالي 500 عام.

----------------

سينتقل الناس دون حركة، وسيتحدثون مع الغائبين، مثلما سيسمعون من لا ينطقون.

كثيرون ستحملهم حيوانات كبيرة وسريعة إلى حيث الموت الفجائي وفقدان الحياة.

ستظهر في الجو وعلى الأرض حيوانات متعددة الألوان، تحمل الناس بعنف إلى مواطن حتفهم.

ستبصرون عظام الموتى تقرر – بحركتها السريعة – حظوظ محركيها.

سيوجه الناس ضربات طاحنة لعصب حياتهم.

ستجعل جلود الحيوانات الناس يخرجون عن صمتهم، فيطلقون هتافات حارة وصرخات حادة.

الريح العابرة من جلود الحيوانات ستجعل الناس يطفرون بهجة.

كثيرون... سيأكلون ما أكله غيرهم، وستمضي عليهم شهور عديدة قبل تفوههم بالكلام.

بعض الناس سيستمتعون برؤية أشغال أيديهم متهرئة وتالفة.

ستكون هناك مستوطنات كثيرة يختبئ سكانها ويخبئون صغارهم ومؤنهم في شقوق وجحور. في تلك الأقبية المظلمة سيعيلون أنفسهم وعائلاتهم لشهور عديدة دون أي نور طبيعي أو اصطناعي.

أفاعٍ بأحجام هائلة ستـُرى تقتتل مع الطيور في أجواء عالية جداً.

ستُسمع في أنحاء كثيرة من أوروبا أدوات متباينة الأحجام تطلق أصواتاً مختلفة تزعج أكثر ما تزعج القريبين منها.

أشغال كثيرة ستـُقابل بالجوع والعطش والبؤس والوكز واللكز.

في قرون الحيوانات ستـُرى قطع معدنية حادة تقضي على الكثير من فصائلها.

سباع البر ستحفر الأرض بمخالبها المعقوفة، وستنجحر في الشقوق مع حيوانات أخرى كانت تخضع لسلطانها.

ستظهر من الأرض كائنات ملتحفة الظلمة، تنقضّ على البشر بهجمات رهيبة، وستسمم الدماء بعضاتها المريعة...

وستجوب الأجواء فصيلة من مخلوقات مجنحة مريعة، تهاجم البشر والحيوانات وتتغذى عليهم بزعقات حادة.

ستحمي الثيرانُ النارَ من الموت، بقرونها.

الغابات ستنجب صغاراً يتسببون في موتها.

الذين يبلون البلاء الحسن سيُضربون، وسيؤخذ صغارهم ليجردوا من ثيابهم ولتـُكسّر عظامهم تكسيرا.

حيوات كثيرة ستـُفقد، ومساحات كبيرة ستـُستحدث على الأرض.

ستقام أعظم مراسم التكريم لمن لن يعرف عنها شيئاً.

ذوات الجناح ستسند الناس بريشها.

في طول البلاد وعرضها سيُرى الناس يسيرون على جلود حيوانات كبيرة.

ستـُرى هياكل ضخمة لا حياة فيها، تنقل أعداداً غفيرة من البشر إلى حتفهم، بسرعات مذهلة.

سيظهر من تحت الأرض ما يصعق كل القريبين منه ويخمد أنفاس الناس بأنفاسه، وسيدمّر مدناً وحصوناً.

أجسام بلا أرواح ستعلم الناس بأقوالها...

ستـُرى أشكال بشر وحيوانات تتبع هؤلاء الناس والحيوانات أينما ذهبوا وحيثما توجّهوا، وستكون حركة الواحد مطابقة للآخر...

سيتخاطب الناس، من بلدان بعيدة، ويجيب أحدهم الآخر.

سيتحدثون لبعضهم ويلمسون ويعانقون بعضهم وهم في أصقاع قصية من الأرض، وسيتمكنون من فهم لغات بعضهم.

 

أحجيـــــــــــــــــــــــة

السلام عليكم

أعددت لكم هذه الأحجية لعلها ترسم بسمة على الوجوه عند معرفة الحل.

(ملاحظة: قام أحدهم بنشرها بعد حذف إسمي، لكن الأصل موجود في الجمعية الدولية للمترجمين واللغويين العرب، ولذا اقتضى التنويه)

هي ...

في القبح والجمال

والبعد والوصال

في النور والظلام

والحرب والسلام

في الحلم والغضب

والتخمة والسغب

في الكفر والإيمان

والصدق والبهتان

في الصمت والكلام

والعذر والملام

في الخيبة والرجاء

والسم والدواء

في الفشل والنجاح

والمنع والسماح

في الوهن والعزيمة

والنصر والهزيمة

في البخل والسخاء

والأرض والسماء

فما هي طال عمركم؟

 

هكذا شبّهوا الجمال

تحية طيبة

كنت قد ترجمت طائفة من التشبيهات عن الجمال و الفطنة و البسمة و الحب من موسوعة الأفكار، وأود نشرها تباعاً، ابتداءً من

الجمال...

الذي استهوى عقول الفلاسفة والمفكرين على مر العصور

وحرّك أعمق أحاسيسهم

فاجتهدوا للإمساك بطيفه ورسم ملامحه

والإحتفاء ببهائه

من خلال تشبيهات رائعة، ظريفة، وأحياناً مستهجنة

تترجم مدى وكيفية تذوّق كل منهم للجمال وتعبيره الشخصي عنه.

جميل كغروب الشمس، كالفجر، كأفكار الملائكة.

جميل كالريشة في الرأس، كصورة متمايلة على مزهرية إغريقية

كالشيطان قبل طرده من الجنة

كالفجر في الفردوس، كجسر من جذوع الصنوبر في جبال الألب

جميل كزنوبيا، كالنهار، كحبال النور.

