Kamal El-Tawil  كمــال الطويـــل

كمال الطويل 1922 - 2003 

بحث وتحرير د.أسامة عفيفي

أحد أعلام الموسيقى العربية وأحد الملحنين المجددين، والمستمع لأعماله يجد فيها بجانب الروح الشرقية انطلاقا نحو التجديد وبعدا عن التقليدية في معظم ألحانه

وهو من الملحنين القلائل الذين استطاعوا تقديم أفكار جديدة من المقامات المعتادة ، ومعظم ألحان كمال الطويل جاءت في حقبة الخمسينات والستينات، ورغم وجوده على الساحة حتى عام 2003 إلا أنه كان مقلا في نشاطه الفني بعد الستينات

 رحلـــة الفـــن

تعلق الشاب كمال الطويل بالموسيقى منذ صغره، وكان يهوى الغناء، ثم بدأ يرتجل بعض الألحان التى ذهب بها إلى الشيخ زكريا أحمد ليسمع رأيه فيها. كان كمال يود أن يسمع بعض الثناء والتشجيع من الشيخ الكبير، لكن الشيخ زكريا باغته بنصيحة قاسية، قال له اذهب لتتعلم العود أولا! احتار كمال ماذا يفعل لكنه سأل الشيخ أين يذهب؟ فأجابه "اذهب إلى عفيفي في اسكندرية"

فكر الشاب المتحمس في نصيحة الشيخ وقرر أن يعمل بها، فالتحق بمعهد الموسيقى العربية بالإسكندرية عام 1946 وكان أستاذه بالمعهد الفنان محمد عفيفي صديق زكريا حيث درس العود والمقامات والنوتة الموسيقية لمدة سنتين، ثم انتقل إلى القاهرة وأكمل دراسته بمعهد الموسيقى العربية ليتخرج منه عام 1949. التقى كمال الطويل أثناء دراسته بعبد الحليم حافظ وانعقدت بينهما صداقة فنية امتدت لعقود وكان أول من لحن له

احترف الطويل التلحين طوال حياته ولم يقدم على الغناء بل إنه كان يمتنع عن تسجيل أى شيء بصوته! وعمل بالإذاعة المصرية إلى 1956 ثم بوزارة التعليم إلى 1965

الخمسينات

قدم كمال الطويل نفسه للجمهور من خلال صوت عبد الحليم حافظ، واشترك الاثنان  فى أعمال كثيرة حققت انتشارا كبيرا وجماهيرية واسعة، وبصفة عامة فهي أغان عاطفية أو وطنية . من أشهر ألحان الطويل العاطفية لعبد الحليم حافظ في يوم في شهر في سنة التى يقول مطلعها "في يوم في شهر في سنة .. تهدا الجراح وتنام ... وعمر جرحي أنا .. أطول من الأياموهي إحدى قمم عبد الحليم حافظ

عام 1955 لحن كمال الطويل لأم كلثوم قصيدة لغيرك ما مددت يدا من كلمات طاهر ابو فاشا وفى عام 1956 قدمت له أم كلثوم قصيدة أخرى هى غريب على باب الرجاء من كلمات طاهر ابو فاشا أيضا ، ولم تكن تغنى إلا للثلاثة الكبار محمد القصبجي ، زكريا أحمد ورياض السنباطي ، وقد سبقه بعام واحد في التلحين لها من الملحنين الجدد محمد الموجي في نشيد يا مصر إن الحق جاء من تأليف أحمد رامي

عرف فن الخمسينات في مصر بالاتجاه الوطني، وكانت الأغاني الوطنية، بحكم المناخ السياسي، هى الأعلى صوتا رغم وجود الكثير من الألوان الأخرى. وقد نجح كمال الطويل في ركوب هذه الموجة الوطنية التي سبقه إليها الملحنون الكبار مثل محمد عبد الوهاب ورياض السنباطي، واستعان بصوت عبد الحليم الشاب لينضم إلى قافلة الملحنين ذوي الأسماء اللامعة

