جادك الغيث - أندلسي - كلمات لسان الدين الخطيب
مقام بياتي - إيقاع دارج 4/3
جادك الغيث إذا الغيث هما يا زمان الوصـل بالأندلس
لم يكن وصلك إلا حلما في الكرى أو خلسة المختلس
إذ يقود الدهر أشتات المنى ينقل الخطو على ما يرسم
زمرا بين فرادى وثنا مثلما يدعو الوفود الموسم
والحيا قـد جلل الروض سـنا فثغور الزهر منه تبسم
وروى النعمان عن ماء السما كيف يروي مالك عن أنس
فكساه الحسن ثوبا معلما يزدهي منه بأبهى ملبس
في ليال كتمت سر الهوى بالدجى لولا شموس الغرر
مال نجم الكأس فيها وهوى مستقيم السير سعد الأثر
وطر ما فيه مـن عيب سوى أنه مر كلمح البصر
حين لذ الأنس شيئا أو كما هجم الصبح هجوم الحرس
غارت الشهب بنا أو ربما أثرت فينا عيون النرجس
جادك الغيث - مقام بياتي - إيقاع دارج 4/3 نموذج فيروز
الموشح الشهير جادك الغيث من أقوى الأدلة على هيمنة اللحن على كل شيء في الأعمال الفنية القديمة .. ماذا يعني ذلك؟
1. يمكن تغيير الكلمات دون أي تغير في قيمة العمل الفنية
2. هذا بالضبط يعني انعدام التعبير الموسيقي عن معاني النصوص
3. إن تطابق لحني الموشحين "بالذي أسكر" و "جادك الغيث" مثال واضح يؤكد هذا المعنى
4. هناك لحن آخر بنفس العنوان ونفس الكلمات ولكن بلحن مختلف وإيقاع مختلف، وهكذا يوجد نسختان من الموشح ليس بينهما أية صلة غير الكلمات
جادك الغيث - مقام بياتي - إيقاع دارج 4/3
جادك الغيث مقام راحة أرواح (هزام مصور) - إيقاع نوخت 4/7
جادك الغيث - مقام راحة أرواح (هزام مصور) - إيقاع نوخت 4/7 نموذج صباح فخري
اختلف الباحثون في نسبة كلمات "بالذي أسكر" إلى مؤلفها الأصلي، بل نسبت إلى شعراء من خارج الحقبة الأندلسية، ولم يحدث ذلك مع "جادك الغيث" التي تم توثيقها جيدا منذ عهد الشاعر الأندلسي لسان الدين الخطيب. ولكن يبدو أنه قد تم خلط مقاطع من النصين وضمها في عمل غنائي واحد على يد فنانين من العصر الحديث، وهذا دليل آخر على عدم أهمية المعاني والتعبيرات في الغناء القديم، وأن الكلمات لم تقدم غير الوزن والبحر. بل إن هذين العنصرين يتم إهمالهما أحيانا بإضافة عناصر غريبة عن الشعر مثل الليالي والآهات وما إلى ذلك لتطويع النص إلى ميزان موسيقى بذاته
على أي حال فإن ماوصلنا من قيمة من خلال هذه الأشعار ينحصر في ألحانها البديعة التي أحبها الناس وحفظوها، ولو جردت من كلماتها لاحتفظت بنفس القيمة
القصيدة والموشح - المضمون واللحن
هذا ينقلنا إلى مشهد مختلف تماما مقارنة بما حدث للقصيدة الشعرية الكلاسيكية:
1. القصيدة تعبر أولا وقبل كل شيء عن معنى ومضمون نابع من كلماتها، وقد يزيدها اللحن قيمة وجمالا لكنها تبقى على قيمتها الأصلية مهما اختلف اللحن
2. ما حدث بالفعل أن القصائد تغيرت ألحانها وكان من الشائع أن تغنى نفس القصيدة بأكثر من لحن، ولا شك أن من القصائد القيمة ما كان له ألحان في عصور سابقة اندثرت مع مرور الزمن وبقيت الكلمات مكتوبة وموثقة، وربما منها قصائد عبد الوهاب وأم كلثوم التي قدماها من تراث الشعر العربي بألحان جديدة بعد مئات السنين