جميل كالنار، كمطر الربيع، كالظهيرة.

جميل كقوس قزح، كفتاة عذراء على فراش الموت.

جميل كوردة الجوري، كأحلام الأطفال، كحوريات الجنة.

جميل كالصفصاف الباكي، كالملائكة.

جميل كإطلالة الأصدقاء.

جميل كالبدر، كبسمة الصباح، كالطل على الزهور.

جميل كالشباب، كالسيل المنحدر من الأعالي.

جميل كالأنوار المتلامحة في الوجوه الرضية.

جميل كالأرض والسماء عند غروب شمس الخريف.

جميل كالكلمة اللطيفة، كالدوافع الشريفة.

جميل كالوفاء

كتذكـّر الأحباب بعد طول غياب.

 

(يا سامعين الصوت)

أقوال الفلاسفة والمفكرين والشعراء

عن الصوت البشري

ما أروع الصوت البشري! حقاً إنه قيثارة الروح.

فعقل الإنسان يتربع على جبينه وفي عينيه

وقلبه مدوّن بوضوح على محياه

أما روحه فتبدو جلية في انعطافات صوته.

لقد كان صوتها رقيقاً، ناعماً وخفيضاً

وذلك من أروع ما تتحلى به المرأة من مزايا.

أعذب الأصوات هو صوت المرأة التي نحبها.

غالباً ما يتحطم سحر الجمال بمطرقة

الصوت الخشن المجلجل!

وغالباً ما ننجذب بعفوية وبدون مقاومة

لامرأة بسيطة الجمال وبعيدة عن التصنع

لكنها مع ذلك تشع جاذبية بفضل صوتها الهادئ المريح

ذي النغمات الفضية الدافئة!

ألا ما أجمل ذلك الصوت الحنون في محراب البيت

الصوت الذي يهدّئ من روع الطفل

ويبهج خاطر الزوج المتعب!

للطبع تأثير قوي على نغمة الصوت.

لا خداع في الصوت..

فهو بالنسبة للعديدين المؤشر القوي والدقيق على نوعية فكر

الإنسان ومستواه الأدبي.

ما من دليل لا يخطئ على شخصية الإنسان كصوته.

بعد أن يفارقنا أحباؤنا بالموت

تعود إلينا أصواتهم العذبة

ومعها كل الدموع القديمة

التي ذرفها القلب الكسير.

لنوعية الصوت تأثير كبير على الأذن الحساسة

فالصوت الرقيق العميق غالباً ما يكون ممتزجاً بالشعور

النابع من القلب.

لنغمات الصوت البشري قوة تفوق الصنوج والأوتار

على تحريك مكامن الروح.

في صوته القمعي الآمر نشاز يبعث على النفور.

يا لعذوبة صوتها الآسر! فما أن تتفوه

حتى تلهب الإحساس وتمتلك الحواس!

حقاً أن صوتها نغمة سماوية مذيبة.

موسوعة الأفكار


 

جولة استكشافية في واحة القلب

أود التجول اليوم بمعيتكم في واحة القلب حيث المياه الصافية والطيور الشادية على أغصان المودة.

هذه الواحة المباركة تضم، أو يتعين أن تضم، بين ظهرانيها أشجار السلام وأنهار الإلهام وتشرق في سمائها شمس اليقين التي تسكب إشعاعاتها على ورود الأمل فتفتـّح بتلاتها وتطلق أريجها فتعبق به الأجواء وما أعذب أجواء الواحات العابقة بالأريج الفواح!

القلب المفعم بالسلام الإلهي والمغسول بمياه الروح يصبح هيكلا قدسياً تتوارد إليه الإلهامات وتشتاق الأرواح الطيبة زيارته لأنه على صلة وثيقة بالذات العليا التي تغذيه بإكسير المحبة وتهبّ عليه بأنسام الشوق اللطيفة التي يستعذبها أصحاب الأحوال إبان سفرهم الصحراوي الطويل نحو واحة الأمن حيث الأمل المنشود واللقاء الموعود.

في تلك الواحة الظليلة يجد القلب ضالته ويلتمس راحته التي طالما تشوق إليها قبل وأثناء السفر.

هناك.. في خلوة الذات.. يستذكر المريد أحداث حياته ويتأمل محطات العمر بما فيها من حلو ومر.

قد يحس بفرح غير معهود يتوارد إليه..

وقد يطرق سمعه أنغام جديدة وفريدة كأنه سمعها من قبل بالرغم من عدم قدرته على تصنيفها أو توصيفها حتى لنفسه.

وقد يرى أفكاره تخطر جيئة وذهاباً على دروب عقله.. وبين حين وآخر قد يبصر سطوعاً مباغتاً يأتي بإنسجام فوري لعناصر الروح والعقل والجسد جميعاً، ويعمل على خلخلة الصخور التي تسد منافذ النفس وربما إزاحتها من أمام فيض النور الدافق فتمتزج الروح ولو للحظة عابرة ببحر النور الكوني الذي عنه انبثقت النفوس ولا بد أو بديل من العودة إليه مهما طال زمن الإغتراب.

في تلك اللحظات يتحدث الصوت الداخلي همساً وإيحاءً للنفس المستغرقة في التأمل العميق ويطلعها على الأسرار المتصلة بطبيعتها ويخبرها عن الكنوز التي كانت وما زالت لها وفي انتظارها.

