درر روحية

للمعلم برمهنسا يوغانندا

ترجمة محمود عباس مسعود


يجب إيقاظ النفس

من سبات الضعف وقيود الإحباط

وابتعاثها في فضاء الحكمة والنور والسلام


هناك عدة طرق للقيام بذلك

منها ضبط النفس

والتغذية الصحيحة

والجرأة والثبات على المبادئ

والحالة النفسية المستقرة

والبسالة في مواجهة التحديات

وإراحة الوعي من المشتتات الحسية

والتركيز الفكري على الإيجابيات

ورفض الهزيمة في معترك الحياة

لأن الإعتراف بالهزيمة يوهن العزيمة

وتفعيل القوى الروحية اللامحدودة

التي وهبها الخالق للإنسان

والتأمل على الله حتى ملامسة حضوره


إن أكثر المؤشرات دقة على وجود الله

هو الفرح المتعاظم أثناء التأمل عليه


عندما يتحرر العقل

من التحامل والتحيز والإجحاف

وعندما يتلاشى ضيق الأفق

وعندما نتعاطف مع الآخرين

ونشعر أن بيوت العبادة على اختلافها

هي بيوت الله

وعندما ندرك أن الحياة هي كفاح وأداء واجبات

وفي نفس الوقت حلم عابر

وعندما نفكر بالله بمحبة

ونعمل على إسعاد الآخرين

بالكلمة الطيبة والخدمة الإيثارية

عندئذ سندرك أن الله معنا

وأننا على تواصل وثيق معه

الروتين الكوني: بين القوة والذكاء


بعض الناس لا يدركون

أن هناك فرقاً بين القوة والذكاء.

الكهرباء قوة

ولكن ما لم يتم وضعها في مصباح

فلن تعطي الضوء الذي يمكننا استخدامه

والذكاء هو الذي يضع الكهرباء في المصباح


لا يمكن لكل قوى الطبيعة

أن تعمل من تلقاء ذاتها على نحوٍ مُرضٍ

دون ذكاء يوجهها وينسق ما بينها

وهكذا نرى أن مصنع الذكاء الكوني

يعمل بطريقة منسقة


للبخار قوة لتحريك الأشياء

والنار تحوّل الماء إلى بخار

وهاتان ليستا سوى قوتين فقط

من قوى الطبيعة

لكنهما في حالتهما الطبيعية غير المُسخرة

لا تنتجان شيئاً ذا نفع يُذكر


أما عندما يتم استخدامهما بذكاء

وتوجيههما توجيهاً صحيحاً

فإنهما تقدمان خدمة كبيرة للإنسانية


ومن هنا نستدل

أن الأرض والكون بأسره

يخضعان لروتين دقيق

مما يجعل الحياة البشرية ممكنة


وهذا الروتين الكوني

أو "إيقاع الأفلاك"

هو نتاج عقل إلهي فائق

لا وجود للكون بدونه

ولا قدرة للعقل البشري المحدود

على الإحاطة بأسراره وخفاياه.


Invocation


أيها النور الإلهي

المتخلل ذرات المادّة!

