Mohamed Abdel Wahab  محمد عبد الوهاب

محمد عبد الوهاب 1904 - 1991

بحث وتحرير د. أسامة عفيفي

محمد عبد الوهاب .. اسمه يعنى الموسيقى والفن والغناء والطرب .. وهو على ذلك منذ بدايات القرن العشرين وحتى أواخره ، وشب على فنه وموسيقاه أجيال عديدة فقد مد الله له العمر لكى يمتع أمته بأجمل الألحان

وإذا علمنا أن عديدين غيره من الموسيقيين والملحنين قد عمروا قرب عمره لكنهم توقفوا فى مرحلة ما عن العطاء  وأن من استمر منهم أصبح أسير خطاه الأولى فلم يغير من أسلوبه كثيرا ، وأن عبد الوهاب استطاع أن يكون على القمة دائما بالتجديد المستمر ، ولم يستطع أن يجاريه فى تجديده شباب الملحنين بينما كان هو يجدد وهو فى السبعينات من عمره ... نعرف عندئذ لماذا أصبح محمد عبد الوهاب صاحب هذا الإسم الكبير. ومحمد عبد الوهاب هو أكثر الفنانين الموسيقيين شهرة فى العالم العربى وحققت أعماله أوسع انتشار

أسباب نجاح محمد عبد الوهاب

ويرجع نجاح عبد الوهاب إلى أسباب عديدة منها:

عبد الوهاب الصبي الفنان

محمد عبد الوهاب الصبى الفنان

كان ميلاد محمد عبد الوهاب فى 10 مارس 1904 ، ولد فى أحد أحياء القاهرة الشعبية المسمى باب الشعرية ، ونشأ في بيئة دينية فقد كان والده إمام مسجد سيدى الشعرانى ، أحد جدود محمد عبد الوهاب ، وساعدته هذه النشأة فى حفظ قدر كبير من القرآن الكريم ، وتأثر خاصة بقراءة الشيخ محمد رفعت

ظهرت موهبة الطفل محمد عبد الوهاب مبكرة حيث كان يحفظ ما ترامى إلى سمعه من الأدوار والأغانى القديمة ويرددها فى المدرسة وفى الشارع ، ويتردد على المسارح والفرق لسماع المزيد منها إشباعا لهوايته

عام 1914 بدأ عبد الوهاب العمل كمطرب وهو فى العاشرة من عمره يغنى بين الفصول حيث سمعه فوزى الجزايرلى صاحب إحدى الفرق وقرر تقديمه للجمهور رغم صغر سنه ، بل إنه علق على باب المسرح إعلانا يقول الطفل الأعجوبة الذى يغنى لسلامة حجازى

بينما كان محمد عبد الوهاب يغنى بين فصول الروايات فى فرقة عبد الرحمن رشدى المحامى ، شاهده أمير اشعراء أحمد شوقى فى إحدى الليالى يغنى فأشفق عليه واستنكر أن يحترف العمل فى هذه السن الصغيرة ، واعترض لدى صاحب الفرقة، لكنه لم ينجح فى إيقافه عن العمل إلا عندما استصدر قراراً بذلك من حكمدار القاهرة

انزعج عبد الوهاب لهذا الموقف كثيرا وظل يخشى الظهور أمام شوقى الذى منعه من الغناء، ولم يسمعه شوقى يغنى ثانية إلا بعد عشر سنوات

عام 1917 تنقل محمد عبد الوهاب لعدة سنوات بين عدة فرق مغنيا بين الفصول وعمل أحيانا وراء الكواليس بصوته فقط، وتعرف على عدد من الفنانين

عبد الوهاب في عشرينات القرن العشرين

عبد الوهاب فى عشرينات القرن العشرين

كان عبد الوهاب قد أضاف إلى رصيده الفنى من الغناء القديم من أدوار عبده الحامولى وقصائد سلامة حجازى وغيرهم ما حفظه من أدوار وأغانى سيد درويش المجدد الذى استطاع أن يكون سيد الموسيقى فى مصر فى خلال أربع سنوات فقط قضاها فى القاهرة 1917- 21  ، وساقت إليه الأقدار ذلك العملاق بالصدفة حيث تعرف إليه ثم أسند إليه دور البطولة الغنائية فى أوبريت شهرزاد وهو مازال فى السابعة عشرة من عمره ، فاقترب محمد عبد الوهاب أكثر من سيد درويش وتعلم منه الكثير من الجديــد فى الفن

يعرض بديع خيرى على عبد الوهاب السفر مع فرقة الريحانى فى رحلة إلى فلسطين وسوريا ولبنان ، لكن النتيجة فشل تام، ولم ينجح عبد الوهاب فى تقديم نفسه كمطرب بين الفصول فى تلك البلاد

التحق عبد الوهاب بنادى الموسيقى الشرقى ، فالتقى هناك بمحمد القصبجى أستاذ الموسيقى الشرقية وآلة العود حيث تعلم على يديه العزف على العود وأصول المقامات ، ثم درس بعض اصول الموسيقى الغربية والتدوين الموسيقى بمعهد جويدين الإيطالى بالقاهرة

محمد عبد الوهاب يبحث عن عمل ، وتأتيه الفرصة كمدرس للأناشيد بمدرسة الخازندار الابتدائية ، لم تكن هناك غير أناشيد سيد درويش ، لكن تلاميذ عبد الوهاب لا يعطونه الفرصة ، إنهم شلة من المشاغبين عديمى التذوق ، يفشل أستاذنا فى تدريبهم على أى شئ، فيقرر البحث عن عمل آخر

 فى نفس العام تأتى لمحمد عبد الوهاب فرصة عمره ، يلتقى عبد الوهاب لقاءه بأمير الشعراء احمد شوقى والذى كان نقطة تحول فى حياته ، حيث استمع إلى غنائه فى حفل على مسرح سان استفانو بالإسكندرية وسمح له بالغناء عندئذ وكان عبد الوهاب فى العشرين من عمره ، لم يكن باستطاعة شوقى أن يضيف شيئا لموهبة عبد الوهاب ، لكنه أضاف أشياء إلى مناطق كثيرة فى حياته كان من شأنها صقل تلك الموهبة وتسليحها بالدراسة والثقافة ، فقد قرر أن يتبناه فنيا واهتم بإكمال تعليمه ليس فقط للغة العربية والشعر ، وإنما الموسيقى الغربية أيضا والثقافة العامة ، واستمر شوقى فى رعاية محمد عبد الوهاب وتقديمه إلى صفوة المجتمع من المثقفين وأصحاب النفوذ إلى أن توفى عام 1932 ، وبالإضافة قدم له أشعاره وشجعه على تلحينها

كانت بداية اعتراف المجتمع الفنى بمحمد عبد الوهاب عندما استدعته سلطانة الطرب منيرة المهدية وطلبت منه إكمال تلحين رواية لم يكملها سيد درويش قبل وفاته وهى كليوباترا  

ولا شك أن هذه الخطوة قد أفادت عبد الوهاب كثيرا ، وكانت تحولا كبيرا فى  حياة وفن عبد الوهاب لأسباب عديدة منها:

وكانت نتائج هذا التكليف ذات أثر كبير على عبد الوهاب وعلى مستقبل فنه وملخصها:

وكان الشيخ سيد قد أشركه فى عمل له قبل ذلك هو شهرزاد ، ولكن بصفته مطربا لا ملحنا ، والفرق كبير ، فإن جمال الصوت ليس له علاقة مباشرة بالقدرة على التلحين ، وإن إكمال عمل لسيد درويش يوحى بضرورة السير على نفس المنهاج  وإلا فسيفقد العمل وحدته الفنية ، ومن هنا وجد عبد الوهاب نفسه مضطرا للسير فى طريق سيد درويش ، وقد فعل ذلك فعلا ، عن حب واعتزاز وتأثر بالأستاذ ، لكنه كان فى داخله يهتز كمن أصابه زلزال لإحساسه بعظم المهمة