يخبرها عن غاية الحياة وعن صلتها العضوية بخالق الحياة والنور.. وعن الغبطة السرمدية التي من نصيبها عندما تقرر العودة من تلقاء ذاتها إلى المقر الأولي الذي لا قرار ولا استقرار إلا فيه. وكأن الشاعر أشار إليه تلميحاً وتصريحاً عندما قال:

كم منزل في الأرض يألفه الفتى وحنينهُ أبداً لأولِ منزلِ

هناك في تلك الواحة ذات السلام والسكينة تبزغ أفكار جديدة وتومض أقباس عديدة وينسكب رحيق الروح في أقداح الوعي وما ألذه من شراب!

هناك يبصر المريد كواكب السعد ويتذوق طعم السعادة الحقيقية النقية، مثلما يعرف بكل ثقة ووضوح الفرق بين القشور واللباب والتبن والحبوب.

هناك يتضافر التحفيز الباطني مع الدفع الذاتي والحث الوجداني لإيقاظ النفس من نومها العميق أو غيبوبتها الطويلة التي سلبتها الكثير من كنوزها المعنوية وأضاعت عليها العديد من الفرص الذهبية.

هناك يبزغ التصميم الراسخ في أعماق النفس لجعل الغاية القصوى الهدف النهائي والرغبة الأولى في حياة المريد.

وهناك أيضاً يتجرأ الفكر على النفاذ إلى آفاق العقل الكلي ويتتبع مسار الأفكار القديمة والحديثة فيراها ماثلة أمامه بكل جلاء ولن يحتاج إلى من يقنعه بصحتها أو بطلانها لأنها تخضع تلقائياً لميزان بصيرته الدقيق الذي لا يمكن مخادعته كونه أكثر دقة من أدق مخترعات الإنسان الرقمية.

ومع هذا الإدراك يعرف أنه اقترب من مشارف الوعي الكلي مستودع كل القوى والأفكار والإبداعات والإنجازات التي تمكن أقطاب وعباقرة وجهابذة الأدب والفن والعلوم والمخترعات من مقاربتها والاتصال بها. فكلها موجودة في مستويات أثيرية غير مستحيل الوصول إليها واختبارها ولو للحظة أو لحظات بما يكفي للتيقن من وجودها الذي لا خلاف عليه بين أرباب الوعي ورواد الروح.

الخيال وحده – مهما كان خصباً وواسعاً – لا يكفي لبلوغ تلك الآفاق الشفافة التي لا يمكن الوصول إليها إلا عن طريق تدريب ملكات روحية محددة ذات صلة بالتحكم بالطاقة الحيوية أو النشاط الجسدي الذي ينبغي إعادة تأهيله وتحويله إلى قنوات خاصة تسحبه طبيعياً وتلقائياً من انهماكه المتواصل في الجسد وأموره وترتفع به إلى مستويات من الوعي في انتظار من يرتادها ويعرف أسرارها.

وبما أن الوعي ملازم دائماً وأبداً للطاقة أو النشاط فإن سحب الطاقة الحيوية من الجسم يعني بالضرورة سحب الوعي أيضا والإرتقاء به إلى مناطق الوعي السامي التي اكتشفها علماء الروح وأجمعوا على حقيقة وجودها. وهذه المناطق لا يمكن بلوغها بمجرد التفكير بها أو الإصغاء للأحاديث عنها، بل يلزمها تدريبات محددة ومعروفة النتائج لكل من يمارسها ممارسة صحيحة على أساس منتظم.

تحدثنا عن القلب ولنتحدث قليلاً عن تشريحه اللامادي الذي يختلف كثيراً عن تشريح ذلك العضو العضلي الشبيه بالمضخة والذي يلعب دوراً حيوياً في الدورة الدموية وإبقاء الجسم نابضاً بالحياة.

ولا عجب أن كلمة (القلب) تتصدر معظم الأشعار والأغاني الوجدانية العربية وربما العالمية، وقد لا يكون خطر على بال الكثيرين أن ذلك الإحساس المميز قد لا يكون مصدره تلك الكتلة العضلية المعروفة بالقلب. بل قد يكون ناجماً عن أداة روحية غير منظورة تستخدم القلب للإعراب عن ذاتها تماما كما يستخدم الإنسان اللسان للتواصل مع الآخرين عن طريق النطق أثناء المحادثة اللفظية.

ومع أن اللسان يلعب دوراً حيوياً في التواصل بين الناس إنما لا يتم التركيز عليه والتحدث عنه بنفس الإهتمام الذي يحظى به القلب. فنسمع أن كلام فلان رقيق أو جارح أو طيب أو بذيء أو غير ذلك ونادراً ما نسمع صفة الكلام مقترنة باللسان، ربما باستثناء عبارة خليجية هنا، مثل (صح لسانك) وعبارة أخرى أقل إطراءً، مثل (لسانه زفر).. وما عدا ذلك فالتركيز الأكبر هو على الظاهرة الكلامية التي يُحدثها اللسان.

ولعل هذا أيضاً ينطبق على الأحاسيس التي تعتمل في ذات الإنسان ويعزوها إلى القلب. فلا أظن أن القلب قادر على فرز الأحاسيس أو ضخها كما يفعل بالدم. والمنطق يوحي بأنه إما أداة لرصد تلك الأحاسيس على اختلافها أو أن هناك مركزاً أثيرياً للشعور يحتل نفس المنطقة التي تحتلها مضخة الدم في الجسم.

وبعد هذا التشريح المعنوي لذلك العضو الحيوي الذي احتل ويحتل مكاناً أبدياً نابضاً في الأدب العالمي، نقول أننا سنواصل التحدث عنه والإشارة إليه بالكيفية التقليدية المعهودة.

وقبل الإستطراد بهذا الحديث القلبي فلنستمتع قليلاً باستذكار بعض الأغاني والأشعار التي تحتفي بأبي الدقات والخفقات والنبضات.. القلب!