إنك محتجبٌ غير منظور

لا تدركك الحواس

سواء في أشعة الشمس

الذهبية الدافئة

أو في حبال القمر الفضية الباردة

المصابيح السماوية تظهر الطبيعة

لكنها لا تظهرك

عالم المادة المنظور

بفعل الأنوار الكثيفة

هو مجرد ظلام لعينيّ

درّب بصيرتي كي تبصر بهاءك المتواري

متجليا في كل الخليقة


في الإقليم المخي


الدماغ البشري بما فيه

من تضاريس وتلافيف

تحوي قنوات شريانية

وأنهار داكنة من عروق دموية

هو صورة مصغرة عن بلد كبير


ترى هل هذه المنطقة الباذخة

خلو من ساكن إلهي؟


أتوجد قصيدة دون شاعر؟

أو ساعة من غير صانع؟

أو وردة من دون مصمم؟

لا.. قطعاً لا


وبالمثل فإن الإقليم المخي

ذا الجمال الخفي

قد تم تكوينه بوسائل

عجيبة وذكاء خارق


تـُرى من يقطن هذا البهو الرائع

بجدرانه المصنوعة من

الأنسجة العظمية المتلاصقة

ومكوناته المذهلة

التي تعصى على التقليد؟


إذ تحت الجمجمة تكمن منطقة

تعج بمليارات الخلايا

النابضة بالحياة والذكاء

والمنهمكة على مدار الساعة

بنشاطات بالغة الجهد والتعقيد


ذرات دماغية دقيقة

تعمل دون توقف

بوظائف متباينة


تحضير مآدب

وفحوص مجهرية

واستقبال ضيوف وافدة

عن طريق أبواب الحس


هناك ما يشبه البيع والشراء..

عمليات متواصلة

من امتصاص وتصريف

وكالقوارب الصغيرة

تتنقل كريات الدم

وسط أقنية الشرايين

محملة بشحنات حيوية

متعددة الضروب والأصناف

بإيحاء من المبدع ذي الألطاف


الكبرياء يسبب العمى الروحي

لأنه يطرد من النفس

رؤيا الإتساع الرحب

الذي يسكن النفوس الكبيرة


العظماء يدركون

أن قواهم مقترضة

من الله القوي

الذي يحب المتواضعين

ويزيدهم علماً وهداية وقوة


سواء كان الشخص

رجلَ أعمال ناجحاً

أو سياسياً حاذقاً

أو دكتاتوراً مستبداً

أو مصلحاً كبيراً

فإن قوته هي لا شيء

مقارنة بقوة الله اللامتناهية


التواضع هو الباب المفتوح

الذي منه يدخل فيض الرحمة

والمحبة والطمأنينة

إلى النفوس الطيبة

المُحبة للخير

والمتقبلة لأنوار

وبركات السماء


مثلما يستحيل بقاء الظلمة

حيثما يسطع النور

هكذا يجب أن تتلاشى ظلمة المرض

عندما يشع نور الله في خلايا الجسم

وقلائل هم الذين يدركون هذه الحقيقة


عندما يشعر الناس برغبة قوية في الشفاء

يبتهلون بقلوب متقلقلة

أو بشعور من اليأس

محتسبين أن الله لن يصغي لصلواتهم.

أو أنهم يدْعون لكن لا ينتظرون

ليعرفوا ما إذا كان دعاؤهم قد وصل إلى الله


مثلما لا يمكن الإستماع

إلى الموسيقى المبثوثة في الأثير

باستخدام جهاز استقبال معطل

هكذا لا يمكن التقاط اهتزازات

الصحة والقوة والحكمة المنبثقة عن الله

بجهاز نفسي معطل بالمخاوف والهموم

وكل ضروب القلق والشكوك وعدم اليقين


دعنا نتذكرك ونشكرك يا رب

في الفاقة والرخاء

في المرض والشفاء

في الظلمة والنور

وفي كل الظروف


ولنتذكر بامتنان أيام العافية

التي جدت بها علينا

وساعدنا كي نفتح عيون الإيمان

لنبصر نورك المبارك

الشافي من كل الأمراض والعلل


سيتذوقون من جديد الفرح الداخلي


إن قانون الحركة قائم على قانون السبب والنتيجة أو الفعل ورد الفعل


الإنسان المولود طيباً في هذه الحياة كان كذلك في تجسد سابق{ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ} وإذا ما اجتهد في عمل الخير فإن كفة الخير سترجح أكثر فأكثر لديه - "من له يُعطى ويزاد


أما الذين لا يملكون سوى القليل من المزايا الطيبة فقد يفقدون حتى ذلك القليل {ومن ليس له يؤخذ منه} بفعل الميول الشريرة القوية التي تهاجمهم وتعصف بهم


الإنسان الميّال إلى الشر لا بد وأنه امتلك تلك النزعة الشريرة في حياة سابقة، وقد تزداد لديه الميول الشريرة وتتحكم به. أما الذين لديهم بعض الميول الخاطئة فقد كانوا هكذا من قبل، وإذا ما رجحت كفة الخير لديهم فإن الصفات الطيبة ستطرد من نفوسهم الميول الخاطئة