ويحكى عبد الوهاب عن تلك الفترة أنه كان يتأمل صورة سيد درويش ويشعر بشعورين متناقضين أمامها ، أولهما التقدير الكامل لهذا الفنان والنظر إليه كقمة لا يمكن بلوغها ، وثانيهما أنه يحس بأن عليه هو مواصلة مسيرة الأستاذ وتطوير الفن إلى أعلى مرحلة ممكنة ، وهى مهمة تكاد تكون مستحيلة فى نظره ، فهو فنان متواضع وأين هو من سيد درويش ، لكن يبدو أن تقدير الآخرين لموهبة وقدرات عبد الوهاب كان أكبر بكثير من تقديره هو لنفسه

لقد استشار فى ذلك كل من استطاع التحدث إليه فى الموضوع ، بما فيهم أمير الشعراء الذى لاحظ تردده فنصحه بقبول العرض ، وكان شوقى يعرف سيد درويش جيدا وقد لحن نشيدا من أشعاره بل إنه نظم شعرا مديحا فى الشيخ سيد

وكان هذا التلبس بعيد الأثر فى فن محمد عبد الوهاب ، فإنه للفترة التالية قد أنتج ألحانا كأنها من تلحين الشيخ سيد خاصة فى الأدوار ، منها القلب يا ما انتظر ، وفى الأغانى أيضا إمتى الزمان وغيرها ، وهى ذات المرحلة التى صنعت أجمل ألحان عبد الوهاب وأطلقته إلى القمة باسم كبير ، وللآن تجد بعض الذواقة من الجمهور يقول أنه يحب سماع عبد الوهاب القديم إشارة إلى تلك المرحلة

واستمر تأثره بسيد درويش حتى بعد دخوله دخل عالم السينما فى الثلاثينات والأربعينات ، وحتى فى الستينات كانت لا تزال هناك بصمات سيد درويش فى موسيقى عبد الوهاب

قام عبد الوهاب بتلحين أول أوبريت كاملة له وهى قنصل الوز لفرقة نجيب الريحانى ، بسعى من عبد الوهاب نفسه لدى نجيب الريحانى ليمنحه الفرصة لتلحين إحدى أوبريتاته وقبل الريحانى ونجحت الرواية فعلا بألحان عبد الوهاب

كمن وجد ضالته بدأ شوقى يكلف عبد الوهاب بوضع ألحان لقصائده وغنائها ، وكان شوقى يريد لقصائده الانتشار وكان صوت محمد عبد الوهاب هو الجهاز الإعلامى الذى اختاره لتلك المهمة ، كانت أول أغنية لشوقى يغنيها محمد عبد الوهاب من ألحانه أغنية كتبها بالعامية وهى " شبكتى قلبى ياعينىً" وبها المقطع الشهير " توحشنى وانت ويايا واشتاق لك وعنيك فى عنيىّ "  ، والذى استعار صورته أحمد رامى فى أغنيته لأم كلثوم إنت الحب بعد أربعين عاما فى المقطع " واحشنى وانت قصاد عينى" التى لحنها عبد الوهاب أيضا ، وكان عبد الوهاب يغنى لشوقى قبل ذلك لكن ليس من ألحانه، وكان شوقى يسعد بسماعه يغنى أدوار عبده الحامولى وألحان محمد عثمان ، ومنها ما كان من تأليف شوقى ، ثم بقصيدة ياجارة الوادى  بدأ المجتمع الراقى يتعرف على عبد الوهاب ، ولكى يصقله أكثر قرر أحمد شوقى اصطحاب الفنان الناشئ إلى باريس عاصمة الفن ، وهناك استمع إلى الموسيقى الباريسية والموسيقات الأوربية عموما واتسعت مداركه الفنية لتستوعب فنون الشرق والغرب

شهد عام 1926 أيضا أول أدوار عبد الوهاب "يا ليلة الوصل"، وكان بداية مشواره القصير مع الأدوار الذي لم يستمر إلا لبضع سنوات حيث قدم آخر دور له عام 1932 ثم اعتزل الأدوار تماما بعد ذلك، إذ لم يرض ذلك القالب طموحه في التجديد

سجل عبد الوهاب أول إسطوانه من ألحانه وكلمات الشيخ يونس القاضى ، فيك عشرة كوتشينة ، وقد ظهر فيها تأثره بموسيقى سيد درويش ، وسجل فى نفس العام عددا قياسيا من الألحان بلغ 17 لحنا

أحدث هذا اللحن لعبد الوهاب دويا هائلا وأثار إعجاب الجمهور المثقفين والعامة على السواء ، ويعتبر نقلة كبيرة فى فن عبد الوهاب ، ومن خصائص تلك الأغنية ، وهى من شعر شوقى ، أنها أغنية وصفية ، وقد كتبت الأغنية شكل المونولوج أى تسترسل من البداية للنهاية بدون مذهب وكوبليهات ، وكان سيد درويش أول من أدخل هذا الشكل الغنائى فى أغنيته والله تستاهل يا قلبى ، وتحكى كلمات شوقى كالقصة تأملات إنسان فى الليل الساكن وما يلهمه به من أفكار وأحاسيس ، وقد أعطت عبد الوهاب فرصة كبيرة لإثبات قدرته على التعبير

كان عهدى عهدك فى الهوى يا نعيش سوا يا نموت سوا

لحن عبد الوهاب أهون عليك كأول مونولوج غنائى له من كلمات يونس القاضى فى منافسة مع أم كلثوم التى حققت نجاحا مع أول مونولوج لها من تلحين أستاذه محمد القصبجى ، إن كنت أسامح و أنسى الأسية ، من كلمات أحمد رامى , وكان على عبد الوهاب ليعتلى القمة أن ينافس الاثنين معا ، الملحن والمطربة

في الليل لما خلي.wmv

في الليل لما خلي 1928

أهون عليك.wmv

أهون عليك 1928

عبد الوهاب في الثلاثينات

عبد الوهاب فى الثلاثينات

يجتهد عبد الوهاب فى وضع اللحن ، واشتهر الدور لكن النتيجة نجاح غنائى فقط ، هل كان اللحن ضعيفا؟ لا بالعكس فاللحن غاية فى الجمال ، ولكنه التقليد ، لقد خرج اللحن نسخة من دور سيد درويش ياللى قوامك ، وكذلك كانت أدواره الأخرى تسير على خطى أدوار سيد درويش ، بلغ مجموع أدواره خمسة هى

لكنه يتوقف بعدها عن تلحين الأدوار نهائيا ، كان زكريا أحمد سيد تلحين الأدوار بعد الشيخ سيد درويش مازال يلحن الأدوار واستمر كذلك حتى لحن لأم كلثوم دور عادت ليالى الهنا عام 1938 وهو آخر دور فى الموسيقى العربية ، وكمن كان يقرأ المستقبل ، قرأ محمد عبد الوهاب أن الدور كقالب غنائى قد شارف على انتهاء عهده فترك ذلك الميدان

التقى محمد عبد الوهاب بشخصية أخرى غيرت مجرى حياته فقد تعرف إلى المخرج محمد كريم فى إحدى الحفلات وقد أخرج له أفلامه السته فيما بعد ، وكان محمد كريم هو الذى اقترح على عبد الوهاب العمل بالسينما فقبل ولكن بعد تردد رهيب

أطلق على محمد عبد الوهاب لقب مطرب الملوك والأمراء عندما غنى فى افتتاح معهد فؤاد الأول للموسيقى العربية (معهد الموسيقى العربية) ، أمام بعض الملوك والأمراء الذين حضروا الافتتاح ، وبذلك تم فضل شوقى عليه