فهذا فريد الأطرش يطلب من قلبه أخذ قسط من الراحة ويهيب به قائلاً (يا قلبي كفاية دق..)

وهذه كوكب الشرق تبشّر قلبها بالنعيم إذ تقول (إفرح يا قلبي لك نصيب.. تبلغ مناك ويا الحبيب..)

وهذا عبد الوهاب يؤكد قائلا (قلبي بيقول لي كلام..)

أما عبد الحليم حافظ فيأمر قلبه بأن ينطلق أمامه قائلا له (اسبقني يا قلبي)

وفهد بلان يصدح بصوته العذب (من قليبي وعينيّ بلغوها التحية)

وصباح كذلك تريد أن تذهب إلى القاضي وتكتب قلبها بإسم حبيبها، هذا إن رضي حبيبها بذلك.

وغيرهم الكثير من المطربين والمطربات الذين احتل القلب نصيباً وافراً من غنائهم الوجداني.

أما زهير بن أبي سلمى فيقول (لسانُ الفتى نصفٌ ونصفٌ فؤادهُ)

في حين يطلق أحمد شوقي تصريحه القاطع (وإذا القلوبُ استرسلت في غيها.. كانت بليتها على الأجسامِ)

وكذلك طاغور احتفى بالقلب عندما قال (الكلام اللين يأسر القلب)

كما يؤكد لنا المقري (إن القلوبَ إذا تنافر ودّها.. مثلُ الزجاج كسورهُ لا تـُجبرُ)

و يقال أن أحد النابهين أحس برغبة جامحة لقول الشعر إبان طفولته فاستنجد بقريحته الفتية التي أسعفته على الفور بهذه الفلذات بالذات: ( يا قلب لما ضبيتْ طب الحبُ قبالك لما دريت..) والمعنى طبعاً بقلب الشاعر!

وبعد هذه الدردشة القلبية فلنعد بمعيتكم إلى قلب المحطة أو محطة القلب..

فقد اعتبره البعض مذبحاً أو بالأحرى هيكلا للروح الإلهي. وهو مترجم الأحاسيس الرقيقة الراقية وملهم المثل النبيلة السامية.

فالله يسكب حبه وسلامه وفرحه في القلب الذي إذا ما امتلأ بالفيض الإلهي تنسكب محتوياته المقدسة على أنسجة وخلايا الجسم فينتعش صاحبه ويحس بقوة روحية تتخلل كيانه وبأفكار جديدة تتوارد عليه وبيقظة في الوعي قلما اختبرها من قبل. وعندما يتوجه القلب إلى الله يتبعه العقل ومعه الأحاسيس أيضا.

وقد شـُبّه القلب الصافي بالذهب النقي. وفي هذا الصدد يقول أحدهم أن القلب الطيب ذهب خالص، وأن القلب المحب هو منتهى الحكمة. في حين يؤكد البعض أن من يعرفون عقولهم لا يعرفون بالضرورة قلوبهم.. ربما لأنها أعمق وأرحب وأكثر اتصالاً بأسرار الحياة من العقل.

وها هو عملاق الشعر بايرون يؤكد أن إحساس القلب هو أصدق الغرائز على الإطلاق.

بينما يتعمق ديلوزي في تحليل ودراسة القلب إذ يقول أن غضون القلب وتجاعيده أعمق من تجاعيد الجبين وغضونه وأن لهيبة أحرّ من جمر الغضى ولفحات السعير.

كما أن بعضهم يذهب إلى القول بما معناه:

أن تنقيبَ النجيلِ من حقولٍ وكرومْ

أسهلُ من غسلِ ما في القلبِ من غث السمومْ!

وفي الآية الكريمة: (وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ)

فسلامة القلوب من الهموم والسموم

وتباركت المشاعر

النابعة من القلوب الطيبة

لأنها تصافح روح الإنسانية

في النفوس المتناغمة مع نبض الحياة


 

خصام بين عاشقين

للشاعرة ألا ويلر ويلكوكس

 

A Lovers' Quarrel

By: Ella Wheeler Wilcox

البحر وأنا كنا عاشقين

أقسمنا تحت سماء الصيف لبعضنا الولاء

وتعاهدنا على الوفاء.

وبالرغم من الأجواء العاصفة المكفهرة التي مرّت علينا

حافظنا على زخم حبنا

وبقينا نحلم ونمرح ونبتهج معاً.

بين الحين والآخر كان حبيبي يثور

فيعلو موج غضبه عارما

لكنني كنت أؤكد لنفسي قائلة:

"لا يهم ذلك، فقلبه طيّب ودافئ."

لقد أحببت طرقه وعوّدت نفسي على مزاجه ومزاحه

فعشنا معاً أياماً ذهبية، سقياً لها!

لا أعرف ما الذي حدث بالضبط

لكننا، في يوم من أيام الخريف، افترقنا.

إنما ما أعرفه جيداً، أن الذنب كان ذنب البحر

ولم يكن انقلابه عليّ بسبب إساءة ارتكبتها في حقه.

انتظرتُ طويلاً، مثلما تنتظر أية امرأة

لتعرف ما سيقوله حبيبها أو ما سيفعله.

لكنه قابلَ ابتساماتي بتجهم وعبوس

فلم يكن أمامي من خيار سوى التوجّه إلى حيّ العشاق.

ويا له من حيّ على قدرٍ كبير من الجرأة والبشاشة والحبور!

إذ لم تكن برودة البحر لتقارن بنظراته المشرقة.

البحر كان كالحاً قطوباً، في حين كان الحيّ زاهياً مزهواً

مما جعلني أنسى الحبيب الأول ليوم واحد من أيام الشتاء.

