من أقوال المعلم

برمهنسا يوغانندا

PARAMAHANSA YOGANANDA

ترجمة محمود عباس مسعود

الناس يتذمرون من فكرة التخلي عن أمور معينة في الحياة مع أنهم في الواقع يتخلون عن أشياء كثيرة ذات قيمة ليس أقلها طمأنينة النفس، بل ويضحون أحياناً بأنفسهم من أجل المال الذي هو عرضة للتلف والزوال.

سلّموا أنفسكم لله وستجدون أن حياتكم أصبحت شبيهة بلحن إيقاعي جميل.

حولوا انتباهكم نحو الداخل من هذا العالم إلى مملكة الله ذات الاتساع العظيم الموجودة في داخلكم.

في سفينة السكون يمكنكم الإبحار إلى تلك الدنيا التي ما وراء أحلامنا حيث الينبوع الإلهي يتدفق دون انقطاع من أعماق القلب والروح.

ساعدني يا رب كي أقوم بأداء دوري في مسرحية الحياة بما يرضيك.. سواء كنت ضعيفاً أو قوياً، مريضاً أو معافىً. مشهوراً أو مغموراً، غنياً أو فقيراً.. مدركاً بأنك تحبني ولن تتخلى عني أبداً.

الثروة قد تؤخذ من الإنسان أو يؤخذ منها بمفارقة العالم ولا يستطيع أن يأخذها معه القيمة الوحيدة تكمن في صرفه في الأعمال النافعة وفي إسعاد النفس والآخرين بما يرضي الله والضمير.

إن الذين لا يفكرون إلا بأمنهم وراحتهم ناسين أو متناسين احتياجات الآخرين هم في الواقع يغازلون الفاقة التي ستكون من نصيبهم يوماً ما. والذين يتشبثون بثروتهم بدلاً من استخدامها في أعمال الخير لا يجلبون إلى أنفسهم البحبوحة في حياتهم القادمة بل يولدون فقراء، برغبات ومشتهيات الأغنياء. أما الذين يشاركون الآخرين فيما لديهم من بحبوحة ورخاء يجذبون لأنفسهم الخير والوفرة أينما ذهبوا.

عندما تعطي المستحقين عن طيب خاطر ستجد أن الله معك دوماً ولن يتركك أبداً ولن تحتاج شيئاً... يجب ألا ننسى أن حياتنا تـُعال مباشرة من الله وعندما ندرك أن عقولنا وإراداتنا وأنشطتنا كلها تعتمد على الله وتستمد قواها منه سنحصل عندئذ على الإرشاد المباشر منه وسندرك أن حياتنا واحدة مع حياته اللانهائية.

التأمل يعطي البرهان على وجود الله. فحالما تُزيل تموجات الإحساسات من بحيرة العقل تنبثق الغبطة الإلهية من النفس. تلك الغبطة موجودة أصلاً في النفس لكنها مستترة بحجب.



يا رب

سأستخدم قوة إرادتي وفكري

لإنجاز الأشياء الصغيرة أولاً

وبعدها أتحول إلى إنجازات أكبر

حتى ولو تحققت كل الطموحات المادية

فإنها لا تمنح مع ذلك سوى سعادة منقوصة

وبالعثور على الله

سأكتشف خزانات الغبطة التي لا تنضب

ولا تكف عن التدفق والجريان

في بساتين الروح ومروجها الدائمة الخضرة

البيت: ميدان النصر الأعظم

إن صرَفَ الإنسان حياته في إثارة تلو الإثارة فلن يعرف طعم السعادة الحقيقية. يجب العيش ببساطة والتعامل مع الحياة براحة.. ومن المستحسن أن يختلي الشخص بنفسه ويقف مع ذاته بين الحين والآخر ويمارس السكينة النفسية التي فيها شفاء وانتعاش وتجديد للقوى.

إن كانت المشتتات حاضرة طوال الوقت ومنبهات أخرى تحاصر الحواس كل حين فستعاني الأعصاب نتيجة لذلك وتـُصرف كميات كبيرة من الطاقة الحيوية في اللاشيء، وستشعر النفس بالتوتر والضيق. كما ينبغي عدم الإهتمام الزائد بإصلاح الآخرين بل يجب على الإنسان أن يقوّم نفسه قبل محاولته تقويم الغير.

وليكن معلوماً أن البيت هو ميدان النصر الأعظم. فالشخص الذي هو ملاك في بيته سيكون ملاكاً في أي مكان.

إن عذوبة الصوت، والسلام الذي يوحي به السلوك النبيل تمس لهما الحاجة في البيت أكثر من أي مكان آخر.

مثلما يستحيل بقاء الظلمة حيثما يسطع النور، هكذا يجب أن تتلاشى ظلمة المرض عندما يشع نور الله في خلايا الجسم

وقلائل هم الذين يدركون هذه الحقيقة.

عندما يشعر الناس برغبة قوية في الشفاء

يبتهلون بقلوب متقلقلة

أو بشعور من اليأس

محتسبين أن الله لن يصغي لصلواتهم.

أو أنهم يدْعون لكن لا ينتظرون

ليعرفوا ما إذا كان دعاؤهم قد وصل إلى الله.

مثلما لا يمكن الإستماع إلى الموسيقى المبثوثة في الأثير باستخدام جهاز استقبال معطل، هكذا لا يمكن التقاط اهتزازات الصحة والقوة والحكمة المنبثقة عن الله بجهاز نفسي معطل بالمخاوف والهموم وكل ضروب القلق والشكوك وعدم اليقين.

دعنا نتذكرك ونشكرك يا رب في الفاقة والرخاء، وفي المرض والشفاء، وفي الظلمة والنور، وفي كل الظروف. فلنتذكر بامتنان أيام العافية التي جدت بها علينا.. وساعدنا كي نفتح عيون الإيمان كي نبصر نورك المبارك الشافي من كل الأمراض والعلل.

أنا ربَّان سفينة تفكيري الخيِّر وإرادتي الطيبة ونشاطي النافع المثمر. سأوجّه دفة سفينة حياتي شاخصاً على الدوام إلى كوكب سلامه المتألق في سماء تأمُّلي العميق.

سأستخدم موهبة التفكير الخلاق كي أحرز النجاح في كل عمل أقوم به. الله سيساعدني إن حاولت أنا أيضاً مساعدة نفسي.

اليوم سأحرث حديقة الحياة بمجهود جديد وسأزرعها ببذور الحكمة والصحة والرضا والسعادة. سأسقي البذور بالإيمان والثقة بالنفس وسأنتظر العلي القدير كي يجود عليَّ بالمحصول العادل. أما إن لم أجنِ المحصول المنتظر فسأظلُّ مع ذلك شاكراً ممتناً لرضا الضمير في محاولتي بذل ما في وسعي.


سأحمد الله لأنني قادر على تكرار المحاولة إلى أنْ أحرز التوفيق بفضله تعالى. وسأشكره عندما أفلح في تحقيق أمنية قلبي الكبيرة. سأحاول أن أفعل فقط الأعمال النبيلة اللائقة محبة بمرضاة الله.


  • 11/21- - - - - - - - - - -


العالم يضج ويعج بالعواصف الطبيعية والبشرية، والله هو الدرع الحصين والملاذ الآمن من عواصف هذا العالم وأعاصيره وشروره.

فحيثما وُجد الله لا وجود للخوف أو الأحزان. والمؤمن الحق يقف راسخاً وشامخاً في معركة الحياة ومصطرع الأحداث، موقناً أن الله معه يرد عنه الأذى ولا يتخلى عنه لحظة واحدة، فينعدم الخوف من قلبه ويحل اليقين بحماية لا تُقحم.

عدم الخوف يعني الإيمان بالله وبحمايته، والإيمان بعدله وحكمته ورحمته وحبه وحضوره الكلي.

الخوف يسلب الإنسان قواه النفسية ويشوش على العقل ويعيق ويعرقل وظائف القلب التوافقية. كما أن الخوف يخلق اضطرابات جسدية ويتسبب بأمراض نفسية.

وبدلاً من الإستكانة للقلق والحصر النفسي يجب أن يؤكد الشخص لذاته بأنه آمن في حمى الله البصير السميع، مطمئن في حصنه المنيع، مشمول برحمته ورعايته.

وسواء كان الشخص في أدغال أفريقيا أو في ساحة الحرب أو يعاني من المرض أو الفقر يجب أن يقنع نفسه بأن يد الله أقوى من الخطر وقادرة على حماية المستجيرين به. لا توجد من طريقة أكثر فعالية للحماية. طبعاً يجب أن يستخدم المرء المنطق في تعامله مع الأحداث وفي نفس الوقت يثق ثقة تامة بالعون الإلهي. والإيمان لا يعني أبداً أن يكون الإنسان متهوراً ولا يتعامل بحكمة مع الظروف، إنما بغض النظر عما يحدث يجب أن يؤكد الشخص لذاته أن الله وحده قادر على مساعدته في الظروف الصعبة والعصيبة إن هو توجه إليه بقلبه وروحه وأحاسيسه جميعاً.

عندما تنهال المصاعب كالتيهور أي الانهيار الثلجي، فيجب عدم السماح لها بأن تشل الإرادة وتحجب الرؤية الدقيقة للأمور والتعامل معها بحنكة ومنطق، بل يجب الإحتفاظ بالإيمان بالله وبالإحساس الباطني البديهي، ومحاولة العثور على مخرج للنجاة، وسيتم العثور عليه بعونه تعالى. وستنصلح الأمور في نهاية المطاف لأن قوى الله وعجائبه محتجبة خلف تناقضات الحياة البشرية، ومن لا يقتنع بحتمية الأوضاع ويحاول النفاذ بعقله وإيمانه إلى ما وراء الحجاب سيُفتح له الباب الذي بكل يدٍ مؤمنةٍ يُدقُ.

في الحياة ظلام دامس وأحياناً تتعثر الأقدام وتحجم عن الإقدام، ويجب أن نجعل نور الله مصباحنا الكشاف أثناء سيرنا على دروب الحياة المظلمة. الله هو بدر التمام في ليالي الجهل والظلام.. وهو شمس الإشراق في ساعات اليقظة، ومنارة الإرشاد ونجم القطب لعابري بحور ظلمات الوجود الأرضي الموقوت.

المشاكل ستتواصل في العالم، فإلى أين يمكن التوجه طلباً للإرشاد والهداية؟ أفكار المرء المستوحاة من عاداته وتحامله وأحكامه المسبقة وتعصبه لا تجدي نفعاً، ومؤثرات بيئته وعائلته وبلده أو عالمه لا قدرة لها على التوجيه الصحيح. ولذلك يجب التوجه إلى الله والإصغاء للصوت الهادئ الهادي الصادر من أعماق النفس المتناغمة مع الحق.

الفرق بين الإستذهان والإستبطان الروحي

إن برمجَ الإنسان نفسه بمعرفة نظرية سيصبح كجهاز تسجيل متنقل يكرر أقوالاً مأثورة ويردد عبارات سامية فيعتبره الآخرون عالماً متفقهاً. لكن مثل تلك المعرفة لا يعززها إدراك مباشر للحقيقة ولا يوازيها تحصيل روحي. هذا النوع من التثقف أو الاستذهان يُبقي "الأنا" مرتبطة بالعقل الحسي المقيد بدوره بالحواس المادية المحدودة. لا قدرة للمعرفة النظرية على اكتساب العلم الإلهي، ومن المستحسن ألا يصرف المرء وقته الثمين على نظريات لا يمكن تطبيقها على أرض الواقع وإلا سيجد نفسه في خضم أدغال فكرية كثيفة غير قادر على تخطي نطاق النظريات.

هذه العملية لن تفضي إلى معرفة الحقيقة لأن الحقيقة تكمن ما وراء الآراء والنظريات وكثيرون ممن ينتهجون هذا الأسلوب يصبحون مقيدين باستنتاجاتهم الذاتية.

إن استخدم الإنسان قواه العقلية لكسب المال والأمور المادية لا غير سينجذب وعيه إلى العالم المادي ويصبح مشتبكاً في تعقيدات لا نهاية لها. لذلك يقول الحكماء يجب على الإنسان ألا يكرّس كل قدراته العقلية التي وهبها له الله للبحث عن أمور زائلة وإلا سيفقد ذاته في متاهات المادة ويخلق لنفسه قيوداً ومحدوديات هو بغنى عنها، ويجب بدلاً من ذلك أن يستخدم قواه العقلية في تحصيل ضرورات العيش والسعي لتطوير ملكاته المعنوية بغية التمييز بين الخطأ والصواب والضار والنافع. وعندما ينمّي بصيرته الروحية سيتمكن من الإحساس بالله في داخله والتيقن من الحقائق الروحية المتوارية خلف حجب المادة الكثيفة وهذه الحالة تدعى الإستبطان الروحي.

مهما كانت شواغلنا يجب أن يحتل الله المقام الأول في حياتنا. ومن أهم مقومات النمو الروحي هو الهمس الوجداني المتواصل لله حيث ستلمس بنفسك تغيّراً إيجابياً رائعاً سيعجبك كل الإعجاب.