أشــعار شوقي لعبد الوهاب

من القصــــــــائد:  ياجاره الوادي ، علموه كيف يجفـو فجفا ، تلفتت ظبية الوادي ، أنا أنطونيو ، مضناك جفاه مرقده  ، سجى الليل ، ردت الروح ، مجنون ليلى ، مقادير من جفنيك ، منك يا هاجر دائي ، يا ناعماً رقدت جفونه ، دمـشـق ، ياشراعاً وراء دجلة يجري، جبل التوباد ، إلام الخلف

من شعر العامية: في الليل لما خلي ، اللي يحب الجمال ، بلبل حيران ، تراضينى وتغضبنى ، شبكتى قلبى ، شجاني نوحك ، قلبى غدربي ، الليل بدموعه جاني ، النبى حبيبك  ، النيل نجاشي

حزن عبد الوهاب كثيرا لفقد أستاذه ومعلمه لكنه استمر فى مسيرته وقد اكتسب العديد من الخبرات ، بعدها سافر إلى بلدان عربية كثيرة وأحيا حفلات ملوكها وأمرائها الذين أغدقوا عليه الكثير من الهدايا والعطايا تقديرا لفنه ، وكان عبد الوهاب قد تعلم أصول مخالطة الخاصة والأثرياء عن طريق شوقى ، وكان له من الأدب الجم وحسن الخلق ما يضمن له ترك انطباع شخصى جيد لدى مضيفيه وقد ظل حاله كذلك للثلاثينات والأربعينات ، كما انخرط فى ميدان جديد تماما هو السينما

دخل عبد الوهاب عالم السينما بأول فيلم غنائى له وعمره 29 عاما ، الوردة البيضاء ، وأتبع هذا الفيلم بخمسة أفلام أخرى، قام ببطولتها تمثيلا وغناء كان آخرها عام 1947 وعمره 43 عاما ، ثم اشترك بالغناء فقط فى فيلمين أحدهما هو غزل البنات مع ليلى مراد ونجيب الريحانى عام 1949 ، والآخر كان فيلم منتهى الفرح عام 1963

احتوت تلك الأفلام على عشرات من أجمل أغانى عبد الوهاب ، وتميزت بالبساطة والتحديث، وقد أدخل إلى أفلامه طابع الحياة الغربية واستخدم إيقاعات أوربية مثل التانجو والسامبا والرومبا

ولا شك أن دخول عبد الوهاب ميدان السينما قد أسهم كثيرا فى صنع مجده الفنى ، ولا زالت مقاطع أغانيه فى الأفلام تذاع لليوم فى جميع محطات الراديو والتليفزيون العربية والقنوات الفضائية ، ونادرا ما تعرض تلك الأفلام كاملة ، فالغرض من إذاعتها هو غناء عبد الوهاب ، وهو الذى أضاف القيمة الكبرى لتلك الأفلام ، وإذا أخذنا فى الاعتبار أن كل ما غناه كان من ألحانه فإن تلك الألحان هى السر الحقيقى فى جمال تلك الأغانى ، ومعظم الجمهور الذى استمع لتلك الأغانى عبر الراديو لا يدرى إن كانت تلك الأغانى قد قدمت فى أفلام أم لا

غنى عبد الوهاب لأول مرة فى ستديوهات الإذاعة المصرية عند افتتاحها عام 1934، ورغم أن الإذاعات الأهلية كانت موجودة قبل ذلك الحين إلا أن أنه لم يكن يسجل لها ألحانه ، وقد فسر ذلك بأنه خشى على اسطواناته من الكساد

بدأ محمد عبد الوهاب مرحلة جديدة تماما فى تاريخ الموسيقى العربية ، إنه يؤلف مقطوعات موسيقية بحتة لا يصاحبها غناء ، وهى ليست على أى من قوالب الموسيقى الشرقية تركية الأصل كالسماعى والبشرف واللونجا ، وإنما شكل جديد فيه الكثير من الحرية فى التأليف

كانت أول مقطوعة له بعنوان فانتازى نهاوند ، أى خيال على مقام النهاوند ، وقد أعطاها هذا العنوان الذى استوعبه الموسيقيون نظرا لتعرفهم مسبقا على اسم المقام ، لكن كلمة فانتازى لم تقصد لغويا فهى اصطلاح موسيقى غربى لشكل تؤلف عليه المقطوعات الموسيقية الصغيرة 

وقد عمد عبد الوهاب إلى أسلوب جديد فى تسمية مقطوعاته بعد ذلك ، إذ أن الأسلوب التقليدى ، الشرقى والغربى ، فى تسمية الموسيقى البحتة يعتمد أساسا على اسم المقام الأساسى المؤلفة منه ، ففى الشرق نقول سماعى بياتى أى مقطوعة موسيقية من مقام البياتى موضوعة على ميزان أو إيقاع السماعى ، ونقول سماعى هزام أى مقطوعة من مقام هزام على نفس الميزان وهكذا ، وفى الغرب يقال سوناتا الكمان من دو ماجير مثلا أى مقطوعة موسيقية من مقام دو ماجير لآلة واحدة هى الكمان ، ويقال كونشرتو البيانو من رى مينير أى مقطوعة لآلة البيانو بمصاحبة الأوركسترا من مقام رى مينير، وقد يضاف رقم إلى اسم المقطوعة مع اسم المؤلف كأن يقال السيمفونية رقم 94 لهايدن أو الأولى لفاجنر ، وللبعض القليل من المقطوعات الغربية أسماء أطلقها عليها مؤلفوها ، كحلم ليلة صيف لمندلسون أو سيمفونية القدر لبيتهوفن مثلا

لكن عبد الوهاب اتخذ من هذا القليل قاعدة لكل أعماله فى الموسيقى البحتة بعد ذلك وأعطى لكل مقطوعة عنوانا حاول التعبير عنه بالموسيقى ، واستمر عبد الوهاب يؤلف مثل هذه المقطوعات حتى الستينات ، وقد حفظها عن ظهر قلب كثير من الموسيقيين فى مصر والعالم العربى ، بل وصارت من النماذج المستعملة كنماذج وتدريبات موسيقية للدارسين مثلها فى ذلك مثل السماعيات الشرقية والسوناتات الغربية

ومن أمثلة ما ألف عبد الوهاب من مقطوعات موسيقية ، حُبي ، إليها ، بنت البلد ، ألف ليلة، عزيزة ، لاسمر ، موكب النور، حياتي ، الخيام ، هدية العيد

من الأدوار  القلب ياما انتظر ، عشقت روحك 

من الأغاني  والقصائد: إمتى الزمان ، أعجبت بي ، الصبا والجمال ، مجنون ليلى ، جفنه علم الغزل ، خدعوها بقولهم حسناء ، علموه كيف يجفو ، النيل نجاشي ،  ســهرت  ، يا دنيا يا غرامي ،  يا دي النعيم ، يا وردة الحب ، أحب عيشة الحرية ، إجري إجري ،  ياوابـور قوللي ، عندما يأتي المساء

1933 الـــوردة البيــضاء: النيل نجاشي، جفنه علم الغزل ، ضحيت غرامي ، نادانى قلبي

1935 دمــــوع الحــــــب:  قصر الأماني ، سهرت منه الليالي

1938 يحيــــــا الحــــــب : يا دنيا يا غرامي ، عندما يأتي المساء ، أحب عيشة الحرية ، يا وابور

القلب ياما انتظر.wmv

القلب ياما انتظر 1931

يا وردة الحب.wmv

يا وردة الحب 1933

عبد الوهاب في الأربعينات

عبد الوهاب فى الأربعينات

غنى عبد الوهاب لآخر مرة فى حفلة عامة أمام الجمهور فى طنطا وكان عمره 36 عاما ، ولكن لماذا يتوقف عبد الوهاب عن الغناء وهو فى قمة مجده؟

