Abdel Wahab Music Analysis  تحليل موسيقى عبد الوهاب

محمد عبد الوهاب - المؤلفات الموسيقية 

تحليـل موسيقي:  د.أسـامة عفيفي 

نماذج من الموسيقى التقليدية - موسيقى فكرة - موسيقى عتاب

نموذج من الموسيقى الحديثة - موسيقى حياتي

سنعرض هنا أهم ملامح هذه النماذج من موسيقى عبد الوهاب لبيان كيف تطورت الموسيقى البحتة منذ أن بدأ عبد الوهاب مؤلفاته عام 1933 وعبر ثلاثة عقود من التجديد المستمر 

لمتابعة تحليل جميع المقطوعات اذهب إلى موسيقى عبد الوهاب

موسيقى فكرة - محمد عبد الوهاب.wmv

موسيقى فكرة .. مقام نهاوند / ري مينير 1933 

هى أول مقطوعة موسيقية بحتة لعبد الوهاب ، ولذلك تستحق بعض التركيز لنرى كيف بدأ عبد الوهاب تحقيق فكرته!

بداية طريق طويل اتبعه موسيقيون كثيرون بعده  عرف باسم "المقطوعات الموسيقية"

يتجرد عبد الوهاب بهذا الاتجاه من كونه مطربا وملحنا، ويجرد معه الموسيقى من أسر الكلمات لينطلق في آفاق التعبير غير مقيد بكلمات مشاعر أو خيال مؤلف، ويثبت أن الموسيقى وحدها يمكن أن تكون أداة تعبير حرة وفائقة الجودة

موسيقى فكرة - تحليل موسيقي

موسيقى فكرة

محمد عبد الوهاب

مقام نهاوند / ري مينير 1933 

تحليل موسيقي: د.أسامة عفيفي

أول مقطوعة موسيقية حرة لعبد الوهاب تستحق بعض التركيز

هي أول مؤلف للموسيقي العربية يخرج عن الأشكال الموسيقية المتعارف عليها في الموسيقى البحتة في ذلك الوقت، وهي لم تخرج عن سبعة أشكال كانت المتاحة لأي مؤلف، البشرف، السماعي، اللونجا، التحميلة، التقسيم، المقدمة، الدولاب، هي  طريق طويل اتبعه موسيقيون كثيرون بعده  عرف باسم "المقطوعات الموسيقية"


خصائص موسيقى "فكرة"

1. التحرر من القوالب الموسيقية التقليدية تركية الأصل كالسماعي والبشرف

2. بساطة التأليف والتركيب

3. استخدام التخت الشرقي التقليدي البسيط دون إضافة آلات أوركسترالية سوى الشللو

4. خلو الموسيقى تماما من الإيقاع، وهذا يندرج جزئيا تحت باب التحرر من القوالب

5. الاعتماد التام على الميلودية اللحنية وأحادية الأداء الصوتي (مونوفون) بلا توزيع أو هارموني

هناك سمة خاصة عجيبة فى موسيقى فكرة وهي أن التسلسل الزمني يعتمد على السرد المتماثل لأجزاء المقطوعة بحيث يمكن تعديله بحرية تامة دون الإخلال بالشكل العام للمقطوعة، إذ أن البناء الدرامي لا يوظف بداية أو نهاية مميزة، وبهذا يمكنك البدء بالعزف أو بالاستماع، إلى المقطوعة في أي جزء منها والانتهاء في أي جزء دون الشعور بأنك بدأت في أولها أو وسطها أو آخرها، وهو أسلوب يظهر في غاية البساطة لكنه في الواقع يعكس حالة من إبداع "السهل الممتنع" .. 

