من حصاد الأيام ٦

أقوال ومأثورات وقصص

إعداد ووضع وترجمة

محمود عباس مسعود


ممحاة الزمن

ما أروعها من ممحاة، وما أعجب قدرتها على مسح الآثار الأليمة من لوحة الفكر الإنساني ما دامت أصابع الذهن لا تعيد رسم الخطوط واستذكار ما اقترن بها من أحداث موجعة كي لا يتعزز حضورها في خزانة الذاكرة أو تستيقظ بين حين وآخر من هجعة السبات.

إنها لممحاة سحرية وخواصها العلاجية جليلة النفع، فهي تنفس الإحتقان وتكسر حدة الاضطغان وتجفف مستنقعات الحقد الدفين.

قوية وذكية هي تلك الممحاة وكأنها لمسة ملاك ومسحة رسول ونعمة من رب العالمين.

RE 1-22

------

عندما تنتصب الإرادات الطيبة

كأعمدة من نور

وسط الأجداث

ومعترك الأحداث..

ويترجم الإيمانُ ذاته

إلى أيدٍ تمزق شباك الوهم

وتفرز الجوهر عن القشور

وتجتث الباطل من الجذور..

وإلى أصواتٍ ترتاح لها المسامع

وتشيع الطمأنينة في النفوس..

وإلى عيون ينبعث منها وميض الخير

وأفكارٍ ٍ لا تكبلها الأصفاد

وتأبى الإنقياد .. كالأطواد

وإلى أدواتٍ تصنع ما يفيد الناس

يكون قد وُضع الأساس

لمجتمع ناهض

قابل للنماء

قادر على العطاء

ومستحقٍ لعناية وبركات السماء.

--------

تلك النفوس النبيلة

التي لا تغلفها صفائح الظلمة

ولا تقوى ملوثات الأفكار

على تعكير مياه نبعها العميق

وتعجز مثبطات العزم عن فل عزيمتها

ويغذي وقود الإيمان مشاعلها

فتبدد ظلمة الحيرة بضياء اليقين

ويقصي وهجها ظلال التوجس

ويقضي على قوارص الأذى..

تلك النفوس الطيبة

هي بهجة الحياة

ونكهة العيش

وملح الأرض

وصخر الثبات.

فتحية الإكبار لتلك النفوس

ولأصحابها الكبار

أينما كانوا في أرض الله الواسعة

RE 2-22

---------

عندما تنطلق

كواكب المشاعر

في فضاء الجذب الكوني

وتدور حول شمس الفهم الودي

وعندما يتضوع أريج الوداد

في رياض الصداقة الفيحاء

وترتاد طيور الفكر سواقي الإبداع

وتملأ قوة ريح الإرادة الطيبة الشراع

وعندما يروي النسيم الرخيّ الهامس

حكايات الحنين لما وراء الأفق الناعس

وتتردد أصداء البهجة في حنايا الفضاء

يكون يا صديقي اللقاء.

---------

"ينتشر انتشار الإشاعة أو النميمة"

هناك أقوال لا يُعرف قائلوها وهذا إحداها.

قد يكون صاحب هذا القول أصابه من الوشاية نصيب، وبدلاً من مهاجمة المفتري استخلص قولاً سديداً يصف وصفاً دقيقاً تلك الآفة الإجتماعية التي غالباً ما يكون لها آثار تدميرية.

فإشاعة لا أساس لها تكون في العادة مدفوعة برغبة في إلحاق الأذى عن طريق تشويه سمعة شخص آخر وتحطيم مقومات نجاحه، حسداً وافتراءً وتجنياً.

والنميمة هي نقل أقوال بنيّةٍ سيئة هدفها إحداث الوقيعة وإفساد العلاقات السليمة بين الناس.

كان أحد الحكماء يقول لمن يريد أن ينقل إليه أنباء من هذا القبيل:

"إن كان ما ستقوله لي لا يمكنني أن أتحدث به للجميع فلا أريد أن أسمعه."

وقال حكيم آخر: "الإشاعة تنتقل مع الريح، والحقيقة تسير ضد الريح."

وهناك مثل صيني مفاده أن ما يُهمس في الأذن يُسمع على بعد مئات الأميال.

ويحضرني قول مأثور يذهب على هذا النحو:

"لا تدع فمك يشهد بما لم تره عيناك."

RE 4-22

-----------

هناك ..

حيث وضوح التجريد

وتجليات الإحتجاب

وامتناع التبدّل..

وحيث انصهار الأمس

واليوم والغد

في خفقة بحجم الكون

وعمق السكون..

وحيث العيون

لا يشع من أحداقها

سوى بريق رقيق لا يخبو

وحيث نفوسٌ تحتفي بالديمومة

وقلوبٌ تتراقص أنباضها

للقاء بحجم الأشواق

لا يقوى عليه فراق..

هناك وعدٌ .. بموعد متجدد.

-----------


قول يستحق وقفة

رصين كقاضي الحق Akenside: Calm as the Judge of Truth

هذا القول هو للشاعر والطبيب مارك آكنسايد (1721-1770)، قاله أو دونه قبل ما يزيد على القرنين، وها نحن نقف عنده مثلما تعودنا الوقوف عند بعض أقوال تنطوي على معانٍ لم يعفُ عليها الزمن، ربما لأن فيها عناصر خارج نطاق الزمن.

أمامنا ثلاث كلمات: "رصين" و "قاضي" و "الحق".

فالحق هو الغاية

والقاضي هو الدليل

والرصانة هي الميزة التي يقتضيها الموقف.

يتضح لنا أن هذا القاضي الرصين عميق الإيمان، حي الضمير، مقدِّس لواجبه، لا يخضع لسلطة زمنية، يرتعد الراشون لمجرد التفكير بالإقتراب من حرم وجدانه، ولا تأخذه في الحق لومة لائم.

ولعل رصانته تعود إلى تعمقه في التفكير بالقضايا المطروحة أمامه والتي يتعين عليه البت فيها، فيسمع ويرى ويوازن ويحلل ويربط الأسباب بالنتائج ويستعين بملكة التمييز، وكأنه يتأمل عظمة القاضي الإلهي ويستلهم العدل والإنصاف من حكمته خدمة للحق ودفعاً للمظالم وإرضاءً للواجب والضمير.

وهذا يذكرنا بقول الشاعر اليمني أحمد بن علي بن محسن:

قـاضٍ إذا جئتَه يـومًا لقـيـتَ بهِ .. كلَّ الأفـاضلِ مـن عُربٍ ومن عجمِ

وهكذا فليكن القضاة.

RE 5-22

-----------


وقفة مع قول

ضعيف كالجسد Weak as Flesh

هذا القول الوجيز والبليغ هو للكاتب والناقد الإجتماعي تشارلز ديكنز (1812-1870)

هناك من ينمّون قواهم الجسدية لدرجة مذهلة، وهناك مسابقات وبطولات عالمية لبناء وكمال الأجسام وأندية واتحادات لهذه الرياضة، فما بال كاتبنا ديكنز ينعتها بالضعف؟

الكاتب كان عميق التفكير ومدققاً فيما يكتبه ولعله بنى استنتاجه على ما يلي:

بالرغم مما قد يبلغه الجسد من قوة لكنه مع ذلك يبقى ضعيفاً أمام الجراثيم التي إن غزته وتملكت منه توهن قواه وتعبث بأنسجته فيصبح عرضة للمرض والإنهاك فتتبدل حيويته تعباً وقوته ضعفاً.

وهناك الشيخوخة التي لا يمكن لقوة جسدية عادية أن تتحدى مفاعيلها الجبارة.

وهناك ناحية أخرى ربما قصدها ديكنز وهو ضعف الجسد – مهما كان قوياً – أمام الإغراءات على اختلافها.. هذا بالنسبة للنفوس التي تتحكم بها الأجسام بدلاً من أن تمتثل لإرادتها.

أما الأجسام القوية التي تمتثل لإملاءات أنانية، سواء كانت صادرة عن أصحاب تلك الأجسام أنفسهم أم غيرهم فهي تستخدم قوىً في مسارات مغلوطة وهذا ضعف مهما بدا تجسيداً للقوة.

ولم تغب عن المتنبي لعبة شد الحبل بين النفس والجسم عندما قال:

وإذا كانت النفوسُ كباراً .. تَعِبَت في مُرادِها الأجسامُ

-----------


قول استوقفني


رهيب كوجه جُردت قسماته من حلم

Dire as the face disfeatured of a dream

هذا القول هو للشاعر ألجيرنون سوينبرن Algernon Swinbrune 1909-1837

لا بد أن الحلم الذي لم يصفه الشاعر هو حلم جميل يدغدغ المشاعر ويبهج القلب وينشّط طاقة الحياة فتنعش الخلايا وتفعم الأنسجة بالحيوية، فتظهر آثار ذلك الحلم أكثر ما تظهر في الوجه.

فالأحلام في نظره لها تأثير على حياة المرء ومزاجه. والحلم الذي ذكره ليس بالضرورة ما يُرى أثناء النوم، بل لعله عنى بذلك الرؤى المتفائلة والتوقعات السارة والثقة بأن أموراً إيجابية قادمة على الطريق.

والحياة، بالرغم من كل الظروف القاسية التي تواجه الأفراد والجماعات والمجتمعات لا زالت تختزن في قلبها خيرات وأنوار ومسرات لأن المعادلة الكونية قائمة على حقائق ثابتة وقوانين راسخة تهزأ بالسحب الحاجبة والزوابع الكاسحة والعواصف الجامحة.

ولعل هذا ما عناه شاعرنا الخالد أبو القاسم الشابي عندما قال:

أرنو إلى الشمس المضيئةِ هازئاً .. بالسحبِ والأمطار والأنواءِ

-----------


شكسبير أبو الكلام يقيّم..

قرأت اليوم هذا القول لعبقري الأجيال شكسبير فأحببت أن تكون لي معه وقفة.

His speech was like a tangled chain; nothing impaired but all disordered

كان كلامه كسلسلة معقدة متشابكة ؛ ليس فيها من تلف أو اهتراء لكنها مضطربة برمتها.

كنت قد وضعت موضوعاً عن شكسبير في كتابي (من وحي المهجر) أقتطف منه الفقرة التالية:

"قيل أن الإنسانية أجهدت ذاتها واستقطبت كل طاقاتها عندما أبرزت إلى الوجود أعظم شعراء العالم على مر الأجيال والعصور. فكيف تمكنت من تجسيد ذروة الإبداع في هذا الشخص الذي بدا إنساناً عاديا إبان حياته التي لم يظهر تألقها ومجدها إلا بعد رحيله عن هذا العالم؟"

وقد قام "عضو أصيل" في أحد المنتديات بنقل موضوعي برمته ونشره على أنه له، وللأسف هذه بعض إفرازات الإفلاس الأدبي.

وبالعودة إلى القول أعلاه، يتضح لنا أن شكسبير كان بالرغم من تبحره المذهل في أسرار اللغة واستخدامها في تراكيب معقدة تعيق أحياناً الوصول بسهولة إلى المعنى المقصود، لكنه مع ذلك كان يولي اهتماماً خاصاً بما يشير إليه الكلام، بصرف النظر عن التمويه اللغوي ما دام التمويه يفضي إلى معنى منطقي معقول، كأوراق الكرمة التي تحجب العناقيد الناضجة الشهية.

في تقديري أن ما لم يستسغه شكسبير هو الكلام المرصوف سواء بإتقان أوعشوائية، لكنه لا ينطوي على شيء غير ذلك. وقوله هذا يذكرنا بقصيدة "صوت صفير البلبلِ" التي أصبحت مضرباً للمثل في الشقشقة أي الكلام الذي لا طائل تحته.

جدير بالذكر أن السلسلة التي وصفها شكسبير لا تقارن بسلاسل الذهب التي وُصفت بها أشعار البحتري.

-------


يا من سبكتَ قوالباً

أتزجّ فيها نفسَكَ

وتريدها لغيركَ!؟

أنظرْ إلى الطير الذي

يهوى التنقلَّ في الفضاءْ

لم يُخلق قفصٌ لهُ

فحدودُ بيتهِ السماءْ

وعاين الزهرَ العبوق

يهوى النسائمَ والضياءْ

ويبثُ عرفهُ في الهواء

لو حُصِرَ في قالبٍ

لضمُرَ واندثرَ

ولن يفيد الإرتواءْ

فدع التقولبَ والجمودْ

إذ قد خُلقتَ للصعود

وودّع القفصَ الذي

ليسَ لكَ يا ابن الخلودْ

-----------

مناجاة شمس الفكر

يا شمسَ فكرٍ فليشبّ أوارُكِ

إنَّ التوقدَّ ميزةُ الأفكار ِ

وتأججي وهجاً يشعُ ضياؤهُ

فوقَ جبال العتمةِ للساري

وأشيعي دفئاً في الكيانِ ِ وراحة ً

وأسفري عن وجهكِ المتواري

وبددي غيمَ الهمومِ ببسمةٍ

وحوّلي ليلَ الدجى لنهارِ

-------------

هذا المجالْ..

في الذاتِ.. في الوعيِ

وليس في الخيالْ

فيهِ خداعٌ وشعاعْ

فيهِ اعتراكٌ واصطراعْ

وفيهِ سِلمٌ واقتتالْ.

هذا المجال..

فيهِ قوىً مصطفة ٌ

لدحر قواتِ الضلالْ

وكبح الغلِ والأحقادِ

مع قبح الفعالْ

ونشر الحبِ والخيرِ

وبث أفكار المحبةِ الجمالْ

هذا المجال..

فيه كفاحٌ ونضالْ

بينَ الظلامِ والضياءْ

بينَ المخاتلة ْ والوفاءْ

ويحوي نيرانَ الجحيمْ

ويأوي أنوارَ السماءْ

هذا المجال!

-----------

ضحِكَ (أو ضحكت) كالشمس Laughed Like the Sun

هذا القول هو للشاعر ريتشارد لا غالين (1866-1947)، وقد وجدته قولاً مبتكراً يوحي بأن هناك في الوجود ضحكة دائمة،مشرقة، لا تنطفئ، ولولاها لما عرف الإنسان الضحك. فهي الضحكة الأصل التي تبعث الحياة والحيوية في النفوس والعقول والأجسام.

تلك الضحكة الشمسية الساطعة لا تتغير ولا تتبدل ولا يمكن لبشر أو لشيء أن يمحوها أو يعبث بها، ويا لها من ضحكة جبارة دون قهقهة يسمعها سكان الأرض!

إن ضحكةً من القلب تنعشه

وتضخ في خلايا الجسم نشاطاً

وتزهق الإكفهرار وتطرد السأم

وعلاوة على ذلك فهي تنتقل بالعدوى.

عندما نضحك

تنفرج أساريرنا

وتلتمع وجوهنا

ويشع من العيون بريق

وكأننا بذلك نحاكي لا شعورياً ضحكة الشمس.

-----------

وقفة مع قول:

"يصرخ كالمتوحشين"

هذا القول الذي لم يقترن باسم قائله، يوحي بأن القائل لم يرُق له سماع أصوات ترتفع نبرتها إلى ما فوق مستوىً ترتاح له الأذن ويستسيغه الذوق.

وقد يكون تنقل بين أناس بدائيين وسمعهم يستخدمون أصواتاً ربما بدت عادية بالنسبة لهم لكنه اعتبرها زعيقاً منكرا.

هناك سبب لامتلاك الصوت خاصية الرفع إلى أعلى درجة ممكنة عندما تمس الحاجة الفعلية لذلك، كإيصال الصوت في غياب وسائل بديلة، أو التنبيه إلى خطر داهم، أو التعبير عن ألم لا يطاق، أو طلب النجدة للتخلص من موقف عصيب.

ما عدا ذلك فإن استخدام طبقة معقولة ومريحة من الصوت تكفي للتواصل المنطقي بين الناس، بحيث لا تخدش اهتزازات الصوت الحادة طبلة الأذن أو تؤذي الأعصاب.

أما استخدام الصوت الخشن الحاد للإقناع أو لإثبات وجهة نظر فهو نوع من منطق القوة وينوب في كثير من الأحيان عن الأيدي، وأحياناً يحمل إرهاصات لا تبشر بالخير إذ لا تلبث ذبذبات الصوت العالية أن تتحول إلى عنف جسدي لا مبرر له.

------------

وإذا الهمُّ غدا مثل العُبابْ

ورياضُ الأنسِ أمست كاليبابْ

واكفهرَّ الجوُّ واشتدَّ المصاب

فاثبتي كالطودِ وسْط َ المعمانْ

وانثري بذرَ التفاؤل والثباتْ

علـّهُ يعطي ثماراً طيباتْ

وامنحي من قلبكِ خيرَ الهباتْ

فعطايا القلبِ حبٌ وحنانْ

واعشقي التطوافَ في دنيا الجمالْ

حيثُ أصناف المحاسنْ والخِلالْ

وطيورٌ شدوها كالإبتهال

مثل لحنٍ متماوجْ في الجنانْ

بددي اليأسَ بروح الأملِ

وابعثي الشوقَ لقلب الأزل ِ

واستريحي في حنايا الهيكلِ

وانتشي بالروح ِ أنتِ في أمانْ

-----------------

العمرُ يبدأ ُ من جديدْ

مع بسمةِ الفجر الوليدْ

والجسمُ يُشحنُ بالنشاط

الحيّ يسري في الوريدْ

والطاقةُ لا تتعبُ

وتفعمُ القلبَ السعيدْ

والفكرُ يرتادُ الأثيرَ

إن تغذى بالمفيدْ

والنفسُ ينعشها التجددُ

والتحررُ من قيود

وتمهدُ درباً لها

بمعول العزم الشديد

وجرعة الأمل الوطيد.

------------

إن الكلامْ ..

فيهِ ضياءٌ وظلامْ

وفيه سُمٌ ناقعٌ

يخترقُ حتى العظام

وفيهِ ترياقُ الشفاءْ

ويحوي علقمَ الشقاء

ويشعلُ نارَ الخصامْ.

إن الكلامْ ..

فيهِ المشارط ُوالسهام

وفيهِ تضميدُ الجراح

وفيهِ تسكينُ الآلام.

إن الكلامْ..

هديةُ رب الأنام

قصد التفاهمِ والوئام

ونثر أفكار المحبةْ

ونشر رايات السلام.

فتحيةً لكلِ من

يستخدمُ خيرَ الكلامْ.


-----------


هناكَ قلبٌ يهمسُ

حباً أصيلاً صادقا

هناكَ فكرٌ نلمسُ

فيه معانيَ شائقة ْ

هناكَ أنفسُ نأنسُ

بقربها لصفائها

ونفرحُ بجمالها

ونبلها ووفائها

فتحية ً لقلبٍ باتَ

موئلاً للمكرمات

وتجلة ً للفكر ِ تسطعْ

في ذراه النيّراتْ

ومودة ً لأنفس ٍ

فيها المناقبُ ساطعات

-----------

عندما تشتاق العيون رؤية الجمال

وتشتهي الآذان سماع الرائع والمفيد

ويحن الفكر والشعور

لأن يكونا ومضة تنوير

وخفقة محبة ووداد

وعندما ينهمر الكلام برداً وسلاماً وعذوبة

على المتعطشين للنسائم والرحيق

وعندما تصدح الحناجر

احتفاءً بالروابط الإنسانية وعظمتها

وتهدم الأيدي جدران الكراهية

لتحيل مكوناتها إلى جسور

من التفاهم والتقارب والتحاب

وتسارع الأقدام لاستجلاب الخير

ودرء العنف والعسف

سيبزغ إذ ذاك فجر جديد ومجيد

إذ مهما طال ليل القنوط

سيعقبه فجر الأمل

فالله سميع مجيب

وإن غداً لناظره قريب.

-----------

همسات تشبه تنهدات الريح الخفيضة

Whispers like the low wind’s sighs

ALICE CARY

أرى أن الشاعرة أليس كيري (1820-1871) قد أبدعت في وصفها لهمسات راقت لها فشبهتها بهينمات الريح التي أسمتها تنهدات.

التشبيه ينطوي على همس وتنهدات.

الهمس هو كلام أغلب الظن أنه صادق لأن من يتلفظ به يستخرجه ببعض الحيطة من ركن دافئ وآمن هو المكان الأنسب له.

ويمكننا القول أن ذلك الكلام وثيق الصلة بأعمق وأبلغ المشاعر ونابع من القلب، يحسه من يؤويه ويجد فيه رفيقَ روح وفياً أميناً فيخشى عليه من خشونة خارجية لا تتناسب مع طبيعته الرقيقة الراقية.

هذا عن الهمس، أما التنهيدة التي تتجسد في ذلك النـَفَس الذي يطلقه صاحبه بعد أن يمدّه فهي تأوّه يعبّر الشخص من خلاله عن ألم واخز أو حزن ممض أو حسرة مشبوبة أو أسى عميق.. وربما عن حالات وجدانية هي مزيج من حب وحنين وشوق وهيام، وكأن إطلاق النفـَس هو وسيلة إما لهروب لحظي من حالة نفسية غير مريحة أو للذوبان في ومضة روحية بارقة لأن التنهيدة تخرج عفوية وقد تحمل معها بعض الفرج أو العزاء.

وهكذا ربطت الشاعرة بين الهمس والتنهيد، وهما عنصران قريبان من قلوب ذوي النفوس الحساسة.

----------

"...كما تكره السماء الزور والبهتان"

هذا القول يُعزي للكاتبين فرنسيس بومونت و جون فلتشر اللذين كانا شريكين في الأعمال المسرحية في القرن السابع عشر.

يبدو أن الكاتبين أدركا أن السماء على رحبها لا تحوي زوراً ولا تأوي بهتاناً، وبالتالي فهاتان الخصلتان الموجودتان على هذا الأرض غير موجودتين في السماء لأنها أنقى من أن تحويهما ولأنهما أثقل من أن ترتقيا إلى مستوى لا وجود فيه إلا للحق ولا يمكن أن يبلغه إلا {أُولَٰئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا} البعيدون عن الباطل ومشتقاته.

وهذه السماء ليست بالضرورة مكاناً بعيداً عن الإنسان، فكل واحد لديه سماء وله القدرة على ترصيعها بجواهر الصدق وشموس الحقيقة وكواكب الأصالة والنبل والثبات، مثلما له القدرة أيضاً على تشويهها بأكداس من غيوم الزور الركامية الربداء ورياح البهتان العاتية الهوجاء التي تحجب شمس الخير وتحيل حقول السلام وبساتين الإبداع والعطاء المثمر قاعاً صفصا.

-----

هادئ كالجمال Calm as beauty

هذا القول هو للشاعر روبرت براوننغ (1812-1889) وفيه دليل على محبته للجمال.

كما أن قوله يدفعنا للتفكير بذلك الجمال الهادئ وأين يمكن العثور عليه وكيف يتسنى لنا معاينته وتذوقه كما أتيح للشاعر.

واضح أن براوننغ قرن الهدوء بالجمال، وهذه الإضاءة قد تكون الخيط الذي يفضي بنا إلى درب الجمال الذي سلكه شاعرنا فوصل إلى مقصده ووصف ما رآه.

في تقديري أن الهدوء هو المفتاح إلى الجمال. فالفكر الهادئ هو كالبحيرة الساجية التي تعكس مشاهد الطبيعة من حولها في النهار، والقمر والنجوم في الليل، ولو كانت مضطربة لبدت الصور المنعكسة فيها مرتجّة، مشوهة، وغير واضحة.

وهذا ينطبق على الفكر الهادئ الذي لا تتدافع فيه أمواج القلق ولا تهب على واحاته رياح التشويش أو تفسد سكينته الرغبات الجامحة، فيصبح مرآة صافية تعكس الجمال البادي في الطبيعة وفي التجارب الراقية والأفكار المنسجمة والنفوس الطيبة.

ولو فكرنا بالعباقرة الذين جسّدوا بعض ملامح الجمال من خلال إبداعاتهم الفنية أو الأدبية لوجدنا أنهم كانوا ذوي تفكير عميق وتأمل رصين بظواهر الحياة وعلى تناغم وثيق مع عالم من الرؤى الباهرة والأفكار الفذة والملهمة.

واستنتاجاً يمكننا القول أن الهدوء هو شرط لازم لإظهار الجمال..

كما يمكننا القول أيضاً "جميل كالهدوء!"

-----------

"... برقة وحنان، مثلما تقبّل الأم طفلها المحموم..."

في هذه الكلمات يصف الشاعر روبرت هيريك Robert Herrick مشهداً ترك في نفسه أثراً عميقاً فخلده في إحدى قصائده.

ربما كان هو نفسه ذلك الطفل الذي شعر بتلك الرقة واختبر ذلك الحنان الذي قلما يوجد بكل نقائه وزخمه على هذه الأرض خارج قلب الأم.

لقد نقلت تلك الأم حبها وعطفها واهتمامها وكل أحاسيسها إلى طفلها عبر تلك القبلة التي ربما جعلت الطفل يحس بالطمأنينة تسري إليه مع أنفاس أمه ويخلد للراحة والسكينة..

وقد تكون تلك الأنفاس الحارة برّدت الحمى فغادرت الطفل المحبوب.

فتحية إعجاب وإكبار لكل الأمهات

اللاتي تجسدت فيهن أنبل المُثل

وأصدق الأحاسيس

وأجمل المعاني

وأقدس التضحيات.

December, 2014

---------



"مليء بالأخطاء كحياة مهنية ناجحة"


في هذا القول أملٌ وتشجيع وتعزية. إذ بالرغم من المنعطفات الحادة والدروب الشائكة والمنزلقات التي تبعث على التوجس والتردد في نفوس طالبي النجاح، لكن الإصرار المدفوع بالإرادة الحازمة يتجاوز في نهاية المطاف كل العوائق والعقبات والمثبطات ليصل إلى الهدف المنشود.

لكن الوصول إلى الهدف لا يعني نهاية الشوط، فهو إحدى محطات النجاح ولا بد من مواصلة العمل على صقل المهارات واكتساب خبرات جديدة والتكيف مع المتغيرات والمستجدات، وهذه كلها تقتضي بذل المزيد من المجهود والتعامل مع ظروف صعبة أحياناً وضبابية أحياناً أخرى تتسبب في ارتكاب أخطاء لم ينجُ منها حتى كبار الناجحين في الحياة.

والنجاح بطبيعته نسبي ولا يقتصر بالضرورة على تحقيق إنجازات تقليدية، إذ هناك مجالات كثيرة يمكن أن يرتادها المرء ويحقق فيها نجاحاً يرتاح له ويستفيد منه ويفيد.

فالتعاطف مع الآخرين – نجاح

وتقديم خدمة ودية - مهما كانت متواضعة - نجاح

وبذل مشورة أخوية صادقة – نجاح

والتعامل مع الناس بإنسانية.. واحترام حقوقهم – نجاح

وبث مشاعر المحبة والأماني الطيبة – نجاح

----------------


"يحرق كاللعنة"


أجد أن هذا القول ينطوي على تجارب حقيقية اختبرها البعض وسمع بها كثيرون، وأظن أن مفهوم "اللعنة" – حماكم الله – موجود في كل الثقافات.

في تقديمه لكتابه النفيس (مروج الذهب ومعادن الجوهر) نقرأ التحذير القاطع التالي لمؤلفه المؤرخ الشهير المسعودي، وأقتبسه من موسوعة ويكيبيديا لأنني فقدت النسخة التي كانت لديّ من ضمن ما فقدته من كتب مرجعية أثناء فيضان شهر أغسطس/ آب الماضي:

" فمن حرّف شيئا من معناه، أو أزال ركنا من مبناه، أو طمس واضحة من معالمه، أو لبس شيئا من تراجمه، أو غيره، أو بدله، أو انتخبه، أو اختصره، أو نسبه إلى غيرنا، أو أضافه إلى سوانا، فوافاه من غضب الله، ووقوع نقمه، وقوادح بلاياه، ما يعجز عنه صبره، ويحار فكره، وجعله مثلة للعالمين، وعبرة للمعتبرين، وآية للمتوسمين، وسلبه الله - تعالى - ما أعطاه، وحال بينه وبين ما أنعم به عليه من قوة، ونعمة مبتدع السموات والأرض، من أي ملل كان، إنه على كل شيء قدير. جعلت هذا التخويف، في أول كتابي، وآخره، ليكون رادعا لمن ميله هوى، أو غلبه شقاء، فليراقب أمر ربه، وليحاذر سوء منقلبه، فالمدة يسيرة، والمسافة قصيرة، وإلى الله المصير."

وقد لاحظت أن الذين حققوا كتاب المسعودي التزموا الحذر البالغ في معالجتهم للنصوص، فإن التبست عليهم كلمة أو إسم أو نحوه، لم يتطوعوا بإبداء الرأي وتقديم ما بدا لهم أنه الصواب، بل كانوا يذكرون أنها هكذا وردت في النسخة كذا دون زيادة أو نقصان.. وتكاد تلمس التأثير القوي لذلك التنبيه الباتر في عمل المحققين.

وبالعودة إلى "يحرق كاللعنة" فما هي اللعنة وكيف يمكن أن تحرق؟

في اعتقادي أنها فكرة غير ودية، مركزة ونفـّاذة يتم إطلاقها بإرادة قوية في الأثير ويصل تأثيرها السلبي بطريقة أو بأخرى للهدف المقصود، وقد يشعر ذلك الهدف بمفعولها الحارق وهناك قصص كثيرة عن هذه الظاهرة ذات الجذور الراسخة في الموروث الشعبي.

ولحسن الحظ هناك وقاية من الأفكار والمشاعر العدائية التي يجد البعض راحة في إطلاقها، وتلك الوقاية تتمثل في التفكير الصحي الإيجابي، ونثر بذور النوايا الطيبة في حقول الأثير والإيمان الراسخ بالحماية الإلهية التي لا تـُقحم، فهذه كلها مجتمعة قادرة على رد وصد كل الأمواج الضدية بحيث لا تقدر على اختراق المجال الطاقي الحيوي للنفوس الطيبة المُحبة والفاعلة للخير.

--------------


"يمضي سريعاً كالرغوة على صفحة النهر"

لم يحدد الكاتب ماهية ذلك الشيء الذي يمضي سريعاً على هذا النحو، ولنا أن نخمّن ما قصده.

ولدى التأمل في الحياة والأحداث نجد أن القول ينطبق على كثير منها.

فالحالات التي يختبرها الوعي البشري هي في معظمها غير ثابتة بل من طبيعتها التقلب والتبدل دون توقف، إذ ما دام يصعب أو يستحيل ضبط الفكر سيواصل تقافزه الحثيث وانتقاله الخاطف بين أشتات من الأفكار المتسارعة والأحاسيس المتصارعة.

الإنسان رهن أفكاره وقلائل هم الذين لديهم القدرة على ضبط أفكارهم والتحكم بمساراتها وتشعباتها التي لا تكاد تقف عند حد.

الثواني تمر سريعة وكذلك السنون ومعها الأعمار وما يتصل بها من تجارب واختبارات وانطباعات وإنجازات .. تمضي كرغوة على صفحة نهر الحياة.

ومع ذلك، فهناك أمور ذات وزن نوعي لا تمضي بتلك السرعة لأنها أقوى من التيار وأكثر ثباتاً من نسبيات الزمن.

فكل فكرة طيبة

وكل عمل نافع

وكل إنجاز إنساني

وكل مبادرة خيّرة

لا تمضي ولا تتلاشى كتلك الرغوة لأنها ذات جذور عميقة وراسخة في تربة النفوس الطيبة.. تغذيها وتسندها الحقيقة.. ولذلك تظل نامية مزدهرة إلى ما شاء الله.

----------

هكذا شبّه الشجاعة:

الشجاعة هي كالماسة، شديدة الألق، لا تغيرها النار، وتتحمل قدراً كبيراً من الصقل. لكن باستثناء استخدامها لغرض قطع الأجسام الصلبة، تبقى عديمة الفائدة.

Courage is like the diamond – very brilliant; not changed by fire, capable of high polish, but except for the purpose of cutting hard bodies, useless.

C.C. Colton

في هذا القول يتناول الكاتب كولتون (1780-1832) مفهوم الشجاعة من منظور تطبيقي بحت.

فهو إذ يشيد بروعتها ويشبهها بقطعة الماس من حيث البريق والصلابة، يخلص إلى الإستنتاج أنه مثلما لا قيمة عملية تذكر للماسة باستثناء قطعها للأجسام الصلبة، هكذا تكمن القيمة الفعلية للشجاعة في استخدامها فقط في مواقف ومناسبات محددة.

هذه الشجاعة الفعلية تنطوي على قدر كبير من التواضع بحيث يتحاشى أصحابها إظهارها إلا عند اللزوم، وأحياناً قد لا يظهر أنهم يمتلكونها.

فهم لا يستهويهم البريق ولا يميلون لاستعراض ما يتحلون به من قوة نفسية أو جسدية تستدعي برزوها ظروف معينة.

ما عدا ذلك .. تبقى هاجعة في الذات

تمدها بوقود الثبات والصبر والإصرار..

والوقوف في وجه الإعصار.

------------

مُرٌّ كالحقيقة

Bitter as truth


هذا القول هو لعملاق الأدب الفرنسي فيكتور هوغو.


لا بد أنه تذوق تلك المرارة حتى وصفها على هذا النحو. وأعتقد أن الحقيقة المرة التي ذكرها هي حقيقة نسبية وأنه قصد بها الواقع الصعب أو الحياة ومفاجآتها غير السارة.


فالحقيقة المطلقة في تقديري المتواضع لا مرارة فيها لأنها ذات منشأ أعلى ولا يعتبرها مُرة سوى الذي لا تنسجم حياته معها ولا يؤمن بسموها وسيادتها، وهذا لا ينطبق على أديبنا هوغو ذي الحس الرقيق الراقي والنزعة الإنسانية النبيلة.


الحقيقة والحق صنوان.. ومن يحب الحق يحب الحقيقة.. ومن يحب الحقيقة يستسيغها ويجد فيها حلاوة وعزاءً وملجأ من لطمات العيش المرير.


ولعل هذا ما قصدته عاشقة الودود رابعة العدوية عندما قالت:


فَلَيتَكَ تَحلو وَالحَياةُ مَريرَةٌ

------------

نقي كقلب الحب

As pure as love’s heart


يبدو أن صديقنا المجهول تعمد قول "نقي كقلب الحب" بدلاً من "نقي كحب القلب".


ربما لأنه أدرك من تجربة ذاتية أن حب القلب قد لا يكون نقياً لا تشوبه شائبة، إذ قد يكون مرتبطاً باعتبارات شخصية وقد يتغير فيما لو تعرض لظروف تسد منافذه أو تعيق انسيابه بنفس الزخم .. أو تحوّل مجراه ليصب في قلب آخر.


أما الحب بجوهره النقي فلا يطرأ عليه تغيير أو تبديل لأنه غير مقيد بشروط وغير مرتبط بأحاسيس أو حالات بشرية لأنه عنصر شفاف ذو طبيعة روحية بحتة ولأنه منبثق عن الأصل.. عن روح الوجود.


ولذلك يمكننا أن نستنتج أن قلب ذلك الحب، وهذا تعبير مجازي يرضي الحنين البشري، هو في منتهى النقاء والثبات لأنه خارج نطاق الزمان والمكان والحسابات البشرية المحدودة.

-----------

فتته كتبن بيادر الصيف


Crumble it like the chaff of summer threshing-floors- MILTON


قرأت هذا القول للشاعر الضرير جون ملتون صاحب ملحمة الفردوس المفقود فأعادني إلى أيام الصبا عندما كانت قريتي الرحى الهادئة الهانئة تنعم في أحضان الطبيعة ولم تكن الوسائل العصرية قد حلت محل الأدوات التقليدية للزراعة والحصاد وجني الحبوب.

كانت تجمعني بالبيادر ومشتقاتها صلة حميمة حيث البساطة المتناهية تتمثل في ثورين يقرنهما نير مثبت بعروة من الجلد تدعى على ما أذكر "الكدانة"، يجران لوحاً خشبياً ثبتت في أسفله قطع من الحصى الخشن داخل ثقوب خاصة بها لتهشيم سيقان السنابل.

وكان يقف أو يجلس فوق اللوح صبي لتوجيه الثورين واستنهاض همتهما بالزعيق تارة وبالمنخس (المسّاس) تارة أخرى.

كان الثوران يدوران فوق كومة القش لساعات طويلة، في حين كان أحد العاملين في البيدر (المشوعب) يقوم بتقليب القش بين الحين والآخر للتأكد من نيل السنابل نصيبها من حصى اللوح.

العمل كان يتواصل على نفس الوتيرة حتى يتحول القش إلى تبن فتنتهي "الدراسة" أي درس الغلة، ويُجمع خليط الحبوب والتبن في كومة تسمى "العرمة" ومن بعدها يتم فصل الحب عن التبن باستخدام الطريقة البدائية وهي التذرية اليدوية بالاستعانة بشوكة ذات أربعة أسنان ويد طويلة تدعى "الشاعوب".

