قارئة الفنجان - تحليل موسيقي


قارئة الفنجان

آخر أغنية لعبد الحليم حافظ 1976

ألحان محمد الموجي - شعر نزار قباني

مقام نهاوند - تحليل موسيقي د.أسامة عفيفي

كلمات قارئة الفنجان

قارئة الفنجان – لحن محمد الموجى

كلمات نزار قبانى – غناء عبد الحليم حافظ

جلست والخوف بعينيها

تتأمل فنجاني المقلوب

قالت يا ولدي لا تحزن

فالحب عليك هو المكتوب

يا ولدي قد مات شهيداً

من مات فداء للمحبوب

يا ولدي

بصرت ونجمت كثيراً

لكني لم أعرف أبداً فنجاناً يشبه فنجانك

بصرت ونجمت كثيراً

لكني لم أعرف أبداً أحزاناً تشبه أحزانك

مقدورك أن تمضي أبداً في بحر الحب بغير قلوع

وتكون حياتك طول العمر كتاب دموع

مقدورك أن تبقى مسجوناً بين الماء وبين النار

فبرغم جميع حرائقه

وبرغم جميع سوابقه

وبرغم الحزن الساكن فينا ليل نهار

وبرغم الريح .. وبرغم الجو الماطر والإعصار

الحب سيبقى يا ولدي أحلى الأقدار

يا ولدي

بحياتك يا ولدي امرأة

عيناها سبحان المعبود

فمها مرسوم كالعنقود

ضحكتها أنغام وورود

والشعر الغجري المجنون

يسافر في كل الدنيا

قد تغدو امرأة يا ولدي يهواها القلب

هي الدنيا

لكن سماءك ممطرة

وطريقك مسدود مسدود

فحبيبة قلبك يا ولدي

نائمة في قصر مرصود

من يدخل حجرتها .. من يطلب يدها

من يدنو من سور حديقتها .. من حاول فك ضفائرها

يا ولدي مفقود .. مفقود

ستفتش عنها يا ولدي في كل مكان

إجمالا نستطيع القول بأن لحن قارئة الفنجان عبارة عن تشكيلة من الألحان الحديث والتقليدى والسريع والبطئ والشرقى والغربى والمطرب والتعبيرى كل منها له شخصيته المستقلة وطابعه الخاص وقد مزج الموجى كل ذلك فى لحن طويل يصعب أن يحتفظ بنفس النسيج من التناول اللحنى والمقامى والإيقاعى والتعبيرى لكنه نجح فى ربط المقاطع بطريقته الخاصة بحيث تكون عملا واحدا

وكما فى اللحن الغنائى جاءت المقدمة الموسيقية المكونة من أربع حركات أيضا مصطبغة بنفس الصبغة .. "التشكيلة". على الرغم من تتابع حركات المقدمة فلم تنبئ أى منها بطابع الذى يليها أو بطابع عام يربط الحركات الأربع، خاصة أن كل منها تقريبا فى مقام موسيقى مختلف، ولذا تسمع وكأنها أربع موسيقات مستقلة، وهنا يظهر الاختلاف التام عن تلك المقدمة مترابطة البناء فى رسالة من تحت الماء من ألحان الموجى، وعلى هذا لا يمكن أن تصنف تحت الأعمال الموسيقية البحتة

المقدمة الموسيقية

تنقسم إلى أربعة مقاطع رئيسية

1. الحركة الأولى: من ثلاثة أجزاء

2. الحركة الثانية

تبدا بجمل لحنية تصاعدية إلى قمة السلم تتبعها جمل متتابعة تنازلية تقليدية على مقام النهاوند بإيقاع بسيط

3. الحركة الثالثة

هذه الحركة من أجمل ما قدم محمد الموجى كموسيقى، فهى فى غاية الحداثة ليس فقط بالنسبة إلى جو الأغنية السائد بل إلى جو ألحان الموجى نفسه وألحان الشرق بصفة عامة، فهى تتخلى عن وضوح الميلودى لصالح التعبير عن الموقف النفسى للنص، ومع تغيير المقام إلى الماجير المرتكز على أساس المقام الأصلى، تستخدم إيقاعا غير مستخدم هو دوبل الفلس 6/8 كما كانت موسيقى رسالة من تحت الماء، بالإضافة إلى استخدام تآلفات هارمونية مصاحبة وهى حالة نادرة فى الموسيقى العربية، ولا أدرى لماذا تذكرنى هذه الحركة بموسيقى عتاب التى ألفها عبد الوهاب فى الثلاثينات لكنها تحمل نفس الروح فى بعض لفتاتها

4. الحركة الرابعة

حركة تقليدية تماما، وهى إن كانت راقصة ومبهجة إنما تنفصل تماما عن سياق اللحن وتدخله فى الشرقية المطربة، ولا يعفيها من ذلك استخدام الأورج فى أداء الميلودي

بعود لحن المقدمة بعد هذا إلى استحضار جو الشعوذة بإعادة نفس المقطع التعبيرى والجمل غير الميلودية من نهاية الحركة الأولى. وهى من الأدوات التعبيرية الناجحة التى استخدمها الموجى ببراعة، ومهدت بالفعل إلى موقف النص الدرامى والنفسى: قارئة الفنجان تقرأ المجهول ..