الواقع أن عبد الوهاب لم يتوقف تماما عن الغناء فقد استمر ولكن ليس أمام الجمهور ، وكان قراره باعتزال الحفلات العامة راجعا إلى عدة أسباب:

1- التغير فى طبيعة صوته مع تقدم سنه ، فهو قد بدأ الغناء مبكرا وصدرت أول اسطوانة له وهو فى الثالثة والعشرين، وعندما بلغ هذه السن 36 لم يعد بإمكانه تقديم نفس الأعمال ذات الأبعاد الصوتية القاسية التى متع الجمهور بها وعودهم عليها ، وجمهور الحفلات لا يرحم ، فها هو يطلب من عبد الوهاب غناء أغانيه الأقدم التى كانت سببا فى شهرته ويخشى عبد الوهاب أن يفشل فى أدائها بنفس الطريقة فيقرر قصر لقائه بالجمهور على الاسطوانات والإذاعة والسينما

2 - الإذاعــــة كان الجمهور قد تعود أيضا خلال سنوات على الاستماع لأجهزة الراديو التى راجت وانتشرت وقلل ذلك من ارتياد الجمهور الحفلات ، فقد أصبح بالإمكان سماع عبد الوهاب وغيره فى المنازل والمقاهى دون مشقة أو تكلفة

3 - الســـــينما كما أن رواج أفلامه السينمائية أغناه عن تلك الحفلات إذ أن جمهورها كان بالآلاف وفى جميع البلدان العربية ، بينما كان جمهور الحفلات محدودا بالوقت والمكان وبمزاج الجمهور أيضا!

لكن توقف عبد الوهاب قد خدمه وخدم الفن عموما فى مفارقة كبيرة ، ألم يعترض الجمهور على تقديمه الجديد وأصر على طلب القديم فى آخر حفلة له؟ هل يستسلم للجمهور أم يلبى نداء الفن ويمضى فى تحقيق ما يريد؟ لقد أصبح عبد الوهاب هو الفنان الأول وتربع على قمة عالية ، فمن غيره يتجه بالفن إلى التطوير والإضافة؟ هى رسالة إذاً ولابد من المحاولة

لقد تجرأ عبد الوهاب أكثر وبدأ يجرب ، فقد كان يعشق التجديد والتحديث فى كل شيء ، بدءا من أول نغمة موسيقية يضعها فى اللحن حتى الملابس التى يرتديها هو وأعضاء فرقته، وكانت له هذه الفرصة خلف الستار ليجرب أشياء جديدة فى الفن

هكذا أضاف عبد الوهاب تجارب جديدة إلى إنتاجه القديم ، وانشغل بشيئين هامين فى تلك الفترة هما نشاطه السينمائى، وألحان جديدة خارج محيط السينما ، فقدم فى بقية أفلامه ألحانا تميزت بالتطور الواضح لحنا وأداء وتنفيذا ، وله فى تلك الفترة ثلاثة أفلام قام ببطولتها وفيلم اشترك فيه بالغناء فقط وهو غزل البنات بطولة نجيب الريحانى وليلى مراد مقدما أغنيته الشهيرة عاشق الروح ، وهى من العلامات الفارقة فى موسيقى عبد الوهاب ، ويكفى مشاهدة مقطع الأغنية فى الفيلم لنعرف مدى التطوير الذى أحدثه عبد الوهاب فى الموسيقى العربية

من أشهر أغانى عبد الوهاب فى الأربعينات حكيم عيون ، ما كانش ع البال ، يا مسافر وحدك ، انسى الدنيا ، لست أدرى ، حياتى إنت ، همسة حائرة ، القمـــح ، عاشق الروح ، الحبيب المجهول ، الفــن ، قالت ، كليوباترا ، الكرنك ، الجندول ، دمشق ، فلسطين

ورغم أن هذه القائمة تعبر عشر سنوات فقط إلا أن الفرق بين الأغانى الأولى والمتأخرة منها يبدو موسيقيا كأنه عشرات السنين، ولا يمكن بأى حال اعتبارها كلها تنتمى لنفس الجيل، فإن القفزات الموسيقية التى حققها عبد الوهاب فى أغانى لست أدرى، القمـح، عاشق الروح والفــن تضعه بحق فى مصاف المؤلفين الموسيقيين ولايمكن النظر إليه فيها على أنه ملحن فقط، ولم يبلغ هذه المرحلة غيره من الموسيقيين الأوائل أو اللاحقين، ولا شك أنها رفعته إلى مكانة عالية جدا فى الفن

وقد نلاحظ فى هذه الألحان المتقدمة أن عبد الوهاب لم يكن قد استطاع بعد تطويع الكلمات العربية أو عملية التلحين للموسيقى التى يؤلفها بالكامل ، فيما عدا لحن القمح الذى انسجمت موسيقاه المتطورة مع لحنه تماما ، فبدت المقاطع الغنائية فى تلك الأعمال متأخرة عن مقدماتها الموسيقية من ناحية التطور فى التركيب الفنى ، وقد حاول عبد الوهاب حل هذه المعضلة فى لحنه أنا والعذاب وهواك ولكن الفرق ظل موجودا ، وربما لم يصل إلى حلها ثانية إلا بعد ذلك بقليل فى لحن "لا مش أنا اللى ابكى"، ولو أنه زاد على اللحن الأساسى مقطعا تقليديا فى نهايته ، ثم فى لحنيه لعبد الحليم أهواك  و أنا لك على طول أتى بموسيقى جديدة على المسامع العربية لكنه عاد للغناء التقـليدى بعد البداية بقليل

وقد فسر بعض النقاد هذا المنحى بأن عبد الوهاب كان يلحن بعين على الموسيقى وعين على الجمهور ، أى أنه كان يهدف للتجديد كلما أمكنه ذلك خاصة أن قطاعا كبيرا من الجمهور قد أصبح يتذوق وينتظر التجديد مع نمو الطبقة المتوسطة ، لكنه كان يخشى رد فعل الجمهور الذى قد لا يتقبل التجديد ، وكان ينظر إلى كل عمل من أعماله على أنه مغامرة قد تصعد به إلى السماء وقد تهبط به أسفل سافلين ، ولذا كان يحرص على إرضاء جميع الأذواق بالخلط فى أحيان كثيرة بين القديم والجديد ، حتى أن بعضهم شبه ألحانه بأنها عبارة عن طبق من السلطة الفاخرة

1940 يوم سعيد: إيه انكتب لى ، اجرى اجرى ، طول عمرى عايش، أوبريت مجنون ليلى

1942 ممنوع الحب:  يا مسافر وحدك، ما كانش ع البال، ياللى نويت تشغلنى، انسى الدنيا، بلاش تبوسنى، ردى عليّ

1944 رصاصة في القلب:  لست أدرى ، مشغول بغيرى ، أحبه مهما أشوف منه ، حكيم عيون

1947 لست ملاكا: القمح 

1949 غزل البنات: عاشق الروح

قصــائد عبد الوهاب الكبرى

قدم عبد الوهاب سلسلة من القصائد العذبة لأعظم الشعراء تميزت بثراء فنى شديد جعلته يتربع على قمة جديدة غير تلك التى اعتلاها فى شبابه بألحانه الأولى ، إنها قمة الأستاذ الناضج الذى يمثل الآن فن وتراث أمة وليس مجرد إنتاج فردى ، وقد أعلت كثيرا من منزلته ومكانة فنه فى العالم العربى

قدم عبد الوهاب تلك القصائد المتميزة عبر الثلاثينات والأربعينات والخمسينات منها:

القمح.wmv

القمح 1947

عاشق الروح.wmv

عاشق الروح 1949

عبد الوهاب في الخمسينات

عبد الوهاب في الخمسينات

لم ينس عبد الوهاب قط أنه مطرب ، واستمر يغنى حتى الستينات قبل أن يعتزل الغناء فى كل الوسائط ، ورغم تغير صوته فى مراحل متعاقبة استمر كل منها حوالى عشر سنوات تقريبا إلا أن الأداء الجميل أكسب صوته جمالا فى كل مرحلة يسيطر على مشاعر الناس وحواسها رغم تقدمه فى السن ، وكان دائما يكسب عند عقد مقارنة بينه وبين أى صوت آخر على الساحة

هذا عن صوت عبد الوهاب ، أما عبد الوهاب الملحن فلم يستطع أحد الوصول إلى روعة ألحانه ، خاصة تلك التى غناها بنفسه فهى ألحان لها شخصيتها الخاصة ، شديدة الحضور ، متسامية ، وراقية ، ولم يكن يكرر نفسه فى ألحانه. لقد قدم عبد الوهاب عدة ألحان غنائية بلغت من الروعة مستوى قصائده الكبرى ولكنها امتازت بالتجديد الموسيقى من حيث البعد عن الموسيقى الموقعة على أرتام تقليدية سواء كان شرقية أم غربية

ما هذا الذى يقدمه عبد الوهاب فى لحنه الشهير لا مش أنا اللى ابكى؟ هل هذه موسيقى عربية؟ الإجابة أنها لم تكن موسيقى عربية لكنها أصبحت كذلك! لقد بلغ هنا قمة التجديد وقمة الانطلاق فى التأليف الموسيقى. قبل هذا اللحن لم يكن من المتصور أن هناك موسيقى شرقية بهذا الشكل ، إنها تبدو غربية مثل كلاسيكيات الغرب السائدة فى الخمسينات ، إنه يضع موسيقى مختلفة كل الاختلاف عما تعودته الأذن الشرقية

هل أصبح لدينا فرانك سيناترا آخر فى الشرق؟! الحق أن العكس هو الصحيح ، فقد اقتبس فرانك سيناترا لحن عبد الوهاب في أغنيته الشهيرة "غرباء في الليل Strangers in the Night" عام 1966 واعترف بهذا الاقتباس على سبيل الإعجاب بموسيقى عبد الوهاب

وعبد الوهاب هنا يحقق أمنية من أمانى سيد درويش ، إنها موسيقى غاية فى الحداثة وهى الموسيقى يمكن أن يتذوقها الشرق والغرب ، وهى من الرقى بحيث يمكن نفاخر بها أمما أخرى لها باع طويل فى الموسيقى ، وهى موزعة أوركستراليا على أصول الموسيقى العالمية ، لقد قفز عبد الوهاب عاليا ، ولا عزاء لمن لا يستطيع اللحاق به سواء من الفنانين أو من الجمهور ، انتهى الأمر وأصبح محمد عبد الوهاب فوق السحاب

ولكى تكتمل الصورة لم يكن التجديد هنا فى الموسيقى فقط ، فقد حملت الكلمات التى صاغها حسين السيد ، صاحب أكبر عدد من الأغانى لعبد الوهاب بين المؤلفين ، معان جديدة قدمت نموذجا فى الحب غير ذلك الذى شاع الغناء له قبل ذلك ، إنه يقدم محبا جديدا يرفض الشكوى والبكاء والتمتع بالعذاب فى الحب ، يحترم ذاته ويقدم كبرياءه على حبه

فى نفس الفترة قدم عبد الوهاب ألحانا عديدة لغيره من المطربين الجدد ، مثل ليلى مراد ونجاة وفايزة وصباح وغيرهم كما قدم العديد من الأغانى الوطنية التى روجت لثورة يوليو

أطلقت ثورة يوليو شعور عبد الوهاب الوطنى من مكمنه ، فبعد طول مهادنة مع العهود الملكية أسفر محمد عبد الوهاب عن وجه قديم افتقده منذ أن ضمه شوقى إلى الحاشية الملكية وسعى له حتى خلع عليه لقب مطرب الملوك والأمراء ، فظهر بكل طاقته يعبر عن قيم الحرية التى أطلقتها الثورة ، واندمج فى سلسلة من الأعمال الوطنية ، وقد بدأت صحوته تلك فى وقت مبكر من عمر الثورة وقد غنى منها الكثير بصوته ، كما لحن منها العديد لغيره من المطربين

وكانت قيادة الثورة فى حيرة من أمرها مع أم كلثوم وقد صدر قرار بمنع أغانيها فعلا من الإذاعة باعتبارها من رموز العهد الملكى ولم ينقذها من ذلك القرار غير تدخل شخصى من جمال عبد الناصر الذى دافع عنها بشدة ، لكن ذلك لم يحدث مع عبد الوهاب الذى كان يحمل لقبا ملتصقا بالعهود الملكية أشد الالتصاق ، ترى لماذا؟

الإجابة على هذا السؤال تتطلب العودة إلى ما كان يقدمه عبد الوهاب فى الأربعينات أى فى العقد السابق للثورة مباشرة

لقد قدم عبد الوهاب مجموعة من القصائد الوطنية التى لم تتعرض لا للملك ولا للنظام لا بالمديح ولا بالانتقاد ، لكنها كانت جميعها قصائد وطنية بمعنى الكلمة ، بل إنها تتفوق على جميع أغانيه الوطنية المباشرة التى قدمها بعد الثورة والتى لم تخل من مدح النظام الجديد وإنجازاته ، وقد تغنى فى تلك القصائد وهى من الشعر العربى الراقى الحديث بوصف مصر ، أرضها ونيلها ونسيمها وتاريخها وآثارها ، فقد غنى الجندول والكرنك وكليوباترا ، دعاء الشرق ، فلسطين ، وبعد ذلك النهر الخالد ..

هذه الأعمال ذات القيمة العالية كلاما ولحنا ميزته عن باقى الفنانين بأنه قد أصبح يمتلك مجموعة من الأعمال الوصفية غنية بحب الوطن والتغني بجمالياته واعتز الناس بها كثيرا بل أصبحت من رموز الشرق ، ومعها عبد الوهاب ، لقد أصبح رمزا هو الآخر ، رمزا وطنيا يتأثر الناس فى مشاعر عميقة كلما سمعوه يتغنى بإحدى هذه القصائد ، وهذا السجل الذى كتبه عبد الوهاب بفنه وإخلاصه ورقى قيمه  لم يكن باستطاعة أحد محوه بقــرار ، بل إن ضباط الثورة أنفسهم تأثروا بتلك القصائد كغيرهم من فئات الشعب المصرى الباحث عن هويته وسط ظروف غاية فى الصعوبة من فقد السيادة والحرية بسبب قهر الاستعمار وفساد الحكام

غير أن أغنية واحدة هى أغنية الفــن ، وهى من أروع أغانيه ، والتى مدح فيها الفن وسمو قيمه تم منع إذاعتها بعد الثورة حيث ذيلت بمديح للملك ، وإن لم يتعد ذلك المديح رعايته للفن

قصيدة فلسطين ، أخى جاوز الظالمون المدى ، أغنية وطنية هى أبعد ما تكون عن حماسة الخطوة العسكرية والأناشيد ، لكن عبد الوهاب بلحنه وأدائه يحرك أعمق ما فى الإنسان من مشاعر ، وقد جعل عبد الوهاب الناس تحس بالكلمات والمعانى أعمق الإحساس ، واللحن عربى مائة فى المائة ، شعرا ومقاما ونغما مس كل قلب فى المنطقة العربية  