كانت التذرية اليدوية تتوقف على هبوب الريح. وكان الموكل بالتذرية "المذري" يتحسس الهواء وما أن يستشعر بعض نسمات حتى يبدأ بنشيده التفاؤلي الساذج:

"هب الهوا بالبحر يا شجرة البرودة."

ومع هبوب الريح يبدأ صاحبنا بدفع الشاعوب داخل الكومة ثم بقذف المقدار الذي يستخلصه من الكومة إلى أعلى فينفصل التبن عن الحب بفعل الريح.. ويتواصل العمل إلى أن تتشكل في نهاية المطاف كومتان: كومة حَب (صُبة) وبالقرب منها كومة تبن.

وكان المرحوم والدي قد تشارك مع مختار القرية آنذاك المرحوم الشيخ أبو يوسف فهد كنعان واشتريا ماكينة تذرية يدوية كنا ندعوها "مكنة الذراوة" وكانت الوحيدة في القرية، ينقلها أربعة رجال من بيدر إلى آخر.

كان يديرها أحدهم بمقبض يدوي، وكان التدوير يقتضي تحريك ذراع المشغل بالكامل، في حين كان شخص آخر يتولى وضع خليط التبن والحب في مجال مخصص لذلك، وكانت الماكينة تشتمل على غرابيل ذات ثقوب متنوعة الأحجام، تسمى المقاطف، مثل مقطف القمح ومقطف الحمص وغير ذلك. كانت الحبوب تخرج من فتحة خاصة وكانت هناك فتحة أخرى مخصصة للحبوب المكسرة ومعها الحصى "الهزازية"، في حين كانت هناك آلية شبيهة بالمروحة لتنحية التبن جانباً.

وكان للعاملين في درس أو تذرية الحبوب أغانٍ شعبية ظريفة مثل:

"طلعت على شباكها لتشم الهوا .. وقعت على منقودها غميانة

يا عظمها عمر سبع بلدان ِ .. يا ريشها طيّر مع العربانِ"

وكنا نعمل أحياناً في التذرية حتى ساعة متأخرة من الليل على ضوء القمر ونتحلى بالحلاوة أو راحة الحلقوم .. حلىّ الله أيامكم وأراحكم من الهموم

ويا لها من ذكريات ابتعثتها كلماتك يا ملتون فنفضت عنها غبار البيادر لتظهر من جديد على هذه الصفحة!

----------


هكذا وصفَ الأحداث المؤسفة:

قرأت هذا القول للناقد والشاعر الرومانسي جيمس راسل لوال (1819-1891) فأعجبني وأحببت أن أشارككم به:

يقول الشاعر:

الأحداث المؤسفة هي كالسكاكين التي إما أن تخدمنا أو تجرحنا، بحسب كيفية إمساكنا بها: من النصل أم من المقبض.

Mishaps and are like knives, that either serve us or cut us, as we grasp them by the blade or the handle

J.R.Lowell

يبدو أن الشاعر كان ذا فكر نفاذ وكان يتعامل مع الأحداث والحياة من منظور فلسفي وعملي، مثلما كان خلاقاً ومتوازناً.

فهو لم يستسلم للإحباط ولم يفرط في التفاؤل، بل أبصر جانبين للأحداث التي يمر بها الإنسان: أحدهما إيجابي والآخر سلبي.

لقد ضرب مثال الإمساك بنصل السكين الحاد الذي لا بد والحالة هذه أن يجرح ويؤلم.

طريقة الإمساك تلك هي كناية عن التعامل عاطفياً مع الأحداث المقلقة فتغيم الرؤية ويغيب التمييز وتصبح السيادة للعشوائية وهذا وضع لا يبشر بالفرج أو الفرح.

أما طريقة الإمساك بمقبض السكين واستخدامه في أمور نافعة فهي كناية عن التعامل بحنكة وإيجابية مع الأحداث المؤسفة من حيث تقييم الأوضاع وتحليل الأسباب ووضع الخطط وتفعيل الإرادة وإطلاق الطاقات الذكية البناءة.. وهذه كلها تعمل معاً على تخفيف زخم الأحداث فيصبح التعامل معها أسهل وأجدى.

من يفعل ذلك وفي نفس الوقت يلتمس العون الإلهي فزيادة الخير خير.

{إن الله لا يضيّع أجر العاملين}

-------------


وقفة مع شمس التبريزي

أصدقائي الأعزاء، تحية طيبة

بعد أن ترجمت ونشرت بعض أشعار لجلال الدين الرومي، أتتني عدة طلبات لترجمة بعض أقوال مرشده الروحي المحبوب شمس التبريزي ( 1185- 1248) م. ، فانتقيت الأقوال التالية من موسوعة ويكيبيديا الإنكليزية وترجمتها لأكتشف فيما بعد أن معظم هذه الأقوال مترجم إلى العربية، ولو عرفت ذلك لما كنت ترجمتها لأنني في أعمالي الأدبية أحاول عدم تقديم أعمال سبقني غيري إليها، إلا إذا كانت غير متوفرة على الإنترنت وأقوم عندئذ بتوثيق المصدر.

وبما أن النية كانت إتحاف محبي العارف شمس التبريزي ببعض درر من منجمه الصوفي فرأيت أن أنشر هذه الترجمة التي لم يتسنَ لي تدقيقها بالشكل الكافي لضيق الوقت. آمل أن تستمتعوا بها وأن تحسّوا بحضور ذلك العاشق الإلهي بين هذه الكلمات التي هي كلماته في الأصل. والآن تفضلوا إلى قراءة هذه "التبريزيات"

محمود


إن رؤيتنا لله هي انعكاس مباشر للكيفية التي نرى بها أنفسنا. إن كان الله لا يجلب إلى العقل سوى الخوف والتوبيخ فهذا يعني أن هناك الكثير من الخوف والتوبيخ في داخلنا. وإن رأينا الله يطفح بالحب والرأفة والحنان، فهذا ما بداخلنا أيضاً.


الطريق إلى الحق هو اجتهاد القلب وليس الرأس، فاجعل قلبك وليس عقلك مرشدك الأول. اعرف ذاتك وستقودك معرفتك الذاتية إلى معرفة الله.


يمكنك التعرف على الله من خلال كل ما في الكون لأن الله غير محصور في مكان معين... وإن رغبت فيما بعد بمعرفة مقره الفعلي فهناك مكان واحد يمكنك البحث عنه وذلك المكان هو قلب محبه.


العقل والحب مصنوعان من مواد مختلفة. العقل يقيد بعقد لكن الحب يحل كل العقد. العقل يحذر دوماً وينبه إلى عدم الإنغماس الزائد في الإنجذاب في حين يقول الحب ما معناه:


"ولا يهمك يا مجذوب! اغطس.. اغطس في المحبوب!"


عندما ندخل مجال الحب تصبح اللغة عتيقة بالية. وما لا يمكن التعبير عنه بالكلام يمكن إدراكه في السكون.


مهما حدث في حياتك، ومهما كانت الأمور مقلقة، لا تدع القنوط يتسرب إلى نفسك. وحتى عندما تكون كل الأبواب مغلقة، سيفتح الله طريقاً لك وحدك. أحمد الله على كل حال واشكره. من السهل أن تشكر عندما تكون الأمور على ما يرام. الصوفي يشكر الله ليس فقط على ما يعطيه بل على ما لا يُعطى له أيضاً.


الصبر يعني أن تنظر إلى الشوكة وترى الوردة، أن تنظر إلى الليل وترى الفجر، والتأفف يعني قصر النظر وعدم القدرة على رؤية النتيجة. محبو الله لا يفقدون الصبر ولا مكان للتبرم في نفوسهم لأنهم يعرفون أن الهلال يلزمه الوقت كي يكتمل ويصبح بدر التمام.


لا يوجد فرق يذكر بين الشرق والغرب والجنوب والشمال، فمهما كانت وجهتك تأكد من أن وجهتك هي الباطن . فإن سافرت في أعماق ذاتك ستجوب العالم بطوله وعرضه بل وأبعد من ذلك.


لا يوجد باحث عن الحب لم يتغير وينضج أثناء بحثه. في اللحظة التي تبدأ فيها بالبحث عن الحب تبدأ بالتغيّر داخلاً وخارجاً.


هناك معلمون زائفون في هذا العالم بعدد النجوم في الكون المنظور. لا تخلطوا بين المتعطشين للقوة المتحصنين في الأنا وبين المرشدين الصادقين. المعلم الروحي الأصيل لا يشد انتباهك إلى نفسه ولا يطلب منك طاعة مطلقة أو إعجاباً كاملاً، بل يساعدك على استحسان ذاتك الباطنية والإعجاب بها. المرشدون العارفون هم كالزجاج الشفاف، يسمحون لنور الله بالمرور من خلالهم.


لا توجد حكمة دون محبة، وما لم نحب مخلوقات الله فلن نقدر على محبة الله أو معرفته.


هناك نوع من البقع التي لا يمكن تنظيفها بالماء النقي، وتلك البقع هي بقع الكراهية والتزمّت التي تلوث الروح ولا شيء يغسل القلب ويطهره كالمحبة.


الكون بأسره موجود داخل إنسان واحد، وذلك الإنسان هو أنت. فكل ما تراه من حولك، بما في ذلك الأشياء التي لا ترغبها أو حتى الأشخاص الذين تزدريهم أو تشمئز منهم، موجود في داخلك بدرجات متفاوتة. ولا تنظر للشيطان خارج النفس أيضاً. فالشيطان ليس قوة خارقة تهاجم من الخارج، بل صوت عادي يأتي من الداخل.


إن أردت تغيير الطريقة التي يعاملك بها الآخرون، فينبغي أولاً أن تغير الطريقة التي تعامل بها نفسك. وما لم تتعلم محبة نفسك محبة كاملة وصادقة فمستحيل أن يحبك الآخرون. وعندما تبلغ تلك المرحلة، كن شاكراً على كل شوكة يرميها الآخرون عليك لإنها إشارة إلى أنك ستُرش بالورود عما قريب.


لقد خلق الله كل إنسان خلقاً فريداً. لا يوجدن شخصان متماثلان تمام المماثلة. والقلوب لا تنبض بنفس الإيقاع. لو شاء الله أن يكون كل الناس متشابهين لكان خلقهم كذلك. ولذلك فإن الاستخفاف بالفوارق وفرض الأفكار على الآخرين يعني الاستخفاف بالخطة الإلهية المقدسة.


الصوفيون لا يدينون غيرهم من البشر بسبب مظهرهم أو حالتهم. وعندما يحدق الصوفي بشخص فإنه يغمض عينيه ويفتح عينه الروحية.. العين التي ترى العالم الباطني.


الحياة هي قرض لأجل مسمى وهذا العالم ليس سوى تقليد سطحي للحقيقة. الطفل وحده لا يميز بين اللعبة والشيء الحقيقي. ومع ذلك فإن البشر يصبحون إما مهووسين باللعبة أو يكسرونها ويرمونها جانباً. ابتعد عن التطرف في كلا الإتجاهين لأن التطرف يدمر التوازن الداخلي. الصوفيون غير متطرفين.. والصوفي يحافظ دوماً على اللطف والإعتدال.


للإنسان مكانة متميزة من بين مخلوقات الله.. ومن واجبنا اكتشاف الروح الإلهي في داخلنا.


النعيم والجحيم موجودان في هذه اللحظة. فكلما أحببنا نرتقي إلى السماء، وكلما أبغضنا أو شعرنا بالحسد أو تخاصمنا مع أحد نهبط إلى نيران الجحيم.


كل ما في الكون متداخل ومتصل عن طريق شبكة غير منظورة... وسواء أدركنا ذلك أم لم ندرك، فإننا جميعاً مشتركون في محادثة صامتة. لا تؤذِ. اشعر بالتعاطف، ولا تسعَ بالنميمة أو تثلب الناس في غيابهم، فالكلام الذي يخرج من الفم لا يتلاشى بل يُختزن على الدوام في الفضاء اللامتناهي وسيعود إلينا في الوقت المناسب. إن معاناة شخص واحد ستسبب لجميعنا الألم، وفرح إنسان واحد سيجعلنا نبتسم جميعاً.

-------------------


روحاني كباقة الورد

Spiritual as a bunch of roses

CMS McClellan

أعجبني هذا التشبيه للروائي والموسيقار مكليلان 1865-1916 لأنه ينطوي على إحساس مزدوج بالروحانية والجمال، وكأنه لم يشأ أن يفصل ما بينهما بل اعتبرهما عنصراً لطيفاً بأكثر من مظهر واحد.

يبدو أن هذا المفكر الأصيل تخطى المفهوم التقليدي للروحانية التي يعتبرها كثيرون ميزة بشرية بحت، وصولاً إلى المظاهر الطبيعية الجميلة الوادعة والتي هي النسخ الأولية لكل ما هو أصيل ورائع في الحياة .

ننظر إلى وردة متفتحة فيستهوينا شكلها البديع ويجذبنا أريجها الزكي ويبهجنا ملمسها الرقيق، فنسرّ بها وقد تحرك فينا أحاسيس عميقة وتطلعنا على أسرار مدونة في كتاب أمها وأمنا الطبيعة ، وقد تهمس لنا بلغتها الوردية وتحدثنا صمتاً عن الروح وعن الروحانية التي تتفتح وتنمو بصمت كوردة ندية تنفح طيباً وطيبة بتواضع أكيد ما عليه من مزيد.

------------------

وقفة جديدة مع مولانا

طلب مني بعض الأصدقاء ترجمة المزيد من أشعار شاعر الأحوال جلال الدين الرومي، وتلبية لطلبهم فقد اخترت بعض أبيات وأقوال له فترجمتها مضيفاً إليها بعض توقيعات وعبارات لا تخرج عن السياق العام لروح المعنى. آمل أن تستمتعوا بها وأن يرتشف ذوو الأشواق نهلة صافية من معينه العذب المنعش.

إن قرعتَ البابَ

يفتحهُ لكَ

إن تواريتَ

سيجعلكَ كشمس ٍ ساطعة

إن وقعتَ

سوف يُنهضْكَ بحبٍ وحنان

ويعزّيكَ ويأخذكَ

إلى أعلى الجنان

إن تلاشيتَ فثق أن الودود

سيحوّلـْكَ إلى كل الوجود.

لا يلتقي العاشقون َ

في مكان ٍ أو زمان

كونهم يحيون َ دوماً

معاً في قلب الوجدان.

------------------

الأسرة

قرأت هذه القصيدة في كتاب قديم عن (الأسرة) لشاعر مجهول الإسم Anonymous

وها أنا أترجمها هنا، آمل أن تنال إعجابكم.

الأسرة تشبه الكتاب..

فالأبناء والبنات هم الصفحات

والأب والأم هما دفتا الكتاب

أو الغلاف الواقي

الذي يحمي الصفحات

ويضفي على الكتاب رونقاً.

في البداية تكون الصفحات ناصعة

لكن سريعاً ما تدون فيها الأيام ذكريات

وتخط رسوماً.

الحب هو العنصر الذهبي

الذي يشد الأوراق بخيط الثقة

ويبقيها متماسكة

فلا تقطعوا الخيط

كي لا تنفرط الأوراق

وتتعرض للتلف والضياع.

-----------

هكذا شبّه الخوف

... بصوت مرتعش خوفاً، كطفل يتوجس العقاب

Timid voice, like a baby afraid of punishment

HERMANN BAHR

هذا القول هو للناقد وكاتب المسرحيات النمساوي هيرمَن بهر (1863-1934).

يبدو أن الناقد اتخذ الصوت دليلاً إلى معرفة الحالة النفسية للشخص.. فإن كان غاضباً أو جذلاً أو عاشقاً أو خائفاً أو حزيناً، بدت مؤشرات كل تلك الحالات في الصوت بكل وضوح.

ولعل مرد ذلك هو أن شخصية الإنسان تقوم على التفكير والإحساس والإرادة وتظهر وفقاً للكيفية التي يعرب بها الشخص عن هذه الملكات التي لها جذور في العقل والقلب.

فإن كان العقل قوياً متماسكاً، والقلب ثابتاً مطمئناً، والإرادة جازمة مصممة ، أو العكس، بدا ذلك جلياً في الصوت أكثر من المظهر، ولذلك قيل "تكلم حتى أراك."

----------------

هكذا تنشدك روحي

مثلما تقصد الأنهار البحر الذي يفوقها عمقاً، هكذا تنشدك روحي

As rivers seek the sea, much more deep than they, so my soul seeks Thee

C.G. Rossetti -

يبدو أن الشاعرة روزيتي كانت ذات رؤية بعيدة، ولم تكن قانعة في البقاء ضمن نطاق عاطفي ضيق ومحدود، بل استلهمت الطبيعة للتعبير عن شوقها العظيم لما هو أكثر عمقاً واتساعاً من ذاتها.

رأت الأنهار تتجه نحو البحر الذي وحده قادر على استيعابها فأرادت أن تتشبه بها بإطلاق أنهار حنينها باتجاه ذلك القلب الكوني الفسيح القادر على احتواء ما اعتمل في وجدانها من مشاعر ذات زخم وحب شديد لا يقوى على اشتماله سوى بحر لا ساحل له.

---------------

شاعر كندي يشبّه الصعود

يقول الشاعر الكندي بلِس كارمَن Bliss Carman:

يصعد صعود روح أفلتت من الجسد

Mounts as a soul from flesh escaping

لا نعرف إن كان الشاعر مر بهذه التجربة في حالة من حالات الإنخطاف فوصفها حسبما اختبرها، أم أنه تصورها فعبّر عنها على هذا النحو.

وتعبيره هذا يحمل دلالة مفادها أن الروح مكبلة بالجسد ولدى مفارقته تتحرر من الجاذبية الأرضية التي كان يخضع لها الجسد فترتقي صعوداً إلى مستوى أثيري يناسب طبيعتها الروحية ويتيح لها الفرصة والمجال لتطبيق مُثلها العليا وتجسيد أحلامها الراقية واستقبال إلهامات نقية مباشرة، عن غير طريق الحواس.

إن صحّت هذه الفرضية فلا بد أن قوله ينطبق على نفوس طيبة تعيش حياتها الأرضية ناشرة مشاعر وأفكار السلام والمحبة، لا تؤذي غيرها بل تعمل ما بوسعها لترك آثار وأعمال طيبة على هذه الأرض يترسمها ويستفيد منها الآخرون فتغدو نفساً مطمئنة وترجع إلى ربها راضية مرضية.

-------------

شاعر مجهول الإسم يحتفي

عثرت على قصيدة مطولة في موسوعة الشعر الإنكليزي لشاعر مجهول يُعتقد أنه نظمها في العام 1557 فترجمتُ منها المقتطفات التالية، آمل أن تروق لكم.

إن الشعاع المنبثق من نظراتها

الرشيقة والمفعمة بالحياة

ليفوق الجواهر بريقاً

والأحجار الكريمة ألقاً

ولكـَم أتمنى مداومة القراءة

في كتاب عينيها

إذ في كل عين صافية

يبتسم طفل بريء

وتشع مصابيح من البهجة.

أظن أن الطبيعة

بعد أن صاغتها بتلك الروعة

فقدت القالب الذي استخدمته

فلن تتكرر الصورة ثانية.

وأحياناً تراودني الشكوك

بأن الطبيعة بكل عبقريتها

قادرة على صنع مثل ذلك الجمال

وبالإمكان مقارنتها بطائر الفينيق

الذي لم يره أو يسمعه إنسان.

إنها بطهارة الملائكة..

عفيفة اللسان

نقية الطوية

وناشطة في أعمال الخير..

وهل بمقدوري القول أكثر من ذلك!؟

--------------------

ويفيدنا أسخيلوس Aeschylus من شذرات الحكمة واحدة إذ يقول:

الموسر الأحمق – أعزكم الله – هو عبء ثقيل الوطأة

A prosperous fool is a grievous burden

ولعل مفكرنا الذي عاش في القرن الخامس قبل الميلاد ويعتبر أبا التراجيديا قد ابتلي ذات مرة بأحد هؤلاء فلم يحدث انسجام لا في الذوق ولا في الرؤية ولا في التفكير ولا في المنطق، فجسّد تجربته تلك بهذا القول الذي نتداوله اليوم بعد مضي قرابة الألفين وخمسمائة سنة عليه.

أتصوره يحاول محاورة ذلك الموسر في أمور معنوية فيشدّه الآخر إلى أمور واهتمامات لا تتفق مع سليقة ذلك العبقري الذي تخطى الكثير من الاعتبارات التي اعتبرها الموسر أولوية وأولاها أهمية قصوى في حياته.

أو قد يكون حضر مجلساً كان الموسر فيه يصول ويجول بأحاديث - ربما تعززها إيماءات - تنم عن مفاخرة جوفاء ومباهاة صبيانية فأثقل حديثه على أسخيلوس وأطلق ذلك القول الخارج عن نطاق الزمن، وإلا لما كانت لنا هذه الوقفة معه.

---------------

جديد كالنهار

هذا القول هو للشاعر والمعجمي الشهير صموئيل جونسون (1709-1784) الذي يُعتبر أحد أبرز أقطاب الأدب الإنكليزي. وقد شد هذا التعبير انتباهي نظراً لما ينطوي عليه من وصف دقيق لظاهرة كونية دائمة التجدد وتحمل في تضاعيفها فرصاً جديدة وبداياتٍ واعدة.

الناس يحبون الجديد، حتى الحطيئة اعتبر أن "لكل جديد لذة" غير أنه استثنى من تلك القاعدة جديد الموت – طالت أعماركم .

النهار تسبقه إطلالة الفجر، وتلك الإطلالة تحمل معها طاقات حيوية منعشة وهنا تكمن روعة "الجديد".

هذه التيارات الصباحية الشفافة إذا ما استُقبلت بتفاؤل واستبشار فإنها تنفذ إلى الخلايا والأعصاب فتغذيها بإكسير حيوي يشحنها مما يبعث في الجسم همة وفي النفس بهجة.

حقاً أن البركة في البكور.

--------------

كثير بعدد ثقوب عباءة ديوجين

هكذا شبّه أحدهم الكثرة.

فلنتوقف بمعيتكم لمعرفة المزيد عن صاحب تلك العباءة ذات الثقوب.

ديوجين هو فيلسوف إغريقي ساخر ومزدر بالأعراف والتقاليد. ولد في عام 412 ق.م. وتوفي في عام 323 في كورنث في نفس اليوم الذي توفي فيه الإسكندر الكبير في بابل.

كان والده صرافاً وقد سُجن أو نـُفي بتهمة تزوير العملة، وقد شملت التهمة صاحبنا ديوجين فذهب إلى أثينا مع خادم مصاحب له إسمه مانس، فما كان من ديوجين إلا أن صرفه عنه قائلا: إن استطاع مانس العيش بدون ديوجين فما الذي يمنع ديوجين من العيش بدون مانس؟

لقد أعجب ديوجين بتعاليم أنتيسثين التي تنادي بالزهد والنسك فأصبح تلميذا له بالرغم من المعاملة القاسية التي لقيها من معلمه. ومن المفارقة أنه خلال فترة قصيرة تفوق على معلمه من حيث السمعة الطيبة وحياة التقشف.

الحكايات المروية عنه ربما تكون صحيحة. وعلى أية حال فإنها برهان أكيد على ثباته على ما كان يؤمن به من مبادئ. لقد تمرس بالصعاب وعود نفسه على تقلبات المناخ والعناصر وعاش في حوض مصنوع للاستحمام تعود ملكيته إلى معبد سيبل (ولم يعش في قبر كما يقال أحيانا).

كان يملك طاساً خشبياً لا غير. وذات يوم عندما رأى صبياً فلاحاً يستعمل كفيه المضمومتين ليغرف بهما الماء ويشرب حطم ديوجين الطاس معتبراً أنه من الكماليات التي يمكن الاستغناء عنها.

في طريقه إلى إيجينا أمسك به القراصنة وباعوه كعبد في جزيرة كريت إلى شخص من كورنث يدعى زينياد. وعندما سأله زينياد عن مهنته أجابه ديوجين: لا مهنة لي إلا تعليم الرجال وأني أرغب في أن يشتريني رجل بحاجة إلى معلم. وهكذا عاش في كورنث بقية حياته يعلم ولديّ زينياد وينادي بمذهب الفضيلة عن طريق ضبط النفس.

كان يذهب إلى المحافل الرياضية فيجتمع الشباب حوله ليتعلموا منه بدلا من معلمه السابق أنتيسثين. ولربما حدث في إحدى تلك المناسبات عندما طلب من الإسكندر أن لا يقف عائقاً بينه وبين ضوء الشمس، فعلـّق الإسكندر على ذلك الطلب بالقول: لو لم أكن الإسكندر لوددت أن أكون ديوجين.

الفضيلة بالنسبة له كانت تكمن في تحاشي كل الملذات الجسدية، وكان يعتبر أن الألم والجوع ضروريان لبلوغ الخير، مثلما كان ينظر إلى الفخفخات وأساليب الحياة الاجتماعية السطحية على أنها لا تتفق ولا تتناسب مع الخير الأعظم والحقيقة، وأن الأخلاق الفاضلة تكمن في البساطة والعودة إلى الطبيعة.

لقد كان متطرفا إلى أقصى الحدود في تطبيق فلسفته وتحقيق مثله العليا، وربما تأثرت سمعته بسبب التصرفات غير الخلقية لبعض تلاميذه من بعده.

لقد أ ُعحب النحاتون والرسامون كثيرا بشخصيته على مدى قرون وحاولوا تخليده برسومهم ومنحوتاتهم. وهناك تماثيل نصفية قديمة له في الفاتيكان ومتحف اللوفر وفي معبد جوبيتر في روما القديمة (الكابتول).

وقد تم العثور على لوحة رخامية بالنقوش البارزة تمثل الحوار الذي دار بين ديوجين والإسكندر الكبير الذي حسده على ما كان عليه من عبقرية فذة بهرت حتى قاهر الملوك وفاتح البلدان نفسه إبـّان ذروة عزه وأوج عظمته!

المصدر: دائرة المعارف البريطانية - الطبعة الحادية عشرة

-----------

زهرة القمر

لقد وصفَ الشاعر أدوين آرنولد Edwin Arnold الشوق والحنين

بهذه الكلمات الرقيقة:

تشتاق رؤية وجهكَ اشتياق قلب زهرة القمر لبدر التمام

والتي لا تتفتح أوراقها إلاّ على ضوئه.

في هذا التعبير الجميل يصور لنا الشاعر خفقة من خفقات القلب المشتاق

الذي تتفتح بتلاته فقط عندما يشع عليها ضياء من مصدر بعينه.

ذلك المصدر يمتلك لمسة سحرية تتفاعل معها زهرة المشاعر

فتسري في عروقها حياة وحيوية وربما غبطة تدفعها لأن تفتح أبواب

قلبها وتستقبل ذلك الضياء الذي يحررها من قيد الإنكماش

وينعش فيها حبات القلب.

------------

صلاة طفل عند المساء

للشاعر كوليردج

قبل أن أستلقي على فراشي لأخلد للنوم

ساعدني يا رب كي أبتهل بالقول:

يا رب، احفظ أمي العزيزة

وهب لها القوة والصحة

لسنوات عديدة مديدة

واحفظ أبي أيضاً

وساعدني كي أقدم له واجب الإحترام.

والهمني كي أفكر الأفكار النظيفة

لأكون قرة عين والديّ.

واحفظ يا رب أخويّ الإثنين

من الأعمال الشريرة ومن الخمول

وساعدنا كي نحب بعضنا دوماً

وكي نحب أصدقاءنا وأبانا وأمنا

وامنحني يا رب قلباً نقياً شاكراً

حتى عندما أغط في نومي الأخير

أستيقظ في يومك الأبدي

الذي لا نهاية له

آمين.

Samuel Taylor Coleridge

------------

في تشبيهها للجرأة والشجاعة

قالت الشاعرة والروائية الآنسة مولـَك Miss Mulock:

جريء كسفينة تمخر عباب البحر الهائج المائج.

وبقراءة تفسيرية، يمكن اعتبار البحر بأنه بحر العالم

الذي لا يخلو من هيجان وأمواج عاتية

والسفينة بأنها سفينة الحياة التي صُنعت للإبحار لا لسواه.

ولا بد للسفينة من قبطان يتوفر على خبرة ومهارة وحنكة

وعلى جرأة وتماسك في وجه العواصف والأعاصير.

----------

وذكرتك في هدأةٍ سحريةٍ

وبعثتُ نحوك خفقة ً فكرية ْ

فيها جمالُ الحلمِ والحسّ الندي

وتـَهامُس الكواكبِ الدرية

ولمحتُ في الشط القصيّ مويجةً

تتبسمُ وتراقصُ الحرية ْ

فكأنني عاينتك في شكلها

روحاً تسامرُ لجةَ الأبدية ْ

---------

اللاجدوى

قال أحدهم مشبهاً الجهد الضائع أو المحاولة العقيمة التي لا جدوى منها:

عقيم كسقي شجرة ميتة الجذور.

وقال آخر: جهد ضائع كضارب صخرة بالفأس.

وقال ثالث: محاولة عقيمة كمن يحاول عد حبات المطر في فصل الشتاء.

وأقول: عقيم كحوار مع شخص متصلب الرأي منغلق الأفق.

------------

مذعن كالصلصال Submissive as Clay

هكذا شبّه أحدهم الإذعان وهو تشبيه سديد صادر عن فكر ثاقب يجيد المقارنة ويحسن التمييز.

هناك فرق بين الموافقة المنطقية الصادرة عن قناعة ذاتية والإذعان المدفوع بالخوف. وهذا الإذعان قد يصدر حتى عن أشخاص يعتبرهم الناس جبابرة مع أنهم في الحقيقة مذعنون لغيرهم إما طمعاً في مكسب أو خوفاً من التعرض لقوة تفوقهم عتواً وجبروتاً، ويحاولون أحياناً التعويض عما يحسّون به من ضعف داخلي باستعراض قواهم على من لا يخشون منهم أذية فيبرزون تضعضعاً وارتباكاً على أمل أن يبلـّغوا رسالة عنترية مفادها:

(إنَّ لي همة ً أشدُّ من الصخــر وأقْوى منْ راسياتِ الجبال)

ذات مرة أراد أحد المعجبين بقواه الجسدية استعراض عضلاته فأمسك في الشارع بشخص بريء وراح - دون سبب - يوسعه ضرباً دون رحمة، وكان أحد الحكماء قريباً من المشهد فقال للمعتدي: "سيعاقبك الله". وما أن نطق بهذه الكلمات حتى برز رجال الشرطة كما لو أنهم تجسدوا في التو واللحظة، فأمسكوا بالمعتدي وانهالوا عليه ضرباً بالهراوات حتى فقد وعيه ونتيجة لذلك انهارت قواه وصحته وعاش بقية عمره منهوكاً متهالكاً. القصة موثقة في كتاب بعنوان Mejda

الإذعان الوحيد المبرر هو الإذعان لصوت الحق ووحي الضمير.

-----------

قال هوغو في وصفه للتقييد الذاتي:

"مكبل بقيود الماضي كالطير المحصور داخل قفص."

وفي تقديري، تنطوي هذه العبارة على حالة سيكولوجية لا يمكن التخلص منها بسهولة، ولا بد أن هوغو نفسه قد عانى منها مثلما عانى شكسبير من الماضي عندما قال ما معناه:

"من يجرؤ على استعادة بعض أحداث ماضيه دون أن يجبن؟"

وفي هذين القولين إضاءة وتحدٍ في آن. الإضاءة هي عدم التفكير بالماضي المقلق أو عدم السماح لانطباعاته المؤلمة باحتلال الذاكرة وطمس الإختبارات الجميلة والمحببة المخزّنة في مساحاتها.

أما التحدي فيكمن في تفعيل الطاقات الإيجابية واستعادة التجارب التي تستحق الاستذكار لأنها تجلب للنفس البهجة والتفاؤل والإعتزاز والرضى الذاتي.. ورمي الإسطوانات الذهنية العتيقة ذات المحتويات المزعجة في سلة المهملات، طبعاً مع الإحتفاظ بالدروس المستفادة تفادياً لتكرار ما لا يبعث على الإرتياح.

-------------

الشعر والرسم في مفهوم دافينشي

“Painting is poetry that is seen rather than felt, and poetry is painting that is felt rather than seen.”

بقوله هذا عرّف عبقري الأجيال ليوناردو دافينشي الرسم على أنه شِعر نعاينه

دون أن نلمسه وأن الشعر هو رسم نحسّه دون أن نراه.

وبعبارة أخرى:

الرسمُ شعرٌ ظاهرٌ .. والشعرُ رسمٌ لا يُرى

ومن أقواله أيضاً:

"البساطة منتهى الرقي"

------------

مما قيل في الغيرة والحسد:

الحاسد هو كمتعقب الظل.. يلهث دون طائل ولا يظفر بمطلوبه.

وقال بلزاك: تقبع الغيرة في قلب الإنسان كما تقبع الأفعى السامة في جحرها.

وأقول: الحسد كالدخان الضبابي الذي يحجب الرؤية ويضر بالصحة ويزيد من قابلية التعرض للمرض.

يفعلُ بالقلبِ مفعول الأسيدْ .. أو كعثٍ يقرضُ الثوبَ الجميلْ

إن رغبتم بإضافة المزيد من التشبيهات والتعريفات فتفضلوا

والسؤال هو: ما هو في تقديركم الدواء الناجع للغيرة والحسد؟

----------

November, 2014

بماذا شبهوا القاطع والواخز واللاسع؟

قال أحدهم: قاطع كأسنان الدهر

وقال آخر: واخز كشوك القنفذ

وقال ثالث: لاسع كلدغ النحل

وأقول: واخز كالنبرة الحادة

----------

للرسام العبقري مايكل أنجلو قول مؤثر ومأثور هو:

"إنني وحيد كالقمر الذي لا يستطيع أن يشع بمفرده"

وبالفعل فإن ذوي الإشعاع الذاتي هم قلائل في هذا الوجود. وهذا يذكرني بكومة الجمر التي تتقد جمراتها وتتوهج معاً، وإذا ما عزلنا جمرة منها عن الكومة فإنها لا تلبث أن تخمد تدريجبياً ويخبو وهجها.

وفي هذا درس ومذكّر للإلتفاف حول الطيبين من الناس الذين يلهموننا بمسلكهم النبيل ويضيئون عقولنا بأفكار نيّرة ويشيعون الدفء والطمأنينة في نفوسنا.

-------------

وصوتك مثل الصدى

من موطن السحر قادم

For thy voice like an echo from Fairyland seems – ANON

تشبيه جميل يحتفي بالصوت الرخيم. وفي تقديري يستمد الصوت جماله عندما يخلو خلواً تاماً من التصنع، فنسمع إذ ذاك ليس صوت المتحدث وحسب بل نحس أيضاً بأفكاره ومشاعره وكأننا نراها رأي العين. هناك من يعمدون إلى ترخيم أصواتهم أي ترقيقها لكي تبدو للسامع لطيفة مستحبة في حين قد لا يلازم ذلك الترقيق المصطنع أحاسيس مماثلة فيحدث عدم تطابق أو نشاز تميزه الآذان المرهفة ويستبينه الذوق السليم.

أحياناً نتحدث إلى شخص ما دون أن يتسنى لنا سماع صوته الحقيقي نظراً لإدخاله الصنعة عليه. مثل هذا الأسلوب يلجأ إليه أصحاب الأعمال والمصالح لكسب زبائن أو تسويق بضاعة أو الإعلان عن منتجات، لكنه لا يجوز بين الأصدقاء والأقرباء لأنه يخلق حواجز نفسية وشكوكاً حول ما تنطوي عليه النوايا.

وهذا ينسحب ليس على الكلام المنطوق وحسب، بل المكتوب أيضاً. لأن من يحب الناس ويرغب في التواصل معهم يتأكد من مرور كلامه عبر حجرات القلب قبل تدوينه أو التلفظ به.


RE 4-22

----------

سرّي كولادة الفكرة

كثيراً ما يفاجئنا المفكرون

بأفكار ربما لم تخطر لنا من قبل

وفي هذا التلاقح الفكري فائدة وزيادة في المعرفة.

صاحب هذا القول هو جيمس مونتغومري

الذي ربما كان من محبي الأفكار الجديدة

وقد يكون استخدم عقله كمختبر لاستيلاد الأفكار

ولنا أن نتصور بهجته كلما أفلح في اصطياد فكرة

في بحر عقله، لا سيما إن كانت فريدة لم يسبقه إليها أحد.

ولا بد أن نذكر أن تلك الفكرة السرية

تنطوي على طاقات هائلة إما للتعمير أو للتدمير

إذ كل ما نراه حولنا من صنع الإنسان

هو أفكار مجسدة، وُلدت في السر

وبقيت كذلك إلى أن قرر أصحابها تجسيدها.

