M Al Qasabgi محمد القصبجي
محمد القصبجي - بحث وتحرير د.أسامة عفيفي
محمد القصبجي من أعلام الموسيقى والتلحين وأستاذ فى آلة العود، اقترن اسمه باسم أم كلثوم وغنت له أروع ألحانه كما لحن لها أجمل أغانيها، ومعا حققا مجدا فنيا لا يضاهى
جمع الموسيقار محمد القصبجي بين الحداثة والرومانسية في نسيج جديد على الموسيقى العربية وما أدخله من تطوير على فنون الموسيقى العربية جعله يقف بجدارة في مصاف الرواد
من ابرز إنجازاته الفنية ما حققه من تطوير لأشكال الغناء التقليدي كالدور والطقطوقة ، واتخذت الأغنية بفضله شكلها المعروف اليوم، كما كان له دور في تطوير الموسيقى البحتة والتخت الشرقي
قلبي دليلي - ليلى مراد
ما دام تحب - أم كلثوم
رحلة القصبجي ولقاؤه بأم كلثوم
رحــلة حيــاته
ولد الفنان محمد القصبجي بالقاهرة عام 1898، ونشأ فى بيئة موسيقية فنية حيث كان والده يدرس آلة العود ويلحن للمطربين ، فأحب الموسيقى ومال إليها منذ الصغر ، وكبرت هوايته معه منذ أوائل طفولته عندما ألحقه والده بالكتاب ليحفظ القرآن الكريم ، واستمرت وهو بالأزهر الشريف حيث درس اللغة العربية والمنطق والفقه والتوحيد ، ثم بعد التحاقه بدار المعلمين التى تخرج منها معلما
كان على الشاب محمد أن يلتحق بمهنة التدريس لكن هوايته الموسيقية تملكت حواسه ومشاعره وملأت عليه خياله ، وكان قد سار حتى الآن على رغبة والده الذى أراد له احتراف العمل الدينى ، لكن الوالد الذى لاحظ هواية ابنه لم يحرمه تماما منها ، وأمام رغبة الشاب الصغير الملحة فى تعلم الموسيقى قرر أن يعلمه بعض علومها ، وأن يدربه على عزف العود خلال أوقات فراغه فتهدأ نفسه بهذه الهواية الجميلة عسى أن يساعده ذلك على الدراسة والبحث ، فمارس محمد القصبجي هوايته المفضلة جنبا إلى جنب مع دراسته ، ثم عمل معلما بعد تخرجه من دار المعلمين لسنوات قليلة
تمكن القصبجي من أصول العزف والتلحين وساعده ثقافته العامة فى طرق هذا المجال باقتدار وبدأ يعمل للفن ، ثم ترك مهنة التدريس وتفرغ تماما للعمل الفنى ، وكانت أول أغنية له من نظمه وتلحينه ومطلعها ما ليش مليك في القلب غيرك ، وحينما طلبت منه شركة اسطونات تسجيل هذا اللحن للمطرب زكى مراد والد الفنانة ليلى مراد ، وكان أحد مشاهير المطربين ، بدأت رحلة المستقبل كما وصفه القصبجى المليْ بالأماني الكثيرة والألحان الساحرة ، فأصبح يقرأ الأشعار وكتب الأزجال ويقوم بتلحينها رغم عدم إذاعتها ، ويعرض إنتاجه على المنتجين ، ومن ما كتب ولحن أغنية يا قلبي ليه سرك تذيعه للعيون والحب له في الناس أحكام
فى عام 1927 كون محمد القصبجي فرقته الموسيقية التى ضمت أبرع العازفين مثل محمد العقاد للقانون وأمير الكمان سامى الشوا وكان هو عازف العود فى الفرقة ، وبهذا الشكل كان له تخت محمد القصبجى ، لكنه لم يتوقف عند الشكل التقليدى فأضاف إلى فرقته آلة التشيلو وآلة الكونترباص وهما آلتان غربيتان