 

التكوين

يجمع الشكل الفني بين التقسيم والتحميلة حيث أخذ من التقسيم العزف الحر للآلات المنفردة ومن التحميلة تبادل العزف على آلات التخت الرئيسية، العود والكمان والقانون والناي، دون استخدام الإيقاع المميز لقالب التحميلة

مقدمة قصيرة من مقام النهاوند تعاد بين المقاطع فيما يعرف بالتسليم، ويذكرنا لحنها بالتمهيد القصير لموسيقى مقدمة أغنية فكروني التي لحنها عام 1967

سولو عود حر على نفس المقام

سولو كمان حر مقام بياتي على خامسة المقام الأصلي وهي محل تحول شائع من النهاوند إلى البياتي

سولو قانون رشيق على مقام نهاوند

سولو ناي من نفس المقام، نهاوند، مع تحول بسيط إلى مقام الراست والنكريز على نفس درجة ركوز المقام الأصلي ثم العودة إلى النهاوند

الختام بالتسليم  

 

من السمات القديمة للموسيقى البحتة:

1. تكريس لقالب التقسيم القديم لكنه هذه المرة مكتوب وليس مرتجلا كما كانت القاعدة (ولا تزال)

2. التجانس التام بين المقامات المستخدمة في اشتقاق طبيعي ومنطقي

3. استخدام فكرة "التسليم" القديمة أي تكرار موسيقى المقدمة بين المقاطع

موسيقى عتــاب - محمد عبد الوهاب.wmv

موسيقى عتاب - محمد عبد الوهاب - مقام راست - 1935 

موسيقى عتاب من أجمل مؤلفات عبد الوهاب الموسيقية ، وهى موسيقى تقطر رقة وعذوبة وتتقل السامع إلى آفاق وأعماق من التعبير عن موقف من أرق المواقف الإنسانية : العتاب

وهى من آيات التعبير بالموسيقى عن الشعور الإنساني دون أي استخدام للكلمات، وأعجب من ذلك توصيل الشعور للسامع وكأنه يسمع ويرى ويحس في نفس الوقت، والموقف هنا إنساني عام يمكن أن يمر به كل إنسان، وحتى لو كان المؤلف الموسيقي يعبر عن موقف شخصي أو قصة حدثت له فإنه بتعمقه في حالة الشعور قد يستطيع الغوص إلى أعماق النفس التي نشترك فيها جميعا كبشر، وهنا يكمن سر إعجاب الناس بهذا المؤلف أو ذاك وبموسيقى بعينها دون غيرها

موسيقى عتاب - تحليل موسيقي

موسيقى عتاب

محمد عبد الوهاب

مقام راست 1935

تحليل موسيقي: د.أسـامة عفيفي

يستخدم الفنان هنا خياله وأدواته للتعبير عن عنصرين أساسيين

الموقف الدرامي  : حوار بين اثنين  

الموقف الإنساني : محبان يتعاتبان، انفعال الطرفين كل في دوره بين الشدة والرقة وبين اللوم وتذكر الجروح وتمني النسيان وعودة الصفاء، وتبادل للأدوار في الحوار يعقبه التصالح والاتفاق

من الممكن تخيل عتاب يصدر من طرف واحد دون حوار فوري مع الطرف الآخر، وهذا الصورة موجودة بالفعل في وسائط أخرى غير الموسيقى كالرسائل والقصائد، على أن يأتي الرد لاحقا، ولكن موسيقارنا لا يطمئن لترك الموقف معلقا، إنه يفضل الوصول إلى نهاية الموقف بالنهاية السعيدة المرجوة، ثم إنه لن يضطر إلى تأليف موسيقى أخرى تصور رد المحبوب ثم ثالثة ورابعة لتصوير النقاش أو النتيجة .. هكذا عرض عبد الوهاب تلك الدراما كاملة بعتابها وحوارها ونتيجتها في موقف واحد

 

ومن السهل تخيل عبد الوهاب يشارك بطلة من بطلات أفلامه هذا الحوار وكأنهما يتبادلان الغناء رغم عدم وجود نص أو كلمات، ويبدو أنه تخيل ذلك فعلا قبل البدء فى هذا العمل فهو قريب الشبه بديالوجاته الغنائية في السينما 

 