أجل، ليومٍ من أيام الشتاء، ولليل من لياليه

بدّد الحيّ أحزاني ولاشى تنهداتي.

مع ذلك، وبالرغم من مرحه وطربه

كنت أعلم علم اليقين أنه مخادع يعوزه الصدق

مُراءٍ ينقصه الإخلاص.

وما أن بدأت البراعم تتفتح على غصون الشجر

حتى استيقظ في قلبي الحب القديم للبحر.

عندها نسيت كبريائي وأدركت بما لا يتطرق إليه الشك

أن روح البحر وفيّة صادقة بوفاء روحي وصدقها.

سمعته يناديني فتوجهت للتوّ إليه

لأجده، مثلما عهدته دوماً، في انتظاري.

ما أن رآني مقبلة حتى أطلق ترنيمة عذبة

وهرع لملاقاتي وغمْرِ قدميّ بمياهه.

من جديد، وتحت سماء الصيف الصافية

أقسمنا لبعضنا الولاء

وتعاهدنا على الوفاء.

 


جلالة الشاعر

للشاعر وليم واتسون

 

هناك يجلس...

فوق ضوضاء الدنيا

وغبار الزمن

في حين تتراقص

أسرار العالم

على شفتيه

وترتعش.

لا يسعى إلى متحدث

كي يصغي إليه

ولا يطلب مؤانسةً من جليس.

هناك مكانه..

فوق الشوامخ القارسة..

تحت النجوم القصية المتوامضة

حيث يعز الإرتقاء

والبقاء.

في صدره بشائرٌ

لم تـُعلن بعد

تصدّه عن الركون لراحة.

نظرته البعيــــــــــــــــــــدة الساهمة

تستشف اللامنظور

فتـُظهر حشوداً

لا تستوعبها ذاكرة

وفي نشيد واحد من أناشيده

يجمع شتات الأجيال.

ما أروع الأحجية التي تتردد

مع أنفاسه ذات الإيقاع المنتظم!

وما أعظم جبروته

وسحره

اللذين لا ندرك كنههما

لكننا نحس بكل ما ينطقه

ونتذوق في أشعاره..

ليس طعم الموت

بل نكهة الخلود.

RE 4-22

 


وقفة مع فيلسوف أمريكا التوحيدي الأشهر

أمرسون

ولد الفيلسوف الأمريكي رالف والدو أمرسون سنة 1803 في مدينة بوسطن بولاية ماساتشوستس الأمريكية وكان يكتب مقالات مستفيضة وينظم شعراً رائعاً رائقاً تشوبه مشحة من غموض وتميزه لمسة من تصوف. وما زالت كتاباته منبع إلهام ثر للطامحين إلى المثل العليا النبيلة والسلوك القويم السليم.

كانت فلسفته تتمحور حول الاعتماد على الذات والحرية الفردية سواء في الحياة الفكرية أو الدينية. وهذه المثل التي وضعها أمام الشباب في بلاده وجدت تجسيدا كاملا في شخصية أمرسون نفسه. وفي الأبيات الأخيرة من مقالته الملهمة (الإعتماد على الذات) نجد خلاصة مذهبه وأفكاره حيث يقول مخاطباً الشباب:

"استخدموا إرادتكم

واعملوا بجد وعزيمة

للحصول على ما تسعون إليه،

وبذلك تضعون العراقيل

أمام عجلة الفشل

فتأمَنون من دورانها حولكم

والتفافها عليكم.

ما من شيء يمكن أن يجلب لكم السلام

سوى أنفسكم.

وما من شيء يمكن أن يمنحكم الطمأنينة وراحة النفس

غير انتصار مبادئكم."

دخل أمرسون جامعة هارفارد عندما كان في الرابعة عشرة من عمره وتخرج منها بعد أربع سنين. وبعد مغادرته الجامعة علـّم في المدارس ودرّس اللاهوت. وفي العام 1829 تمت رسامته كأستاذ دين في المذهب التوحيدي (يونيتيريان). لقد كان ذا ميول روحية قوية وعميقة لكنه لم يكن ملتزما بالطقوس الكنسية التقليدية. وفي عام 1832 ترك نشاطه الديني ورسم لذاته نهجاً جديداً ككاتب ومحاضر.

في العام 1833 قام بأولى زياراته إلى أوروبا حيث التقى هناك بالفلاسفة والشعراء الأوروبيين من أمثال لاندور وكولريدج ووردزورث وكارليل الذي عقد معه صداقة وثيقة دامت مدى الحياة.

في عام 1835 تزوج وانتقل إلى كونكورد حيث عاش بقية حياته قريباً من جيرانه الذين أصبحوا فيما بعد من مشاهير النهضة الأدبية في أمريكا مثل أسرة ألكوت وهاثورن وتلميذه الفيلسوف الكبير ثورو. وفي نفس السنة شرع بإلقاء سلسلة محاضرات أدبية وفسلفية في بوسطن استمرت حتى عام 1837، وهي نفس السنة التي ألقى فيها خطبته الشهيرة (العلاّمة الأمريكي) التي وصفها أكبر أدباء أمريكا آنذاك أوليفر وندل هولمس بأنها إعلان استقلال العقل الأمريكي. وفي العام 1836 نشر كتابه الأول بعنوان (الطبيعة) وهذا الكتاب يلخّص أكثر من أي كتاب آخر من كتبه نظراته وقناعاته بحرية الشخص الفردية التي اعتبرها قدس الأقداس.