انتبهت إلى عبقريته شركات الاسطوانات فأقبلت على ألحانه لتسجيلها ، كما طلبها كبار المطربين والمطربات ، وعندما طلبت منه منيرة المهدية التلحين لها لحن لها بعض الأغاني والأوبريتات المسرحية ، وشجع ذلك الكثيرين غيرها على الغناء له فغنى له غير زكي مراد الشيخ سيد الصفتي وصالح عبد الحي
أهم محور فى حياة القصبجي هو تعرفه بأم كلثوم، ولا شك أنه سعد أشد السعادة بهذا اللقاء إذ أنه أحس بأن صوت أم كلثوم يمكن أن يقدمه إلى الجمهور فى أبهى صورة، وكان طموح القصبجى الفنى يجعله يبحث عن أفضل الأصوات التى يمكنها أداء ما يريده من تجديدات وإضافات إلى أساليب التلحين والغناء الشرقى ، وقد بدأ تعارف القصبجى وأم كلثوم عن طريق شركة أوديون التى كانت قد اشترت منه أغنية قال حلف ما يكلمنيش فطلبت منه تسجيلها بصوت أم كلثوم، فبدأ القصبجى تدريب أم كلثوم على اللحن
ولا شك أن أم كلثوم أيضا سعدت بشدة للقاء القصبجي، فقد أحست، وصرحت له بشعورها ، بأنها قد عثرت على كنز، وبدأت بينهما صداقة فنية متميزة ، وكان لها ليس فقط ملحنا ، بل استاذا ومعلما ، وبعد أول أغنية غنت له إن حالى فى هواها عجب ، مقام عجم ، ثم بدأت سلسلة من ألحان القصبجى لأم كلثوم بلغت حوالى 70 لحنا كان آخرها رق الحبيب من شعر أحمد رامى
يعتبر محمد القصبجي من الملحنين ذوى الإنتاج الغزير وتجاوزت ألحانه الألف لحن، نال معظمها الشهرة والانتشار، وغنى له أساطين الغناء مثل منيرة المهدية، أم كلثوم، أسمهان، وصالح عبد الحي
صاحب محمد القصبجي فى رحلته الفنية الشاعر أحمد رامى، وكون الاثنان معا ثنائيا فنيا نادر الوجود، وقد امتزجت ألحان القصبجى الحالمة بكلمات رامى الرقيقة فأطلقا أعذب الأغانى التى رقت لها الأسماع والمشاعر ، وأكمل صوت أم كلثوم الثالوث الفنى الذى ترك رصيدا من الإبداعات أصبحت من كنوز الشرق
تـواريــــخ
عام 1898 ميلاد محمد القصبجي
عام 1923 محمد عبد الوهاب يتعلم العود على يد محمد القصبجي
عام 1924 أم كلثوم تغنى للقصبجي وأحمد رامي
عام 1927 القصبجي يكون فرقته الموسيقية من أمهر العازفين
عام 1928 أم كلثوم تقفز لقمة الغناء بألحان القصبجي وأشهر أغنياتها إن كنت اسامح
عام 1930 محمد القصبجي الملحن الأول لأم كلثوم
عام 1931 أسمهان تغنى للقصبجي
عام 1941 القصبجي يبدع لأم كلثوم أروع ألحانه رق الحبيب
عام 1947 القصبجي يلحن فالس الشرق "قلبي دليلي" - ليلى مراد
عام 1947 القصبجي ضيف شرف دائم في فرقة أم كلثوم الموسيقية
عام 1966 وفاة محمد القصبجي عن 68 عاما
خصائص فن القصبجي
قدم الموسيقار محمد القصبجي أعمالا سابقة لعصرها فى الأسلوب والتكنيك، وأضاف للموسيقى الشرقية ألوانا من الإيقاعات الجديدة والألحان سريعة الحركة والجمل اللحنية المنضبطة البعيدة عن الارتجال، والتى تتطلب عازفين مهرة على دراية بأسرار العلوم الموسيقية ، كما أضاف بعض الآلات الغربية إلى التخت الشرقى