عندما يرغب الشخص في رؤية عرض ما

أو شراء ثياب أو سيارة جديدة

أليس صحيحاً أن عقله يكون منهمكاً طوال الوقت

بتلك الأمور وكيفية تحقيقها أو الحصول عليها؟

ولن يهدأ باله ما لم يحقق رغباته

بل يظل يعمل دون توقف لتحقيق تلك الرغبات

وهكذا يجب أن ينهمك عقل الإنسان بالتفكير بالله

وستتحول إذ ذاك كل الرغبات الصغيرة الأقل شأناً

إلى رغبة قوية للإحساس بالله والتواصل معه

عندما يهمس الفكر لله همساً وجدانياً حاراً

نابعاً من أعماق نفس مشتاقة

سيلامس نداء الروح القلبَ الكوني

وستأتي الإجابة ومعها فرح عظيم

الهمس الفكري ينمي الإرادة

إلى أن تمتلك من القوة ما يكفي لتحقيق الهدف المنشود

عندما يتناغم عقل الإنسان وإرادته مع الله

فإنهما يُشحنان بقوة لا حد لها

بحيث يصبح مجرد التفكير بأمر ما كفيلاً بتحقيقه

لأن القانون الإلهي يعمل لصالح المتناغمين مع الإرادة العليا

إن جميع الإنجازات البارزة في حياتي تحققت عن طريق قوة العقل المتناغم مع الله. فعندما يكون مولـّد الكهرباء الإلهي شغالاً يتحقق كل ما أتمناه دون استثناء، إذ يرتسم أولاً كتصميم أثيري غير منظور ثم يتجسد بقوة لا تقاوم على أرض الواقع.

سر النمو

إننا ننمو من خلال كل تجربة نمر بها ما دمنا ندرك أن بمقدورنا استخلاص دروس نافعة منها. فلكل ما نختبره من ألم ومعاناة معنىً وغاية.

وبالرغم من قسوة التجارب، لكنها كالنار التي تصهر خام الحديد لتحوله إلى فولاذ جميل المنظر، قوي التحمّل ومتعدد الإستخدامات، وفولاذ الحكمة الذي نستخرجه بفعل نيران التجارب الحارقة هو شيء رائع. فالحياة تطهرنا بتحويل معادننا الخسيسة إلى عناصر نفيسة بحيث يمكننا أن نعيش في هذه الحياة كنفوس نقية بنقاء الجواهر، صلبة بصلابة الفولاذ، وفي نفس الوقت مرنة وقابلة للإنحناء دون التعرض للإنقصام تحت ضغوطات المحن والتجارب الصعبة.

عندما نرى وجوهاً مشوهة بالغضب، ممسوخة بالوحشية يجعلنا منظرها نرغب بطرد البشاعة من النفس التي لا يدنسها شيء كنوايا الشر والأحقاد الدفينة التي تحجب الصورة الإلهية المباركة في الإنسان مثلما يلوث السخام صفحة المرآة. فتصرفات الآخرين المؤلمة يجب أن توقظ بنا الرغبة لتحسين تصرفنا وضبط أنفسنا كي نكون سادة لأهوائنا الجامحة لا عبيدا لها

الكلام العذب ترياق عجيب للعديد من الأمراض وفيه قوة سحرية ومغناطيسية جبارة تجلب الكثير من الخيرات والبركات لصاحبه. فالذي يستخدم الكلام العذب المهدّئ للخواطر يشعر بتيار خفي ينساب من خلاله دون انقطاع ويمتلئ كيانه بفيض من الطمأنينة لأن ذلك التيار متصل بمصدره الأعلى الدائم التدفق والجريان إلى النفوس المتناغمة مع ذلك المصدر، وسيتمكن من نقل سيّال السعادة إلى النفوس المتعطشة للسلام

كل يوم ينظر الإنسان في المرآة لرؤية وجهه لأنه يريد أن يظهر على أحسن ما يرام أمام الآخرين، فكم بالحري أن يقف يومياً مع ذاته ويحدّق في مرآة التحليل الباطني لمعرفة ما يكمن خلف المظاهر السطحية البراقة! فكل ما هو جذاب ظاهرياً يستمد جاذبيته من نفس الإنسان الباطنية. وما من شيء يلطخ مرآة النفس النقية كالتشوهات النفسية المتمثلة في الغضب والحقد والحسد والكراهية... ومن يحاول تحرير نفسه من هذه المركّبات الغريبة على طبيعة الروح سيشع نور الجمال الباطني من داخله

بالتحليل نكتشف أن مشاكل الإنسان هي ثلاثية: فهناك مشاكل واضطرابات تهاجم جسم الإنسان وأخرى تهاجم عقله وهناك صنف ثالث يسد منافذ الروح.

المرض والشيخوخة والموت هي الصعوبات التي يتعرض لها الجسد والعقبات التي تعترضه. أما الأمراض النفسانية فتغزو العقل عن طريق الحزن والخوف والغضب والرغبات الدفينة والتذمر والكراهية والوساوس العاطفية وحمّى الهيجان العصبي والسرطان النفسي الذي يشل القوى العقلية. أما المرض الأخطر فهو مرض الروح الذي يتمثل في الجهل الذي عنه تنبثق ومنه تنسرب باقي الأمراض

الإنسان الكوني

مستوحاة من تعاليم المعلم برمهنسا

عبر البحار الفاصلة

وفي ركن قصي من أركان الوجود

تراءى لي الإنسان الكوني

بإشراق باذخ

يحاكي الشمس طلوعاً وسطوعاً.

موطنه كان في قلب الغابات البكر

رأيته يتمشى في مروج الحكمة الذهبية

بحيوية الشباب

وبهجة الأطفال

يحلم بألق القمر السحري عند المحاق

يتنقل بين منازل لا حصر لها

فيلج ويخرج بخفة ورشاقة

من بوابات القرون والعصور

للحظات بزغ الشكل العجيب

ثم توارى

ثم بزغ ثانية

متحدياً التلاشي والزوال

مجوهراً كأثير السماوات اللامتناهية

وشعّت من محياه مشاعلٌ جمة

تروى حكايا الحنين المتقد

والمشاعر اللاهبة

والجمال اليافع

والحب الفتي النقي

وانبثقت من عينيه شرارات من الإيمان المشع

وبريق وردي من الأمل الواثق

وبرق يخطف الأبصار

لحزم واقتدار

يضيء أركان الكون

ويبلغ مداه أقصى النجوم

يا له من مجد لا يُسبر له غور

نابع من قلبك الأوقيانوسي أيها الإنسان الكوني

لقد حدّقتُ طويلاً بشكلك النوراني المجيد

فأبصرت امتداداتٍ وأسراراً لا نهاية لها

وكأنني عاينت روح الإنسان متجلية

بكل روعتها وبهائها

East-West Magazine

الخير أكثر من الشر في العالم

عندما تراودنا الشكوك فيجب أن نتذكر حياة العظماء. صحيح أننا كائنات بشرية لكن الله أيدنا بقوىً فائقة نادراً ما نستخدمها، فلمَ الإرتعاد خوفاً من الشيخوخة والمرض والحزن؟ يجب أن نفعل ما بوسعنا للعناية بالجسد، لكن ينبغي عدم الإستسلام للمخاوف وعدم دفن أنفسنا تحت أكداس الجهل.

الجسد ليس الإنسان بكامله

الخير أكثر من الشر في هذا العالم لأن الله هو القوة العظمى. لكن عندما تأتينا الشرور نفكر أن لا قدرة لنا على التحكم بها والتحرر من قبضتها

عواصف الشر لا بد أن تهب ولكن باستطاعتنا التخلص من مؤثراتها والترفع المعنوي عنها

لم نُمنح الحياة لكي تهلكنا الحياة، بل كي ترسّخ بنا وعي الخلود، ويجب أن نتذكر هذه الحقيقة

بدون حرية الفكر لا يمكن الإعراب عن النفس بكيفية نقية، تلقائية، وطبيعية. لا تنسَ أنك في جوهرك حر طليق. قوة الإرادة هي حرة على الدوام

إن استخدمتَ قوة إرادتك على النحو الصحيح فإنها ستخلق لك كارما جيدة، لكن معظم الناس لا يرغبون بالتبديل ولا يريدون بذل المجهود، فينهارون أمام المصاعب ولا قدرة لهم على مواجهة التحديات.

إن قيام الإنسان بكل ما يحلو له ليس حرية لأن الإنسان مقيد برغباته، ولذلك لا يمكن أن يُدعى تصرفه حرية على الإطلاق. الحرية الحقيقية معناها القيام بكل شيء بإرادة موجهة بالحكمة. باستطاعة الشخص التحكم بنتائج أعماله السابقة التي تتعقبه دون إبطاء إن قام بتفعيل إرادته واستخدامها في الأعمال الطيبة والنافعة. إن سيّرت أعمالكَ بالعقل وقوة الإرادة فإن قوى أعمالك الخاطئة السابقة ستضعف والعادات الناجمة عن أعمالك الطيبة ستتقوى.

إننا نرغب على الدوام بالأشياء التي لا نمتلكها ونتعلق بأمور غير جوهرية. وحالما يستحوذ علينا شيء ما نكون قد فقدنا حرية إرادتنا لبعض الوقت. وكما أن الشرقيين مستعبدون لعادات قديمة هكذا الغربيون مستعبدون لعادات عصرية حديثة. إننا نصنع قدَرنا بأيدينا ونصبح مقيدين بأقدارنا

لماذا يولد طفلٌ ما في عائلة شريرة بينما يولد طفل آخر في عائلة طيبة؟ لقد استخدم كل منهما حريته للعيش بكيفية ما في الماضي (في حياة سابقة) وبذلك جلب لنفسه تلك الظروف في هذه الحياة

لا توجد حرية حقيقية بدون الله. يجب أن نفكر به على الدوام. ومهما كانت مشاغلنا وتفكيرنا يجب أن يحتل الله المقام الأول في قلوبنا

وعندما نتوافق معه حقاً ستُعطى لنا القدرة على إنجاز ما يتعين علينا إنجازه، في أي وقت، بعونه تعالى

نصائح للمريد

سأل أحد التلاميذ المعلم برمهنسا

كي يعطيه بعض نصائح في تطوير الذات فقال

إن أردت أن تكون محبوباً

فابدأ بمحبة الآخرين الذين يحتاجون إلى محبتك

وإن كنت تتوقع من الآخرين

أن يكونوا مخلصين معك أوفياء لك

فكن مخلصاً معهم وفياً لهم

وإن رغبت في أن لا يتصرف الآخرون بخبث ودهاء

فلا تسمح للمكر بالتسرب إلى أفكارك

ولا تتصرف على نحو يؤذي الآخرين

وإن أردت أن يتعاطف الغير معك

فابدأ بإظهار التعاطف نحوهم

لا سيما تجاه الذين من حولك

وإن رغبت في أن يحترمك الآخرون

فعليك أن تبدي احتراماً نحو الصغير والكبير منهم

وإن أردت السلام من الآخرين

فيجب أن تحيا حياة يسودها الوئام

وإن رغبت في أن يكون الناس متدينين

فكن روحيّ الطباع ودع الآخرين يشعرون

أنك قدوة حسنة وبإمكانهم الركون إليك والوثوق بك

وباختصار، فكل ما تريد أن يبديه الآخرون

من مزايا طيبة

أظهره في حياتك أولاً

وستجد أن الناس يتفاعلون معك بنفس الكيفية

إن استطعت التعرف على المجالات التي تحتاج إلى تطوير وإصلاح في حياتك دون أن تشعر بالتثبيط أو تنمي عقدة النقص.. وإن عملت باستمرار على تحسين شخصيتك، عندئذ سيكون الوقت التي تمضيه أجدى وأكثر نفعاً مما لو صرفته في التمني بأن يحسّن الناس أنفسهم. إن لمثالك الحسن وتصرفك السليم قدرة أكبر على تغيير الآخرين من مجرد تمنياتك وغضبك وكلماتك.

يا رب، أنت منبع الخيرات ومصدر كل القوى. باركنا كي نظهر نعمك علينا في صحتنا و طموحاتنا الفكرية وفي تعبيراتنا الروحية. أنت الوهج في النجوم والطاقة في الذرات والطيبة في القلوب والجمال في الصدق... ساعدنا كي نشحن أنفسنا بقوّتك العظمى.. بحكمتك اللامتناهية وبأصالتك التي لا حد لها.

دعنا ندرك يا رب أنك ينبوع الصحة ومحيط الحياة ومنبع كل فهم ومعرفة. حررنا من الجهل وآثاره ومن المخاوف والهموم وليجرف طوفان حكمتك كل حطام وركام من حياتنا.

مزّق يا رب الحجب التي تواري وجهك عنا. دعنا نبصرك نوراً شديد السطوع كشموس لا حصر لها في أفق حياتنا.. ودعنا نشعر بك كقوة دائمة التجدد تلهم أفكارنا، وتغذي أرواحنا، وتعيل أجسامنا، وتحقق أحلامنا.

أوم - آمين

معظم الناس لا يعرفون السبب

من وجودهم على هذه الأرض

ويظنون أن غاية الحياة

هي تحقيق الرغبات

وتحصيل ضرورات العيش

والتماس المتع والحب البشري

والإستسلام للداعي الأخير في نهاية المطاف.