الأفكار النيرة هي الأفكار التي تستحق أن

تنتقل من طور الكمون إلى طور التفعيل

لأن فيها فائدة وخير وعون للبشر

أما الأفكار الأنانية والمظلمة

فلا يجلب تجسيدها على أرض الواقع

سوى الفوضى والتشويش والدمار

ويا حبذا لو تبقى محبوسة ومقيدة

في عقول أصحابها

لأن ذلك هو مكانها الأنسب.

مجرد تحليل لفكرة..

---------

"...لا ينام ولا يدع أحداً ينام"

قرأت قولاً طريفاً يذهب على هذا النحو:

"يعدو بسرعة الشيطان"

لا أعتقد أن صاحب هذا القول

رأى الشيطان رأي العين ليعرف سرعته

لكن لا بد أن أفكاراً جامحة اعتملت في ذهنه

وكانت تتقافز من شيء إلى آخر

بسرعة أذهلته وربما أنهكته أيضاً

وقد لا تكون تلك الأفكار سليمة

بل عبارة عن وساوس تساور النفس

فتخلق لها إزعاجا

وتحرمها راحة البال

وفي المثل:

"...لا ينام ولا يدع أحداً ينام"

وقد يكون حاول معرفة مصدر تلك الأفكار

فعزاها استنتاجاً إلى قوة إبليسية

تأتي كعاصفة هوجاء

تهبّ على العقل فتطفئ مصباحه

وتستولي على ملكات النفس

ونتيجة لذلك قد يكون صديقنا

أدرك أن الشيطان

يتحرك بسرعة فائقة

ربما لخلق بلبلة فكرية

بحيث تضيع الطاسة النفسية

فيفقد الشخص القدرة على التمييز

ويستجيب لإملاءات الرجيم

أبعده الله عنكم وعنا أصدقائي

وأسعدكم وإيانا

بالأفكار والأحاسيس الرحمانية

المتزنة .. الهادئة.

-----------

متوهج كبوابة الفردوس

Aglow like the Gate of Paradise

في هذا التشبيه المتقد

نلمح إما تصوراً أو أثراً لاختبار

ويبدو أن صاحب القول رأى شيئاً باهراً

ربما بريقاً في عينين

أو ابتسامة طفل في منتهى البراءة

أو غروب شمس

يحاكي الذهب الأحمر الوهاج

وأراد أن يشبهه بشيء أروع وأكثر إبهاراً

فعرّج بخياله على ذلك الأروع

أو استنبط صورة من اختبار حصل له

فأطلق ذلك التشبيه، وربما لم يكن

راضياً كل الرضى عنه

ومع ذلك عقدَ المماثلة في لحظة مواتية.

لا نعرف أين ومتى حدث ذلك

وعلى أية حال

ها نحن نتناول تشبيهه ببعض التحليل

بعد مضي أكثر من قرنٍ على صياغته الأولى.

ولعل صديقنا تشوق

للوصول إلى تلك البوابة

ولمْسها بيده

وغسْل عينيه بألق إشعاعها

وقد يكون أيضاً تمنى

لو فتحت يوماً في وجهه

ليبصر أشياء لم يرها في الدنيا

ولم تخطر على باله

حتى في الأحلام.

-------

قوي كالكراهية

Strong as hate

هكذا شبّه مفكرنا المجهول القوة.

ونستدل أنه كان مفكراً

من ملاحظته ليس للكراهية بحد ذاتها وحسب

بل للآثار المدمرة التي تحدثها أيضاً.

فعندما تستوطن هذه العاطفة المشحونة القلبَ

تحتل الفكر والجسم أيضاً

فتصبح الأحاسيس أكثر تناغماً مع العداوة

وينطلق البغض كالمقذوفات من اللسان

وكالسهام الحادة من العيون

وأحياناً تتحرك الأيدي أيضاً

لترجمة تلك المشاعر عملياً على أرض الواقع.

لكن الكراهية، بالرغم من جبروتها

ليست القوة الأعظم في العالم

وإلا لكانت البشرية قد اندثرت منذ زمن بعيد

فالقوة العظمى هي المحبة

أو إن شئتم الحب

وهذه القوة تلهم كل ما هو جميل ونبيل

فهي تقرّب النفوس من بعضها

وتعمل من خلال الأيدي للبناء وتقديم العون

وتحرّك الأقدام للسعي في عمل الخير

وتستخدم البصر للتمتع بما في الكون

من تناسق خلقٍ

ودقة تكوينٍ

وبدائع وروائع

لا تراها العيون التي تستوطنها البغضاء

فتحرمها من رؤية الجمال

ومعاينة بصمات الجميل

الذي يحب الجمال.

-------

كالطحلب البحري، يغوص إلى المكان الذي نبت منه

Sinks, like a seaweed, into whence she rose

في هذا القول دقة ملاحظة وعمق تفكير

وواضح أن قائله كان يعقد مقارنة

وأغلب الظن بين طحالب البحر

وأشخاص أو مفاهيم.

لقد لاحظ مفكرنا

أن الطحلب الذي ينبت في البحار

لا قدرة له على الإرتفاع

إلى ما فوق سطح الماء

بل ينمو في بيئة مائية تناسبه

وتلك هي طبيعته.

لكن الفرق بين الإنسان والطحلب

هو أن الإنسان يمتلك الإرادة

التي حالما يقوم بتفعيلها

تتحول إلى قوة دافعة رافعة

تنتشله من بحر المتاعب والصعاب

إلى أجواء أكثر ملاءمة لكيانه المعنوي.

وقد يكون صاحب القول عنى شيئاً آخر.

ولا بد أن نذكر الطحلب بالخير

لأن فيه فوائد صحية

نظراً لاحتوائه على مغذيات.

----------

منهجَ الحقِ أيا عين السماءْ

يا بهاءً سِرُّكَ لطفُ اللطيفْ

طافحٌ دوماً بحبٍ وعطاءْ

وانسياب الوحي للفكر الشفيف

لن تزولَ حتى لو زالت ذُكاءْ

وستبقى ساطعاً وسْط َالكثيفْ

وإذا احتاجَ العليلُ لدواءْ

عندكَ الترياقُ للداء المخيفْ

والوقاية ْ حتى في أعتى الظروفْ

---------

وطفقتُ أنشدُ طلـّة ً أنسية ً

متعشماً بمشهدٍ أخـّـاذِ

فاستجمعتْ ذات الجواهر عزمَها

ووقودها من ثاقبٍ نفـّاذِ

فترققتْ حجُبُ القتامةِ برهةً

وتناثر تبرُ الرؤى كرذاذِ

-------------

عندما الكتابُ يـُفتح

قرأت هذا التشبيه الشعري عن الدعاء

لسبيرجيون فترجمته لجماله:

عندما نبتهلُ من عمقِ قلبٍ

يحفظ اللهُ الدعاءَ

مثل أوراق الورود

بين أوراقِ كتابٍ

وأخيراً..

عندما الكتابُ يـُفتح

سوفَ تنفح

بتلاتُ الوردِ

عطراً منعشا

-------------

عباءة الحب

يقول ووردزورث:

Fear is like a cloak which old men huddle their love, as if to keep it warm

أي:

الخوف كعباءة يدثر بها الكبار حبهم

كما لو كانوا يودون إبقاءه دافئاً.

صورة التقطتها عين ثاقبة

ومشهد رسمته ريشة شاعر بارع.

ربما لأن الحب بالنسبة للكبار أثمن ما يملكون

فيخافون عليه من شتاء العمر وبرودة الشيخوخة

ويلفعونه بعباءة الرعاية الودية والإهتمام الوجداني

أو يخشون أن يتعرض لنزلة برد أو يجمد جماد الصقيع

فتتجمد معه أحاسيسهم وتنقلب بهجتهم حزناً وكدرا.

وقد تكون تلك العباءة التي يلفون بها حبهم

منسوجة من خيوط القلب.

----------

حباك اللهُ ثوباً من جمالٍ

كأنهُ قطعة ٌ من سحرِ فجرِ

موشىً بالرقيّ وبالتسامي

وفيهِ رونقٌ من حُسنِ بدر ِ

ترصّعهُ المناقبُ كاللآلئ

وتهديه المحبة ُ نفحَ عطر ِ

--------

أكيد كالجاذبية

نستدل من هذا القول

الذي لا نعرف إسم صاحبه

أنه كان يريد أن يثبت صحة قوله

دون أن يقسم أو يحلف بالشرف والشوارب

أو يستخدم درجة عالية من الصوت

ليدوي في أوج الفضاء.

وفي هذا التشبيه مُذكِّر بأن هناك

قوانين على هذه الأرض ثابتة لا تتغير

بتغيّر الزمان والظروف والمفاهيم البشرية

ومنها قانون الجاذبية.

وهذه القوانين التي تعمل في الكون المادي

تقابلها قوانين غير منظورة تعمل في حياة الإنسان

وهي أيضاً راسخة

ولا يمكن تجاوزها دون تبعات.

فمن لا يراعي قوانين الصحة سيعاني من المرض

ومن يظن أن بمقدوره التصدي لتيار الخير

سيجرفه السيل بطريقة أو بأخرى

ومن يعمد إلى حرمان الآخرين من حقوقهم

ستبزغ ظروف غير متوقعه لتنغص عليه عيشته

وتسلبه أكثر مما حرم منه الآخرين

ومن يظن أنه أكبر من الحياة

ستثبت له الحياة عكس ذلك.

وفي المقابل..

من يعمل على التوافق والإنسجام مع قوانين الحياة

ستفتح يدٌ قوية في حياته منافذ لا تُسد

وستنساب إليه أشياء نافعة وجميلة وممتعة

وستنفتح في داخله عينٌ مبصرة

تُظهر له المطبات والمحاذير فيجتنبها أو يتوقاها

وترشده إلى دروب آمنة فيسير عليها

ويسعى إلى الخير أو يسعى الخير إليه

فيلتقيان .. ونعم اللقاء!

---------

يطفو كالفلينة

قرأت هذا القول الوجيز الظريف

وأردت أن أتناوله ببعض التحليل.

معلوم أن أشياء كثيرة لا تطفو

على سطح الماء بل تغوص

وتستقر في القاع

أما الفلينة فهي بخلاف ذلك

إذ تبقى طافية على صفحة الماء

حتى لو هبّت عواصف هوجاء

وطغت عليها أمواج عاتية.

هذا المثل يذكرني بالنفوس القوية

التي تصمد أمام تقلبات الأحوال

وعواصف الأحداث

وأمواج الظروف

ويجمعها بالفلينة قاسم مشترك

هو قابلية العوم واستحالة الغرق

في بحر الحياة.

دامت النفوس قوية الإيمان

متماسكة الأركان

وواثقة بأنها أقوى من الغرق.

--------------

بعد أن استمتعتم بنهار جميل مع مولانا الرومي

ها هو يمسّي عليكم ويقول:

إن سألك أحدهم عن وصف

متعة المتع ولذة اللذائذ

أنظر إلى أعلى وقل:

تلك هي يا صاح!

وإن تغنى أحدهم

بروعة السماء في الليل

اصعد إلى السطح

وارقص و "ادبك" وقل:

تلك هي الروعة!

وإن أراد أحدهم أن يعرف

رائحة عطر الحب الرباني

قرّب وجهك من وجهه وقل:

تنشق أطيب العطور!

عندما يتأوه العشاق

فإنهم يروون حكايتنا.

وإن سأل أحدهم

عن معنى الفناء في الحب

دلوه عليّ.

أنا سماء تعيش فيها الأرواح

حدّقوا بهذه السماء العميقة الزرقاء

واصغوا للنسيم يهمس السر الأعظم!

---------------

بعد ترجمتي البيت لشاعرنا الجميل الرومي

طلب مني بعض الأصدقاء

بأن أترجم المزيد من أشعاره

وتلبية لرغبتهم، استيقظت في الساعة الثالثة صباحاً

وترجمت بعض مقتطفات من أشعاره عن الإنكليزية

وقد أضفت إليها نغمة موسيقية لأنني أعتقد

أن أشعاره الأصلية تحمل موسيقى عذبة

تدخل الآذان بانسياب إيقاعي

وتبتهج لها القلوب.

وبعد الإنتهاء من الترجمة، أخلدت إلى النوم

فظهر لي شاعرنا الرائع في الحلم

رأيته يتوكأ على عصا

وعلى وجهه ابتسامة الرضا.

بادرته بالتحية قائلاً:

"السلام عليكم يا مولانا"

فرد والنور يشع من محياه:

"وعليكم السلام".

والآن تفضلوا بقراءة بعض وجدانياته ومواجيده:

لولا وجودُكَ في ذاتي لما وُجِدَ

حبٌ بقلبي ولا واصلتُ أنفاسي

فكـّرتُ يوماً سأوقفْ شوقيَّ لكمُ

ولو فعلتُ ما كنتُ من الناسِ

لما سمعتُ بقصة حبيَّ الأولْ

بدأتُ بحثيَّ عنكَ خارجَ ذاتي

وكانَ بحثي عقيماً حسَبَ الآتي:

العاشقونَ ليسوا خارجاً أبداً

بل في صميم الحشا

في الروح بالذاتِ

نورُكَ علمني كيفَ أحب

وجمالـُكْ كيفَ أنظم القصيدْ

بيَّ تسكنْ أيا حبيَّ العتيد

حيثُ لا تبصركَ عينٌ

إنما أبصركَ أحياناً

وأروي في نشيدْ

جلال الدين الرومي

------------

ازرعْ بها حُباً!

قرأت اليوم البيت التالي

مترجماً عن اللغة الأصلية

للشاعر الصوفي الكبير

جلال الدين الرومي

With life as short as half-taken breath

don't plant anything but love

وقد ترجمته إلى:

إن الحياةَ كالشهيقِ قصيرةٌ

فازرع بها حُباً ولا شيءَ سواهْ

معروف عن الصوفية

انتهاجهم لطرق عديدة ومتنوعة

ويتضح من هذا البيت

أن طريقة شاعرنا

كانت الحب الإلهي

ولعله وجد فيه طريقة مناسبة

لميوله العشقية

إذ كان صاحب أحوال واشتياق

وأدرك أن:

"ثمار المحبة من أعلى مقامات المقرّبين"

فطمع بها وشدّ إليها الرحال

ورغّب بها المشتاقين.

----------

تغريدة الحرية والقفص

طائرٌ بريّ

ملأ فضاء الصباح

بتغريدة ندية القلب

فرميت فوقه شبكة مصنوعة

من خيوط ذهبية

وظفرت به

ثم وضعته في قفص.

لكن أين التغريدة التي سمعتها؟

لقد تحايلت على الطائر

وتمكنت من الإمساك به

ولكن بدلاً من أن أجد

في بيتي طيراً مغرداً

اكتشفت أنني

وضعت قلباً كسيراً

داخل قفص.

ويلفرد جيبسون

-----------

غص عميقاً

شاعر ياباني مجهول

من القرن السابع عشر

يسدي نصيحة

بعنوان Motto أي (شِعار)

لمن يرغب

في أن يصبح شاعراً

ما معناه:

إن أردتَ

أن تصيرَ شاعراً

غـُص عميقاً

في الشعور

دونَ إظهار الكثير

عما في النفسِ يدور

------------

اللورد بايرون يصف القلب

القلب هو كالقبة الزرقاء

جزء من السماوات

لكنه كالقبة الزرقاء أيضاً

يتغير ليل نهار

إذ تحجبه غيوم

وتجلجل فيه رعود

ويكتنفه الظلام

لكن عندما يكتوي بالحروق

ويعاني من الوخز والتصدع

تخمد عواصفه

وتتحول إلى قطرات ماء

تنهمر من العين

أخيراً .. يتحول دم القلب

إلى دموع.

-----------

"كصوت النفير.. يطيّر النوم من العيون"

هذا القول هو للروائية ماريا لويس رامي

والتي اشتهرت باسم (عويدة Ouida )

ولعلها كانت مستغرقة ذات يوم

في نوم هانئ عميق

وربما مستمتعة بحلم لطيف جميل

عندما سمعت صوت بوق زاعق

فطار النوم من عينيها

وتلاشى الحلم من بين يديها

ولم يكن استيقاظها على النحو الذي يروق لها.

وهذا يذكرني بقول آخر مفاده:

نمتُ وحلمت بأن الحياة راحة وهناء

واستيقظت لأجد أنها كدٌ وعناء.

وكأني بصوت البوق المدوي

يرمز لنفير داخلي ذاتي الإطلاق

يهيب بالإنسان التزام اليقظة

وعدم الخلود لسبات طويل

حتى ولو كان أشهى من العسل.

قال أحدهم:

"تعلمت الإستيقاظ المبكر منذ الصغر

وتلك العادة أيقظت إرادتي

وشحنتها بعزيمة ماضية."

ولعل هذا ما قصده عمر الخيام بقوله:

فما أطال النوم عمراً

ولا قصّر في الأعمار طول السهر.

--------

مسكن في القلب

هذه القصيدة المؤثرة هي للشاعر الصيني تو فو من القرن الثامن الميلادي، الذي خلدته قصائده البسيطة الزاخرة بالمشاعر الفياضة والبعيدة عن التكلف. لقد أحبه أبناء قومه واحتفظوا بأشعاره وشخصه في ذاكرتهم وقلوبهم.

لقد التهم اللهب القاسي بيتي

الذي أبصرت فيه النور

فانطلقت بقاربي إلى البحر

لتخفيف وطأة ما اعتراني من قنوط.

أخذت معي شبابتي

وعزفت لحناً للقمر

لكنه حجب وجهه خلف سحابة

لأن لحني كان شجياً

وفيه نغمات حزينة.

شعرت بالتثبيط

فأدرت ظهري إلى الجبل

لكنني لم أشعر بالعزاء

وأحسست أن أفراح الطفولة

قد تلاشت مع بيتي

الذي أصبح أثراً بعد عين

فتمنيت لنفسي الموت.

ولكن فجأة

بدا وجه القمر

منعكساً على صفحة البحر

ولمحت حسناءَ تجتازني بقاربها الصغير.

تـُرى هل كانت تتمنى

أن أبني لي مسكناً في قلبها؟!

------------

"معاً كسرب من الطيور"

قرأت هذا القول لإنسان آمن بالإلفة بين النفوس

فاختار هذا التشبيه الظريف اللطيف.

لا بد أنه لاحظ الإنسجام في الطبيعة

التي هي مدرسة لمن يريد أن يتفقه بعلوم الحياة.

هذه الطيور التي استرعت انتباهه

استشعرت الحاجة إلى التآلف

فكانت عيوناً مبصرة

وآذاناً مرهفة

وقلوباً صغيرة متحابة.

من يرَ منها خيراً فهو للجميع

ومن يسمع أو يدرك خطراً

ينقل الإشارة بأسلوب ذوات الجناح

إلى باقي أفراد السرب

وفي هذا ضمان

للفرد وللكل.

وإذ تأنس ببعضها وتطمئن

تصدح بسيمفونية تبتهج بها

ويستعذبها محبو الأصوات التوافقية.

حتى في الطيور للناس دروس!

-------------

شاعر اليابان يهمس...

هذه القصيدة هي للشاعر الياباني

ميناموتو نو شيتاغو

من القرن العاشر الميلادي

يبدي فيها رأيه بالحياة

وهذه هي ترجمتها:

من قلب السحب الربداء

يبزغ وميض برق خاطف

فيبدو حقل الأرز بكل جلاء

وتظهر حزم الحبوب

مصفوفة بتناسق واتساق

ثم لا تلبث الظلمة

أن تبتلع الحقل ثانية

وكذلك هي حياتنا.

------------

"لطيف كحياة تسودها المحبة"

ظهر هذا المثل في كتاب

تعود طبعته إلى عام 1601

فحياة تسودها المحبة

تفرز اللطف

واللطف النابع من قلب محب

يتحول إلى طاقة خير

وطاقة الخير

هي طاقة إيجابية بنّاءة

تترجم ذاتها فكراً وقولاً وفعلاً

إلى ما هو صحيح وصحيّ وملهم

لأنها منبثقة أصلاً عن مصدر

كل خير ونور وجمال في الوجود.

RE 4-22

------------

وقال مخاطباً الفكر:

صفِّ النوايا تستقمْ

يا فكريَّ الأمورْ

وغـُصْ ببحر الفهمِ

تجنِ اللؤلؤَ المنثورْ

واهجرْ مساربَ ضيقةْ

وابغ ِ مغامرة شيقةْ

دوّنها في سطورْ

فالعمرُ فرصة سانحةْ

لعمل الأفضلْ

والرؤى دوماً سابحةْ

لعاشق الأجمل

والعقلُ فيهِ نور

يسهّل العبور

لمستوىً أمثل.

----------

لحظة مع مبدع مجهول

قرأت هذه العبارة لكاتب أو شاعر

لم يقترن اسمه بها فأعجبتني

وأردت أن أشارككم بها، وهي:

Clear as a cube of solid sunshine

أي:

صافٍ ونقي بصفاء ونقاء

مكعب من نور الشمس المتجمد.

لا بد أن فكر ذلك المجهول

كان شبيهاً بمكعبه

الذي جسّده بخياله القوي

ووصفه على هذه الدرجة الرفيعة من الإبداع.

--------

فلسفة الأمل

مهما الظروفُ تنمّرتْ وتنكرتْ

وتعاورت في الساحةِ الأحداثُ

يبقى الرجاءُ سيداً متسيداً

لا يبتلعهُ اليمُّ والأجداثُ

ومن ابتغى الغوثَ بقلبٍ واثقٍ

بالعونِ سوفَ يُنظرُ ويغاثُ

----------

شاعرة يابانية تروي تجربتها

بينما كنت أقلّب صفحات مجلد يضم صوراً لأعداد من مجلة قديمة نافدة الطبعة لأنها لم تطبع سوى مرة واحدة، عثرت على قصيدة لشاعرة وكاتبة يابانية لم أكن قد سمعت باسمها من قبل، هي آدال أوكاموتو.

أعجبت بالقصيدة ورغبت بأن تشاركوني بها أصدقائي، وها أنا أترجم ببعض التصرف مقتطفاتٍ منها، فتفضلوا بقراءتها على أمل أن تروق لكم.

في تلك الليلة

عندما استلقيت في عتمة غرفتي

مستذكرة ما قمت به

وما قاله لي الحكيم

شعّ نور ساطع وسط الظلام.

لا أعرف إن كان ذلك قد حدث

في لحظة مبكرة أو متأخرة

ولا أعرف كيف حدث

كل ما في الأمر أنه حدث.

لم يكن في النور شيء يمكنني تبيّنه

أو الإحساس به

سوى النور نفسه وبعض الوعي

وكلاهما كانا متألقين ومفعمين بالحيوية

كما لو أنهما من جوهر واحد

إن صح التعبير.

ذلك الجوهر كان نقياً ومتماسكاً

وقد بدا حقيقة قائمة بذاتها

ومتحررة من الحاجة إلى الكلام

أو إلى أية وسيلة أخرى على الإطلاق.

غمرني في هذا النور وهذا الوعي

شعور من الطمأنينة والراحة

وانعدام كلي للخوف

كما لو كانا يحتويان

على بعض الأشياء وكل الأشياء

التي أحببتها وكانت عزيزة عليّ.

فجأة، ومن قلب ذلك الوميض

انبثق مفهوم كروي

شبيه بولادة نجم جديد...

---------------

في الأرض خيرات

وفي السماء أنوار ونيرات

وفي الحياة دروب عديدة ومديدة

منها ما يغلفه ضباب الحيرة

ومنها ما تغمره أنوار اليقين

كذلك الكوكب البعيد

الذي تضيؤه أربع شموس.

ونفس الإنسان لا تقل شأناً

عن ذلك السيّار القصي

إذ شاء خالقها أن لا ترتهن للظلام

بل تعيش مستهدية بالنور

تماماً كما تلتمس العيون الضوء وسط العتمة.

على قدر الطلب يكون العرض

فمن يحصر أفكاره بالظلمة ويهواها

سيعثر عليها ويقترن بها

ومن يتشوق للنور ويسعى إليه

لا بد أن يعثر عليه

حتى في قلب الظلام.

--------------

نسألك يا رب

أن تبصر العيون الجمال

وأن تستقطب الأصواتُ العذبة المسامع

وأن تتلفظ الشفاه بالكلام الطيب والنافع

وأن تروي مياه السلام

المتعطشين للأمن والطمأنينة

وأن تعمل قوى الخير

من خلال الأيدي المباركة

وتتضافر الجهود على الخدمة والبناء

وأن تنمو بذور الأمل والرجاء

في تربة النفوس المتألمة والحائرة

وأن تنشط الهمم للتعمير والتثمير

وتتحول الأفكار من الظلمة إلى نور الحكمة

وأن يسري التعاطف الودي بين بني البشر

وأن تستوطن الإرادة الطيبة النفوس

وتنسكب سكينتك كزخات منعشة

في قلوب محبيك ومحبي الإنسانية

وأن يسود الحق والعدل

على هذه الأرض التي هي أرضك

إنك سميع الدعاء مجيب.


October, 2014

---------------

لمن يصبو

أجلتُ - إذ تجولتُ -

الطرْفَ في ذرى الأنفسْ

فلامستُ لها سراً

وعاينتُ بها دُراً

ولا أنفـَس!

هناكَ الطاقة ُ تنهضْ

إلى أعلى لا أسفلْ

هناك الرؤية ُ تعرضْ

كنوز الدافع الأمثلْ

وينضو الفكرُ مفهوماً

كثوبٍ خَلقٍ بالِ

ويبدو الوصلُ محتوماً

لمن يصبو لأحوالِ

---------

لمحة

لمحتك

في شعاع الفنِ

عند النشوةِ الجذلى

وعاينتُ

لك بسمةْ

في براعم الدفلى

وإذ رنوتُ بالخفـّاقِ

شطرَ الصورة المثلى

تجلّى حسنك الأخّاذُ

لا أبهى ولا أحلى!

-----------

المستر والمسز باريسوتو: جارا الرضى

كانا في العقد السابع من عمرهما عندما انتقلت إلى بيت مجاور لبيتهما على شارع تسكارورا في مدينة وندزور بكندا في منتصف السبعينيات.

هاجرا من إيطاليا إلى كندا، ربما في عشرينيات القرن الماضي، وعمل المستر باريسوتو في إحدى المستودعات الغذائية، حيث كان يقوم بتنزيل وتحميل أكياس البطاطا وأصناف أخرى من الخضروات والفواكه.

ذات يوم وجدته لدى عودتي من العمل يسقي حديقة منزلي فكانت مفاجأة سارة وشكرته على صنيعه فقال: "أريد أن أعمل شيئاً ولاحظت أن بعض النباتات بحاجة إلى سقي، وأود أن أفعل ذلك إن لم يكن لديك من مانع."

قلت له: "أشكرك على اهتمامك، وفي المرة أو المرات القادمة أود أن تستخدم صنبور الماء الذي في حديقتي وتسقي حديقتك وحديقتي معاً."

ابتسم ابتسامة بريئة وقال: "كما تريد"

بعد مدة أتى إليّ قائلاً: "إنني أجيد الدهان وأريد أن أدهن إطارات نوافذ بيتك من الخارج، ولديّ سلّم طويل للوصول إلى النوافذ العليا."

قلت له: "لا بأس، إنما أريد أن أعوضك عن أتعابك."

قال: "سنبحث في هذا الأمر فيما بعد."

وفعلاً شرع بالدهان وأمضى بضعة أيام حتى أنهى العمل.

عرضتُ عليه مبلغاً من المال فتردد في قبوله، لكنني ألححت عليه فقبله أخيراً، لكنه عاد بعد ذلك بقليل وأعاد المبلغ إلي قائلاً:

"لقد أخبرت زوجتي بما أعطيته لي لكنها أصرّت عليّ كي أعيده لك لأنك جارنا والجيران كالأهل"

وكانت زوجته الطيبة كلما خبزت كعكاً ومعجنات أخرى ترسل لي بعضاً منها.

واصل المستر باريسوتو خدماته الإيثارية، وكان يقص عليّ بلكنة إيطالية محببة بعضاً من حكايات عمره، وبين الحين والآخر كان النوم يغلب عليه أثناء جلوسه على كرسي هزاز على شرفة منزله.

في مطلع الثمانينات غادرت كندا وانتقلت إلى ولاية كاليفورنيا، وكان وداعاً مؤثراً لجاريّ العزيزين، وقد علمت فيما بعد أن المستر باريسوتو قد انتقل إلى العالم الآخر في عام 1985

في عام 2007 عدت إلى كندا لوداع شقيقي المرحوم حمد الوداع الأخير، وقلت لا بد أن أذهب لزيارة المسز باريسوتو التي كانت لا تزال تسكن في نفس البيت مع أحد أبنائها قبل أن تفارق الحياة في نفس العام عن عمر 102 عاماً.

فتحتْ الباب عندما قرعته ووقفت أمامي تنظر إليّ مستفسرة. لم تعرفني بعد مضي تلك السنين الطويلة، وعندما ذكرت لها إسمي هرعت صوبي لتغمرني بشوق كبير وقد غمرت الدموع وجنتيها وتلعثمت من شدة الفرح.

أمضيتُ حوالي الساعة في زيارتها، وكالعادة أبدت حسن ضيافة وكرماً نابعاً من القلب وبادياً في البسمة والعينين.

وعندما استأذنت بالمغادرة توجهتْ إلى خزانة في ردهة البيت وأخرجت منها صندوقاً صغيراً وقالت لي:

"هل تذكر هذا الصندوق المزخرف الذي أهديته لي قبل أن تترك وندزور؟ لقد احتفظت به وكلما رأيته أتذكرك."

وأنا أيضاً لا زلت أذكرك وأذكر زوجك النبيل بالخير يا مسز باريسوتو.

وأبعث إليكما في عالمكما الأثيري بمحبتي وتمنياتي لروحيكما بالرحمة والراحة الأبدية.

------------

ليلكة آخر الصيف

أصدقائي الأعزاء

بداية أود أن أشكركم من صميم القلب

على الإستقبال الحافل

الذي حظيتْ به صورتي المتواضعة

ورسالتي الموجزة.

فعباراتكم فائقة الروعة

التي تكرمتم بها – أكرمكم الله

أعتبرها من أثمن النفائس

وأحتفظ بها في طيات الوجدان.

وبدوري أهديكم هذه الليلكة البيضاء

التي تفتحت في غير موسمها

لأن زهور الليلك تتفتح في شهر أيار/مايو

ولأسبوعين فقط أو ثلاثة

ولم يحدث أبداً من قبل

أنني رأيت الليلك يزهر

بحلول فصل الخريف

الذي لا يفصلنا عنه سوى ثلاثة أيام.

آمل أن تعتبروها تفتحت وابتسمت لكم

وأن تتقبلوها تقدمة ناضرة عاطرة

من حديقة البيت والقلب.

والمعذرة إن لم أتمكن من التواصل

والتفاعل بالوتيرة المتوخاة

لأن متطلبات كثيرة

تتنافس على وقتي هذه الأيام

ومع ذلك تبقون متألقين

في أفق حياتي

مع مودتي وعميق امتناني

لكل واحد منكم

أصدقائي وأحبتي

حفظكم الله.

September, 2014

-------------


نحسبُ الأفعال تمضي

وإلى اللاشيء تفضي

والكلام يتبدد لا يدوم

يتلاشى كالغيوم

ونظن أن ما تمّ

وما قيلَ إلى ماضٍ يعود

ونكرر ونعيد

لا نرى أي قيود

إنما الأفعالُ والأقوالُ

تحيا لا تموت

ومتى حان الرحيل

تبدو فوراً كدليل

نحو نورٍ أو ظلام

حسبَ أنماط التصرف

وفقَ أنواع الكلام

John Keble

-------------


وبلحظة تهوي القوى

فيما إذا العقلُ

تشبّع من خمر الغوى

وتشرّب الوهمَ الضليلَ

وصارَ مطية َ للهوى.

وبفكرةٍ تغدو الحياة ُ أروعا

إذ يعقد الصوابُ عزماً قاطعا

كيما يَسود العقلَ والقلبَ معا.

وبهمةٍ صنو اللهبْ

وإرادةٍ لا تنسلبْ

فيها من الفولاذ

عزمٌ مندفعْ

يطردْ ظلالَ الهمِ والشؤمِ

وأشباحَ التخاذل والجزعْ

يُنالُ يا نفس الأرَب.

وسنلتقي..

حتى ولو أضحى البعادُ

بالضوء يقاس

وسندرك دون التباس

أن الثباتَ لقادرٌ

أن يختزل

كل المسافاتِ

بلحظة ساطعة

ويحقق الحلم العتيد

ويجسّد الطيفَ البعيد

ليمسي رؤيا رائعة

وسيرتسم

بدر التداني في الدجى

ويهل الفجر المرتجى

ليغمرَ بضيائه المتجلي

آفاق الجمال

وعندها سوف يقال:

إن اللقاءَ حقيقةٌ

وليس في الدنيا محال.

August, 2014

-----------

وبحثتُ عنك في السهوب

في طلة الفجر الرقيق

ومتاهة الزمن السحيق

في شجن الغروب

ومنابع الشوق العتيق

ولمعة الضوء البهي

وروعة التحنان

للصدر الشفوق

وغزلتُ تذكاراً وتذكيراً

من النجوى

ومن همس الخفوق

ومضيتُ وحدي في الطريق

يحدوني الأمل الوثيق

فعبرتُ أودية السكون

واجتزتُ بيداء الظنون

وقلتُ لليمّ العميق

ها قد أتيتكَ سابحاً

فشاطئ الصمت يناديني

ويدعوني الصديق.

--------


عندما تستيقظين

من سبات الغفلة

ستبصرين لأول وهلة

غماماً ينقشع

وحجباً ترتفع

ومخبئات تظهر

وأقباساً تبهر

وتشعرين بسلام يسري

وبتيار توافقي مستعذب

وبتحولٍ عجيب

لصخور الأنا الصلبة

إلى غلالة شفيفة

تعاينين من خلالها رؤىً لطيفة

وستوافيك انسكابات نورانية

كزخات أمطار استوائية

تطفئ الظمأ

وتنعش الكلأ

وسترتخي قبضة القيود

فيطيب لك الإنطلاق

مدفوعة بمحرك الأشواق

وستحرزين سبقاً

وتغمرك نشوة الإنجاز.

وبقلبٍ بصفاء الماس

ستحسين بألف حب

وبإدراكٍ دقيق المعايرة

ستطالعين سِفر الحياة

وتدهشك الروائع.

------------


الحكمة: وقفة إعجاب واحتفاء


بوركتِ من آيةٍ يا مطمحَ الناسِ


من الذين بهم إرهافُ إحساس ِ


فأنتِ كنزٌ عظيمٌ لا تنافسهُ


نفائسُ الدنيا من تبرٍ ومن ماسِ


يسعى إليكِ ضميرُ الحر مبتهلاً


كي يحظى منكِ بإسعادٍ وإيناس ِ


ويُفرغ ُالقلبَ من غثٍ ومن غـَلـَثٍ


ليبتني لكِ فيهِ قدسَ أقداسِ


ولا يجافيكِ إلاّ جاهلٌ نزقٌ


ولا يعاديكِ إلا فارغ ُ الراسِ


مع أنكِ كضياءِ الشمسِ ساطعة ٌ


وهمسُكِ دائمُ التذكير للناسي

----------


بين نحلٍ وذباب


يا نحلة ً في رياض الفكر حائمة ً


تبغينَ جَنياً من الأزهارِ معطارا


لا تعمدين إلى إيذاءِ زهرتكِ


بل ترشفينَ من الرحيقِ مقدارا


أما الذبابُ فتستهويه رائحة ٌ


يسعى لمصدرها بسرعة الغارة


يمتصُ ما شاءَ من رِجْسٍ ومن نتَنٍ


وينقل معهُ سُماً وأقذارا


في النحلِ أمثولة ٌ مثلى لطالبها


وفي الذبابِ دروسٌ تعطي تحذيرا


وفي الحياةِ رموزٌ كلها عِبرٌ


لمن يريد لها حلاً وتفسيرا

------------


عنترة: أي سر فيك؟

لقد اجتمعت في شخصك

طائفة من المزايا النادرة والملكات الفريدة

التي قلما اجتمعت في فرد واحد.

كنتَ في أيامك قوة عظمى

يُحسب لها ألف حساب

ولا نغلو إن قلنا أنك كنت غضنفراً بشرياً

يفر الخوف من وجهك ويعدو عدو الظليم.

كانت إرادتك الفولاذية

يستجيب لها جسم غاية في الصلابة والرشاقة

أما عقلك القوي فلم يعترف برسائل الألم المتواترة إليه

وربما كان صوتك قوياً أيضاً بنفس التناسب

مما أكسبك هيبة ووقاراً لدى الصديق والعدو

لأنك كنت متميزاً عز نظيرك.

وكنتَ من أجود الشعراء

وأكثرهم نباهة

وأنبلهم خلقاً وخلالاً

وأرهفهم إحساساً بالحب

والصدق والطيبة والرقة والثبات والمبدأ.