كل هذا أدى إلى ارتفاع مستوى الموسيقى والموسيقيين أيضا، وبالإضافة إلى الأجواء الرومانسية الحالمة التى أجاد التحليق فيها اكتسبت ألحان القصبجي شهرة واسعة وجمهورا عريضا ويمكن القول بأنها حملت أم كلثوم إلى القمة
كانت أصوات أم كلثوم وفتحية أحمد وأسمهان بالنسبة إليه وسائط جيدة قدم من خلالها ما أراد للجمهور، وقد ساهم هو فى صنع تلك الأسماء بلا شك
تقاسيم عود حجازكار
موسيقى ذكرياتي
إمتى ح تعرف - أسمهان
رق الحبيب - أم كلثوم
موسيقى القصبجي
أما موسيقاه التى لم تقترن بأصوات كمقدمات الأغانى وما تخللها من مقاطع أو كمقطوعات موسيقية فقد جسدت مثالا لما يطمح إليه من تطوير وقد برع فى تقديم أفكار موسيقية جديدة فتحت الباب للتنويع والابتكار
من مقطوعاته الموسيقية مقطوعة بعنوان ذكرياتي غير فيها القالب التركى القديم من ميزان السماعى إلى إيقاعات متنوعة وإن احتفظ فيها بالتسليم الذى تعود إليه الموسيقى فى النهاية، وتباينت مقاطعها بين الوحدة الكبيرة والعزف المنفرد على العود غير المصحوب بإيقاع، وفى النهاية مقطع شبيه باللونجا، وتطلبت تكنيكا جديدا فى العزف وهى مقطوعة قلما لا يعرفها عازف عود أو كمان
وللقصبجي أسلوب مميز اتسم بالشاعرية وقد اختار لألحانه أفضل الكلمات وأرقها ، وقد اجتذب على الأخص جمهور المثقفين والطيقة المتوسطة التى كانت آخذة فى النمو فى ذلك الوقت
وعلى طريق تطوير الأداء الموسيقى استخدم القصبجى آلات غربية مستحدثة على التخت الشرقى فأضاف صوت آلة لتشيللو الرخيم والكونترباص المستعملتين فى الأوركسترا الغربى من العائلة الوترية ذات الحجم الكبير، وهذه الآلات لا تصاحب المغنى فى أدائه على عكس بقية أعضاء التخت، وإنما تصدر نغمات مصاحبة فى منطقة الأصوات المنخفضة مما يعطى خلفية غنية للحن الأساسى، مما أعطى عمقا لأداء الفريق لم يعهد من قبل فى الموسيقى الشرقية التى طالما اعتمدت على التخت الشرقى البسيط المكون عادة من العود والكمان والقانون والناى بالإضافة إلى آلة إيقاع
وهذه الإضافة تدلنا على أن محمد القصبجي كانت له طموحات موسيقية جاوزت حد التلحين والغناء وأنه أراد تطوير الأداء وتقديم الجديد فى الموسيقى
مدرسة القصبجي
كان محمد القصبجي صاحب مدرسة خاصة فى التلحين والغناء، وقد صنع فى ألحانه نسيجا متجانسا بين أصالة الشرق والأساليب الغربية المتطورة فكان بذلك مجددا ارتقى بالموسيقى الشرقية نحو عالم جديد، واهتم كثيرا بالعنصر الموسيقى إلى جانب العنصر الغنائى فى أعماله
وكما هو الحال مع الرواد فإن ألحان القصبجى ما زالت تردد لليوم ، وكثير من أغانى القصبجى شائعة ومحبوبة لخفة ألحانها ورشاقتها وسهولة أدائها ، وقد لا تتعرف الأجيال الجديدة على اسماء الملحنين القدامى رغم تعرفها على أغانيهم ، لكننا هنا نلقى الضوء على أسمائهم وأعمالهم حتى تكتمل المعرفة ويرد الجميل إلى صاحبه ، ومن أشهر ألحان القصبجى يا بهجة العيد السعيد ، مدام تحب بتنكر ليه ، ورق الحبيب لأم كلثوم ، وليت للبراق عينا وإمتى ح تعرف لأسمهان