البنــاء الموسيقى

لا يتحرر عبد الوهاب في هذه القطعة تماما من القوالب الموسيقية التقليدية كما تحرر في معظم مؤلفاته اللاحقة. صحيح أنه لا يتقيد بشكل معين، لكنا نستطيع اقتفاء آثار التقليد القديم في هذه الموسيقى المؤلفة في الثلاثينات

تتألف القطعة من ســتة أجزاء هي المقدمة والتسليم، وهو الجزء المكرر من الموسيقى، وثلاثة مقاطع تسمى خانات، ومقطع يحل محل التسليم بين الخانة الثانية والثالثة، تتحاور جميعها على مقام رئيسي هو الراست، وهو هنا مصور على الدرجة الثانية "ري/ دوكاه" في السلم الطبيعي ولذلك يسمى "راست دوكاه". والراست مقام شرقي يشبه السلم الطبيعي الغربى "الماجير" فى بنائه غير أن درجته الثالثة ناقصة ربع درجة وكذلك السابعة

يتخلل التسليم هذه الأجزاء، فيلحق بالمقدمة ثم يكرر بعد الخانة الأولى .. وسنشرح لاحقا لماذا لم يكرر التسليم بعد كل الأجزاء ولماذا تكرر مرتين رغم احتمال تصاعد الحوار أو انتهائه

 

هكذا يبدو بناء القطعة:

مقدمــة --  تسليم --  خانة 1 --  تسليم --  خانة 2 --  مقطع حر --  خانة 3 ( ختام ) 

 

واللافت للنظر في بناء هذه القطعة الفريدة هو إصرار مؤلفها الشديد على استخدام المحاورة الموسيقية كأسلوب أساسي حتي فى أدق الجمل، وإذا بحثنا عن التجريد الموسيقى أو الزخرفة أو الإبهار فلن نجد إلا القليل. ونعتقد أنه له كل الحق فى ذلك فإن هدفه كان التعبير عن موقف هو في الأصل حوار بين طرفين لا يجوز فيه أن ينفرد أي منهما بالتعبير كما لا يجوز النظر إلى الأشياء المحيطة أثناء هذا الحوار الإنساني وإلا خرج الموقف عن طبيعته

ومن اللافت أيضا عدم التنقل كثيرا بين المقامات رغم حرية الحركة، وسنأتي لذكر هذا لاحقا

 

1- المقدمة  

الميلودي: تتكون المقدمة من عدة جمل قصيرة تؤلف تتابعا كاملا تبدأ بالمقام الرئيسى، الراست، يتخللها جملتان قصيرتان من مقام النكريز وختام يعود إلى الراست تمهيدا للدخول في التسليم  

الزمن: ظاهر الحركات غير موقع لكن جزءا منها يسير في زمن السماعي الثقيل 10/8 وتنتهي بزمن ثلاثي

 

2- التسليم

يتكون التسليم من جملتين رئيسيتين على ميزان السماعي، تبدآن من قمة السلم لتنتهي في الأساس كل بطريقتها، يتخلله حركات قصيرة متحاورة وينتهي بإيقاع ثلاثي

 

3- الخانة الأولى

استمرار لحوار المقدمة الهادئ يبدأ على ميزان السماعي 10/8 بجمل حوارية يتم التخلص منه سريعا إلى إيقاع ثلاثي وجمل قصيرة حتى الرجوع للتسليم في نهاية الخانة

 

4- الخانة الثانية 

يبدو الإيقاع هنا ثلاثيا، ونسمع جملا محددة على مقام الراست في خلفيتها دقات مكتومة تنتهى ويتوقف إيقاعها مع بداية المقطع الحر

 

5- المقطع الحر  

يبدأ فور انتهاء آخر مازورة من الخانة الثانية الموقعة بجمل حوارية حرة بين الناي والكمان والقانون بمصاحبة الشللو تمهد للختام. يبدأ الناي بسولو مشابه للتقاسيم الحرة يتدرج نزولا إلى نهاية السلم، يستقر بعدها النغم في هدوء على ثالثة المقام في نقلة مقامية منطقية إلى الهزام للحظات تمهد للخانة الثالثة 

ويلاحظ هنا أسلوب استخدام سولو الكمان في الانتقال من الراست إلى الهزام من خلال عدة جمل تركز على ثالثة مقام الراست والتي هي فى نفس الوقت اساس مقام الهزام. يستخدم المؤلف هنا الأسلوب الكلاسيكي الغربي الشائع في سوناتات الكمان، ولولا ارتكازها على ثلاثة أرباع الدرجة لتخيلنا أن الموسيقى لموتسارت وليست لعبد الوهاب! 