وكنت غني النفس

كبير القلب

شريف القصد

لم تعتدِ على أحد

ولم تبرز قوتك الجبارة إلا عند الإضطرار

كنت "تغشى الوغى وتعف عند المغنمِ"

مثلما كنتَ شامخاً ومتواضعاً في آن

وفياً حتى لحصانك،

متعاطفاً معه، ملاحظاً لتحمحمه

إذ لم يقو على الكلام

فخلدته في أشعارك التي خلدها.

ما أجمل ذكراك يا رجل

وما أروع خصالك

وأنبل أخلاقك

وأقربك إلى القلوب

يا أبا الفوارس!

--------



زرعتك في رياض الروحِ


زهراً طيب الأرَجِ


لأنتشقَ شذى الإخلاصِ


في الوهادِ والمَرجِ


وغبنا غيبة ً طالتْ


والتذكارُ في المُهجِ


خدين َالروح لم نسلُ


وزاد التوقُ من وهج ِ


وها نحنُ كما كنا


وما زلنا على النهجِ


نجددُ عهدَ ماضينا


ونحيي الذكرى باللهجِ

----------


وقال مخاطباً البصيرة:


يا بصيرة لكي تكوني بصيرة


إفتحي العينَ لتصبحي مستنيرة


واستعيري من الضياءِ شعاعاً


ودَعي الحقَ يلهم التفكيرا


واملأي من بحيرة الحبِ دلواً


واسكبي الشكرَ في الأثيرِ عبيرا


لا تعيري للثرثرات انتباهاً


إن أردتِ التحررَ من حيرةْ


وضعَ اللهُ في فؤادكِ نوراً


فابصريهِ ولا تكوني ضريرةْ

----------


كيفَ أتيتَ بلمحةٍ؟


يا من رمقتكَ في الحنين الصادي


وسريتُ نحوكَ في الخفاء البادي


ناديتكَ والبعدُ بحرٌ بيننا


فقطعتـَه كالجدول المتهادي


وأتيتَ تطفرُ لا يصدّكَ عائقٌ


وملأتَ قلبَ العشقِ بالإسعادِ


ونظرتُ والشوقُ المؤجّجُ طافحٌ


في مقلتيكَ .. كالمحيط الهادي


وسألتكَ: كيف أتيتَ بلمحةٍ


فأجبتَ: إسألْ إن أردتَ فؤادي

----------


أشتاقكَ


ولقد سمعتكَ إذ همستَ بفكركَ


ونقلتَ همسَكَ للحروف الناطقة


فشعرتُ أنكَ في الكلامِ مُجسَّدٌ


ولمستُ نبضكَ في العبارة الحاذقة


أشتاقكَ ينبوعَ ودٍ رائقاً


وروضةً بكل طِيبٍ عابقة


وواحةً يرتاحُ فيها مُتعبٌ


وبسمةً تشيعُ حِساً بالثقة


وفرقداً يبددُ عتمَ الدجى


وشامخاً يبقى دواماً سامقا


ومَكنزاً فيهِ الأصيلُ لا الدخيل


وملحمة ْ فيها فصولٌ شائقة


ومَصنعاً لكلِ فكرةْ صادقة

------------


الحقل


رأيت حقلاً ممرعا

فيه قطوفٌ يانعة

ورياحينُ جنةٍ

ومورقاتٌ فارعةْ

ثم رأيتُ قطعةً

بينَ الكرومِ قابعةْ

أشواكُها خانقةٌ

لكلِ عشبةْ نافعةْ

الفكرُ حقلٌ ينبتُ

غرساً مفيداً رائعا

وتُخرجُ تربتهُ

غثاً وسماً ناقعا

والنيةُ بذورُها

مكوّناتٌ هاجعةْ

تنمو فيُعرفُ نوعُها

والنفسُ هي الزارعةْ

--------


ومضة في قلب دجنة


عصفت رياح التيهِ في الأفكار ِ


فتبلبلت من شدّة التيارِ


وغدا الدليلُ في مهبّ زوابع ٍ


لا يقتفي أثراً من الآثار ِ


فالعقلُ فيهِ حائرٌ متوجسٌ


والقفرُ باتَ مثل سبعٍ ضار ِ


والجو فوقهُ مكفهرٌ عابسٌ


ويلوّحُ بالعارض المدرار ِ


وإذا بومضٍ يبزغُ من دجنةٍ


فيبددُ شملَ الدجى للساري


ويبانُ دربٌ سالكٌ وممهدٌ


ويبوح همسٌ: اعتصم بالباري!

--------

الفارس


لمحتكَ في ركاب المجدِ

بدراً يدحر العتمةْ

وفي عينيكَ أسرارٌ

وفي أغواركَ هِمة

شعاركَ نبلُ أخلاقٍ

وشارتكَ هي الذمة

وفكركَ قد غدا برجاً

يطاولُ في العُلى النجمة ْ

وقلبكَ فيه شلالٌ

مندفعٌ من القمة ْ

يبثُ وهجُكَ أمناً

ويجلو قربُكَ الغمة

فأنت مبعثُ أملٍ

وخيط ُ السدى واللحمة

--------


قال مخاطباً الذاكرة:

------------------------


كوني لربكِ شاكرةْ


تغدو رياضكِ زاهرة


واستذكري أفضالهُ


ولا تكوني ناكرة.


قد كنتِ يوماً عالقة


وسط هموم ٍ خانقة


فجادكِ غيثُ المددْ


والفيضُ كان غامرا


فيكِ رياضٌ عابقة


تستهوي كلَّ ذائقة


وفيكِ أرضٌ طيبة ْ


فلا تكوني بائرة


كوني لخير ٍ لاقطة


لا لقشور ساقطة


ولا تواري نعمة ً


وإلا صرتِ جائرة


وأيقظي روحَ الوفاءْ


إذا رغبتِ بالنماءْ


وإلاّ صرتِ كالهباءْ


وسطَ ضَلالٍ سادرة ْ

July, 2014

-------------


إلى طيفٍ لطيف


أراكَ في عيون القلبِ

ملءَ الدنيا والخاطرْ

تأتي كرياح الخيرِ

بالغيم الندي الماطر

وألمحُ في مطاوي الكون

ومْضَ نجمكَ الزاهر

تخطيتَ مجالَ الرصدِ

لا يصدكَ ساتر

فتسري في حنايا الروح

نِعمَ الساري والزائر

حضوركَ صنو فردوس ٍ

بالمباهجِ عامرْ

ووعدٌ يحملُ بشرى

بغدٍ مشرقٍ باهرْ

------------


سقياً لهُ .. رعياً لهُ

من التنوّع نسْجُهُ

فيه طلاقة ُ وانطلاقٌ

والتحررُ نهجُهُ

يقالُ هو رؤيةٌ

أو حُلُمٌ ليقظةٍ

وفيضهُ متصلٌ

غيثٌ عميمٌ رهجهُ

وقيلَ هو بذرة ٌ

قد أنبتتها فكرةٌ

والفكرة ُ منشؤها

عقلٌ كشمسٍ وهجُهُ

فيهِ نسيمٌ عابقٌ

وفيه نبعٌ رائقٌ

والفكرُ فيه سامقٌ

وبالروائع لهجُهُ

---------


من أنت؟

للفيلسوف الشاعر إدوارد كاربنتر


لا أعرف من أنت

ولكنني أدرك تماما

بأنك ستعرف.

قطعاً لستَ أرفع مني منزلة

ولا دوني مقاماً

لذلك لا أنظر إليك بحسد

أو إشفاق

أو إذعان

أو امتهان.

المهابة والمواهب

والتحصيلات والإنجازات

ليست ذات شأن خطير

لكن المقام الأول

هو للوفاء

والأمانة

والصدق

والإمتثال لقانون

العدل والمساواة.

عندها ستقر عيناً

وتغمرك البهجة.

وإلى ذلك الحين

أستودعك الله

لا تتبعني

بل انطلق بقاربك في بحر الحياة

على أمل أن نلتقي يوماً ما.

Edward Carpenter

----------


حوارية التجدد


قالت: ماذا تقول في التجدد؟


أجاب: إنه علاج للتلبد وأيضاً للتبلد، ويذكرتي بقول الشاعر:


إني رأيتُ وقوفَ الماء يفسدهُ

إن ساحَ طابَ وإن لم يجرِ لم يطبِ


قالت: لكن التوجه العام نادراً ما يتخطى نقطة المراوحة

وقد يبدو تغيير النهج مغايراً للتوجه والاتجاه معاً.


أجاب: التوجه العام محكوم باعتبارات كثيرة

منها السليم ومنها السقيم

وليس من الضروري مواكبته في كافة مراحله

ولا بد – عند الإقتضاء – من تغيير المسار أو تعديله ولو بمقدار.


قالت: وما هي ماهية التجديد؟


أجاب: هناك من يعتبر التجدد مخالفة للمألوف

لكن مثل هذا "التجدد" قد يكون مباينة للمنطق ومجانبة للصواب.

أما التجدد الفعلي فهو في تقديري:


توليدٌ لطاقات جديدة ومفيدة

واستحداثٌ لأفكار خلاقة وذات طبيعة تمددية في مسارات إيجابية

وارتباط وثيق بعناصر جوهرية مستقرة وعصية على الزعزعة

والسير على دروب غير مطروقة، إنما موثوقة.


قالت: وهل من حافز للتجدد؟


أجاب: فيه غسلٌ للأفكار من غبار

وإيقاظ لطاقات من سبات

وشحذ لهمم أصابتها كلالة

وتصفية لمزاج معتكر

وإرواء لظمأ الوجدان.

----------


حوارية المال والغنى


قال ما رأيك في المال؟


أجاب: مال التفاخر فقر مدقع

أما ذاكَ المُكتسب بطرق شريفة

والمُنفق بروية ورؤية حصيفة

والموزَّع عن طيب خاطر

والمتروك بقناعة

فهو مالٌ فيه نفع وبركة..

ما عدا ذلك فهناك محاذير.


قال: أية محاذير تلك؟


أجاب: هناك أرق التحصيل

وبالتالي تحصيل الأرق

والخوف من فقدان "عديل الروح"

والتحسّر على ذهابه مع الريح

وإغراء الإستخدام في الطرق الملتوية

الذي لا يقل خطورة عن داء الملتويات

والمشكل العويص جراء التخبيص.


قال: وهل من تعريف للغني؟


أجاب: من كان الله نصيبه

فهو ليس الغني بل الأغنى

لأنه نصيبٌ لا يقل ولا يضمحل

من السلام

وراحة البال

وسكينة الفؤاد

----------


سألها فأجابت:


قال: الكره موجود ولا بد للإنسان أن يكره، فماذا تقولين؟


أجابت: بالصواب نطقت، فالكره نقيض المحبة، وله قوة.


أما إن أردت أن تكره

فاكره الكذب على الذات والآخرين.. ومعه الرياء

واكره الفساد والإفساد

والإنحراف عن سبيل الرشاد.


واكره الصَغار والمجون

والغل والضغينة

والحسد المأفون


واكره التواني والغرور

والطمع غير المبرور


واكره الوضاعة

وكل ما ينتمي لهذه البضاعة.


قال: ولماذا يتعين عليّ أن أكره كل هذه؟


أجابت: حتى تتذوق المحبة

وتستحق وسام الرجولة.

-----------


الصحة النفسية: أنواع الأمراض النفسية


الطب النفسي هو ذلك الفرع من الطب الذي يُعنى بتشخيص أعراض الأمراض العقلية وبمعالجتها والوقاية منها.


ليست ثمة حدود واضحة تفصل بين الطب الجسدي والطب النفسي. فالطب النفسي لا يستطيع أن يتجاهل العلاقة القائمة بين الأوضاع الجسدية والحالات النفسية، كما أن الطب الجسدي أصبح اليوم يولي انتباهاً متزايداً للطريقة التي بها تعجّل الحالات الانفعالية في اعتلال الصحة وتزيدها سوءاً.


أسباب الأمراض النفسية


ليس ثمة إطلاقاً سبب واحد أو بسيط للمرض النفسي. لذلك يجب التمييز، من الناحية العملية، بين الأسباب التي هي بالأحرى منبعثة من الذات أو داخلية المنشأ، كالعوامل الوراثية، وبين الأسباب التي هي بالأحرى متأتية من الخارج أو خارجية المنشأ، كالإصابات والأمراض الجسدية أو الحالات المسببة للضائقة النفسية كفقد قريب أو نكسة مالية غير متوقعة أو الصرف من العمل.


إن للتفاعل بين شخصية الإنسان وأي عارض جسدي أو ضائقة نفسية تأثيراً في أي رد فعل نفسي ناجم عن ذلك.


إذا قارنا شخصاً يشكو من قلق عصابي بشخص طبيعي أمام مشهد، نرى الأول يشعر بتهديد من قبل الأشياء التي تحيط به مباشرة. ومع ذلك يظل متصلا مع الواقع ومدركا أن الشياء باقية في الحقيقة على حالها. غير أن المصاب بالذهان قد يعيش الحالة ذاتها مع رؤية مشوهة، معتقداً أن إدراكه الخاطئ للواقع الخارجي سليم وموضوعي.


الاختلاف بين البلدان من حيث نسبة الاصابات بالامراض النفسية قد يعكس فوارق حقيقية. لكن هذا الاختلاف قد يعود ايضا إلى تباين في طرق التشخيص عند أطباء الأمراض النفسية، أو إلى فوارق كبيرة في تيسّر أسباب العناية بهذه الامراض. لهذا السبب يصعب التأكيد بأن بلداً معيناً أو بيئة معينة هما أكثر تعرضا لنوع معين من الأمراض النفسية. لكن يبدو أن هناك فوارق في أنواع العصاب.


هناك عوامل تختلف جدا عن بعضها بعضا وتؤثر تأثيرا عميقا في الصحة النفسية. فالبنية الوراثية ذات أهمية، إذ أن التوائم الحقيقيين أكثر تعرضا بكثير لانفصام الشخصية من الاخوة العاديين، غير أن العوامل الوراثية أقل أهمية في العصابات من الصدمات الإنفعالية، لا سيما في سن الطفولة.


... الإنعزال عن المجتمع الذي يتعرض له المهاجرون أو الكهول يسبب الانهيار. ترافق بعض الأعمال مخاطر نفسية كالإدمان على الكحول عند الصحافيين والبحارة، والانيهار عند ربات البيوت والعمال القليلي المهارة، والشكاوى الجسدية-النفسية عند الاطباء ورجال الأعمال.


وترافق بعض الآفات الجسدية، كتضخم الغدة الدرقية الشائع كثيراً، بعض الإضطرابات النفسية، ومن الصعب الفصل بينها وبين الحالات النفسية الصرف كعصاب القلق.


أهم أنواع الأمراض النفسية


هناك ثلاثة أنواع رئيسية للأمراض النفسية: الأول هو الذهان، ويشمل:

انفصام الشخصية

الانهيار الهوسي

جنون الارتياب

الذهانات العضوية

والذهانات التي ترافقها اضطرابات جسدية.


النوع الثاني هو العصاب الذي يشمل:

القلق

وحالات الرعب

والاضطرابات الاستحواذية القسرية

والعصابات الهستيرية والانهيارية.


النوع الثالث هو اضطرابات الشخصية التي تشمل:

الادمان على الكحول والمخدرات

والإضطرابات السلوكية لسن الطفولة

ومجموع من الشواذات والانحرافات غير الناجمة عن ذهانات أو أي علة أخرى.


المصدر: موسوعة بهجة المعرفة

-------------


التطور الخلقي:


نظرة الكاهن والمهندس والملحد إلى المعبد - وهل كانت سرقة الدواء مبررة؟


إن تعلّم التمييز بين حسن السلوك وقبحه أمر حاسم بالنسبة لقدرة الولد على التكيف مع المجتمع. لكن ليس من السهل إعطاء تحديد عام للخُلُقية أو الفصل في كيفية اكتساب القيم الخلقية.


لقد جاء بعضهم بنظرية تقول أن ثمة نظاماً خلقياً مطلقاً على كل إنسان أن يطمح إلى التقيد به، بينما رأى غيرهم أن كل حضارة تضع قواعدها الخاصة وتحث الأولاد على اتباعها.


القيم المتضاربة


إن ما هو خُلُقي محدد بدقة في تعاليم العديد من الأنظمة الدينية والخلقية، التي صورت الخير والشر كقطبين متقابلين، وافترضت أن الشخص المتسم بالخُلق يميل إلى العمل باستمرار وفقاً لمبادئ عليا في تصرفاته مع الآخرين.


لكن الدراسة التي قام بها هرتسهون و ماي في أواخر العشرينات من القرن الماضي في الولايات المتحدة توحي بأن لأكثر الناس معايير أخلاقية مرنة.


يبدأ كل إنسان حياته طفلاً خالياً من الحس الخُلقي، أي محايداً بين الخير والشر، ثم يكتسب معاييره الخلقية الأولى من والديه. هذه المعايير الباكرة صارمة ومتعلقة بأوضاع معينة، ويتبناها الطفل غالباً رغبة منه في أن يكون مطيعا، وأن يتجنب القصاص أو الإستياء.


ثم يمر الولد، بين الخامسة والحادية عشرة، في مرحلة تطور خُلقي سريع، يكون فيها للأصدقاء والمعلمين تأثير عميق في معايير السلوك التي يتبناها، وذلك من جراء حرصه على كسب رضاهم.


ومع ازدياد نضجه، يزداد نسبياً لديه الشعور بأهمية الواجبات نحو المجتمع إجمالاً.


بالرغم من تعدد الطرائق لدراسة هذه التغيرات التي تطرأ على التطور الخلقي، تظل إحدى الطرائق الأكثر نجاحاً تلك التي استعملها العالم النفسي لورانس كولبرغ. ففي مقابلات وجاهية من الأولاد، طلب إليهم أن يجيبوا على عدد من المعضلات الخُلقية، ثم راح يدرس تفكيرهم من خلال أجوبتهم.


أظهرت هذه الدراسات، التي أجريت في مجتمعات مختلفة، أن تطور التفكير الخُلقي يتم على مستويات أساسية ثلاثة، صنّفها كولبرغ إلى ما قبل الخُلقي والتقليدي والمبدئي.


صنف لورانس كولبرغ مستوى الأولاد الخلقي استناداً إلى أجوبتهم عن القصة التالية:


إمرأة مريضة مشرفة على الموت – طالت أعماركم – من جراء سرطان، لا يشفيها منه إلا دواء واحد.


يبيع صيدلي هذا الدواء بسعر يفوق عشرة أضعاف كلفته، وليس لدى زوج المرأة سوى نصف المبلغ المطلوب.


يقول الزوج للصيدلي أن زوجته مشرفة على الموت، لكن الصيدلي لا يخفض الثمن.


يدخل الزوج اليائس عنوة ويسرق الدواء.


هل كان عليه أن يفعل ذلك؟ ولماذا؟


جُمعت الأجوبة المؤيدة كما جُمعت الأجوبة المستنكرة في ست مراحل.


في تصنيف الأجوبة لم يكن المهم نوع الفعل، بل الأسباب المقدمة لتبريره.


غالباً ما يتضارب التزمت الخلقي عند الفرد ومتطلبات السلطة. فالجندي يقدم على القتل أثناء ارتدائه البذلة العسكرية، ولا يسعه ذلك باللباس المدني.


يتأثر إدراكنا للعالم جذرياً بقيمنا الخلقية. فرؤية معبد مثلاً توحي بأشياء مختلفة إلى أشخاص مختلفين.


فبالنسبة للكاهن المعبد هو بيت الله المقدس، بينما قد لا يرى فيه مهندس معماري سوى مبنى عادي، وقد لا يمزيه الملحد عن الأبنية المحيطة به، بينما قد يمثل للماركسي الظلم بعينه.


المصدر: موسوعة بهجة المعرفة

-----------


انتقال الطاقة – أساليب التبت وطرق غربية


جاء في المجلد الأول – المجموعة الثانية من الموسوعة ما يلي:


جون سكودر، مهندس وقس أمريكي يسمح له بدخول المستشفيات، يجمع أسلوباً في التنفس و "لمسات مغنطيسية" بيديه على جسم المريض، مع طريقة نفسانية لتغيير تصورات المريض المسبقة لمرضه.


أما نوربو تشين، وإسمه الأصلي تشارلز ألكسندر من كنتكي في الولايات المتحدة، فانه يستعمل أساليب تعلمها في التبت. "يرفع بها مستواه التذبذبي" وهو يرنم ويتأمل، حتى يشعر بأنه أصبح مستعدا لتحويل طاقة وعيه إلى المريض.


لقد أتى بنتائج باهرة إلى حد أن فئة من العلماء في أمريكا مُنكبة على دراستها.


التصحيح الإرتجاجي الحيوي والغرز الإبري


التصحيح الإرتجاجي، أي الضبط الإرادي لحالات تكون عادة غير إرادية، يستخدم عقل المريض ذاته للشفاء، وذلك بأن يريه نتائج حالته النفسية على آلة مسجلة. فباستطاعة المريض، بطريقة لم تحدد بعد، إحداث تغيرات في ما تسجله الآلة، وذلك بتغيير حالته النفسية، والعكس بالعكس.


وهكذا يمكن مثلا لأناس مرتفعي الضغط أن يخفضوه، كما يستطيع غيرهم من المرضى، عن طريق الاسترخاء الداخلي العميق، أن يشفوا من التوتر والصداع والربو وأعراض أخرى من الضيق وحتى من ألم العضلات.


مع أن طريقة الغرز الإبري تعود إلى ما لا يقل عن 5000 سنة من تاريخ الصين، فإنها لم تصل إلى الغرب إلا خلال الستينات (من القرن الماضي)، ولم تحتل مركزها الرفيع فيه إلا بعد زيارة استقصائية للصين قامت بها جماعة من الأطباء الغربيين عام 1972.


تستعمل هذه الطريقة الآن بشكل أوسع، وهي تقوم على فكرة 14 خطاً زوالياً رئيسياً (منها 12 خطاً أو قناة ذات جانبين تربط أعضاء داخلية عميقة بنقاط على سطح الجسم). ولكل من هذه الخطوط نقطة تهييج ونقطة تسكين. والأعضاء مزدوجة، بحيث أنه إذا هيج القلب مثلا تسكن الرئة.


توجد في الجسم 1000 نقطة غرز إبري على الأقل، وربما أكثر من ذلك بكثير. عندما تغرز إبر من الفولاذ في إحدى هذه النقط وتحرك برفق، يعتقد أنها تعيد توجيه دفق الطاقة على طول الدوائر فتصحح أي خلل في التوازن.


يسمي الصينيون هذه الطريقة "كي" وهي ترتكز لديهم على مبدأ ين – يانغ الطاوي القائل بأن للطاقة نواحي متقابلة ومتكاملة يجب أن تبقى متوازنة لضمان صحة الجسم.


يستعمل هاري إدواردز، وهو أشهر المطببين بالإيمان في بريطانيا، طريقة "وضع الأيدي" مصحوبة بالتعاطف وبالتفهم. ملأت جلساته الشفائية العامة قاعة ألبرت هول بلندن، وقد عُزيت قدراته الشفائية إلى إرشادات طبيب "مجرد من الجسد" كما عزيت إلى الإيمان.


تجري "الآن" في الصين أكثر أنواع العمليات الجراحية بعد تخدير بالغرز الإبري الذي يسمح للمرضى بأن يحتفظوا بوعيهم خلال العملية وبأن لا يشعروا إلا بالتخدر بحيث يستطيعون غالباً مغادرة منضدة العملية على الأقدام.


بدأ استعمال الغرز الإبري كمخدر عام 1959 عندما منح الرئيس ماو الذين يمارسون هذه الطريقة صفة الأطباء الشرعيين. قبل ذلك التاريخ كان الغرز الإبري إجراء علاجيا فقط.


أصبحت لورد (في فرنسا) مركزاً مشهوراً للمعالجة بالإيمان، بعد أن "رأت" فتاة قروية اسمها برناديت سوبيرو العذراء مريم بجانب ينبوع ماء عام 1858 وقد زار الينبوع الذي قيل أنه يشفي عجائبياً، عدد لا يحصى من الحجاج.


أول من بدأ باستخدام التنويم المغنطيسي في دراسة الهستيريا جان مرتين شاركو في إحدى مستشفيات باريس، حيث كان سيغموند فرويد أحد تلامذته. يستعمل التنويم المغنطيسي اليوم في كثير من مجالات الطب، بما فيها التخدير. ففي طب الأسنان، يستطيع أن يخفف القلق، وفي حالات أخرى يستطيع أيضاً أن يحمل المريض على ضبط وظائفه الجسدية، كضغط الدم ونبض القلب، ولا يزال مستعملاً في المعالجة النفسانية.


المصدر: موسوعة بهجة المعرفة

--------------


الشفاء غير الطبي


نجدد الترحيب بكم أصدقاءنا ونواصل بمعيتكم رحلتنا الإستكشافية لخزائن بهجة المعرفة، مع التنويه بأننا لا نتبنى أياً من أساليب العلاج المطروحة هنا ولا نروّج لها أو نشجع على استخدامها، وما نقوم به هو مجرد نقل معلومات من موسوعة علمية.


الشفاء غير الطبي يعني أي نوع من الشفاء يتم بدون أية مساعدة طبية أو كيميائية، وذلك عن طريق إثارة القوة الحيوية، أي الكائن العقلي أو الروحي.


يصعب في هذا المجال التحقق من المرض أو الشفاء، لأن المجال يبقى مفتوحاً أمام الممارسات الاحتمالية، لكنه ظهر في الآونة الأخيرة اهتمام بالموضوع.


المطببون ووسائلهم


إن الأشكال العديدة لهذا النوع من الشفاء غير الطبي تشمل الشامانية (طريقة الأطباء السحرة ورجال الطب في الحضارات البدائية) و "وضع الأيدي"، وبالأصناف المختلفة من الصلوات الفردية والجماعية والتأمل والاسترشاد بأطباء "مجردين من الجسد" (بعد أن كانوا أحياء في ما مضى).


وتنطوي هذه المعالجة أيضاً على علاجات وهمية (من حبوب لا قيمة كيميائية لها إلى وصفات تؤثر نفسياً إذ تجعل المريض يشعر بأنه يأخذ علاجاً مفيداً)، وعلى ما يسمى بالجراحة النفسية التي يمارسها مطببو الإيمان في الفليبين وغيرها من البلدان، وتطهير الهالة (وهي حقول الطاقة التي يقال أنها تحيط بكل الكائنات الحية)، والتصحيح الارتجاعي الحيوي.


من بين مطببي الإيمان المعاصرين (لغاية طباعة الموسوعة) كاترين كولمن في أمريكا وهاري إدواردز في بريطانيا، اللذان ساعدا آلاف المرضى على الشفاء.


اشتهرت أولغا وورل التي أدارت مع زوجها أمبروز "وكالة" للتطبيب في ماريلاند بالولايات المتحدة لأكثر من 40 سنة، وأحرزت نتائج باهرة أثبت الأطباء صحة الكثير منها.


يجمع كثيرون من المطببين بين وضع الأيدي وبين التركيز الفكري العميق، وهذا ما تفعله أيضاً أكثر "فرق الصلاة والتطبيب" في بعض الكنائس المسيحية. من هذه الكنائس كنيسة العنصرة التي أدرجت مثل هذه المعالجات "الروحانية" في طقوسها.


كذلك أصبح التطبيب الروحاني جزءاً لا يتجزأ من "حركة الفكر الجديد" التي تشمل كنائس العلم الديني وكنائس العلم المسيحي، ومبدؤها الشفائي "الصلاة العلمية".


اشتهرت أيضاً كنيسة الدكتور نورمن فنسنت بيرل في نيويورك بقدرة "التفكير الإيجابي" الشفائية.


بدأ الغرز الإبري في الصين كوسيلة لمعالجة الأمراض منذ أكثر من 5000 سنة. تغرز إبر فولاذية في أماكن معينة من الجلد، رسمت لها خارطة على تمثال من البرونز يعود عهده إلى سنة 900 م. كما رسمت لها خرائط عدة منذ ذلك الحين. تقع النقط على 14 قناة زوالية.


اشتهر خوسيه بدرودي فريتاس المعروف بالأريغو (الرجل الطيب) بعمليات ناجحة (مثل إزالة الماء الأزرق من العين) يجريها بدون ألم ودون بنج، مستخدماً أي سكين تصل إليها يده. وقد أظهر استقصاء طبي جرى عام 1963 أن مهارته تعادل مهارة الأطباء.


يبدو أن "الجراحين النفسانيين" في الفلبين يجرون عملياتهم بدون أدوات، "يخرقون" الجسم بإصبع ويفتحونه بيدين فارغتين ليستأصلوا منه أعضاء أو أنسجة يقولون أنها سبب الداء. لقد ظهر، بعد تحري عدد من هذه العمليات، أن هذه الأنسجة مأخوذة من بعض الحيوانات.


تقوم عملية الغرز الإبري على إدخال إبر فولاذية دقيقة يبلغ طولها 25 سم بسرعة في نقط الغرز. يقال أن هذا ما يعيد التوازن ويصحح الخلل.


وفي معالجة وجع الأسنان مثلا، يمكن غرز الإبرة في يد المريض في نقطة غرز تقع بين السبابة والإبهام.


لقد اجتذب اعتقاد كاثرين كولمن بقوة الإيمان بالله الشفائية آلاف الناس لحضور "الطقوس العجائبية" في قاعة أندرو كارنغي بنيويورك.


كانت هذه الطبيبة الروحانية تعمل بالمعالجة والصلاة الفوريتين، وتمكنت من شفاء الكثيرين من علل استعصت على الطب التقليدي.


(ملاحظة: العديد من "المعالجين الروحيين" كانوا مثاراً للجدل، بين التصديق والتشكيك بأساليبهم وقدراتهم العلاجية)


المصدر: موسوعة بهجة المعرفة

--------------

قبل عشرين ألف سنة : المرض والعافية

إن البشر الذين كانوا يسكنون الكرة الأرضية قبل عشرين ألف سنة كانوا يعيشون على القنص، يَعدون وراء الفريسة ويهاجمونها بفؤوسهم الحجرية.

وبما أنهم كانوا تحت رحمة المناخ، فقد كانوا يلجأون إلى الكهوف ليلاً، حيث كانوا يحتمون قدر المستطاع.

لقد كان الإنسان يتلاءم وهذه المعيشة تلاؤم أي من الحيوانات اللبونة، إن لم يكن أفضل. فجسده كان مُعداً لاحتمال الجوع لفترات طويلة، ومعاناة مشقة الصيد الثقيلة، وسرعة الإستجابة للعديد من الطوارئ التي كانت حياته محاطة بها.

أخطار الراحة

الخصائص الجسمانية التي يتصف بها الإنسان العصري لا تختلف كثيراً عن خصائص أسلافه القدماء، لكن ظروفه شديدة الإختلاف عن ظروفهم. فالطعام متوفر لديه، والرياضة نادرة، والتوترات النفسية في مجتمع المدن في ارتفاع متزايد.

إن تقدير الإنسان القديم لحلاوة طعم ثمار التوت كان يؤمّن له استيفاء حاجته من الفيتامينات السريعة الذوبان في الماء.

أما اشتهاء الإنسان الحديث للحلويات، فقد حدا به أن يملأ جوفه بمقادير من السكاكر والنشويات تفوق حاجته إليها أو قدرة جسمه على استيعابها وهضمها. كذلك زادت في وزنه وتوتر أعصابه الحياة ُ الحضرية التي يحياها في جو المدينة الضاغط.

إن المعضلات الصحية الكبرى في الأقطار الراقية إن هي إلا نتيجة هذا التناقض بين تطور الإنسان اجتماعياً وجسمانياً.

ففي الأقطار الصناعية الراقية قضى الطب تقريباً على معظم الأمراض التي تـَسهل معرفة أسبابها كالسل والجدري والكوليرا. أما الأمراض التي أخذت تشغل البال أكثر فأكثر، فهي الأمراض الناجمة عما يمكن ببساطة دعوته المعيشة غير الصحية.

فارتفاع نسبة الكولسترول في الدم نتيجة لتناول الطعام غير المتوازن، وارتفاع ضغط الدم نتيجة للإرهاق، وكذلك السمنة والتدخين، كل تلك العوامل تزيد كثيراً في احتمالات الإصابة بمرض القلب.

من الحواشي: أبو الطب بقراط (حوالي 460 ق.م) كان علمه تجريبياً، فقد ركّز أحكامه على الملاحظة أكثر مما اعتمد على آراء نظرية سابقة. والمجموعة البقراطية هي عبارة عن مؤلفات طبية كتبها عدد من المؤلفين وليست بالضرورة من كتابة بقراط نفسه، وهي تشتمل أيضاً على القـَسم أو العهد البقراطي الذي يُلزم الأطباء التقيد بأحكامه حرصاً على الإحتفاظ بثقة مرضاهم بهم.

الطبيب والكيميائي السويسري برسيليسوس (ت 1541) خالف الطب الجالينوسي وأحدث ثورة في الأساليب العلاجية. طُرد من منصبه في جامعة بازل سنة 1528 فتابع اختباراته الصيدلانية وشجّع التطور والبحث العلمي.

جالينوس المولود سنة 130 ميلادية جمع بين علم التشريح وعلم وظائف الأعضاء، وكان هو الواضع لنظرية الأمزجة التي قوامها أن المزاج البشري عبارة عن توازن بين أخلاط الجسم الأربعة: الدم، البلغم، عصارة المرارة الصفراء والسوداء.

المصدر: موسوعة بهجة المعرفة

-------------

ظهور الفرسان

ثمة أدلة تشير إلى ازدياد عدد الخيول بسرعة بعد عام 950 م.

وفي القرن التالي، كان الخيالة، في كل مكان، هم الذين يقررون مجرى الحروب. كان عددهم قليلاً وأجهزتهم باهظة الثمن، وتدريبهم طويل الأمد. إلا أن ذلك زاد من كبريائهم.

كانت طبقات الفرسان، والحالة هذه، تسيطر على المجتمع المحلي، وكان الفرسان يقومون بمهمات عديدة، فالكثيرون منهم كانوا دون زعيم دائم. لذا كانوا يبيعون خدماتهم كمرتزقة، لمن يدفع أعلى ثمن لهم. أما الآخرون، لا سيما في مطلع حياتهم، فكانوا يلتحقون بخدمة أحد كبار النبلاء كفرسان في قصره.

ربما كانت أشد مهارات الفارس القتالية تأثيراً هي الغارة التي تشنها فرقة الفرسان في دفعة واحدة. وهو أسلوب استعمل في الحملة الصليبية الأولى. لكن الفرسان كمحترفين، تعلموا أيضاً مهارات دفاعية، كان أبرزها تطوير القلعة من برج بسيط في القرن الحادي عشر، إلى القلعة المحصنة في حوالي عام 1200م. ولا شك أن تطوير أساليب وتصاميم بناء القلاع تأثر كثيراً بما تعلمه الصليبيون من العرب، أثناء احتلالهم لأجزاء من الساحل الشرقي للبحر المتوسط.

كانت الفروسية تقتضي بأن يقاتل الفرسان في سبيل الإنتقام للمظلوم والدفاع عن شرف السيدات (يظهر موضوع الحب الرومنطيقي للمرة الأولى في أوساط الفرسان في جنوب فرنسا في القرن الثاني عشر).

كانت حياة الفارس القتالية قصيرة نسبيا، ما لم يصبح قيّماً أو موظفاً مرموقاً عند أحد النبلاء. لذا كان الفارس يطمع عادة بأن يحصل على إقطاع وينصرف إلى زراعته.

عندما كان الفرسان يستقرون على أرضهم، كان معظمهم يعيش ببساطة، في حصون صغيرة، مؤلفة من غرفة في طابق أرضي، يعيشون وينامون فيها، ومن مستودع للذخيرة تحتها.

ومع أن الفرسان كانوا يتمتعون بحقوق معترف بها على المستأجرين للأرض عندهم، فلم يكن سكان القرية يعيشون دوماً في ظل أسيادهم الفرسان، بل أن انتشار نظام الزراعة "ذي الحقول الثلاثة" المعقد، وظهور التعاونيات القروية في فرنسا، يدلان على أن عددا من القرى كانت تتمتع بحياة جماعية مستقلة، مع أنها كانت تدفع الضرائب المستحقة.

كان الفارس يساهم، في هذه الحياة، بتأمين الزعامة والحماية، وفي الكثير من الأحيان، بالمبادرة إلى إحياء الأرض الموات المجاورة.

المصدر: موسوعة بهجة المعرفة

-----------

أرشيفيات: فن الحياة والحب

هناك كثيرون ممن يتألمون من الأرق الذي تبدو أسبابه متعددة. ولكن في نهاية المطاف يمكن اختزال كل تلك المسببات وحصرها في سبب واحد هو الآتي: قيام العقل الباطن أو اللاشعور بغرس العديد من مساحاته العميقة ببذور القلق والتوتر والتشويش.

