عندما يأتي المساء - محمد عبد الوهاب

عندما يأتي المساء.wmv

عندما يأتي المساء

كلمات: محمود أبو الوفا

ألحان وغناء محمد عبد الوهاب

مقام راست - فيلم يحيا الحب 1938

عرض وتحليل د.أسامة عفيفي

اشتهرت "عندما يأتي المساء" بلحنها السريع الخفيف على إيقاع راقص في منتهى الطرب، والإيقاع مصدره أمريكا اللاتينية

  • الموسيقى

بدأ عبد الوهاب لحن "عندما يأتي المساء" بتيمة موسيقية مميزة على إيقاع لاتيني الأصل، جديد على موسيقاه وعلى الموسيقى العربية بشكل عام، وهو نوع من أنواع الرومبا، وعلى مقام شرقي أصيل هو مقام الراست.

أعاد عبد الوهاب نفس التيمة الموسيقية في وسط الأغنية ثم في نهايتها، لكنه في النهاية جعلها مغناة بالكلمات

لا يمكننا أن نبدأ في متابعة الغناء قبل أن نتأمل خصائص هذه المقدمة الموسيقية الفريدة التي ميزت لحن القصيدة بل تكاد تكون هي اللحن كله

خصائص المقدمة الموسيقية

1. الدوران: القابلية للدوران خاصية موسيقية تتمتع بها قليل من الجمل أو الفقرات الموسيقية بصفة عامة، وهي تعني أن الجملة تمتلك القدرة على التكرار الذاتي غير الممل، بل يستمتع السامع بتكرارها ويود ألا يتركها إلى غيرها، وإذا تركها يبتهج لعودتها

2. الاستقلال: لا تعتمد الجملة الموسيقية على جمل أخرى ولا تحتاج لتمهيد، أو بعبارة أخرى جملة "مقفولة" تستمد حلاوتها من ذاتها

3. التميز: تتفرد بلحن خاص لا يتشابه مع جمل أخرى سابقة أو لاحقة في أي لحن آخر، مما يجعل الموسيقى قابلة للتذكر، ويحصنها في نفس الوقت ضد الاقتباس

هذه الخصائص قد تجتمع في موسيقات أخرى لأنها خصائص عامة، وهي تختلف عن الملامح الخاصة لموسيقى بعينها مثل المقام أو الإيقاع

من أمثلة الموسيقى "الدوارة" في الموسيقى الغربية اللحن المميز للسيمفونية التاسعة لبيتهوفن. اجتمعت هذه الخصائص في ذلك اللحن حتى ميز السيمفونية كلها وطبعها بطابعه. وبالمناسبة فإن بيتهوفن قدمه كموسيقى أولا ثم بمصاحبة غناء الكورال قرب نهاية السيمفونية، وهذا ما فعله أيضا عبد الوهاب في "عندما يأتي المساء"

  • الغنــاء: رغم أن الغناء يبدو متحررا من الإيقاع في البيت الأول يستعمل عبد الوهاب جملة لحنية إيقاعية مميزة من المقام الأساسي كخلفية للغناء تستمر حتى نهاية البيت ويستعيدها مرة أخرى في وسط القصيدة

  • المقام: لم يخرج الملحن كثيرا عن المقام الأصلي، واستخدم بجانبه فرعا أصيلا من فروعه هو راست سوزناك. استخدم عبد الوهاب مقام السوزناك ببراعة كبيرة حيث فاجأنا بالتحول إلى النغمة المميزة للمقام عند لفظ "المساء"، ثانية نغمات جنس الحجاز الشجي أعلى مقام السوزناك، وهو تحول تعبيري في المقام الأول، وقد أدخل هذا التحول لترقيق نغمات الراست التقريرية الواضحة كالشمس، حينما احتاجت الكلمات إلى جو تأملي بعيدا عن صخب المقدمة، ليناسب تأمل مقدم المساء بهدوئه وحلول الظلام ثم ظهور النجوم في السماء تدريجيا وكأنها " تنثر". وقد أعاد الركون إلى نفس النغمة مع الحيرة الواردة مع التساؤل عن نجم بذاته في لفظ "نجمي"