أثبت محمد القصيجى قدرته على تغيير الفكر الموسيقى وأسلوب الأداء بما يجعل إضافاته أساسا بعد ذلك يأخذ به من بعده ، وسجل بذلك اسمه فى سجل الخمسة الكبار
القصبجى المعلـــم
بالإضافة إلى إنتاجه الفنى الرائع فقد كان علمه الموسيقى غزيرا ، وهو أستاذ لجيل آخر من موسيقيين وفنانين كبار أكملوا المسيرة الفنية فى القرن العشرين وقد تعلم منه محمد عبد الوهاب ورياض السنباطى وام كلثوم وأسمهان وفريد ، خاصة تعلم العود ، وقد قدم القصبجى خدمة جليلة للفن الموسيقى العربى كأستاذ للموسيقى الشرقية وآلة العود بمعهد الموسيقى العربية ، فهناك تعلم على يديه فنانون كثيرون
وأشد المتأثرين بفن القصبجي من الملحنين اثنان هما رياض السنباطى وفريد الأطرش. وقد بدأ السنباطى حياته الفنية بحفظ وغناء ألحان القصبجى ، وعندما بدأ التلحين كان واضحا فى ألحانه انتمائه إلى تلك المدرسة التى نشأ فيها ، إلى درجة التشابه الشديد أحيانا فى الألحان ، ومن المعروف أن السنباطى من تلاميذ القصبجى فى العزف على العود
أما فريد الأطرش فلم يستطع الفكاك من مدرسة أستاذه ، والواقع أن أشهر معزوفاته وتقاسيمه على العود والتى اشتهرت فى سائر أنحاء الوطن العربى هى نسخ من تقاسيم محمد القصبجى الذى لم يكن يؤديها فى حفلات على الجمهور كما كان يفعل فريد ، بل إن ألحان فريد الأطرش والمعروفة بجمل لحنية معينة تكررت فى أغانيه مقتبسة من ألحان القصبجى ربما كما هي
القصبجى وأم كلثوم
بدأ محمد القصبجى التلحين لأم كلثوم عام 1924 بأغنية من نوع الطقطوقة هى قال إيه حلف ما يكلمنيش من مقام الراست، لكن العلاقة بينهما لم تبدأ من فراغ ، فقد كان معلمها ومرشدها ، وتعلمت على يديه أصول المقامات والعود ، وكان هو الذي اقنعها بالتحول من الانشاد الديني إلى الغناء ، وبذلك يكون هو المكتشف الحقيقى لأم كلثوم
قدم محمد القصبجى أم كلثوم فى ما قارب 70 لحنا ، وهو بذلك يحتفظ بأطول قائمة من ألحان أم كلثوم بين جميع من لحنوا لها بعد رياض السنباطى ، ولولا توقفه عن التلحين لفترة طويلة لكنا استمعنا إلى روائع أخرى كثيرة ، ويندرج معظم ألحانه فى اللون العاطفى الرومانسى وغالبيتها من كلمات الشاعر أحمد رامى فارس الرومانسية الغنائية
فى عام 1941 لحن محمد القصبجى رائعته رق الحبيب لأم كلثوم ونجحت نجاحا كبيرا ومازالت تلك الأغنية تتردد لليوم كأحد أفضل ما قدمته أم كلثوم. ولا يزال المقطع الشهير من كتر شوقى سبقت عمرى يوحى للسامع حتى بعد مرور عشرات السنين بما قصد الشاعر تصويره وقد نجح القصبجى فى التعبير عن الصورة الشعرية بأفضل أسلوب، وللأغنية مقدمة موسيقية متميزة هى من كلاسيكيات الموسيقى العربية
ويقال إن أم كلثوم قد طلبت من القصبجى الاقتصار على التلحين لها فقط والمقصود بذلك عدم قيامه بالتلحين لأسمهان فى ظل المنافسة المشتعلة بين المطربتين لكن القصبجى رفض طلب أم كلثوم، ولم يكن يدرك بالطبع أن أسمهان سترحل عن الدنيا بعد قليل لكنه القدر. توفيت اسمهان لكن أم كلثوم رفضت حينئذ الغناء من جديد للقصبجى ردا على موقفه وتوترت علاقتهما مما أدى إلى توقفه عن التلحين لها بعد ذلك، وخسر الجمهور المزيد كنوز القصبجى وروائعه