المتبع في السماعيات عند نهاية الخانة الثانية العودة إلى التسليم ومنه إلى الخانة الثالثة والأخيرة والتي تكون عادة ذات إيقاع سريع يتخذ من الحركات الثلاث الأولى في ميزان السماعى أساسا له، أي ثلاثة كروشات فينقلب إلى ميزان ثلاثي أو دارج 3/8 ، وبنهاية هذه الخانة يترك الأمر إما للإقفال بها أو العودة مرة أخرى للتسليم فيكون هو النهاية الأخيرة 

ماذا فعل عبد الوهاب في هذه القطعة؟ استبدل التسليم بشيء مختلف هو الأداء الحر لمجموعة من الآلات تقوم بحوار فيما بينها بالعزف المنفرد وهي الناي والكمان والقانون، وتحرر تماما من الميزان والزمن ومن ثم أصبح الطريق مفتوحا أماما تغيير الميزان بزمن جديد هو الثنائي بدلا من الثلاثي

 

6- الخانة الثالثة - الختام

عدة جمل قوية متعاقبة على إيقاع ثنائي سريع تدور حول ثالثة مقام الراست مؤدية للختام على أساس المقام، وهي جمل حوارية أيضا لكنها في نفس المستوى دون تضاد، وفي الحركة النهائية نلاحظ أثرا آخر للموسيقى الغربية فهي على قصرها شديدة الشبه بنهايات السيمفونيات

 

التعبير الموسيقي

1- الأسلوب

الملاحظة الأولى بعد الاستماع إلى هذه الموسيقى هي التزامها في معظمها بالمقام الأساسي وتجنب التغيرات الحادة في الانتقالات المقامية والإيقاعية وتقييدها في أضيق الحدود، وهي سمة تخلى عنها عبد الوهاب في المراحل اللاحقة

من الممكن في المواقف الحوارية التعبير عن موقف كل طرف بمقام مختلف، هكذا كان يفعل سيد درويش في حوارياته المسرحية، كذلك التعبير عن اختلاف شعور نفس الطرف فى نقاط مختلفة من الزمن بالانتقال المقامي. وكان يمكن لعبد الوهاب استخدام هذا الأسلوب في هذه القطعة حيث يوفر له ثراء أكثر في التعبير، لكنه على ما يبدو آثر استخدام الطريق الأصعب وهو إظهار تباينات الحوار بأدوات أخرى كتكوين الجمل وتنويع الآلات وتطويع الزمن مع المحافظة على مقامية العمل ككل

ونعتقد أن هدفه من ذلك وحدة الموقف الدرامي والمعنى الإنساني فهو في الأساس يتعامل مع موقف واحد هو العتاب، وإذا سمعنا أن عتابا دار بين شخصين فمن السهل تصور أنه موقف واحد ينتهي إلى اتفاق ولا يتحمل التضاد أو الاختلاف الشديد، وإلا فكيف يكون الخصام أو التحدي أو الصراع ...

