محمد عفيفي - فتحية أحمد

أحب الورد - فتحية أحمد

أحب الورد

أحب الورد حقيقة من كلاسيكيات الموسيقى العربية، وقد غنتها مطربة القطرين فتحية أحمد باقتدار لا يجارى. وهي تذكر المستمع بكلاسيكيات أم كلثوم في الحان القصبجي والسنباطي وزكريا أحمد. وربما ليس باستطاعة أحد إبداء هذه المقدرة الفريدة على الأداء غير فتحية وأم كلثوم. سجلت فتحية أحمد "أحب الورد" ضمن باقة من ألحان محمد عفيفي في أبريل 1953 لإذاعة لندن، وبين عامي 1952 و 1953 تم تسجيل 6 أغنيات أخرى لإذاعة القاهرة حسب سجلات الإذاعة المصرية. بحث وتحرير د.أسامة عفيفي

أحب الورد - فتحية أحمد - كلمات محمد الحسيني - ألحان محمد عفيفي

كان محمد عفيفي قد أعد بضعة ألحان لأم كلثوم لكن اللقاء لم يكتمل لأسباب خارجة عن إرادته كما قال. وربما عوضنا أداء فتحية أحمد في هذا اللحن الغني بالمقامات الشرقية الأصيلة والجمل المركبة والاستعراض الصوتي الجميل عن عمل ما يجمع بين محمد عفيفي وأم كلثوم. فالمطربتان على أي حال يتشابه صوتهما ويتقارب أداؤهما إلى حد يحير السامع. وإذا كانت أم كلثوم قد ترددت في تسجيل ألحان محمد عفيفي فإنه لم ينتظر إجابتها للأبد، وعندما طلبت منه فتحية بضعة ألحان لم يتردد، وهو يعلم أن هذا سيؤثر قطعا على صفقة محتملة مع كوكب الشرق، لكن فتحية أحمد كانت منافسة أم كلثوم على ذات اللقب .. ونترك الحكم للمستمع

محمد عفيفي وفتحية أحمد

عام 1952 طلبت المطربة فتحية أحمد من معارفها ترتيب لقاء مع الملحن محمد عفيفي، لكنهم أخبروها بأنه لا يذهب لأحد، وإذا أرادت لقاءه فعليها طرق بابه بنفسها. كانت فتحية قد استمعت إلى ألحان عفيفي لأختها المطربة مفيدة أحمد المقيمة يالإسكندرية، وكانت ثالثة 3 أخوات مطربات هن فتحية ورتيبة ومفيدة. نشأ الثلاثي الطروب في وسط فني بفضل والدهن المطرب والمنشد أحمد الحمزاوي

كانت فتحية أفضلهن صوتا وأداء وخبرة، فقد عاصرت الشيخ سيد درويش وغنت ألحانه في حياته على المسرح. ومن تلك الألحان أشهر أغنياته الحلوة دي، طلعت يا ماحلى نورها، وغيرها، كما غنت من ألحان زكريا أحمد كثيرا ومن أشهر ألحانه لها "يا حلاوة الدنيا" في أوبريت يوم القيامة عام 1946. وفي ذلك الوقت كانت فتحية منافسة قوية لأم كلثوم التي كانت تخشى منافسة فتحية لما عرف عنها من صوت قوي نقي متمكن، وأداء رفيع المستوى خاصة في القصائد

في الوقت الذي طلبت فيه فتحية مقابلة محمد عفيفي لم يكن يلحن لها إلا ثلاثة من كبار الملحنين هم محمد القصبجي وزكريا أحمد ورياض السنباطي. لكن حاستها الفنية دلتها على أن ذلك الملحن السكندري الذي نشأ في مدينة سيد درويش والعاشق لألحانه يستطيع أن يقدم لها جديدا يستحق البحث عنه

وبالفعل ذهبت مطربة القطرين إلى منزل محمد عفيفي في الإسكندرية، وكان اسم فتحية في ذلك الوقت لا يقل عن اسم أم كلثوم، وطرقت الباب ففتحت لها زوجته السيدة إحسان عبد الرحمن، فسألتها فتحية .. الأستاذ عفيفي موجود؟ فلما أجابتها بالإيجاب طلبت منها أن تخبره أن فتحية أحمد بالباب. استقبلتها الزوجة بكل ترحاب ثم أسرعت تخبر محمد عفيفي بالمفاجأة .. قام عفيفي من مجلسه لمقابلة فتحية مرحبا بها ومثنيا عليها، فأخبرته أنها جاءته للاتفاق على ألحان جديدة لها بعد أن أبدت إعجابها بألحانه لأختها ولغيرها. وبعد جلسة ودية تم الاتفاق بينهما في نفس اليوم