يبدأ الناس حياتهم

مبرمجين بميول معينة

ورغبات لم يتم تحقيقها في الماضي

ويحاولون – بما تبقى لهم من إرادة حرة –

تقليد رغبات وتصرفات أحدهم الآخر

فإن خالطوا رجال أعمال

يريدون أن يصبحوا مثلهم

وإن عاشروا فنانين

يصبح الفن كل شيء بالنسبة لهم

الله يريدنا أن نكون عمليين في هذا العالم، فقد منحنا جوعاً يقتضينا العمل من أجل إشباعه لكن البحث عن الطعام والمأوى والمال والممتلكات لا غير يعني أن ينسى الإنسان مصدر سعادته.

صحيح أنه يتعين علينا أن نعمل من أجل الحصول على احتياجاتنا وأن نسعى لتحقيق أهدافنا المشروعة ولكن يجب أولاً وقبل كل شيءأن نفتح قلوبنا لله ونطلب هدايته ورضاه فيما نفعله عندئذ لا بد أن ننجح في مدرسة الحياة لأننا سنتلقى توجيهاتنا من المدير والمدبر الأعظم الذي يعرف ما نحتاجه وما هو الأفضل بالنسبة لن. ولذلك يجب أن نضع ثقتنا به ونمتثل لإرادته الحكيمة.

رسائل للمعلم برمهنسا من المريدين

لا زالت ذكرى زيارتي لك...

في المجلد XIV من مجلة Inner Culture

رسائل بعث بها أصحابها من بلدان مختلفة

للمعلم برمهنسا يوغانندا، نقتطف منها ما يلي:

أود أن أعلمك أنني بقراءتي المتأملة لتعاليمك

حصلت على الاستنارة الروحية

التي طالما بحثت عنها

لقد فتحت تعاليمك أمامي أبواب السعادة.

* * *

إنني أطبّق يومياً تأكيداتك الروحية

وأجد أن الأفكار السلبية تتضاءل تدريجياً

وقد تبددت المخاوف

وإنني أستمتع بكل لحظة من حياتي

فشكراً لمساعدتك.

* * *

إنني أحصل على خيرات كثيرة

من تعاليمك الروحية

وأتطلع لقراءة أفكارك بشوق كبير

وأبذل ما بوسعي لأن أطبق على حياتي

تعاليمك الجميلة والنافعة.

* * *

إنني أجد في فلسفتك الرائعة

ما يبعث على الإعجاب والإلهام

عميق امتناني لكل ما قدمته لي

من مساعدة وراحة نفسية.

* * *

يتملكني شعور غامر بالحصول أسبوعياً

على درس جديد من تعاليمك

وأجد في كل درسٍ متعة واستنارة.

* * *

أشكرك من أعماق قلبي

لمساعدتك لي على معرفة ذاتي الباطنية

وتبصيري بالقوى الكامنة في داخلي

وإظهار نور الله لبصيرتي

من خلال التعاليم التي حصلت عليها منك.

* * *

لا زالت ذكرى زيارتي لك

منذ أربعة أعوام تسكن خاطري

ولا زلت أذكر إيمانك الكلي بالله

ومحبتك للإنسانية.

لقد ساعدتني على معرفة نفسي.

وعندما كنت أظن أنني وحيد

لا أصدقاء لي ولا من يتعاطف معي

منحتني الثقة بالنفس وشحنت عزيمتي

وألهمتني الجرأة لمواجهة ظروف الحياة.

* * *

على مدى أربعين عاماً

درستُ مختلف فروع العلم والمعرفة

لكنني لم أحصل من كل تلك الدراسة

على شيء يضاهي ما حصلت عليه من تعاليمك.

* * *

إنني أستفيد كثيراً من قراءة تعاليمك

ولو أن عدداً أكبر من الناس

يطالعون ويطبقون أفكارك

لكان العالم الذي نعيش به

أفضل مما هو عليه.

* * *

أود أن أشكرك من صميم قلبي

على البركات التي أتت لحياتي

منذ أن بدأت أقرأ تعاليمك بتركيز واهتمام.

شكراً لك وأسأل الله أن يبارك جهودك الرائعة

وأعمالك المكرسة لخدمة الإنسانية.

* * *

منذ أن طلبت منك أن تدعو لي بالتوفيق

تحسنت أوضاعي بشكل ملحوظ.

عميق امتناني مع رجائي بمواصلة الدعاء.

* * *

عندما وصلتني رسالتك الأخيرة

كنت لا أزال هائماً في غابة الشك المظلمة

وغير قادر على رؤية الدرب للخروج من تلك الغابة.

لكن بفضل الله، ودعواتك الخاصة

اتضحت معالم الطريق وتعزز إيماني بالله

وتحسنت أوضاعي من كل ناحية

وأرجو أن تذكرني دوماً بدعواتك المستجابة.

* * *

لقد ساعدتني تعاليمك كثيراً

وحصلت منها على فوائد عميمة.

وثبت لي بالبرهان القاطع

فاعلية تأكيداتك الروحية والتفكير الإيجابي.

يغمرني العرفان بالجميل

لما أحس به من صحة وفرح وطمأنينة

وأشعر أني أحرز تقدماً يومياً في التأمل.

* * *

لولا تعاليمك الرائعة الزاخرة بالإلهام

لكانت حياتي على هذا المستوى الأرضي محدودة للغاية.

وأود أن أشكرك على العناية الخاصة

التي منحتني إياها على مدى السنوات الثلاث الماضية.

* * *

أشكرك على مجلة الثقافة الروحية

التي أجد فيها بركة وغذاءً للنفس كل يوم

وأشكر الله الذي عرفني عليك وعلى تعاليمك.

* * *

أود أن أشكرك على رسائلك الشهرية

فالرسالة الأخيرة وجدتها زاخرة بالإلهام

بحيث أنني قرأتها لطلابي في حصة الآداب

فتفاعلوا تفاعلاً طيباً مع محتواها

وكانت مناسبة سعيدة بالنسبة لنا جميعاً.

لقد تأثرت جداً بأفكارك التي تضمنتها الرسالة

لدرجة أنني رغبت بمشاركة طلابي بها.

هذه الرسالة أحدثت حالة من التأمل العميق

واستبطان لمكنونات النفس

وأشعر أنها ستساعدني على حل المشاكل

والتعامل بحكمة وإيجابية مع تجارب الحياة.

* * *

تعاليمك لا تقدر بثمن

ولا أريد أن يفوتني درس واحد من دروسك.

++++

من محاضرات المعلم برمهنسا

عندما تعلو سعادة النفس الكامنة في أعماق الذات طبقة كثيفة من المتع الحسية الزائلة يخبو وهج الروح الذهبي وتتوارى قدرات النفس الشفافة خلف كثافة المادة. وعندما ينجذب عقل المرء إلى الغيرة والحسد وتغلفه غيوم المخاوف والهموم يصبح تعيساً بائساً ومغلوباً على أمره. ولكنه عندما يوجّه نفس الانتباه نحو المحبة والسلام والإنسجام يشعر بسعادة فائقة.

النفس تشعر بالسعادة عندما تتحول من الشهوات الجسدية الممزوجة بالمعاناة والشقاء إلى مزايا الروح الشفافة العابقة بالمباهج الراقية.

إن انغمستْ النفس انغماساً تاماً بالملذات الدنيوية الخشنة تصبح غير مهتمة بالبحث عن المسرات العليا وغير قادرة على تذوق أفراح الروح. كثيرون قد يجادلون بأن التخلي عن المتع المادية هو أمر أقرب إلى المستحيل في هذا العالم أو أثناء العيش مع أشخاص تتمحور أفكارهم حول الشؤون المادية البحتة، لكن من غير المطلوب من الإنسان العادي أن يهجر العالم ويذهب إلى الجبال والغابات كي يعثر على الطمأنينة والسلام بل يتعين عليه أن يكون في هذا العالم دون أن يدع تياراته القوية بأن تجرفه كيلا تطغى عليه أمواج الدنيا الصاخبة.

يجب ألا يكون الشخص سلبياً تجاه محيطه، وفي نفس الوقت يجب ألا يسمح للماديات بأن تعمي بصيرته حتى لا يفقد الصلة بطبيعته الروحية ويصبح غير قادر على تذوق مباهج الغبطة ومعاينة الأنوار الإلهية.

الحياة بجوهرها ومكوناتها وأهدافها

هي لغز صعب فهمه لكن لا يعصى على الحل

وبتفكيرنا التقدمي نقوم يومياً بحل بعض أسرارها.

الأجهزة القائمة على أسس علمية دقيقة في هذا العصر

تبعث بكل تأكيد على الإعجاب

والإكتشافات التي يأتي بها العلم تمنحنا رؤية أوضح

عن الطرق التي يمكن بواسطتها تحسين العيش.

لكن بالرغم مما لدينا من أجهزة ومخترعات واستراتيجيات

يبدو أننا ما زلنا كالدمى في يد القدر

وأن الطريق لا يزال طويلاً أمامنا

قبل أن نتحرر من سيطرة الطبيعة.

بكل تأكيد أن العيش تحت رحمة الطبيعة ليس حرية

فعقولنا المتحمسة يطغى عليها ويكبلها إحساس من العجز

عندما نشعر أننا ضحايا الفيضانات أو الأعاصير أو الزلازل

أو عندما تختطف منا الأحداث – دون سبب منطقي

أحبتنا القريبين من قلوبنا

فندرك عندئذ أننا لم نحقق الكثير من الإنتصارات

ولم نتمكن من التغلب على الظروف المعاكسة

إذ بالرغم من كل جهودنا لجعل الحياة كما نريدها أن تكون

ستظهر دوماً ظروف معينة على هذا المسرح الأرضي

وأحداث يوجهها عقل جبار لا نعرف عنه الكثير

يعمل بمعزل تام عن آرائنا وإرادتنا

وأفضل ما يمكننا القيام به هو العمل وإدخال بعض التحسينات.

إننا نزرع القمح ونصنع الطحين

لكن من الذي خلق البذرة الأولى؟

نأكل العيش أو الخبز المصنوع من الطحين

ولكن من الذي منح أجسادنا القدرة على الهضم

وتحويل الطعام إلى غذاء؟

في كل ركن من أركان الحياة

يبدو أن هناك يداً إلهية لا غنى عنها

ولا يمكننا تسيير أمورنا بدونها

وبكل ما نملكه من يقينيات

لا نعرف متى سيتوقف القلب عن أداء وظيفته.

من هنا تبزغ ضرورة الإتكال الجريء

على القوة الإلهية العظمى

والإعتماد على ذاتنا العليا

المنبثقة عن تلك القدرة الكلية

التي نحن مصاغون على مثالها.

يجب أن نمتلك إيماناً متحرراً من الكبرياء

وأن نسير بثقة على دروب الحياة

دون ذعر وارتعاد

ودون ضيق وانحصار.

التعامل مع الحساسية

التغلب على الحساسية هو من الفنون الدقيقة، والتحكم بسرعة التأثر أمرٌ مهم من أجل تنمية شخصية وازنة متوازنة.

تنجم الحساسية عن سوء الفهم وعقدة النقص، وعن الكبرياء المنتفخة و (الأنا) المضخمة.

عندما يفكر الشخص بأن مشاعره قد تعرضت للرضّ تسري تلك الفكرة في عقله فتثير أعصابه التي تتوفز بدورها وتتمرد.. فتشتعل نيران الغضب في قلبه بسبب المشاعر المرضوضة، ومع ذلك هناك أشخاص لهم القدرة على التحكم بانفعالاتهم فلا تظهر أعراضها بالرغم من احتدام الغيظ في داخلهم. آخرون يظهرون انفعالهم من خلال ردود فعل فورية تبدو في عضلات العينين وقسمات الوجه، ومن خلال ردود لفظية قاطعة كالشفرة.

إن للتأثر المفرط مضاعفات خطيرة، فهي تزيد الموقف تعقيداً وتخلق اهتزازاً غير مستحب يؤثر سلباً على الآخرين.

يجب بذل المجهود لضبط النفس والتحكم بالأعصاب، ونشر هالة من الفهم والتفاهم تشحن الجو بالسلام بدل الإحتدام وتبدد منه أبخرة التوتر. ومن يفعل ذلك يكون سيد نفسه وسيكافئه الآخرون من حوله بالتقدير والإحترام.

الحساسية المفرطة ميزة يشترك فيها معظم الناس، وعندما تثور هذه العاطفة غير المنطقية فإنها تعمي البصيرة وتسمل عينيّ الحكمة. والأدهى من ذلك، فإن الشخص سريع التأثر يظن أنه يفكر ويشعر ويتصرف على نحو سليم لا غبار عليه، مع أن سلوكه قد يكون مغلوطاً جملة وتفصيلا!

كثيرون يعتقدون أنه يتعين عليهم الإشفاق على أنفسهم عندما يوجه لهم النقد، وذلك التعاطف الذاتي يجلب لهم بعض التنفيس. لكن مثل هؤلاء كمدمني المخدرات، كلما تعاطوا جرعة جديدة كلما زاد إدمانهم.

إن الشخص سريع التأثر غالباً ما يتألم دون طائل. وفي معظم الأحيان لا أحد يعرف سبب معاناته أو طبيعة تظلمه، فيزداد حسرة في عزلته الداخلية التي يفرضها على نفسه بنفسه. لا يمكن تحقيق شيء بالاجترار الصامت لما يعتبره الشخص إساءة تعرّض لها أو نقداً وُجّه إليه. ومن الأفضل التخلص من مسببات تلك الحساسية المفرطة بالتحليل الموضوعي وبتفعيل ضبط النفس.