 

2- أدوات التعبير الموسيقي

استخدم عبد الوهاب عدة أدوات لتحقيق مبتغاه التعبيري:

الجمل الموسيقية  -  الآلات -  الزمن  

ويمكننا سماع هذه الآلات منفردة بترتيب ظهورها:

القانون -  الكمان -  الناي

وقد استخدم أداءها المنفرد للتعبير عن:

الحوار بين طرفين -  الحالة النفسية والشعور

كما استخدم الأوركسترا للتعبير عن حالات الشدة والاتفاق وصوت آلة الشيللو الرخيم لإشباع الخلفية

في الإيقاع استخدم في الخلفية الدقات المكتومة فجاءت كأنها أصوات ضربات القلب، وعمد إلى وقف الإيقاع لتغليب الميلودى الحر، كما نوع السرعة بين التأني والإسراع  ثم تسريع أكثر في الختام تعبيرا عن النهاية

 

3- النسيج التعبيري

لنتخيل أمامنا هذين العاشقين يتحاوران ...

المقدمة

تبدأ الموسيقى هادئة حزينة مقدمة للدخول في الموقف بحركات قصيرة يتخللها تلوين مقامي من الراست إلى النكريز مبالغة في ترقيق الإحساس

تتعاقب الجمل كأنها كلمات على اللسان تعرض موقفا تسيطر عليه العاطفة  .. لا إيقاع ظاهر في هذا الحوار فهو يبدو مسترسلا متقطعا كالحوار البشري لكنه يسير وفق ميزان خفي

 

التسليم

في التسليم ينقل تباين الجمل والحركات صورة حية للحوار القائم وكافة انفعالاته، وكذلك التعبير بأصوات الآلات المختلفة للدلالة على أن هناك طرفين يتحاوران من ناحية، ومن ناحية أخرى للتعبير عن شعور كل طرف بطريقة مختلفة

وهو عبارة عن محاورة موسيقية تستخدم كل الوسائل المتاحة، الصياح والهدوء والسرعة والتأني وعلو النبرة وخفضها وطول الجملة وقصرها، والتلوين النغمي خاصة في ثالثة المقام، لكن هناك خيطا رفيعا ربط به عبد الوهاب بين الاختلاف والائتلاف، باستخدامه لوحدة زمنية طويلة تسمح بحرية أكثر في بتشكيل الحركات

لا تأتي المحاورة بالنتيجة المرجوة، فالموقف لم يتغير ولذلك لا بأس من المحاولة مرة أخرى في الخانة الأولى

 

الخانة الأولى

.. يعود الحوار لهدوء المقدمة وفي خلفيته زمن خفي لا يلحظه المستمع لعدم استخدام الإيقاع، تفشل هذه المحاولة أيضا فيعود الحوار إلى وتيرته الأولى وبنفس الجمل أي يكرر التسليم الموسيقي، والملاحظ أن هذا هو ما يحدث فعلا في مواقف العتاب عادة

 

الخانة الثانية

تأتي المحاولة الثالثة، هذه المرة يظهر إيقاع قوي لكنه مكتوم فيما يشبه ضربات القلب في خلفية الميلودي الرقيقة، ثم يتوقف مع دخول الناي في المقطع الحر

 

المقطع الحر

يبدا بصوت الناي السحري الذي يبدو أن قلب الحبيب قد رق له بعد أن سمع دقات القلب المكلوم فنسي ما كان من حوار حاد وتآلف مع المحب في نغمات جديدة ساحرة ناعمة تبشر بنهاية سعيدة لا حاجة بعدها للعودة للتسليم المعبر عن استمرار النقاش

 

الخانة الثالثة - الختام

في الختام تعبير قوي عن التصالح وعودة الوئام مع العزف على جميع الآلات في جمل زاهية على إيقاع ثنائي مرح، وهي تتحاور لكن في نفس المستوى دون تباين كبير وكأنهما يغنيان نفس الأغنية، ثم تأتي النهاية قوية حاسمة معبرة عن الرضا التام

واستخدام الأوركسترا الكامل لأداء الختام حتى النهاية ينهي حالة التحاور بجلاء ليحل محلها التوافق والانسجام 

 

من سمات القديم

1- تقسيم العمل إلى أجزاء يتخللها مقطع متكرر (التسليم)  

