الهوى والشباب - محمد عبد الوهاب

الهوى والشباب.wmv

الهوى والشباب - محمد عبد الوهاب - كلمات بشارة الخوري

مقام عجم النوا - صول ماجير 1932

تحليل موسيقي د.أسامة عفيفي


الْهوى والشبابُ والأمَلُ الْمنشــودُ تُغري فتبعثُ الشعرَ حيّــا

والهوى والشباب والأمل الْمنـشود ضاعت جميعها من يديّا

يشربُ الكأسَ ذو الحِجَا ويبقى لِغَـدٍ في قَـرارة الكأس شيـّا

لم يكنْ لى غدٌ فأفرغتُ كأسي ثم حطَّمتُهـا على شَفَتَيّــا

أيهـا الْخافقُ الْمُعذَّبُ يا قَلْبي نَزَحْــتَ الدمـــوعَ من مُقْلَتَيّـــا

أَفَحَتْـمٌ عليَّ إرسـالُ دمعي كلمــا لاح بارقٌ في مُحيّــــــا

يا حبيبي لأجل عينيكَ ما أَلْقَى ومـا أَوَّلَ الوُشـــاةُ عليّـــــــا

أأنا العاشقُ الوحيدُ لِتُلْقَى تَبِعـــــاتُ الْهــــوى على كَتِفَيّـا

اختار محمد عبد الوهاب قصيدة "الهوى والشباب" للشاعر اللبناني بشارة الخوري المعروف باسم "الأخطل" الصغير، لتكون أول قصيدة يغنيها لشاعر غير أحمد شوقي بعد سنوات من تصدر شعر شوقي لقصائد عبد الوهاب (18 لحنا من أشعار شوقي في 6 سنوات منها 8 قصائد و10 أغنيات من شعر العامية). وقد غنى عبد الوهاب من شعر الخوري بعدها بعام واحد القصيدة الأشهر "جفنه علم الغزل"، ثم "الصبا والجمال" عام 1940 في فيلم يوم سعيد.

تغير أمر عبد الوهاب بعد وفاة شوقي، ويبدو أن الفنان الشاب، 28 عاما، قد تحرر منذ ذلك الحين من أشياء كثيرة ومنها قبضة شوقي الضاغطة. لم يكن شوقي شخصية عادية في حياة عبد الوهاب، فقد كان له بمثابة الأب الروحي والوصي عليه وعلى فنه، وكان جهازه الإعلامي والمجتمعي الواصل. لم يكن ذلك الدور من جهة واحدة على أي حال، فقد رأى شوقي أيضا أن صوت عبد الوهاب يمكن أن يكون وسيلة مثلى لانتشار شعره الذي قد يظل الشعر حبيس الكتب والدواوين للأبد. نحن تقريبا أمام نوع من الاحتكار؛ أكثر عبد الوهاب من تلحين وغناء قصائد شوقي، وبعد تنصيبه أميرا للشعراء أصبح شاعره الوحيد حتى وفاته، بينما نافس شوقي فطاحل شعراء عصره مثل حافظ إبراهيم والمازني والعقاد بصوت عبد الوهاب

لم تكن قبضة شوقي يسيرة على عبد الوهاب، فهو وإن احتاج دعمه له في شبابه فقد عصرته تلك القبضة عصرا في طفولته، ويكفي أن نذكر قصة استصدار شوقي لأمر من حكمدار القاهرة بمنع عبد الوهاب من الغناء لصغر سنه، وأثرت تلك الواقعة سلبا في حياة عبد الوهاب في أوائل حياته إلى درجة إصابته بالرعب حينما أبلغه أحد الحاضرين في حفل اشترك فيه بالغناء على مسرح سان استفانو بالإسكندرية عام 1924 بأن أحمد شوقي "بك"، الذي كان من بين الحضور، يريد مقابلته. خشي عبد الوهاب أن يكرر شوقي معه نفس المأساة لكن شوقي طمأنه إلى أنه سيأخذ بيده هذه المرة وسيشجعه على الغناء، وهو ما حدث بالفعل