لهذا النوع من الحساسية غير الصحية أضرار بالغة، فهي تلتهم القلب كالنار وتدمر أنسجة السلام، ولذلك يتوجب التعاطي معها بحكمة ومنطق وإرادة حازمة.

إنني أعمل بجد واجتهاد لخدمة الجميع ولكن عندما أعتكف للتأمل بمفردي لا أسمح لأحد بأن يشوّش على تأملاتي. الأمور الأخرى تنتظر أما الموعد اليومي مع الله فيجب عدم إهماله أو إغفاله.

قبل الإقدام على عمل ما، توقف وتفكر ملياً بالنتائج ومدى تأثيرها على نفسك وفكرك وجسمك. فالتصرف الناجم عن دافع إكراهي ليس تحرراً لأن نتائج الأعمال المخالفة لقانون التوافق والإرتقاء ستقيد الفاعل.. أما القيام بالأعمال التي يقرها التمييز ويرتاح لها الضمير فهي حسنة وتجلب الحرية لصاحبها.

عندما تعتزم القيام بأمر حسن، أو الامتناع عن فعلٍ شيء سيء، وتتمسك بذلك القرار وتعمل بموجبه فاعلم أن حظك من الحرية وفير.

يريدنا الله أن أن نستخدم حرية الاختيار الممنوحة لنا كي نبحث عنه ونعثر عليه لكنه لا يريد أن يفرض نفسه علينا.

الرغبة في التقرب من الله والتعرف عليه لا تأتي من تلقاء ذاتها بل يتعين تفعيلها وتنميتها، وبدون تلك الرغبة لا قيمة ولا طعم للحياة.

دع بصيرتك الروحية توجه تفكيرك وسيحالفك النجاح حيثما توجهت.

لله كرّست صوتي ويديّ وقدميّ وقلبي وجسدي ومشاعري وإرادتي .. وكل شيء.

المحبة هي السلاح الروحي الذي ينهي كل الحروب.

ما وراء هذه الأرض هناك عوالم لا محدودة حيث سنلتقي ثانية بأولئك الذين حسبنا أنهم فارقونا للأبد.

هذه الحياة الدنيا دائمة التقلب.. كآبة تتلوها كآبة.. وأوهام من خلفها أوهام. يجب أن يتلاشى هذا السراب المترائي على صحراء وعينا ويجب أن نبتعث ذاتنا الحقيقية من تحت حجب المادة الكثيفة.

لا تحاول أن تبني آمالك على هذه الحياة. أين ضمانك؟ إنك آمن فقط عندما تتحصن في معرفة الله.

جوهر النفس يشبه الذهب العتيق المطمور تحت التراب، وعند إزاحة التراب عن الذهب وغسله بماء التأمل يتوهج من جديد بكل نقاء وصفاء.

دعنا يا رب نبصر ما هو حسن.. وأن نفكر الأفكار السليمة.. وأن نخالط ذوي السيرة الطيبة.. وساعدنا كي نفكر بك ونتأمل عليك يا من أنت نبع كل صلاح ومصدر كل خير.








التحرر من الضعف

إن أفضل طريقة للتخلص من الضعف هي عدم التفكير به وإلا ستكتسح فكرة الضعف الوعي وتستبد بملكات النفس. عندما نجلب النور إلى داخلنا ستتبدد الظلمة كما لو لم تكن.

تلك الفكرة تجلب لي إلهامات رائعة.

عندما يتم إدخال النور إلى كهف استوطنته الظلمة منذ آلاف السنين ستتبدد الظلمة على الفور. وبالمثل، تتلاشى نقاط الضعف ومعها الأخطاء عندما نسمح لنور الله بالدخول إلى وعينا ولن تتمكن ظلمة الجهل من البقاء. تلك هي الفلسفة التي يجب أن نحيا بموجبها.

التسويف لا يجدي نفعاً.. فدولاب الحياة لا يتوقف وأيام العمر تمضي متسارعة.. وكل دقيقة نصرفها في التفكير النيّر والتصرف السليم هي استثمار ناجح ورابح في مجال سعادتنا.

كثيرون يصرفون العمر كله بالتفكير في المال والجنس والشهرة ونادراً ما يركّزون على الأمور الجوهرية التي تجلب لهم الطمأنينة وترفع وعيهم إلى مستويات أعلى.

مهما كان الدور الذي يلعبه الإنسان متواضعاً فإنه يعتبر ناجحاً في نظر الله إن هو عرف كيف يصرف وقته بحكمة ويوجّه أفكاره في مسارات صحيحة.

عندما يشرق نور الله على الإنسان لا يشعر أنه بحاجة لشيء لأن الفرح الذي يغمره يحقق كل أحلامه ويجعله يحس في قرارة ذاته أنه أغنى الأغنياء وأسعد السعداء في هذه الحياة.

نفق النور

من يتيقظ به الوعي الروحي بالأفكار النيرة والأعمال الخيّرة والمشاعر الطيبة والتأمل العميق يمكنه الإحساس بمغادرته الجسد وقت الرحيل النهائي عن طريق العين الروحية. اليوغي يمارس أثناء إقامته الأرضية رؤية نفق العين الروحية عند الحد الفاصل بين المادة والروح ويستطيع لحظة مغادرة الأرض دخول هذا النفق المضيء والإنتقال من هذه الدنيا إلى فضاء الله اللامتناهي حيث النور والفرح والسلام والحرية المطلقة.

{نور على نور}

{مصباح الجسد هو العين [الروحية]

فإن كانت عينك وحيدة If thine eye be single

فإن جسدك كله يكون مليئاً بالنور}

{والنور يسطع في الظلام والظلمة لم تعرفة}

الإيثار هو أن نشعر بأحزان الآخرين وأن نقترب منهم ونتواصل معهم ونحاول صادقين تعزيتهم في مصابهم وأن نفرح لفرحهم ونعمل على قدر طاقتنا لإبعاد شبح الخوف والعوز والقلق عنهم.

إن من يعمل على إسعاد الآخرين يسعده الله بإحساس باطني من الراحة النفسية وإن فقد شيئاً في سبيل الذين يحاول مساعدتهم لا يحسبها خسارة لأنه يكسب في المقابل رضا الله وراحة الضمير.. فهو يعيش ليحب ويعمل ويعطي ويزرع بذور الخير والسلام في حقول الإنسانية.

من يتجاوز في تفكيره وأحاسيسه عالمه الشخصي يتمدد وعيه ويزداد تعاطفه ويشعر أن العالم بيته والإنسانية أسرته ويدرك أن الغاية من وجوده على هذه الأرض هي إصلاح ذاته قبل أن يحاول إصلاح الآخرين لأن من يصلح ذاته يساعد الآخرين على إصلاح أنفسهم من خلال مثال حياته فالأفعال أعمق أثراً وأبلغ وقعاً في نفوس الآخرين من الأقوال.

من يمتلك روح الإيثار لا يعمل وفق حسابات وتوقعات محدودة بل يستخدم بصيرته وحكمه الصائب ويمضي في مساعدة نفسه والآخرين شاكراً الله على ما يحققه من نجاح، وإن أخفق مرة أو مرات لا يشعر بالإحباط بل يزداد تصميماً فيضاعف الجهود ويكرر المحاولة مستكشفاً أفكاراً وقنوات جديدة، مسترشداً بنور العقل، مستعيناً بالله إلى أن يحقق مبتغاه ويبلغ مقصده النبيل.

محطات قصيرة

بريق الإخلاص:

بعض الناس يحاولون التخلص من مشاكلهم بالإبتسام لكن هذا النوع من التخلص من المشاكل يلزمه ضمير نقي لا يأوي رياءً ولا مكان فيه للمخادعة. عندما يتعامل المرء بصدق مع نفسه ومع الآخرين ويتصرف بنبل وشهامة تصفو عيناه فينبثق منهما شعاع فريد هو بريق الإخلاص الذي لا يمكن أن تخطؤه العين.

الصراحة:

وبعض الناس يتلفظون بأشياء كثيرة باسم الصراحة لكن لا يمكن التحدث بكل شيء لكل إنسان. فعندما تقدم النصح والإرشاد للبعض يسيؤون فهم كلماتك ولا يستفيدون شيئاً مما تقوله وهذا جهد ضائع وسعي غير مشكور. السكوت في مثل هذه الحالات هو من ذهب لكن هذا لا يعني بأي حال السكوت عن الخطأ.

الإنسجام الذاتي:

الإنسجام مع الذات أمر في منتهى الروعة. معظم الناس يعلمون كم هو من الصعب الإنسجام مع الآخرين ولكن هل فكرت يوماً بالإنسجام مع نفسك؟ ذلك صعب للغاية إنما ممكن. إن حللت نفسك لوجدت أنك في خصام دائم مع ذاتك. وإن لم تحب نفسك فلن تحب أحداً. وإن لم يعش المرء بانسجام مع نفسه فكيف يمكنه أن ينسجم مع غيره؟

الإنسجام مع الذات هو عنصر حيوي للإنسجام مع العالم. لذلك من الأهمية بمكان أن تقدّر نفسك حق قدرها وتحبها لأنها تستحق منك الحب. يجب أن يحب الإنسان نفسه لأن الله خلقه وأنعم عليه بإمكانات سامية.. ومحبة تلك النفس المعنوية أو ذلك الجوهر الزاخر بكل الخلال الكريمة هو ما يلهم المسلك النبيل وينقي الفكر من الشوائب والقلب من الضغائن والأحقاد.

معايرة البوصلة الأدبية:

لا يمكن أن يخادع المرء ضميره أو يبرر تصرفاته الخاطئة أو يفلت من تبعات سلوكه المغلوط حتى ولو أتيح له الإنتقال إلى كوكب آخر. فنتائج أفعاله تلازمه ويتعين عليه تصحيح مساره ومعايرة بوصلته الأدبية لتشير إبرتها دوماً نحو الإتجاه الصحيح.

بعض الناس يعيشون في أسوأ الظروف ومع ذلك فهم في توافق رائع مع أنفسهم وآخرون يمتلكون كل الفرص ولديهم كل ما يحتاجون إليه ومع ذلك هم في خصام مستدام مع أنفسهم، ولذلك يجب أن لا ينتظر المرء الظروف كي تتغير. أقنع نفسك أنك بخير بالرغم من بيئتك التي قد تكون مغايرة لما تتمناه.

من يضع نفسه تحت رحمة الظروف

وينتظر حتى تتغير فسيطول انتظاره.

يحكى أن شخصاً كان يتقن ثماني عشرة لغة ومع ذلك كان فقيراً للغاية بحيث لم يقدر على شراء مصباح يقرأ على ضوئه. فكان يذهب إلى إحدى الزوايا ويجلس تحت ضوء الشارع ليقرأ. حقاً أن الإرادة تبتكر الوسائل وتخلق الفرص وتجدد الآمال وتنجز الأعمال وتحقق الأماني والأحلام.

التواصل الفعلي مع العارفين بالله يمكن أن يتم عن طريق الاتصال الشخصي بهم أو القراءة التأملية لكتاباتهم أو التفكير العميق والودي بهم.

والناحية الهامة التي ينبغي تذكرها

هي التوافق مع وعيهم المتوافق مع الله.

عندما نناغم وعينا مع نفوس عظيمة مُحبة لله فإن ذلك التناغم يغيّر حياتنا تدريجياً على نحو في منتهى الروعة. هذا التناغم لا يستعبد الإرادة بل يوسع نطاقها ويعزز قواها. وهذا هو الفرق بين التناغم مع أشخاص مليئين بـ "الأنا" وبالتفكير فيما يمكنهم الحصول عليه ومع محبي الله والإنسانية الذين غايتهم العطاء وإيقاظ الحب الإلهي في نفوس المتناغمين معهم. ومغناطيسة هؤلاء المباركين تجعلنا على اتصال وثيق بالمغناطيسية الإلهية.

يجب أن نضع نصب أعيننا ونأخذ في اعتبارنا أنه أثناء بذلنا المجهود لتحقيق احتياجاتنا الخاصة يتعين علينا مساعدة الآخرين في الحصول على ما يحتاجون إليه ومقاسمة الأقل حظاً ما يصل إلينا من خيرات الحياة ولنتذكر بأننا جزء لا يتجزأ من الأسرة العالمية وأنه لا يمكننا أن نعيش بدون هذه الأسرة الكبيرة.

كيف ستكون الحياة بدون النجار أو المخترع أو المزارع وغيرهم؟ فمن خلال الأخذ والعطاء وتبادل الخدمات يريدنا الله أن نفكر بالآخرين ونتعاطف معهم ومن الخطأ الفادح أن يعيش المرء لنفسه دون الإهتمام بغيره. عندما نفكر بسعادتنا يجب أن نفكر أيضاً بإسعاد الغير. ليس مطلوباً منا أن نعطي كل ما لدينا من أجل رفاهية الأسرة العالمية لأن ذلك مستحيل، بل علينا أن نشعر بشعور الآخرين ونعمل ما بوسعنا لتقديم العون لهم والتخفيف من أعباء الحياة عنهم.