  • لكنه في المقابل أدخل وصلات موسيقية قصيرة من السلم الملون "الكروماتيك" بين الجمل الغنائية، في تضاد كبير مع السلطنة الشرقية الطاغية والمهيمنة على اللحن كله. هذا الجمع يفعل فعل "الكونتراست" في الفن التشكيلي أو "التضاد"، وهو هنا ليس تضادا شكليا فقط وإنما ينقل السامع إلى واد آخر من الموسيقى غير واضح المعالم، ولا تستطيع أن تنسبه إلى أي مقام شرقي أو غربي، وربما يريد لفت انتباه المستمع إلى أن من يغني يعاني من قلق بالغ وحيرة قاسية

  • قبل نهاية اللحن، وبعد الاسترسال في البيت "لم أجد في الأفقِ نجما واحدا يرنو إليَّ" نجده ينهي البيت مستخدما تيمة الأذان .. حتى بدا مع الحديث عن الأفق والنجوم وكأنه يؤذن لا يغني

  • في النهاية غنى عبد الوهاب آخر بيت على نفس لحن التيمة الموسيقية السريعة التي بدأ بها، مطوعا بذلك مفردات الشعر العربي الكلاسيكي الفصيح لإيقاع غاية في الحداثة، كما فعل قبل ذلك في "سهرت" و"جفنه علم الغزل"، ومحافظا على الجو الشرقي بحفاظه على المقام الشرقي في الغناء. وفي نفس الوقت وضع نموذجا للغناء على جملة موسيقية موضوعة أصلا كموسيقى خالصة

  • استيراد الإيقاع: وبمناسبة استخدام إيقاع "لاتيني" يجب الإشارة إلى أن من المتعارف عليه عالميا أن استخدام القالب أو الشكل أو الأسلوب لا يدخل تحت بند الاقتباس أو النقل أو التعدي بأي صورة على عمل فني بعينه. على سبيل المثال في الشعر إذا نظم أحد الشعراء قصيدة أو زجلا أو أو أغنية أو موشحا فإنه قد استخدم الشكل والقالب ولم يتعد ذلك إلى نقل أبيات من شاعر آخر. كذلك إذا ألف أحد الموسيقيين سيمفونية أو كونشرتو أو استعمل إيقاع الفالس أو غيره فإنه لا يكون بذلك قد تعدى على الملكية الفكرية لأي شخص. على العكس فإن تبادل استخدام الأشكال والأساليب بين الثقافات المختلفة هو أحد مظاهر تفاعل الحضارات على مر التاريخ وهو مصدر إثراء للحركة الإنسانية الإبداعية بشكل عام

  • يلزم الإشارة إلى أن أحد الموسيقيين الفرنسيين ادعى ملكية هذا اللحن، لكن الحقيقة أنه لا أحد في فرنسا ولا في أمريكا اللاتينية يستعمل مقام الراست، أو حتى يستطيع استعماله، فهو لا يوجد على الإطلاق في الموسيقى الغربية

من هذا الكم مما تابعناه حتى الآن من قصائد عبد الوهاب التي بدأها عام 1926، ولما يدخل عبد الوهاب بعد في قصائده الكبرى، ولا أم كلثوم، يبدو أن غناء الشعر والقصائد الراقية انتشر بنجاح فى ذلك الوقت، حتى أنها دخلت في صناعة الأفلام السينمائية.

عندما يأتي المساء، ونجوم الليل تُنْثر اسألوا لّليل عن نجمي، متى نجميَ يظهر

عندما تبدو النجوم في السما، مثلَ اللآلئ إسألوا هل من حبيبٍ، عنده علمٌ بحالي

كلُّ نجمٍ، راح في الليل بنجم يتنور غيرَ قلبي، فهو ما زال، على الأفقِ محيَر

يا حبيبي، لك روحي، لك ما شئت وأكثر إنَّ روحي، خير افق فيه أنوارك تظهر

كلَّما وجَّهتُ عيني نحو لمَّاح المحيَّا لم أجد في الأفقِ نجماً واحداً يرنو إليَّ

هل تُرى يا ليل أحظى منكَ بالعطف عليَّ فأغني وحبيبي، والمنى بين يديَّ