لم يتجه عبد الوهاب إلى أقطاب الشعراء في عصر شوقي، ربما بسبب التوتر الناتج عن احتدام المنافسة بينهم وبين أمير الشعراء، بل اتجه إلى الشعراء الجدد أو المحايدين، لكنه استمر في تقديم بعض أشعار شوقي في الأربعينات والخمسينات

اللحن والغناء - تحليل موسيقي

1. مازال في لحن "الهوى والشباب" كثير من التقليدية القديمة رغم بداية اللحن بمقدمة قصيرة على إيقاع الفالس الثلاثي غير المعهود في القصائد، كما أمعن عبد الوهاب في تطريب اللحن وإضافة جو "السلطنة" عليه خاصة مع الغناء من مقامي الراست والبياتي

2. الاقتصار على العود، وهذا هو ثاني تسجيل لقصائد عبد الوهاب بالعود فقط دون التخت ويبدو أنه سجله في نفس الوقت مع قصيدة "يا شراعا وراء دجلة يجري" (القصيدتان من إنتاج 1932)

3. مما لا شك فيه أن لحن القصيدة قد بدأ بمقام العجم (ماجير) المصور، وانتهي بالبياتي المصور، لكن هذا ليس كل شيء

4. الواقع أن جميع المقامات المستخدمة في هذا اللحن مقامات مصورة ليس من بينها مقام أصلي واحد. يبدأ اللحن بعجم مصور، ثم راست مصور على نفس الدرجة، يتخلله لازمة قصيرة من مقام أثركورد مصور، ثم ينتهي بمقام بياتي مصور على الدرجة الثانية، بعد "تحويلة" قصيرة مقام نكريز، أيضا مصور. وتصوير المقامات لمن يود المعرفة هو نقل المقام من موقعه الأصلي على السلم الموسيقي إلى موقع آخر جديد، أعلى أو أخفض، مع الاحتفاظ بنفس النغم

5. يمكن ترتيب أجزاء اللحن هكذا:

  • مقدمة موسيقية قصيرة - فالس

  • غناء حر - في أول بيتين

  • عودة للفالس مع غناء البيتين الثالث والرابع وإنهاء المقطع بالراست

  • غناء على الوحدة الكبيرة مع البيت الخامس

  • تكرار اللازمة الماجير على الراست مع استعمال فاصل قصير أثر كورد يمهد للعودة للماجير في أي وقت (لم يستعمل)

  • تحول سريع إلى جنس نكريز على نفس الركوز مع بداية البيت السادس ثم إلى بياتي النوا مع نهايته وحتى نهاية البيت السابع لينهي به القصيدة كلها

6. التغيير والتحرر من القيود

وبذلك يعلن عبد الوهاب للمرة الثالثة تحرره من التقليد القديم بإنهاء اللحن بنفس المقام الذي بدأ به، وانتهى هنا في مقام مغاير تماما للبداية، وأود أن أتوقف هنا قليلا عند عبارة (لم يستعمل) في النقطة السابقة، والمقصود من وجود فاصل قصير بهذا الشكل (ثانيتين فقط) من مقام مختلف عن السياق العام هو إيجاد رابط يستطيع منه الملحن العودة إلى المقام الأصلي، لكنه أهمل العودة واستمر في تكريس تغيير المقام إلى نهاية غير متوقعة

في عصر القوالب الجامدة كان ينظر للعودة للمقام الأصلي باعتبارها قاعدة أساسية لا تقبل الجدل أو التجريب، لكن عبد الوهاب أطلق لخياله العنان وشيئا فشيئا أخذ يكسر القاعدة تلو الأخرى، حتى أصبح فيما بعد صانع قواعد وأشكال جديدة سار عليها الفنانون اللاحقون .. لكن ذلك لم يكن من فراغ .. فقد استلهم عبد الوهاب روح مدرسة عصر جديد أرسى معالمها سلفه سيد درويش، وهي تتلخص في عبارة واحدة .. التغيير من أجل التعبير ..

لكن حتى ذلك الوقت لم يكن عبد الوهاب قد بدأ التغيير الحقيقي، فقط كان يحوم حوله .. إلى أن جاء العام التالي 1933 .. عام الانطلاق