01 والله زمان يا سلاحي.wmv

والله زمان يا سلاحي - أم كلثوم 1956 

كلمات صلاح جاهين ألحان كمال الطويل

02 حكاية شعب.wmv

حكاية شعب - غناء عبد الحليم 1960

كلمات أحمد شفيق كامل - ألحان كمال الطويل 

في قفزة كبرى وأثناء حرب السويس عام 1956 قدم أقوى وأشهر ألحانه على الإطلاق بصوت أم كلثوم وهو نشيد والله زمان يا سلاحي من كلمات صلاح جاهين، والذي أصبح النشيد القومي لمصر حتى عام 1979. وقد اشترك بهذا اللحن في تقديم أحد أكبر ثلاثة أعمال وطنية في تلك الفترة. أما العمل الثاني فكان نشيد الله أكبر الجماعي من ألحان محمود الشريف، والثالث نشيد دع سمائي لعلي إسماعيل غناء فايدة كامل، وكلها في قالب النشيد وساهمت كثيرا في رفع الروح المعنوية وتعبئة الجماهير ضد العدوان الثلاثي. أتبع كمال الطويل قفزته مع أم كلثوم بقفزة أخرى وطنية مع عبد الحليم يأغنية "حكاية شعب" من كلمات أحمد شفيق كامل عام 1960 والتي حققت نجاحا منقطع النظير

الستينات

كون كمال الطويل مع صلاح جاهين وعبد الحليم حافظ ثلاثيا كان آلة الثورة الإعلامية الأولى. وكون صداقات وطيدة مع عديد من الشعراء أقربهم  صلاح جاهين، وكانت الأغاني الوطنية التي قدمها الثلاثي تعبر عن طموحات الثورة في وقت السلم وأهمها الحرية والتنمية الشاملة والوحدة العربية. وهي ألحان نالت قدرا هائلا من الشهرة والانتشار وحفظها الشباب عن ظهر قلب، وقد استخدم فيها التيمات والإيقاعات الشعبية الأقرب إلى أسماع الجمهور، منها حكاية شعب (السد العالي) من كلمات أحمد شفيق كامل، ومن كلمات صلاح جاهين أغنيات بالأحضان، بلدي يا بلدي، يا أهلا بالمعارك، صورة، وجميعها من غناء عبد الحليم الذي حالفه الحظ بغناء تلك الأغنيات التي أسهمت كثيرا في صعود نجمه كمطرب الجماهير

وكانت تلك الأغاني تقدم فى كل عام أغنية، عادة في شهر يوليو موعد احتفالات الثورة المصرية، وكما استفاد منها عبد الحليم استفادت الثورة أيضا لأن تلك الأغنيات كانت تتمتع بشيئين هامين أولهما بساطة اللحن وشعبيته، وثانيهما الكلمة الجديدة التي حملت من الأحلام الوطنية والاجتماعية ما لف الناس حولها بالملايين. ومن الناحية اللحنية لم يكن أي منها في قالب النشيد بل ألحان تحمل طابع الطرب الشعبي في كثير من مقاطعها كما تحمل سمات الهتاف الجماعي في بعض الفقرات، وهو مزيج لم يقدم من قبل ونجح كمال الطويل في هذا الابتكار كثيرا

في الستينات أيضا قدم الطويل بصوت عبد الحليم عدة أغان عاطفية أبدعها بلاش عتاب، وفي هذا اللحن أفكار موسيقية مستوحاة من الشرق والغرب عرضها الطويل في قالب عصري وخلفية هارمونية غاية في الدقة والبراعة

في أواخر الستينات فاجأ كمال الطويل الجمهور بلحن لفاتنة السينما سعاد حسني غنته أمام حسين فهمي رمز الوسامة في السينما العربية. وكانت أغنية يا واد يا تقيل الخفيفة في فيلم خللي بالك من زوزو عام 1969 رغم خفتها وبساطتها شيئا جديدا تماما على الساحة الفنية، فهى نقلة نوعية فى ألحان الطويل، وإن لم تكن بالضرورة نقلة للأمام، وغنتها ممثلة لم تحترف الغناء، لكنها ذاعت وانتشرت بطريقة لم يسبق لها مثيل. ولم تكن نقلة للملحن فقط فقد كانت للمؤلف أيضا وهو نفسه صلاح جاهين الذي كتب أغاني الثورة الوطنية، وقد فاجأ هو الآخر الجمهور بكلمات خفيفة تجئ على لسان فتاة تتغزل في ملامح الشاب الوسيم بعيد المنال الذي تتمنى حبه وتعلن له إصرارها على التعلق به. اشتركت أغنية أخرى في فيلم لاحق هو أميرة حبي أنا في خلق جو جديد بعيد عن أغنيات الحرب والقتال رغم ظهورهما بعد حرب يونيو وأثناء حرب الاستنزاف الشهيرة، فغنت سعاد حسني الدنيا ربيع والجو بديع ، وكأن شيئا لم يكن! ترى ما سر هذا التحول للملحن والمؤلف؟