هذا هو العمل الطبيعي لقانون السبب والنتيجة (الكارما). ومع ذلك ينبغي أن لا يشعر الإنسان بأنه عديم الحيلة ومقيّد إذا ما اتفق أن لديه عادات غير مرغوبة يريد التخلص منها. الآن هي الفرصة المواتية لقهر تلك العادات من خلال تنمية العزيمة الماضية والتفكير الصحيح


بإمكان الإنسان تحرير نفسه من قبضة العادات الخاطئة وخلق عادات صالحة فكراً وفعلاً، تجلب له النتائج المرغوبة


ومهما كانت العادات الشريرة متأصلة في الإنسان، عليه أن يتذكر أنه هو الذي خلق تلك العادات من خلال تكرار أفكار وأفعال محددة، وأن بمقدوره استبدال تلك العادات السيئة بأخرى طيبة من خلال التفكير الإيجابي البنّاء


الأفكار الصالحة والشريرة هي حالات متباينة من وعي الإنسان. طبيعي أنه من الأفضل أن يحلم الشخص أحلاماً سعيدة بدل المعاناة من كوابيس مريعة وفظيعة. الوعي مرن وحسّاس ويمكن أن يتقمص الحالة التي يريدها أو أن يحلم الأحلام التي تروق له


لكن المشكلة مع الناس هي أنهم يسمحون لمملكة وعيهم – بمحض إرادتهم واختيارهم - بأن تحكمها الميول المنحرفة والتوجهات الخاطئة وليدة العادات السابقة، وهكذا تبقى قوى تمييزهم طريدة شريدة، وكذلك الحامية الميتافيزيقية المتمترسة خلف حصون التمييز والإدراك


عندما يتذوق المنتشون بالعادات المغلوطة مرارة الآلام الناجمة عن العيش غير الطبيعي فإنهم سيتوجهون إلى نور الفهم والعيش الصحيح طلباً للنجاة مهما كانت عاداتهم السيئة عاتية ومستحكمة


بعد ذلك، فإن عملوا على تنمية وتغذية العادات الطيبة من خلال ممارسة طرق وأساليب العيش التوافقية سيتذوقون من جديد الفرح الداخلي وسينعمون بالسلام كثمرة طبيعية لضبط النفس وتنمية العادات الجيدة


----------

الصداقة الحقيقية

تعني المبادلة الإيجابية

والمشاركة الوجدانية

وتعني تطييب خواطر الأصدقاء

في أوقات الضيق

والتعاطف معهم

في أحزانهم وملماتهم

وتقديم النصح لهم

في الظروف الحرجة

والمساعدة المادية

في أوقات الحاجة الفعلية.

عندما يكون الشخص صادقاً مع نفسه

وصديقاً مخلصاً للغير

سيصبح مؤهلاً

لتذوق رحيق الصداقة الإلهية

عندما يشعر الآخرون بحبنا

سيتمدد ذلك الحب ليصبح حباً شاملاً

يسري في كل القلوب

المتناغمة مع أنباض الحياة المباركة

إن الفشل في بث المشاعر الودية

يعني تجاهل قانون التمدد الذاتي

الذي بواسطته تتسع مدركات النفس

لتلامس الحضور الإلهي

عندما نرسّخ الثقة

في قلوب الآخرين المتقبلين

ونتمكن من توسيع حدود محبتنا

لتشمل قطاعات أكبر من الناس

سنستطيع عندئذ توسيع نطاق وعينا

وإطلاقه نحو مشارف الوعي الكوني

شيئان يرغب فيهما كل الناس دون استثناء

يختلف البشر ظاهرياً عن بعضهم من حيث تكوينهم النفسي والعاطفي، ومن حيث الأدوار التي يؤدونها في الحياة، وما يقومون به من أعمال ويعتمل في نفوسهم من رغبات. لكن تحت كل هذه الفوارق يوجد شيئان اثنان يرغب فيهما كل الناس – دون استثناء – بل ويشعرون بالحاجة إليهما