هناك علاقة بين النجاح

وبين رضاء الروح

في سياق البيئة التي يعيش فيها الفرد

النجاح الحقيقي هو نتيجة للسلوك المتسق مع مبادئ الحق، ويشمل سعادة ورفاهية الآخرين كجزء لا يتجزأ من الرضاء الشخصي. ومن يطبق هذا القانون على حياته المادية والعقلية والخلقية والروحية سيجد أن هذا التعريف كامل وشامل للنجاح.

الناس يفكرون بالنجاح بطرق مختلفة اعتماداً على هدفهم في الحياة. وبين الحين والآخر يقرنه البعض بالسرقة كأن يقولوا "إنه لص ناجح"! وهذا يبين أن ليس كل نجاح هو نجاح مرغوب فيه، فنجاحنا يجب ألا يؤذي الآخرين.

وهناك مؤهلٌ آخر للنجاح

وهو جلب الإنسجام والنتائج الإيجابية

ليس لأنفسنا فقط

بل يتعين علينا مقاسمة تلك المزايا مع الآخرين أيضاً

إن بلوغ النجاح المادي لا يعني التمتع بما نستحقه وحسب بل يعني أيضاً أن لدينا مسؤولية أدبية تجاه مساعدة الاخرين كي يخلقوا حياة أفضل لأنفسهم. كل من عنده ذكاء يمكنه أن يكسب المال ولكن إن كان يمتلك الحب في قلبه فلن يتمكن من استخدام ذلك المال بأنانية بل سيتقاسم ما يمتلكه مع الآخرين.

المال يتحول إلى لعنة في أيدي البخلاء المقترين لكنه بركة ونعمة لذوي الأيادي السخية والقلوب الطيبة.

النفوس الطيبة تجذب نفوساً طيبة وتنجذب إليها

يجب أن نتعلم كيف نحب جارنا كنفسنا ولنتذكر أننا هنا في هذه الحياة لفترة وجيزة من بعدها نرحل إلى عالم آخر يتوقف مستواه على مستوى تفكيرنا ونوعية أفعالنا إبان إقامتنا الأرضية هذه.

من هم أقرباؤنا الحقيقيون؟ بالنسبة للحكيم الكل هم أقرباؤه وكل واحد "جاره". بالطبع، الحكيم قادر على التمييز ويدرك أنه مع أن الشمس تسطع بضيائها على قطعة الفحم وقطعة الألماس لكن الألماسة، دون الفحمة تمتلك خاصية استقبال النور وإظهاره على نحو رائع. يجب أن يسعى الشخص لمصاحبة ذوي الأفكار والمشاعر التي بصفاء الألماس ويجب أن يصرف الوقت في البحث عن الأصدقاء الصادقين. من يعش حياة نظيفة وصادقة سيجلب إليه أصدقاء يتميزون بالنظافة والصدق، ومن يعش بغرائز حيوانية دون تمييز سيجلب إليه أصدقاء من نفس النوعية.

إن كنت تثمن المُثل الراقية والمبادئ السامية فمن المستحسن عدم مخالطة الأشخاص الذين لا يؤمنون بتلك المثل والمبادئ والذين يشوشون الأفكار ويعكرون المزاج حتى لا تعمل ذبذباتهم عل خفض مستوى ذبذباتك.. وفي نفس الوقت لا تستثنِ أحداً من دائرة محبتك.

وبالإضافة إلى ذلك

يجب أن لا يعطي الإنسان الحب وحسب

بل عليه أن يصنع السلام أيضاً بحيث أينما ذهب يخلق الوئام والهدوء وينعش الحاضرين بوجوده الطيب بينهم. لا أحد يرغب بالإقتراب من ظربان نتن الرائحة – أعزكم الله - بل الكل يتحاشوه. وبالمثل فإن الشخص العصبي الإنفعالي اللجوج يضايق الآخرين وينفّرهم. نريد أن نكون كالورود الناضرة التي تنفح أريجاً طيباً يبهج الخاطر. فلنعمل على نشر عبير السلام ونفحات الخير أينما توجهنا وحيثما حللنا.

مملكة الله ليست وسط الغيوم أو في مكان محدد من الفضاء. إنها خلف الظلمة التي نراها عندما نغمض أعيننا وعندما نتأمل ونبتهل تنفتح بنا عين الروح الموجودة في الجبهة فنبصر نوراً مباركاً ونشعر بغبطة تتخلل كل خلايا الجسم ونحس بأن الحجاب قد رُفع وأن باباً سرياً قد فتح إلى مملكة الله.

الله هو فرح دائم التجدد وذلك الفرح كلي الوجود. يجب أن نشعر بتوحدنا مع ذلك الفرح الذي يسكن في داخلنا ويحيط باللانهاية.

خلف الحدود الإهتزازية للمادة الكثيفة يكمن الوعي الكلي اللانهائي الذي يفوق حد الوصف بكل مجده واتساعه ولامحدوديته. تلك هي مملكة السماء التي هي غبطة واعية أبدية ولا حد لها ولا انتهاء.

عندما تتوسع مدارك النفس

وتشعر بحضورها في كل مكان

تتوحد عندئذ مع الروح الإلهي

المجد للمطلق اللانهائي

المتربع على عرش الأفق

حيث تتصل السماء بالمحيط

والمجد للانهائي الفائق

المتربع على عرش السلام في داخلنا

بالتركيز على اللانهائي في داخلنا

يمكننا الحصول على قوته التي لا حد لها

المعرفة المتحصلة من دراسة الكتب أو من البشر هي معرفة محدودة، أما المعرفة المستقاة مباشرة من الله فتمنح قوة الحكمة وروعة اليقين وطمأنينة القلب وسلام الروح.

يا رب، علمني كي أصلي بتركيز عميق وكي أمزج التأمل بالأشواق الوجدانية.. وليتطهر قلبي يومياً بمحبتي الخالصة لك.

التحرر من قيود الكارما

كل عمل، عقلياً كان أم جسدياً

شعورياً أم لا شعورياً

له تأثير محدد على حياة الشخص

الأعمال السابقة

هي ليست فقط تلك التي قام بها الإنسان

منذ أيام أو شهور أو سنين

بل أعمال من حيوات ماضية أيضاً

{كُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}

التأثيرات الحسنة والسيئة للأفعال التي يقوم بها المرء

في حياته الحاضرة تبقى مخزونة في اللاشعور أو الوعي الباطن

والآثار التي يحملها الشخص (أو تحملها نفسه) من تجسدات سابقة

تكمن كبذور في اللاشعور

بانتظار الظروف المناسبة

كي تنتش وتنمو في وقت محدد كارمياً

إن قانون الكارما الذي يوازن الأمور

ينطوي على الفعل ورد الفعل

السبب والنتيجة

الزرع والحصاد

كل إنسان يصمم بأفكاره وأفعاله قدَره بنفسه والطاقات التي يطلقها بحكمة أو بغباء لا بد أن تعود إليه كنقطة ابتداء تماماً كالدائرة التي تكمل نفسها بدقة متناهية. [والسؤال هو] هل يتعين على المريد الراغب أن يواجه - بالرغم عن إرادته - نتائج أفعاله السابقة كأمر لا مفر منه، أو ما يدعى بالمصير المحتوم؟ الجواب هو لا. الله هو ناموس ومحبة والمريد الذي يتوجه إليه بشوق صادق وإيمان كلي ويوفق أعماله مع القانون الإلهي ويطلب حب الله غير المقيد بشروط سيحصل بكل تأكيد على اللمسة الإلهية المباركة التي تخفف الأحمال الثقال وتحسّن الأحوال.

لقد وضعنا الله في هذا العالم المحفوف بالأوهام ويعرف ما نعانيه وما يعترينا من تجارب ومحن.. والإنسان يضاعف الظلمة الداخلية للجهل الروحي عندما يعتبر نفسه غارقاً في الخطايا ولا قدرة له على انتشال نفسه من مغاصة المعاصي. الأفضل له أن يحاول تصحيح نفسه ملتمساً العون والحنو من قلب الرحمة الإلهية.. متعشماً الصفح من المعبود الودود ذي الحنان والغفران.

عندما ندرك صلتنا الوثيقة بالله فأية كارما يمكن أن تقيدنا؟ لا تدع أحداً يقنعك بأن آلامك ومصاعبك هي نتيجة كارماك فأنت كروح في جوهرك لا كارما لكَ، إنما يجب أن تدرك هذه الحقيقة بالتأكيد لنفسك أنك واحد مع جوهر الحياة والنور والقوى الكونية.

إن أدركت هذه الحقيقة فلا خوف عليك

وسيفتح الله في وجهك أبواباً كثيرة

ويتيح لك فرصاً عديدة

إن كنت غير مرتاح للكيفية التي تسير بها حياتك غيّر نمط تفكيرك واشحن أحاسيسك بطاقة إيجابية وستلمس الفرق بنفسك.

لا حاجة أن يتأوه الناس ويتحسرون على ما فاتهم وأن يعزوا ظروفهم التعيسة لأخطاء ارتكبوها في هذه الحياة أو في الماضي السحيق لأن هذا نوعٌ من التهامل الروحي. يجب التحرك واقتلاع الأعشاب الضارة من حديقة الحياة وستنبت عندئذ أعذب وأنضر الأزهار وتعطي أحلى وأشهى الثمار.

من فضله تعالى

التسليم لله لا يعني عدم استخدام إرادتنا لتحسين أمورنا وانتظار الله كي يسوّي أوضاعنا دون أي مجهود من جانبنا، فالله يساعد الذين يساعدون أنفسهم.

المقصود هو أننا نتعلم كيف نذهب إلى الله كي يوجّه إرادتنا ويبارك ويعزز مجهوداتنا الصحيحة وعندما نتخطى عقبة عدم الرغبة في التسليم نجد في الله الحماية التي لا يستطيع أحد في هذا العالم أن يمنحها لنا ونجد أيضاً قوة لا يمكن لامتحان أن يقهرها.

كل واحد يمكنه تأسيس علاقة خاصة مع الله إن عرف كيف يفتح قلبه لله ويشتهي حضوره الرباني الذي يمنح الغبطة واليقين.

عندما يشعر الإنسان بحاجة ملحة لله بحيث يعلم أنه لا يستطيع الإستغناء عنه سيجد أن الله يستجيب له بطريقة أو بأخر. ولكن عليه أن ينمّي أولاً ذلك الإحساس القوي لأن الإستجابة لن تأتي من تلقاء ذاتها.

إن لم نخصص المكان الأول لله في حياتنا فستكون حالة وعينا قلقة يعتريها التشويش ولن نتمكن من التعامل على نحو منطقي وسليم مع متطلبات الحياة التي لا تنتهي.

وما هي الطريقة لتنمية تلك الرغبة؟

في كل مرة تواجهنا مصيبة أو مكروه

وكل مرة نشعر بثقل في قلوبنا

يجب أن نقصد الله ونطلب عونه

مدركين أن من يحب الله

ويحفظه في فكره ووجدانه

ستتحسن أحواله

وتتغير أوضاعه نحو الأفضل

عندما نخضّ ونمخض الأثير

بابتهالاتنا الحارة ونداءاتنا الوجدانية

سنستخلص زبدة الإستجابة الإلهية

التي فيها الغذاء والشفاء والهناء

لمن يشتهي غذاء الروح

الإحباطات والإخفاقات الماضية لا تهم

بالإمكان تعلم الدروس منها

والمحاولة من جديد

وتكرار المحاولة عوداً على بدء

وسيكون النجاح مضموناً بعونه تعالى

لكل من لا يثبطه الفشل

ولا تفل من عزيمته الفواجع

ويؤمن إيماناً قاطعاً

بأن الله يعضد المثابرين

السائرين على الطريق الصحيح

ويمدهم بالأمل والقوة والإستبشار

حتى بلوغ المقصد الأسنى

وتحقيق غاية الحياة

الفكر قوة كالكهرباء

والحالات النفسية

تعود إلى الفكر وطريقة التفكير.

الكهرباء نافعة وضارة في آن

فمن يحسن التصرف بها

يضعها في خدمته

وإلا فقد تصعقه.

وكذلك الفكر أيضاً

إن تم توجيهه في مسارات صحيحة

يجلب لصاحبه السعادة

وبخلاف ذلك يجلب له المتاعب.

الفكر كالحصان الجامح

ومع ذلك ليس ترويضه بالأمر المستحيل

والتفكير الإيجابي هو أحد طرق التحكم بالفكر.

الفكر السليم صديق حميم

والفكر السقيم عدو مقيم.

الفكر السليم يجذب السلام والسلامة

والفكر السقيم يطلق سهاماً فتاكة

فترتد على صاحبها مضاعفة

ولذا قيل الجزاء من نوع العمل.

وما دام المرء يبعث بنوايا الخير

ستتحول أفكاره إلى مشاعل

تنير حجرات النفس

وتطرد أكداس الظلام

فيشعر إذ ذاك براحة عميقة

وتشع عيناه بابتسامة الرضى!

دامت البسمة في عيونكم

وعلى وجوهكم

والسلام عليكم

الحياة هي كالمطحنة التي تطحن

حبوب الاختبارات والتجارب المثمرة

لتصنع منها خبز الحياة.