ومع هذا فقد ظل ضيف شرف فى فرقة أم كلثوم الموسيقية كإسم كبير وعازف عود من الطراز الأول، وكان يكفى وجوده فى الفرقة وظهوره فى الصف الأول لإضافة قيمة كبيرة للفرقة ولما تقدمه، بل وشرف كبير للملحنين الجدد الذين قاموا بالتلحين لأم كلثوم بعد ذلك فقد قام بأداء ألحانهم مع فرقة أم كلثوم وهذا فى حد ذاته مكسب كبير لأى ملحن بما يوحى به من اعتراف ضمنى بجودة اللحن وتمكن الملحن ، وقد استمر كذلك نحو 20 عاما حتى توفى الموسيقار الكبير عام 1966
أســــمهان
بدأ محمد القصبجى التلحين لأسمهان عام 1931 فلحن لها عدة أغنيات منها كلمة يا نور العيون، اسمع البلبل، كنت الأمانى، وأشهرها إمتى ح تعرف. كان لأسمهان صوت صاف رقيق وذو إمكانيات عالية ورأى القصبجى فى صوت أسمهان وأدائها فرصة لتطوير الاغنية العربية بتطبيق قواعد الأداء الغربى المتطور مع الاحتفاظ بأسس الموسيقى العربية ومذاقها ، وقد ولاقت تجربته نجاحا كبيرا تألق معه نجم أسمهان ، ويبدو أن رفض القصبجى لطلب ام كلثوم بوقف التلحين لاسمهان كان السبب في رفضها ان يلحن لها بعد رحيل اسمهان عام 1944
غير الأغانى لحن القصبجى أربعة أوبريتات هي المظلومة ، حرم المفتش ، كيد النساء وحياة النفوس. وقدمت ألحانه السينما المصرية فى العديد من الأفلام منها أفلام أم كلثوم، أسمهان، ليلى مراد، إبراهيم حمودة، عبد الغني السيد، نور الهدى، صباح، وهدى سلطان، وسعد هؤلاء بألحانه التى ساهمت فى صنع أسمائهم. وقد ضمت هذه الأفلام المئات من ألحان القصبجى المتميزة والمنتمية إلى مدرسته الحديثة الراقية ذات المستوى الرفيع
نقــد محمد القصبجي
رغم كل ما قدمه الموسيقار الراحل من جهد وفن فإنه كان باستطاعته تقديم أكثر مما قدم بكثير ، وهناك عدة أسباب جعلت أعماله تكمن فى نطاق محدود منها:
* توقفه عن التلحين لقرابة عشرين عاما، وربما عاد هذا إلى أم كلثوم أكثر منه إلى القصبجى كما تقدم ووفاة أسمهان المفاجئة وهى فى سن الشباب ، وكان ينوى استثمار إمكانيات صوتها لأقصى حد
* عدم توغله كثيرا فى المنطقة الشعبية من الفن ، وقد يرجع هذا إلى تركيبة القصبجى النفسية والمزاجية الحالمة ، وإلى كونه موسيقيا أكاديميا بالدرجة الأولى
* الإقلال من القصائد وشعر الفصحى، ولا شك أن هذا البعد قد أضفى الكثير من القيمة إلى فن من لحقوه كمحمد عبد الوهاب ورياض السنباطى ولو أنه كان قد أكثر منها لأضاف إلى أعماله الكثير خاصة فى ظل قدراته وإمكانياته الفنية العظيمة ورقى فنه بشكل عام
* بعده عن المسرح الغنائى، رغم أنه قد لحن للمسرح لكن ليس بقدر كبير، وهذا مما يدعو للاستغراب حقيقة لأن إمكانيات محمد القصبجى الفنية الهائلة كانت تمكنه من خوض هذا المضمار بتمكن تام دون شك. وربما أدى نجاح القصبجى فى الأغنية ووصوله إلى القمة من خلالها إلى تشجيع فنانين آخرين على الاقتصار على هذا النوع من الفنون الموسيقية كمحمد عبد الوهاب ورياض السنباطى بينما استمر الشيخ زكريا فى تقديم عشرات من الأوبريتات المسرحية