هذا الشيئان هما التحرر من كل أشكال المعاناة والعوز، وبلوغ السعادة الدائمة غير المقيدة بشروط؛ أو الرضاء التام الذي يشمل السلام والحب والحكمة والفرح

ولن يرتاح للناس بال قبل تحقيق ذلك الرضاء الذي تشتاقه قلوبهم ويسعون إليه بشتى الوسائل والطرق. وهذه نقطة محورية في فهم الحالة البشرية

ولكن للأسف الناس يبحثون عن الرضاء في غير مظانه فيخفقون في العثور عليه

إنهم يبحثون عنه في الدنيا والأشياء الدنيوية.. في الممتلكات والظروف الخارجية وفي علاقات غير قائمة على فهم سليم وأسس متينة

ونتيجة لذلك فمن المستحيل أن يحصل الإنسان على السعادة النقية من أي ظرف أو من أي شخص في هذا العالم نظراً لطبيعة الخليقة نفسها

فالخليقة قائمة على مبدأ الازدواجية. على سبيل المثال لا يمكنك الحصول على صورة بلون واحد فقط، بل تحتاج إلى التباين أو المغايرة. وبالمثل، مستحيل أن تنعدم الثنائيات من هذا العالم

وبالنظر إلى رغبات الإنسان، كل واحد منا يرغب في الحصول فقط على الأشياء الحسنة – الأشياء الممتعة والجميلة والإيجابية – دون الحاجة إلى التعامل مع النفايات والإزعاجات والأمور الأخرى غير المستحبة.. لكن ذلك مستحيل

ففي هذا العالم ذي الطبيعة الثنائية لا وجود لمتعة دون ألم أو لنور دون ظلام، أو لخير دون شر، أو لحياة دون موت. ولا يمكن الحصول على جانب واحد من قطعة نقود معدنية دون الجانب الآخر. فالذي نتشوق إليه في أعمق أعماقنا لا يمكن العثور عليه في أي شيء يمكن أن يمنحه لنا العالم

الخيار يعود إلى الإنسان. هل سيواصل بحثه عن ضالته في المكان الخطأ ويختبر الإحباط تلو الإحباط؟

الناس يبحثون بكل ما أوتوا من قوة ورغبة، لكنهم لا يعثرون على مطلبهم وذلك يفضي إلى الحبوط والقنوط . بل وأكثر من ذلك يؤدي إلى استياء متزايد وهذا بدوره يتحول إلى غضب عارم وبالتالي إلى أعمال عنف. ولذلك فطريقة البحث المغلوطة لا توصل إلى السعادة المنشودة

المدبر الأعظم يريد لنا سعادة غير منقوصة لا يمكن العثور عليها إلا في أعماق النفس. ولذلك فقد خلق الله هذا الكون بحيث لا شيء فيه يرضي قلب الإنسان ويحقق أشواقه إلا عند توجهه إلى مصدر السعادة والنعيم والرضا والذي هو مصدره أيضاً

حقاً أن مملكة السماء داخل الإنسان.

التوازن في الميزان

التوازن هو مَثلٌ أعلى، يجمع ما بين الإعتبارات

المادية والنفسية والعاطفية والروحية

في وحدة متناغمة، وهو ذو طابع عملي

يستحث التفكير الخلاق ويشجع على العمل المثمر

كل واحد منا يريد أن يمتلك جسماً سليماً

معافىً ومتحرراً من كل العوائق وضروب الوهن

كما نرغب في أن تكون عقولنا يقظة

وأن تعمل عواطفنا ومشاعرنا لصالحنا وليس ضدنا

ونريدها أن تساهم في جعل علاقاتنا مع الذين حولنا

توافقية ومُرضية، مثلما نريد أن نكون أيضاً

على تواصل مع الجانب الروحي لكياننا

الأوقات قد تكون عصيبة

والضغوطات كثيرة

والتوترات متزايدة

ولتحقيق التوازن في مثل هذه الظروف

يتعين الإستثمار في قدر من الطاقة والوقت والإنتباه.