وهي كطريق متعرج

على جانبيه أزهار ناضرة

وفراشات زاهية

وأشجار على أغصانها ثمار شهية

ومع ذلك نادراً ما نتوقف

لنستمتع بمنظرها وتذوق عذوبتها

بل غالباً ما نكون على أحر من الجمر

للوصول إلى مساحات أوسع

نظن أن فيها مناظر أكثر بهجة مما رأيناه.

لكن مع ابتعادنا التدريجي

عن الدروب المزهرة المثمرة

نجد أشجاراً فيها من القتامة

أكثر مما فيها من النضرة

ثم تختفي الزهور

ومعها الفراشات وأيضاً الفواكه

لنجد أنفسنا بعد ذلك في بلقع الصحراء.

حياة الإنسان هي كمياه البحار

التي تتنقى وتصبح عذبة

فقط عندما تصعد إلى الأجواء العليا.

وهي كحلم الصباح

تزداد إشراقاً مع تقدم سني العمر

والسبب هو أن الأشياء تبدو عندئذ أكثر وضوحاً وصفاءً.

وهي كالرحلة من حيث تغيّر المناظر مع قطع المسافات

ثم تتغير نفس المناظر كلما اقتربنا منها، وهكذا دواليك.

الحياة لا تخيّب أمل الحكماء

إذ يتعاملون معها بحنكة ويستمتعون بها

دون السماح لها بالإستحواذ عليهم وسلبهم حريتهم.

فهم على سبيل المثال يستمتعون بالماء..

يشربونه ويغتسلون به، لكن لا يسمحون لأنفسهم بالغرق فيه.

وهم يستمتعون بالملابس التي تروق لهم

دون تقيد زائد بالرسميات والشكليات التي تعتبر من السطحيات.

ويتلذذون بتناول الطعام دون السماح للشـَره بأن يأكلهم

لأن الإفراط في تناول الطعام ينهك القوى

وينهش المدركات

ويفتك بها فتكاً ذريعاً.

وهكذا.. يجب أن يتمتع الإنسان بالحياة

إنما دون إنهاك الحواس بالإنغماس.

مع تمنياتنا للجميع برحلة حياة سعيدة.

كنوز شرقية - غربية

إعداد وترجمة محمود عباس مسعود

التوافق مع الآخرين

لا يعني موافقتهم على كل شيء

أو تضحية المُثل من أجلهم

لأن هذا الأسلوب من التوافق غير مستحب

ولا ينسجم مع الحق.

فالمصلحون والعظماء لم يتوافقوا

مع كثيرين من الناس من حولهم

ومع ذلك احتفظوا بمَثلهم الأعلى

لأنهم أدركوا أن ما كانوا يقومون به

كان عين الصواب.

يجب عدم المساومة على مبدأ

وعدم اللجوء إلى نوايا مبيتة لتحقيق غرض ما

لأن ذلك لا يليق بالمبدئيين.

من يستطع العيش بكيفية ترضي الله

ولا تلحق الأذى بالغير فلا خوف عليه.

أولاً وقبل كل شيء يجب التوافق مع الله

ثم مع الضمير ومن بعدها مع الناس.

أما إن لم يُرضِ هذا النهج الآخرين

فيكفي أن يكون المرء مرتاحاً في داخله

ويشعر بطمأنينة ذاتية تغنيه عن رضى الناس.

إن قوة النفس ورغبتها

في التوجّه إلى الله

تدعى مغناطيسية روحية

وبهذه المغناطيسية

تجذب النفس لذاتها بركات

واهتزازات رفيعة

وكل التجارب البشرية الطيبة

التي تذكـّرها بالخير والصلاح.

المغناطيسية الروحية

هي القوة التي بواسطتها

يجذب ويجلب الشخص إلى نفسه

أصدقاء طيبين

وأشياء ضرورية وهامة

ومعرفة بديهية للأمور.

وهذه القوة مستمدة

من قوة الله المغناطيسية الجاذبة.

شمعة السلام

خذ وعاء عقلي

واملأه بسلامك.

خذ قارورة مشاعري

واملأها برحمتك.

خذ سلة روحي الفارغة

واملأها بثمار حكمتك.

اسكب مياه محبتك في روحي

علني أصبها في أكؤس عطاش الروح.

اهدم جدران الأنا

واغمرني بحضورك الكلي.

إن شعاع فجر المحبة

ليطل من فتحات قلبي

فيذكرني بنور شمس حبك

المنتشر في سماء حياتي.

لقد أشرق سطوع حبك الباهر

على نفسي فاستنارت

وملأ نورك فضاء روحي.

أنت الحياة التي تعيل جسدي

والعقل الذي يلهم أفكاري

والحكمة التي تبدد جهلي.

إنني أضيء شمعة حبي النحيلة

لأقرأ الكتاب الذهبي

المحفوظ في داخلي منذ القِدم.

حبك كان ولم يزل

شمعة السلام غير المنظورة

التي تبدد الظلمة وتريني رسائلك

المدونة على صفحات القلوب.

ليظهر مجدك يا رب

وليبدد نورُ حكمتك

الجهلَ والخصام والحسد

من شطآن الأرض للأبد.

حوّل ضعفنا إلى قوة

ووهننا إلى عزيمة

واشحن أجسامنا بكهرباء الحيوية

واغمر الفكر والروح بنورك الشافي.

خذ بيدنا كي لا نغرق في مياه الغفلة عنك واملأ كياننا بمحبتك وحكمتك.. ولنشعر أننا قريبون كل القرب منك وأن شمس رحمتك تسطع علينا على الدوام.

إنني أضع أزاهير أفكاري الهامسة الناضرة

في هيكل السكون..

فيشيد عطرها الصامت

ويشدو بأمجادك..

وبإشراقة نورك القدسي أبصر جمال وجودك وتتحقق أحلامي السعيدة.

عندما يومض نورك في روحي تشتعل الحجب بنار الحكمة فأبصر مجدك ويتعاظم فرحي.

أشرق الله بأنواره عليكم

وتحية الروح لكم

هناك مطالب ومتطلبات كثيرة يفرضها العالم علينا ويقنعنا بأهميتها القصوى وبعدم إمكانية العيش بدونها أو الإستغناء عنها.. لكن المطلب الأساسي يجب أن يكون الحصول على سلام الله الذي لا تجف منابعه ولا ينضب معينه والذي يمنح لكل شيء في الحياة طعماً ومعنى.

لنتذكر أن الله هو جوهر كياننا وأن المحبة هي النافذة التي نرنو من خلالها إلى وجهه الكريم. من يرغب في الإحساس بالحضور الإلهي ويغذي تلك الرغبة السامية فكراً وفعلاً سيحقق الله مطلبه ويعينه على تمزيق الحجب التي تحول دون معاينة الأنوار المباركة.

من يعقد العزم على المضي قدماً على الطريق لن يصده شيء ولن يعيقه عائق حتى يبلغ مقصده ويحظى بمنية قلبه.




درر وغرر روحية

مزيد من تعاليم المعلم برمهنسا يوغانندا

PARAMAHANSA YOGANANDA


إن من يظهر ضعف الآخرين ويسبب لهم الإحراج والحنق هو بعيد عن الحكمة والسداد. يجب أن نمقت الخطيئة وليس الخاطئ لأنه أخ لنا في الروح بالرغم من ظلمة الجهل التي تغلفه وتخيّم عليه. الغرض من الإدانة يجب أن يكون الشفاء لا التشفي والتجريح. يجب أن نعامل الأخ الخاطئ كما نرغب أن نـُعامَل لو كنا مكانه وفي وضعه.

{من ستر عيب أخيه في الدنيا ستر الله عيبه في الآخرة}

مثلما ندين الآخرين يديننا القانون الروحي بنفس المقدار. ويجب ألا نتوقع الكثير من الآخرين، ولا ننتظر نتائج حسنة على الدوام من أي إنسان حتى ولو كان يبذل أفضل ما بوسعه.

قد يسقط الشخص ويتعثر، لكنه سيظل آمناً ما دام يبذل قصارى جهده ليرتقي سلّم الفضيلة والصلاح من جديد.

كل يوم يجب أن نحاول رفع معنويات المريض جسدياً أو نفسياً أو روحياً في بيئتنا مثلما نساعد أنفسنا أو أفراد عائلاتنا.

ومن يحاول من اليوم العيش طبقاً للقوانين الإلهية – بدلاً من العيش الأناني القديم الذي يجلب العناء والشقاء – سيجد أنه مهما كان الدور الذي يلعبه في الحياة متواضعاً يبقى مع ذلك دوراً هاماً ما دام يقوم بواجبه على أكمل وجه بحسب توجيه مدير المسرحية الكونية وسيد أقدارنا جميعاً: الله عز وجل.

عندما نتفاعل مع الآخرين بإخلاص فعلي وبمحبة صادقة ومراعاة للمشاعر ، سنجلب إلينا أصدقاء طيبين دون أن يكون للمصالح الشخصية أو الحسابات الأنانية أدنى اعتبار، وإلا فلن نتمكن من التعرف على أصدقائنا الحقيقيين.

لا بد من التخلص من المراءاة والزيف، والتصرف على نحو لا يلحق الأذى المتعمد بالآخرين.

يجب عدم إغضاب الأصدقاء أو الإستخفاف بهم أو استعدائهم أو إعطائهم سبباً لأن ينمّوا مشاعر غير ودية نحونا. ويجب عدم إساءة معاملة الأصدقاء أو استغلالهم أو تقديم النصيحة لهم ما لم يطلبونها، وعندما يطلبونها يجب تقديمها بإخلاص ولطف، دون خوف من التبعات. الأصدقاء يساعدون بعضهم بالإنتقاد الأخوي البناء.

تجارب الحياة الصعبة لا تأتي لكي تشل إرادتنا وتهزمنا، بل لتشحذ عزمنا وتعزز إيماننا بالله وثقتنا بأنفسنا. البعض يظن أن تلك التجارب والتحديات قوىً مدمرة لا تـُقهر.. فيستسلمون. الموقف النفسي الصحيح كفيل بتنشيط القوى الباطنية للتعامل بفعالية مع الحياة وتجاربها.

إن لم يتصارع الشخص مع شخص أقوى منه فلن يصبح قوياً. وبالمثل عندما نواجه صعوباتنا بجرأة وبقوة نفسية نصبح أكثر قوة ومنعة.

عقولنا هي جزء لا يتجزأ من وعي الله الكلي. وتحت موجة وعينا يقبع محيط وعيه اللانهائي. عندما تنسى الموجة أنها جزء من المحيط الأعظم تفصل ذاتها عن تلك القوة الأوقيانوسية. ونتيجة لذلك أصبحت عقول الناس واهنة بفعل القيود المادية ولم تعد قادرة على العمل المثمر والإنتاج الوفير. عندما تنفض العقول عنها غبار الجهل وتقطع القيود المكبلة لقواها ستصبح أكثر قدرة على الإبداع والتفاعل بإيجابية مع الحياة.

عندما تتمسك بفكرة معينة وتشحنها بإرادة قوية تتحول تلك الفكرة إلى قوة ديناميكية. وعندما يصبح الفكر ديناميكياً يتمكن من خلق المناخ الملائم للنجاح طبقاً للخريطة غير المنظورة المرتسمة في الذهن.

يفشل الناس لأنهم يستسلمون لظروف الحياة القاسية دون مقاومتها بدلا من مقاومتها دون استسلام. لا بد من تمرين وتفعيل قوة الإرادة.

الذين يدخلون محراب السكينة يمكنهم التواصل روحياً مع نفوس أخرى محبة لله ويمكنهم فهم لغة الورود وكل الكائنات الحية.

يا رب، لتكن الملك الأوحد المتربع على عرش حبي وأشواقي.

الذين يتأملون يشعرون بطمأنينة مدهشة ويجب المحافظة على تلك السكينة الداخلية حتى في صحبة الآخرين. ما يتعلمه الشخص في التأمل يجب ممارسته في النشاط وأثناء التفاعل مع الآخرين دون السماح لأي كان بالتشويش على هدوئه أو تعكير سلامه.

عندما ترغب بإنشاء عادة جيدة أو القضاء على عادة سيئة، ركّز على خلايا الدماع حيث تتموضع آليات العادات على اختلافها.

لإنشاء عادة جيدة، أجلس أولاً بهدوء وتأمل ملتمساً العون الإلهي.

ركّز ذهنك على محور الإرادة في الجبهة ما بين الحاجبين وبعمق أكد لنفسك العادة التي تريد أن تغرسها في الدماغ. وعندما ترغب في القضاء على عادات سيئة، احصر أيضاً انتباهك في مركز الإرادة وأكد بعمق أن كل الأخاديد التي تعشش فيها تلك العادات يتم مسحها. بالتركيز وقوة الإرادة يمكنك مسح حتى الأخاديد العميقة للعادات القديمة المستحكمة.

أكد لنفسك مراراً وتكراراً أن لديك من قوة الإرادة ما يكفي لاستئصال جذور العادات غير السليمة من منطقة الدماغ.

الوقت الأنسب لمثل هذا التأكيد هو الصباح الباكر عندما تكون الإرادة والإنتباه يقظين.

واصل التأكيد لنفسك بأنك متحرر من كل الإملاءات وستجد يوماً ما أنك - بعو الله - قد تحررت بالفعل من العادة التي تريد التخلص منها.

مهما كان الشيء الذي تخشاه، ابعد فكرك عنه واتركه لله. عزز يقينك بالله وثق بأنه قادر على مساعدتك.

