Sayed Darwish Works أعمال سيد درويش

نقد وتحرير: د.أسامة عفيفي

أشهر الأوبريتات

أوبريت العشرة الطيبة

أعيد تقديم أوبريت العشرة الطيبة بعد وفاة سيد درويش بسنوات فقدمته الإذاعة المصرية في الخمسينات موزعا توزيعا أوركستراليا حديثا للموسيقار عبد الحليم علي وأداء أوركسرا الإذاعة بقيادة الموسيقار محمد حسن الشجاعي، ثم قدمت بالإسكندرية في السبعينات بإشراف محمد البحر نجل سيد درويش والموسيقار محمد عفيفي

أوبريت شــهرزاد

أعيد تقديم أوبريت شــــهر زاد بعد وفاة سيد درويش وقدمته إذاعة القاهرة في الخمسينات بقيادة الموسيقار محمد حسن الشجاعي وعلى مسرح سيد درويش بالإسكندرية في السبعينات بقيادة الموسيقار محمد عفيفي وفي دار الأوبرا عام 1992 بقيادة الموسيقار مصطفى ناجي في الاحتفال بالمئوية الميلادية لسيد درويش

أوبريت الباروكة

أعيد تقديم أوبريت الباروكة بعد وفاة سيد درويش فقدمت فى القاهرة بإخراج زكي طليمات وإشراف محمد البحر نجل سيد درويش عام 1959 والفرقة الاستعراضية الغنائية على مسرح محمد عبد الوهاب بالإسكندرية عام 1997

ســـر أسماء الروايات

وقد يتساءل بعضنا لماذا تلك الأسماء الغريبة للمسرحيات ، والواقع أن أسماء الروايات كانت كأنها تعكس مسرحا كبيرا  تعمل عليه الفرق في تنافس وانسجام في آن واحد، وكلما نجحت رواية لإحدى الفرق جاءتها رسالة من فرقة أخرى منافسة بعنوان قد لا يمت لموضوع المسرحية بصلة لكن مغزاه في النكتة أو القفشة المصرية التقليدية. وتعبر الرواية الناجحة عن نجاحها بكلمة موجهة للفرق الأخرى قائلة "اللي فيهم " على سبيل المثال أي أنها الأفضل ، فتقدم فرقة أخرى رواية بعنوان "ولـــو" تعني نحن هنا ، ثم يجئ رد من فرقة ثالثة تقول "إش" في تنبيه لأنها قدمت مفاجأة جذبت الجمهور ، فترد الأخرى بعنوان "رن" أي ابق على حالك يا مسرح فلان فنحن على القمة، ثم يأتي من يقدم "أحلاهم" أي أحلى الفرق وأحلى المسرحيات ، ثم تتباهى إحدى الفرق بنجاح أحد عروضها وتعد بالمزيد فيكون العنوان التالي " ولســه" أي ما زال هناك المزيد. وهكذا .. وهي رسائل موجهة للحمهور أيضا الذي كان يتابع ساحة التنافس بين العروض في شغف وربما لا يدري إلى أيها يذهب!

وقد يتذكر بعضنا فؤاد المهندس في أواخر القرن العشرين عندما أطلق مسرحية باسم "روحية اتخطفت" فردت عليه فرقة أخرى في نفس الشهر بمسرحية عنوانها "احنا اللي خطفناها"! وكلا الفريقين يذكر بالطبع تلك المباريات بين فرق الريحاني والكسار وغيرها في أوائل القرن ، المهم أن الجمهور يصبح طرفا

ولعل أطرف تلك العناوين والردود عنوان " قولوا له" لفرقة الريحاني ويأتيه الرد بقفشة مضحكة فعلا من فرقة الكسار بعنوان "قلنا له" في تورية غاية في الذكاء، فهى تنفي أن الخطاب كان موجها لها وأيضا تقول لصاحب الخطاب عن طريق إشراك الجمهور في اللعبة بالرد "قلنا له" وهو اصطلاح في اللهجة المصرية يعنى  أبلغناه مرارا بأنه لن يفلح وأننا مستمرون في التفوق عليه وكسب الجمهور! وبالطبع فإن لتلك الروايات أسماء أصلية وضعها مؤلفوها ولكن قد يضحي بها صاحب الفرقة وهو المنتج في سبيل تغذية تلك الحرب التجارية بشيء من الدعاية فنجد مسرحية بنت الحاوي مثلا يتغير اسمها إلى " راحت عليك " وليس المقصود هنا خلاصة موقف داخل المسرحية بقدر ما هو رسالة موجهة لفرقة منافسة بالدرجة الأولى