أما سلسلة محاضراته فقد اشتملت على محاضرات رائعة مثل (الإعتماد على الذات) و (التعويض) و الذات العليا. وفي عام 1844 نشر سلسلة ثانية من المحاضرات. وفي هذه الفترة ارتبط مع مجموعة من الأدباء في نيو إنغلاند عرفوا بأصحاب مذهب التسامي. ولفترة وجيزة تولى تحرير صحيفتهم (ذا دايل The Dial).

في العام 1847 نشر أول ديوان شعر له وقد زار أوروبا ثانية حيث ألقى سلسلة من المحاضرات وألف كتابه الرائع (خاصيات الشعب الإنكليزي). ومن كتاباته النثرية الأخرى (سلوك الحياة) و(مجتمع العزلة). وظل يكتب ويحاضر حتى العام 1870 حيث أخذت صحته بالتدهور، وقد أمضى آخر سنيه بهدوء وسكينة في كونكورد، ودفن في مقبرة (سليبي هولو) الجميلة بالقرب من ضريح ناثانيال هاثورن.

لقد كانت كتابات أمرسون أصيلة ومميزة بفضل سمو الأفكار والتطلعات البعيدة التي حوتها تلك الكتابات. وما زالت آراؤه بعيدة التأثير على كل محبي التفكير العميق والجاد. أما أشعاره فهي شبيهة بمقالاته من حيث العمق والرصانة والنظرة التأملية. ومع أنها لم تنل الشهرة التي نالتها أشعار لونغفلو أو ويتمَن، لكنها تحتوي على مقطوعات تعتبر من قمم الأدب الأمريكي.

لقد احتفظ أمرسون بمثله العليا وشجاعته وحريته حتى آخر أيام حياته، فعاش طبقاً للمبادئ التي نادى بها ومات على تلك المبادئ السامية فاستحق التكريم والتخليد كأحد أعظم الفلاسفة والأدباء الأمريكيين على الإطلاق.

المصدر: موسوعات

 


أمنية الصباح

A Morning Wish by W. R. Hunt

 

أتمنى...

حفنة من أصدقاء، يفهمونني

ويظلوا مع ذلك أصدقائي.

عملاً نافعاً أؤديه

يفتقر العالم إليه.

دخلاً متواضعاً من ذلك العمل

لا يرهق كاهل من يدفعه لي.

عقلاً لا يتهيّب السفر والترحال

حتى وإن كان الطريق غير ممهد.

قلباً متفهماً.

بصراً يعاين التلال الأبدية

والبحر المتموّج

وأشياء جميلة صنعتها يد الإنسان.

روحاً مرحة

وقدرة على الضحك.

استراحة قصيرة

لا أقوم خلالها بأي عمل.

لحظاتٍ من السكينة

والتأمل الصامت

وإحساساً بحضور الله.

صبراً لأنتظر تحقيق هذه الأماني

وحكمة لأتعرف عليها

عندما تأتي إليّ

RE-12/22

------

 

بينما كان أحد الشيوخ مستلقياً على الحشائش الخضراء أمام بيته المطل على النهر، وكانت شمس حياته قد آذنت بالغروب، سأله أحد الشباب:

"يا شيخ، لو أعيدتْ عقارب الساعة إلى الوراء وأ ُعطيتَ فسحة جديدة ومديدة من العمر فماذا كنت ستفعل؟"

أجاب الشيخ بشفتيه المرتعشتين:

"يا بني، لو حدث ذلك لكنت أود أن أصرف نصف عمري مع أصدقائي القدامى والنصف الآخر في بناء صداقات جديدة."

تلك هي عذوبة الصداقة التي تمد جذورها في تربة النفس وتبعث العزاء في القلب والروح حتى الرمق الأخير.

 

البحّــــــــار

سفرته طويلة

وسفينته تمخر عباب اليم

ولن يتوقف إبحاره.

سيجتاز محطات كثيرة

قبل إتمام رحلته

فصواريّه منشورة

ومشرّعة للنسيم

ستدفعه الريح

وسيتقاذفه التيار

لكنه بحبل الله معتصم

وباسمه

مجريها ومرساها

ومن يقينه متخذ

بوصلة تهديه

وتحدد له المسار.

حرارة الشمس المتلظية

تنصبّ على رأسه صبّا

والأمواج الباردة تكتنفه

وظلمة الليل تغلفه

والعواصف تتقاذفه

لكنه أبداً يستجمع قواه

ويواصل التجديف

حتى يبلغ بر الأمان

وينعم براحة طال انتظاره لها.

مهما اكفهرت الأجواء

وزمجرت الأنواء

ولجّت اللجج وتمادت

ورفعه وخفضه

الموج الصاخب

وعبث بالقارب

لن يوقف رحلته

ولن تبرد همته.

لن يكف عن الإبحار

ولن يغيّر المسار

قبل أن يتذوق نشوة الظفر

ببلوغ المياه الصافية

ومعاينة الجبال.

سفينته هي إرادته

التي تخوض غمار بحر الحياة

وتقارع قواه

فمن لا يقارع

في معترك الأحداث

ولا يصمد للتحديات

يقهره الموج العملاق

وتبتلعه الأعماق.


 

حجرات القمر

 

مثلما يصعدُ شبحٌ شاحب، حاملاً سراجاً

سلـّمَ بيتٍ مهجور، تسكنه الأرواح

هكذا يتنقل القمر بين حجرات الهواء الكئيبة

التي يغلفها الغموض وتكتنفها الأسرار.

فإذ يتوارى خلف الغيوم، ثم يبزغ ثانية

يبدو ممتقعاً باهتاً، مثقلاً بالآلام.

تارة تحجبه جدران متداعية

وتارة أخرى يعاود، عبر النوافذ، الظهور

إلى أن يبزغ أخيراً، رصيناً، مزهواً بضيائه

يتبختر في حدائق الغمام

بأبهة وعظمة تليق بأحد أباطرة الليل.