3. معنى ذلك أن الموشح يعكس حالة لحن ثابت تتبعه كلمات متغيرة بينما القصيدة تعكس صورة كلمات ثابتة يتبعها لحن متغير
4. ظل الوضع على هذه الحال حتى أيام الشيخ أبو العلا محمد في أوائل القرن العشرين الذي وضع ألحانا ثابتة للقصائد وتبعه في ذلك كثيرون، ولكن .. هل أراد الشيخ أبو العلا عمدا تثبيت لحن القصيدة؟ نعتقد أن الإجابة بالنفي. فقد ظهر عنصر جديد تماما على الساحة الفنية هو تقنية تسجيل الصوت، وأصبح ممكنا الاستماع إلى نفس اللحن من الاسطوانة وليس من المطرب. هكذا ارتبطت القصائد، وغيرها، باللحن الذي قدمت به لأول مرة. فإذا أقدم ملحن آخر على تلحين القصيدة نفسها لزم التنويه إلى أن هذا لحن جديد مختلف لنفس القصيدة. هذا لم يحدث كثيرا على أي حال لكن نذكر مثالا على ذلك قصيدة أراك عصي الدمع للشاعر العباسي أبي فراس الحمداني التي لحنها عبد الحامولي في القرن 19 وقدمها مطربون كثيرون، ثم أعاد تلحينها رياض السنباطي عام 1964 وقامت أم كلثوم بغناء اللحنين
5. في طريق الزمن والتطور سلك كل من الموشح والقصيدة طريقين مختلفين، فبينما احتفظ الموشح بجوه الأندلسي القديم وثبتت معاملته كتراث ينتمي إلى عصره فقط، ازدهرت القصائد وتلونت وتمكنت من التعبير عن كل عصر ظهرت فيه إلى يومنا هذا. والحقيقة أن القصائد هي لب اللغة العربية الأصيلة، وقد أفلتت مما جرى في الموشحات من إضافة لهجات محلية عامية إلى نصوصها. أضف إلى ذلك أن أغراض شعر القصيدة ظلت منفتحة على مختلف المواقف الإنسانية معبرة عنها بينما اقتصرت أشعار الموشحات على وصف النساء ومجالس الأنس، وأدى ذلك إلى تكريس مفردات وصور بلاغية خاصة بالموشح دون غيره
بالنسبة للألحان، على هذا المقياس، يمكن تلحين القصيدة اليوم بأي طريقة قديمة أو حديثة، مما يفتح آفاقا لا نهائية للتعبير، بينما لا يمكن تلحين موشح جديد إلا باتباع نفس القواعد القديمة التي سار عليها تلحين الموشحات لمئات السنين، وإلا خرج من التصنيف كموشح
يظهر من هذه المقارنة أن القصيدة ذات غرض لغوي في الأساس بينما الموشح ذو غرض موسيقي بالدرجة الأولى، ولذلك من الطبيعي أن يختلف مسار كل منهما عن الآخر
وتأكيدا لنفس المعنى نقول أن لغة القصيدة هي التي سادت بصرف النظر عن لحنها وأن لحن الموشح هو الذي استمر دون اعتبار للكلمات، بحث وتحرير د.أسامة عفيفي، فن الموشحات، موشح جادك الغيث
إذا تأملنا نظم وكلمات موشح جادك الغيث يظهر أنه أقرب لنظم القصيدة منه إلى الموشح، وربما لهذا السبب ذاعت شهرته وبلغ مرتبة عالية على قوائم الموشحات
يرتقي إلى بلاغة القصائد
يخلو من المفردات الدارجة
يحافظ على البحر والوزن متنوعا فقط في القوافي
يقدم نصا طويلا على غير المعتاد في الموشحات