هذه السموم تتكاثر في الفكر بنفس السرعة والخطورة التي تتكاثر فيها الميكروبات المُعدية في الجسم. ولذلك يجب أن نتعلم كيف نحمي أنفسنا باستخدام طريقة الصور الذهنية الإيجابية.

يجب أن تتحول الفكرة إلى إحساس فعلي.

يقول العديد من الناس أن لا قدرة لهم على تركيز أفكارهم، لكن بطول البال والتصميم يمكن لكل واحد أن يتعلم كيفية تركيز فكره على ما هو إيجابي ونافع.

وعندما يصبح التركيز في متناولك، تمتلك عصاً سحرية تحوّل التنانين إلى فراشات والشياطين إلى ملائكة.

يجب كنس تربة اللاشعور وتنظيفها من بذور البشاعة والشناعة المتراكمة منذ زمن بعيد وإعادة غرسها من جديد ببذور الجمال كي يتعهدها العقل الواعي بالرعاية والنماء.

الظروف الكريهة يجب مواجهتها بقوة عقلية وبأقل قدر ممكن من العاطفة.

أما المصائب التي لا يمكن تلافيها فيتعين التعامل معها من منظور عقلي بحت دون السماح للعاطفة بالتدخل.

ونتيجة لذلك ستزداد قوة الإستمتاع بالأشياء الطيبة إلى حد كبير. وهذا هو فن الحياة والحب.

ومن يرغب في تحقيق سيادة العقل على الجسم، ينبغي له التعامل بحزم وحنكة مع الإكتئاب من خلال التركيز الواعي والقوي على عناصر إيجابية مشرقة من شأنها إنعاش الهمم وتبديد غيوم الإحباط والهموم من أفق النفس.


------------


وهذا احتفاءٌ بالمرأة الفاضلة:


حاملة َ الشعلةِ إنّي مكرمكْ


بوافر الإعجابِ والتقديرِ


فلكِ حضورٌ ماثلٌ في خاطري


ومكانة ٌ لا تُمحى من تفكيري


أمَّ الأنامِ أنتِ رمزٌ رائعٌ


للتضحية ْ.. للحبِ .. للتدبيرِ


فالبيتُ لولاكِ فراغٌ قاتمٌ


وحضوركِ وهجٌ من التنوير ِ


حباكِ ربُ العرشِ قلباً طاهراً


ورهافة ً في الحسِّ والشعور ِ


أوصى النبيُّ بالحرائر ِقائلاً..


ونِعمَ القولَ: رفقاً بالقوارير ِ!


فتحية ً للفاضلة ْومَعزّة ً


ومودة ً ووردة ً من نور ِ

--------


وأنت أيها القلب:

------------------


تغدو نقياً إن بعثتَ رسالة ً


تدعو لحب اللهِ والإنسانِ


اللهُ حُبٌ والذي يسعى لهُ


فليبعد البغضَ عن الوجدانِ


هيهات يسعدُ من بهِ حقدٌ على


نسمة ْ براها سيد الأكوانِ


فالحقدُ يؤذي قبلَ أن يفضي إلى


أهدافِهِ، إذ يسري في الأبدانِ


وليُفتح الصدرُ لأنوار الرضا


ولتـُرجع الأمورُ للديانِ


ولينثر الفكرُ بذوراً طيّبة ْ


تكونُ زاداً للوجود الثاني

June, 2014

------------


وقال مخاطباً الإرادة:


ذات القوى إن رمتِ عِزاً يُشتهى


فاختاري دربكِ واثبتي للمنتهى


وخذي التعقلَ مرشداً في سيركِ


واستبصري الضوءَ المنيرَ والنـُهى


وتأمّلي قبلَ المًضيّ بنيةٍ


فالتبعاتُ تتبعُ حتى السُهى


وتنبّهي. . لا تأبهي لمثبّط ٍ


فالعزمُ فيكِ يسكنُ .. أنتِ لها!

-------------


وقال مخاطباً الفكر:


يا فكرُ لا تشتطّ بل إلزم حدودَكَ وارعوِ


فلا بديلَ عن البساطةِ أو عن النهج السوي


والعمرُ أثمنُ من أن ينقضي في الترّهات


والنـَكتِ في زنخ الدِّمَنْ.. أو ارتياد القاحلاتْ


فانهضْ بهمةِ فارس ٍ واهجرْ مساربَ ضيقة ْ


واقصدْ مروجاً رحبة ً وبالأزاهر ِ عابقة ْ


واحذرْ لئلا يلفكَ الوهمُ وتغدو كالأسير


أو تمسي مسلوبَ الإرادةِ مجلودَ الضمير


إن الحياة قصيرة ٌ فاكنزْ لنفسكَ زادها


والحكمة ُ خيرُ المكاسبِ فاصطحب روادها

-----------


عند التفتح لا تضلْ


لكنها مثل العَضلْ


تحتاجُ للتمرين.


لا تضمرُ إن دُربتْ


على مدى السنين


تستقطبُ لها قوىً


فتفتحُ لها كوىً


في مستوى اليقين.


تجتاز طيات الكلام


مثل شعاع ٍ في الظلام


وتستشفُ عنصراً


من عالم الإلهام.


غذاؤها فكرٌ نقي


وبالنصاعة ترتقي


وتعشق السلام.


عينٌ ترى ومسمعٌ


يلتقط الأمواج


وخافقٌ يحلل المزاج


ويشعرُ بذبذباتٍ عالية


أو ريح صرصرْ عاتية..


جهراً وفي الخفاء


جلية ً واضحة ً


كالشمس في السماء.

-----------


موحيات من حكمة الحياة


حرثُ البحار إضاعة ٌ


للوقتِ والنشاط


وعملٌ يشوبهُ اعتباط


كالسير في دربٍ به


زحام ٌ واكتظاظ ْ


بأعينٍ معصوبةٍ


يا لهُ من إحباط!


وهكذا العيشُ بلا


حكمةٍ وانضباط ْ!


نطحُ الصخور ِ عبثٌ


تدمي لهُ الهاماتْ


ينمّ عن قصر نظرْ


عن عقلٍ في سُباتْ


الفكرُ فيهِ لهبٌ


ينيرُ أو يحرقْ


والقلبُ يحوي بلسماً


أو علقماً يَمزقْ


والعينُ تبصرُ جيداً


إذ تطردْ القذى


ومَن تعمّدَ الضررْ


حاقَ به الأذى.

-----------


إلى طيفٍ ماثلٍ في الخاطر ..

.. حاضر في الوجدان


أيا ذا القلب الوفي


دعني بك أحتفي


وأشيدُ بمزايا


لا تبدلها الرزايا


وبصدقٍ لا يماري


وبنبل ٍ مثل نار ِ


ظاهر ٍ لا يختفي.


تومضُ منكَ الشهامة ْ


تنبضُ فيكَ الكرامة ْ


والشمائلْ بكَ تفخرْ


والسجايا بك تكبرْ


ومساركْ تقتفي.


تتحاماكَ الصغائرْ


أنتَ يا ملء المحاجر


أيها الخل الصفي.

---------


نرتاح لهم

-----------


نرتاح لسماع أسمائهم


وأصواتهم


وأخبارهم..


ونرتاح لرؤية وجوههم


وقراءة كتاباتهم


وتأمّل إبداعاتهم


والتواصل معهم.


نرتاح لنواياهم


ونطمئن لدوافعهم


ونثق بهم..


نشعر بمحبتهم


ونستأنس بحضورهم


ونهنئ أنفسنا


لوجودهم في حياتنا.


فتحية لهم


أينما كانوا


تحية الود الأكيد.

----------


ذات الوردة البيضاء

لشاعر مجهول الإسلم


عندما أطلتْ من مخدعها السماوي

كانت عيناها أعمق من أعماق المياه الساجية

وكانت تحمل في يدها ثلاث زنابق

وفي ضفائرها سبع نجوم.


أما رداؤها فكان بسيطاً فضفاضاً

لا تزينه سوى وردة بيضاء كوسام استحقاق

لخدماتها المتواضعة. وكان شعرها الأصفر الطويل

المنسدل على ظهرها يحاكي لون سنابل القمح الناضجة في موسم الحصاد.


وقفتْ على شرفة بيتها السماوي

وكانت عالية..عالية، بحيث لو أنها نظرتْ إلى أسفل لما استطاعت رؤية الشمس.

البيت الذي أطلت منه يقبع في ركن قصي من أركان الفردوس

وراء الأثير الحي الذي يفصل الأرض عن السماء

فلا تقدر أفكار واهتزازات العالم الخشنة الكثيفة على النفاذ منه أو الوصول إليه.


وحولها اجتمع رفاق جدد تعرّفت عليهم في عالمها الجديد

فراحوا يتبادلون عبارات ودية صامتة تفهمها الأرواح الطيبة المُحبة المتحابة،

وقد رقصت القلوب بفرح اللقاء الذي لا فراق بعده.

وكانت النفوس التي تحررت من الأرض وقيود الجسد

تتراءى أمام بصرها كاللهب الرقيق.


ومع ذلك فقد أطلت من تلك الدائرة السحرية

وراحت تنظر بلهفة حيث لا نهاية لامتداد البصر

فرأت الزمن ينبض بقوة في شرايين الكون.


أمعنت تحديقاً في الفراغ المترامي

وتفوهت بكلمات تحاكي أنغام الكواكب

وهمس النجوم في مساراتها وأفلاكها.


لقد توارت الشمس ومعها القمر خلف الأفق البعيد

لكنها واصلت حديثها الشبيه بأغاني الطيور

وراحت تقول:


يا ليته يأتي إلى هنا ليكون معي، ملء عيني ومسمعي.

لا بد أنه كان سيأتي لو لم أبتهل للسماء كي تبقيه حيث هو الآن.

وما عليّ سوى الإنتظار حتى يحين موعد اللقاء


عندئذ سأمسك بيده وآخذه إلى حيث أنهار المحبة

وشلالات السعادة دائمة الإنسياب والإنسكاب

فنتأمل عجائب الله ويعترينا الذهول لمرأى روائعه.


وسنقف معاً أمام ذلك الهيكل المقدس الذي لم تطأ تربته قدم،

حيث مصابيحه دائمة التألق فنرفع ابتهالاتنا لله

ونبصر دعواتنا القديمة وقد تحققت ثم ذابت

كما تذوب حبات الغمام ويتلاشى الضباب من أمام وهج الشمس.


وسنجلس هناك تحت الشجرة السرية

التي تعشش في أغصانها طيور المحبة

وتهمس أوراقها الغضة أناشيد الحب السماوي.


وسأعلمه بنفسي الأغاني التي أشدو بها هنا في عالمي هذا،

فيرددها ويتوقف عند بعض مقاطعها ليتأمل كلماتها

ويبتهج فرحاً إذ يدرك معاني جديدة في عالمه الجديد.


وسنبحث معاً عن رياض الأبرار

حيث النفوس الطيبة تحيا مغتبطة بما أفاء الله عليها من نعيم.


أما إن أوجس خيفة وعقدت الدهشة لسانه،

فسأروي له حكايات حبنا الخالد الذي لم يقوَ الموت على ملاشاته

بل ما زال نابضاً في قلبينا، يغذي روحينا ويلهمنا أسمى المشاعر

التي هي الزاد الذي تقتات به نفوس المحبين

سواء على الأرض أم في فراديس الخلود.

----------


روعة ذلك الحلم

للشاعر وليَم وردزورث


أيتها الكائنات المباركة

سمعتُ نداءكِ

إن فرحك ليبهج السماء

فتشاركك الضحكات في احتفالك

وقلبي يطفر بهجة في عيدك.

وغبطتك التامة تطوّق هامتي

كهالة من نور أو كقلادة من ورود.

أشعر بكل شيء حولي

وأستوعب جيدا.ً

إن اكتأبتُ في مثل هذا النهار

سأحوّله إلى نهار مشؤوم

في الوقت الذي تزيّن فيه الطبيعة

شهر أيار بأبهى حللها

والأطفال يقطفون الحبور والزهور في كل مكان.

في آلاف الأودية المتناثرة على امتداد البصر

أرى نوّاراتٍ غضة ندية

وأحسّ بأشعة الشمس الدافئة

وأرى الرضيع على ذراع أمه يهتز فرحاً

أسمعُ أشياء كثيرة من حولي

فيغمرني السرور!

لكن هناك شجرة من بين أشجار عديدة عاينتها

وحقلاً من بين الحقول تأمّلته

فسمعت كليهما يتحدث عن شيء ذهب ولن يعود..

ونفس الحكاية ردّدَتها زهرة بنفسج عند قدميّ، متساءلة:

أين ذهب ذاك الوميض، وميض الرؤى؟

وفي أي مكان تقبع الآن روعة ذلك الحلم؟

-------

قبل عشرين ألف سنة : المرض والعافية

إن البشر الذين كانوا يسكنون الكرة الأرضية قبل عشرين ألف سنة كانوا يعيشون على القنص، يَعدون وراء الفريسة ويهاجمونها بفؤوسهم الحجرية.

وبما أنهم كانوا تحت رحمة المناخ، فقد كانوا يلجأون إلى الكهوف ليلاً، حيث كانوا يحتمون قدر المستطاع.

لقد كان الإنسان يتلاءم وهذه المعيشة تلاؤم أي من الحيوانات اللبونة، إن لم يكن أفضل. فجسده كان مُعداً لاحتمال الجوع لفترات طويلة، ومعاناة مشقة الصيد الثقيلة، وسرعة الإستجابة للعديد من الطوارئ التي كانت حياته محاطة بها.

أخطار الراحة

الخصائص الجسمانية التي يتصف بها الإنسان العصري لا تختلف كثيراً عن خصائص أسلافه القدماء، لكن ظروفه شديدة الإختلاف عن ظروفهم. فالطعام متوفر لديه، والرياضة نادرة، والتوترات النفسية في مجتمع المدن في ارتفاع متزايد.

إن تقدير الإنسان القديم لحلاوة طعم ثمار التوت كان يؤمّن له استيفاء حاجته من الفيتامينات السريعة الذوبان في الماء.

أما اشتهاء الإنسان الحديث للحلويات، فقد حدا به أن يملأ جوفه بمقادير من السكاكر والنشويات تفوق حاجته إليها أو قدرة جسمه على استيعابها وهضمها. كذلك زادت في وزنه وتوتر أعصابه الحياة ُ الحضرية التي يحياها في جو المدينة الضاغط.

إن المعضلات الصحية الكبرى في الأقطار الراقية إن هي إلا نتيجة هذا التناقض بين تطور الإنسان اجتماعياً وجسمانياً.

ففي الأقطار الصناعية الراقية قضى الطب تقريباً على معظم الأمراض التي تـَسهل معرفة أسبابها كالسل والجدري والكوليرا. أما الأمراض التي أخذت تشغل البال أكثر فأكثر، فهي الأمراض الناجمة عما يمكن ببساطة دعوته المعيشة غير الصحية.

فارتفاع نسبة الكولسترول في الدم نتيجة لتناول الطعام غير المتوازن، وارتفاع ضغط الدم نتيجة للإرهاق، وكذلك السمنة والتدخين، كل تلك العوامل تزيد كثيراً في احتمالات الإصابة بمرض القلب.

من الحواشي: أبو الطب بقراط (حوالي 460 ق.م) كان علمه تجريبياً، فقد ركّز أحكامه على الملاحظة أكثر مما اعتمد على آراء نظرية سابقة. والمجموعة البقراطية هي عبارة عن مؤلفات طبية كتبها عدد من المؤلفين وليست بالضرورة من كتابة بقراط نفسه، وهي تشتمل أيضاً على القـَسم أو العهد البقراطي الذي يُلزم الأطباء التقيد بأحكامه حرصاً على الإحتفاظ بثقة مرضاهم بهم.

الطبيب والكيميائي السويسري برسيليسوس (ت 1541) خالف الطب الجالينوسي وأحدث ثورة في الأساليب العلاجية. طُرد من منصبه في جامعة بازل سنة 1528 فتابع اختباراته الصيدلانية وشجّع التطور والبحث العلمي.

جالينوس المولود سنة 130 ميلادية جمع بين علم التشريح وعلم وظائف الأعضاء، وكان هو الواضع لنظرية الأمزجة التي قوامها أن المزاج البشري عبارة عن توازن بين أخلاط الجسم الأربعة: الدم، البلغم، عصارة المرارة الصفراء والسوداء.

المصدر: موسوعة بهجة المعرفة

-------------

ظهور الفرسان

ثمة أدلة تشير إلى ازدياد عدد الخيول بسرعة بعد عام 950 م.

وفي القرن التالي، كان الخيالة، في كل مكان، هم الذين يقررون مجرى الحروب. كان عددهم قليلاً وأجهزتهم باهظة الثمن، وتدريبهم طويل الأمد. إلا أن ذلك زاد من كبريائهم.

كانت طبقات الفرسان، والحالة هذه، تسيطر على المجتمع المحلي، وكان الفرسان يقومون بمهمات عديدة، فالكثيرون منهم كانوا دون زعيم دائم. لذا كانوا يبيعون خدماتهم كمرتزقة، لمن يدفع أعلى ثمن لهم. أما الآخرون، لا سيما في مطلع حياتهم، فكانوا يلتحقون بخدمة أحد كبار النبلاء كفرسان في قصره.

ربما كانت أشد مهارات الفارس القتالية تأثيراً هي الغارة التي تشنها فرقة الفرسان في دفعة واحدة. وهو أسلوب استعمل في الحملة الصليبية الأولى. لكن الفرسان كمحترفين، تعلموا أيضاً مهارات دفاعية، كان أبرزها تطوير القلعة من برج بسيط في القرن الحادي عشر، إلى القلعة المحصنة في حوالي عام 1200م. ولا شك أن تطوير أساليب وتصاميم بناء القلاع تأثر كثيراً بما تعلمه الصليبيون من العرب، أثناء احتلالهم لأجزاء من الساحل الشرقي للبحر المتوسط.

كانت الفروسية تقتضي بأن يقاتل الفرسان في سبيل الإنتقام للمظلوم والدفاع عن شرف السيدات (يظهر موضوع الحب الرومنطيقي للمرة الأولى في أوساط الفرسان في جنوب فرنسا في القرن الثاني عشر).

كانت حياة الفارس القتالية قصيرة نسبيا، ما لم يصبح قيّماً أو موظفاً مرموقاً عند أحد النبلاء. لذا كان الفارس يطمع عادة بأن يحصل على إقطاع وينصرف إلى زراعته.

عندما كان الفرسان يستقرون على أرضهم، كان معظمهم يعيش ببساطة، في حصون صغيرة، مؤلفة من غرفة في طابق أرضي، يعيشون وينامون فيها، ومن مستودع للذخيرة تحتها.

ومع أن الفرسان كانوا يتمتعون بحقوق معترف بها على المستأجرين للأرض عندهم، فلم يكن سكان القرية يعيشون دوماً في ظل أسيادهم الفرسان، بل أن انتشار نظام الزراعة "ذي الحقول الثلاثة" المعقد، وظهور التعاونيات القروية في فرنسا، يدلان على أن عددا من القرى كانت تتمتع بحياة جماعية مستقلة، مع أنها كانت تدفع الضرائب المستحقة.

كان الفارس يساهم، في هذه الحياة، بتأمين الزعامة والحماية، وفي الكثير من الأحيان، بالمبادرة إلى إحياء الأرض الموات المجاورة.

المصدر: موسوعة بهجة المعرفة

-----------

أرشيفيات: فن الحياة والحب

هناك كثيرون ممن يتألمون من الأرق الذي تبدو أسبابه متعددة. ولكن في نهاية المطاف يمكن اختزال كل تلك المسببات وحصرها في سبب واحد هو الآتي: قيام العقل الباطن أو اللاشعور بغرس العديد من مساحاته العميقة ببذور القلق والتوتر والتشويش.

هذه السموم تتكاثر في الفكر بنفس السرعة والخطورة التي تتكاثر فيها الميكروبات المُعدية في الجسم. ولذلك يجب أن نتعلم كيف نحمي أنفسنا باستخدام طريقة الصور الذهنية الإيجابية.

يجب أن تتحول الفكرة إلى إحساس فعلي.

يقول العديد من الناس أن لا قدرة لهم على تركيز أفكارهم، لكن بطول البال والتصميم يمكن لكل واحد أن يتعلم كيفية تركيز فكره على ما هو إيجابي ونافع.

وعندما يصبح التركيز في متناولك، تمتلك عصاً سحرية تحوّل التنانين إلى فراشات والشياطين إلى ملائكة.

يجب كنس تربة اللاشعور وتنظيفها من بذور البشاعة والشناعة المتراكمة منذ زمن بعيد وإعادة غرسها من جديد ببذور الجمال كي يتعهدها العقل الواعي بالرعاية والنماء.

الظروف الكريهة يجب مواجهتها بقوة عقلية وبأقل قدر ممكن من العاطفة.

أما المصائب التي لا يمكن تلافيها فيتعين التعامل معها من منظور عقلي بحت دون السماح للعاطفة بالتدخل.

الأطفال المساكين

لفكتور هيغو

راعوا هذا الطفل الصغير على الأرض

إنه ذو شأن

وروح القدير تواكبه.

فالأطفال قبل ولادتهم الجسدية

هم أنوار حيّة في السماء.

يأتون إلى عالمنا المخطئ الخاطئ..

يرسلهم الله إلينا لفترة من الزمن

فنسمع صوتاً سماوياً في لعثمة ألسنتهم

ونرى سماحةً وتسامحاً في بسمتهم.

نورهم العذب يشع على عيوننا

وحقهم علينا في المباهج واضح جلي.

إن جاعوا يذرف الفردوس دمعاً

وإن شعروا بالبرد

تتألم الجنان وترتعش.

حقاً أن لدى الإنسان ملائكة

لأجلهم تهتز السماء

ويقصف رعدها.

-------

إقدام وإصرار

--------------

هذه القصيدة هي للشاعر الياباني الشاب

كاجيوارا كاجيسو من القرن الثاني عشر

وقد ارتجلها عندما نصحه والده

بعدم التوغل في غابة إيكوتا بمفرده.

تنصحني يا أبتاه بالرجوع

لن أنثني

فقد عقدتُ العزمَ

كي أمضي

إلى الغابة لوحدي

فالساموراي صنو السهمِ

ينطلق من قوسهِ

لا ينحرف عن الهدف

متى سرى

ولا يعود القهقرى!

---------

على الشاطئ

للشاعر هنري دي ريجينير

استرح واسترخِ على الشاطئ

وبكفيك خذ حفنة من الرمل

الذي لوّحت الشمس لونه

فأحالته ذهبياً لامعا.

دَع الرملَ يتساقط حبة حبة

من بين يديك

وقبل أن تغمض عينيك

ألقِ نظرة ثانية

على المحيط المتآلف المنسجم

وعلى السماء الشفافة الصافية

وإن شعرت بالوسن يتسلل إليك

ويكاد يطغى عليك...

تذكّر قبل أن تفتح جفونك ثانية

أن الحياة تأخذ منا

وتعطينا دون انقطاع..

تأخذ رمال حياتنا العابرة

من شاطئ هذا العالم

إلى شواطئ الأبدية.

Henri De Regnier

ترجمها عن الفرنسية لدويغ ليويسون

وعن الإنكليزية: محمود عباس مسعود

-----------

ونتيجة لذلك ستزداد قوة الإستمتاع بالأشياء الطيبة إلى حد كبير. وهذا هو فن الحياة والحب.

ومن يرغب في تحقيق سيادة العقل على الجسم، ينبغي له التعامل بحزم وحنكة مع الإكتئاب من خلال التركيز الواعي والقوي على عناصر إيجابية مشرقة من شأنها إنعاش الهمم وتبديد غيوم الإحباط والهموم من أفق النفس.



"معلقة" في كلمات...


الذوق Taste


ما أشبه الذوق

بقوة وجه الساعة الصامت

الذي عندما يشع عليه

نورٌ عُلوي

يمكنه قياس

ساعة الإلهام

وتحديد درجة سموه

في السماء


الشاعر توماس كامبل

Thomas Campbell


May, 2014

-------------


فوق سطح الغمام

---------------------


بزغَ ضياءً فوقَ سطحِ غمامِها


فأطلقتْ نحوَ العُلا أحلامَها


تصبو إليهِ والحنينُ دليلـُها


وترفرفُ في الخافقِ أعلامُها


تشتاقـُهُ يسقي جنائنَ روحِها


وتحسّهُ ينسابُ مع أنسامِها


وتمدُّ نحوَهُ جسرَ أشواقٍ لهُ


ومع الوجيب ِ تبعثُ بسلامِها


يقظانة ٌ ترعى نجومَ سهادِها


وتعطـّرُ بحضورهِ أيامَها


وتخالهُ لحناً مذيباً هامساً


ترنيمة ً تغفو على أنغامها


وتراهُ في ثغر الضحى متهللاً


وتحسّ أنهُ ملهمٌ لهيامها


وتظلُ تأمَلُ أن تراهُ إزاءها


لتجسّدَ إحساسَها بكلامِها

---------

RE-7.22


صوتٌ من الأثير

-----------------


صَدَحَ الهزارُ بلحنهِ المشتاقِ


فترددَ الترجيعُ في الآفاقِ


وأضافَ حِساً للنفوسِ فأصبحتْ


تستشعرُ البُعدَ الشفيفَ الراقي


يا نغمة ً فيكِ حنينٌ صامتٌ


وبكِ انتعاشُ الروحِ والخفـّاقِ


توحينَ بالعيشِ الطليقِ وبالرضى


والحبِ والتفكيرِ بالإطلاقِ


وإذا استضافكِ ذاتَ يومٍ خاطرٌ


أضحى بصفو الجدول الرقراقِ


أو صارَ شلاّلاً غزيراً نابعاً


من الجنانِ.. يصبُّ في الأعماقِ

----------


على ضفاف الروح

-------------------


كان الانتظار


وارتقاب اللقاء الموعود.


لكم اجتازت نظرتك الثاقبة


الوهاد الموحشة


واخترقت الأصقاع الكئيبة


لتصل بأسرع من لمح البصر


فتشع وتشيع السلام العجيب


وتنشر السحر الغريب


وتذيب التحامل الممجوج


وتلاشي الصدود المثلوج!


ألا أن إطلالتك الباهرة


لتنافس إشراقة الصبح


وبسمتك الوضيئة


تحرك برشاقة أوتار الشغاف


وتوقظ من غفلة الإعراض


فتنتشي وتزهر الرياض


وتعانق الطمأنينة


أعمق الخلجات.

----------

في المفهوم المثير...

في خضم الملمات المدلهمات

ومناجزة أشباح الذات..

في نشوة الإستظهار

على قاطعي دروب السلام

وطرد فلول الجشع المنبوذ

من محراب القلب..

في اكتناز جواهر الإحساس

واستقطاب الطاقات الحية

وتسخيرها للنفع..

في التماعة برق التمييز

بين المعروف وغير المألوف

والسير الواثق خارج النطاق..

في المفهوم المثير

وحرث الأثير

بسكة الفكر العنيد

وغرس حقله الخصيب

ببذور تتحدى الفناء

تنبت الآن

أو بعد ألف عام..

في يقظة الأحلام

وعلى أنغام الود الأكيد

يطيب لي أن ألتقيك

يا صديقي

---------

وأنتِ أيضاً تستحقين وقفة

يا لمّة أنسٍ بهيجة شبيهة بالتقاء السواقي المترنمة

يا بسمة براءةٍ وامضة بألوان الأصيل

يا رقة قلبٍ تختزن حنواً وشجناً كدعاء الكروان

يا عَبرة شفيفة كقطرة ندىً تضمها أشعة الصباح

يا انطلاقة ثقة بالإرادة العليا تسبق خطوات القدر بمسافات

يا مواساة أعذب من خفقة الحب في قلوب الوالهين

يا ديمومة ودٍ تحيا في صميم البقاء

يا نوايا تستلهم صفاءها من أنوار الفردوس

يا عفوية لائقة تماثل شلالات منحدرة من أعالي الجبال

يا عزة نفس ترتفع الأعناق عالياً لتتأملها وتتملى من روعتها

إنكِ لتستحقين وقفة بأكثر من معنى.

------------

تحية ملؤها التقدير والإعجاب

أيها الطموح النبيل القوي كالحب

أيها النشاط البنّاء الذي يحاكي يقظة الضحى

أيها السلوك الذي يرهقه اللف وتنعشه الاستقامة

أيها النزوع إلى التسامي الذي يضاهي لهفة الغريق للنجاة

أيها الإيثار الذي هو توأم التعفف

أيها الحسن المنبثق عن جمال المُثل العليا

أيها الإيمان الذي لا حياة له دون محبة شاملة

أيها الفكر الذي ينظر بعين الشمس

أيها التفتح الذي يغتذي على ندى اليقظة

أيها الإقدام المندفع بقوة الخير

أيها القصد السوي الشبيه بالمرآة

تحية ملؤها التقدير والإعجاب

--------------

نحو القمم الأرجوانية

----------------------

لكم تذكرني ابتسامتك البريئة

بافترارة نرجسة القلب

وتعيد انعطافات صوتك

إلى مسمعي

نغمات الأغاني الصاعدة

من الكروم أيام الصيف.

أراكِ موجة ثملة

عند الشاطئ البعيد

وخاطرة فيها من البهجة جرعة

ونسمة تعانق سهوب البراري

وتمرح جذلانة

في المنفسح الرحيب.

أسمع في صمتك البليغ

صدى الأعماق

وألمس في عواطفك الراقية

شعلة الأشواق

وعلى أفنان شجرة مشاعرك الغضة

ألمح طيوراً في غاية الجمال

تغرّد للحياة الحقيقية

وتتأهب لانطلاقة رشيقة

نحو القمم الأرجوانية

التي في الانتظار.

----------

إلى ومضة

-----------

يا من تنبثقين مع إشراق الصبح

وتبزغين باهرة في صبح الإشراق

ما أروعكِ سارية

في أجواء الفكر الطليق

ساطعة في حجرات القلوب الصافية

مطمئنة كطائر الجنة

في رياض الرضاء النفسي

ماثلة بجلاء في أفق اليقينيات

سابحة في مياه المحبة العميقة

وبارقةً في عيون الأمل الوليد.

رؤيتك مبعث ابتهاج

ومؤشر لقرب انفراج.

طوبى لإطلالتك المباغتة

من بين ضباب الشواغل

وغيوم المشتتات!

فيك ابتعاث لذكريات

واستيعاب لمدركات

وعوالم من المعاني

وشلالات من النشاط

ودروب تذرعها

مواكب الإبداع

وفيك رواء وارتواء

أيتها الومضة.

April, 2014

------------

كالشمس يصحبها البهاء

مهما تلبّدت السماء

أو كالجمال البكر

في الروحِ

وفي القلب المضيء

أو مثل نبتٍ

ينمو في وهج الضياء

والجذر يسري

تحت الأرض

في حلك الظلام

أو كالكلام

بعض الكلام..

فيه اهتزازاتُ السلام

أو كالمناقبِ تنمو جملةً

لا بانفراد

إذ لا وجودَ لخلةٍ

معزولةٍ عن الشمائل والخلال

فالخيرُ يجتذبُ من الخير الكثير

والشرُ يزدادُ نمواً بالشرور

أما السرور

ذاكَ الذي يشتاقهُ كل البشر

فقد يفرّ مثل الزئبق الفرّار

أو قد ينقشعْ

مثل السراب

أو قد يكون مثل ظلٍ تابع ٍ

عند الظهيرة .. في الهجير

وهذا يعرفه الحصيف

فالسرُ كل السر

في المعادن ِ

لا في اللصيف

----------

وحدستُ أنكَ للوفاءِ مكرّسٌ

وعرفتُ أنكَ رائعٌ متسام ِ

ولمستُ حبّكَ يسري ما بين الحَشا

وشعرتُ أنكَ ماثلٌ قدامي

فحفظتُ في عمق الفؤادِ ودادَكَ

ودعوتُ طيفكَ كي يزورَ منامي

----------

شيّدَ البنـَّاءُ يوماً معبدا

أبرزَ فيه ِ مهارة ْ وفنون ْ

وطلا الجدرانَ تبراً فغدا

بهجة َ القلبِ وملتذ العيونْ

وأشادَ الناسُ في فخم البناءْ

مادحينَ السقفَ منهُ والعَمَدْ

قالوا هذا الصرحُ لن يعرفْ فناءْ

هيكلُ الباني يدومُ للأبدْ!

وابتنتْ أمٌ نظيرَ ما أشادْ

قدّت الأحجارَ من قلبٍ رقيقْ

عِوضَ الإبريز ِ جادت بالسوادْ

من عيون العطفِ والحب العميقْ

لم يرَ الناسُ جهوداً أو عناءْ

لم ترَ العينُ بما قامتْ أثرْ

فنبا الشكرانُ عنها والثناءْ

للذي لا يُستبانُ بالنظرْ

معبدُ البنـّاءِ ولىَّ وانهدمْ

وغدا طيفاً شبيهاً بالسرابْ

حُسِبَ قد صارَ في طي العدمْ

بعدما تناثرَ فوقَ الترابْ

هيكلُ الأم ِ يدومُ للدهورْ

لا يدانيهِ فناءٌ أو لحودْ

وهنا المقصودُ من مَعنى السطورْ

معبدُ الطفلِ المعدّ ُ للخلودْ!

فاحفظ الأمَّ لنا أيا ودود!

------------

ليس لها نظير

سألها رأيَها في النقاء

فأجابت وقد التمع في عينيها شعاعٌ بريء غريب:

لو جُسد النقاءْ

في الأرضِ

أو في أي ركنٍ من مساحة الفضاء

فربما أبصرتَ فيه وردةْ ناضرةْ

ليس لها نظير

في الرونق واللون والعبير

وقدرة التغيير

ذكيةَ العرفِ

وقلبُها مناهل العرفان

ذاتية الإشعاع

كألف شمسٍ تسطعُ

في ساحة الأكوان

أريجُها يطاردُ الأهواءْ

وضؤها يطردْ دياجير الرياء

تفوحُ عطراً مُثملا

وتبعثُ وسط القنوط أملا

بأن في النقاء

مفتاحَ كل خير في الوجود

ورؤيةً وسُلّمَ صعودْ

لذلكَ قيلَ طوبى للأنقياء

لأنهم يعاينون

أقدسَ الوجوهِ في السماءْ

----------

قلادة الشوق

وإذ تناثرت حبّات قلبها

راحت تلملمها

لتصوغ منها قلادة شوق

وهي تهمس ملء القلب والخاطر:

أرنو إليك من نافذة الفكر

وأبعث لك عبر خليوي الروح

برسائل تنصّ على إفصاحات الوجدان.

أحياناً أحس بك تختزل المسافات

وتواكب خطواتي مع أنني لا أراك

لكن حضورك أقوى من الخيال

وأمواج كهربائك قوية النفاذ.

أخالك ترمقني من عيون الزهور

حتى في حقول العوسج

وأتصور نفسي قاصدة خمائل الوجد

فأراك بين أشجارها والرياحين

وألمح ابتسامة الرضا على محياك

فأشعر أنني ربحت الجائزة الكونية

وأن نفائس الأرض وأمجادها

لا وزن لها

في ميزان حبك العجيب.

-----------

بُعدكِ يبدو لا متناهياً

أيتها النجمة البعيدة القريبة

يا ذات الوميض الهادي

والألق البادي

يا من تنفردين في أجواء الأثير الحي

وتطلقين إشعاعات تستقطب المتشوقين

لقمم النور وسموات السمو

ويا من تبعثين مع كل شعاع

إيحاءات تومئ إلى أقطار منيرة

وروائع فيها كل جديد

وفناً يعصى على التقليد..

أيتها النجمة النيّرة بذاتها

بُعدك يبدو لا متناهياً

لكن وثبة من وثبات القلب

تختزل مسافاتك الضوئية

فتشعين في أفق الروح

بكل وهجك ومباهجك

يا نجمة صبح الإشراق والأشواق!

-------------

بلهفة تنتظر

وجذوة الأمل تتقد في أعماقها.

تنتظر.. وتود أن تتقبل الظروف

كما لو كانت اليد الرحيمة رتبتها

لغاية ستكشف عنها الأيام..

وتعمل جاهدة

لتطوير علاقة أجدى وأجدر

مع أناس تعاينهم وتتعامل معهم..

ومع كائنات منظورة

إنما لحدسها الذي أثبت صدقه مع الأيام.

رغبة قوية تتملكها وتستحثها

لارتياد منابع الفكر النقي

والإحتماء بالحصن الذي لا يُقحم..

هي تؤمن بأن الجواهر

تظهر في الخطوب

وأن الصبر أقوى من ترسانة الهموم

وتحسّ كأن كائناً أميناً

يرافقها ويرتبط بقاؤه معها

بدقات القلب.