إذ ذاك، أنظر فلا أرى الأشياء كما عهدتها

وحسبما ألِفها بصري

فالممشى المؤدي إلى بابي يبدو درباً يغلفه السحر.

الأشياء تبدلت

وأعاين كتلة من الظل.

ها قد ألقت أشجار الحور ستائرها

وحيثما سرتُ وتمشيت،

سواء في قصر فاخر

أم متنزه فسيح

أو بين صفوف الأعمدة

أحس وكأنني أتمشى في مدينة غريبة.

وحتى الأرض تبدو مشحونة بإحساس فائق عجيب.

أما الرخام الذي رُصف به الشارع

فأراه ملتمعاً في الساحة المقفرة من الناس.

ترى هل ما أبصره محض أوهام؟

صحيح أن تحت كل هذا

تكمن الحياة العادية بكل تفاصيلها

لكن روح الوجود يضفي على الموجودات

لمسة سحرية

ويمنح للمشهد الكئيب لوناً ورونقاً.

ألا مهما نظرنا حولنا

ومهما شخصنا بأبصارنا إلى العلاء

فلن نتمكن من الرؤية

ما لم نكن قادرين على الإبصار

وما نراه حولنا

هو انعكاس لما نحويه في داخلنا.

Henry W. Longfellow


 

سقراطيات

من أقوال سقراط

في تعليق للأستاذ عبد الهادي الحمداني على موضوعي (سقراط الفيلسوف الشهيد) في الجمعية الدولية للمترجمين واللغويين العرب وردت العبارة التالية: هل يمكن أن نستفيد من أفكاره أو فلسفته؟

وبناء على طلبه قمت بترجمة هذه الأقوال لسقراط:

كل ما أعرفه هو أنني لا أعرف شيئاً.

الحكمة تـُظهر لنا ضحالة ما نعرفه.

التربية هي إيقاد شعلة لا مَلء وعاء.

لو تسنى لي تسلق أعلى مكان في أثينا لجهرت بصوتي قائلاً: "يا بني وطني، لماذا تقلبون وتكشطون كل صخرة لجمع ثروة ستتركونها في نهاية المطاف لأبنائكم الذين قلما تمنحوهم من وقتكم ما يحتاجونه من رعاية واهتمام؟"

الكلمات الكاذبة ليست شريرة وحسب، بل تسمم النفس أيضاً وتملؤها شراً.

من يرغب بتحريك العالم فليحرّك نفسه أولاً.

ما نكرره على الدوام يحدد ماهيتنا. وبناء عليه فالسمو هو عادة من العادات.

الحكمة تبدأ بالاندهاش.

لا تجزعوا للموت، بل ابتهجوا واعلموا أن الرجل الطيب لا يُخشى عليه من الشر، سواء في هذه الحياة الدنيا أو في العالم الآخر.

التافهون يعيشون ليأكلوا ويشربوا، والنبلاء يأكلون ويشربون حتى يعيشوا.

نصيحتي لك أن تتزوج. فإن وجدت زوجة صالحة عشتَ سعيداً، وإلا أصبحتَ فيلسوفاً.

المنظومة الخلقية المؤسسة على القيم العاطفية النسبية هي مجرد أوهام كاذبة وآراء لا تقوم على أساس سليم.

نفوس جميع البشر خالدة، أما نفوس الصالحين فهي خالدة ومقدسة معاً.

الرجل الصادق الأمين هو طفلٌ دائماً وأبداً (بقلبه الطيب ونواياه الصافية).

أما بخصوص الزواج أو العزوبية، فليختر الرجل ما يريد، وبكل تأكيد سيندم على ما اختاره.

كن كما ترغب أن تكون أمام الآخرين.

تأنَ في اختيار الأصدقاء، ولكن متى صادقتهم حافظ على صداقتهم، امنحهم ودّك وكن مخلصاً لهم.

الجمال هو طـُعمٌ لذيذ الطعم، يُغري الرجل لتكثير نوعه.

احذروا الإنهماك الزائد بالعمل لأنه يجعل الحياة مملة وعقيمة.

قد يكون الموت أعظم نعمة للإنسان.

اصرف وقتك في تحسين ذاتك مستعيناً بكتابات الآخرين، وبذلك تستفيد بسرعة من جهود غير مضنية.

الحقد الدفين الفتاك غالباً ما يبزغ من أعماق الشهوات الطاحنة.

أغنى الناس من يقنع بالقليل، لأن القناعة هي ثروة الطبيعة.

أنا أحكم الحكماء في العالم لأنني أعرف أنني لا أعرف شيئاً.

كل ما أعرفه هو أنني جاهل.

إن افتخر أحدهم بثروته يجب أن لا يحصل على المديح والثناء من الآخرين حتى يعرفوا كيف يتصرف يتلك الثروة.

لو تم تجميع كل مصائب البشر في كومة واحدة وطلب من كل واحد أن يأخذ حصة متساوية من تلك المصائب، لقنع معظم الناس بأخذ مصيبتهم من تلك الكومة (لا مصيبة غيرهم).

ليس المهم أن يحيا الإنسان، بل أن يحيا بصدق واستقامة.

صلواتنا يجب أن تكون التماساً للبركات، لأن الله يعرف ما هو الأفضل لنا.

الشعراء هم مفسرو المقاصد الإلهية.

الحياة غير الممحصة (غير المؤسسة على تجربة فعلية) هي حياة غير جديرة بأن يعيشها الإنسان.