إن قدراً كبيراً من المعاناة ناجم عن الهم والقلق. لماذا يتعين عليك أن تتألم والشيء الذي تخشاه لم يقع بعد؟ تصور نور الله الواقي يحيط بك من كل جانب وستشعر بحمايته العجيبة.

بما أن معظم اضطراباتنا تأتي عن طريق الخوف، فإن أقصينا الخوف من حياتنا سنشعر بالحرية وسيكون الشفاء فورياً. كل ليلة وقبل النوم مباشرة أكد لنفسك أن الله معك وأنه يحميك ويرعاك.


في هذه المسرحية الكونية، يقوم البشر من كل الأجناس بتمثيل دراما الحياة على مسرح الزمن. يجب أن ندرك مغزى الحياة دون الإنهماك الزائد أو التحقق المفرط مع أدوارنا المؤقتة.

إن إدراكنا للحياة كثيراً ما يشوبه التشويه والإنحراف لأننا ننظر بعيون الأنانية والأفق المحدود، ولو نظرنا بعين الروح لأبصرنا الأمور من منظور آخر تماماً.

عندما نفتح عين الحكمة نبصر نور الله الشامل، وفي ذلك النور نعاين طبيعتنا الروحية التي هي انعكاس لطبيعة الوعي الكلي الذي يتخلل كل جزيئات وأجزاء الكون.

الحقائق الروحية تحيط بنا وتقرع على أبواب عيوننا المغمضة وتستحثنا كي نبصر النور بدل الظلمة ونعمل بوحي الحكمة وليس الجهل ونملأ قلوبنا بالمحبة لا بالكراهية ونتعاون على إحلال السلام وجلب الوفرة والأمن إلى عالمنا.

عندما نفعل ذلك سيتبدد الجهل وتنعدم الفوارق الوضعية وسنبصر الوحدة في التعداد ونصبح أكثر توافقاً من الإرادة الإلهية.

إن علاقتنا مع الله ليست علاقة باردة أو علاقة غير قائمة على الحب والدفء كالعلاقة بين رب العمل والأجير. نحن عياله واهتمامه بنا لا يتوقف، وهو يصغي لنا على الدوام. إننا جزء لا يتجزأ من كيانه وعلاقتنا به حية وحيوية.

لقد وهبنا خالقنا ثروة لا تنضب من المحبة والفهم والبصيرة والإرادة الطيبة والقوة الروحية، لكن معظمنا بدد تلك الثروة على اللاشيء. الله يريدنا أن نحيا بأمن وطمأنينة وتعاون ودي كما يليق بأفراد أسرة نبيلة متحابة، لكن الأطماع والحسابات الأنانية نبتت وترسخت في النفوس وفرقت ما بين الأهل.

الله يريدنا سادة لكننا اخترنا أن نكون عبيدا.ً

لقد ابتعد الإنسان كثيراً عن بيته السماوي وفقد الفردوس الباطني المتمثل في الإحساس بقربه من الله وقرب الله منه، ولن يتمكن من استعادة ذلك الفردوس دون مجهود ذاتي.

لقد خلقنا الله على صورته ولكن غابت تلك الحقيقة عن أذهاننا. لقد استسلمنا للوهم بأن قـَدرَنا هو العناء ومآلنا الفناء، ويجب أن نمزق حجاب الوهم بخنجر الحكمة لنرى الحقيقة الناصعة من خلف الحجاب.

من نحن وما هي طبيعتنا الحقة؟

البشر لديهم فوارق ظاهرية بيّنة، سواء من حيث تركيبتهم السيكولوجية أو العاطفية أو الأدوار التي يلعبونها في الحياة أو الأعمال والنشاطات التي يمارسونها أو الرغبات التي يحسّ بها كل منهم لكن تحت كل هذه الفوارق يكمن شيئان اثنان يريدهما بل ويحتاجهما كل إنسان دون استثناء. أحدهما هو التحرر من كل صور التألم والعوز. أما الشيء الآخر فهو السعادة التامة والدائمة.. الرضاء الكلي حيث السلام والحب والحكمة والفرح.

في الحقيقة إن ما يسعى البشر لبلوغه هو الله، سواء استخدموا تلك التسمية أم لم يستخدموها. الحكماء يقولون أن الله هو جوهر الغبطة وروح السعادة. ولن يشعر الإنسان بالرضاء التام ما لم يستق مباشرة من الينبوع الكوني. وتلك نقطة محورية لفهم الحالة البشرية.

ولكن أين يبحث الناس عن ضالتهم المنشودة؟

يبحثون عنها في الأمور الدنيوية فقط: في الممتلكات والظروف الخارجية والعلاقات مع أشخاص آخرين. إنما مستحيل العثور عليها في أي شيء أو في أي شخص أو في أي ظرف في هذا العالم نظراً لطبيعة الخليقة نفسها.

الخليقة قائمة على مبدأ الثنائية. يستحيل الحصول على صورة بلون واحد فقط، إذ لا سبيل للإستغناء عن النقيض. وبالمثل، مستحيل أن يوجد مظهر واحد من مظاهر الوجود بمعزل عن الازدواجية. لكن لدى تمحيص الرغبات التي تحرّك الناس نجد أن كل منا يرغب فقط بالحصول على الأشياء الطيبة، الممتعة، الجميلة، والإيجابية دون أدنى رغبة في التعامل مع كل ما هو كريه وغير مستحب.. إنما ذلك من المستحيلات.

في هذا العالم الثنائي لا وجود للذة دون الألم، أو للنور دون الظلام، أو للخير دون الشر، أو للحياة دون الموت. لا يمكن فصل أحد وجهيّ العملة عن الوجه الآخر. وهذا يعني أن ما نتشوق إليه في أعمق أعماقنا لا يمكن الحصول عليه من هذا العالم.

هناك قول شرقي مأثور في هذا السياق هو: "تلك هي الحقيقة سواء عرفتها الآن أو بعد ألف عام."

والسؤال هو: هل مكتوب علينا مواصلة البحث في المكان الخطأ وبالتالي الشعور بالخيبة والإحباط نتيجة لذلك؟

الناس يبحثون.. أجل يبحثون بكل ما أوتوا من قوة لكنهم غير قادرين على العثور على ما يبحثون عنه مما يخلق في نفوسهم القنوط وفقدان الأمل. ولا يؤدي ذلك إلى القنوط وحسب بل إلى استياء كبير وغضب عارم، وبالتالي إلى أعمال عنف.. هذا كله يحدث لأنهم لا يبحثون عن ضالتهم في المكان الصحيح، ونتيجة لذلك لا يعثرون على مُنية قلوبهم

الناس في عصرنا هذا لا يعرفون الكثير عن معنى الحياة وغايتها، ولذلك يعانون من الحيرة والإرباك.

الإنسان في طبيعته كائنٌ يبحث عن هدف. فإن لم يكن له من هدف في الحياة، وإن كان عقله وطاقاته وإرادته وعواطفه غير موجّهة في منحى إيجابي بنـّاء يتحول إلى اتجاهات مدمرة كتعاطي الكحول والمخدرات واللجوء إلى العنف وهلم جرّا. الغاية الأسمى للحياة هي معرفة الله... ويتعين على الإنسان إحداث توافق بين أدواره ونشاطاته الخارجية عن طريق العمل الصحيح والنظرات السليمة والمواقف الإيجابية والتصريف النافع للعواطف.

هذان المظهران لطبيعتنا: المظهر الباطني أو الروحي والمظهر الخارجي ليسا في تناقض مع بعضهما فيما لو تم فهمهما على الوجه الصحيح. بل يدعم أحدهما الآخر ويساعداننا على تنمية وتطوير قدراتنا وإمكاناتنا مادياً ونفسياً وعاطفياً وروحياً.

الناس يعيشون في فراغ كبير دون حوافز فكرية أو منشطات نفسية.. يشعرون بالسأم لانعدام الغاية ولفقدان ما من شأنه أن يعطي لحياتهم قيمة ومعنى الشخص العادي قد يستطيع العمل والتصرف كما لو كان متكاملاً من الناحيتين النفسية والعقلية، ولكن هل هو سعيد؟

الغاية الرئيسية من الحياة هي معرفة من نحن وما هي طبيعتنا الحقة. فإن أولينا الجانب الأعمق من الحياة الاهتمام الذي يستحقه لا بد أن نشعر بالسعادة لأن سعادة الإنسان مرتبطة بتواصله مع ذاته الروحية التي لا كيان ولا كينونة له بدونها.

استئصال جذور الفشل والمرض

الخوف من الفشل أو المرض يتم تغذيته بالتفكير الدائم به حتى تتسرب فكرة الفشل أو الفشل من العقل الواعي إلى العقل الباطن وصولاً إلى الوعي السامي. بعد ذلك يبدأ الخوف المترسخ في اللاشعور والوعي السامي بالتفريخ والنمو حتى يملأ العقل الواعي بنباتات الخوف التي ليس من السهل القضاء عليها كالقضاء على الفكرة الأولية عند بزوغها وهذه النباتات الضارة تثمر أخيراً ثماراً سامة ومميتة.

إنما لحسن الحظ يمكن استئصال جذورها من الداخل بالتركيز القوي على الجرأة وبتطعيم الوعي بالإيمان المطلق بالله وبأنه قادر على مساعدة الراغبين في مساعدة أنفسهم وحمايتهم من الأذى.

ذات مرة كانت فقاعة صغيرة عائمة على سطح البحر

متوجسة من العواصف والبروق

فسمعت صوتاً يهمس لها

أيا فقاعة الحياة الصغيرة، ما خطبك؟

ألا تعلمين أنكِ جزء من محيط الحياة؟

فنظرت الفقاعة الصغيرة حولها وأدركت تلك الحقيقة

الوعي البشري يعوم كالفقاعة الصغيرة

على سطح بحر الوعي الكوني

ظاناً أنه فقاعة مؤقتة

مرتعداً من المرض والفاقة والموت

أيا أيتها الفقاعة، أمن المحيط تخشين؟

انظري حولكِ.. تأملي جيداً

وحوّلي نظرتك من محيطك الصغير

إلى محيط الله اللامتناهي

تعمقي.. تعمقي ووسّعي الإدراكْ

كي تعلمي وتوقني

بأنكِ واحدة مع بحره الفسيح

وأن الله معكِ

يحرسكِ

يعيلكِ

الآن .. وإلى الأبد

تلافي الشِباك والأحابيل

كلما شعرت برغبة قوية في قلبك تلح عليك كي تحققها،استخدم التمييز واسأل نفسك "هل هي رغبة طيبة لا بأس من تحقيقها أم رغبة سيئة يتعين عدم تكريمها بالتحقيق؟" الرغبات المادية غير السليمة تشجع عاداتنا السيئة بإعطائنا آمالاً كاذبة وسعادة مزيفة في مثل تلك الحالات يتعين استدعاء قوى التمييز لإظهار الحقيقة. العادات السيئة تقود في نهاية المطاف إلى التعاسة وإذ يفتضح أمرها وتظهر على حقيقتها تصبح عاجزة عن اصطياد الإنسان بأحابيل المعاناة وشباك الشقاء.




تأملات وحكايات

للمعلم برمهنسا

في الحياة وفي الممات.. وفي الأحزان والملمات يبقى إيماني بك يا رب قوياً لا يتضعضع راسخاً لا يتزعزع.

كل نفثة من نفثات حنيني وابتهالي تفتح في روحي أبواباً ونوافذ منها أعبر إلى نعيم الله.

مثلما تسطع الشمس على أكثر الأماكن اكتظاظاً هكذا سأبصر إشعاعات الحب الإلهي في كل مجالات حياتي ونشاطاتي اليومية.

باركني يا رب كي أوقظ روحي مع صحوة الفجر وآتي بها إلى أعتابك المباركة.

حكاية الزر العفريت

ذات مرة أتى إليّ رجل وقال أنه يعاني من مرض مزمن في القلب وأضاف:

"لقد حاولت أشياء كثيرة لكني عاجز عن التخلص من وجع القلب."

وبعد تفكير هادئ طلبت منه أن يُحضر لي مقصاً، فنظر إليّ مرتعداَ وقال:

"هل تعتزم يا سيدي شق قلبي؟"

فضحكت وأجبته قائلاً: "أنا لست طبيباً، وهل سمعت في حياتك كلها عن إنسان يستعمل المقص لإجراء عملية جراحية؟!"

أخيراً أحضر مقصاً على مضض، فقمت بقطع أحد أزرار معطفه وطلبت منه أن لا يخيّط زراً آخر مكانه، وألا يضع يده على موضع الزر المفقود، كما طلبت منه أن يعود إليّ بعد أسبوعين، وكنت أتوقع أنه سيشفى خلال تلك الفترة.

ضحك الرجل قائلاً: "سأفعل ما طلبته مني لأنني أثق بك، لكنيي أعتقد أنه أغرب دواء وُصف لي حتى الآن!"

وبعد أسبوعين أتى إليّ مهرولاً وقال مندهشاً:

"لقد أكد لي الأخصائيون أنني شفيت من مرض القلب. فبالله عليك ماذا فعلت؟ هل أخرجت عفريتاً من الزر؟"

فأجبته باسماً: "نعم! إن يدك كانت تلعب بالزر باستمرار وكان الزر محاذياً للقلب.