هل رأيت فى أي من بلاد العالم شيئا مثل هذا يحدث؟! إنه ولع المصريين بالقفشات والنكات، وهي تأخذ قالب القافية الفكاهي الشائع بين عامة الشعب المصري حيث يتبارى اثنان أو أكثر في اللعب بالألفاظ وابتكار صور من التورية غاية في البراعة في مختلف المناسبات

ويهمنا هنا أن نسجل هذه الصورة لبيان عدة مؤشرات:

أولها كيف كان حال المسرح وكم كان نشطا وغزير الإنتاج ، وكيف كان الجمهور يقبل على المسارح ويغذي الحركة الفنية بتواجده المستمر وانفعاله بما يقدم ، وتجاوب الجمهور لا يأتي من فراغ

ثانيها أن ألحان تلك المسرحيات ولو أنها لفرق مختلفة ومتنافسة كانت كلها لسيد درويش ، ويقال لذلك أن سيد درويش قد عاصر العصر الذهبي للمسرح فرقا وجمهورا ، ولكن في رأينا أن العكس هو الصحيح، أي أن سيد درويش هو الذي خلق العصر الذهبي للمسرح وجعل كل الفرق وكل الناس تتمتع بفنه الرائع، فالمسرح كان موجودا قبله وظل موجودا بعده، ولكن لم يكتب له مثل ذلك الازدهار

ثالثها أن سيد درويش قد تمكن بقدرة عجيبة على إمداد تلك الفرق الكبيرة بألحان متنوعة كانت العنصر الأساسي في نجاح عروضها حيث كان الجمهور يخرج منتشيا أو متحمسا من الصالة بعد انتهاء العرض مرددا ما سمعه من ألحان جذابة يجدها معبرة عنه ومصورة آماله وآلامه أيضا

رابعا أن سيد درويش كان المنبع الذي أخذ منه المتنافسون مواردهم الحقيقية لتقديمها للجمهور. وفي الوقت الذي كانت تتنافس فيه الفرق وهو يمدها جميعا وحده بألحانه كان يبدو وكأنه ينافس نفسه، فلم يكن هناك على الساحة لا من يستطيع ولا من يجرؤ على لمس آفاقه الفنية. والحقيقة أن ألحان سيد درويش كانت هدف المسرحيين الأول، كل فرقة تريد أن تتفرد به لضمان نجاحها وزيادة جمهورها، لكن سيد درويش لم يحتكره أحد وظل يعمل للجميع دون تفرقة، ولذا فإنه يستحق عن جدارة لقب أبو المسرح الغنائى العربي

أعمـال سيد درويش

معظم هذه الألحان سجلت على اسطوانات بصوت سيد درويش أو بأصوات مطربين ومطربات آخرين أو بصوت المجموعة، ومع اندثار تلك الاسطوانات بمرور الزمن أصبح المتوفر منها قليلا وقد طبع بعضها على شرائط كاسيت في الثمانينات ولكن ظل أهم مرجع لألحان سيد درويش هو حفظة ألحانه ممن عاصروه وأبناؤه وهواة موسيقاه بعد ذلك إلى جانب الفنانين الكبار مثل محمد عبد الوهاب وزملائه من الرواد اللاحقين

وفي موطنه الإسكندرية أنشئ فريق كورال باسم سيد درويش ظل يقدم ألحانه في الحفلات العامة على مدى 25 عاما منذ 1967 حتى 1992 بقيادة الموسيقار السكندري محمد عفيفى والذى يعد أهم مرجع فني في ألحان سيد درويش ثم تولت فرقة الإسكندرية للفنون الشعبية مهمة تقديم تلك الألحان من عام 1992 حتى 1997 بقيادته أيضا، وقد احتفظ بمكتبته الخاصة بالنوت الموسيقية كما كتبها سيد درويش. كما تحتفظ بعض المراكز الثقافية المصرية كدار الأوبرا وأرشيف الإذاعة وبعض المكتبات وقصور الثقافة بتسجيلات ونوت وكتب ودراسات عن فن سيد درويش بالإضافة ما آل منها إلى أسرته

لكن اللافت للنظر أن المعاهد الموسيقية العربية وكليات التربية الموسيقية ما زالت لا تهتم كثيرا بفن هذا الرائد العظيم وتعتمد في مناهجها على التراث الشرقي القديم ذي الأصول التركية والمناهج الغربية في تدريس الموسيقى، وهي تخرج ألوفا من الخريجين كل عام والنتيجة لا شيء يستحق الذكر .. لا رأينا سيد درويش جديد ولا سمعنا عبد الوهاب آخر