والسلام عليكم

المصدر: إنترنت

------------


العيون: مرايا الفكر ومنظار القلب

عينا الإنسان هما أصدق دليل لما يدور في عقله من أفكار وما يختلج في نفسه من أحاسيس ونوايا. وهذا الدليل الصادق المتاح لمن يريد تصفحه وتفحصه يلزمه بعض المؤهلات لقراءته قراءة دقيقة لا تحتمل الخطأ.

العيون تترجم الحالات النفسية على اختلافها وكأنها مرايا صافية وثابتة غير مهتزة تظهر خفايا الفكر وخبايا الضمير بكل جلاء. ومن هذا المنطلق، ونظراً لوجود (قصاصي أثر) دقيقين لمعرفة الأفكار والنوايا عن طريق فحص وتحليل العيون، فلا غنى ولا بديل عن الصراحة والصدق والتعامل ببساطة مع أنفسنا ومع الناس.

هناك أشخاص قد يستطيعون التحكم بوظائف الجسم الفسيولوجية وقد تكون لهم القدرة على خداع أجهزة كشف الكذب، لكنهم عاجزون عن التحكم بعيونهم أو تزييف التقرير الباطني الدقيق المرسوم بشكل واضح لا يقبل التأويل في العينيين. ولهذا السبب يقوم العديد باستعمال النظارات السوداء حتى لا ينظر الناس إلى عيونهم ويعرفوا حقيقة نواياهم.

يقال أن من يتعامل بالصدق دوما وينطق بالصدق هو أكثر قدرة على تمييز الأقوال بل حتى وقراءة الأفكار من خلال العيون وتعبيرات الوجه.

إن أفكار الإنسان وعواطفه ورغباته وطموحاته ونواياه كلها مرسومة في عينيه ولا يصعب على المتمرسين بفن قراءة العيون والأفكار ترجمتها ترجمة دقيقة.

أما موسوعة الأفكار فيعرّف كتـّابها العين على هذا النحو:

يقول أديسون: العين هي ذلك العضو من الجسم الذي هو مستقر الشهوات والمشتهيات والعواطف والميول على اختلافها، بل والفكر نفسه.. وهي بمثابة البوابة التي تسمح لكل هذه بالخروج والدخول بحرية. فالحب والغضب والكبرياء والبخل كلها تتحرك بكيفية مرئية داخل هذين القرصين الصغيرين.

ويقول أمرسون: من أروع الأشياء العجيبة في الطبيعة هي نظرة العين التي تفوق الكلام بلاغة لأنها الرمز المرئي لهوية الإنسان.

أما فرانكلين فله مفهوم خاص عن العيون، إذ يقول: إن ما يدمرنا هو عيون الناس، فلو كان كل الناس عميان ما عداي، لما رغبت في امتلاك بيت فخم أو أثاث فاخر. [أي لانعدمت الحاجة للمباهاة والمفاخرة أمام الناس.]

ويقول جونسون: إن بصابيص العيون مصممة بكيفية فريدة بحيث أن عين الشخص هي نظارات لشخص آخر ينظر من خلالها إلى قلب ذلك الشخص.

ويقول ملين: آه لتلك العين الفضولية التي تجرد القلب من كل أسراره.

ويقول كولتون: لقد خـُلق الإنسان بعينين اثنتين وبلسان واحد كي يرى أكثر بمرتين مما يتكلم.

ويقول بروبيرتيوس: العيون هي بمثابة الرواد الذين هم أول من يعلن حكايا الحب.

و يقول تكرمان: العين تفوق الكلام فصاحة وصدقاً، وهي النافذة التي تنطلق منها الأفكار دون تحفظ. بل هي المرآة السحرية الصغيرة التي تتراقص على سطحها البللوري المشاعر والأمزجة، تراقص الأشعة والظلال على صفحة ماء الجدول.

كما يقول ت. آدم: العين هي نبض الروح. فكما أن الأطباء يعرفون حالة القلب بجس النبض، هكذا نعرف ما في القلب بقراءة العيون.

ولم تفت شاعرنا أحمد شوقي هذه الحقيقة إذ قال:

وتعطلتْ لغة الكلام وخاطبتْ عينيَّ في لغة الهوى عيناكِ!


--------------

 

عندما يدرك المرء أن الحياة سلسلة متصلة الحلقات

ما ظهر منها وما احتجب

وأنه صفحة من سِفرها السحري الذي يحوي متنه اللامتناهي

كل ما تشتاقه العين ويهفو له القلب

وأن كل حياة هي فصل من الحكاية الكونية

التي تزخر بكل جديد

وأنها سيمفونية أروع ما تكون ألحانها عندما تُعزف

على أوتار القلب والفكر والروح معاً

وأن دروب الحياة سالكة أبداً للراغبين في السير عليها

مهما بدت ضيقة، وعرة، وعسيرة المرتقى...

عندها تبدأ رحلة العمر

نحو غاية جميلة وجليلة

من يصلح نفسه يساهم كثيراً في إصلاح الآخرين

والسبب في عدم انصلاح العالم

هو أن كل واحد ينتظر الآخرين كي يبدأوا بالإصلاح

ولا يفكر بأن يكون هو نفسه المبادر.

 T.Adams

 

أروع ما في الوجود هو الحقيقة المجردة.

كل واحد يتمنى أن يكون الحق بجانبه

لكن ما أقل الذين يريدون أن يكونوا بجانب الحق!

إن أعظم تكريم يمكننا أن نقدمه للحقيقة

هو أن نعمل ونلتزم بها.

 

لماذا نحب الموسيقى؟

نحبها لما تبتعثه فينا من آمال دفينة

وتوقظ بنا من ذكريات حميمة

وتحرك في أعماقنا من مشاعر رقيقة

بلمسة وتر.

 

May, 2012