ذلك الزر كان العفريت الذي سبّب لك آلام القلب. لذلك قطعت الزر وطلبت منك عدم استبداله أو وضع يدك على قلبك. وبهذه الطريقة تخلص القلب من الضغط وكف عن إيلامك!"

كل شيء يتحرك بسرعة، والناس منهمكون في عمل أشياء كثيرة. طبيعي أنه من الأفضل أن يجني الإنسان غلة العالم بدلاً من إضاعة الوقت سدىً بحيث يتخطاه الموسم و (يطلع من المونة بلا حمّص). ولكن يجب أن يجني الإنسان أغنى محاصيل الحياة .. التقرب من الله والتعرف عليه. والطريقة الوحيدة لبلوغ السعادة الحقيقية هي إنجاز شيء ما في هذا العالم، وأيضاً تحقيق النجاح الروحي.

العارفون بالله لا يشرعون بواجباتهم اليومية قبل التأمل على الله أولاً وشحن عقولهم وأجسامهم بالطاقة الإلهية المباركة.

إن متطلبات العالم الكثيرة تعمل على صد الراغبين في الوصول إلى هدفهم الروحي وحرفهم عن المسار الذي اختطوه لأنفسهم. لكن ذوي الإرادات الماضية لا يسمحون لأي شيء بأن يبعدهم عن الطريق فيواصلون السير بهمة بصرف النظر عن الظروف الصعبة والمعاكسة.

مهما أعطانا العالم فلن يُرضي حنين قلوبنا التي تتشوق إلى شيء أكثر ثباتاً وأعظم شأناً وأثمن من كل ما تحويه خزائن الدنيا ونفائسها.

عندما يتوفى المرء – طالت أعماركم – فلن تقدر كل قوى الأرض على عمل أي شيء له. من يستطيع مساعدتنا بعد مغادرة هذا العالم؟ الله. ولذلك يجب أن نفكر دوماً أن هذا العالم هو مجرد محطة مؤقتة في طريقنا إلى البيت السماوي لنحيا للأبد في رحاب الرحمن.

الثراء الزائد لا يضمن امتلاك الصحة والسلام والفعالية، لكن تحصيل السلام والفعالية من شأنه تحقيق نجاح متوازن على المستويين الروحي والمادي.

معظم الناس ينمّون الفعالية العقلية لبلوغ النجاح المادي لا غير. لكن عندما يصبح الإنسان سيد ذاته ويحسن تصريف قواه النفسية والتصرف بها على نحو متسق مع الخطة الإلهية ستتبارك حياته وسيتذوق رحيق الروح وهو على هذه الأرض، ولن يبقى أسير العادات والرغبات، بل سيتحول وعيه إلى قلب الحضور الإلهي وسيمكث فيه متنعماً بمسرات متجددة تعصى على الوصف.

الجسم أعظم صيدلية

ليس كل التوتر ضاراً، فالتوتر يوقظ الطاقة الحيوية التي تسري في أجسامنا ويستحث فينا النشاط والحركة. وقد أثبتت الدراسات أن مقداراً معقولاً من التوتر هو شيء مفيد.

لكن المشكلة تكمن عندما يتخطى التوتر المستوى الصحي.

كل منا لديه حدٌ شخصي للتوتر، وعندما يتم تخطي ذلك الحد نصبح متوترين أكثر مما ينبغي، وقد لا نكون على دراية بذلك قبل أن تبدأ المشاكل بالظهور في الجسم والعواطف والعقل.

الحياة مع الله هي بهجة وفرح، وبدون الله قلق واضطراب وعناء بل وكوارث أيضاً. فما هو السبيل لاستخلاص السلام والطمأنينة من حياة تسودها المصائب والفواجع، ولجلب بعض النعيم إلى هذه الأرض؟

المطلب الأول هو أن نكون على دراية بضغوطات الحياة عندما نقع تحت تأثيرها.

إن الله حكيم عليم، وقد زوّد أجسامنا بمؤشرات كالراحة والمضايقة والهدوء والقلق وعلينا أن نتنبه لتلك المؤشرات. يوجد ذكاء إلهي في أجسامنا ويحاول أن يخبرنا شيئاً ما، ويجب الإصغاء إلى تلك الرسائل خلال أوقات الإجهاد أو الراحة. عندما تشعر بالإجهاد ركّز الذهن على ذلك الجزء من الجسم الذي يعاني من الإجهاد ثم خذ نفساً عميقاً وفي نفس الوقت قم بشد ذلك الجزء - شداً غير عنيف - حتى يهتز، ثم استرخِ وأوقف الشد العصبي. هذا من شأنه الإبقاء على توازن طاقي وحيوي في الجسم ويحفظ الجسم من أضرار التوتر.

كما يمكننا التعامل مع التوتر العاطفي عن طريق التنفس. فعندما تشعر بالخوف أو أية انفعالات أخرى ضارة، تنفس شهيقاً وزفيراً ببطء وبعمق وبإيقاع منتظم عدة مرات، ودع الجسم يسترخي مع كل زفير. هذا سيساعد على إبطاء ضربات القلب المتسارعة ويعيد العمل الطبيعي للدورة الدموية كما يساعد على انسياب طاقة الحياة في الأعصاب ويساهم في إراحة العقل من الأفكار الناشزة.

الحياة ليست حالة من الطوارئ، بل هي تعبير إلهي جميل وعلينا أن نستمتع بها. ولنتذكر أن الإبتسامة قوة إن لم نستعملها نفقد جانباً هاماً من جوانب الحياة.

لقد اكتشف الباحثون في مجال العلوم الطبية أنه عندما نشعر بفيض من الفرح يقوم الجسم بإنتاج مضاد للإكتئاب ومواد أخرى تقلل من التوتر والإجهاد، لا تقل قوة ونجاعة عن تلك التي يصفها الأطباء. الجسم هو أعظم صيدلية على هذه الأرض، وله القدرة على إنتاج الشيء الصحيح في الوقت الصحيح عندما نكون في تناغم مع ذلك الإنسجام الروحي الذي وضعه الله في الجسم.

الإنسان روح وله عواطف ومشاعر، وله جسد يرتديه كثوب أو معطف خارجي. ولكن ما دمنا نعيش على مستوى الجسم والإنفعالات وحسب سنقع تحت التأثير السلبي للتوتر والإجهاد.

عندما نكون على توافق مع طبيعتنا الجوهرية التي هي الروح، ينساب فرح الروح إلى القلب ويتحول إلى حب، والإحساس بذلك الحب المتصل بسلام وطمأنينة الروح والعمل والتعامل تحت تأثيره التوافقي هي الطريقة الأنسب للعيش الطبيعي في عالم يعج بالتوترات والتناقضات. والتناغم مع ذلك الفرح هو الحل لمشاكل الحياة.

ملاحظة: بخصوص العبارة: "يقوم الجسم بإنتاج مضاد للإكتئاب ومواد أخرى تقلل من التوتر والإجهاد، لا تقل قوة ونجاعة عن تلك التي يصفها الأطباء." فهذه ليست نصيحة للإستغناء عن المشورة والوصفات الطبية، ولذا اقتضى التنويه.

معادلات مغناطيسية

شخص قوي الحضور وذو ميول شريرة + شخص طيب القلب لكن ضعيف الشخصية = تغلّب المغناطيسية الشريرة على الطيبة.

شخص ضعيف الشخصية ذو ميول شريرة + شخص قوي الشخصية ذو ميول طيبة = تغلّب المغناطيسية الطيبة على الشريرة.

مغناطيسية روحية ضعيفة + مغناطيسية حيوية شريرة = مغناطيسية شريرة قوية.

قوة أخلاق متينة + قوة أخلاق ضعيفة = قوة أخلاق أعظم.

شخص غضوب عنيف الطباع + شخص دمث رقيق الطباع = تغلّب مغناطيسية الغيظ على الدماثة.

طباع قوية متزنة وهادئة + طباع تجنح أحياناً إلى السخط = تغلّب مغناطيسية الهدوء.

فشل متأصل مزمن + فشل أقل تجذراً = مغناطيسية إخفاق قوية.

نجاح إيجابي قوي + نجاح أقل إيجابية = نجاح معزز.

اهتزاز فشل قوي + اهتزاز نجاح قوي = إما مغناطيسية فشل قوية أو مغناطيسية نجاح قوية، وفقاً للبيئة والظروف.

عقل راجح جبار + جهل مطبق = إما فطنة وحذق أو جهالة وغباء.

قوة روحية باهرة + قوة عملية مميزة = مغناطيسية روحية – عملية بارزة بامتياز.

قصة غزال المسك

المسك هو مادة ثمينة وذات عطر نفاذ، توجد في سرة غزال المسك الذي يقطن أعالي جبال الهملايا.

حالما يبلغ الغزال سناً معينة يبدأ المسك الفتان بالتسرب سِرةً من سُرّته، فيهتاج الغزال لذلك العطر الجذاب ويأخذ بالتراقص والتفتيش عن مبعث تلك الرائحة الطيبة.

ينتقل من مكان إلى آخر، يتشمم ما بين الصخور وتحت الأشجار ويبحث في كل مكان عن مصدر ذلك العبير المثير.

أخيراً يتملكه الحنق ويصبح أكثر إثارة وقلقاً عندما تعييه الحيلة ويعجز عن العثور على ما يبحث عنه بشوق وشغف.

وفي محاولة أخيرة للوصول إلى مصدر المسك، يقفز من المنحدرات الصخرية الشاهقة إلى الوادي السحيق ليواجه مصيره ويلقى حتفه، فيتمكن إذا ذاك الصيادون من الإمساك به ويستلون منه كيس أو غدة المسك.

وفي هذا الصدد، أنشد أحد القصاد المستنيرين ما معناه:

غزالَ المسكِ يا أحمق

لمَ تشقى لمَ تأرقْ؟

فهذا المسكُ موجودٌ

بكيسِ بطنكَ يا أخرق!

ولو لامستَ بالخيشوم ِ

منكَ السرّةْ إذ تعبقْ

لكنتَ فزتَ بالمأمولِ

وعشتَ دونَ أن تنفقْ

ألا تظنون يا أصدقاء أن معظم الناس يتصرفون كغزال المسك؟ فهم يبحثون عن السعادة المتضوعة دائماً وأبداً في كل مكان خارج أنفسهم.

أجل.. يبحثون عن السعادة في اللعب، والإنهماك حتى الإنهاك في الشهوات والمشتهيات.. ويتسلقون دروب الثراء الزلقة إلى أن يقفزوا في نهاية المطاف من جروف الآمال العالية إلى صخور الإحباط والإخفاق عندما يعجزون عن العثور على السعادة الحقيقية المختزنة في أعمق أعماق نفوسهم.

فلو توجهنا بأفكارنا نحو الداخل، وتأملنا بعمق لعثرنا في سكينة الروح على مصدر السعادة الحقيقية والدائمة التي ننشدها.

يجب ألاّ نكون كغزال المسك كي لا نفنى بحثاً عن السعادة في الأماكن الخطأ، بل يتعين علينا أن نتيقظ ونحاول العثور على السعادة في ذاتنا وليس خارجها.

لو تسنى للناس رؤية حشود الكائنات الكوكبية في الأثير من حولهم ... فلربما حاول البعض البحث عن أحبته المفارقين. لقد فتح الله عيني الروحية وإنني أرى العديد من تلك النفوس التي غادرت المستوى الأرضي. بالتركيز العميق على العين الروحية (وسط الجبهة) يمكن بالرؤية الداخلية معاينة العالم المشع الذي تحيا فيه كل الأنفس الطيبة التي انتقلت إلى المستوى الأثيري.. إلى جوار الرحمن.

في البشر يعمل القلب كجهاز استقبال لاسلكي والعين الروحية كجهاز إرسال. وحتى لو لم تستطع رؤية أحبتك المفارقين، فإن ركّزت مشاعرك بهدوء على القلب تتمكن من الشعور بحضور أولئك الأعزاء عليك الذين يعيشون الآن في أجسام أثيرية، ينعمون بسلام وأمان الله و يستمتعون بتحررهم من أسر الجسد فترتاح لراحتهم ويطمئن قلبك عليهم.

عندما أتلفظ باسم الله يذوب كياني بأسره في الفرح الأعظم. لكن تلك الحالة لم تأتني إلا بعد بذل مجهود كبير. لم أكن في البداية من ذوي الأشواق إذ كان عقلي آنذاك في مهب الريح. أما الآن، فما أن أضع فكري ويقظتي في المركز الروحي: {في الجبهة ما بين الحاجبين} حتى تتلاشى كل الأفكار ويتوقف التنفس من تلقاء ذاته ويكف القلب عن النبض وتهدأ ثائرة العقل وتتوارد على النفس الأحوال فأختبر الإنتشاء الروحي وتغمرني الغبطة الإلهية.

  • 12/21- - - - - - - - - - - -




تفضلوا بزيارة صفحة المعلم برمهنسا يوغانندا على الفيسبوك

https://www.facebook.com/masteryogananda?ref=hl


ملاحظة: إسم المعلم برمهنسا يوغانندا يكتب أحيانا برمهنسا يوجانندا أو برمهنسا يوجنندا والبعض يكتبه باراماهانزا أو باراماهانسا يوغاناندا