غير أن هذه الانتقادات لا تنقص من قيمة أعمال محمد القصبجي بأى حال ، والأمثلة كثيرة
فبالنظر إلى سيد درويش وزكريا أحمد نجد أعمالهما قد بنيت أساسا على الموسيقى الشعبية المستوحاة من كلمات الأغانى التى كتبت معظمها بالعامية المصرية، والقليل من الفصحى، وقد استطاع كلاهما الوصول إلى أعلى الدرجات الفنية عن طريق استثمار الفن الشعبى؟ وبينما كتب معظم أغانى القصبجى شاعر رقيق كأحمد رامى فقد اعتمد سيد درويش على كلمات بديع خيرى وهو أفضل من كتب ألأغانى الشعبية وهو الذى صور أغانى الطوائف فى تلك الصور الغـنية التى ألهبت خيال سيد درويش، وأمير شعر العامية بيرم التونسي الذى كتب له نصوص أغانى الأوبريت الشهير شهرزاد
كما اعتمد الشيخ زكريا أيضا كثيرا على أشعار بيرم الغنائية وكونا معا ثنائيا متجانسا فى الفن الشعبى استمر لسنوات عديدة وعلى العكس فقد بنى رياض السنباطى مجده على تلحين القصائد والموضوعات الكلاسيكية ولم يلجأ إلى الفن الشعبي إلا فى حدود
ورغم أن توقف القصبجى عن التلحين بعد اختلافه مع أم كلثوم قد قصر من عمره الفنى إلا أن المستوى الفنى لا يقاس بالسنين ولا بكم الأعمال، وتكفى الإشارة هنا إلى سيد درويش الذى استطاع تغيير موسيقى أمة بأكملها فى ست سنوات فقط هي كل عمره الفني
أما بعد القصبجي عن المسرح الغنائى فربما يعزى إلى تراجع النشاط المسرحى عموما بعد إنشاء الإذاعة المصرية وظهور السينما في أوائل الثلاثينات
الخلاصة
وإذا أردنا تلخيص أثر الموسيقار محمد القصبجى على غيره من الفنانين فربما تكفى الإشارة إلى أنه كان معلم الجيل اللاحق من الرواد، وأنه قدم للجمهور أم كلثوم وأسمهان، ثم اجتهاد الموسيقيين الجدد بعد ذلك فى اتباع مدرسته فى التلحين والموسيقى. ولا شك فى أن آثار الموسيقار محمد القصبجى قد بقيت فى موسيقاه كما استمرت فى موسيقى تلاميذه محدثة موجات متتالية من التطور ومكملة لصورة النهضة الموسيقية التى شهدها القرن العشرين
ويبقى رصيد الموسيقار الكبير شاهدا على نهضة حقيقية شهدتها فترة نشاطه، كما تبقى القيمة الحقيقية لموسيقاه مقدرة كما هو الحال مع غيره من الرواد بمعيارين أساسيين أولهما أن الموسيقى أو اللحن يحتفظ بجماله وروعته حتى إذا نزعت منه الكلمات، ومع الكلمات تبدو الألحان معبرة تماما عن مكنونات السطور والشعور، وثانيهما أن موسيقاه حملت إضافات جديدة واستمرت تلك الإضافات كملامح أساسية فى الموسيقى بعد ذلك، وبهذا يعتبر أحد المجددين فى الموسيقى العربية
هذه رحلة قصيرة مع فن الموسيقار الكبير المبدع وصاحب مدرسة من أروع المدارس الموسيقية، لكن فنه وجهاده وكذلك صبره وإخلاصه يحتاج لتأمل أكثر بكثير، بحث وتحرير د.أسامة عفيفي - محمد القصبجي 1898 - 1966