تجسيد خصائص موسيقى سيد درويش

تتجسد في لحن بلادي بلادي بصفة خاصة أربع خصائص مجتمعة من خصائص موسيقى سيد درويش في التأليف الموسيقى والبناء الفني وهى:

1 ضبط البنــاء اللحني

2 اختصار اللزم الموسيقية

3 استخدام التبـاين محل التلوين

4 بساطة اللحن

والنشيد عموما يختلف غيره من الأشكال الموسيقية بكونه أداة تعبير عن الجمهور ، ولذلك يلزم له تلك الخصائص الأربع بالذات وإلا احتاج لأحد المطربين ليقوم بغنائه

ولنتأمل جمل النشيد لنرى كيف تظهر تلك الخصائص

يتكون نشيد بلادي من مقطعين رئيسيين هما المذهب والكوبليه

المذهب مكون من جملة كاملة من بيت واحد في شطرتين هما

بلادي بلادي .. لك حبي وفؤادي

ويتكون الكوبليه من بيتين شطرتان في كل منهما

مصر يا أم البلاد .. أنت غايتي والمراد

وعلى كل العبـاد .. كم لنيلك من أيادي

وعلى نفس المنوال جرى نظم بقية الكوبليهات

1- ضبط البنــاء اللحني

إذا قمنا بعد الأزمنة الموسيقية فى أي شطرة نجدها مماثلة لعدد الأزمنة في الشطرة المقابلة في نفس البيت ، وأيضا لعدد الأزمنة في الشطرات التالية حتى نهاية النشيد ، وهناك وحدتان زمنيتان في كل شطرة من المذهب ، ونلاحظ هنا أيضا مسالة تربيع الجمل الموسيقية أي جعلها في وحدات تتكون كل منها من 4 مازورات

2- اختصار اللزم الموسيقية

لا توجد أية لزم موسيقية في هذا اللحن

3- استخدام التبـاين محل التلوين

لو قسمنا البيتين الأول والثاني من الكوبليه إلى 4 شطرات نجد:

- الشطرة الأولى تقف على الدرجة الثانية

- الشطرة الثانية تقف على الدرجة الثالثة

- الشطرة الثالثة تقف على الدرجة الخامسة

- الشطرة الرابعة والأخيرة على درجة الركوز منهية الغناء على أساس المقام

4- بساطة اللحن

تتجلى بساطة هذا اللحن في أن أبعاده الغنائية لم تتعد الدرجات الخمس الأولى من السلم الموسيقي (فا ماجير). وتبدأ الحركة الأولى (حرف واحد) بقفزة تأتي من خارج الزمن من الدرجة الخامسة للأوكتاف الأدنى وكأنها استعداد وتحضير لبدء الغناء المنظم للمجوعة مع أول دقات المارش

ويضاف إلى ذلك تكرار اللحن في الكوبليهات، بحيث تتغير الكلمات فقط، وهذا الأسلوب ضروري للتركيز على وحدة اللحن والجو العام من ناحية ومن ناحية أخرى لتسهيل ترديده على الناس

بين سيد درويش وبيتهوفن

وهذا ليس فقرا من سيد درويش فإن نشيد بلادى من أعظم أعماله جميعا على بساطته، وهذا يذكرنا بأعظم أعمال بيتهوفن في السيمفونية التاسعة المسماة بالكورالية، وهي الوحيدة التي تضمنت غناء، فبعد أن أدلى كل بدلوه موسيقى وغناء جاءت قمة العمل بصوت مجموعة الكورال تؤدى لحنا اشتهر في العالم كله ومازال يغنى للآن حتى في أبسط الصور دون أوركسترا ويعزفه الكبار والصغار. ولم يكن نجاح هذا المقطع ، وبالتالي السيمفونية كلها، إلا بسبب بساطة لحنها ، فهي أيضا لم تتعد الخمس درجات الأولى من السلم الموسيقي، ومن الملاحظ أيضا لجوء كل منهما إلى استعمال الدرجة الخامسة في الأوكتاف الأدنى لمرة أو مرتين خلال اللحن!

بنى بيتهوفن سيمفونية كاملة من أجل أن يصل إلى هذه الذروة ، لكن سيد درويش، كعادته، دخل في الموضوع مباشرة

هكذا نجد أن المثالين يشتركان فى صعوبة قابليتهما للغناء الجماهيرى وإن اختلف السبب، وقد أدت هذه الأناشيد فرق ومجموعات لكنها فرق مدربة تدريبا عاليا، أما فى حالة سيد درويش فنجده قد صاغ أناشيده للجمهور لينشدها مباشرة، فحرص على بساطة اللحن وقوته فى نفس الوقت 

وبينما أدى عبد الوهاب أناشيده بصوته وهو المطرب الأول، أو اشترك فيها بالغناء مع مجموعة من المطربين وفرق الكورس المحترفة داخل الاستديوهات كان سيد درويش يؤدى أناشيده مع الناس فى الشارع أثناء المظاهرات التى كان يقودها بنفسه