2- ميزان السماعيات 10/8 فى عدة أجزاء

3- استخدام أسلوب التقاسيم أحيانا

4- الثبات النسبي للمقام دون تحولات مقامية كبيرة

5- استخدام إيقاع الفالس الثلاثي والكروشات المثلثة في نهايات المقاطع كما هو متبع فى نهايات السماعيات

6- الختام السريع كما في معظم السماعيات

7- التخت التقليدي

( السماعي قالب من قوالب الموسيقى البحتة تركية المنشا، ميزانه الأساسي 10/8 يسمى سماعي ثقيل وهو شائع الاستخدام في الموشحات الأندلسية، ويتكون القالب عادة من مقدمة و 3 خانات وتسليم يتكرر بين الخانات، وغالبا تكون الخانة الأخيرة على ميزان ثلاثي سريع 3/8 )

 

سمات الجديد

1. الحوار الحر بين الآلات

2. الختام السريع ثنائي الإيقاع فيما يشبه ختام السيمفونيات

3. أولوية التعبير

يظهر  في بناء هذه القطعة الفريدة إصرار مؤلفها على استخدام المحاورة الموسيقية كأسلوب أساسي، ولا نجد فيها إلا قليلا من عناصر الموسيقى الشائعة كالتجريد والزخرفة والإبهار، ويساير هذا الأسلوب الهدف من وضع الموسيقي بالتعبير عن موقف إنساني يشكله حوار بين طرفين لا يجوز فيه أن ينفرد أي منهما بالتعبير، كما لا يجوز النظر إلى الأشياء المحيطة أثناء هذا الحوار وإلا خرج الموقف عن طبيعته

في وسائط تعبيرية أخرى كالرسائل يمكن تخيل عتاب يصدر من طرف واحد دون حوار فوري مع الطرف الآخر، لكن مؤلف الموسيقى هنا لا يطمئن لترك الموقف معلقا، بل يفضل الوصول إلى نهايته بالنهاية السعيدة المرجوة، ثم بهذا إنه لن يضطر إلى تأليف موسيقى أخرى تصور رد المحبوب ثم ثالثة ورابعة لتصوير النقاش أو النتيجة .. هكذا عرض عبد الوهاب تلك الدراما كاملة بعتابها وحوارها ونتيجتها في موقف واحد

ومن السهل تخيل عبد الوهاب يشارك بطلة من بطلات أفلامه هذا الحوار وكأنهما يتبادلان الغناء رغم عدم وجود نص أو كلمات، ويبدو أنه تخيل ذلك فعلا قبل البدء في هذا العمل فهو قريب الشبه بديالوجاته الغنائية في السينما 

 

ســمات أخرى

تعد موسيقى عتاب من أصعب القطع الموسيقية العربية لعدة أسباب: 

1- استخدام وحدة زمنية طويلة ليس من السهل على المستمع تتبعها وتمييز دقاتها

2- تداخل الجمل السريعة مع الجمل الهادئة

3- عدم إظهار الإيقاع في كثير من المقاطع

4- عدم انتظام الجمل والحركات الموسيقية ، فهي على تباين كبير في الطول

5- التلون الواضح في الجمل من حيث الشدة والرقة فهي ليست مونو تون بأي حال

6- التفاوت الكبير في سرعات الجمل الموسيقية رغم تواليها

7- عدم وضوح الميلودي العام للقطعة رغم سيطرة المقام الأساسي

 

وهذه العناصر فيما عدا الوحدة الزمنية الطويلة ليست من سمات الموسيقى العربية التقليدية القديمة ولا الموسيقى التركية التي خلفتها، ولا التراث الأندلسي الذي سبقهما، فكلها تعتمد على الانتظام كأساس للعمل الفني فإن لم ينتطم كله انتظمت مقاطعه. ونعتقد أنها، بالإضافة إلى ما ذكرنا من استخدام أسلوب السوناتا في سولو الكمان والختام الأشبه بالختام السيمفوني، نتيجة التأثر بالموسيقى الكلاسيكية الأوربية التي كانت تتخلص من الميلوديات الغنائية شيئا فشيئا إلى أن أصبحت الميلودي دليلا على تخلف الموسيقى واقتصر وجودها على الموسيقى الشعبية في النهاية. ويروى أن فيردي موسيقار إيطاليا العظيم ومؤلف أوبرا عايدة الشهيرة لم يتقبل الجمهور ألحان إحدى أوبراته التي ظن أنها أفضل ما كتب فما كان منه إلا أن توجه إلى الجمهور غاضبا بقوله: أنتم شعب الميلودي!!