وكما ذكرنا فعلى الرغم من تتابع هذه الحركات لم يربطها طابع عام، وباعد بين أجوائها اختلاف مقاماتها وإيقاعاتها

اللحن الغنــــائي

1. المقطع الأول

يبدو أن الموجى قد قرر إرجاء استخدام الدراما اللحنية إلى بداية الغناء حيث أن النص يقدم صورة درامية واضحة فى بدايته

فى المقطع الغنائى الأول جزءان أولهما هرمى البناء على مقام النهاوند (صاعد هابط)

"جلست والخوف بعينيها .. تتأمل فنجانى المقلوب .. قالت يا ولدى لا تحزن .. فالحب عليك هو المكتوب"

والثانى تقليدى على بياتى النوا

"يا ولدى قد مات شهيدا من مات فداء للمحبوب" هناك يتدرج بعدها إلى الهدوء لينتهى أعلى مقام النهاوند بكلمة يا ولدى

2. المقطع الثانى

بعد تمهيد موسيقى مميز يستخدم فيه جمل سريعة متتابعة على المقام الأصلى يستمر الغناء على نفس الإيقاع السريع المصاحب للموسيقى وهذا الأسلوب ليس أسلوبا شائعا فى الموسيقى العربية بوجه عام وهو يذكرنا بالكوبليه الثانى فى أغنية موعود من ألحان بليغ حمدى لعبد الحليم قبلها بسنوات (تانى تانى .. راجعين للحب تانى)

"بصرت ونجمت كثيرا .. لكنى لم أقرا أبدا .. فنجانا يشبه فنجانك"

"بصرت ونجمت كثيرا .. لكنى لم أعرف أبدا .. أحزانا تشبه أحزانك"

اللحن هنا يميل إلى التعبير أكثر من الطرب، وقد سار على إيقاع "الملفوف" السريع، ولا مجال هنا للتطريب مع هذا الإيقاع ولذا تتابع كلمات النص الشعرى دون تطويل أو تلوين، وهو هنا يتبع الأسلوب الحديث فى تلحين القصيدة، ولا شك أنه وفق كثيرا فى ذلك المقطع بالخروج عن التقليدية، ويحتفظ لحن المقطع الثالث بإيقاعه إلى أن يعود تدريجيا فى نهايته إلى الهدوء المثير مع العودة إلى كلمة يا ولدى

3. المقطع الغنائى الثالث

بدأ أيضا بلازمة موسيقية خاصة به ومن مقامه ، لكن هذا الجزء يتبع ألحان الموجى التقليدية فى مقام شرقى خالص هو الهزام ويستحضر خبرة الموجى القديمة ونجاحاته السابقة فى هذا المقام ثم يعود بعد إيقاع راقص بنفس طريقة العودة فى المقاطع السابقة إلى الهدوء وإلى المقام الأساسى ، النهاوند

نلاحظ سير النص على طريقة القصيدة والمونولوج أي الاسترسال بلا مذهب وكوبليهات، إلا أن الملحن استعمل تكرار كلمة يا ولدي فى نهاية المقاطع كبديل للمذهب حيث استخدم نفس اللحن كلما جاءت كلمة يا ولدي وكانه رجع إلى البداية

4. المقطع الغنائى الرابع

التمهيد الموسيقى يقلب المقام من مينير إلى ماجير على نفس درجة الركوز وعلى إيقاع سريع أشبه بالسامبا

المفاجأة هنا أن هذا التمهيد لم يوظف عند بدء الغناء وبدا منفصلا تماما عن الجو الغنائى، إذ أن اللحن بعد هذه الموسيقى النشطة إلى حد الصخب يهدأ تماما ويدخل فى جو قريب من الجو التعبيرى السابق بصوت الرنين المكتوم لآلة الأورج ليبدأ غناء هادئ لا يتصاعد بعدها حتى نهاية اللحن ويتحول إلى إيقاع مركب وجمل طويلة البناء تتماشى مع طول الشطرة الشعرية فى تقليدية تامة للحن والأداء تعود بنا إلى الأربعينات خاصة فى الجزء الثانى على مقام بياتى النوا المنتهى بجملة "وستعرف بعد رحيل العمر أنك كنت تطارد خيط دخان" ولا ندري كيف سار اللحن على هذا النحو البطئ حتى تخلص تماما من الإيقاع، هل كان الفاصل الموسيقى غير مناسب للمقطع الغنائى أم أن الغناء هو الذى لم يتناسب مع ما سبقه من موسيقى؟ يخرج اللحن من هذا فى النهاية إلى الجملة الحرة "ليس لها عنوان" أعلى السلم الأساسى النهاوند فى نهاية درامية شبيهة بما وصلت إليها المقاطع السابقة، تحليل موسيقى د.أسامة عفيفى، قارئة الفنجان ألحان محمد الموجى، كلمات نزار قبانى، غناء عبد الحليم حافظ

صيغة "التشكيلة" فى الميزان

الحقيقة أن هذا النوع من المقدمات الموسيقية قد انتشر فى تلك الفترة وراج لبعض الوقت ومارسه ملحنون آخرون مثل بليغ حمدى، محمد سلطان، وآخرون من غير الصف الأول من الملحنين، لكنه لم ينجح فى اختبار الزمن، كان الملحنون يميلون إلى محاولة إبهار المستمع بكل الطرق لكن النتائج لم تكن فى اغلب الأحوال جيدة، بل ويمكن اعتبار أن صيغة "التشكيلة" هى التى مهدت لسقوط الأغنية الطويلة فى نهاية المطاف