------------

وإذ تيقن أن من لا يلجأ للإبتهال

ينوء تحت الأحمال الثقال

قالها بملء القلب:

نسألك يا ذا الإقتدار

أن تأخذ بيدنا

كي نعيش براحة

وبساطة وطمأنينة

دون توتر أو قلق

وأن نتذكر دوماً

بأنك الصديق الأوحد

القادر على مواكبتنا

في كل زمان ومكان

وعلى تخفيف أعبائنا

وحلحلة الأمور المتأزمة

التي تواجهنا

وتبديد المخاوف التي تنتابنا

وأن يكون لنا

من فيض بركاتك نصيب

فأنت الوهاب بغير حساب

وعندك حُسن الجواب.

-----------

أيها القلب..

عندما تغزوك الكآبة

وتتسرب إليك سحب القنوط..

وعندما تهتز دعائم الثقة

وتثور في أركانك أعاصير الحزن..

وتتلجلج فيك همهمات الشك

وتطغى رنات الشجن

على مواويل الإبتهاج

ويخبو في حجراتك ضوء السراج

ويعتصرك الوجوم والإمتعاض..

فتذكر أن في خزائنك الكثير

من الخواطر الذهبية

والمهارات الوجدانية

والنظرات التفاؤلية

والطاقات الحيوية

وما عليك إلا أن تفتح الخزائن

بمفتاح السكينة

وتستخرج منها المخبئات.

-----------

قال بعد أن تأمل بصمات السنين:

------------------------------------

يا من تغمرين الأعماق

إذ يتسرب سحرك

إلى أدق المكونات

وتستبدلين التأجج بالابتراد

وصقيع المضض بدفء الحميمية

يا من تحوّلين شهقات التفجع

في النفوس الكسيرة إلى عزاء

وتستخلصين من خليط الفوضى والهرجلة

معانيَ مضيئة..

يا من ترشدين المشاعر

إلى منابع الصفاء

وتبهجين الخواطر بوميض ألقكِ

وتشحنين الأفكار بحيوية الأمل

وتصحبين محبيكِ

في وحدتهم والإغتراب

تحية الود والإعجاب

------------

صديق الطبيعة .. جار الهضاب والتلال

بين الحين والآخر ألمح وجهه

وأرى بعض صور ينشرها

هي بمثابة مفاتيح لشخصه وشخصيته.

يذكـّرني بفيلسوفين كانا على صلة وثيقة بالطبيعة

هما هنري ديفد ثورو و أمين الريحاني.

في عينيه ومضة صافية هي مزيج من

ثقة بالنفس

وقناعة بالموجود

وتحدٍ للصعاب.

قلت أنه صديق الطبيعة وهو كذلك

لأنني أرى حبه لها في أكثر من ملمح..

أعاين ذلك الحب في نظرته الساهمة

وفي كل ما يحيط به

وكأني به يهتف:

أحب الطبيعة وتربطني بها وشائج.

يتمتع بحضور وازن وقوي

قد تثور حوله عاصفة

فيعتبرها زوبعة في فنجان

وقد يفاجئه مطر غزير وهو يتمشى

في كرمه.. بين أشجاره فيتسم وينشد:

"جادك الغيثُ إذا الغيثُ همى"

منظره يوحي بأنه يحسن التعامل مع الأحداث

أما إن تعاورته الظروف وشددت عليه النكير

فأخاله عندئذ يتمثل بقول المتنبي:

لا تلقَ دهركَ إلا غير مُكترِثٍ

فتحية لك يا جار الهضاب والتلال..

يا صديق الطبيعة

-------

نصيحة الأنكل جو

عندما كنت أعيش في كندا

تعرفت، بعد وصولي بقليل إلى مدينة وندزر

على رجل مسن من أصل هنغاري

قال لي أن إسمه جو

فكنت أناديه أنكل جو احتراماً لسنه.

كان يسكن على شارع هاورد

وكنت كلما رأيته يتمشى متوكئاً على عصاه

أحييه وأتجاذب معه أطراف الحديث

وقد تبين لي من أسلوبه الرصين

وكلماته المنتقاة وشخصيته الواثقة

بأن لديه تجربة حياتية غنية بالقيم

فقلت له ذات مرة:

"هل من نصيحة تسديها لي يا أنكل جو؟"

فأجاب:

"يا بني، إن رماك أحدهم بحجر

فارمه برغيف خبز."

وعندما أخبرت شقيقي المرحوم حمد

الذي كان ناشطاً في مجال الأعمال الخيرية

مشجعاً عليها أعجب كثيراً بتلك النصيحة وقال لي:

"يا محمود، لقد أعطاك الشيخ نصيحة ذهبية"

تحية لروحك يا أنكل جو

------------

ويا أيتها الهمة...

حرّكي أيتها الحياة ألستنا

لعلها تتعود النطق بكلماتك..

وتذكر أيها القلب

أن قوة عُليا نسجت خيوطك

فلا تدع المشاعر الحادة تقطعها

واعلم أيها الفكر الحائر

أن بالإمكان ضبط حركتك

ومعايرة إيقاعك

وستكافأ بالتقاط أمواج توافقية

وربما ممتعة للغاية..

ويا أيتها الهمة

استمدي قوةً

من ملامسة طاقة الحياة

وساعدي همماً على النهوض

تتضاعف قوتك

فالجمر يتوهج أكواماً

ويخبو بانفصاله عن بعضه.

ألا ليت النفوس

تتحول إلى حقول خصبة

ينثر فيها الزارع الكوني

بذور الخير.

وليت الأحاسيس تقترب

من عرش النور

وتقتطف أزاهير الأنس

من رياض بستانيّ الوجود

لعل شذاها يسري في الأجواء

فيعطرها بأريج المحبة

ويفعمها بنفحات السلام

-----------

هي في النفوس المشبعة بالمحبة

العامرة بالأماني الطيبة.

وهي في القلوب المشرّعة أبوابها للخير

الموصدة في وجه الغث والخبث.

و في الإيمان المتوهج الذي يبصر

الجذوة الحية وسط الرماد.

وفي رسالة الوجدان

تصل إلى نبع الحنان

وتحظى بالقبول والرد.

وفي الرؤية الواسعة

لا تقيّد ذاتها

في نقطة صغيرة

من مفهوم محصور

وفهم مبتور.

وهي في الإدراك بأن

خالق الإنسان هو حياته

وأنه دائم القرب منه

وفي التفكير والتصرف

كما لو كان الفكر

يجوب أرجاءها اللامتناهية

أو يحس بأنه على مشارفها..

وهي في الإيقان بأن

الدعاء النابع من القلب الصغير

يصل إلى القلب الكوني الكبير..

إلى السماء

دون عائق أو إبطاء

وفي الثقة بأن من يحب السلام

يحبه السلام

فيوافيه ويسكن منه الشغاف

ومعه فيوض الألطاف.

----------

إتبع الشمس

---------------

للشاعر والموسيقار والطبيب الإنكليزي توماس كامبيون

(1576- 1620 )

إتبعْ الشمسَ الوضيئة ْ

أيها الظلُ التعيسْ

حتى إن كنتَ قتيماً

كظلام الدياميسْ

حتى لو بدا الليلُ لك ضياءً أبلجا

اتبع الشمسَ المضيئة

أيها الظل البئيس.

ها هنا أنتَ مقيمٌ

أيها الظلُ الكسيف

هي في الجوزاء تقبع

والضياءُ منها يسطع

واهباً للأرضِ والناسِ

حياة وانتعاشا

فاتبع الإشعاعَ ذا الحُسنِ

وإن أحرقـَكَ

وتأكد أن نورَ الشمسِ

لن يُبقي بكَ

ظلمة ً قاتمة ً كالفحمة ِ

بل سيجْعلكَ ضياءْ

متسربلْ بالبهاءْ

Thomas Campion

--------------

أغنية صبي

وشوقه ليكون مع صديقه

حيث الغدران عميقة لامعة

وحيث سمك السلمون

المرقط الرمادي

هناك..

عند النهر ووسط المرج

أحن لأكون مع صديقي.

حيث يصدح الزرزور بأحدث أغانيه

ويزهر الزعرور البري

ويتضوع عطره العذب

وحيث الزغاليل

تزقزق وتتقافز

هناك أحب أن أكون مع صديقي.

حيث الحصادون يقطعون

سيقان القمح بمناجلهم

ويكوّمون الأغمار

في أكداس

هناك..

وسط الحشائش

الجافة والمجففة

أشتاق لأن أكون مع صديقي

James Hogg

----------

الفكرة ْ السالبة ْ كالمثقابْ

أفكارنا كوردٍ في حوضِ

مشبوكٌ جذرها بالجذرِ

تنمو وتزهرُ وتمتدُ

لكن يكبّلها القيدُ

فالحوضُ محاط ٌ بجدرانِ

وهكذا فكرُ الإنسانِ.

- بتلر

* * *

الفكرةْ السالبة ْ كمثقاب ٍ

يُدارُ في السنة ْ مرّة ْ:

انتزاعُها في العام الأول

لا يتركُ أثراً أو ألما

وسحبها في العام الثاني

يشبهُ تمزيقَ الأدَمة

ونزعُها في ثالث عامْ

يشبه تحطيمَ العظام ْ

والسحبُ في العام الرابع

(صعبٌ كتفتيت الماس ِ)

أو نزع المخ ِ من الراس ِ

- فيكتور هيغو

* * *

لكنَّ هناكَ أسلوباً

أفعلُ من أسلوب السَحبْ

بغرس ِ أفكار ٍ أخرى

أعظمُ من تلك الأفكار

وعندما تنمو بازدهار

سيبرحُ الفكرُ السقيم

ويرسخُ الفكرُ السليمْ

موسوعة المقارنات والتشبيهات

-----------

والحبُ شؤبوبٌ غزير..

للفرح جناحُ البازْ

والحزنُ فعله كالمهماز

ومن لم يذق الأتراحْ

لن يشعرَ أيضاً بالأفراح

القابعُ القانعُ باللحظة

لا يُبصرُ طيفاً أو ومضة

فيقيّدُ حسّهُ بالملموسْ

ويعزفُ عن غير المحسوس

الصخبُ يعقبهُ وجومْ

والمتعُ الذوقية تدوم

والحبُ شؤبوبٌ غزيرْ

يصبَ في القلب الكبير

فيسقي أغراسَ الوئام

ويخمدُ جمرَ السعير


March, 2014

-----------


ألف عين وعين

لليّل آلاف العيون

وللنهار واحدة

لكن ضوءَ العالم

الوضاءَ يخفت

مع غياب الشمس.

للعقل آلاف العيون

للقلبِ عينٌ واحدة

لكن وهجَ العمر يخبو

مع تلاشي الحب.

Francis William Bourdillon

---------

أمنية الشاعر الشيخ

أحلم ببيت صغير

قرب التلة

وبقفير نحل

حيث يشنف

أذني صوت الهمهمة والأزيز

وبنهر صغير

وسط خمائل الصفصاف

يدير دولاب المطحنة

وبشلالات عديدة

تتساقط بالقرب مني.

السنونو سيتخذ له مسكناً

تحت سقف بيتي

ويطلق الزقزقات من عشه

المصنوع من الطين

وسيطرق عابرو السبيل بابي

فيحلون ضيوفاً عليّ

ويشاركونني طعامي

على الرحب والسعة.

Samuel Rogers

-----------

وإذ تأمّلَ ظاهرة الإنتقال

من حالٍ إلى حال

تعجّبَ وقال:

لستُ أدري السببا

من مخاوف وأسىً

عندما نبصرُ بحراً جائعا

يقضمُ الأرضَ

التي تسندُنا

ثم يبدأ بابتلاع ِ

فسحة العمر القصيرة!

لا تخف يا صاحبي

إن طغى مَدٌ

ولامَسْ قدميكَ

فيدُ الله القوية

سوف تمتدُ إليكَ

عندما الرمالُ

تشـْرَعْ بالتحرّكْ

وإليهِ سوفَ يُدنيكَ

فلا تهوي إلى القعر العميقْ

بل يضعْكَ فوقَ أصقاع ٍ جديدة

حيث لا يُغرقُ ماءٌ

لا ولا تهبط ْ رمالْ

بل رسوخٌ

وابتهاجٌ

وجلالْ

A. Maclaren

-----------

أهزوجة البحّار

----------------

وإذ انطلق بقاربه في خضم الحياة

راح ينشد أهزوجة البحّار المؤمن:

أحمدُ اللهَ

وشكري متصلْ

طالما الأيامُ تمضي

حمدي دائمْ

وأحبُ مصدرَ

الحبِ الذي

منهُ إحساسي

دواماً يغتذي

في الظلامِ

أتعشمْ نورَهُ

حتى في الإعوازِ

يبقى ثروتي

وبقلب النار ِ

أو وسْط البحارْ

أرفعُ الحمدَ إليه موقناً

أنني في كنـَفِ

ذي الإقتدارْ

ولهُ عرفانيَ

ليلَ نهارْ

----------

إنما الباقيَ أعظم!

يعرفُ ما يعترينا

من مرارة ْ وخسارة ْ

والصعوباتِ التي نجتازها

ويرى الأنفسَ إذ تدرفُ دمعا

مثلما يعرفُ كلَّ مبتهل

ويسمع صوتـَهُ..

إنه أدرى بما يحدث

ولن ينسى عيوناً لهُ تـُرفع

وقلوباً ملأ الإيمانُ فيهِ كلَ ركن ٍ

هو يذكر كلَّ من يصبر ويشكر

ويعوّض ..

ومتى ما القلبُ حسَّ

أنه دوماً قريبٌ

سيخفّ الحملُ مراتٍ عديدة

وسيومض أملٌ بأيامٍ سعيدة

هو بالتأكيدِ يعلمْ

وفي هذا عزاءٌ

فاحملْ العبءَ أيا قلبي

ودَعنا من تذمّرْ

فكنوز الأرض ِ تمضي

إنما الباقيَ أعظم

للذي يحدسْ بأن اللهَ يعلمْ

وبحضورهِ يحلمْ!

M. Longfellow

-----------

فتوجّهَ إلى العناية الإلهية مناجياً:

صخرة َ الأجيالِ كوني

ملجأي وقت الشدائدْ

وافتحي قلبَكِ إني

لحصون الصدر ِ عائدْ

فإذا ثارت زعازعْ

وإذا هبّت رياحٌ

فيها سموم الوباءْ

وإذا الزلزالُ هزّ

الأرضَ تبقينَ الرجاء

بالحماية ْ والوقاية ْ

أنتِ قواتُ السماءْ

--------

وصية طريفة لشاعر

بالوقاية عالجَ الطبُ المرضْ

وبما أني معافىً

سأدوّن شاهدَ قبري بنفسي

فالتواني غيرُ مأمون العواقبْ

ونوايايَ السليمة

ربما لن تتحقق

على أيدي الوريث.

قد دفعتُ الأجرَ للنحّاتِ

كي ينقشْ

على الشاهدِ قولي

صدّقوا ما تقرؤونه

وإذا يوماً سمعتم

فوقَ ما يحوي الرخام

لا تظنوا أنني كنتُ كذلكْ

فالتملق لنا عادة

بل وعلّمنا البلاط َ

كيفَ يكذبْ!

Mathew Prior

-----------

هكذا أبصرها وسمعها بعد الرحيل!

في ضياء الشمسِ ما زالتْ

وما زلتُ أراها

وإذا عاينتُ

زخات المطرْ

فكأني أرى دمعاً

هاطلاً من مقلتيها

وتناديني بصوت الريح

فأسمع أغنياتٍ

حلوة ً مستعذبة ْ

ومع الزهر تعودُ من جديد..

ذلكَ الطيرُ رسولٌ

يأتي منها برسائل

والقمرْ مركبة ٌ

تنقلها وسط الفضاء

والنجوم وصيفاتٌ

للعروسة في السماء

Richard Le Gallienne

-----------

وأنتَ كفؤٌ وللمواقف كافِ

بعض عناصرها مستوحاة من قصيدة للشاعر رديارد كيبلينغ

إن كنتَ تمشي وترنو للفضا الصافي

وتبصرُ الشمسَ تسكبْ نورها الشافي

وإن بعزمكَ آمنتَ ولو نكركْ

كلُ الأنام ِ وقالوا أنكَ غافِ

وإن كـُرهتَ ولم تبعثْ مثيلتها

لقلبِ حاقدِ أو وجدانه ِ الجافي

وإن رأيتَ رعيلَ الناسِ منهمكاً

بالقيلِ والقالِ من هذر ٍ وإسفافِ

وإن بسمتَ لإخفاق ٍ وترقية ٍ

وقلتَ ما أستحقُ يأتي بالوافي

وظلَّ فكركَ في الآفاق معتلقاً

يعاين اللهَ في المنظورِ والخافي

وإن شعرتَ وحيداً في الكفاحِ ولمْ

يهُنْ بكلَ العزمُ أو إحساسكَ الدافي

فإنكَ تملكُ الدنيا بأكملها

وأنتَ كفؤٌ وللمواقف كافِ

------------

أنشودة الرواقي العجوز

أنا لا أغالي بالترفْ

ولا أبالي بالثراءْ

للولع أنظر بازدراء.

الصيتُ حلمٌ

يتلاشى في الصباح

ولو حرّكتُ شفتيَّ بالدعاء

لقلتها بملء الفم والرجاء:

أعطني حريتي وهب ليَ

نفساً عصية على القيود

الآن وبعد اللحود

ومعها روح الصمود.

Emily Bronte

------------

كرغوةٍ تعلو المياه الهائجة ْ

أو كالزَبــَد فوق بحار ٍ مائجة ْ

أو كالحُلـُمْ

بعد التيقظ من منامْ

أو مثل نبتٍ

لا يدومُ غيرَ ليلة ْ وضحاها

أو موسمٍ دون حصادٍ يُرتجى

أو كرمةٍ لا يؤمَلُ منها عِنبْ

كذلكَ أي رجاءٍ وأملْ

بالفوز ونيل الوطر

دون اعتصام ٍ

بك يا رب البشر

C.G. Rossetti

--------------

براءة الأطفال

الكل يعرفها ويشهد لها

ولو أن الأطفال يترعرعون

في بيئة تغذي تلك البراءة

لبقوا كذلك طوال عمرهم

ولخلت المجتمعات من مشاكل لا حصر لها.

عرفت بعض أشخاص احتفظوا بتلك البراءة

فجمعوا بين عقول ومنطق وقوة الرجال

وبراءة وبساطة الأطفال.

أحدهم كان متبحراً في علوم عديدة

وكان خطيباً مفوهاً لا يشق له غبار

وكانت قوته الجسدية بادية في عضلاته

وفي حركات جسمه وقامته المنتصبة

وعمله لساعات طويلة في الحدائق والبساتين.

كان يتمتع بكاريزما قوية للغاية

بحيث أنه بعد إلقاء محاضراته

كان الناس يهرعون إليه ويلتفون حوله

ليستمعوا إلى أقواله التي ترن فيها نغمة الحقيقة.

جالسته عدة مرات

ودعوته ذات مرة فلبى الدعوة

تحدثنا طويلاً

ولمست فيه صدقاً وطيبة وإرادة فولاذية

ونقاءً في الدوافع وإخلاصاً لله ومحبة للناس

ورغبة صادقة في خدمة الجميع.

ذات مرة، وفي مؤتمر روحي عالمي في مدينة لوس أنجلوس

رآني فقال لي: "أبق حيث أنت وسأعود إليك قريباً"

انتظرته وإذ به يعود وبصحبته رجل بدا من ملامحه أنه عربي

فقال لي: "تحادثا بالعربي لأتأكد من أنكما تفهمان بعضكما"

تبادلت بعض الكلمات مع الرجل الذي قال لي أنه "الدكتور الوكيلي"

وأظن أنه نفس الدكتور المغربي المشهور التهامي محمد الوكيلي

صاحب المؤلفات الروحية العديدة.. وقد رافقته طوال المؤتمر

وترجمت له قسماً من المحاضرات إلى العربية.

ولما تأكد صديقي أننا "نفهم بعضنا"

ودّعنا وابتسامة الرضا على محياه.

فتحية لروحه الطيبة في فردوس البراءة

وتحية أيضاً لروح الدكتور الوكيلي

الذي علمت فيما بعد أنه غادر هذه الدنيا

-----------

ولنا مع العادة وقفة

قال: ما رأيك في العادة؟

أجاب: مبعث شقاء وبلاء أو راحة وهناء .. سهلٌ تشكيلها صعبٌ هدمها.

قال: وكيف ذلك؟

أجاب: لأنها في بدايتها تشبه بيت العنكبوت الواهي وتتحول تدريجيباً إلى سلسلة من زرد تكبل الإرادة، يصعب رؤية حلقاتها والإحساس بها في البداية إلى أن تصبح ذات قوة لا يستهان بها.. وهي كالحبل الذي نصنعه بأيدينا.. نضيف إليه خيطاً كل يوم.. نلفه حولنا حتى يصبح من العسير حلحلته أو تقطيعة.

قال: وهل من جانب إيجابي للعادة؟

أجاب: العادة الحسنة هي صديق وعون وقت الضيق.

قال: أوضح.

أجاب: تكرار الأفعال الطيبة يجعلها سهلة

وسهولتها تجعلنا نستمتع بها

واستمتاعنا بها يجعلنا نكررها

وتكرارنا لها يصبح عادة مستحبة

وركناً من حياتنا يمكننا الركون إليه.

قال: وهل العادات مُعدية؟

أجاب: هذا يتوقف على قوة الشخص النفسية، فهناك أشخاص لا يتأثرون بها حتى ولو عاشوا في وسط تسوده العادات الضارة وآخرون ليس لديهم مناعة حيالها فتنتقل إليهم ويكون فعلها فعل الوباء.

قال: وما هو دور العقل في التعامل مع العادة؟

أجاب: العادة تعمل بوتيرة أسرع من العقل الذي نادراً ما يستشيره صاحبه أو يعمل بإرشاده.

قال: وماذا بخصوص تشكيل العادة؟

أجاب: العادات التي يتم تشكيلها بحذق وحكمة تصبح طبيعة ثانية، أما تلك التي تتشكل على نحو مشوش ومضطرب تصبح طبيعة فعلية لا تنسجم مع سمت الحياة الطبيعية وسماتها، وقد وصف الشاعر القروي العادات بالقول:

نصحتكَ لا تألفْ سوى العادةِ التي

يُسرّك منها منشأ ٌ ومصيرُ

فلم أر كالعاداتِ شيئاً بناؤه

يسيرٌ وأما هدمهُ فعسيرُ

قال: إن كانت العادات الضارة عاصية عاتية فهل من أمل بالتخلص منها.

أجاب: مهما كانت العادة ضارية وضاربة بجذورها في تربة النفس تبقى الإرادة أقوى منها وأفعل لمن يهمه الأمر.

---------

هل هذا ما عنيته يا ابن الفارض بقولك:

أمسى بنار جَوىً حَشتْ أحشاءَهُ

منها يرى الإيقادَ لا الإنقاذا؟

لقد تحول شوقك اللاهب لحبيبك الإلهي

إلى نار مستعذبة

تكوي وتشوي

وتتخلل كل ذرة من جسمك

وتمس كيانك المعنوي مساً وثيقاً.

ذلك الشوق المتقد والحنين الجارف

جَعلاك ترى أيها العارف

نشوتك الجذلى وقد تحولت إلى

هيام كالجمر لا يبرّده سوى القرب

ولا يطفؤه سوى أنفاس المحبوب

الذي ملك عليك ملكاتك

وغمر حبه قلبك وروحك وعقلك.

لعل ما أحسست به يا ابن الفارض

كان الوقود الذي أطلق مركبة روحك

في فضاء الفيض والإشراق

وهل عاينت في رحلتك تلك أنوار هداية

ولامَستْ وجْناتِ روحك أنسامٌ منعشة

وتنسمتَ عبق النفحات الزكية

واستأنستَ بغبطة الوصال

وعاينتَ وجه الجميل

الذي يحب الجمال!؟

أم هل قصدتَ شيئاً آخر

يا شاعرنا الأثيري الأثير؟!

----------

واحة بلا ماء...

رأيتك بعين الإهتمام

وعلى محياك مسحة من حزن

فأحسست بحاجتك

إلى ما يتعدى الماديات

التي لديك منها ما يكفي

وأدركت أنك بحاجة

لمن يفهمك ويثق بك..

إلى كلمة مشجعة

تنعش فيك القوى

وتبهج منك الخاطر

وتبث في نفسك الطمأنينة..

وإلى قلب يفتح لك بابه

ويقول: أنت من أصحابه.

ولا يسعني إلا أن أقول لك:

تفضل إلى القلب

لأن قلباً لا يأويك

هو واحة بلا ماء

وطلل في صحراء.

------------

وجهاً لوجه

أيها الجمال المثال

أيها الحب الأقوى من الموت

والأرسخ من راسيات الجبال

أيها المتواري

خلف غسق الليالي

المحتجب ما وراء أجفان الفجر

أيا نهر الطاقة الحية

الدائم الجريان

في عروق الحياة

وشرايين الوجدان

عندما يقرع زخم الشوق

باب الإخلاص العميق

ويسرج الفكر المجنح

جياد الحنين

ويتحول صمت القلب

إلى نداء يشق عنان الأثير

يبزغ طيفك الذهبي

يا ذا الوجه البديع المنير

من أعماق المجهول

فيحدث اللقاء المأمول

وتكون التحية

وجهاً لوجه.

----------

وهذه وقفة بمعيتكم مع الشجاعة الأدبية

قال: ما هي في تقديرك السمة الأبرز في نطاق التجربة الإنسانية؟

أجاب: الشجاعة الأدبية.

قال: ولماذا؟

أجاب: لأنها تشمخ كجبل من ذهب خالص في خضم عالم هائج بالمتناقضات.

قال: وما معنى ذلك على المستوى الفردي؟

أجاب: لأن من يمتلك تلك الشجاعة لا يزحزحه الموج العاتي الذي يتكسر على صخور ثوابته الراسخة، حتى ولو بدا أنه يطغى عليه ويغمره غمرا.

قال: ومن أين تأتي تلك الشجاعة؟

أجاب: من مصدر كل قوة وفضل وفضيلة وشجاعة في الكون.

قال: وهل من سبيل إلى ملامسة ذلك المصدر فعلاً لا قولاً؟

أجاب: هذا مستطاع.

قال: كيف؟

أجاب: بالإبتعاد بين الفينة والأخرى عن هرج العالم ومرجه والتحليق بطائرة القلب والفكر في أجواء السكينة التي فيها الكثير من الطيبات التي تشتهيها النفس.

قال: وهل من درجات لتلك الشجاعة؟

أجاب: بداية، الإنسان موهوب بحرية الإختيار وله القدرة على اتخاذ القرار.

هناك من يجدون أنفسهم منساقين للقيام بأفعال دون المستوى السوي.

وهناك من يستشعرون الوازع الأخلاقي النبيل فيكبروه.

وهناك من يقومون بأعمال طيبة لا تنطوي على جهد كبير يشكرون عليها.

وهناك من يمتلكون قناعات عميقة بعمق الروح

بأن الحق يعلو

والفضيلة أساس

والتضحية مبدأ

والعمل واجب

ويقرنون قناعاتهم بأفعالهم

فيأتي قراناً مباركاً ثمرته الشجاعة الأدبية.

قال: لكن نهجاً كهذا قد يكون صعباً لا سيما في يوم الناس هذا.

أجاب: الرغبة لا تقوم صعوبة في وجهها، وإن قامت فإلى حين، لأن الرغبة بحد ذاتها هي طاقة لا تحب الاحتباس، تعرف سبيلها إلى الهدف المنشود فلا تضل السبيل.

هناك من يحبذ السير على درب آمن وممهد وهذا من حقه.

وهناك من يخشى تصارع الأضداد ولكماتها المتطايرة

فينأى بنفسه عن المعمعان..

وهناك من يسمع صوت الشجاعة الأدبية ينادي "أين أنتَ؟"

فيجيب "لبيكِ.. ها أنذا!"

قال: وهل للشجاعة الأدبية مقر ومستقر؟

أجاب: في الفكر الحر النظيف والقلب الصافي الجريء.

قال: وما السبيل إلى تنميتها وتغذيتها؟

أجاب: بتبني مبدأ نبيل واعتباره صديقاً وفياً يستحق الوفاء

وبإضاءة منارة الضمير

وبالثقة المطلقة بالعلي القدير.

-----------

في الألق الحي

في عبق الجمال

في مهد الفضاء

وذاكرة الحاضر والأبد

وفي أمواج السلام

وأنباض الحياة

وامتداد السماء

وروعة النفوس الطيبة

وفي الحضن الكوني

أحس بك أيها الحب.

تحية ومحبة لكم أصدقائي

اليوم وفي كل يوم

----------

ولنا مع المناصحة وقفة

قال: ما رأيك في النصيحة؟

أجاب: مفيدة ما دامت سديدة

وتنطوي على منفعة أكيدة

وما دام الآخرون يرغبون فيها.

قال: وإن لم يرغبوا؟

أجاب: تتحول إلى ما يشبه وخز الإبر

وتوبيخ لا محل له في النفوس

ولا جدوى من التلفظ به أو سماعه.

قال: وما هو تعريف النصيحة؟

أجاب: هي تذكير الراغب في التذكر

وتعزيز قناعات المتردد

وهي دفعة منعشة

لمحبذي الشحنات الإيجابية

وتنبيه إلى مطبات على الدرب

لمن يهمه الأمر

ويود معرفة أنسب السبل لتلافيها.

قال: ومتى تكون النصيحة ذات مفعول؟

أجاب: عندما تكون الرغبة في الحصول عليها قوية

و تصدر عن إرادة طيبة

ورغبة حقيقية في المساعدة

لأن هناك نصائح مضللة

تنبع من نوايا ذات أغراض

فلا تخلو من سموم وأمراض.

في حين تشبه النصائح

التي مبعثها الصدق

والإهتمام الودي بالآخر

التحياتِ الطيبات

أو رشات العطر الخفيفة

--------------

حوارية مصادقة الذات

قال: هل تؤمن بمصادقة الذات؟

أجاب: أؤمن ما دامت مصادقة على الخير لا تخلو من نقد ذاتي.

قال: أوضح.

أجاب: إن نظرت لنفسك نظرة مجرّدة لا تجريدية تصبح أعز أصدقاء ذاتك.

قال: هذا غير مألوف.

أجاب: لكن الراغب يراقب.

قال: الراغب بماذا؟ وماذا يراقب؟

أجاب: الراغب بمصادقة ذاته يراقب نفسه بحياد وموضوعية

ويمحص قلبه تمحيصا بعين الراصد المنصف.

فهو ينظر إلى نفسه بمرآة التمييز

ليتعرف على الشوائب التي يتعين التخلص منها

والأهواء التي يجب مقاومتها

والتحيز الذي ينبغي الترفع عنه

والمزايا الطيبة التي يجدر فرزها عن الخلال الذميمة الدميمة.

قال: ألا يولّد هذا إرباكاً ذاتياً ويزعزع الثقة بالنفس؟

أجاب: الثقة بالنفس تتولد من تقييم الدوافع الداخلية

والوقوف على طبيعة المشاعر نحو الآخرين.

هذا ليس صعباً على النفوس الكبيرة

ويؤسس الثقة بالنفس على صخر اليقين.

قال: وماذا لو اعتمدت هذا النقد الذاتي ولم أرَ سوى ما يسرني؟

أجاب: هذا حسن، زادك الله سروراً !

ولكن لو تعمقت قليلاً فلربما وجدتَ

ما يبعث على التواضع وإعادة النظر.

فالحكماء لا يستثنون نقاط ضعفهم من تقييم إنجازاتهم

ولا يغفلون ذكر الشوائب في أحاديثهم مع النفس.

قال: وهل هذا يعني عدم انتقاد الآخرين وتقييمهم؟

أجاب: إن كان لا بد من ذلك وعاين الناقد ما لا يسر الناظرين

فليعمد إلى تصحيح ما يراه عيباً في الغير بتغذية نقيضه في ذاته.

قال: وما هو مقياس النجاح في انتهاج هذا الأسلوب؟

أجاب: في تطبيقه على أرض الواقع.

----------

حكاية الحفنة

أمسكتُ حفنة ْ

من بذار ٍ بيدي

ونثرتها في التربةِ

وقلتُ هذي

سوفَ تأكلها الطيورْ

ولربما تحرقها

حرارة ُ شمس الهجير.

ولكم فرحتُ عندما

جنيتُ منها سنبلاتْ

فالموسمُ الذهبيُّ

جاءَ حقاً وافرا

وكلُ حبّة ْ قد أتتْ

ليَّ بكثرةْ كاثرة!

وإذ أتتني طفلة ٌ

تطلبُ مني حاجة ً

نفحتها هدية ً

صغيرة ْ من جني الحصادْ

لكنَ قلبي ذهبَ

مع كل حبة ْ بوداد

ففرحتْ إذ اغتنتْ

والفضلُ من رب السماءْ

وصرتُ أغنى بالعطاءْ

F. Cary

---------

قال قلب الحياة..

اعطني همومك

ودعني أزيح العبءَ عن كاهلك

فأنت قريب مني

ولك نصيب وافر فيما لديّ.

واعلم أنك مهما ظننت

أنك بعيد ووحيد

لكنك لم ولن تتخطى حدودي

والرباط الذي يجمع ما بيننا

أمتن من أن تقطعه يد الزمن

ويجب أن لا تفرق ما بيننا

الظروف والأحداث

حتى وإن لم تشعر بنبضي

أو تلامس كهرباء محبتي.

قد تفلح غمامة في حجبي عنك

فتتوقف عن الإحساس بي

لكنها غمامة عابرة

ولن تحول دون لقائنا

وفرحنا ببعضنا.

أبارك اعتمادك على الذات

وأود أيضاً أن لا تغفل الإعتماد عليّ.

وإن كان العالم غير قادر عن منحك

الطمأنينة والأمل الباسم

فلديّ الكثير من المفاجآت السارة

التي ستجلب لك البهجة

إذ تعلم أنها من القلب الذي يحبك..

من قلب الحياة!

----------

شروق

من فوقنا من تحتنا

في البحر والرعودْ

توحي لنا روائعَ

فردوسنا المفقود

للحظةٍ قد ندركُ

وجودَكَ العجيبْ

من كائناتٍ تعلنُ

حضورَكَ القريب

يسبّح الصبحُ لكَ

كذلك المساءْ

وتسطعُ ابتسامتكْ

لتملأ الفضاءْ.

فردريك مايرز

-------

الحياة فيها متسع رحب للجميع

والخير يتضاعف بالتعاون والعطاء

والحياة تبارك المتناغمين مع قوانينها

التي هي قوانين المحبة

والسلام والإنسجام

والتفكير في الآخر والتعاطف معه.

والناجحون هم الصادقون مع أنفسهم

ومع الحياة والناس..

الكبار بأعمالهم

المتميزون بمحبتهم

وبساطتهم وطيبتهم.

جعلنا الله وإياكم أصدقائي

من الناجحين في الحياة.

---------

الكراهية جنون القلب

ذات مرة طلبت إدارة مدرسة الحياة من مجموعة متميزة من تلامذتها النجباء كي يأتي كل واحد منهم بتعريف للكراهية والحقد والضغينة..

فقال الأول: ما أسهل أن تجد الضغينة هدفاً تصوّب عليه سلاحها وذريعة لضغط الزناد!

وقال الثاني: الكراهية رذيلة لا تجد متسعاً لها إلا في النفوس الضيقة التي تتحجج بها لممارسة الإستبداد والإستعباد.

وقال الثالث: إن أردنا معاقبة عدو فلنقيده بمشاعر الكراهية للآخرين التي تنهش قلبه وتحرمه طمأنينة النفس.

وقال الرابع: كلنا نعرف ماهية الكراهية، ولكن ما ينبغي لنا أن نكرهه هو الرياء والنفاق والتعصب وعدم التسامح والظلم والاضطهاد والطغيان كرهاً عميقاً ملء الصدور.

وقال الخامس: عندما تتحول كراهيتنا إلى عنف فإنها تهبط إلى ما دون مستوى الذين نكرههم.

وقال السادس: يجب أن لا نكره الآخرين بل نبغض أفعالهم المشينة ونقائصهم القبيحة لأن كراهية البشر للبشر هي جنون القلب.

وقال السابع: إن كان هناك من تكرهه فهو الشخص الذي يجب أن لا تتحدث عنه، لأن من يكره إنساناً سيغذي في نفسه تلك العاطفة المقيتة ومع الأيام سينتقل تأثيرها الخبيث إلى أهله واًصدقائه.

وقال الثامن: غالباً ما يكره المرء الذين أساء إليهم وسبب لهم الأذى والإهانة والضرر، وهناك نظرات حقد تطعن كالسكين ومع ذلك لا يعاقب عليها القانون البشري.

وقال التاسع: لن أسمح لنفسي بأن أنحدر إلى مستوى الحقد الأعمى على أي إنسان. إننا نكره شخصاً ما لأننا لا نعرفه ولن نعرفه ما دمنا نكرهه.

