لحن الشيالين - سيد درويش - تحليل موسيقي

03 الشيالين.wmv

لحن الشيالين 

تحليل د. أسامة عفيفي

المذهـب: 

الكلمات المكتوبة لهذا اللحن تقول فى مطلعها 

شــد الحـــزام على وسطك غيره ما يفيدك .. لابد عن يوم برضه ويعدلها سيدك 

وان كان شيل الحمول على ظهرك يكيدك .. أهون عليك يا حر من مـدة إيدك

لندقق معا فى هذين البيتين لغويا

فى البيت الأول تقرير خبرى من شطرتين يلخص واقع الحال والشعور البائس لدى تلك الفئة من الناس مع الأمل فى تغيره 

فى البيت الثانى نجد تعبيرا شرطيا فى الشطرة الأولى يعقبه جواب الشرط فى الثانية وهو جواب نهائى 

ماذا فعل سيد دروبش مع هذه الكلمات؟

1. اختار المقام الموسيقى المناسب للتعبير عن الجو السائد وهو مقام الحجاز

2. اختار الإيقاع السريع للدلالة على الحركة الدائبة وهو إيقاع شعبى بسيط يستطيع الشيالين وما فى حكمهم أداءه 

3. لا وقت للمقدمات الموسيقية فهى ليست ذات أهمية هنا ولا مجال للاستماع إلى موسيقى تمهيدية بينما القطار على وشك التحرك أو توقف بالكاد داخل المحطة وبدأ الركاب فى النزول والتزاحم ، الخلاصة يدخل فى الموضوع مباشرة 

4. استعمل للبيت الأول التقريرى جملة موسيقية مستقرة أى انتهت فى لحظات على درجة الركوز فى المقام الأساس 

5. بانتقال الكلام إلى أسلوب الشرط فى الشطرة الأولى من البيت الثانى علقت الجملة الموسيقية المصاحبة على الدرحة الخامسة إلى أن جاءها الرد من درجة أعلى ومتدرجا تدرجا منطقيا حتى درجة الركوز ليفيد جواب الشرط وانتهاء الموقف

6. قبل الانتهاء يتوقف لحظة للتعبير عن آخر لفظين بما يناسبهما ، ولنلاحظ " مــد" الحركة الموسيقية فى كلمة " مــدة إيدك" باختلاف إيقاعها عن بقية اللحن وللتأكيد عليها أيضا باستعمال تبادل النغمات السلمى السريع فى العودة من الخامسة للأولى فى نهاية الجملة فهى خلاصة جواب الشرط وهى التى تفيد الحكم النهائى ، وقد استعمل سيد درويش نفس التكنيك لإظهار الجملة التأكيدية فى الكوبليهات التالية وهى تعبير ربك قادر فى الكوبليه الثانى ، ويالطيف يا لطيف فى الكوبليه الثالث 

الكوبليــــــه: 

ننتقل هنا إلى الفقرة التالية وهى فى الحقيقة "غنــاء" الشيالين .. ماذا يغنون؟ 

ما تياللا بينا انت وياه .. ونستعان ع الشقا بالله 

واهو اللى فيه القسمة جبناه .. واللى مافيهشى ان شالله ما جاه 

ما دام بتلقى عيش وغموس يهمك ايه تفضل موحوس 

ما تحط راسك بين الروس لا تقوللى لا خيار ولا فاقوس 

أولا الغنائية: لحن هذه الفقرة غنائى فعلا بل ومطرب وفيه كثير من الحماس الموجود فى الكلمات فهم يشجعون بعضهم بعضا على العمل بالدعوة إلى الحركة وتحمل العناء والرضا بالرزق المقسوم والصبر ما دامت لقمة العيش قد تحققت ، هذه هى حياتهم وهذا هو غناؤهم، فليكن غناء إذاً وطربا ما دام الرضا هو الهدف 

ثانيا التأكيد اللفظى: الملاحظة لجملة شرطية أخرى فى هذه الفقرة تقودنا إلى استخدام جديد آخر فى التعبير الموسيقى ، فمن المعروف أن أية جملة مكتوبة تختلف فى وقعها على السامع إذا تم التركيز فى القراءة على كلمة دون أخرى ، فمثلا إذا قلنا:

قرا تلميذ مقطعا من قصيدة 

إذا ركز القارئ بصوته على كلمة قرأ فهو يعنى أن الفاعل قد قرأ ولم يكتب مثلا 

فإذا ركز على كلمة تلميذ فهو يعنى تخصيص التلميذ دون غيره بالقيام بالقراءة 

فإذا ركز على كلمة مقطعا فليس القصيدة كلها وإذا ركز على كلمة قصيدة فقد نفى أن يكون المقروء قصة أو مقال .. 

وهكذا استعمل سيد درويش التركيز على لفظ معين وسط جملة لحنية للدلالة على قصدها دون سواها بالمعنى المقصود 

ونلاحظ ذلك فى البيت الشرطى مادام بتلقى عيش وغموس يهمك ايه تفضل موحوس  

فنجده قد ركز على كلمة " يهمك إيه" بتصديرها فى أعلى درجة موسيقية فى الجملة ، لبيان أهميتها وكونها جواب الشرط 

ثالثـا تماثل الجملة اللفظية والجملة اللحنية: البيت الأخير ينطوى على نصيحة تالية تنهى الحديث بما يجب اتباعه ويستحسن إضافتها فى تقرير نهائى والانتهاء بها إلى الاستقرار وهو مافعله سيد درويش فى " ما تحط راسك بين الروس .. " إلى آخر الجملة فى سلم تبادلى سريع إلى درجة الركوز ، وباسلوب يمنع تميز أى درجة عن الأخرى فالحروف تقطع أزمنة متساوية تفيد فعلا تساوى الرؤوس! 