ورغم أن سيد درويش قد نال من الشهرة ما نال سواء فى حياته أو بعد مماته لم يصل إلا القدر اليسير من فنه إلى غالبية الأجيال اللاحقة، ولا يمكن بأي حال اعتبار ما تم تقديمه من أعمال بعد رحيله كافيا أو موازيا لما ناله من تقدير الشعب والفنانين والنقاد على السواء

ونحن لا نطالب بعودة فن سيد درويش للحياة فهو فن حي رغم أنوف كثيرة ، ولا نطالب الناس بالاستماع إلى فن قديم، فهو قد سبق عصره بمراحل، بل سبق عصرنا هذا الهزيل. وإنما نطالب بعودة سيادة القيم الفنية الراقية والفن الرفيع على الساحة الفنية والاجتماعية والسياسية أيضا، فإن أهم ما قدمه سيد درويش هو قيمة افتقدت قبله وافتقدت بعده وهى حرية التعبير. أليس هذا هو مطلب الجماهير الآن في كل مكان، بل أليس هذا بعينه هو السمة الأساسية لكل المجتمعات المتحضرة؟!

إن فن سيد درويش ليس موسيقى وألحانا وغناء فقط ، لقد كان إنسانا شابا متفاعلا مع كل شيء فى الحياة بإيجابية تامة، لا يرضى لنفسه ولا لغيره ووطنه إلا الكرامة والعزة وحريته المطلقة فى النقد والتعبير ، وقد اتخذ موقعه الصلب إلى جانب أبناء شعبه بكل قوة وصبر فى سبيل ذلك كثيرا ، لم يغن للسلطة يوما ، ولم يهلل لشعارات كاذبة ، ولم يكتف بالطبل والزمر مثل آلاتية العوالم والكباريهات وفنانى الفيديو كليب ، قال عنه سعد زغلول أن سيد درويش كان زعيما وطنيا لأنه عبر عن آمال الناس وطموحاتها ، وقال فيه صفوة مفكرى مصر الرواد مرثيات تهتز لها الأبدان، لقد كتبوا فيه شعرا، بما فيهم أمير الشعراء أحمد شوقى ، وكتب شعرا فيه بيرم التونسى وأحمد رامى والعـقاد والمحدثين مثل صلاح جاهين وغيره، قال عنه محمد عبد الوهاب أنه الأستاذ الأكبر ، وقال عنه السنباطى أن كل ما نحن فيه من فن أثر من آثار سيد درويش، ولم يكن كل ذلك إلا لأن الرجل كان صاحب رسالة. لقد نشأ وسط الشعب وأفنى حياته من أجل البسطاء والرقى بحياتهم، لم يعين فى منصب حكومى ، ولم يأخذ بيده صاحب سلطة ، ولم يكن بيده سلاح غير موهبته وإيمانه بالله وحبه لوطنه ولأمته

وأيا كانت الجهة التى قد تتولى مهمة تقديم تراث سيد درويش وإعادة إنتاج ما قدمه في سنواته الست على مسارح القاهرة فإنها ستكسب كثيرا من وراء ذلك ، نعم تكسب ماديا وكثيرا ، سواء كانت حكومية أم خاصة. ونضرب في ذلك مثلا أمامنا وهو عندما بدأ الفنان إيمان درويش حفيد سيد درويش مسيرته الفنية غنى ألحان الشيخ سيد من جديد، وانطلق بها مسجلا اسمه بين الفنانين النجوم وانتشرت ألبوماته بألحان سيد درويش، ووجد من يمول له ألبومات الكاسيت بل وفيلما سينمائيا يغني فيه أيضا أعمال الشيخ سيد. وحققت تلك الحركة الشجاعة منه ومن المنتج كسبا ماديا هائلا، وكان لها فضل إعلام الجيل الجديد بفن سيد درويش وقد سمعنا ما أداه من أغنيات مطعمة بأداء موسيقي حديث من فرقة حديثة وتوزيع موسيقي جميل أضاف شكلا حديثا لتلك الأغاني جذب إليها الشباب. وقد أظهرت تلك الألبومات تلك الخاصية العجيبة في موسيقى سيد درويش وهي أنها جذبت الناس في وقتها وما زالت تجذبهم للآن ، وقد يقال هذا في الموشحات القديمة وألوان الفولكلور، إلا أن هناك فرقين أساسيين

أولهمـا أن الأغاني التى غناها إيمان احتوى بعضها على ألحان طوائف منقرضة من المجتمع، لم يعد لها وجود على الإطلاق، مثال ذلك الأروام، الجرسونات اليونانيين وغيرهم، وقد ألف هذه الصور بديع خيري وصاغها لحنا سيد درويش، استمدت من واقع المجتمع آنذاك أي أنها كانت صورا واقعية لفئات موجودة تشكي وتئن كغيرها ، وتماما كما استقبلها كافة الناس في وقتها وليس أصحاب تلك الفئات دون غيرهم فقد استقبلها الجيل الحالي بشغف وأقبل عليها، ولا يوجد تفسير لذلك إلا أنها صور صادقة تعبر عن النفس البشرية بصرف النظر عن انتماءاتها، ولأن موسيقى سيد درويش كما قال ناقدنا العظيم الدكتور حسين فوزى لا تكتفي بتعقب الكلمات عن كثب بل تلبسها لبسا .. فيجد المستمع نفسه أمام صورة حية وكأنه يراها ولكن بأذنيه!