وقال العاشر: لا يمكن القضاء على الكراهية بالكراهية بل بالمحبة.. إنه قانون سرمدي ثابت لا يتغير.

--------

ولنا للإشاعة تقييم وتعريف

قال ما ذا تقول في الإشاعة؟

أجاب: إنها شناعة، ومن يصدقها أو يتلذذ بسماعها

يمتلك في داخله إمكانية تضخيمها

ومن الغريب أن بعض الناس لديهم شهية مفترسة

لنهش والتهام سمعة وأخلاق وسعادة الآخرين

ومع ذلك يتلذذون بتلك الوليمة النكراء!

قال: وما هو تعريف الإشاعة الكاذبة؟

أجاب: إنها أداة افتراء للطعن والتشهير دون وجهة حق

وهي تنطلق بسرعة كبيرة و بدهاء ماكر

بحيث يصعب في البداية التصديق

بأنها أكذوبة لا أساس لها من الصحة..

وهي تشبه بذلك الريح الأصفر

أو سموم الأفاعي

إذ تلوث الأجواء

وتمزق النسيج الإجتماعي

وتفري قلب الصداقة وتباعد ما بين المحبين.

قال: وماذا عن اللسان الذي يبتدع تلك الإشاعات المغرضة؟

أجاب: إنه يجلب اللعنة لصاحبه

لأن من يتعمد إيذاء الآخرين

سترتد عليه نواياه ويعاني مغبة أعماله.

قال: وكيف يتسنى للإشاعة أن تستمر؟

أجاب: لأنها تتضخم بتدحرجها على الألسنة ككرة الثلج

ومن يستمع إليها أو يتحدث بها

يضيف إلى حجمها بدلاً من تحجيمها

فهي تنتشر في كل أذن تصغي لها

وتنمو على كل لسان يتلفظ بها.

قال: وما السبيل إلى وقفها؟

أجاب: بعدم الإستماع إليها

أو الإكتراث لها

أو التحدث بها

لأن في العالم ما يكفي من الشرور

ولا حاجة لإضافة المزيد.

---------

واختتم رسالته بالقول:

أما رغبتي الوحيدة بالنسبة لك

فهي أن أعرف أنك بخير

أينما وكيفما كنت

و أمانيَ الطيبة التي أبعث بها إليك

أرجو أن تكون لك دفئاً

في الشتاء المقرور الرياح

ونسماتٍ باردة ملطفة

في هجير الصيف وقيظه.

ولكم أود لو تحوّل قلبي

إلى شبابة تعزف لك لحناً

ينسيك شواغلك الضاغطة

ويوقظ في روحك

أحلى وأبهج الخواطر

ويحتفي بديمومة الأنس

ورسوخ الفهم في النفوس المُحبة.

رافقتك العناية الإلهية

ونشرت حولك هالة من نور

تكون لك درعاً واقية

ومبعث سلام وطمأنينة

في كل يوم من أيام حياتك.

-----------

فرنسيس تومبسون:

من متشرد وبائع ثقاب وجرائد

إلى أحد ألمع شعراء الأدب الإنكليزي!

أيها العالم غير المنظور

إننا نعاينك

ويا أيها العالم غير المحسوس

إننا نلمسك

ويا أيها العالم المجهول

إننا نعرفك

ويا أيتها الأطياف الشفافة

إننا نمسك بك!

أتحلـّق السمكة في الفضاء

لتعثر على المحيط؟

أم يغوص النسر ويغطس

ليجد الهواء؟

وهل لنا حاجة

في أن نسأل النجوم

إن كانت تعرف

عن ضالتنا المنشودة شيئا؟

ليس في المتاهات الكونية

والنظم الدوارة

ولا حيث تنطلق الأفكار

سنعثر على منية قلوبنا

فالإلهامات ترفرف حولنا

وتقرع على الدوام

أبوابنا الموصدة

وما علينا إلا أن نفتح أسماع قلوبنا!

----------

رأي غوتة في الحقيقة المجردة

تذكروا دوماً

أن أعمق الحقائق

وأصدقها على الإطلاق

هي تلك الحقيقة

التي تعصى على النطق

ولا تقبل الجدال

وتسمو سمواً فائقاً

على البراهين اللفظية

وينبغي الإحساس بها

بالإختبار الذاتي

والتجربة المباشرة والواضحة

التي لا مجال للطعن فيها

ولا يتطرق إليها الشك

عندئذ تُعرف

مرة واحدة وإلى الأبد

----------


قيثارة كونية


عندما تجسّد الإنسانية

قيثارة ً كونية

فيها من كل قلبٍ وتر

فضيّة الأنغام

تحتفي بالسلام

وتطلق ألحانـُها

فيضاً من الضياء

يدك أسوارَ الظلام

ويمحق البغضاء

والضغينة والخصام

ويملأ الآفاقَ والأحداقَ

باهتزازات المحبة والوئام

تبتهج الأرضُ وتقترب

خطوة من السماء

ويـُلحَد العِداء

ونحيا عصر الأنبياء.

قد جرّب بنو البشر

الفتنَ والمعامعْ

ولعبوا بالنار

حتى اكتوت الأصابعْ

فابتعدوا ردحاً من الزمان

عن واحة الأمان

أما آنَ الأوان

لتنبت التربةُ أصنافاً جديدة

فغاية الحياةِ ليست الصراع

ولا التغني بمصير للضياع

بل التطهر من شوائب وذنوب

قبل رجوع النفس لقلب الأثير

والوقفة ْ في حضرةِ علام الغيوبْ.

February, 2014

--------------


وهذه لك يا فكر!

مدهشٌ أنت أيها الفكر

وغرائبك كثيرة

لا تهدأ ولا تهجع

ما دامت بك نسمة من يقظة

بل دأبك التذبذب

في متاهات الأفكار

ككرة من نار

مندفعة في مسارب

مَدٍ كوني هائل

لا تُدركً أبعاده

ولا يُستقصى كوامن طاقاته.

كالمغناطيس أنتَ

في خواصك وخصائصك

فالأفكار التي تستولدها

تستقطب أفكاراً مماثلة

وتستحدث بيئات وأجواء

أكثر ملاءمة لطبعها وطبيعتها.

لقد صاغك الفكر الكوني نقياً

وذلك النقاء هو

طوق الأمان في لجج الزمان..

لكن طغت عليك اعتبارات

كثيرة ومثيرة

وبَعدت الشقة ما بينك وبين

جوهرة الصفاء

فباتت لكَ وكأنها ضربٌ من الخيال

لاعتيادك مفاهيم

كرّسها التكرار والإصرار

فاعتبرتها عين اليقين

لا ينكرها إلاّ الواهمون.

ولكم تمنيتَ لو امتلكتَ

حرية البلبل الصداح

في مروج البطاح

أو النسر المحلق برشاقة

في أحضان السماء

لكن يبدو أن الثقل النوعي

يشدك إلى المألوف شدا

ويضع أمام أمانيكَ وانطلاقاتك سدا.

لا تدع الإحباط يكبل جناحيك أيها الفكر

فبوصلة التحرر ما زالت لديك

وما عليك

سوى معايرتها من جديد

للتوجه شطر القطب العتيد

وهذا يا فكر..

في حدود المستطاع!

----------

ما بعدَ البُعدِ ردد الصدى:

تعالي من سماء المجد

من مجد السماء

من المقر الممتلئ

بالحبِ والضياء

تعالي فحضوركِ

به وهجُ الشروق

وفيه همسُ الأنس ِ

والمعنى الرقيق

كنتِ وما زلتِ

البلسمَ للفؤاد

وراحة ًوواحة ً

لأحلى إرتياد

الشوقُ طافَ وطفحْ

لوجهكِ الوضاح

سواء في تجهّم الليل ِ

أو ابتسامة الصباح

تعالي فالنبعُ

إذا جئتِ

سيطفح ويفيض

والماء لن يغيض

فتنتشي الفصول

بالزهر والثمار

ويُبلـَغ المأمول

وينتهي المشوار.

------------

تلك هي الفردوس

قالَ متأملاً:

يلوحُ لي حضورُكَ

في كل وجهٍ طيبِ

تشعُ من قسماته

وتسري مع بسماته

أقباسُ حبٍ لا يزول.

والقلبُ مهما حوصرَ

بظلمة معتكرة

يبقى الرجاءُ ينبضُ

بلحظةِ لقاءْ

هنا أو في السماء.

ما أملكُ قد يندثرْ

دونَ أثر

لكنكَ كنز الغنى

طول الدهر.

لا أطلبُ بأن تكونَ

حسبَ رؤية ضيقة

لكنني أسعى لأن

تكون النفسُ صادقة

لعلني أدنو فأرنو

للضياء الأسطع ِ

وأدركُ بأنكَ دوماً معي

في الحزن ِ والأفراح

والغدو والرواح

تشعُ حباً وقبولاً ورضاء

كملايين الشموس

تلكَ هي الفردوس!

-----------

الإنسان الكوني

عبر البحار الفاصلة

وفي ركن قصي من أركان الوجود

تراءى لي الإنسان الكوني

بإشراق باذخ

يحاكي الشمس طلوعاً وسطوعاً.

موطنه كان في قلب الغابات البكر

رأيته يتمشى في مروج الحكمة الذهبية

بحيوية الشباب

وبهجة الأطفال

يحلم بألق القمر السحري في المحاق

يتنقل بين منازل لا حصر لها

فيلج ويخرج بخفة ورشاقة

من بوابات القرون والعصور.

للحظات بزغ الشكل العجيب

ثم توارى

ثم بزغ ثانية

متحدياً التلاشي والزوال

مجوهراً كأثير السماوات اللامتناهية

وقد شعّت من محياه مشاعلٌ جمة

تروى حكايا الحنين المتقد

والمشاعر اللاهبة

والجمال اليافع

والحب الفتي النقي..

وانبثقت من عينيه شرارات من الإيمان المشع

وبريق ورديٌ من الأمل الواثق

وبرقٌ يخطف الأبصار

لحزم واقتدار

يضيء أركان الكون

ويبلغ مداه أقصى النجوم

يا له من مجد لا يُسبر له غور

نابع من قلبك الأوقيانوسي أيها الإنسان الكوني

لقد حدّقتُ طويلاً بشكلك النوراني العجيب

فأبصرت امتداداتٍ وأسراراً لا نهاية لها

وكأنني عاينت روح الإنسان متجلية

بكل روعتها وبهائها.

EAST-WEST

-----------

هكذا أطلقها أمنية...

أريدُ أن أذوبَ في الحياة

وأن أستكشفَ أسرارها العميقة

لعلها تفضي بيَ لمنبع الحقيقة

أريدُ أن أدركَ معنى القوة في الفتوة

والسرَ في روعةِ الثباتِ والوفاءْ

والدافعَ الخفيّ

للهيامِ والتنهيد والغناءْ

لعلني أسري مع الوجود

وأصبحُ نبضاً من الخلود

أو واحداً مع الفضاء والبحارْ

أعصى على الإعصار

أريدُ أن أسامرَ الحياة

في الليل ِ والنهار

نضحكْ معاً .. ندمعْ معاً

ونضع الأفراحَ والأحزانَ

في الميزان

نحلل الواقعَ والخيال

ونعرفُ الإقدامَ في الأبطال

أريد أن تخبرني الحياة

عن بهجة الربيع

ولذة الحكايا في الشتاء

وعن حلاوةٍ

تستلها أصابعُ الصيفِ من التراب

تفعم بها التمورَ والأعناب

وعن خريفٍ ينزع الأوراق

فيتركُ شعوراً رومانسياً في الأعماق

أريدُ أن أستوعبَ

الحُبَّ الذي في مهجة الحياة

وأن أعيشَ يقظةً

أعمق من السُباتْ

-----------

نبض الإخاء وقبول الآخر

لم يخلق الله عبداً ولا سيداً

بل خلق كل الناس إخوة

ومن يخالف هذا الناموس الأزلي

سيدفع الثمن غالياً.

هكذا أوحى الله ونادى الأنبياء

فنقشت كلمات الحق بحروف من نور

على جدران الزمن

لكل من يحسن القراءة والفهم.

لقد آن الأوان كي تلين القلوب القاسية الجاسية

ويدرك خليفة الله على الأرض

أن من يخدم هو عظيم

ومن يحب هو المنتصر

حتى لو صُوبت نحوه قذائف الكراهية.

ألا فليطلق الإنسان تحدياً ذاتياً لقبول الآخر

وليضع حداً للخصام المتجذر في تربة الأحقاد

وليفتح قلبه للآخر ويمد يده إليه مصافحاً

لعل العداوة النكراء تتحول إلى محبة سمحاء.

ويا أيها الكادحون الطيبون

اقبلوا اليد الممدودة إليكم

انزعوا التباريح الممضة من نفوسكم

واستبدلوها ببعض عذوبة هي من حقكم

وليدرك الجميع أن العالم ليس آمناً لأي كان

ما لم يكن آمناً لكل إنسان.

الله لم يخلق أحداً سيداً

بل قضت إرادته بأن يعمل الفرد لخدمة الكل

والكل لخدمة الفرد

حتى نأتي بملكوت الله على هذه الأرض

ونتنعم ببركات المحبة والإخاء.

السلام لكم وعليكم أصدقائي

ذخائر شرقية – غربية

----------

هكذا خاطبَ الحياة:

سقياً لكِ أيتها الحياة

يا من تفتحين لنا الأبواب

بفضل الواحد الوهاب

لنغادر سجون الذات

المسيّجة بألف هَمٍ ووهم..

ونسير على دروب لا حصر لها

قاصدين منابع النور والإبداع والجمال.

أحسّ أيتها الحياة

بأنني حلقة في سلسلة الوجود

وأشعر بنهرك الجبار يجري في كياني

فلا بد لي أن أنجز شيئاً

يكون للغير ولنفسي فيه فوائد ونفع.

إنني جرعة من فيض خيراتك

المنسابة من خلالي

وعليّ أن أشرب حتى الإرتواء

كي تنتعش ملكاتي وتتجدد قواي

وإذ أشعر بالهمة والإلهام

فلا بد أن أفعل ما ترتضيه الإرادة العليا.

أما إن أحجمت عن الإقدام

فقد أخفق في تخطي الحواجز والسدود

وأبقى رهن القيود.

ساعديني بيدك القوية أيتها الحياة

على فتح الأبواب الداخلية الموصدة

كي أنطلق منها إلى آفاق الحرية

لأحوم كالطير في فضاء الفرح

أو أعوم جذلاً في بحرك المبارك

الذي لا ساحل له.

---------

في ضياء البركان اللاهب...

أي يد سخية تلك التي رشّت السماء

بنجوم لا حصر لها؟

ومن الذي أغدق على قوس قزح ألواناً زاهية..

ومسّ أجنحة سراج الليل بلمسة من نور؟

من الذي وضع حداً لسرعة الضوء..

ولمشي الحلزون الوئيد؟

ومن الذي أتى للوجود

بأبدية لا بداية لها ولا انتهاء

وأتاح للإنسان سبل العيش وأسباب الرخاء

على سطح هذه البسيطة؟

إنني لألمحه في التماع البرق

مثلما أعاينه في وميض نجم القطب.

وأسمع صوته في هزيم الرعد

وأبصر قوته في الدوامات الهادرة.

هو الذي استحدث واستحث

في عقولنا أسرار الأفكار

ومنح النسور قوة التحليق في الأجواء

وأعطى للبحر خاصية المد والجزر

ووجه انحدار السواقي في سفوح الجبال.

وهو الذي احتفر قاع المحيطات والبحار

وحدد مسارات الشهب ذات البريق

وأطلق المذنبات والنيازك في الفضاء السحيق

وهو الذي حدد مجال رؤية العين المجردة

وسخّر لنا استخدام الأذن البشرية.

في ضياء البركان اللاهب أرى نفس اليد

التي تشفي الجروح

وتجبر الكسور والخواطر

وفي وهج الشمس وسطوعها

يطالعني جبروته

مثلما أستبين تعبيراته الرقيقة

في أشعة القمر الفضية

وأسمع صوته البديع

في مناغاة الطفل الرضيع

حقاً أن كل ما في الطبيعة يعلن ثبوت

وجود الحي الذي لا يموت.

Inner Culture Magazine

-----------

قد تكون يا أخي ضحية لحرمان كبير

فلربما تعرضتَ لفقدان عزيز – جبر الله بخاطرك

أو خسرت تحويشة عمرك

التي جمعتها بتعب اليمين وعرق الجبين.

وقد تشعر أنه من المستحيل

استعادة ما طار من يدك

وتعويض خساراتك

وإذ تواجه الأمر الواقع الذي لا مفر منه

فقد تقرر الإستسلام

فتغفل الإهتمام بنفسك

أو الحافز لإدارة شؤون ببيتك

أو الرغبة في تربية وتوجيه صغارك.

هذا يمكن تفهمه

وقد تكون معذوراً فيما تحسه وتعانيه

لكن ترك الأمور

والإستسلام لليأس والقنوط

يضاعفا المصاعب ويفاقما المشاكل

وينطويان على مخاطر جمة لا حد لها.

إذ بمحرد التفكير بخسارة كل شيء

يُفقـَد بالفعل كل ما تبقى في الحياة.

فاستجمع – رعاك الله - ما بقي لك من أشتات متناثرة

احتفظ بها واحرص عليها

ومع الأيام ستجد عزاءك فيما تبقى لديك

والمجهود الذي تبذله سيأتي لنجدتك

في حين سينقلب الجهد الضائع عليك.

إن لم يبق في الحياة سوى غصن صغير

تشبث به بكل ما أوتيت من قوة

وإن وقفت وحيداً في الدفاع عن قضية خاسرة

فلا تسمح لتلك الوحدة بأن توهن عزيمتك

ولا تضف إسمك لقائمة المحبطين

فبعد الطوفان تمكن بعض الأفراد الناجين

من جعل الأرض آهلة بالسكان من جديد

استلهم القوة من التاريخ

والتجدد من الطبيعة

فمنهما ستدرك أن الفشل والنجاح

كلاهما قد يكون مفتاحه مسألة صغيرة جداً

ولذلك من الحكمة عدم إغفال التفاصيل

وعلاوة على ذلك..

يجب أن نتعلم يا أخي الإنتظار

والبدء من جديد

ومواصلة المشوار.

----------

هل تعلــــــــم؟

هل تعلم أنكَ كنتَ قوياً؟

وهل تعلم أنك كنتَ شجاعاً؟

ًوهل تعلم أن أحدهم

وضع ثقته بك وعوّل عليك؟

وهل تعلم أنني انتظرتُ

وأصغيتُ

وابتهلت كثيراً؟!

وهل تعلم أنني تشوقتُ

لرؤية الإبتسامة

مرتسمة على وجهكَ

ولسماع صوتك

الذي ترن فيه نغمة الصدق؟

وهل تعلم أن السعد وافاني

وأنني ازددت عزماً وإرادة

منذ تعرفت عليك

وسرت بجانبك

على دروب الحياة؟

Anonymous – East West - 1933

----------

راشفة الرحيق

كنت قد قرأت قصيدة بعنوان (الدبور) أو (الزرقطة)

حيث يروى الشاعر – الذي غاب اسمه عن بالي

مشهداً بدا طريفاً بالنسبة له، وها أنا أترجم

ما علق في ذهني من قصيدته.

-----------------

رأيتها مشطورة ً نصفينْ

ترتشفُ عصارة الإجاص

وليس من نفوقها مناص

بالرغم من حالتها الزرية

بدت بهمة عالية قوية ْ

فقلتُ: ما الفائدة يا زرقطة

من رشفةٍ أقل من نقطة؟!

لكنني أدركتُ في الحال ِ

اهتمامَ الطاعنين بالمال ِ

فالأرجلُ تدنو من القبر

والأيدي جَفّت، وضعها مُزر ِ

لكنها تبحث عن التبر ِ!

حتى ولو لم تستفد من الذهبْ

فالقلبُ مهووس به يا للعجب!

-----------

أفضل عشبة صغيرة!

في الفردوس الأعلى

انتصبت بعض الأعشاب

أمام عرش السماء

فسألها الرب:

"ما الذي فعلتِه؟"

فراحت جميعها

باستثناء عشبة صغيرة

تروي بحماس ولهفة

مآثر حياتها واستحقاقاتها.

أما العشبة الصغيرة

فقد توارت خلف باقي رفيقاتها

وقد غمرها شعور بالخجل.

وعندما سألها الرب:

"وأنتِ ماذا فعلتِ ؟"

أجابت العشبة النحيلة على استحياء:

"إن ذاكرتي يا مولاي مريرة وأليمة

فإن كنت قد قمت بأي أعمال طيبة

فلا علم لي بها."

فنهض الرب عن عرشه وقال:

"حقاً أنكِ لأفضل عشبة صغيرة!"

Stephen Crane

------------

جدول القلب

هل ينساب في قلبك الصغير جدول

حيث تنفح الزهور المتوردة عبيرها

وتهبط الطيور الخجولة لتستقي

وحيث ترتعش الظلال؟

لا أحد يعرف أن جدولاً موجود هناك

لأنه ينساب رقراقاً في سكينة تامة

ومع ذلك فإنك تنهل جرعة حياتك اليومية منه.

فاحرص على جدولك الصغير في آذار

عندما تفيض الأنهار

وتنحدر الثلوج بقوة من الهضاب

وغالباً ما تتهدم الجسور وتتهاوى.

و احرص عليه أيضاً في شهر آب

عندما تعطش المروج ويحيق بها الجفاف

واحذر كيلا يجف جدول الحياة الصغير هذا

في قيظ الظهيرة وهجيرها.

الشاعرة إيميلي ديكنسون

----------

مفعول النظرات

قالت: ما تقول في النظرات؟

أجاب: إنها أكثر دقة وتعبيراً من الكلام.

قالت: وكيف ذلك؟

أجاب: إن لها لغة يفهمها الجميع وتزيدها إيضاحاً النغمة

التي تنطق بها تلك اللغة.

قالت: وما هو مفعولها؟

أجاب: يخبرنا شكسبير أن لها القدرة على القضاء على الحب وعلى إنعاشه أيضاً، فهي كالعبسة المسممة أو البسمة المبلسمة.

قالت: وبماذا توحي؟

أجاب: ببلاغة غامضة.. لا صوت لها لكنها مرئية، وتنقل ما لا يمكن الإعراب عنه بوسيلة أخرى.

قالت: ولماذا لا تبعث بعض النظرات على الإرتياح؟

أجاب: ربما لأنها تنطوي على عنف وضرارة فتتحول إلى ما يشبه الإبر الواخزة والشفرات القاطعة أو الصقيع القارس الذي ينبئ عن قلب يعاني من القحط والجفاف.

قالت: وهل من تشبيه للنظرات الأنيسة؟

أجاب: وليمة شهية فيها من كل ما لذ وطاب فضلاً عن الترحاب.

قالت: وماذا لو كان القلب مثقلاً بالهموم والأحزان وانعكس ذلك في العينين؟

أجاب: للضرورة أحكام ورؤية الهموم والأحزان في الوجه لأفضل من التمويه والظهور بمظهر غير طبيعي.

-----------

لو كان للطاقة لسان!

لو كان للطاقةْ لسانْ

وسُئلتْ حُسن البيان

فلربما قالت لها نهجُ حيادْ

مثل المداد

يصوّرُ ما يرتسمْ في الخاطر ِ

إن كان سلباً أو إيجابْ

أو كالهواءِ يحملُ الدِفرَ

كما عبقَ الطيوبْ

أو كالهواتفِ تنقلُ خيرَ الكلام

أو الشتائمَ والنميمة َ والخصامْ

فهي أداةٌ للنوايا ليسَ أكثر

والطاقةُ لا تختلف عن الهواتفِ والهواء

وعن المدادِ .. إذ هي معها سواءْ

قد تهبط ُ أو تصعدُ حسب المرامْ

فهبوطها قد يوصلُ للدركاتْ

وصعودها فيه انبثاقُ المدركاتْ

وهي إذا انحدرتْ يرافقها الوعي

فيرى الضياءَ مكفهراً عابسا

ويحسّ أن الدنيا كلها معاكسة

يمشي ولكن دون سمتٍ أو دليل

ويظل يعشو في متاهاتٍ سحيقة

يتعثرُ في الدربِ أو يهوي

إلى حفرٍ عميقة ْ

لا يدركُ أن الصعودَ مستطاعْ

وأن في يده الأداة

فإذا أرادَ ما عليهِ

إلاّ ابتعاث الطاقةِ

من أسفلٍ نحو العلاء

بالفكرِ بالتصميم بالإرادةِ بالمضاء

يستنهضُ ملكاتهِ

كي ترتقي بنشاطهِ

متجاوزاً تلك الوهاد

متوجهاً نحو الذرى..

فإذا استقرَ في التاج ِ

رأى ما لا يُرى

واستروحَ عبق النعيمْ

وتحسسَ لمساً لطيفاً هانئاً

مبعثهُ ربُ الورى

-----------

كلمة حق: بين فيلسوف ورئيس حكومة

المؤرخ والفيلسوف البريطاني برتراند راسل، كثيراً ما كان يقف مدافعاً عن حقوق العمال وأفراد الطبقة الكادحة في بريطانيا في بداية الحركة العمالية، عندما لم تكن هناك قوانين تحميهم من سيطرة أصحاب العمل واستغلالهم، وخاصة عندما كان يرى المئات منهم يدفنون أحياء في مناجم الفحم دون أن تفكر حكومات المحافظين المتعاقبة في تعويض أسرهم التعويض المناسب عن فقدان عائلهم.

وكان موقف راسل يثير ثائرة زعماء حزب المحافظين الذين كانوا يرقبون نمو الحركة العمالية قبل الحرب العالمية الأولى بقلق زائد.. إلى أن جاءه يوماً رسول يحمل إليه رسالة من رئيس الحكومة يرجوه فيها الحضور للقائه في مكتبه.

وذهب برتراند راسل إلى مكتب رئيس الوزراء وكان شاباً وقتها في الثلاثين من عمره، فدعاه رئيس حكومة المحافظين في ذلك الوقت إلى الجلوس، فرفض. وقال: "إن رأسي يتوقف عن التفكير يا سيدي عندما أجلس على هذه المقاعد الوثيرة التي يمتلئ بها مكتبك، ثم أني أشم في الهواء رائحة مشكلة تريد أن تحدثني في أمرها! لذا أفضل أن أبقى واقفاً لكي أستطيع أن أفكر وأن أرد على أسئلتك!"

قال رئيس الوزراء: "أريد أن أعرف سر حماسك في الدفاع عن العمال والمطالبة بحل مشاكلهم. ترى هل هي ميولك السياسية وحدها أم أن هناك عوامل أخرى تدفعك إلى ذلك؟"

فأجاب راسل في هدوء: "إنني لا أنتمي لحزب معين يا سيدي، وإنما أنتمي إلى الإنسانية جمعاء. ثم أنني أفاضل دائماً بين الأعمال التي يؤديها الإنسان لخدمة البشرية ونفعها.. قل لي أنت، ماذا يحدث لو تغيبت يوماً أو حتى أسبوعاً عن مكتبك؟"

فقال رئيس الحكومة: "سينوب أحد الوزراء الكبار عني في تصريف شؤون الدولة!"

وعاد راسل يسأل: "وماذا يحدث لو أضرب عمال المناجم عن العمل؟"

ولم ينتظر راسل جواباً من رئيس الحكومة، فقد أجاب هو على السؤال الذي طرحه، قائلاً على الفور: "سيموت الألوف من أبناء هذا البلد تحت وطأة البرد الشديد، عندما تخبو النيران في مدافئهم، وربما كنت أنت نفسك أحد ضحايا الأنفلونزا التي ستجتاح بريطانيا بسبب اختفاء الفحم من الأسواق!"

فقام رئيس الحكومة من مقعده ومد يده مصافحاً راسل ومودعاً.. وقال وهو يشد على يده: "أرجو أن تتولى أنت بنفسك كتابة تقرير يحوي كل ما تراه مناسباً من إجراءات لتوفير حياة كريمة لهؤلاء العمال وأسرهم!"

ولم يكن رئيس الوزراء هذا سوى هربرت هنري أسكويث (1852-1928) زعيم حزب الأحرار الذي تحالف مع حزب المحافظين لفترة، ولكنه ما لبث أن تمرد على هذا التحالف بعد أن وضعت الحرب الأولى أوزارها وترك الوزارة مكرساً ما تبقى له من حياة لخدمة قضايا العمال في بريطانيا.

مجلة العربي

-----------

لينكون: الرئيس الإنسان

إبان الحرب الأهلية الأمريكية (1861-1865) كان الرئيس أبراهام لينكولن يتابع الأحداث لحظة بلحظة ويجتمع مع القادة الميدانيين ويذهب إلى جبهات القتال للإطلاع على سير العمليات، ويزور المستشفيات لمعاينة المصابين ومواساتهم والتحدث إليهم.

ذات مرة، وبينما كان يتفقد الجنود المصابين في إحدى المستشفيات الميدانية استرعى انتباهه أحد الشبان الجنود وقد شارفت جذوة حياته على الإنطفاء، فتوجه إليه الرئيس وجلس عند سريره واستعلم منه قائلاً:

"هل بإمكاني تقديم أية خدمة لك؟"

فأجاب الشاب بصوت خفيض:

"أن تكتب رسالة لأمي نيابة عني."

كتب الرئيس الرسالة ووقعها باسمه الكامل، وقرأها على الجندي. وعندما قرأ عبارة: "كتب هذه الرسالة أبراهام لينكولن" نظر إليه الشاب منذهلاً ولم يكن يعرف أنه الرئيس، وسأله بلهفة:

"بالله عليك هل أنت بالفعل رئيسنا؟"

أجابه لينكولن: "نعم أنا هو. والآن وقد عرفت من أنا فهل يمكنني أن أقدّم لك شيئاً آخر؟"

فأجاب الشاب: "أن تمسك يدي حتى أفارق الحياة."

فما كان من الرئيس حتى أمسك بيد الجندي المرتعشة بكل رقة وحنان وظل ممسكاً بها والدمع – دمع الرئيس - ينهمر من عينيه بغزارة لشدة تأثره إلى أن فارقت روح الجندي جسده .

---------

حديث النفس للقلب والفكر

أيها القلب المُعنـّى

قد تجولتَ كثيراً

في البراري القاحلات

وقد آن الآوان

لعودة ْ للوادي الخصيب

وغبطة الفجر الرطيب

حيث الأماني المشرقات

تسربلُ ذاتاً لها

بأبهى وأزهى الحلل

وحيث أوتار الشغاف

تروي لكَ دونَ عناء

أحلى حكايا الماوراء..

وقصة العمق السحيق

يفيضُ دونما انقطاع

بكل ما يصبو له ظمأ الهيام

فأحسِن يا قلب السماع

وأعِدْ توجيهَ الشراع

وعُدْ لتغمر ذاتكَ

بصفو ماء الإنتشاء

فتبترد حقاً وينحلّ الغبار

ويذوبُ الهمُ والوهمُ وينزاح الجدار.

وأنت أيها الوثابُ

من فكرةٍ لفكرةٍ .. حان الزمان

لأن تودّع العَشم

بوعودٍ من بروقٍ خلبية

ورعودٍ ما بها غير الفراغ

فالشوق لا يطفِئهُ ذاكَ البريق

كالقشة لا تنجي الغريق

كفاكَ بحثاً عن سكينة في الهدير

وعن نسيم باردٍ وسط الهجير

وعن جمالٍ دائم الإزهار

في عالم الجفاف والبوار

وعن حنوّ لا يدانيه انتهاء

في دنيا تخضع للفناء

وعن طمأنينة تجدد ذاتها

وسط الضجيج

بل اسعَ للفوز بما تهوى

ولا ترضَ بديلا

فالنفسُ فيها مأربك

وفيها غاية مطمحك

ومنتهى الوسيلة.

----------

الهمسة البعيدة

سمعتها ولمست فيها

أحمالاً من السلام

نقلـَتها قافلة الشوق

على دروب القلوب..

وتأملتها تزخر بأطياف عابقة

تبزغ تباعاً

من فضاءات الذكرى

ومحاريب السكون.

وبين الإنعطافات الدقيقة العميقة

استشفيت قطرة حنين

تمتزج بلهفة أمل

مترجمة ذاتها إلى:

ذكراكم ملء الوجدان!

وتتبعتُ مسار نغماتها

المنتثرة في براقع الغسق

أو المترنحة نشوة

عند شواطئ الصمت العميق

وفي العين منها بريق..

كأملود غضٍ ودّع بساتين الفردوس

متهادياً.. منشداً ..

ميمماً دنيا الوجود

وفي قلبه رسالة

حروفها من نور

ومعانيها تضمها السطور.

----------



حوارية المبادئ

قال: ماذا تقول في المبادئ؟

أجاب: إنها محرك أفعالنا وعليها تتوقف سعادتنا أو شقاؤنا. ولا بد للراغب في السعادة أن يولي المبادئ السليمة اهتمامه ويبقيها دوماً أمامه.

قال: وما علاقة المبادئ بالأخلاق؟

أجاب: الأخلاق تقوم على المبادئ السليمة

وعلى نزاهة القصد

واستقلالية الرأي

وإكرام الفضيلة

فالإرتباط عضوي وحيوي بينهما.

قال: وهل من تشبيه للمبادئ؟

أجاب: إنها كالدم بالنسبة للجسم، وتـَسمُمها لا يقل خطراً عن تسمم الدم.

قال: وهل من تعريف لها؟

أجاب: إنها رغبة عظيمة للحق والعدل وكل ما هو رائع في الحياة.

قال: إذاً من الأهمية بمكان أن يكون المرء على معرفة بالمبادئ.

أجاب: المعرفة شيء والتطبيق شيء آخر ولا يستوي الإثنان.

قال: وهل تستوي المصلحة والمبادئ؟

أجاب: المصلحة إلى أجل مسمى والمبادئ إلى ما لا انتهاء.

قال وهل تنمو المبادئ؟

أجاب: تنمو في الصدور وتنضج مع الأيام وتثمر بحسب طبيعتها.. إما فواكه النعيم أو جمرات الجحيم.

قال: وما هي أنسب الطرق لرعاية المبادئ؟

أجاب: كثيرون لا يسمحون للمبادئ النبيلة بالتجذر في نفوسهم، فيقتلعونها بين الحين والآخر ليروا ما إذا كانت جذورها آخذة في الامتداد في تربة النفس فلا تُعطى الفرصة اللازمة للنمو والإزدهار.

قال: وهل من صلة بين المبادئ والقواعد؟

أجاب: القواعد تخضع للتغيير والتبديل ويمكن تعديلها أو الإستغناء عنها، أما المبادئ فهي متحررة من هذه الإعتبارات، وإلا تعرضت للضياع وفقدانها خسارة لا تعوض.

---------

أهواكِ...

إلى ذات الألق

----------------

أهواكِ ضوءاً في المُقلْ

ومنتهى شوق العقلْ

وفكرة ً لم ترتسمْ

بخاطرٍ منذ الأزلْ

***

أهواكِ لمسةْ شافيةْ

وإبتسامةْ صافية

وحالة ً لا تنتهي

من السعادة .. ضافية ْ

***

أهواكِ نغمةْ حالمةْ

وفي سمائي حائمة ْ

وخفقة ً في خافقي

وراحَ روحٍ دائمة ْ

* * *

أهواكِ عهداً خالدا

وللرقي رائدة ْ

ونظرةً كبارقة ْ

توحي مودّة ْ زائدة ْ

* * *

أهواكِ ومضة ْ في الظلامْ

حكاية ً دونَ كلامْ

وطولَ عمرٍ للوفاءْ

ورمزَ حبٍ وسلامْ

---------

ولنا على السعادة تعريجة

قال: على ماذا تقوم السعادة؟

أجاب: على الفضيلة.

قال: وما هو أساسها؟

أجاب: أساسها الحق وتأكيد المرء لذاته بأن السعادة من حقه.

قال: وممَ تتكون؟

أجاب: من الرضاء بما لدينا وعدم التأسف على ما ليس في أيدينا؛ فالسعادة لا تعتمد على مقدار ما نملك بل بمدى تمتعنا بما نملكه.

قال: وما دور الأحداث في سعادتنا؟

أجاب: سعادة الإنسان وتعاسته تتوقفان على كيفية مواجهة أحداث الحياة وليس على طبيعة تلك الأحداث نفسها.

قال: وما هو السبيل للحصول على السعادة؟

أجاب: من يطلب السعادة طمعاً بها فلن يعثر عليها، أما من يقوم بتأدية واجباته فستتبعه السعادة كما يتبع الظل صاحبه في يوم مشمس.

قال: وهل من تشبيه للسعادة؟

أجاب: إنها كخيوط النور التي لا لون لها ما دامت متصلة وغير متكسرة.