حصلت فتحية على 7 ألحان لمحمد عفيفي خلال عامي 1952 و1953، وبهذا اللقاء فازت فتحية أحمد بالألحان وأصبح محمد عفيفي رابع الملحنين الثلاثة الكبار

لكن ذلك الود لم يدم طويلا. فبعد تسجيل تلك الألحان، وبالتالي تقاضت كامل الأجر عنها من الإذاعة، ومقابل لحن "أحب الورد" فقط تقاضت 400 جنيه استرليني من الإذاعة البريطانية BBC تجاهلت فتحية دفع أجر الملحن وتناست الأمر لسنوات. كان الأجر المتفق عليه 100 جنيه لكل لحن، وهو بالطبع مبلغ كبير للغاية بلغة عام 1952 (الجنيه = 4 دولار أمريكي في ذلك الوقت). أرسل إليها عفيفي رسائل مع معارف الطرفين مطالبا بأجره دون جدوى. .

اندهش عفيفي من هذا الموقف خاصة أنها هي التي سعت إليه ليلحن لها، فقرر مقاضاتها مطالبا بحقه ومثبتا لما تم من اتفاقات وإذاعات، لإرغامها على سداد استحقاقاته. وبالفعل استطاع الحصول على حكم ضدها بالوفاء بالتزاماتها كاملة. لكن القضية استغرقت سنوات أمام المحكمة، خفت خلالها نجم فتحية أحمد وتراجع رصيدها في البنك كثيرا، فقضت المحكمة بالحجز على ما تبقى لها من ممتلكات وفاء للدين المستحق. أرسلت فتحية الأصدقاء إلى محمد عفيفي تعتذر وتطلب السماح لأنه لم يعد بإمكانها الوفاء، لكنه لم يأبه بتوسلاتها، وتم تنفيذ الحجز على منزل لها بالإسكندرية لصالحه

بعد وفاة فتحية بسنوات طويلة تستضيف القناة الخامسة محمد عفيفي في لقاء تليفزيوني ليتحدث عن فتحية أحمد فيشيد بها وبصوتها وقدرتها الهائلة على التعبير ويذكر أنه قد لحن لها 7 ألحان منها لحن "أحب الورد" الذي نشرنا تسجيله في هذا الموقع، ويظهر قدرة فتحية أحمد وإمكانيات صوتها الفريد. وذكر أنه تم تسجيله في إذاعة بي بي سي بانجلترا، كما تحدث عن زوجها أحمد فؤاد علام عازف الكمان الأول في فرقة حسين جنيد التي كانت تعمل بالإسكندرية، وكيف أنه كان يعاونه في تدريب الفرقة على أداء ألحانه لفتحية، ونشر تسجيل الحديث الذي تم تقريبا عام 1991 على موقع الفنان محمد عفيفي

قصة أحب الورد

أغنية أحب الورد تعد إحدى روائع الموسيقى العربية النادرة، وهي تمثل المدرسة الشرقية الأصيلة في التلحين والغناء. فبالإضافة إلى المقامات المعروفة مثل الراست والبياتي والحجاز أدخل الملحن مقامات قليلة الاستخدام مثل النكريز والنوا أثر كما أدخل إلى قالب الأغنية إيقاعا لم يكن يستخدم إلا في الموشحات والموسيقى البحتة.

تم تسجيل اللحن لحساب هيئة الإذاعة البريطانية BBC بفرقة حسين جنيد بالإسكندرية في أبريل عام 1953، وهو اللحن الخامس الذي غنته من ألحان الفنان محمد عفيفي. كانت فتحية أحمد تقيم بالإسكندرية في ذلك الوقت وبدأت معه سلسلة من 7 ألحان عام 1952 كان معظمها لإذاعة القاهرة

عثرنا على تسجيل للأغنية بمعاونة الأصدقاء في منتدى سماعي خاصة الدكتور عصمت النمر والأستاذ محمد حسان، وقد سارع كلاهما إلى إرسال التسجيل بناء على طلب مني، المفارقة أن أي منهما لم يكن يعلم من هو ملحنها. وكنت قد وجدت في مكتبة الأستاذ عفيفي نوت موسيقية بنفس العنوان لنفس المطربة، فلما قمت بمقارنة النوت باللحن تأكد أنه نفس اللحن. كان هذا عام 2014، بعد ذلك استمعت إلى تسجيلات يتحدث فيها محمد عفيفي عن فتحية أحمد أكد فيها كل هذه المعلومات

ويروي محمد عفيفي عن فتحية أحمد أنها كانت مطربة قديرة متمكنة وصاحبة صوت عظيم وقدرة عالية على الأداء، وأرجع هذا إلى نشأتها الفنية حيث كان والدها أحمد الحمزاوي منشدا وصاحب فرقة وكانت إحدي ثلاث أخوات كلهن مطربات، فتحية ورتيبة ومفيدة. كما أنها تربت في مدرسة سيد درويش وعملت معه وغنت ألحانه على المسرح، ولا شك أن هذا علمها الكثير. ويضيف عفيفي أن فتحية أحمد كانت مطربة "تهلهل" الألحان .. ولما سئل عما يقصده بهذا التعبير قال إنها كانت تحب التصرف في الألحان بطريقتها وعلى هواها بعكس أم كلثوم التي كانت تلتزم تماما باللحن كما وضعه الملحن