تميزت الخمسينات بسيطرة أربعة أصوات على الساحة الغنائية لكل منها رصيد جماهيرى كبير ، إلى جانب عشرات من الأصوات الأخرى ، والأصوات الأربعة هى أم كلثوم ، محمد عبد الوهاب ، عبد الحليم حافظ وفريد الأطرش ، كان لفريد الأطرش جمهوره الخاص فى مصر والشام مسقط رأسه ، أما عبد الوهاب وأم كلثوم فكانا على القمة منذ زمن طويل ، وعبد الحليم كان فى مستهل حياته الفنية لكنه انتشر انتشارا واسعا بفضل السينما والإذاعة والألحان الجديدة

كان هناك ملحن واحد وراء كل صوت من هذه الأصوات الأربعة ماعدا عبد الحليم كان يلحن له ثلاثة ملحنين ، أحدهم عبد الوهاب واثنان من الملحنين الجدد هما كمال الطويل ومحمد الموجى ، وقد نجح كل منهما أيضا فى التلحين لأم كلثوم ، وبالتالى أصبحت كفة الملحنين الجدد أرجح فى سوق الفن ، فهما غزيرا الإنتاج واكتسبت ألحانهما شعبية واسعة وغنت لهما أم كلثوم وعبد الحليم  فماذا بعد؟ هنا يأتى محمد عبد الوهاب ليس المطرب أو الملحن ولكن رجل الأعمال الذكى ، بعين على الفن وعين على السوق والجمهور ، تبنى الصوت الجديد الصاعد عبد الحليم حافظ ووقع معه عقودا لبعض الاسطوانات وفيلمين ، ثم كون شركة إنتاج مع عبد الحليم والمطربة الجديدة ذات الصوت الناعم التى دربها بنفسه نجاة الصغيرة ، هى شركة صوت الفن ، وبذلك أشرك عبد الوهاب عبد الحليم فى عملية صناعة الأغنية كشريك تجارى وتمت له السيطرة العملية على ما يمكن أن ينتجه عبد الحليم ، وهى شركة قائمة للآن رغم وفاة صاحبيها واعتزال الشريك الثالث

ولو أن عبد الحليم لم يغن أغانى عبد الوهاب القديمة ، ولا نتصور أنه كان بإمكانه غنائها من الناحية الفنية ، ولا عبد الوهاب توقف عن الغناء كلية ، ولكن بدأت مرحلة غريبة نتجت عن تلحين عبد الوهاب أغان جديدة لعبد الحليم

وأغرب ما فى تلك المرحلة بالنسبة لعبد الوهاب ، وكان لا يزال يغنى بنفسه ، أنه وعبد الحليم كانا شريكين متعاونين ومتنافسين فى ذات الوقت ، كان يلحن لنفسه لحنا ثم يعقبه بلحن لعبد الحليم فإن نجحت أغنيته فلحنا وأداء ، وإن نجحت أغنية عبد الحليم فللحنه نصيب من النجاح يحافظ على اسمه عند الجمهور ، وكان شائعا أن يسائل الناس بعضهم بعضا هل تحب عبد الوهاب أم عبد الحليم؟!

هناك حكاية عن أول لقاء جرى بين عبد الوهاب وعبد الحليم لا ندرى مدى صحتها ، وملخصها أن عبد الحليم كان مطربا مبتدئا ، وكلما هم بالغناء فى إحدى الحفلات طالبه الجمهور بالغناء لعبد الوهاب الذى اعتزل الحفلات ، ورغبة منه فى مقابلة عبد الوهاب ذهب إليه لكنه تلعثم فى الكلام أمام الفنان الكبير ، فأشفق عليه عبد الوهاب وظن أنه يطلب مالا فقدم له مبلغا ليشعر عبد الحليم بالحرج الشديد ويمضى حزينا ويظل كذلك حتى قابله مرة أخرى بعد ذلك بعامين حيث اتفقا على عمل فنى فى هذه المرة

يشعل عبد الوهاب مشاعل جديدة على طريق التحديث ولكن بصوت عبد الحليم ، يلحن له أنا لك على طول وأهــواك فبضرب فى كل مرة عدة عصافير بحجر ، إنه يقول للجميع أنا عبد الوهاب ، للقدامى والمحدثين ، ويضمن انحياز الأصوات الجديدة له ، ويعبئ الجمهور ضد كل محاولات التحفظ ، ويطبع بصماته على كل الألحان القادمة ، ويعلن أن المستقبل للتجديد والابتكار

من ألحان عبد الوهاب لعبد الحليم فى الخمسينات:  توبـــة  ، أنا لك على طول ، أهواك ، عقبالك يوم ميلادك ، ظلموه  

النهر الخالد.wmv

النهر الخالد 1954

دعاء الشرق.wmv

دعاء الشرق 1954

عبد الوهاب في الستينات

عبد الوهاب في الستينات

استمر محمد عبد الوهاب فى تقديم ألحانه للآخرين لكنه توقف عن الغناء فى منتصف الستينات تقريبا ، وله فى تلك الفترة أعمال وطنية متميزة مثل ناصر ، والله وعرفنا الحب ، وطنى حبيبى ، الجيل الصاعد ، صوت الجماهير ، ياحبايب بالسلامة

ومن الغريب أن عبد الوهاب بعد كل هذا التاريخ وقد اعتلى كل هذه القمم لم يستطع الهرب من تأثير موسيقى سيد درويش، فتسمع فى لحن والله وعرفنا الحب ولحن يا حبايب بالسلامة موسيقى سيد درويش واضحة كالشمس! 

ولعبد الوهاب فى هذه الفترة بعض القصائد العاطفية نذكر منها لنجاة الصغيرة أيظن ، وماذا أقول له من أشعار نزار قبانى ، ولا تكذبى التى غناها عبد الوهاب وعبد الحليم ونجاة الصغيرة كل بمفرده من شعر كامل الشناوى

عام 1963 ظهر عبد الوهاب فى آخر فيلم سينمائى له باسم منتهى الفرح اشترك فيه بالغناء فقط بأغنية هان الود ، واعتزل بعدها الغناء تقريبا وتفرغ للتلحين

عام 1964 تم لقاء القمتين محمد عبد الوهاب وأم كلثوم فى أول عمل فنى مشترك هو إنت عمري، كلمات أحمد شفيق كامل، وانتهت بذلك عقود طويلة من المنافسة بينهما ، وبدأت مرحلة جديدة من إبداعات عبد الوهاب الموسيقية استمرت عشر سنوات. لم يكن اللقاء لا عفويا ولا مخططا له ، فقد بلغ كل منهما من السن والمكانة ما بلغ ، ولم يكن فى ذهن أحد أن تلتقى القمتان بعد هذه السنين من الافتراق

فى تحليل ذلك الموقف يقول موسيقار الإسكندرية محمد عفيفي ، وكان صديقا لمحمد عبد الوهاب وقام بتلحين بعض الأغانى التى لم تسجل لأم كلثوم:  "كان عبد الوهاب يخشى صوت أم كلثوم وكانت أم كلثوم تخشى ألحان عبد الوهاب ، هكذا بدت الصورة التى استمرت عشرات السنين ، لم يكن هناك أى شك فى نجاح عمل يتمه الاثنان معا لكنها غيرة الفنان ، يخشى الملحن أن ينسب نجاح اللحن لصوت المطربة الكبيرة ، وتخشى هى أن تغطى موسيقى الملحن الكبير على صوتها ، وهكذا دار الاثنان فى حلقة مفرغة"

على أنه قد لاحت هناك فرصة لإنهاء ذلك الموقف بعد اعتزال عبد الوهاب الغناء مباشرة ، فقد أصبحت أم كلثوم وحدها على قمة الساحة الغنائية ، وكان باستطاعتها الغناء وبأفضل ما يكون. شخص واحد فى مصر استطاع أن يقبض هذه الفرصة ، لم يكن فنانا ولا ناقدا وإنما كان متذوقا للفن وكان أيضا صديقا للاثنين ، وقد أقنعهما بفكرة الاشتراك فى عمل واحد من غناء أم كلثوم وتلحين عبد الوهاب وفعلا تم اللقاء الذى سمى بلقاء السحاب فى الأغنية الشهيرة إنت عمرى من كلمات الشاعر أحمد شفيق كامل عام 1964 ، ولم يكن ذلك الشخص سوى الرئيس جمال عبد الناصر!

