أفلاطون

فيلسوف الحكماء وحكيم الفلاسفة




كان أفلاطون واحداً من ألمع فلاسفة اليونان والعالم على مر العصور. وُلِدَ في العام 427 ق.م في جزيرة إيجينا التي كانت ملكاً للأثينيين. والده أريستون كان من سلالة كودرس ملك أثينا، أما أمه بريكتيون فقد كانت تنحدر من سلالة المشرّع الإغريقي المشهور سولون.

في مقتبل العمر حصل أفلاطون على تعليم تقليدي وكان يقرظ الشعر ومتفوقاً في ألعاب الجمباز التي كان فتيان الإغريق يمارسونها لتقوية أجسامهم والمحافظة على رشاقتها.

اتصلت حياته بسقراط فمال إلى الفلسفة وهو في سن العشرين. ويقال بأنه أمضى وقتاً في التنقل ما بين اليونان وصقلية وإيطاليا ومصر وشمال إفريقيا.

باعه ديونيسيوس كعبد لكن أصدقاءه سارعوا إلى افتدائه وتحريره.

في عام 387 ق.م ارتحل إلى أثينا وأسس فيها مدرسته التي عرفت بالأكاديمية على مساحة من الأرض تبعد حوالي الكيلومترين عن المدينة. لا نعرف كثيراً عن سنوات أفلاطون الأخيرة التي يكتنفها الغموض، وهناك أخبار عن حياته في تلك المرحلة لم يتم التحقق منها.

يبدو أن جميع كتابات أفلاطون بقيت محفوظة دون أن يـُفقد أي منها، مع أن الكتابات الأولى التي كان يُظن أنه مؤلفها تبين فيما بعد أنها ليست له.

جميع أعماله هي على شكل حوارات بلغت الذروة من حيث العمق والروعة والصدق والإبداع. أما حوار فيدون فيتمحور حول سقراط الذي يشير إليه أفلاطون بمودة وإخلاص بأنه رجل تقي ومصلح ومواطن طيّب وملتزم وناسك يحيا في دنيا الأفكار المطلقة والقيم الخالدة.

أعظم أعمال أفلاطون هو كتاب الجمهورية الذي حدد فيه معالم الدولة المثالية. إذ كان يتوق إلى تدريب المواطنين كي يصبحوا فاضلين ويسعى إلى تحقيق السعادة الحقيقية للمواطن العادي. وبالرغم من إدراكه الضمني أن تلك النظرات المثالية يصعب تحقيقها في عالم يشوبه الفساد وتعتوره النقائص، لكنه مع ذلك احتفظ بتلك الفلسفة كمثال أعلى جدير بأن يعمل المرء في سبيل التوصل إليه وتحقيقه في ذاته.

في ذلك المجتمع المثالي رأى أفلاطون أن كل نفس بشرية تعمل ما يناسبها بحسب ما هي مؤهلة طبيعياً للقيام به. والمواطنون في رأيه ينبغي تقسيمهم إلى ثلاث فئات طبقاً لفضائل النفس الثلاث الأكثر بروزاً في الإنسان. هذه الفئات هي فئة الحكام الراسخين في فضيلة الحكمة وفئة المحاربين المتميزين عن سواهم بالجرأة والإقدام، وأخيراً فئة العمال المؤهلين للقيام بعملهم بإخلاص وامتثال تلقائي.

من الصعب تلخيص فلسفة أفلاطون بكلمات قليلة لأنها كانت متشعبة وتمس جميع نواحي الحياة لا سيما المنطق والعلوم الطبيعية والأخلاق.

تقبـّل أفلاطون فكرة الفضيلة التي نادى بها سقراط على أساس أن الفضيلة تعتمد على المعرفة وأن الحقيقة والخير متلازمان أبدا. وكان يقول أن المبدأ الأخلاقي خالد في جوهره ومتصل اتصالاً وثيقاً بروح الكون، وأن الشجرة والإنسان والزهرة كلها أشياء عابرة وإلى زوال في حين أن الفكرة العامة أو جوهر الشجرة والإنسان والزهرة لا يتغير ولا يفنى بفناء تلك الأشياء. وعليه فإن الفكرة وحدها تدوم كونها غير خاضعة للفناء.

على هذه الخلفية أسس مذهبه الفكري القائم على المُثل أو الأفكار العليا. فكما أنه يوجد عالم مادي تدركه حواس الإنسان لا بد من وجود عالم آخر لا يمكننا معرفته عن طريق الحواس الخمس ولا بد من طريقة أخرى لمعرفته والوقوف على أسراره.

وهكذا استنتج فيلسوفنا الكبير وجود حقيقة خالدة هي عالم المُثل التي تأثر بها الفلاسفة الأوروبيون ودمغت تفكيرهم على مدى قرون. من هنا نشأت الفكرة القائلة أن الإرادة التي يوجهها العقل أو العقل الذي توجهه الإرادة هو/هي العامل الأسمى في الحياة.

بأفلاطون اختمر الفكر اليوناني وبلغ أعلى درجة يمكن بلوغها، وتحولت الفلسفة من تجريدات نظرية إلى حقائق ذات أصول فكرية. ومن هذا المنطلق تم صياغة العالم الطبيعي والعلمي طبقا لأصول ومبادئ فلسفية.

توفي أفلاطون سنة 347 ق.م وقد ترك أثراً واضحاً على تلميذه أرسطو وكذلك على الفلاسفة الرواقيين وعلى المؤرخ الشهير بلوتارخ والآباء المسيحيين وبعض فلاسفة العرب كالفارابي وابن سينا وابن رشد وفلاسفة النهضة الأوروبيين من أمثال زوينغلي وبترارك وبيكون وغاليليو وكلذلك على الفكر المعاصر كله. ذلك التأثير كان وما زال دائماً، بعيد المدى، حتى يوم الناس هذا.

والسلام عليكم

المصدر: موسوعات

ترجمة: محمود عباس مسعود