فالتوازن لا يحدث بفعل التمني

بل يجب تحقيقه من خلال التخطيط الفعلي والمجهود الجاد

هناك عناصر عديدة في حياتنا تحتاج إلى توازن

والكثير منها يبدو غير منسجم مع بعضه البعض

على سبيل المثال، المسؤولية تجاه الأسرة

و تحصيل لقمة العيش والمحافظة على الصحة

ومراعاة المبادئ الأدبية والخلقية

والتعامل مع الكم الهائل من المعلومات الضرورية

والواجب تجاه المجتمع

إضافة إلى التزامات عديدة أخرى تتطلب منا الوقت والطاقة

الوقت ضيق بالنسبة لنا جميعاً

لكن يتعين علينا تبسيط حياتنا لتقليل مشكلاتنا.

فكم من الوقت الثمين يُصرف في البحث عن أمور مادية

نعتبرها أفضل لأنها جديدة ولا يمكن الإستغناء عنها

لكن لهذا الهوس ثمناً عبّر عنه بوذا بالقول

"من يرغب بامتلاك الأبقار عليه أن يهتم بشؤونها".

ولو حللنا حياتنا لوجدنا أننا نهتم بالكثير من "الدمى

التي أقنعتنا وسائل الإعلام والإعلانات التجارية

أنها حتمية لراحتنا وسعادتنا

ومن المفارقة أن ما تُدعى مبتكرات لتوفير الوقت

قد سلبت الإنسان العصري

ما كان يتمتع به من وقت حر في الماضي

و لكي نتمكن من موازنة العناصر المتنافرة في حياتنا

نحتاج إلى نقطة ارتكاز ثابتة

لا تتغير بتغير الزمان والمكان والظروف

فكلما ازدادت الحياة تعقيداً كلما احتجنا إلى الإدراك

بأن المرتكز الوحيد الذي يمكن التمسك به والركون إليه

هو الله القدير والكامن خلف الحياة بكل ظواهرها ومظاهرها

فهو قارب النجاة وسط بحر الحياة الهائج المائج

والملاذ الآمن من لطمات الحياة وضرباتها الموجعة

***

الناس يثقون بأنفسهم

أكثر من ثقتهم بالله

مع أنهم يعلمون يقيناً

أنهم في نهاية المطاف

لا يستطيعون التنفس

أو المشي أو الحركة

بدون قوة الله الدافعة والمباشرة

المختزنة في الدماغ والقلب وخلايا الجسم

ولأنهم تعودوا على الإعتماد على الطعام

والهواء وأشعة الشمس

فقد باتوا يعتقدون أن هذه العناصر الخارجية

تعيلهم وتمنحهم الحياة

لكن من الوهم التفكير على هذا النحو

لأن الإنسان يعتمد مباشرة على قوة وحيدة

وتلك القوة هي الله

ولأن الله هو الأعلى والأعظم

والأرفع في الوجود

فقد استولى الخوف منه على الناس

مع أنه روح المحبة والحنان والرحمة والسلام.