لاقت إنت عمرى نجاحا منقطع النظير ، وأصبحت على كل لسان منذ اليوم الأول لإذاعتها ، بل إن صداها قد تعدى المنطقة العربية وغنتها بعض الفرق الأوربية خاصة فى اليونان ، ودخلت البيوت والمدارس ومعاهد الموسيقى والأندية والمقاهى والصالات وأصبح اللحن المفضل والمطلوب فى أى جمع ، وجن الناس بها جنونا من فرط حلاوتها ، وكان هواة الموسيقى يبدأون تعلم الموسيقى خصيصا ليتعلموا عزف هذه الأغنية ، أما من تعلم الموسيقى قبل ذلك فقد طغى اللحن الجديد على كل ما سبق وأصبحت أصابعه تعزف اللحن تلقائيا كلما سنحت الفرصة. والحقيقة أن هذا النجاح لم يتحقق بصوت أم كلثوم وإنما بموسيقى عبد الوهاب

عند الاستماع إلى المقدمة الموسيقية التى وضعها عبد الوهاب لهذا اللحن نجد فرقا كبيرا بينه وبين كل ما قدمه عبد الوهاب من قبل من ناحية ، ومن ناحية أخرى فرقا على نفس المستوى بين هذه الأغنية وبين كل ما قدمته أم كلثوم

استسلمت أم كلثوم لموسيقى عبد الوهاب ، أو هكذا بدت ، فهى لا تستطيع إلا أن تتقبل نجاحه الذى هو نجاح لها فى الوقت ذاته ، وهكذا تبين أن اجتماع القمتين قد أضاف نجاحا إلى نجاح ، وربما ندم الاثنان على تأخرهما فى اللقاء طويلا

كان رياض السنباطى هو ملحن أم كلثوم الوحيد تقريبا فى تلك الفترة ، فقد لحن لها آخرون ولكن ليس فى انتظام ولا مقدرة السنباطى ، لكن تأثير السنباطى الكبير على الساحة أدى إلى تاثر الملحنين الجدد به ولم يجدوا بدا من التلحين لأم كلثوم على طريقة السنباطى لضمان النجاح ، وكانت أم كلثوم بطبعها ميالة إلى المحافظة كالسنباطى ، وإذا اضفنا لذلك أن السنباطى قد أدخل نفسه فى سلسلة من الألحان المتشابهة لأم كلثوم لدرجة أنك تستطيع بكل سهولة الدخول فى أحدها والخروج إلى آخر ثم العودة دون أن يلحظ المستمع أنك قد تركت الأغنية ، إلا إذا كان يحفظ تلك الأغانى المطولة جميعا عن ظهر قلب ، هكذا نصل إلى أن فن أم كلثوم كان فى حاجة إلى تجديد

وقد تم لعبد الوهاب تحقيق ذلك التجديد فى موسيقى إنت عمرى ، ولأول مرة فى تاريخ أم كلثوم يطلب الجمهور إعادة مقطع من أغانيها لا تغنى فيه كوكب الشرق بل تعزف فيه الموسيقى فقط ، وأم كلثوم تنتظر فراغ الجمهور من استقبال تلك الشحنة الهائلة التى فجرتها موسيقى عبد الوهاب

وقد كرر عبد الوهاب هذا الأسلوب فى كل مرة لحن فيها لأم كلثوم ، وفى كل مرة يقدم شيئا جديدا ومبتكرا وفائق الجودة ، وتكرر نفس الاستقبال الجماهيرى الحار فى كل منها ، بل وأصبح الجمهور ينتظر موسيقى عبد الوهاب ويطير فرحا مع كل موسيقى جديدة ، ومع الوقت أصبحت تلك المقدمات الموسيقية مقطوعات مستقلة تعرف بأسماء أغانيها وتعزفها كل الفرق الموسيقية فى جميع المناسبات!

ألحان عبد الوهاب لأم كلثوم فى الستينات

1964 إنت عمــــــــــــري     أحمد شفيق كامل

1964 على باب مصــــــر     كامل الشناوى

1965 إنت الحــــــــــــــب    أحمد رامى

1965 أمــــل حيـــــــــاتي    أحمد شفيق كامل

1966 فكـــــــــــــــــروني    عبد الوهاب محمد

1968 هـذه ليــــــــــــلتي     جورج جرداق

1969 أصبـح عندي بندقية   نزار قبانى

إنت عمري.wmv

إنت عمري 1964

أمل حياتي.wmv

أمل حياتي 1965

عبد الوهاب في السبعينات والثمانينات

عبد الوهاب في السبعينات

تغير الزمن وانتشرت الموسيقى الأجنبية فى البلاد ، وهذه مصنوعة بدرجة عالية من الكفاءة وأقبل عليها الشباب بكثافة ، وهنا يظهر خطر جديد على الموسيقى العربية ، ترى من يتصدى له؟ لقد كان لعبد الوهاب فضل كبير فى مواجهة هذه الحملة ، وما أدخله من موسيقى متطورة فى أغانى أم كلثوم كان يبتلع كل تأثيرات الغرب ، فهو يحتفظ بأصالة الشرق وطعم أنغامه الشجية ، وفى نفس الوقت يدخل الآلات الغربية فى جمل من ابتكاره لم تعزف من قبل على تلك الآلات مثل الجيتار والأورج ، ويسمع الجمهور أصواتا حديثة وأنغاما جديدة غاية فى الشياكة والإبداع ، واستمر عبد الوهاب على ذلك المنوال عشر سنوات يقدم لأم كلثوم أغنية جديدة كل عام أصبحت من علامات الموسيقى العربية ، وقد عود جمهوره على انتظار التحفة القادمة بشغف شديد ، إنه عبد الوهاب ، وحتما سيقدم شيئا جديدا وممتعا

اشتعلت المنافشة بين ملحنى أم كلثوم ، حاول بليغ حمدى وحاول السنباطى وحاول محمد الموجى وحاول سيد مكاوى ، ولكن هيهات .. لم يلحق أحد بعبد الوهاب أبدا ، رغم أنه كان أكبرهم سنا وأقدمهم فى الفن ، لكنه أستاذ الجميع ، هو القائد والجميع يتبع ألحانه البراقة دائما ، وأفادت المنافسة كل الأطراف ، عبد الوهاب وأم كلثوم والملحنين الآخرين الذين أبدعوا أفضل ما عندهم ، وربما لم يصل لحن واحد لملحن آخر إلى مستوى القمة إلا لحن الأطلال للسنباطى ، ومع ذلك يبقى فى إطار أنه قمة شرقية محافظة

ألحان عبد الوهاب لأم كلثوم في السبعينات

1970 دارت الأيـــــــــــام     مأمون الشناوى 

1970 أغـــدا ألقــــــــــاك     الطيب آدم

1971 ليــــــلة حـــــــــب    أحمد شفيق كامل 

بعد وفاة أم كلثوم عاد عبد الوهاب ليلحن لعبد الحليم حافظ ، الذى كان قد كون ثنائيا فنيا مع الملحن الجديد بليغ حمدى منذ سنوات ، فلحن له قبل رحيل عبد الحليم عام 1977 فاتت جنبنا و نبتدى منين الحكاية  ، وكالعادة تفوقت الموسيقى على الغناء