تؤدى هذه العناصر مجتمعة إلى صعوبة حفظ الموسيقى لدى سماعها وربما يجد عازفون كثيرون صعوبة في أدائها على نفس النحو من الدقة كما وضعها مؤلفها إن لم تكن مكتوبة، وربما تفسر هذه الأسباب لماذا لم تنتشر موسيقى عتاب كغيرها من مؤلفات عبد الوهاب أو تنل حظا مساويا من الشعبية

والواقع أن موسيقى عتاب تعد من نوع الموسيقى الذي لابد أن يكتب، ولذلك فهي أقرب إلى القوالب الأكاديمية منها إلى اللحنية السماعية المعتمدة على الأذن لتداولها

لكن هذه السمات على سلبيتها الظاهرية هي أهم عناصر العمل نظرا لغرضها التعبيري البحت، وإذا كان هدف عبد الوهاب في هذه القطعة هو التعبير أولا وأخيرا فقد نجح تماما في مهمته. عرض وتحليل: د.أسامة عفيفي، محمد عبد الوهاب، المؤلفات الموسيقية، موسيقى عتاب

موسيقى حياتي - محمد عبد الوهاب.wmv

موسيقى حياتي - محمد عبد الوهاب 

مقام نوا أثر 1962

ألف عبد الوهاب موسيقى "حياتي" فى مطلع الستينات من القرن العشرين وهى بحق إحدى روائع موسيقاه

زاوج عبد الوهاب موسيقى حياتي بموسيقى أخرى من نفس الطراز الشيق هي موسيقى الخيام ، ونجحت نجاحا منقطع النظير ولدرجة أن كثيرين يعتقدون أنها أروع ما صنع عبد الوهاب على الإطلاق

موسيقى حياتي - محمد عبد الوهاب - تحليل موسيقي د.أسامة عفيفي

ملامــح خاصة

هناك ملامح خاصة لهذه الموسيقى كلها جديدة على الموسيقى العربية

1. التوزيع الأوركسترالى ، وقد استخدم بفاعلية مؤثرة إلى حد الإبهار ، والتوزيع للموسيقار الفرنسى فرانك بورسيل

2. إيقاع فائق السرعة مع استخدام آلات إيقاعية جديدة واشتراك الآلات النغمية فى تفصيلات الإيقاع

3. استخدام آلات جديدة خاصة الآلات النحاسية والفلوت

4. عدم "التسليم" أى عدم العودة للبداية ، والمقطوعة تنتهى فعلا بالجزء الثانى فى مقامه بما ينسينا تماما جو البداية

5. رفع درجة الركوز قبل النهاية نصف درجة للأعلى لتنشيط السلم وإنهاء الموسيقى على السلم الجديد الذى يغير جميع النوت والدرجات التى تم الاستماع إليها مع الاحتفاظ بالأبعاد واللحن ، وهو أسلوب لا تعرفه الموسيقى الشرقية التى تميل إلى تركيز المقامات إلى حد "السلطنة"

6. جودة الإنتاج الآن من أهم عناصر العمل الفنى ، وعناصر الإنتاج كثيرة جدا ، ولننظر ماذا كان يفعل عبد الوهاب ليضيف جودة أعلى إلى موسيقاه التى لا يمكن بأى حال أن تقدم بشكل فخم كهذا معتمدة على اللحن وحده أو على آلة العود أو حتى تخت شرقى كامل مثل فرقة أم كلثوم ، هناك عناصر جودة جديدة يضيفها عبد الوهاب فيما يمكن أن نسميه "الإخراج الموسيقى" ، فبالإضافة إلى استخدام الأوركسترا الحديث الذى يضم أمهر العازفين بدل التخت الشرقى ، والتوزيع الموسيقى بدل المونوتون هناك أيضا إمكانيات استديو التسجيل والأجهزة وكفاءة الهندسة الصوتية ، وهى عناصر اجتمعت لتقدم هذا العمل الفنى فى هذه الصورة البديعة