قال: وما هي شروطها؟

أجاب: العمل والتمتع والراحة، ولا بد من مزج هذه العناصر الثلاثة بمقادير مناسبة وفقاً للمزاج، لكن فقدان أحد العناصر يفسد ولو قليلاً العنصرين الباقيين، إذ يتعين الاستمتاع بالخلطة كاملة.

قال: وهل السعادة كما يقال هي غاية الحياة؟

أجاب: هذا صحيح ما دامت لا تنفصل عن الأخلاق وعن المحبة والخدمة. أما الذين يبحثون عنها دون مراعاة شروط الوصول إليها فستكون التعاسة بانتظارهم وستحجب عنهم غيومُ سوء الطالع شمسَ السعادة.

قال: وهل من الخطأ أن يطلب الإنسان السعادة لنفسه فقط؟

أجاب: إن فعل فالذي سيحصل عليه هو سعادة ممذوقة أي مغشوشة، لأن لا سعادة حقيقية تأتي لمن لا يهتم إلا بنفسه ومتعه الضيقة. أما السعادة النقية فهي وثيقة الصلة بالأفكار الواسعة والمشاعر العميقة والحس الإنساني والتعاطف الوجداني مع الآخرين.

قال: وهل من مقارنة بين السعادة والحكمة؟

أجاب: من يعتقد أنه أسعد السعداء فهو كذلك، أما من يظن أنه أحكم الحكماء فهو أحمق الحمقى.

--------

ملحمة ويتمن: سلاماً أيها العالم

Salut au Monde

by Walt Whitman

(1892-1819)

ترجمة: محمود عباس مسعود

ظهرت هذه المطولة في ديوان والت ويتمن (أوراق العشب ) سنة 1856 ولا زالت تحتل شهرة واسعة نظراً لمكانة صاحبها المرموقة، ليس في عالم الشعر والأدب وحسب، بل كأحد أبرز المؤمنين والمنادين بالمبادئ الإنسانية وأخوة البشر.

أعتقد أن القصيدة تترجم للمرة الأولى إلى العربية، وسأترك تقييم هذا الشاعر الإستثنائي وقصيدته ذات الطابع العالمي للقارئ الكريم. مع رجاء الأخذ بعين الإعتبار أن القصيدة نظمت في منتصف القرن التاسع عشر وقد تنطوي على بعض دلالات ومفاهيم غير مألوفة. وقد سمحت لنفسي ببعض التصرف ضمن حدود المعقول.

وكما ذكرت في إحدى مداخلاتي.. ما ميّز الشاعر ويتمن هو نزعته الإنسانية اللامتناهية وتماهيه مع المواطن الكادح البسيط، فالمأثور عنه أنه تنقل في كافة أرجاء القارة الأمريكية مشيداً بالعامل والمزارع والبائع والصانع المدرس والأمهات والعاملات في الحقول وكل من يقدم خدمة نافعة لبلاده، ينظم لهم وعليهم أشعاراً تستقطب المشاعر قبل الأفكار، وكان حيثما حل يشعر الناس ببهجة غامرة لأنهم اعتبروه واحداً منه، فكانوا يحسّون بطاقة إيجابية غير محدودة تنبعث من شخصه وكلماته، إذ مجرد بضعة أبيات من قصيدة أو عبارات تشجيع نابعة من القلب كانت تبدد القنوط من النفوس فيشعر الناس أنهم شُحنوا بتيارات غير معهودة من النشاط والهمة والفرح..

والآن تفضلوا إلى قراءة ترجمة القصيدة.

-------------------

خذ بيدي يا والت ويتمن!

يا للعجائب المدهشة! ويا لروعة المَرائي والأصوات!

يا لها من حلقات لا انتهاء لها

كل حلقة متصلة بالحلقة التي تليها، تتمم الكل

وتشارك الأرض مع الجميع.

ما الذي يتمدد ويتسع في داخلك يا والت ويتمن؟

وأي موج يتدفق وتربة تمور في كيانك؟

أية مناخات؟ وأي أشخاص ومدن في ذاتك؟

من هم أولئك الأطفال الذين بعضهم يلعب وبعضهم يغفو؟

ومن هي تلك الفتيات؟ وهاته السيدات المتزوجات؟

ومن تكون تلك اللمات من الشيوخ

السائرين وأذرعم تطوق أعناق بعضهم بعضا؟

وما هي هذه الأنهار؟ وهذه الغابات وهذه الأثمار؟

وما اسم تلك الجبال الشاخصة وسط الضباب؟

وأية مساكن تلك المليئة بالقاطنين؟

في داخلي يتسع خط العرض ويتمدد خط الطول

فآسيا وأفريقيا وأوروبا في الشرق، وأمريكا في الغرب

وخط الإستواء الحار يحزم جسم الكرة الأرضية

ومحوراها يدور طرفاهما شمالاً وجنوباً على نحو يثير الفضول.

في داخلي أطول الأيام، والشمس تدور عجلاتها بحلقات مائلة

حيث لا تغيب لشهور

وللزمن امتداد متطاول في داخلي

حيث تشرق شمس منتصف الليل فوق الأفق وتعاود الإحتجاب

وفي داخلي مناطق ونطاقات وبحار وشلالات وغابات وبراكين ومجموعات.. ماليزيا وبولينيزيا وجزر الهند الغربية العظمى.

ما الذي تسمعه يا والت ويتمن؟

أسمع عاملاً يغني وزوجة فلاح تنشد

ومن مسافات بعيدة أسمع أصوات الأطفال والحيوانات في الصباح الباكر .. وأسمع صيحات الأستراليين الحماسية وهم يطاردون الجياد البرية

وأسمع الإسبان ينقرون الدفوف تحت ظلال أشجار الكستناء

ويرقصون على أنغام الربابة والقيثارة

ويطرق مسمعي همس متواصل من نهر التايمز

وأسمع أناشيد الحرية الصاخبة قادمة من فرنسا

و في أصوات مجاديف القوارب الإيطالية

أسمع قصائد قديمة بإيقاع موسيقي

وأسمع صرير الجراد يغزو بلاد الشام فيمحق الحبوب والأعشاب

بأسراب تشبه طبقات الغيوم المريعة

وأسمع تراتيل الأقباط عند الغروب

حزينة تهوي على صدر النيل الجليل

كما لو على صدر أم متشحة بالسواد

وأسمع شقشقة المكسيسكي سائق الكديش

مع الأجراس المعلقة في رقبته.

وأسمع المؤذن العربي ينادي للصلاة من أعلى الجامع

وأسمع الكهنة المسيحيين عند مذابح كنائسهم

وأسمع أدنى وأعلى طبقات الصوت.

وأسمع صرخات القوزاق وصوت البحّار في أوكتوسك

قبل الإنطلاق على صفحة البحر

وأسمع صرير أصفاد العبيد

وهم يسيرون بأجسامهم الضخمة، مقيدين كل اثنين وثلاثة معاً

بأغلال في معاصمهم وسلاسل في كواحلهم

أسمع العبريين يقرؤون الكتب والمزامير

وأسمع أساطير اليونان الإيقاعية

وخرافات الرومان المتينة الحبكة

وأسمع حكاية الحياة المقدسة

وموت المسيح الجميل ملطخاً بالدماء

وأسمع الهندي يعلم تلامذته المحبة ويقص عليهم حكايات الحروب ويلقنهم الأقوال المأثورة التي تناقلتها وما زالت تتناقلها الأجيال حتى يوم الناس هذا.. عن شعراء دونوها قبل ثلاثة آلاف من الأعوام.

ما الذي تراه يا والت ويتمن؟

ومن الذين تحييهم و يحيونك الواحد تلو الآخر؟

أرى أعجوبة كبرى على شكل دائرة تنهب الفضاء

أرى مَزارع صغيرة ودساكر وأطلالاً ومقابر وسجوناً ومصانع

وأرى قصوراً وأكواخ برابرة وخيام بدو على السطح

وأرى جانباً ظليلاً حيث ينام النائمون

وأرى الجانب الآخر المشمس

وأرى التغير السريع الغريب للنور والظل

أرى بلداناً بعيدة وأرى سكانها قريبين وحقيقيين بالنسبة لي

كما لو كانوا مواطني بلدي.

أرى مياهاً غزيرة

وأرى سلسلة جبال الأنديز

وأرى الهملايا بوضوح، وقمم شيان شاه وكيانات الطاي (الروسية) ومناطق الغات (في سنغفورة)

وأرى ذرى البرز والززبك والبازاردجوسي

وأرى سلسلة الألب الستيريانية (في النمسا) وسلسلة الكرنك

وأرى جبال البرنس والبلقان وكارباثيا

وإلى الشمال أرى دوفرافيلدس وجبل هِكلا عند البحر.

أرى بركان فيزوف وإيتنا وجبال القمر والجبال الحمراء في مدغشقر.

أرى الصحاري الليبية والعربية والآسيوية

وجبال رهيبة من الجليد القطبي وقارة أنتارتيكا

أرى المحيطين العظيمين.. الأطلسي والهادي

وبحر المكسيك والبحر البرازيلي وبحر البيرو

وأرى مياه هندوستان وبحر الصين وخليج غينيا

وأرى بحر اليابان وخليج ناغازاكي الجميل المسوّر بالجبال

وأرى امتداد بحر البلطيق وبحر قزوين والشواطئ البريطانية

وخليج بيسكيه.

وأرى البحر المتوسط المشمس

وأرى جزره الواحدة تلو الأخرى

أرى البحر الأبيض والبحر الذي يطوق غرينلاند.

أرى بحّارة العالم

بعضهم وسط العواصف، وبعضهم في الليل يراقب ويترقب

بعضهم تتقاذفه الرياح ولا حول لهم، والبعض أصابته أمراض معدية.

أرى صواري سفن العالم، بعضها تزخر بها الموانئ

وبعضها يمخر عباب اليم

بعضها يَعبر رأس الأعاصير (جنوب أفريقيا)

وبعضها يَعبر رأس فيردي (غرب أفريقيا)

وأيضاً رأس غواردافوي وبون وبهادوري

وكذلك رأس دوندرا ومضايق سوندا ورأس لوباتكا ومضايق بهرنغ

وغيرها يعبر رأس هورن وخليج المكسيك بمحاذاة كوبا أو هاييتي

وغيرها يمخر خليج هدسن أو خليج بافين.

وغيرها يعبر مضايق دوفر والبعض يدخل الواش والبعض الآخر لسان سولوي البحري

وغيرها يمر حول رأس كلير والبعض حول رأس لاندز إند

والبعض يقطع مضائق زيدر زي أو مضائق شيلد

والبعض يسافر ويعود عبر مضيق جبل طارق أو الدردنيل

والبعض يندفع بصرامة عبر تخوم الشمال

والبعض يصعد ويهبط نهر الأوبي أو نهر لينا

والبعض يقطع نهر الكونغو ونهر السند وبورام بوتر وكمبوديا

والبعض ينتظر دوره لينطلق باتجاه أستراليا.

ينتظر في ليفربول وغلاسكو ودبلن ومرسيليا ولشبونة ونابولي

وهامبرغ وبرمن وبوردو ولاهاي وكوبنهاغن

وفالباريسو وريو (دي)جانيرو وبنما.

أرى السكك الحديد على الأرض

في بريطانيا العظمى وأوروبا وآسيا وأفريقيا

أرى محطات التلغراف الكهربائية في العالم

أرى نهر الأمازون والبارغواي

وأنهار الصين الأربعة: الآمور والنهر الأصفر

ونهر يانغ تسي ونهر اللؤلؤ (بيرل).

أرى في أي اتجاه يجري نهر السين وأين ينساب نهر الدانوب

ونهر اللوار والرون وغوادالاكويفر

أرى تعرجات نهر الفولغا والدنيبر والأودر

وأرى نهر توسكان ينساب نحو أورنو ونهر فينيشيان بمحاذاة نهر بو

وأرى بحارة اليونان يبحرون من خليج إيجينا.

أرى إمبراطورية آشور القديمة وإمبراطورية فارس وكذلك الهند

أرى انسكاب نهر الغانج فوق حافة سوكارا العالية

وأرى مكان وفكرة الآلهة المتجسدة (أفاتارز) في أشكال بشرية.

وأرى أماكن تواتر الكهنة على هذه الأرض

أرى النبوءات ومقدمي الأضاحي وأرى البراهمة والصابئة واللامات

والمفتين والوعاظ والناصحين

وأرى الدرويدز يتمشون في بساتين مونا

وأرى دبق النبات الطفيلي ونبات رعي الحمام

وأرى المعابد المكرسة .. للآلهة

وأرى الدلالات القديمة.

أرى المسيح يتناول عشاءه الأخير بين شبان وشيوخ

وأرى أين عمل الشاب القوي ... هرقل

بجهد وأمانة وإخلاص لمدة طويلة قبل أن يلفظ أنحابه الأخيرة

وأرى أين عاش باخوس الممتلئ الجسم ومارس حياة البذخ ..

قبل أن يواجه قدره المشؤوم

وأرى إلهة الريح متوردة، ترتدي ثياباً زرقاء، تقول للشعب لا تنوحوا عليّ .. فهذه ليست بلادي الحقيقية، إذ عشت منفية من بلدي الأصلي

والآن اشتاقت الديار لأهلها، وها أنا عائدة إلى موطني

أعود للفلك السماوي حيث يؤوب كل واحد بدوره.

أرى ميادين القتال على هذه الأرض وقد غطتها الأعشاب

والأزهار ونبات الذرة

وأرى البعثات العالمية القديمة والحديثة

أرى بنّائين لا أسماء لهم، ورسائل معتبرة عن أحداث

وأبطال ومخطوطات ومحفوظات فيها سجلات الأرض.

أرى أماكن الملاحم

أرى أشجار السرو والتنوب تحطمها رياح الشمال العاتية

وأرى صخوراً من الصوان وجروف، وأرى مروجاً وبحيرات

وأرى مقابر المحاربين الإسكندنافيين.

أبصرها بحجارتها المرتفعة عالياً على حافة المحيطات الصاخبة

وأرى كيف أن أرواح الأموات وقد أنهكتها سكينة القبر

قد تـُبعث من التلال وتنظر إلى الأمواج الهادرة

فتنتعش بالعواصف والإتساع اللامحدود والحرية والعمل.

أرى سهوب آسيا

ومدافن المغول

وخيام قبائل كلموك وبسكير

وأرى القبائل الرحل مع قطعان الثيران والأبقار

والأصقاع وقد تركت الوديان والوهاد فيها أخاديد

أرى الأدغال والصحاري

وأرى الجمل والحصان البري والحباري

والخراف ذات الذيول الضخمة السمينة

وأرى الإيل وذئب الأرض العسبار يقطن الجحور

أرى مرتفعات الحبشة

وقطعاناً من الماعز ترتع فيها وترعى

أرى شجرة التين والتمر هندي والبلح

وأرى حقولاً من الحنطة الذهبية

ومساحات يكسوها الإخضرار والنضار

أرى رعاة الأبقار البرازيليين

وأرى البوليفي يتسلق جبل سوراتا

وأرى الملك واكو يعبر السهول

مثلما أرى فارس الخيل الذي لا نظير له

وعلى ذراعه حبل طويل يمسك به الخيول والأبقار

وأرى فوق سهل بامباس (في أمريكا الجنوبية)

صائدي القطعان البرية طمعاً بجلودها.

أرى مناطق الثلج والجليد

وأرى كلاب السامويد والفِن ذات البصر الحاد

وأرى صياد الفقمة يسدد حربته

وأرى السيبيري على زحافته تجرها الكلاب

مثلما أرى صيادي الدلفين

وأرى صيادي الحيتان في جنوب المحيط الهادي وشمال الأطلنطي

وأرى جروف سويسرا وأنهارها الجليدية وسيولها الجارفة ووديانها

وأميّز الشتاء والعزلة الطويلين.

أرى مدن العالم وأجعل نفسي على نحو عشوائي جزءاً منها

فأنا باريسي أصيل

وأنا أحد سكان فيينا وسانت بطرسبرغ وبرلين والقسطنطينية

أنا من آديليد وسيدني وملبورن

وأنا من لندن ومانشستر وبريستول وأدنبره وليمريك

أنا من مدريد وكاديز وبرشلونة وأوبورتو وليون وبروكسل وبرن

وفرانكفورت وشتوتغارت وتورين وفلورنسة

أنا أحد أبناء موسكو وكراكاو ووارسو أو من الشمال في كريستيانيا

أو من ستوكهولم أو أركوتسك السيبيري أو من أحد شوارع أيسلندة

إنني أهبط في كل تلك المدن ومنها أرتفع ثانية.

أرى أبخرة تتصاعد من بلدان غير مكتشفة بعد

أرى بدائيين بالقوس والنشاب

وشريحة التجبير الخشبية المسمومة

وأرى الأصنام والوشاح الياباني

أرى مدناً أفريقية وآسيوية

أرى الجزائر وطرابلس ودرنة وماغادور وتمبكتو ومنروفيا

وأرى حشود بكين وكانتون وبنارس ودلهي وكلكتا وطوكيو

وأرى الكرومان في كوخه والداهومي والأشانتي في تخشيبتهما

أرى التركي يدخن الأفيون في حلب

وأرى الجموع النابضة بالحياة في معارض كيفا وهيرات

أرى طهران ومسقط والمدينة والرمال التي تفصلها

وأرى القوافل تسير بجهد إلى الأمام

أرى مِصراً والمصريين

وأرى الأهرام والمسلات

وأنظر إلى التواريخ المنحوتة وسجلات الملوك الفاتحين

والسلالات الحاكمة، محفورة في الصخور الرملية

أو على حجارة الصوان الضخمة

أرى مومياء ممفيس محنطة في الحفر

وملفوفة بالكتان، تهجع هناك منذ قرون

وأنظر إلى طيبة المتهدمة، ذات العينين الجاحظتين

والخد المتهدل، واليدين المضمومتين فوق الصدر.

أرى المستعبَدين في العالم يكدحون

وأرى السجناء في سجونهم

والأجسام المشوهة لسكان الأرض

أرى المكفوفين والصم والبكم

وأرى المعتوهين ومحدودبي الظهور ومن بهم خبل...

وأرى الرضع والعجزة من النساء والرجال المغلوبين على أمرهم

أرى ذكوراً وإناثاً في كل مكان

أرى فلاسفة ينادون بأخوة البشر

وأرى الجوانب البنّاءة...

وألمس نتائج المثابرة والجد.

أرى طبقاتٍ وألواناً .. وحضارات

أسير وسطها وأختلط بها دون تحيز أو تمييز

وأحيي كل سكان الأرض.

أنتم.. أينما كنتم يا أبناء أو بنات بريطانيا!

ويا عشائر وامبراطوريات السلوفاك الجبارة!

وأنتم أيها الروس في روسيا!

وأنتم أيها الأفارقة النبلاء، ذوي التقاطيع البديعة المتناسقة

إنكم لتقفون على قدم المساواة معي.

وأنتم أيها النرويجيون والسويديون والدانمركيون والإيسلنديون والبروسيون .. ويا أهل إسبانيا، ويا أيها البرتغاليون

ويا نساء ورجال فرنسا

ويا أيها البلجيكيون، ويا أهل هولندا المتعشقين للحرية (فأنا من بلدكم انحدرت)

ويا أهل النمسا الأشداء! ويا مزارعي لومبارد والهون وبوهيميا وستيريا!

يا جيران الدانوب والراين والألبي والوسر! ويا أيتها النساء العاملات أيضاً!

يا أهل سردينيا ويا أيها البفاريون والسوابيان والسكسون والولشيان والبلغار

ويا أيها الرومان والأفلاطونيون الجدد وأهل اليونان!

يا مصارعي الثيران في حلبات إشبيلية

ويا أيها الجبليون المتمردون.. في طوروس والقوقاز

ويا أبناء عشائر البوخ يا رعاة الخيول

يا من ترقبون أحصنتكم وأفراسكم ترعى الحشائش

ويا أيها العجم ذوي الأجسام الجميلة

يا من تجيدون الإنطلاق بسرعة قصوى على سروج الخيل

وترمون السهام فتصيبون الهدف!

أيها الصينيون والصينيات

وأنتم يا سكان (القرم)

ويا نساء العالم المضطهدات في أعمالكن!

يا أيها اليهودي المتجشم المخاطر عند الكبر لتقف مرة واحدة في "أرض الميعاد"

أنت وغيرك من الضاربين في أصقاع الأرض بانتظار مسيحكم

ويا أيها الأرمن ذوو الفطنة

يا من تتأملون على أحد روافد الفرات

إنكم تنعمون النظر في خرائب نينوى

وتصعدون جبل أرارات!

وأنتم أيها الحجاج المتعبة أقدامكم

إنكم لتتشوقون لمرأى مآذن مكة المتألقة عن بعد!

وأنتم أيها الشيوخ على طول السويس وباب المندب

تسوسون عائلاتكم وعشائركم

ويا زارعي الزيتون، يا من تعتنون بثمار حقولكم

في الناصرة ودمشق وبحيرة طبريا

يا تجار التبت فوق الأرض المديدة

يا من تساومون في متاجركم في لاسا

ويا أيها اليابانيون من رجال ونساء!

ويا من تقطنون في مدغشقر وسيلان وسومطرة وبورنيو

ويا قارات آسيا وأفريقيا وأوروبا وأستراليا..

ويا من تعيشون في جزر تفوق الحصر في أرخبيلات البحر!

وأنتم يا من تصغون لكلماتي بعد قرون من الآن!

وكل واحد منكم لم أذكره تحديداً لكنني أشمله بنفس المقدار

تمنياتي لكم بالصحة وإرادتي الطيبة أبعثها مني لكم ومن أمريكا!

كل واحد منا متعذر اجتنابه

وكل واحد منا غير محدود – ولكل واحد منا الحق على هذه الأرض

وكل واحد منا له نصيب في مضامين (خيرات) الأرض الأبدية

وكل واحد منا ذو كيان روحي كأي فرد آخر.

أيا شعب هوتنتوت..

يا أيتها الجموع ذات الشعر الشبيه بالصوف!

يا من يملكهم الآخرون ويمتزج عَرقهم بدمهم!

يا ذوي الأشكال البشرية ذات السحنات الداكنة

التي لا يسبر غورها إنما تبعث على الإعجاب!

يا أيها الكوبو الفقراء.. يا من تتميزون بلغتكم المشرقة وروحانيتكم!

وأنتم يا أقوام كامتشاتكان وأهل غرينلاند ولاب

ويا زنوج أستراليا العراة، ذوي البشرة الحمراء

والشفاه الغليظة، يا من تتعفر أجسامكم في بحثكم عن الطعام!

أيها البربر والبدو وأهل السودان

يا أهل مدراس ونانكين وكابول والقاهرة...

ويا فرسان أمازونيا الهائمين

ويا أهل باداغونيا وفيجي!

لا أفضّل أحداً عليكم

ولا أتلفظ بكلمة في حقكم...

لقد مرّت روحي بتعاطف وتصميم حول العالم

وبحثت عن أنداد لي وأحباب

فوجدتهم في كل البلدان

وأعتقد أن ألفة إلهية قد ساوتني بهم.

أيها الضباب، أشعر أنني صعدت معك

وانتقلت إلى قارات بعيدة ونزلت هناك لأسباب وجيهة

أعتقد أنني انطلقت معكِ أيتها الرياح

وغمست أصابعي في كل شاطئ من شواطئك أيتها المياه

وجريت مع كل نهر ومضيق على هذه الكرة الأرضية

ووقفت على شبه الجزر فوق الصخور العالية لأطلقها بأعلى الصوت من هناك:

إن المدن التي يتخللها الضوء والحرارة اخترقتها أنا أيضاً

ولكم جميعاً باسم أمريكا

أرفع يدي عالياً بالتحية

لتبقى بعدي إلى الأبد

تحية لكل إنسان

في كل مكان.

---------

المعجزات

---------

لشاعر الحياة والناس والت ويتمن

عجباً لأمر الذين يولون أهمية كبرى للمعجزات

أما بالنسبة لي فلا أعرف غير المعجزات

إذ سواء سرت في شوارع مانهاتن

أو رنوت ببصري فوق سطوح المنازل نحو السماء

أو خضت بقدميّ العاريتين الشاطئ عند حافة المياه

أو وقفت تحت شجرة في الغابة

أو تحدثت أثناء النهار مع من أحب...

أو جلست إلى مائدة الطعام مع الآخرين

أو نظرت إلى الغرباء الجالسين قبالتي في مقصورة القطار

أو راقبت أسراب النحل تحوم حول القفير، في الصيف عند الضحى

أو رأيت الحيوانات ترتع في مراعيها

أو تأملت روعة الطيور والحشرات في الجو

أو غروب شمس الأصيل الذي يبعث على الدهشة

أو حدّقت في النجوم المشعشعة بسكينة وهدوء

أو عاينت حافة الهلال الرقيقة الأنيقة في فصل الربيع

فهذه وغيرها جميعها معجزات بالنسبة لي

ولكل منها مكانها وسماتها التي تمتاز بها عن غيرها.

كل ساعة من ساعات النور والظلام هي معجزة بالنسبة لي

وكل بوصة مربعة من الفضاء هي معجزة

وكل متر مربع من سطح الأرض مليء بالمعجزات

وكل شبر داخل البلاد يزخر بالمعجزات.

وبالنسبة لي أيضاً.. البحر هو معجزة متواصلة

وكذلك الأسماك السابحة

والصخور

وحركة الموج

والسفن

والناس بداخلها..

كلها معجزات

وأي معجزات!

MIRACLES

By Walt Whitman

---------

قواعد الأدب والسلوك اللائق حسبما اقترحها جورج واشنطن

التصرف في صحبة الآخرين يجب أن يتسم بالإحترام للحضور.

يجب عدم هز الرأس (بقوة) والقدمين أو السائقين ، وعدم شرود العينين أو رفع أحد الحاجبين إلى ما فوق الحاجب الآخر، وكذلك عدم التجهم والحذر من أن يصيب وجه شخص آخر من لعاب المتحدث رذاذ بالإقتراب الزائد منه أثناء مخاطبته.

وعدم إدارة الظهر للآخرين، لا سيما أثناء الحديث، وعدم هز الطاولة التي يقرأ أو يكتب عليها شخص آخر، أو الإتكاء على أي شخص.

وعلى من يعمد إلى توبيخ شخص آخر أن يكون هو نفسه فوق مستوى النقد لأن القدوة أبلغ وقعاً في النفس من الأوامر والنواهي الأخلاقية.

كما ينبغي عدم استخدام لغة التقريع والتعنيف أو اللعن والتشنيع.

وليكن الحديث خالياً من الخبث والحسد لأن الحديث (الخالي من هاتين الآفتين) هو دليل على طبيعة سلسة جديرة بالإعتبار، ولتكن السيادة للعقل بدلاً من العاطفة والإنفعال.

ويجب عدم التلفظ بكلام جارح ممض، لا في المزح ولا في الجد، وعدم التسرع في الكلام بل الحديث باتزان ووضوح.

وعدم هز الإصبع أمام الشخص الذي يوجَّه إليه الحديث أو الإقتراب كثيراً منه، لا سيما من وجهه.

وعدم التحدث بالسوء عن الغائب لأن ذلك ظلم وتجنٍ.

Rules of Civility and Decent Behavior

By George Washington

---------

تلاقح الثقافات الإنسانية حتى على المستوى العاطفي

بين فريد و كيرولين

هذه القصيدة للشاعرة والمصلحة الإنكليزية كيرولين نورتـُن

تذكرنا بأغنية فريد الأطرش (بقى عايز تنساني)

-

لا أحبك.. لا .. لا أحبك

ومع ذلك أشعر بالحزن عندما تغيب عني

وأحسد السماء الصافية التي تظللك

لأن نجومها قد تعاينك وتسعد برؤيتك.

لا أحبك.. لكنني لا أدري لماذا يبدو

كل ما تفعله حسناً في عينيّ

وغالباً ما أتنهد في وحدتي

لأن الذين أحبهم لا يشبهونك.

لا أحبك.. لكن في غيابك أكره سماع الصوت

حتى ولو كان المتحدثون من أعزائي

لأن الصوت يقطع صدى النغمات

التي يتركها صوتك الموسيقي العذب في أذني.

لا أحبك! لكن عينيك الناطقتين

بزرقتهما العميقة والزاخرة بالمعاني

تجسدان سماءً ما بيني وبين دجنة الليل

أكثر من أية عيون عرفتها من قبل.

أعرف أنني لا أحبك! لكن يا حسرتي!

نادراً ما يثق الآخرون بقلبي المخلص

وغالباً ما أراهم يبتسمون عندما يمرون بي

لأنهم يرون بصري شاخصاً إلى المكان الذي أنت فيه.

Caroline Elizabeth Sarah Norton

--------

بعض آراء عن الإفتراء

من السهل نطق كلمة طيبة

أما عدم الإفتراء

فلا يتطلب سوى السكوت.

تتضاعف الأفعال الشريرة بالكلام الشرير.

عندما يفسد الكلام تفسد الملكات.

قال: متى يتوقف الناس عن الإفتراء؟

أجاب: عندما يكف المستمعون عن الإصغاء له والإهتمام به!

هناك علاقة متينة بين المغالاة والكذب

وتضخيم الأمور لغاية في الصدور هو افتراء على الحقيقة.

ليس من الصواب إدانة شخص نعرف أن تصرفه

ناجم عن ضعف أدبي وتهور غير مقصود

والأسوأ من ذلك أن ندين إنساناً قد يتضح فيما بعد أنه طيّب.

التلفظ بالسوء عن يقين يثبت الحاجة إلى سعة الصدر

وذكر المعايب بناءً على الظنون يبرهن عن عدم المصداقية.

والإشارة إلى نقائص الآخرين دون التأكد منها

هو ضرب من المراءاة والخداع والظلم.

في حين يقول البعض:

لو لم يندد الآخرون بسيئات مرتكبيها

لسارع كثيرون إلى اقتراف الموبقات

لاطمئنانهم إلى الإفلات من انتقاد الناس لهم.

-----------

ابن المحارب والنفق

----------------------

قرأت هذه القصة فوجدت فيها عناصر إيجابية فقررت ترجمتها ببعض التصرف.

سأتجاوز التفاصيل غير الضرورية محاولاً إبراز النقاط الجوهرية للقصة.

كان زنكاي ابناً لأحد محاربي الساموراي اليابانيين القدامى، وقد اعتزم ذات يوم التوجه إلى أحد كبار الموظفين للعمل لديه. وبعد فترة من عمله عند الموظف قام بقتله – دفاعاً عن النفس بحسب القصة - ثم هرب وانتهى به المطاف متشرداً يعتاش على ما يجلبه له الحظ.

وللتكفير عن ماضيه، قرر أن يقوم بعمل نبيل في الحياة ينتفع به الآخرون.

وإذ كان يعلم بوجود ممر عسير خطير فوق منحدر صخري حاد تسبب بمقتل وإصابة العديد من الأشخاص، فقد عقد العزم على أن يشق نفقاً عبر الجبل في ذلك المكان.

كان يستجدي طعامه في النهار ويعمل في حفر النفق أثناء الليل.

وبعد مضي ثلاثين عاماً على عمله أصبح النفق بطول حوالي سبعمائة متر وعلو ستة أمتار وعرض تسعة أمتار.

قبل انتهاء العمل بسنتين عثر ابن الرجل المقتول، الذي كان بدوره محارباً بارعاً، على زنكاي وأراد الأخذ بثأر أبيه.

فقال له زنكاي: "سأمنحك حياتي عن طيب خاطر، إنما دعني أولاً أتمم هذا العمل الذي أنا بصدده، وفي اليوم الذي أنهي فيه العمل، يمكنك عندئذ أن تقتلني."

انتظر الإبن يوماً بطوله، لكن مرت عدة شهور وزنكاي لا يزال يحفر، فشعر الإبن بالملل جراء الجلوس والإنتظار وقرر أن يمضي وقته في الحفر.

وبعد أن عمل لأكثر من عام مع زنكاي أعجب بإرادته الصلبة وخلقه القويم.

أخيراً انتهى العمل وتمكن الناس بالفعل من عبور النفق بأمان.

فقال زنكاي للإبن: "بإمكانك الآن أن تأخذ بثأر والدك وتقتلني."

فأجاب الشاب وقد طفحت عيناه بالدمع:

"وهل يطاوعني قلبي على قتل معلمي؟"

---------

اعتذار

بين يدي كتاب بعنوان (قصائد عن الإيمان والأمل والحب)

طبعة 1873، للشاعرة فوبي كير

فتحته عشوائياً فطالعتني هذه القصيدة.. فترجمتها.

لا.. لا تعبس يا حبيبي

ولا تنعت كلماتي بالقارصة

فعباراتي لم تكن سوى مزحة عابرة

فارغة كالريح، لا تحمل بين طياتها معانيَ.

وإذ أحس أن قلبك الرقيق

قد أصيب بوخزة حزن

جراء عدم مراعاتي لمشاعرك

فإنني أتوجع من الألم الذي أعطيتـُه لك

ومن الألم الذي تلقيتـَه مني.

ألا إن مرّت في خاطري فكرة

تبدو باردة أو فظة نحوك

أكون عندئذ قد قتلتُ سلامي

وحرمت نفسي من النوم

ومن عذوبة الأحلام السعيدة.

وإن نشرتُ سحابة من الأسى

في محياك اللطيف دون علمٍ مني

فإن ظل تلك السحابة يحجب سمائي كلها

بطبقة كثيفة ربداء من القنوط.

وإن وضعتُ في وسادتك شوكة واحدة

فإن ذلك التصرف المتهور الطائش

سيزرع ألف شوكة في وسادتي.

إنني أحزن لحزنك

ولا أطيق أن أرى وجهك قطوباً

في حين أنتعش وأمتلئ بالحياة

عندما أراك تنعم بالبهجة والحبور...

Phoebe Care

----------

نافذة المستشفى

---------------------

رجلان كانا يعانيان من مرض خطير، تم وضعهما في نفس الغرفة في إحدى المستشفيات. أحدهما كان يُسمح له بالجلوس في سريره لساعة واحدة بعد الظهر لبزل السائل من رئتيه، وكان سريره بالقرب من النافذة الوحيدة في الغرفة. أما الرجل الثاني فقد تحتم عليه أن يظل طوال الوقت مستلقياً على ظهره.

وكان الرجلان يمضيان ساعات طويلة يتجاذبان أطراف الحديث. تحدثا عن زوجتيهما وعائلتيهما وبيتيهما وعملهما وخدمتهما العسكرية والأماكن التي زاراها أثناء الإجازات.

وبعد ظهر كل يوم، عندما كان الرجل الذي بالقرب من النافذة يجلس في سريره، كان يمضي الوقت وهو يصف لزميله الأشياء التي كان يراها من النافذة.

وهذا الوصف جعل زميله يشعر بالحياة تدب فيه من جديد بفعل تصوّر ما كان زميله يصفه له، فاتسع عالمه وانتعشت نفسه بنشاط وألوان وحيوية العالم الخارجي.

كانت النافذة تطل على منتزه وعلى بحيرة جميلة، حيث كانت طيور البط والإوز تسرح وتمرح، في حين كان الأطفال يبتهجون بركوب القوارب العصرية، والأحباب يسيرون يداً بيد بين الزهور ذات الألوان البديعة، وحيث المباني العالية يمكن رؤيتها عند خط الأفق.

وعندما كان الرجل الذي بجانب النافذة يصف هذه المشاهد الخلابة بتفاصيل مدهشة، كان الرجل الذي في الركن الآخر من الحجرة يغمض عينيه ويتصور المناظر البديعة.

وذات مرة راح الرجل الذي عند النافذة يصف موكباً فخما يمر في تلك الناحية. ومع أن الرجل الآخر لم يستطع سماع الجوقة الموسيقية، لكنه تمكن من رؤيتها بعين عقله لأن زميله وصفها له وصفاً حياً وبدقة متناهية.

مرّت أيام وأسابيع، وذات صباح أتت الممرضة إلى الغرفة فوجدت الرجل الذي بقرب النافذة قد فارق الحياة. وعندما أصبح سريره شاغراً سأل الشخص الآخر الممرضة إن كان بالإمكان وضعه في سرير زميله الراحل، فلبت الممرضة طلبه بسرور. وحالما اطمأنت لراحته تركته وحيداً في الغرفة.

ببطء وألم، وبمساعدة مرفقيه تمكن من الجلوس قليلاً ليلقي أول نظرة له على العالم الحقيقي في الخارج، لكنه فوجئ بأن النافذة تطل على جدار يحول دون رؤية أي شيء آخر.

وعندما حضرت الممرضة إلى الغرفة سألها الرجل عن السبب الذي حدا بزميله الراحل كي يصف تلك الروائع خارج النافذة.

فأجابت الممرضة أن الرجل كان مكفوف البصر ولم يتمكن حتى من رؤية الجدار، ثم أردفت قائلة:

"ربما أراد بذلك تشجيعك وإدخال البهجة إلى نفسك"

January, 2014

--------