ثانيهما أن القديم من الموشحات وغيرها يحب سماعه هواة الموسيقى فقط، أما عامة الشعب فليس بنفس القدر مطلقا، ومع ألحان سيد درويش تنتفي هذه الحالة الخاصة فهى تجذب إليها كل الآذان إلا الصماء

والمطلوب ليس إذاعة ما سمعه الناس وعرفوه، الحلوة دي قامت تعجن، وطلعت يا محلا نورها، وزوروني كل سنة مرة .. المطلوب هو إعادة إنتاج ما لم يسمعه الناس .. كيف من بين مئات الألحان الذاخرة بذاكرة وطن وشعب يعرف الجيل الجديد منها بضعة أعمال لا غير؟ هل هذا ما استسغناه أم أن هذا ما سمح لنا بسماعه؟

المطلوب هو المسرح أبو الفنون جميعا

كان سيد درويش عندما يطلب منه غناء أحد ألحانه في الجلسات الخاصة مع الأصدقاء والفنانين يغني أحد أدواره، أنا عشقت، أنا هويت، أو غيرها، فإذا طلب الحاضرون أحد ألحانه المسرحية رد قائلا: " هذه الألحان لي ، أما من يريد المسرح فليذهب إلى المسرح " .. ما معنى هذا الكلام؟ معناه ببساطة أنه لم يكن يضع ألحانه المسرحية للتطريب والمزاج الشخصي ، ولكنه يضعها في إطارها العام، في التعبير عن النص والفكر المسرحي، في الشخصيات المتنوعة في الرواية ، في المواقف المتباينة، في الحوار بين الأشخاص، في حركتهم، وفي التعبير عن الجماعات وعن صراع الطبقات وعن سلوك البشر في الحياة العامة في كل مداراتها .. هذا هو المسرح، وهذا ما عناه سيد درويش، وما كان ليقتطع جزءا من نسيج متكامل ليتغنى به في جلسة خاصة، فالرجل يعي رسالته تماما وما كان ليعبث بها بنفسه 

والقول بأن العصر قد تغير هو قول مغلوط لا ينم إلا عن الجهل التام والعمى المطلق ، ذلك بأن مجتمعاتنا العربية ما زالت تعاني من نفس الأمراض الاجتماعية التى حاربها سيد درويش. الفقر والجهل والمرض ثالوث مزمن أصاب الناس فى مقـتل، وحريات مفقودة يتنافـس على سـلبها الحكام وهواة التعصب والهيمنة، وأفكار هدامة تدعو للتخلف وتصيب الناس بالعـته ، وتسيب أخلاقي ينتشر بين الشباب ، وفساد اقتصادي وسياسي ، والقائمة طويلة.. 

وهكذا ليست الدعوة لفن سيد درويش هي دعوة لشخص نريد أن نمجده، فالمجد لله وحده، ولا للنغم لأنه نغم، لكنه رمز لما يجب أن يكون عليه فـننا. يجب أن يحمل رسالته السامية من جديد وينفض عنه تراب الركود ويزيل وحل التلهي، وينطلق بالتعبير الصادق إلى آفاق مستقبل أفضل. فليت المدارس والمعاهد تعلم شيئا وليت المسارح تكف عن هز الوسط وليت السينما تمتنع عن الأفلام المشينة والتليفزيون والفضائيات العربية تتوقف عن بث الرذيلة. إن استمرار هذه الاتجاهات سيقضي على الفنون حتما، وأمة بلا فن هي أمة عمياء لا ترى نفسها إلا أحسن الأمم مهما بلغت من تخلف، بحث وتحرير د.أسامة عفيفي، أعمال سيد درويش. ونتساءل ألم يحن الوقت لفك أسـر موسيقى هذا الفنان؟ أم أن القيود التي فرضت على نشر فنه أيام الملكية والاحتلال لاتزال تتمتع بأسباب وجيهة للبقاء؟ 

أعمال سيد درويش - الأوبريتات والألحان - جداول