في تلك الفترة انتكست ثورة يوليو بحرب يونيو، ولم يعد من المناسب أو المقبول التغني بأحلام أفاق الشعب على خلوها من أي قاعدة حقيقية ولا التغني ببطولات جيش منهزم. وتأثر الفنانون كما تأثر الشعب بآثار النكسة التي أصابت الجميع بإحباط شديد، وانفض سوق الأغاني الوطنية ليحل محلها ذلك النوع من الأغاني البعيدة كل البعد عن التعبئة السياسية وإلإعلام الثوري، وكان نزول المؤلف الكبير والملحن الكبير إلى تلك الساحة إيذانا ببدء مرحلة من التراجع عن الإبداع المستقبلي وإبداله بفن التسلية

ألحان متطورة

في لحن "بلاش عتاب" فى أحد أفلام الستينات من مقام دو ماجير قدر هائل من الخيال الموسيقي العذب، وقد تفوق فيه الطويل الموسيقار على الطويل الملحن بمراحل فقد استخدم جملا موسيقية حديثة غاية في الرقة والإبداع في المقدمة والفواصل الموسيقية غلفها بتوزيعات موسيقية غنية وأداء أوركسترالي ممتاز

كما استخدم الآلات الغربية كالجيتار والبيانو في تناغم تام مع الأوركسترا، ومزج الطويل بين روح الموسيقى الكلاسيكية الغربية الفاخرة والموسيقى الغربية العصرية مع الاحتفاظ بطابع شرقي في موسيقاه. استخدم الطويل أيضا التوزيع الهارموني والكاونتربونتي في المقدمة وفي معظم المقاطع الموسيقية إلى جانب، وهذا هو الجديد، بعض المقاطع الغنائية أيضا، وهو شيء نادر في الموسيقى العربية

لكن مع هذا لم تتمتع المقاطع الغنائية بقدر كاف من الطرب الشرقي، ومن المفارقات النادرة أن تتمتع الموسيقى بقدر أكبر من الطرب في نفس الأغنية، كما يلاحظ أن اللحن رغم طوله النسبي لم يشهد تحولات كبيرة في المقامات، والانتقال المقامي فيه كان محدودا جدا فهناك فقط ثلاثة انتقالات مقامية جاء أولها من دو ماجير إلى فا ماجير في المقطع الثاني ثم موسيقيا إلى دو مينير  في المقطع الثالث وغنائيا إلى فا مينير في نفس المقطع ومن ثم العودة إلى المقام الأساسي دو ماجير. وإجمالا نستطيع تمييز لحن بلاش عتاب كأحد الأعمال المتقدمة والتي كان يرجى للموسيقى العربية أن تقدم مثلها الكثير

