قالت - محمد عبد الوهاب

قالت.wmv

قالت - محمد عبد الوهاب - مقام نكريز - تحليل د.أسامة عفيفي

قالت

محمد عبد الوهاب - صفي الدين الحلي

قالت : كَحَلْتَ الْجُفونَ بِالوَسَنِ قُلتُ : ارتِقابا لِطَيفِكِ الْحَسَنِ

قالت : تَسَـلَّيْتَ بَعدَ فُرْقَتِنا فَقُلتُ : عَن مَسكَني وَعَن سَكَني

قالت : تَشاغَلْتَ عَن مَحَبَّتِنا قُلتُ : نعم بالبُكاءِ وَالْحَزَنِ

قالت : تخَلَّيتَ قُلتُ : عَن جَلَدي قالت : تغَيَّرتَ قُلتُ : في بَدَني

قالت : أَذَعتَ الأَسرارَ قُلتُ لها : صَيَّرَ سِرّي هَواكِ كَالعَلَنِ

قالت سَرَرتَ الأَعداءَ قُلتُ لها : ذلِكِ شَيْءٌ لَو شِئتِ لَم يَكُنِ

قالت : فماذا ترومُ قُلتُ لَها : ساعةَ سَعدٍ بِالوَصلِ تُسعِدُني

اختيار الشعر القديم

يأتي عبد الوهاب عام 1942 فجأة بقصيدة عمرها نحو 600 عام من الشعر العربي القديم وسط كم هائل من قصائد الشعر الحديث. شاعرنا هنا هو صفي الدين الحلي (1276 - 1349م) الذي عاش في الحلة والموصل وماردين وبغداد والقاهرة في عهد السلطان الملك الناصر.

لم يخرج عن خط الشعر الحديث في قصائد عبد الوهاب غير هذه القصيدة سوى قصيدة "أعجبت بي" للشاعر الفارسي مهيار الديلمي (ت 1037م) التي غناها عام 1939 بمناسبة زفاف الأميرة فوزية شقيقة الملك فاروق ملك مصر إلى ولي عهد إيران محمد رضا بهلوي (شاه إيران فيما بعد)، وبلغ عمرها نحو 900 عام وقت تلحينها

القصيدة عودة إلى الجو العاطفي المعتاد في دنيا الغناء والطرب. لم يختلف اختيار عبد الوهاب هنا كثيرا عمن سبقه من الملحنين الكبار فيما عدا سيد درويش، فقد كان الشعر القديم أفضل ما يمكن تقديمه قبل عصر النهضة، واستمر هذا التقليد حتى خلال ذلك العصر. هكذا فعل الحامولي وسلامة حجازي وأبو العلا محمد الذي قام عام 1928 بتلحين قصيدة "أراك عصي الدمع" للشاعر العباسي أبي فراس الحمداني (932 - 968 م)، ثم أعاد تلحينها رياض السنباطي عام 1964

السبب الأساسي في اختيار قصائد الشعر القديم للغناء في القرن التاسع عشر، غير جودة الشعر، أنه كما ذكرنا سابقا أن الكلمات كانت حامل الرسالة الرئيسي في عصر لم يظهر فيه بعد الشعراء المحدثون، ولم يرتق فن التلحين بعد إلى درجة صناعة الموسيقى. كان لحن القصيدة مرتجلا وقد يؤديه المطرب بلحن مختلف كل مرة أو قد يجرؤ، كما كان يفعل مطربو الشام، على غناء أكثر من قصيدة بنفس اللحن. لم يكن دور الملحن قد تبلور بما فيه الكفاية، وكان المطرب كل شيء. نتيجة لهذا لم يكن أحد يتوقع الجديد في الألحان، فهناك عدة صيغ معروفة سلفا يجيدها المطرب المحترف. هكذا كان اختيار كلمات جيدة عنصرا هاما في تقديم شيء جديد، وبالتالي نجم المطربون ونقبوا في القديم لاختيار ما يصلح للغناء