7. التسويق لهذه الموسيقى الجديدة على المسامع لكى يستعد لاستقبالها الجمهور كان شيئا صعبا خاصة أنها خلت من صوت عبد الوهاب لكن الظروف خدمته فى ذلك فقد قدمت هذه الموسيقى لأول مرة فى الإذاعة المصرية كشعار أو تيتر لمسلسل "حياتى" الذى يحكى قصة حياة محمد عبد الوهاب نفسه وكيف بدأ طفلا هاويا فى حى باب الشعرية الشعبى إلى أن قابل أمير الشعراء أحمد شوقى وحكايات كثيرة عن مشوار حياته ورحلاته إلى البلاد العربية ، استمر إذاعة الحلقات شهرا كاملا التف الناس خلاله حول أجهزة الراديو يستمعون إلى حكايات عبد الوهاب ، ولكن الحلقات كانت مغلفة بشيء جديد هو موسيقى حياتى التى اختلفت كليا عما كان يصنعه عبد الوهاب من موسيقى قبل ذلك وأى موسيقى عربى آخر ، بنهاية الشهر كانت كل أذن قد اعتادت الموسيقى الجديدة بل أحبتها وانتظرت سماعها

بهذه العناصر فإن عبد الوهاب يجدد نفسه أولا بهذه الاتجاهات الجديدة على الموسيقى العربية ، وهنا يجب الإشارة إلى دور الموزع الموسيقى ، فإن عبد الوهاب لم يقم بتوزيع موسيقاه بنفسه وانما ترك ذلك لأهل الخبرة ، وأقربهم إليه كان المايسترو اليونانى أندريا رايدر الذى أقام فى مصر لزمن طويل ووضع الموسيقى التصويرية لعدد من أفلام السينما المصرية ، وذاع صيته باشتراكه مع عبد الوهاب فى تطوير أعمال كثيرة ، والموسيقار الفرنسى فرانك بورسيل الذى قام بتوزيع ثلاث مقطوعات شهيرة لعبد الوهاب هى حياتى ، الخيام ، أسوان ، وجميعها تحمل نفس السمات القيمة التى أراد عبد الوهاب تقديمها فى الستينات كموسيقى متطورة يتذوقها المستمع فى أى بلد كان ، وهكذا كان يفعل سيد درويش أيضا فكان يسلم موسيقاه إلى سنيور كاسيو المايسترو الإيطالى ليقوم بتوزيع موسيقاه خاصة المسرحية منها

ملامــح عامة

1. تتألف الموسيقى من مقطعين أساسيين:

2. يشترك المقامان فى الركوز على درجة النوا (صول) ، وهى ليست الركوز الأصلى (الراست - دو) وبذلك يكون المقامان مصورين أى تم نقلهما أو تصويرهما إلى غير مكانهما مع الاحتفاظ بالأبعاد الأصلية

3. استخدم المؤلف لتغيير المقام (السلم الموسيقى) أسلوب البناء على نفس درجة الركوز بدل أسلوب الاشتقاق الذى يبحث عن درجة أخرى فى نفس السلم تصلح أساسا للمقام الجديد ، يترتب على ذلك شعور السامع بالمفاجأة التامة حيث يتم تغيير السلم كليا فى الحالة الأولى بينما فى حالة الاشتقاق هناك تدرج انسيابى ومنطقى من مقام إلى مقام

4. بساطة الجمل الموسيقية: خلت الجمل اللحنية من التعقيد لكنها احتملت أبعادا جديدة بإضافة التوزيع الهارمونى

5. مدة العمل دقيقتان ونصف تقريبا (!)