رابعا التأكيد اللحنى: عند تأكيد المعنى السابق لفظا بتعبير لا خيار ولا فاقوس يتريث اللحن للحظتين لتأكيد الفكرة وتوضيحها 

خامسا الدوران: عند انتهاء آخر حركة فى الفقرة نجده يرفع نهايتها سريعا إلى الدرجة الخامسة لتسليمها إلى بداية الفقرة الجديدة بدون توقف موسيقى للمحافظة على الجو العام للحن والتعبير عن تكدس الأشياء والحركات دون فوارق 

معـــــــالجة المقاطع

اختفاء "اللـزم" الموسيقية: نلاحظ فى هذا اللحن اختفاء "اللـزم" الموسيقية بين المقاطع ، والحقيقة أن هذا اللحن ليس الوحيد لسيد درويش الذى ليس به لازمة موسيقية واحدة من أوله إلى آخره ، وهى سمة وردت على وجه الخصوص فى ألحانه الشعبية ولا شك أنها أنسب فى التعبير عن البيئة الشعبية ، وفى لحن الشيالين فإن هذا ينقل جو الازدحام السائد فى المحطة وضيق الوقت الشديد حيث أن الشيال ليس أمامه إلا دقائق وربما ثوان ليجد فرصة عمل عند نزول الركاب ومن ثم العمل فورا ، وقد أمعن فى ذلك فى هذا اللحن بالذات برفع غناء النهاية وتسليمه إلى أول لفظ فى المقطع التالى دون توقف كما ذكرنا فى الفقرة السابقة 

كرر سيد درويش نفس اللحن على المقاطع التالية محافظا على وحدة اللحن ، ليس فقط لكونها تعبر عن ذات القصة ولكن أيضا لكون اللحن تعبيرا فولكلوريا شعبيا لا يستقيم معه تغيير لحن كل مقطع فبهذا يحافظ على بساطته ويقنعك أن الذى يغنيه مجموعة من الشيالين وليس من المطربين ، وهو الأسلوب الذى اتبعه سيد درويش فى معظم أغانيه الشعبية 

مقطع النهاية: استخدام التيــمة 

فى مقطع النهاية تقول الكلمات 

قرب شيلنى شيل.. لا تقوللى كتير وقليل .. عمر الشدة ما تطول .. بكرة نهيص زى الأول هيلا هيلا 

هنا وجد سيد درويش نفسه أمام صورة جديدة، نداء للعمل وحماس وأمل ، انتهت صور الشكوى والمعاناة وبدأ الغناء للعمل، وقد صيغت على تفعيلة جديدة ، قصيرة وذات وقع خاص، وهو ما يحتاج إلى معالجة خاصة 

نلاحظ أنه وضع جملة لحنية جديدة قصد بها 

أولا: إظهار التفعيلة        ثانيا: تغيير الصورة         ثالثا: استخدام التيمة

وقد صاغها سيد درويش فى منتهى البساطة فى جملة صغيرة تدور معلقة على محورين صغيرين هما محور الخامسة السادسة الرابعة وهو محور غير مستقر أى ينتظر جوابا، ومحور الرابعة الخامسة الثالثة وهو محور مستقر يعطى جواب المحور السابق ، وإذا فحصنا الكلمات نجدها تسير على نفس النمط 

وعندما وصل إلى آخر لفظ ، هيلا هيلا ، وهو شعار الشيالين بالطبع جعله يغنى فى تكرار سريع موقع على نفس النغمة السابقة ليعطى إيحاء بانتهاء اللحن والموقف بتلميح لآخر معنى وصل إليه، فهو يغنى هيلا هيـلا هيـلا هيـــلا ، هيلا هيـلا هيـلا هيـــلا ، وينتهى اللحن بهذا الشعار وهو قمة التعبير 

الأداء التعبيرى 

نأتى فى نفس اللحن لشئ آخر لم يستطع أداءه غير سيد درويش نفسه، وليس من الممكن تصور أن باستطاعة أحد تكرار أداءه هذا أو حتى تقليده.  لنسمعه يغنى ذلك المقطع "مادام بتلقى عيش وغموس يهمك ايه تفضل موحوس 

هذا المقطع، كلاما، ينطوى على سخرية واضحة، وقد صاغه سيد درويش بطريقة تصاعدية سلمية كما ذكرنا حتى كلمة "إيه". إنه يؤدى بصوته هذا المقطع بطريقة ساخرة أيضا، إنه عمدا لا يتقيد بالنغمات التى وضعها هو بنفسه للكلمات، وهو يبدل ويلون فى الأداء على هذا السلم بطريقة عجيبة بل يضيف حركات صوتية ليست فى اللحن أساسا 

الواقع أن أداء سيد درويش لهذا المقطع ينضم إلى أدائه فى مقاطع أخرى من أغانيه لم يستطع أحد أداءها بنفس التمكن، وهذا مما يضيف إلى رصيد الشيخ سيد فى مدرسته التعبيرية ، وهو وقد اتهم برداءة الصوت فإن من اتهموه لم يكن يهمهم التمييز بين نوعية الصوت، وهو هبة إلهية لا يستطيع إنسان تغييرها، وبين الأداء الجيد والتحكم فى النغمات وطريقة الإلقاء، وهو ما يحتاج إلى أذن موسيقية غاية فى الإحساس، وهى أيضا موهبة إلهية، وبجانبها تمكن تام من قواعد الموسيقى العلمية ووعى كامل باللغة ولهجاتها وتعبيراتها. وإذا لم يتمتع سيد درويش بصوت حسن فإنه قد امتلك الأدوات الأخرى دون شك وبامتياز، وربما كان هذا الذى دفعه إلى معترك الموسيقى والتلحين دون تردد