لا أريد أن أرسّخ في الأذهان جحيماً وكبريتاً حارقاً

لأن الله هو الحبيب الأقرب إلى القلب والنفس

وهو الجميل الذي لا يمكن مقارنة شيء بحسنه

وإن فكرنا به بهذه الطريقة

سنحس بقربنا منه وقربه منا

وإن سعينا إليه صادقين

سيفتح لنا ذراعيّ الرحمة والحنان

وإن طلبناه بكل جوارحنا

وشعرنا بشوق متعاظم نحوه

سيأتي إلينا

بكل تأكيد

---------

في طرق لا حصر لها

يظهر لنا المنطق

أن الله هو سبب وعلة هذا الوجود

لكن البرهان الفعلي عن وجود الله

لا يمكن التوصل إليه

بالإستدلال العقلي وحسب

إن رغبنا في العثور على الله

- الذي هو الغاية الوحيدة من وجودنا –

فيجب أن نذهب إلى أبعد من

عملية التفكير الاعتيادية

لأن الله أبعد من مقاسات العقل الحسي

ولا يمكن إدراك جوهره

بفكر منهمك دائماً وأبداً

بالرغبات المادية

حيث تتقاذفه أمواج اللذة والألم

وتعبث به العواطف المصطخبة

إن أردنا بلوغ حالة سامية

من الوعي والمدركات العليا

فمن الضروري سحب الفكر

من نشاطه الهائج المحموم

بتركيز الذهن والتأمل على الله

وما أن يهدأ جيشان الأفكار

حتى تحل على النفس سكينة عذبة ومباركة

فيشعر المريد بطمأنينة ويقين

خارج نطاق التجربة العادية

إذ تنفتح بصيرته وتتيقظ ملكاته الروحية

ويدرك إدراكاً مباشراً

عن غير طريق الحواس

الحضور الإلهي المغبوط

غالباً ما لا نبصر الأشياء الأقرب منا

فنمرّ بكنوز ثمينة دون أن نتوقف

ونواصل جرينا وراء الخيال

أو نحاول الإمساك بأقواس قزح

نبحث عن الأمن في الظلام

مع أن نفوسنا في الحقيقة تشتاق النور.

نشرب أحلاماً لا تروي العطش

في حين تتعطش أرواحنا للحقيقة العظمى

نجري خلف سراب لا وجود له أصلاً

في محاولة كي نستريح في ظله

من حر الحياة وقيظها اللاهب

عندما في الحقيقة نهفو شوقاً

لواحة السلام والإنسجام

الكامنة في نفوسنا

إن التنوع غير التوافقي

الذي تعج به الدنيا

والذي يغرينا ويتستدرجنا

كي نحصر اهتمامنا بالماديات

هو مجرد ظل باهت

للنفائس النادرة التي تكمن

في مناجم الباطن

يجب أن نعمل على تهدئة الفكر القلِق

اللاهث أبداً وراء بضاعة الدنيا

وتوجيه مساره نحو الداخل

ويجب أن نناغم أفكارنا ورغباتنا

مع الحقائق الشافية الكافية

الموجودة في أعماق الذات

عندئذ سنبصر الإنسجام

في حياتنا وفي الطبيعة

إن قمنا بمناغمة آمالنا وتوقعاتنا

مع التوافق الفطري في داخلنا

سنبحر بأمان في بحر الحياة

دون خوف من غرق

لأن انسجامنا الذاتي

سيكون بمثابة سترة النجاة

وبأجنحة الثقة بالله

سنحلق عالياً في أجواء السلام.

قد يتساءل البعض

"ما دمنا نمتلك حرية الإختيار

فلماذا تأتي النتائج مخالفة لتوقعاتنا؟"

والجواب هو الآتي

لقد أضعف الإنسان إرادته

وفقد الدراية بالقوى الروحية

الموجودة في وعيه

ولكن إن عمل على تقوية إرادته

بممارسة ضبط النفس

والتأمل على النور الإلهي في داخله

تتحرر إرادته

وعندما تتحرر إرادته

يصبح سيد قدَره.

أما إن وجد أنه يعيش

بكيفية لا يرتضيها ضميره

فلن يتحرر ولن يتمكن من الصعود

على سلـّم الإرتقاء

يجب أن نصرف الوقت

للقيام بتلك الأشياء

التي تساهم في إسعادنا

وتعود علينا بالنفع والخير

لا أحد يستطيع أن يوقف مسيرتنا

ما دامت عزيمتنا ماضية

في المضي قدماً

الإنسان يحصر نفسه

داخل زانزانة ضيقة

من الأفق المحدود

والأفكار الصغيرة

والمزاج المتقلب

والعادات غير الصحية

ولهذا السبب يتعين عليه أن يدرب نفسه

كي يكون أكثر مرونة وانفتاحا وتقبّلاً.

يجب أن نعمل على إبقاء أهوائنا تحت سيطرتنا

وتمرين إرادتنا في الإتجاه الصحيح

بعمل أفضل الأشياء في الحياة

وأن نكثر من التفكير بالله

ونبث روح المحبة والسلام والإخاء

في كل بقعة من هذا العالم