بظهور سيد درويش ومدرسته التعبيرية بدت تلك الأساليب وكأنها عبث لا يمت لصناعة الموسيقى بصلة. لكن عبد الوهاب ربما أراد إثبات العكس، وكذلك السنباطي، باختيار الشعر القديم ليكون مادة مقدمة من خلال وسط حديث الشكل والتكوين أي بلحن حديث يرتبط بقصيدة بعينها ولا يكون مشاعا لأي ممارسة طربية قديمة، مع ملاحظة أن أول من ربط القصيدة بلحن ثابت هو الشيخ أبو العلا محمد أستاذ أم كلثوم ومعلمها

بلغت جودة القصيدة حد أنه لم يعلق أحد سلبا على التكرار الكثير لكلمتي "قالت" و"قلت"، ولو أن قصيدة حديثة بها هذا الكم من تكرار الألفاظ ربما أسقطها النقاد بقسوة من قائمة الشعر الجيد. نلاحظ أن الملحن لم يلحن القصيدة الأصلية كاملة فقد اختفت منها 4 أبيات غير متتالية، كذلك غيّر في كلمات البيت الثاني من "قلت بفرط البكاء والحزن" إلى "نعم بالبكاء والحزن". لا أحد يعلم لماذا لكن اندهاشنا سيقل كثيرا إذا علمنا أن قصيدة الأطلال، وهي واحدة من أفضل القصائد التي غنتها أم كلثوم من ألحان رياض السنباطي، مكونة من قصيدتين مدمجتين أبدلت بعض أبيات إحداهما بأبيات من الأخرى

قالت - اللحن

  • المقام الأساسي: نكريز

  • المقامات المستخدمة: 4 مقامات رئيسية تقسم اللحن إلى 4 مقاطع مميزة، نكريز، راست (ساذكار)، نهاوند، راست (سوزناك)، وكلها تشترك في درجة الركوز (راست). يضاف إليها مقام بياتي النوا المستخدم كحلية اعتراضية في مقطع النهاوند. يلاحظ ضم المقطعين الأول والثاني واستقلال الثالث والرابع

  • يبدأ لحن القصيدة بمقدمة موسيقية مميزة ومن مقام غير مطروق هو مقام النكريز. وهاتان العلامتان تمثلان إشارة واضحة إلى تخصيص اللحن لهذه القصيدة

  • يتغير المقام إلى الراست مع البيت الثالث "قالت تشاغلت عن محبتنا" إلى نهاية البيت "صير سري هواك كالعلن" ثم يضع فاصلا موسيقيا من مقام جديد هو النهاوند تمهيدا للغناء من نفس المقام وعلى نفس الإيقاع السريع "فوكس" للمقدمة الموسيقية مع بداية البيت "قالت سررت الأعداء"، لكنه يستمر في الغناء على نفس الإيقاع بعكس كما فعل عقب المقدمة بالتحول إلى إيقاع "الوحدة الكبيرة" مع بداية الغناء

  • هنا قدم عبد الوهاب شيئا جديدا فهو يغني على إيقاع في منتهى الحداثة شعرا عمره نحو 700 عام، منهيا بذلك أسطورة حتمية الغناء التقليدي للشعر التقليدي

  • يقدم خلال ذلك بعض التلوين بغرض طربي محض على مقام بياتي النوا، وعلى نفس الإيقاع، لكنه لا يستمر طويلا ويتحول إلى الغناء الحر مع البيت "قالت فماذا تروم" من مقام جديد "راست سوزناك" الذي ينهي به الغناء واللحن. وبهذا الاختتام يؤكد عبد الوهاب أنه في تلحين القصائد يتبع أسلوب تلحين المونولوج، وهو اتجاه له وجاهته حيث يشترك القالبان في اختفاء "المذهب" وعدم العودة إلى مقطع بذاته أو تكرار أي من أبياته فضلا عن الختام بها، وبالتالي من المنطقي أن يسير اللحن في نفس الاتجاه بعدم العودة إلى لحن البداية أو مقامها. د.أسامة عفيفي، قالت، سلسلة قصائد عبد الوهاب.