06 صورة.wmv

صورة صورة - غناء عبد الحليم

كلمات صلاح جاهين - ألحان كمال الطويل

07 بلاش عتاب - موسيقى.wmv

بلاش عتاب - غناء عبد الحليم

كلمات مرسي جميل عزيز - ألحان كمال الطويل

السبعينات

عام 1973 وبعد ست سنوات من القلق واليأس والاكتئاب فوجئت الشعوب العربية بحرب أكتوبر كما فوجئ العالم كله، وكانت المفاجأة ذات وجهين، الأول مفاجأة شن الحرب، والثاني مفاجأة الانتصار فيها. استمرت موجات التقدم العسكري شرق قناة السويس وفي الجولان وسط أفراح غامرة، ثم أجهضت تلك الانتصارات بقرارات دولية لوقف إطلاق النار بعد أسبوعين فقط من القتال المصحوب بروح عالية وشعور متميز باسترداد الكرامة التي فقدت عام 1967، وتمنى الناس الاستمرار في الحرب وإكمال تحرير الأرض لكن كل شيء توقف فجأة، وقررت القيادة إكمال المسيرة بالسياسة بدلا من القتال. عندها خشي الناس انقضاض العدو مرة أخرى وساد القلق من عواقب الاسترخاء العسكري، وقدم عبد الحليم حافظ أغنية خللي السلاح صاحي من ألحان الطويل في عودة هادئة للأغاني الوطنية في تلك الأيام التى أعقبت توقف القتال، معبرة عن حرص الشعب على استمرار اليقظة تجاه العدو وحمل السلاح رغم قرارات وقف إطلاق النار بعد الانتصار السريع والمفاجئ. لم تكن الأغنية نشيدا ولا هتافا، وإنا نغمات حزينة على إيقاع هادئ لكنه يتصاعد تدريجيا ليصل إلى قمة تحذيرية في كلمة صاحي

لم يصحب حرب أكتوبر أي عمل فنى ذي قيمة عالية، وقد قدم بليغ حمدى مجموعة من الأغنيات الوطنية أثتاء تلك الحرب لكنه لم ينجح في أي منها ولم يكن لها أي نصيب من الجماهيرية الحقيقية رغم الإلحاح الإعلامي الرسمي، وكذلك ابتعد الملحنون الآخرون عن الساحة رغم ظروف النصر، وربما كان السبب سرية قرار الحرب الذي استلزم انعدام التعبئة الشعبية بعكس ما حدث في الحروب السابقة. ومن المفارقات الغريبة ارتباط الأناشيد الحماسية بالهزائم وارتباط النصر بالأغانى الهزيلة! وعند تلك النقطة تقريبا توقف السيل الفني الوطنى القوي بشقيه الحماسي والشعبي ودخلت الأغنية الوطنية في حلقة مفرغة من الأغاني مدفوعة الأجر تقدم في ذكرى أكتوبر من كل عام ثم تذهب أدراج الرياح. لكن نشيدا واحدا استطاع أن يبرز تلقائيا ويفرض نفسه على الساحة الشعبية والرسمية منذ عام 1967 وإلى يومنا هذا، فقد تذكر الشعب نشيده القديم العظيم بلادي بلادي لصاحبه الغائب الحاضر سيد درويش، وأصبح الناس يرددونه في كل مكان ومناسبة إلى أن أعلن نشيدا قوميا لمصر عام 1979 وإلى الآن

غنى من ألحان الطويل أفضل الأصوات مثل نجاة الصغيرة ، صباح ، وردة ، وعبد الحليم حافظ ، كما ألف موسيقى السلام الوطني للكويت وموريتانيا ، ولعدة سنوات عمل كمستشار لوزارة الإعلام الكويتية

بعد رحيل عبد الحليم عام 1977 لم يقدم كمال الطويل ألحانا كثيرة لكنه قدم بعض الأعمال المتواضعة نسبة إلى إمكانيات الطويل وموهبته الفنية منها لحن "علّي صوتك بالغُنا لسه الأغاني ممكنة" غناء محمد منير من كلمات عبد الرحمن الأبنودي، وهي كلمات وإن كانت تدعو إلى التفاؤل تشير إلى مدى الاكتئاب الحاصل بعد كل هذه السنين من الاجترار السياسي والاجتماعي والفني 

قام الطويل أيضا بتلحين أغنية فيلم المصير ليوسف شاهين كما ألف الموسيقى التصويرية لأفلام ومسلسلات تليفزيونية منها مسلسل هو وهي بطولة أحمد زكي وسعاد حسني، وفيلم تسجيلي عن نجيب محفوظ

تلقى كمال الطويل جائزة الدولة التقديرية قبل وفاته بأيام وتوفي فى 9 يوليو 2003 بعد رحلة حافلة دامت 81 عاما اجتهد فيها ليقدم إبداعات أثرت الموسيقى العربية بكثير من التجديد واحتفظ في نفس الوقت بأصالة الفن الشرقي. بحث وتحرير د.أسامة عفيفي، كمال الطويل 1922 – 2003