محمد عبد الوهاب والسلام الوطني

فى السبعينات أيضا يطلب من محمد عبد الوهاب طلب رئاسى جديد ، من الرئيس السادات هذه المرة ، إن السادات مهتم ببعض الرموز الوطنية والسياسية ، فهو قد غير اسم الدولة ، وغير شكل العلم ، ووضع دستور جديد يحمل الشعارات الجديدة، ولكن فى نظره بقى شيء هام هو النشيد الوطنى ، كان اسم الدولة الجمهورية العربية المتحدة منذ قيام الوحدة بين مصر وسوريا عام 1958 وحتى عام 1970 عند وفاة عبد الناصر ، وكان علمها يتوسطه نجمتان ترمزان للدولتين الداخلتين فى الوحدة ، وكان النشيد القومى قد وضع لحنه الموسيقار كمال الطويل أيام حرب 1956 فى نشيد لحنه لأم كلثوم بعنوان والله زمان يا سلاحى واختاره جمال عبد الناصر ليحل محل السلام الملكى الذى وضعه الموسيقار الإيطالى فيردى

ورأى السادات فى حركته لتغيير الرموز ضرورة انتقاء لحن جديد للسلام الوطنى يساير التغيرات فى الرموز الأخرى ، وهو قد أعاد اسم مصر إلى اسم الدولة بعد حذفه لقرابة 12 عاما ، وكان الطلاب فى المدارس يهتفون فى طابور الصباح تحيا الجمهورية العربية المتحدة بينما لم يكن هناك شئ بهذا الاسم لعشر سنوات منذ انفصال سوريا ، فأصبح الاسم الجديد جمهورية مصر العربية ، وأعاد شعار النسر المصرى إلى العلم مكان النجمتين تمشيا مع الواقع ، وهكذا طلب من محمد عبد الوهاب وضع نشيد وطنى لمصر ، وفرح عبد الوهاب بالتكليف الجديد لكن فرحته لم تدم طويلا ، رغم أن السادات قد منحه رتبة عسكرية فخرية هى رتبة لواء إلا أنه طلبه كان مشروطا وبشرط قاس ، فقد طلب من عبد الوهاب عدم وضع نشيد جديد وإنما فقط إعادة صياغة نشيد مصر الأول الذى عاد وحده تلقائيا بين الجماهير فى تلك الأيام بعد النكسة وردده الناس بحماس فى كل مكان ومناسبة وهو نشيد بلادى بلادى لسيد درويش!

هنا يتبين شيئ جديد فى شخصية عبد الوهاب الفنان الإنسان الوفى وذو الشعور المفعم بالوطنية ، إنه ينسى ذاته ، ينسى أنه عبد الوهاب ، ينسى أنه وأنه وأنه ، ويندمج فى شئ واحد فقط هو إخراج نشيد سلفه سيد درويش فى أبهى صورة

لقد وضع السادات تحت إمرة عبد الوهاب فرقة الموسيقات العسكرية المصرية الحائزة على المركز الأول بين الفرق العسكرية العالمية لعدة سنوات على التوالى ، وبها أمهر الخبرات ولها كل الإمكانيات بدءا من الآلات حتى الملابس ، ويتفرغ عبد الوهاب للمهمة فى تواضع شديد واعتراف جميل بفضل موسيقار مصر الأول ونابغتها سيد درويش ، والذى استطاع توحيد أبناء أمته فى نشيد رمزى من كلماته ولحنه بعد نصف قرن من رحيله ، ويقود محمد عبد الوهاب الموسيقى العسكرية وهو فى زيه العسكرى لتعزف نشيد بلادى لأول مرة فى تاريخها ويتحول من نشيد شعبى إلى نشيد رسمى ، وتطير نوتته الموسيقية إلى السفارات المصرية فى جميع أنحاء العالم وتودع نسخ منها بجميع السفارات الأجنبية بالقاهرة ، ليعزف فى جميع المناسبات الوطنية والدولية

في الثمانينات

بعد ذلك لم يتبق على الساحة أصوات ذات قيمة بعد وفاة أم كلثوم وعبد الحليم غير المطربة نجاة الصغيرة فلحن لها لحنا من شعر نزار قبانى هو أسالك الرحيلا فى أواخر الثمانينات ثم انشغل بالصحافة وأجهزة الإعلام التى كانت تسعى للحصول منه على مادة تحكى قصة حياته وآراءه فى الفن والحياة

دارت الأيام.wmv

دارت الأيام 1970

ليلة حب.wmv

ليلة حب 1971

عبد الوهاب في التسعينات

في التسعينات

عام 1990 فاجأ عبد الوهاب الجمهور بمفاجأة لم تدر بخلد أحد ، لقد قرر الغناء مرة أخرى! اختار عبد الوهاب أغنية فلسفية من كلمات الشاعر مرسى جميل عزيز بعنوان "من غير ليه" يقول مطلعها

جاييـــن الدنيـــــــا ما نعرف ليه ولا رايحين فين ولا عايزين إيه

مشــــــاوير مرسومة لخطاوينـا نمشــــــيها ف غربـة ليــــــالينا

يوم تفرحــــــنا ويوم تجرحــــنا واحنــا ولا احنــا عارفين ليــــه

زى ما جــــــينا ومش بإيديــــنا ولا عارفيــــن أبدا ليــه جينـــــا

وقد غناها قبل وفاته بعام واحد حيث توفي في الثالث من مايو عام 1991. اقتربت هذه المعاني كثيرا من أغنية قدمها عبد الوهاب قبل ذلك بسنوات طويلة هي لست أدري للشاعر إيليا أبو ماضي تقول

جئت لا أعلـــم من أين ولكنى أتيــت ولقد أبصـرت أمـامى طريـقا فمشيت

وسأبقى سائرا إن شئت هذا أم أبيت كيف جئت .. كيف أبصـــرت طريقي .. لســت أدرى ..

إن عبد الوهاب الذى اعتزل الغناء تماما قبل ذلك بنحو ثلاثين عاما وكان فى الستين من عمره يغنى الآن وهو يقترب من التسعين ، هل كان هذا قرارا حكيما؟ خاصة من إنسان عرف بالتفكير مرات عديدة قبل أن يقدم على أى شيء؟! لم يأت قراره بتقديم تلك الأغنية من فراغ بل كانت له دوافع كثيرة أهمها:

محمد عبد الوهاب صوت الأمة

عام 1991 رحل الموسيقار الكبير الذي لقب بموسيقار الجيل في الخمسينات ثم بموسيقار الجيلين في الستينات ثم بموسيقار الأجيال في الثمانينات، بل لقب بالهرم الرابع، وترك ثروة كبيرة من الفن الراقي هي كنز من كنوز الموسيقى العربية. ودعته مصر كلها في موكب مهيب وشارك في وداعه الملايين من العرب الذين متعهم بفنه طوال حياته عبر شاشات التليفزيون وعلى صفحات الصحف والمجلات. وصدر في عام وفاته عشرات الكتب والمقالات والبرامج الإذاعية والتليفزيونية تقدم فنه أو تتحدث عن حياته وأعماله وآرائه في الفن والدنيا. ومما نشر عنه فيلم وثائقى فرنسي بعنوان محمد عبد الوهاب، لا تزال تعرضه القناة الفضائية الفرنسية من آن لآخر. هكذ أثبت محمد عبد الوهاب أن الفنان الذي يحترم نفسه وفنه وأمته جدير بالاحترام من الجميع، وقد نجح في أن يصبح صوت الأمة بعد سيد درويش. بحث وتحرير د.أسامة عفيفي، محمد عبد الوهاب