الحلاج يفصح عن أشواقه

لبيكَ لبيكَ يا سري ونجوائي

لبيكَ لبيكَ يا قصدي ومعنائي

أدعوكَ بل أنتَ تدعوني إليكَ فهلْ

ناجيتُ إياكَ أم ناجيتَ إيائي

يا عينَ عين ِ وجودي يا مدى هممي

يا منطقي وعباراتي وإيمائي

يا كلَّ كلي ويا سمعي ويا بصري

يا جملتي وتباعيضي وأجزائي

يا من به كلِفتْ نفسي فقد تلفتْ

وجداً فصرتُ رهيناً تحتَ أهوائي

أبكي على شجني من فرقتي وطني

طوعاً ويسعدني بالنوح أعدائي

أدنو فيبعدني خوفي فيقلقني

شوقٌ تمكـّنَ في مكنون أحشائي

فكيف أصنعُ في حبٍ كلفتُ بهِ

مولايَ قد ملَّ من سُقمي أطبائي

قالوا تداوَ به منه فقلتُ لهم

يا قوم هل يتداوى الداءُ بالداء ِ

حبي لمولايَ أضناني وأسقمني

فكيف أشكو إلى مولايَ مولائي؟

إني لأرمقهُ والقلبُ يعرفهُ

فما يترجمُ عنه غيرُ إيمائي

يا ويحَ روحي من روحي فوا أسفي

عليَّ مني فإني أصل بلوائي

كأنني غرِقٌ تبدو أناملهُ

تغوّثاً وهو في بحر ٍ من الماء ِ

وليس يعلمُ ما لاقيتُ من أحدٍ

إلا الذي حلَّ مني في سويدائي

هو العليمُ بما لاقيتُ من دَنفٍ

وفي مشيئتهِ موتي وإحيائي

يا غايةَ َ السؤلِ والمأمول ِ يا سكني

يا عيشَ روحي يا ديني ودنيائي

قل لي فديتكَ يا سمعي ويا بصري

كم ذي اللجاجة ُ في بعدي وإقصائي

إن كنتَ بالغيبِ عن عينيَّ محتجباً

فالقلبُ يرعاكَ في الأبعادِ والنائي

يا نسيم الريح قولي للرشا

لم يزدني الو ِردُ إلا عطشا

لي حبيبٌ حبّهُ وسط الحشا

لو يشا يمشي على خدي مشى

*

إذا ذكرتك كاد الشوق يقلقني

وغفلتي عنكَ أحزانٌ وأوجاعُ

وصارَ كلي قلوباً فيك واعية ً

للسُقم ِ فيها وللآلام إسراعُ

فإن نطقتُ فكلي فيكَ ألسنة ٌ

وإن سمعتُ فكلي فيكَ أسماعُ

*

يا نعمتي في حياتي وراحتي بعد دفني

ما لي بغيركَ أنسٌ وأنتَ في العيش ِ أمني

يا من رياضُ معانيهِ قد حوتْ لكل ِ فن ِ

لأن تمنيتُ شيئاً..فأنتَ كل التمني

*

قد تحققتكَ في سري فناجاكَ لساني

فاجتمعنا لمعان ٍ وافترقنا لمعان ِ

إن يكن غيّبكَ التعظيمُ عن لحظ العيان ِ

فلقد صيّرك الوجدُ من الأحشاء ِ دان ِ

*

وألسنة ٌ بأسرار ٍ تناجي

تغيبُ عن الكرام الكاتبينا

وأجنحة ٌ تطيرُ بغير ريش ٍ

إلى ملكوتِ ربّ العالمينا

وترتعُ في رياض القدس طوراً

وتشرب من بحار العارفينا

فأورثنا الشرابُ علومَ غيبٍ

تشفّ على علوم الأقدمينا

شواهدُها عليها ناطقاتٌ

فتبطلُ كلَّ دعوى المدعينا

عبادٌ أخلصوا في السر حتى

دنوا منه وصاروا واصلينا

*

طوبى لطرْفٍ فاز منكَ بنظرةٍ أو نظرتينْ

ورأى جمالََكَ كلَّ يوم مرّة أو مرتينْ

أنتَ المُقدّمُ في الجمالِ فأينَ مثلكَ أينَ أين؟!

'

سرّ السرائر مطويُّ بإثبات ِ

من جانب الأفق من نور ٍ بطيّات ِ

فكيفَ والكيفُ معرفٌ بظاهرهِ

فالغيبُ باطنهُ للذاتِ بالذاتِ

تاه الخلائقُ في عمياء مظلمةٍ

قصداً ولم يعرفوا غير الإشاراتِ

بالظن والوهم نحو الحق مطلبهم

نحو الهواء يناجون السماواتِ

والربُ بينهم في كل منقلبٍ

محل حالاتهم في كل ساعاتِ

وما خلوا منه طرف العين إن عقلوا

وما خلا منهمُ في كل أوقاتِ