أحب الورد / تحليل موسيقي / د. أسامة عفيفي

أهم ما يميز "أحب الورد" هو تنوع مقاماتها وإيقاعاتها، وتضم باقة من المقامات والإيقاعات المتنوعة وكأنها باقة زهور أو "صحبة ورد" لكل منها لون وعطر مختلف

تنوع المقامات

  1. المقام الرئيسي "راست" وفروعه "نيروز" و "سوزناك" والأجناس المرتبطة به في مجموعة متتالية هي بياتي النوا ، صبا النوا، حجاز النوا

  2. مقامات موازية للراست ترتكز على نفس درجة الركوز وهي "نوا أثر" و "نكريز"

  3. مقام الشوري المكون من نفس نغمات وأبعاد مقام السوزناك ولكن مع الركوز على الدرجة الثانية "دوكاه" بدل الأولى

استخدام المقامات

  • راست في المقدمة

  • راست سوزناك في المذهب

  • بياتي النوا / صبا النوا / حجاز النوا في غناء الكوبليه الأول

  • نوا أثر في موسيقى الكوبليه الثاني

  • حجاز النوا في غناء الكوبليه الثاني

  • نكريز في موسيقى وغناء الكوبليه الثالث

  • حجاز النوا والشوري في غناء الكوبليه الثالث

  • شوري في فاصل الموسيقى الحرة والموال داخل الكوبليه الثالث

الإيقاعات

  1. إيقاع ثنائي في الموسيقى

  2. إيقاع رباعي في الغناء

  3. سماعي ثقيل 8/10 في موسيقى وغناء الكوبليه الثاني

  4. موسيقى حرة وموال حر في الكوبليه الثالث

المقدمة

مقدمة موسيقية واضحة المعالم من مقام الراست على إيقاع ثنائي، تركز المقام وتمهد للغناء بإيقاع متباطيء قرب نهايتها

المذهب

من المقام الرئيسي، جمل متصاعدة شطرة شطرة تبدأ في أساس مقام الراست وتتفرع إلى الراست سوزناك بالتحول إلى جنس حجاز النوا حتى تبلغ قمته ثم تعود إلى الأساس في الختام. عند إعادة المذهب في نهاية الكوبليه الثاني يستخدم لحن الشطرة الأخيرة فقط (أغني في هواه تاني)

الكوبليه الأول

1. الموسيقى: فاصل موسيقي يستخدم لحن المقدمة مع إضافة جمل تمهد للغناء تتفرع من خامسة مقام الراست إلى بياتي النوا (نيروز)

2. الغناء

  • الحركة الأولى بياتي نوا تستغرق بيتين مع استخدام صبا النوا لشطرة واحدة في البيت الثاني

  • الحركة الثانية حجاز النوا تستغرق البيتين التاليين مع لمس مقام النوا أثر في ختام الحركة

الكوبليه الثاني

1. الموسيقى: فاصل موسيقي مقام نوا أثر بإيقاع 8/10 (سماعي ثقيل) يمهد للغناء بدون عودة للمذهب

2. الغناء

  • الحركة الأولى حجاز النوا على نفس الإيقاع تبدأ مع "تشوف العين جمال الورد .."

  • الحركة الثانية عودة لمقام الراست وإيقاع الوحدة الكبيرة في البيت الأخير تمهيدا للختام بالشطرة الأخيرة من المذهب (راست سوزناك)

الكوبليه الثالث

1. الموسيقى: فاصل موسيقي من مقام النكريز على إيقاع ثنائي

2. الغناء

  • الحركة الأولى مقام نكريز وتستمر لبيتين

  • الحركة الثانية يتغير الغناء إلى حجاز النوا في البيت الثالث

  • الحركة الثالثة مقام شوري

  • فاصل موسيقي انسيابي حر من نفس المقام

  • غناء حر فيما يشبه الموال على نفس المقام في المقطع "لقيت الورد يشبه لك"، تضفي عليه الموسيقى الحرة حالة من الشفافية الحالمة والاستغراق في التأمل . يصل الغناء إلى درجة الكردان أي قمة سلم السوزناك الذي يمكن منه ختام الأغنية بالعودة إلى المذهب. في هذا المقطع بالذات، بالإضافة خاصة إلى المقطع الغنائي على ميزان السماعي الثقيل في الكوبليه الثاني، تظهر أكثر قدرات المطربة وتمكنها من المقام والمنطقة الصوتية